
رواية المحتضرين في رحلتهم بين الألم والعالم الآخر
تعددت الأعمال الأدبية التي وثقت رحلة النهاية، بخاصة ممن عانوا أمراضاً لا أمل في الفكاك من براثنها، واختلفت صور هذا التوثيق شعراً ونثراً، من خلال صاحب التجربة نفسه، أو من خلال أحد المحيطين به. ومن الذين وثقوا تلك التجربة المريرة بأنفسهم، على سبيل المثال لا الحصر، بدر شاكر السياب وأمل دنقل وسنية صالح شعراً، ورضوى عاشور في "أثقل من رضوى" ومحمد أبو الغيط في "أنا قادم أيها الضوء" نثراً. ومن أمثلة الأعمال التي كتبت الرحلة نحو النهاية، في سيرة غيرية، رواية "باولا" لإيزابيل الليندي عن ابنتها ومكوثها في غيبوبة لفترة طويلة نسبياً، ورواية "بحجم حبة عنب" لمنى الشيمي التي جاءت على لسان أم اكتشفت إصابة ابنها بورم خبيث أودى بحياته.
والرواية التي نحن بصددها هنا، "الحارس يصافح الموت بجناحي فراشة" (دار المرايا) للكاتب طه سويدي، تحكي عن طبيب يعمل في قسم مخصص لرعاية المرضى الذين أوشكوا على الرحيل عن الدنيا. هذا القسم الطبي جاء منه اسم الرواية، ففي عرف المستشفى الذي يتبعه هذا القسم، الفراشة هي كناية عن مريض يقضي ساعاته الأخيرة، ويطلق على ممرضات وأطباء هذا القسم "حراس الفراشات".
تمضي أحداث الرواية في خطين سرديين، الأول يتعلق بحياة البطل وأزماته التي مر بها سواء في مصر أو في مهجره في غريس تاون، في الولايات المتحدة الأميركية، والثاني مرتبط بعمله، وفيه وظف سويدي خبراته كطبيب. هذا القسم الذي يعيد تشكيل رؤية بطل الرواية للعالم ويجعله ينظر إلى الحياة بصورة إيجابية، ويتخلص من عقدة الذنب التي دفعته للهرب من مصر دون التفكير إلى أي جهة سيذهب، فجاء حظه بالعمل في "عنبر الفراشات" الذي حقق فيه نجاحاً لافتاً على رغم قلة خبرته وحداثة سنه التي لفتت جميع العاملين معه. يتلقى عبارات الثناء منهم: "أنت حارس فراشات واعد" ص40، وكذلك من رئيس القسم "ريتشارد" المعروف بصرامته: "آل، أردت أن أخبرك أن الكل هنا يقدر عملك وطاقم التمريض سعيد جداً بوجودك وتفانيك. انطباعات المرضى عنك طيبة جداً" ص165. وبسبب هذا التفاني الذي أبداه يقترح عليه رئيس القسم الانضمام إلى فريق "الرعاية التلطيفية".
عنبر منبوذ
رواية "الحارس يصافح الموت" (دار المرايا)
ذلك العنبر الذي يشعر العاملون فيه بأنهم منبوذون، من بقية زملائهم في المستشفى ذاته، وإن أبدوا بعض التعاطف معهم، لا يفضل الأطباء العمل فيه لأكثر من أسابيع قليلة، فما إن يدركوا صعوبة التأقلم معه حتى يطلبوا نقلهم إلى أقسام أخرى، ليتحاشوا مشاهد النهاية المتكررة يومياً. يطلقون عليه "سلة المهملات" أو "القبر الترانزيت"، لا يطيقون تقبل هزيمتهم المتكررة أمام الموت كما يخبر رئيس القسم ريتشارد الطبيب "علي": "الموت هو هزيمة كل طبيب يا آل، إن الزملاء لا يسموننا سلة القمامة إهانة لنا، وإنما إهانة للموت. طبيب الأورام أو الجهاز الهضمي الذي عجز عن علاج مريضه من السرطان يرسله لنا، معلناً هزيمته، يسمينا سلة القمامة حتى يشعر بأنه تخلص من شيء لا يحتاج إليه، وهو في الواقع غاضب لانتصار الموت عليه وانتزاع مريض منه" ص167: 168.
