
تباريح عقل في حضرة الغواشي بمقام الافاكين داخل الممر الخامس عشر
بقلم محمد جابر
كاتب صحفي
عندما اقتربت من الممر الخامس عشر لم أكن أدرك أنني على أعتاب عالم مغاير فلم يكن هذا الممر كسائر الممرات بل بدا كمتحف خفي صمم بإتقان ليعرض الزيف في أبهى صوره ويمنح الجهل مكانة لم يكن يوما أهلا لها على جانبيه اصطفت قوالب لا تثبت علما بل توثق وهما بإطارات مغلفة تكاد تنطق لمن يمر بها أن السراب هنا يباع على أنه حقيقة
ما إن دنوت من مدخله حتى اعترضتني وجوه تحمل ملامح بلا هوية وحديث متعالٍ ينبض بالسخرية أكثر مما ينبض بالمعرفة سألتني إحداهن بنبرة يغلب عليها الغرور أكثر مما تحمل من الفضول إلى أين تذهب وماذا ترجو من هذه الممرات لن تصلح العالم يا هذا فأنت الآن على أعتاب عش الدبابير وإن مضيت فالعائد الوحيد لك هو وجع لا يأبه به أحد
لم أجب لا تهربا من الحديث ولكن لأن الكلمات بدت ضئيلة أمام اتساع ما شعرت به اكتفيت بالصمت وأكملت طريقي بينما الأسئلة تتوالى من أفواه كثيرة كأنها قد فتحت دفعة واحدة لم يكن ذلك حوارا بل استجوابا فاترا من عقول أنهكها الاستعراض واستبد بها الصدى حتى باتت تردد أصواتها أكثر مما تسمع
في داخلي قاومت رغبة حقيقية في عدم الولوج الي هذا الممر فالمكان كان يحمل رائحة لا تشبه إلا العفن الفكري رائحة عقلٍ مريض وقلب مشغول بغير الحق ومع ذلك واصلت السير لم يكن دافعي الفضول بل حاجة داخلية إلى الفهم إلى إدراك ما الذي جعل هذا الممر يختلف عن سواه ومن اين يأتي العطن
في عمق الممر بدت تبة مرتفعة كأنها عرش مشيد على الفراغ فوقها جلس البهلول الأعظم يلوحون له بألقابهم كما لو كانت تيجانا مقدسة لا يحسنون من المجد إلا ذكره ولا من الشرف إلا ما كتب على بطاقات التعريف كانوا يتحدثون كثيرا عن القيم وعن جولات وبطولات كلها كانوا هم الكومبارس ونسبوها لهم كابطال غير أن حديثهم بدا كما لو أنهم يصفون ماء البحر دون أن يبللوا أقدامهم فهي أسماء رنانة وألقاب مدوية وما لهم بعدها إلا العبث وصورة وكلمة منقولة عقيمة المعنى تعثر نطقها بفعل جهلهم فبدت أقرب إلى سخف هزلي وهرطقة فكرية
هناك في ذلك الركن المرتفع كل يزكي الآخر بالآخر ويمدحه بما ليس فيه والبهلول الأكبر على المنصة يثني على الأفاقين لأنه الافاق الأعظم في مشهد يخفي تحته طقوس التبجيل وصفاقة فكرية لا تخفى على من أوتي بصيرة كانوا يرفعون من لا يستحقون ويقصون من يكشف غيبهم ويشير الي رائحتهم وكأن المنصات لا تبنى على الفكر بل تشاد بالصوت العالي والولاء للمال وأرباب المصالح
بدأت ألاحظ أن القيم في هذا المكان لا تقاس بالعلم بل بالضجيج ولا توزن بالفهم بل بلغة تسويقية زائفة ترتدي ثوب التحفيز والإلهام لغير ذي عقل
المفاهيم جميعها كانت معكوسة النجاح بات سريعا بلا مسار الثقافة انحصرت في شعارات فارغة والنموذج المقدم للشباب لم يعد قدوة بل دمية تحركها مصالح خفية
