logo
فرنسيس.. بابا الأخوّة الإنسانية

فرنسيس.. بابا الأخوّة الإنسانية

الاتحاد٢١-٠٤-٢٠٢٥

فرنسيس.. بابا الأخوّة الإنسانية
لم يكن البابا فرنسيس كغيره من البابوات الذين تربّعوا على كرسي المؤسِّس القدّيس بطرس (صخرة المسيحية كما وصفه السيّد المسيح نفسه). فقد ارتفع ببابويته إلى المرجعية الإنسانية الشاملة، وجسّد عملياً وواقعياً المبدأ الذي يقول: «ليس الإنسان لخدمة الدين، ولكن الدين لخدمة الإنسان».لقد سما بمسيحيته وبمرجعيته المسيحية إلى المرجعية الإنسانية السمحاء من خلال وثيقة الأخوّة الإنسانية التي أصدرها من أبوظبي مع سماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيّب. كثيراً ما استُخدم الدين في الاختلافات والصراعات وحتى في الحروب.
ولكن القيم الإنسانية الرفيعة التي نادى بها البابا والإمام من منبر أبوظبي، يوم 4 فبراير2019، وبحضور ممثلين عن كل الأديان والعقائد الإيمانية العديدة الأخرى (84 بالمائة من البشر يؤمنون بعقيدة دينية) سمت بالمفهوم الديني، وبدور الدين في العلاقات الإنسانية، إلى مستويات غير مسبوقة في سلّم القيم النبيلة والعقائد السامية.
لقد تناولت وثيقة الأخوّة الإنسانية دور الدين -أي دور الإيمان بالله الواحد- في رعاية حقوق الإنسان في الكرامة (ولقد كرّمنا بني آدم) كما جاء في القرآن الكريم، من الطفولة حتى الشيخوخة، بل وحتى أرذل العمر. وتناولت حقوق الطفل والمرأة والرجل على قدر متساوٍ من المسؤولية الجماعية والمشتركة. لم يعرف تاريخ العلاقات الإسلامية - المسيحية وثيقة أخوّة في مثل هذا الشمول الإنساني، وهذا التسامي عن الذاتية الضيّقة. ولعل أول مبادرة عملية تترجم الالتزام بالأخوة الإنسانية، تمثّلت في قيام البابا فرنسيس نفسه بزيارة بنجلادش للقاء تضامني مع جماعات «الروهنغا» المسلمين الذين هُجروا من بيوتهم ومن ديارهم في ميانمار بعد أن تعرّضوا لشتى أنواع الاضطهاد. وقبل ذلك حرص البابا الراحل على الاشتراك في مؤتمر حول السلام العالمي نظّمه الأزهر في القاهرة. كان بذلك أول بابا يزور مقرّ الأزهر الشريف، ثم كان أول بابا يزور المرجعية الشيعية في النجف الأشرف في العراق، ويسير على خطى سيّدنا إبراهيم أبو الأنبياء.
لقد اتخذ البابا فرنسيس اسمه تيمّناً بالقديس فرنسيس الذي تقدّسه الكنيسة اليوم لأنه خرج من بين صفوف القوات الصليبية للتحاور مع المسلمين بحثاً عن كلمة سواء. وسبق لي أن تعرفتُ عليه عندما كان رئيس أساقفة العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس. فقد وجدتُ في مكتبه نسخة من القرآن الكريم مترجم إلى اللغة الإسبانية، وعرفت أنه كان يترأس لجنة- كان يتولى هو نفسه أمرها- تضمّ مسلمين ويهوداً ومسيحيين أرجنتينيين للعمل معاً من أجل العيش الواحد والاحترام الديني المشترك. ولما اعتلى الكرسي البابوي جاء بهذه الثقافة الإيمانية الانفتاحية ليطلقها إلى العالمية من أبوظبي.
بوفاته تخسر الكنيسة الكاثوليكية، وتخسر الإنسانية جميعها، راعياً من كبار رعاة المحبة والتسامح، وداعياً من كبار دعاة الأخّوة الإنسانية والعاملين عليها. فالدين عنده كما جاء في كتابه «الأخوة الكاملة والمتكاملة» الذي صدر بعد لقاء أبوظبي، ليس مجرد صلاة في كنيسة بل في خدمة الإنسان ومحبته. بوفاة البابا فرنسيس تخسر الكنيسة الكاثوليكية ركناً من أركانها.. ومعلماً من أتباع المسيح والمؤمنين برسالته في التضحية والمحبة والتسامح.
*كاتب لبناني