توثق الرواية رحلة طبيب يطوف على مرضى العنبر صباحاً، يبادلهم حديثاً ودياً وينصت جيداً إلى بوحهم، ومنهم من يطلب الاتصال بمكتب الخدمات الروحية للحديث إلى كاهن، أو الاتصال بقريب له يريد رؤيته قبل فوات الأوان. وهناك من يندم على أفعال ارتكبها وأخرى كان يجب عليه القيام بها ولم يفعل، وفيهم من يرسله نيابة عنه لتقديم هدية لأحد الأشخاص، لأنه لم يعد أمامه وقت كاف لفعل ذلك بنفسه بعدما خانته قواه وتمكن منه جين الموت. يدون الحوارات الأخيرة والتساؤلات التي تدور في أذهان من أحيلوا إلى "رعاية نهاية الحياة". تكون رغبة البعض منهم فقط أن يتحدث إلى شخص مثلما هو الحال مع المريض رقم 7 الذي فتك سرطان الرئة والكبد بصحته: "شكراً لأنك تحدثت مع رجل ميت دون أن تشعر برعب منه، مثلما فعل باقي زملائك... أتمنى أن أراك وأتحدث معك مرة أخرى" ص180.
أزمات نفسية
وتبقى الإشارة هنا إلى أن هذا الخط السردي المتعلق بالعمل في "قسم الفراشات"، ذاك، هو جزء من الخط السردي العام للرواية التي يأتي سردها بضمير المتكلم لطبيب يعاني أزمات نفسية حادة أفقدته الثقة في نفسه، حاول الانتحار أكثر من مرة، يطارده ماضيه فيما هو يحاول الهرب منه بكل السبل الممكنة، حتى وإن ذهب إلى عنبر طبي يهرب جميع الأطباء منه.
ذلك الطبيب الذي تظهر عليه علامات تشبه الانفصام، من تشظ وانقسام، تطارده عقدة الذنب لتوهمه أنه تسبب في موت أحد أعز أصدقائه، يدعى "فارس"، فغادر بلده ليلتحق بوظيفة طبيب صغير في "مستشفى الأمل" في غريس تاون، غير متذكر متى تقدم إلى هذه الوظيفة التي قبل فيها، ومال في النهاية إلى الظن أنه طلب الالتحاق بها من طريق الخطأ، ففتح له ذلك مجالاً لبدء حياة جديدة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع توالي الأحداث تتكشف حقيقة أن هذا الطبيب مأزوم نفسياً، فـ"فارس" لم يكن سوى "علي" نفسه. "فارس" كان اسمه الحركي في جماعة سرية تطلق على نفسها اسم "كبد بروميثيوس". يقودها شخص يطلق على نفسه "بروميثيوس" ويقدم نفسه على أنه فنان ومفكر، يحظى بتكريمات في مهرجانات دولية بوصفه واحداً من أهم مثقفي الشرق الأوسط، بما أنه صاحب إسهامات في نشر قيم الحضارة والحرية، لكن هذا الوجه الناصع يخفي وجهاً شديد القتامة، يستغل الفتيات والشباب الطموحين والمنبهرين به لمآربه الخاصة، يدفع بعضهم للكتابة نيابة عنه وهو يمنيهم بالمجد والرفعة والمكانة الدولية التي سيمنحها لهم، ويعتدي على الفتيات جنسياً وهو موقن أنهن لن يبحن بما فعل معهن، لأن الناس لا يمكن أن تصدق أن مثل هذه الأفعال يمكن أن تأتي من رجل في مكانته.