ويتساءلون عن عزوف الشباب بينما الحقيقة أنكم أنتم من يوجب عليه أن يتنحى جانبا ليُفسح المجال لشباب قادر على الإبداع بفكره لا بإرثكم من الجهل
كل ما حولي أوحى أن المسرح قد أعد منذ زمن بعيد وأن الجمهور الذي حضر ليشاهد قد تحول من متلق إلى ضحية رأيت وجوها شابة تحدق في المنصات لا لتتعلم بل لتقنع نفسها أن هذه هي الحياة ضاع اتجاها وساد التيه في مشهد يوحي بأن ما يحدث خطة ممنهجة تنفذ في صمت لإقصاء العقلاء وتهميش أهل المعرفة وصعود أصحاب الوهن ممن احترفوا الصخب والنصب والخداع
رغم ذلك لم أفقد الرجاء وتابعت السير كنت أبحث عن كلمة تقال في وجه هذا العبث كلمة تبدأ بكفى… وتسائل من تصدروا المشهد …من أنتم …وما حجتكم في توجيه العقول ما سيرتكم ومن منحكم الحق في الحديث باسم الثقافة والفكر شعرت أن أغلبهم ما هم إلا نتاج فراغ تاريخي خرجوا من عباءة الفوضى وتسللوا إلى المشهد في لحظة غفلة وما زالوا وإن كانوا أشد خطرا من إرهاب السلاح
بعضهم وليد يناير وبعضهم نبت في ظلال الصراعات بينما ما زال يونيو يكافح لتطهير الساحة من إرهاب ناعم لا يشبه ذلك الذي نعرفه فليس كل إرهاب قنبلة وصراخ هناك إرهاب يمارس باسم الهوية والثقافة يقصي المختلف ويعلي الجهل ويشرعن الضياع تحت شعارات براقة
في نهاية الممر وقفت طويلا لم أكن تائها بل كنت أبحث لا عن ممر جديد بل عن ما تبقى …أجل ما تبقي من الحياء عن ذرة صدق عن فكرة لم تشوه عن كلمة لم يفسدها سم التطبيل
لكن المكان كما بدا لا يسكنه إلا الزيف ولا تسمع فيه إلا أصداء التصفيق وصوت صاخب لطبلة أما الحقيقة فقد أُقصيت إلى الظل وما زالت تنتظر أن يعاد لها بعض من ضوء في الممر السادس عشر
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المصري اليوم
منذ 24 دقائق
- المصري اليوم
أمين الفتوى: التوبة متاحة ما دام الإنسان حيًّا ولاتقبل عند لحظة الموت
قال الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، ردًا على سؤال مرام على من دمياط حول ما إذا كان الله يغفر الذنوب حتى لو كرر الإنسان العودة إليها، إن الناس في النظر إلى الذنوب نوعان: من بلغ سن التكليف وكان عاقلًا، فهذا تُكتب له الحسنات والسيئات، ومن لم يبلغ أو فقد عقله فلا تُكتب عليه الذنوب وتُكتب له الحسنات. وأوضح شلبي، خلال حوار مع الإعلامية زينب سعد الدين، ببرنامج «فتاوى الناس»، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن من ارتكب ذنبًا فعليه أن يتوب ويستغفر، وإذا عاد للذنب فعليه أن يجدد التوبة والاستغفار، مؤكدًا أنه لا يأس من رحمة الله، وأن المهم أن يلقى الإنسان ربَّه وهو على توبة. وحذر من الاستهانة بالأمر باعتبار أن التوبة متاحة في أي وقت، إذ لا يضمن الإنسان أن يُمهل، مشيرًا إلى قوله تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا»، وأن التوبة تُقبل ما دام الإنسان حيًّا ولم تبلغ روحه الحلقوم، أما عند لحظة الموت فلا تنفع التوبة كما حدث مع فرعون.