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

موضوع تعبير عن القدس.. مقدمة وعرض وخاتمة
موضوع تعبير عن القدس.. مقدمة وعرض وخاتمة

البوابة

timeمنذ 13 ساعات

  • البوابة

موضوع تعبير عن القدس.. مقدمة وعرض وخاتمة

تقف مدينة القدس شامخة، في قلب الشرق الأوسط، فهي أسطورة حية، ومهد للديانات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية، وتحمل بين جنباتها آلاف السنين من التاريخ، تروي صمود حضارات، وتصارع أمم، وتحفظ في كل حجر من حجارتها حكاية نبوة، وذكرى مقدسة، وصلاة خالصة. القدس مدينة تتجاوز حدود الزمان والمكان، وأصبحت رمزًا للسلام والصراع، للأمل والتحدي، ولتستمر في كونها محور اهتمام العالم أجمع، وفي هذا الموضوع الصحفي، نتعمق في تاريخ القدس العريق، مكانتها الروحية، والتحديات التي تواجهها، مؤكدين على أنها أكثر من مجرد مدينة؛ إنها قلب الإنسانية النابض. ثلاثة أديان ومدينة واحدة.. القدس قلب الإيمان والتاريخ لطالما كانت القدس محط أنظار العالم بأسره، وذلك لمكانتها الدينية الفريدة التي لا تُضاهى، ففي الإسلام، هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، تضم المسجد الأقصى المبارك بقبته الذهبية الشهيرة، وهو المكان الذي أُسري بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليه ومنه عرج إلى السماء. وبالنسبة للمسيحيين، هي الأرض المقدسة التي شهدت حياة السيد المسيح عليه السلام، وموقع كنيسة القيامة التي تضم قبره المقدس، مما يجعلها قبلة لملايين الحجاج من كل بقاع الأرض، وبالنسبة لليهود، هي مدينة داود وعاصمة مملكة يهوذا القديمة، وتحتوي على حائط البراق (المبكى) الذي يُعتبر أقدس أماكنهم. هذا التنوع الديني والثراء التاريخي جعل من القدس حالة دينية وثقافية فريدة، حيث تتعايش فيها شعوب وخلفيات مختلفة منذ قرون، وتحكي شوارعها الضيقة وأسواقها القديمة قصصًا عن التسامح والتعايش، وإن كانت محفوفة بالتحديات والصراعات السياسية المستمرة. ولكن القدس رغم قدسيتها، لم تسلم من ويلات الحروب والنزاعات التي تركت بصماتها على تاريخها الحديث، فالصراع على هذه المدينة المقدسة هو في جوهره صراع على الهوية والتاريخ والحق في الوجود، مما يجعلها بؤرة للتوترات الإقليمية والدولية. وتواجه القدس اليوم تحديات جمة، أبرزها التغيرات الديموغرافية، التضييقات على السكان الفلسطينيين، ومحاولات تغيير طابعها وهويتها العربية والإسلامية، وهذه التحديات لا تهدد فقط النسيج الاجتماعي للمدينة، بل تمس أيضًا حريات العبادة وتعيق وصول المصلين إلى أماكنهم المقدسة، ورغم كل هذه الصعاب، يبقى الفلسطينيون، مسلمون ومسيحيون، متمسكين بهويتهم وحقهم في مدينتهم، مؤمنين بأن صمودهم هو صمود للتاريخ والعدالة. صمود القدس.. تحديات الحفاظ على الهوية القدس قضية إنسانية وروحية بامتياز وليست مجرد قضية سياسية أو صراع على أرض، فالحفاظ على طابعها المتعدد الثقافات والديني، وضمان حرية العبادة للجميع، وحماية حقوق سكانها الأصليين، هو مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي، فالقدس مدينة عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهي تستحق أن تكون واحة للسلام والتعايش، تعكس جمال التنوع البشري وتجسد قيم الاحترام المتبادل، وستبقى القدس، بتاريخها العريق وروحانيتها المتفردة، نبضًا حيًا في وجدان الملايين، وشاهدًا على أن الأمل في السلام يمكن أن ينتصر على التحديات.