ضد النفس
جريمة القتل التي ارتكبها "علي" ضد "صديقه فارس"، كانت ضد النفس، وحيلة يحاول الهرب بها من الجريمة الحقيقية التي كان جزءاً منها بسبب ولعه ببروميثيوس الذي أعمى عينيه عن الحقيقة، فلم يصدق ما قالته له زميلته في المجموعة وحبيبته "هداية" صاحبة الاسم الحركي "عشتار"، عما فعله بروميثيوس معها، مما دفعها إلى الانتحار: "ألقت بنفسها تحت عجلات القطار، وتركت لعنة ستطارد كل من كذبها وتخلى عنها" ص241. حين استرد بصيرته، حاول "علي/ فارس"، أن يفضح جرائم هذا الوغد، لكن الأخير هدده: "أنا زي ما عملتك، قادر أفنيك، إنت مطرود من دايرتي، لو فكرت تتكلم هتدفع تمن عالي" ص243.
واتت "علي" الفرصة للانتقام من هذا المدعى حين تقرر تكريمه في غريس تاون، فحمل آلة حادة ليطعنه بها، لكنه جبن عن أن يفعل في اللحظة الأخيرة، ويقرر اللجوء إلى أسلوب آخر للانتقام ليس لنفسه فقط، بل لجميع ضحايا بروميثيوس. يقوم بنشر تدوينة على "فيسبوك" تكشف فضائح بروميثيوس، فتنهال التعليقات طوفاناً من شهادات من فتيات غرر بهن بروميثيوس وشباناً كثيراً ما ورطهم في كثير من الجرائم. وهكذا تنتهي الرواية بشفاء "علي" من الانفصام الذي عاناه طويلاً، "فتح الشباك، ملأ صدره بالهواء المالح متلذذاً بالأفق الواسع الذي يمتد إلى ما لا نهاية" ص287.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
٠٦-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
رواية المحتضرين في رحلتهم بين الألم والعالم الآخر
تعددت الأعمال الأدبية التي وثقت رحلة النهاية، بخاصة ممن عانوا أمراضاً لا أمل في الفكاك من براثنها، واختلفت صور هذا التوثيق شعراً ونثراً، من خلال صاحب التجربة نفسه، أو من خلال أحد المحيطين به. ومن الذين وثقوا تلك التجربة المريرة بأنفسهم، على سبيل المثال لا الحصر، بدر شاكر السياب وأمل دنقل وسنية صالح شعراً، ورضوى عاشور في "أثقل من رضوى" ومحمد أبو الغيط في "أنا قادم أيها الضوء" نثراً. ومن أمثلة الأعمال التي كتبت الرحلة نحو النهاية، في سيرة غيرية، رواية "باولا" لإيزابيل الليندي عن ابنتها ومكوثها في غيبوبة لفترة طويلة نسبياً، ورواية "بحجم حبة عنب" لمنى الشيمي التي جاءت على لسان أم اكتشفت إصابة ابنها بورم خبيث أودى بحياته. والرواية التي نحن بصددها هنا، "الحارس يصافح الموت بجناحي فراشة" (دار المرايا) للكاتب طه سويدي، تحكي عن طبيب يعمل في قسم مخصص لرعاية المرضى الذين أوشكوا على الرحيل عن الدنيا. هذا القسم الطبي جاء منه اسم الرواية، ففي عرف المستشفى الذي يتبعه هذا القسم، الفراشة هي كناية عن مريض يقضي ساعاته الأخيرة، ويطلق على ممرضات وأطباء هذا القسم "حراس الفراشات". تمضي أحداث الرواية في خطين سرديين، الأول يتعلق بحياة البطل وأزماته التي مر بها سواء في مصر أو في مهجره في غريس تاون، في