نافذة على العالم
منذ 24 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار مصر : كنت لوحدي وخايف .. أسقف كنائس المرج يكشف تفاصيل موقف تعرض له
الخميس 14 أغسطس 2025 09:40 مساءً نافذة على العالم - أكد الأنبا سيداروس، الأسقف العام لكنائس المرج وعزبة النخل، أن معجزات العدرا مريم حدثت معي شخصيا، عندما ذهبت للعمل والخدمة في دير خارج مصر في جنوب إفريقيا عام 2007 في منطقة غابات،مشيرا إلى أنه كان بمفرده في المزرعة، وكان لدي خوف وقلق وتوتر. وقال الأنبا سيداروس، خلال لقاء له لبرنامج 'نظرة'، عبر فضائية 'صدى البلد'، تقديم الإعلامي 'حمدي رزق'، أنه رأيت السيدة العدرا مريم وانبهرت من هذا المشهد، ودخلت في النوم ودخل الاطمئنان إلى قلبي وأكملت مشوار عملي في جنوب افريقيا. وتابع الأسقف العام لكنائس المرج وعزبة النخل، أنه بعد أن رأيت السيدة العدرا لم يدخل الخوف إلى قلبي.


اليوم السابع
منذ 38 دقائق
- اليوم السابع
هل الإسلام يدعو إلى الفقر والزهد؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب بقناة الناس
قال الدكتور أحمد نبوي ، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، إن هناك مفهومًا شائعًا خاطئًا لدى بعض الناس، يتمثل في الاعتقاد بأن الإسلام يدعو للفقر، موضحًا أن الإسلام في الحقيقة يدعو إلى الزهد بمعنى عدم التعلق الشديد بالدنيا، مع العمل الجاد والسعي المشروع، مستشهدًا بأمثلة من الصحابة الأثرياء كعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما. وأضاف خلال حلقة برنامج "منبر الجمعة"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن بعض الناس أساءوا فهم الزهد، فاعتبره بعضهم دعوة لترك العمل والجلوس بلا إنتاج، بينما اتجه آخرون إلى الكسب السريع بطرق غير مشروعة، مستغلين الوسائل الحديثة، مثل القمار الإلكتروني أو التجارة في المواد المحرمة أو إنتاج محتوى خادش للحياء لتحقيق المشاهدات والأرباح. وأكد أن هذا النوع من السلوك يمثل أشد صور الحرام، لأنه يقوم على تحريف مفهوم العمل، مشددًا على أن العمل في جوهره يعني بذل الجهد والتعب، وأن أي إنسان ناجح أو ثري وصل إلى ما هو عليه بعد رحلة كفاح طويلة. وأوضح نبوي أن السعي وراء المال أو النجاح دون جهد حقيقي يعد مغالطة منطقية، مبينًا أن الانشغال بمشاريع أو أنشطة غير مشروعة، وترك العمل الأصلي الذي منحه الله للإنسان ليفتح به بيته ويطور نفسه، هو في حقيقته إفساد في الأرض، وليس عملًا صالحًا مقبولًا. وأكد الدكتور أحمد نبوي، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، أن مقولة "العمل عبادة" ليست نصًا من القرآن الكريم أو الحديث النبوي، لكنها تعبر عن روح الإسلام وجوهره، موضحًا أن العمل والسعي على الرزق عبادة إذا كان من طريق الحلال ويؤدى بإتقان وإخلاص النية لله. وأشار إلى أن كلمة "العمل" بمشتقاتها وردت في القرآن الكريم نحو 360 مرة، وهو ما يعكس المكانة العظيمة التي أولاها الإسلام للعمل، لافتًا إلى أن الله تعالى قرن في كتابه بين العبادة والسعي، كما في قوله: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله". وأوضح نبوي أن الإسلام لا يعرف البطالة أو الكسل، وأن الأنبياء جميعًا كانوا أصحاب مهن، مثل رعي الغنم، والنجارة، وصناعة الدروع، وكذلك الصحابة الكرام الذين مارسوا نحو 200 مهنة وحرفة في زمنهم، مؤكدًا أن السعي على الرزق الحلال لإعالة الأسرة والإنفاق على الأقارب والمحتاجين يعد من أعظم القربات إلى الله.