فلسفة الأخوّة.. مدخل للتحديث السياسي العربي
فلسفة الأخوّة.. مدخل للتحديث السياسي العربي

الاتحاد

timeمنذ 3 أيام

  • الاتحاد

فلسفة الأخوّة.. مدخل للتحديث السياسي العربي

فلسفة الأخوّة.. مدخل للتحديث السياسي العربي في ملاحظة طريفة، يذهب الفيلسوف الفرنسي رجيس دوبريه إلى القول بأن الصراع الدائر راهنا في أغلب المجتمعات العالمية يتركز في خط الحدود الفاصلة ما بين الهويات الثقافية العضوية والهويات السياسية المصطنعة. والهويات الثقافية هي ما تعبّر عنه مقولة «القبيلة» إذا فهمت بالمعنى الأوسع الذي هو الانتماء القائم على التشابه في الأصل والمحددات الطبيعية الثابتة، والهويات السياسية هي بالأساس الدولة المدنية القائمة على معايير المواطنة والحرية والمساواة. دوبريه يعبّر عن هذه الثنائية بعبارتَي «القرابة» و«الأخوة»: أولاهما شعور تلقائي فطري يبدو عادياً ويطفو في ساعات التأزم والفتنة والتفكك، وثانيتهما اختيار توافقي وصيغة مؤسسية مخترعة هشة بالضرورة ومعرّضة دوماً للتحلل والضياع. لا شك في أن ابن خلدون قد انتبه إلى هذه المعادلة في نظريته الشهيرة حول العصبية، عندما أجلى الفرق بين القرابة النسبية والرابطة التلاحمية التي هي وحدها شرط البناء السياسي المنظم. وما يلاحظ دوبريه هو أن العالَم يعيش راهناً عودةَ القبيلة التي اعتقد الكثيرون أنهم تجاوزوها من خلال شكل الدولة الحديثة القائمة على التعاقد الاجتماعي والشرعية القانونية المدنية. ومن هنا يجزم أن الحالة القبلية ليست ظاهرة قديمة من الماضي السحيق، بل هي من سمات المجتمعات ما بعد الحديثة، بقدر ما ترجع في الآن نفسه إلى ما قبل الحداثة. وبالنسبة لدوبريه لم ينجح سوى العالم الغربي في تجاوز القبيلة من خلال مفهوم الأخوّة الذي هو العنصر الهام من ثلاثية «الحرية والمساواة والأخوة» التي بلورتها الثورات الدستورية والسياسية الأوروبية منذ نهاية القرن الثامن عشر. في البلدان العربية والأفريقية، يرى دوبريه أن حالة الأخوة المدنية كانت طوبائية وهشة، ولذا سرعان ما انهارت عند الهزات الاجتماعية الكبرى التي عرفتها هذه البلدان، فرجعت البنيات القبلية العضوية إلى الواجهة وعوضت الأشكال السياسية للدولة. والواقع أن مفهوم الأخوة نادراً ما يحظى باهتمام نظري دقيق في الفكر العربي المعاصر، في مقابل مفهوم المساواة الذي له جذور تراثية قوية ومفهوم الحرية الذي شكّل محور اهتمام الخطاب العربي الحديث. ولطالما اختُزل هذا المفهوم في اعتبارات القرابة النسَبية أو القومية أو الانتماء الديني والطائفي، دون أن يؤسَّس على محددات نظرية رصينة. وفي التراث الوسيط، نجد كتابات غزيرة حول الصداقة والصحبة والألفة، لكن نادراً ما نلمس ما يقابلها حول الأخوّة. وفي الفكر العربي الحديث نلاحظ تركيزاً قوياً على معايير المواطنة المدنية، بمنأى عن أرضيتها الأنتربولوجية، أي الرابطة الإنسانية القائمة على التعاطف والتضامن خارج وشائج النسب والقرابة. وما يتعين التنبيه إليه هنا هو أن أحد الأسباب العميقة لقصور المواطنة في السياق العربي هو هذا الاختزال القانوني الإجرائي الذي يفتقد جدياً إلى مرجعيات نظرية ومعيارية تؤسسه على فكرة الأخوّة.ولا شك في أن وثيقة «الأخوّة الإنسانية» الصادرة في أبوظبي عن البابا السابق فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب شكّلت نقطة تحول أساسية في مقاربة البناء النظري المحكم لمفهوم الأخوة في دوائره الثلاث: المواطنة والدائرة الدينية والرابطة الإنسانية المشتركة. وبعد ذلك نشر البابا فرنسيس رسالةً بعنوان «كلنا إخوة» (fratelli tutti) ركّز فيها على معاني السلم والتعايش الجماعي والصداقة، معتبراً أن مقولةَ الأخوة هي القاعدة المرجعية لمدونة حقوق الإنسان المعاصرة. ما حذّر منه البابا هو صعود النزعة الشعبوية الجديدة في الغرب، والتي أفضت إلى تضييق مجال الأخوة الإنسانية إلى النطاق الوطني المحدود، بما انجرّ عنه إقصاء ومحاربة المهاجرين واللاجئين والأغراب. لكن هذه النزعة انعكست داخل الحقل الوطني نفسه الذي أصبح مدار التناقضات والصراعات الهوياتية المدمرة. والأمر هنا يتعلق بما أشار إليه دوبريه من تجدد النزعة القبلية بمعناها القرابي النسبي المغلق (لا العصبية التلاحمية المفتوحة)، وهو الوجه الآخر لما سماه الفيلسوف التشيكي جان باتوشكا «تضامن القلقين» (solidarity of the shaken)، أي المجموعات التي تعرضت للاضطهاد والعنف والتنكيل الجماعي فانغلقت على نفسها ووجدت في الانكفاء والعزلة طريقاً للأمن ومسلكاً للحماية. خلاصة الأمر، أن الفكر العربي بحاجة اليوم إلى معالجة واستيعاب مفهوم الأخوة، بإخراجه من محددات الهوية الضيقة، والنظر إليه في أفقه الأخلاقي والإنساني المتسع، شرطاً لا محيد عنه من أجل استنبات القيم المدنية والسياسية الحديثة التي هي أساس المواطنة في ما وراء دلالاتها القانونية الإجرائية المحدودة. *أكاديمي موريتاني