الولايات المتحدة الأميركية، والثاني مرتبط بعمله، وفيه وظف سويدي خبراته كطبيب. هذا القسم الذي يعيد تشكيل رؤية بطل الرواية للعالم ويجعله ينظر إلى الحياة بصورة إيجابية، ويتخلص من عقدة الذنب التي دفعته للهرب من مصر دون التفكير إلى أي جهة سيذهب، فجاء حظه بالعمل في "عنبر الفراشات" الذي حقق فيه نجاحاً لافتاً على رغم قلة خبرته وحداثة سنه التي لفتت جميع العاملين معه. يتلقى عبارات الثناء منهم: "أنت حارس فراشات واعد" ص40، وكذلك من رئيس القسم "ريتشارد" المعروف بصرامته: "آل، أردت أن أخبرك أن الكل هنا يقدر عملك وطاقم التمريض سعيد جداً بوجودك وتفانيك. انطباعات المرضى عنك طيبة جداً" ص165. وبسبب هذا التفاني الذي أبداه يقترح عليه رئيس القسم الانضمام إلى فريق "الرعاية التلطيفية". عنبر منبوذ رواية "الحارس يصافح الموت" (دار المرايا) ذلك العنبر الذي يشعر العاملون فيه بأنهم منبوذون، من بقية زملائهم في المستشفى ذاته، وإن أبدوا بعض التعاطف معهم، لا يفضل الأطباء العمل فيه لأكثر من أسابيع قليلة، فما إن يدركوا صعوبة التأقلم معه حتى يطلبوا نقلهم إلى أقسام أخرى، ليتحاشوا مشاهد النهاية المتكررة يومياً. يطلقون عليه "سلة المهملات" أو "القبر الترانزيت"، لا يطيقون تقبل هزيمتهم المتكررة أمام الموت كما يخبر رئيس القسم ريتشارد الطبيب "علي": "الموت هو هزيمة كل طبيب يا آل، إن الزملاء لا يسموننا سلة القمامة إهانة لنا، وإنما إهانة للموت. طبيب الأورام أو الجهاز الهضمي الذي عجز عن علاج مريضه من السرطان يرسله لنا، معلناً هزيمته، يسمينا سلة القمامة حتى يشعر بأنه تخلص من شيء لا يحتاج إليه، وهو في الواقع غاضب لانتصار الموت عليه وانتزاع مريض منه" ص167: 168. توثق الرواية رحلة طبيب يطوف على مرضى العنبر صباحاً، يبادلهم حديثاً ودياً وينصت جيداً إلى بوحهم، ومنهم من يطلب الاتصال بمكتب الخدمات الروحية للحديث إلى كاهن، أو الاتصال بقريب له يريد رؤيته قبل فوات الأوان. وهناك من يندم على أفعال ارتكبها وأخرى كان يجب عليه القيام بها ولم يفعل، وفيهم من يرسله نيابة عنه لتقديم هدية لأحد الأشخاص، لأنه لم يعد أمامه وقت كاف لفعل ذلك بنفسه بعدما خانته قواه وتمكن منه جين الموت. يدون الحوارات الأخيرة والتساؤلات التي تدور في أذهان من أحيلوا إلى "رعاية نهاية الحياة". تكون رغبة البعض منهم فقط أن يتحدث إلى شخص مثلما هو الحال مع المريض رقم 7 الذي فتك سرطان الرئة والكبد بصحته: "شكراً لأنك تحدثت مع رجل ميت دون أن تشعر برعب منه، مثلما فعل باقي زملائك... أتمنى أن أراك وأتحدث معك مرة أخرى" ص180. أزمات نفسية وتبقى الإشارة هنا إلى أن هذا الخط السردي المتعلق بالعمل في "قسم الفراشات"، ذاك، هو جزء من الخط السردي العام للرواية التي يأتي سردها بضمير المتكلم لطبيب يعاني أزمات نفسية حادة أفقدته الثقة في نفسه، حاول الانتحار أكثر من مرة، يطارده ماضيه فيما هو يحاول الهرب منه بكل السبل الممكنة، حتى وإن ذهب إلى عنبر طبي يهرب جميع الأطباء منه. ذلك الطبيب الذي تظهر عليه علامات تشبه الانفصام، من تشظ وانقسام، تطارده عقدة الذنب لتوهمه أنه تسبب في موت أحد أعز أصدقائه، يدعى "فارس"، فغادر بلده ليلتحق بوظيفة طبيب صغير في "مستشفى الأمل" في غريس تاون، غير متذكر متى تقدم إلى هذه الوظيفة التي قبل فيها، ومال في النهاية إلى الظن أنه طلب الالتحاق بها من طريق الخطأ، ففتح له ذلك مجالاً لبدء حياة جديدة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومع توالي الأحداث تتكشف حقيقة أن هذا الطبيب مأزوم نفسياً، فـ"فارس" لم يكن سوى "علي" نفسه. "فارس" كان اسمه الحركي في جماعة سرية تطلق على نفسها اسم "كبد بروميثيوس". يقودها شخص يطلق على نفسه "بروميثيوس" ويقدم نفسه على أنه فنان ومفكر، يحظى بتكريمات في مهرجانات دولية بوصفه واحداً من أهم مثقفي الشرق الأوسط، بما أنه صاحب إسهامات في نشر قيم الحضارة والحرية، لكن هذا الوجه الناصع يخفي وجهاً شديد القتامة، يستغل الفتيات والشباب الطموحين والمنبهرين به لمآربه الخاصة، يدفع بعضهم للكتابة نيابة عنه وهو يمنيهم بالمجد والرفعة والمكانة الدولية التي سيمنحها لهم، ويعتدي على الفتيات جنسياً وهو موقن أنهن لن يبحن بما فعل معهن، لأن الناس لا يمكن أن تصدق أن مثل هذه الأفعال يمكن أن تأتي من رجل في مكانته. ضد النفس جريمة القتل التي ارتكبها "علي" ضد "صديقه فارس"، كانت ضد النفس، وحيلة يحاول الهرب بها من الجريمة الحقيقية التي كان جزءاً منها بسبب ولعه ببروميثيوس الذي أعمى عينيه عن الحقيقة، فلم يصدق ما قالته له زميلته في المجموعة وحبيبته "هداية" صاحبة الاسم الحركي "عشتار"، عما فعله بروميثيوس معها، مما دفعها إلى الانتحار: "ألقت بنفسها تحت عجلات القطار، وتركت لعنة ستطارد كل من كذبها وتخلى عنها" ص241. حين استرد بصيرته، حاول "علي/ فارس"، أن يفضح جرائم هذا الوغد، لكن الأخير هدده: "أنا زي ما عملتك، قادر أفنيك، إنت مطرود من دايرتي، لو فكرت تتكلم هتدفع تمن عالي" ص243. واتت "علي" الفرصة للانتقام من هذا المدعى حين تقرر تكريمه في غريس تاون، فحمل آلة حادة ليطعنه بها، لكنه جبن عن أن يفعل في اللحظة الأخيرة، ويقرر اللجوء إلى أسلوب آخر للانتقام ليس لنفسه فقط، بل لجميع ضحايا بروميثيوس. يقوم بنشر تدوينة على "فيسبوك" تكشف فضائح بروميثيوس، فتنهال التعليقات طوفاناً من شهادات من فتيات غرر بهن بروميثيوس وشباناً كثيراً ما ورطهم في كثير من الجرائم. وهكذا تنتهي الرواية بشفاء "علي" من الانفصام الذي عاناه طويلاً، "فتح الشباك، ملأ صدره بالهواء المالح متلذذاً بالأفق الواسع الذي يمتد إلى ما لا نهاية" ص287.