نيابة عن رئيس الدولة.. سعود بن صقر يحضر مراسم تنصيب البابا ليو الرابع عشر
نيابة عن رئيس الدولة.. سعود بن صقر يحضر مراسم تنصيب البابا ليو الرابع عشر

الاتحاد

timeمنذ 3 أيام

  • الاتحاد

نيابة عن رئيس الدولة.. سعود بن صقر يحضر مراسم تنصيب البابا ليو الرابع عشر

نيابة عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حضر صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم رأس الخيمة، يرافقه الشيخ خالد بن سعود بن صقر القاسمي، نائب رئيس مجلس إدارة مكتب الاستثمار والتطوير في رأس الخيمة، اليوم، مراسم تنصيب البابا ليو الرابع عشر رئيساً للكنيسة الكاثوليكية، خلفاً للبابا الراحل فرنسيس، في ساحة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان بالعاصمة الإيطالية «روما»، وذلك بحضور عدد من رؤساء الدول وقادة وزعماء العالم. ونقل سموه لقداسة البابا ليو الرابع عشر، تهاني صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على الثقة الكبيرة التي أولاه إياها مجمع الكرادلة في حاضرة الفاتيكان بانتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، متمنياً لقداسته التوفيق والسداد في تعزيز قيم السلام والتعايش، ودعم الحوار الحضاري والإنساني، والتقارب بين الشعوب والأديان. وأكد صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي أن دولة الإمارات حريصة على تعزيز رسالتها الإنسانية، والعمل مع البابا ليو الرابع عشر على ترسيخ قيم السلام، والتعايش، والتسامح في العالم، ودعم الجهود المشتركة الهادفة إلى إيجاد حلول للقضايا الإنسانية والاجتماعية، بما يخدم البشرية جمعاء. وأشار سموه إلى أهمية إعلاء مفاهيم التسامح والسلام والحوار بين مختلف الأديان في العالم، من خلال وثيقة «الأخوة الإنسانية» التي وقعت في أبوظبي عام 2019، بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والبابا الراحل فرنسيس، والتي شكّلت محطة تاريخية وعلامة مضيئة في مسيرة التقارب بين الأديان والتآخي بين البشر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store