Independent عربية
٢٠-١٢-٢٠٢٤
- Independent عربية
الطبقة المصرية الوسطى المهمشة بعين روائية شابة
من تخيل يتكئ على سيرة ذاتية ووقائع وأحداث حقيقية، تنطلق الكاتبة المصرية مريم حسين في نسج روايتها "السيرة قبل الأخيرة للبيوت" (دار المرايا)، وبينما تنتهج سرداً ذاتياً تمنح بطلتها "ميمي" صوت السرد وتعمد إلى منحها أيضاً كثيراً من تاريخها الشخصي، فهي مثلها ابنة كاتب كان يعمل في المحاماة ودفعه انحيازه للفقراء إلى العيش والعمل في أفقر الأحياء الشعبية المصرية، وبهذا حصد نصيبه من بؤس تحول في ما بعد إلى لعنة طاردت البطلة وحاصرتها بالفقد وابتلعت أباها وبيتها وحبيبها. يحيل عنوان الرواية إلى بروز دور المكان في الرحلة السردية التي استغرقت ما يربو على 330 صفحة، تنقلت البطلة خلالها بين أربعة بيوت ينتمي أحدها إلى محافظة الفيوم والبقية إلى أحياء شعبية في محافظة الجيزة جنوب القاهرة، وتتشارك الأماكن والبيوت علاقات مركبة مع البطلة ومتناقضة فتحتويها وتلفظها في الوقت نفسه، وتمنحها الألفة والسعادة وتغمرها بالاغتراب والشقاء، وتحثها على المغادرة وتعاقبها حين تتخذ قرارها بالرحيل، فالبطلة تحمل التناقض نفسه إزاء تلك البيوت فتتعلق بها وتنفر منها وتتمسك بها وتتخلى عنها. التجول الحر في نسق من التجول الحر مضت الكاتبة تراوح بين أفقية التدفق وبين التذكر والاسترجاع في سرد حافظت على انسيابيته، وعلى رغم عدم تتابع الأحداث تصل رسالة إلى البطلة من أحد البيوت التي رحلت عنها لتنبئها بحوادث عنف وقتل ودماء، وتصبح وسيلة العبور الأولى إلى الماضي ودافعاً لاستعادة تاريخها في بيوت سكنتها عبر كل مراحل عمرها. رواية السرد الجماعي الذاتي (دار المرايا) وعلى رغم صدمة القارئ بحادثة القتل في بداية السرد فإن البطلة لم تتلق الحادثة إلا بعدم اكتراث يشي باعتيادها مثل تلك الحوادث، ويخبر أيضاً عن اقتران العنف والجريمة بالفقر والجهل في واقع بائس تعيشه واحدة من شرائح المجتمع المصري في أحيائه الشعبية. كان عيش الشخصية المحورية واندماجها في تلك الأحياء على رغم انتمائها الثقافي والاجتماعي للطبقة المتوسطة أول صور التناقض التي ألقت بظلالها على طبيعتها السيكولوجية، فهي وإن كانت تنبذ العنف ولا تمارسه فلا تتلقاه إلا باعتيادية وسخرية، وكان هذا التناقض بمثابة مقدمة وتمهيد لتناقضات أخرى أشد ارباكاً، بعضها يتصل بالحي الشعبي الذي يحمل تلاصق البيوت فيه وتقاربها الشديد مع كل الأمان وكل الخطر، في حين يتصل بعضها الآخر بهذه الشريحة المجتمعية التي تقطنه ولا يزال يُطلق عليها شعبية، على رغم كل ما طرأ عليها من تحولات، فالمنتمون إليها يمارسون العنف باعتياد ويتكافلون بالاعتياد نفسه يتشاجرون ويتصارعون، وفي اللحظة ذاتها يهبون لنجدة خصومهم ويكيدون لبعضهم بعضاً ويسارعون بالمؤازرة وإبداء التعاطف الصادق، "سحبت نفس هواء حاد استعداداً لشهقة مبحوحة تعقبها وصلة ردح، لكني لم أتمكن من زفر نفسي جف حلقي بشدة، احمرّ وجهي وسالت من عيني دموع فزعت سعاد وخبطت على صدرها: يا لهوي يا لهوي. جرت عليّ هدى تسندني" (ص:185). سيل من التحولات وتحيل الطبيعة التي رصدتها الكاتبة للطبقة الشعبية ضمناً إلى تحول كبير لحق بهذه الشريحة، بدا بخروج كثيرين على القانون عبر ممارسة البلطجة وتجارة المخدرات، وتبعه تغير ملامح الصورة القديمة للفتوة الذي كان يساند المظلومين، كما تناوله نجيب محفوظ في كثير من أعماله، وتحوله إلى بلطجي يرهب الآمنين ويروعهم. مريم حسين (صفجة الكاتبة - فيسبوك) وبدا التحول أيضاً في شكل العلاقات الاجتماعية داخل هذه الأحياء التي وإن حافظت على سمة التقارب الشديد والألفة فقد شابها في الوقت نفسه الحقد والعنف والكراهية على نحوٍ مربك، وبدا في علاقة أم البطلة "سوسن" بأبيها إذ اتسعت الفجوة بينهما مع طول فترة بقائهما في منزل في حي الشوربجي في الجيزة، ولم تكتف حسين برصد التحولات التي طرأت على المكان والعلاقات الاجتماعية وإنما عمدت إلى بلوغ الطبقات العميقة من النفس الإنسانية، وجسدت تحولاتها الشعورية فرصدت تحول غضب البطلة من الواقع إلى خوف من المستقبل، وتحول حب الأم لزوجها إلى ندم وجفاء، "كثيراً ما رددت أن أباها كان لا بد من أن يخشى عليها ويحبسها ويمنع ذلك الزواج بأية طريقة، وإنها كانت بلهاء عندما قالت له إن مكتبة حبيبها هي مهرها" (ص:75) وعبر هذا السيل من التحولات تنقل الكاتبة صورة قريبة لواقع المجتمع في مصر على مدى بضعة عقود، ولا سيما وأنها رصدت تحولات الذوق العام الذي بدا في طبيعة الأغنيات الرائجة وتحولات الثقافة والزي الذي تغير خلال عقد التسعينيات بشيوع وانتشار الحجاب وظهور النقاب، وكذلك تحولات المكان بعد ثورة الـ 25 من يناير (كانون الثاني) 2011 والتي كان لمدينة الفيوم نصيب كبير منها، فهي فقدت المساحات الطبيعية التي كانت تُمارس فيها هواية الصيد وحلت محلها "عمائر وبيوت ومحال وتكاتك وميكروباصات"، وفي مواضع أخرى من السرد بدا التحول قضية رئيسة فكان سكن عائلة الأستاذ في الحي الشعبي سبيلاً لإضاءة معاناة الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري، والظروف الاقتصادية الضاغطة التي دفعت بهذه الطبقة للسقوط نحو الأسفل والتحول إلى مستوى معيشة أدنى. أمراض الواقع ومع اتساع الفضاء الزمني للأحداث الذي امتد منذ العقود الأخيرة في القرن الماضي وحتى اللحظة الراهنة، تعددت قضايا السرد وتنوعت وكان أبرزها الفقر وأثره في توحش معاناة الهامش والتفاوت الطبقي وتآكل الأرض الزراعية والمساحات الخضراء، وتزايد العنف والجريمة السلطة الأبوية وقتل النساء الواقع المزري للقطاع الصحي، واستفحال الفساد والإهمال تزوير الانتخابات والإرادة الشعبية وشيوع القيم الاستهلاكية، إضافة إلى هذا الاشتباك المباشر مع كثير من القضايا الاجتماعية الشائكة، لجأت الكاتبة إلى الرمز في طرح قضايا أخرى، فكان البيت معادلاً للوطن، ولم تكن علاقة البطلة المرتبكة بجدرانه سوى انعكاس لهوية متشظية بفعل مشاعر متضاربة يختلط فيها الحب بالغضب والانتماء بالاغتراب. أما الدهشة وطريقة استقبال الشخوص لقدرة "جمال" على إعادة تدوير الأشياء التالفة، فكانت لها أيضاً دلالات رمزية تحيل إلى أمنيات وآمال المهمشين في إعادة تدوير واقعهم البائس وخلق واقعٍ آخر لا دموع فيه ولا جروح ولا فقدان، وكذلك عمدت حسين إلى استخدام المفارقات اللفظية والسياقية لتمرير رؤاها حول قسوة الواقع المعيش، فبينما تعيش كلاب الأثرياء في فيلات وقصور، وبينما تتكاثر العمائر الخالية في الأحياء الراقية لا تجد بطلتها "خُرْم إبرة" يحتويها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) عبر حضوره الكثيف، أتاح الوصف للكاتبة نقل ملامح وتفاصيل المكان مما سمح بإبطاء السرد وإكسابه سمة المشهدية، كما كان أداتها لتجسيد معاناة الشخوص وما تعيشه من بؤس وعوز، كما جسدت عبره أيضاً المشاعر والانفعالات وكل ما يحدث بعيداً في أغوار النفس ولا يخضع لقوانين الإدراك ولا يقع في حيز الرؤية، فجسدت عبره الألم والعجز والهشاشة وهيبة الموت ووقع الوداع: "سوف نسير به من هنا إلى المدافن مدافن! لم السير بسرعة هكذا؟ رفقاً فقد ارتطم أكثر من مرة بالخشب، لم لا آخذ بعض عيدان البوص وأضرب بها الجميع ليتفرقوا وأحملك وحدي" (ص:102). وأتاح وصف ما يعتمل في العوالم الداخلية للشخصية المحورية إبراز الفقد كثيمة كبرى وعنوان لكل مراحل حياتها، وبينما أتاح الوصف تجسيد ما لا تدركه العين، كان الحلم والمونولوغ الداخلي وسيلتين لاستجلائه فأحال حلم "ميمي" طفلة بيد الذئب تشاركها طعامها وتقتحم البيت متجاوزة أقفاله إلى شعور باللا انتماء إلى بيت الجدة، لذا لم تستطع حمايتها من الذئب، وكان هذا الحلم تمهيداً لمعارضة زوجة العم الأصغر المبطنة ومخاوفها من احتمال لجوء البطلة وأمها إلى منزل الجدة ومشاركتهما لها فيه، أما حلم البطلة بصديقة طفولتها "إيمان" مصدومة وغارقة في دمائها، فكان تنفيساً لكبتها الشعوري المتخم بلوم الذات والإحساس بالذنب تجاه أبيها، وكذا تمهيداً لمصيره بعد تسعة أيام في العناية المركزة. وجوه الصراع فرضت طبيعة الفضاء المكاني للأحداث وشكل العلاقات الاجتماعية التي احتواها بروز الصراع بكل أشكاله ومستوياته على مدار السرد، فبينما احتدم بين قاطني الحي الشعبي كطقس اعتيادي من طقوسهم اشتعل بين الأم "سوسن" وزوجها أملاً في دفعه لتحسين وضعهم المادي بهدف التمكن من الفرار من الحي، وكذلك بين البطلة والأشباح التي ظلت تلاحقها من بيت إلى آخر، كما اندلع صراع صامت بينها وبين أبيها كان باعثه تعلقها الشديد به وإنكارها لفكرة فقدانه، وكذلك اندلع في العوالم الداخلية للشخوص كنتيجة لتناقضاتها التي راوحت بين تعلق ونفور ولوم وتعاطف ولا مبالاة واكتراث. وكما أسهم الصراع في دفع وتحريك الأحداث فقد كان أداة أخرى لإضاءة القضايا الرئيسة في النص، "انتظر أيام الإجازات بفارغ الصبر لأقضي يومي مع صالح، ظل أسير إحساس بالذنب لامتلاكه نقوداً وكان يشعر أنه مقسوم نصفين، نصف يحزن للفقراء ونصف نهم لمتع توفرها النقود" (ص:179). اللغة أيضاً كانت أداة ناجعة وظفتها الكاتبة لتجسيد الواقع الشعبي، فعمدت عبر مساحات الحوار إلى استدعاء لهجة عامية تلائم مقتضى الحال، ولجأت أحياناً إلى فحش لفظي صريح ومبطن، متجاوزة منطق جمالية اللغة ومؤثرة فيه واقعيتها، وهو ما قد يتعارض مع ماهية الأدب، وعلى رغم تناثر بعض الأخطاء اللغوية حرصت على سلاسة لغة السرد، وعززت جماليتها عبر التناص مع الموروث الديني من القرآن والإنجيل.


الكويت برس
٠٢-١٢-٢٠٢٤
- الكويت برس
#اخبار الفن مدير أعمال سارة هايلاند نجمة Modern Family يقاضيها قانونيًا
ترفيه، مدير أعمال سارة هايلاند نجمة Modern Family يقاضيها قانونيًا ، حيث تاريخ النشر 02 ديسمبر 2024 04 45 GMT تواجه النجمة العالمية سارة .،وهنالك الكثير ممن يهتم ويتابع ويبحثون بشكل مكثف على محركات البحث والسوشيال ميديا عن مدير أعمال سارة هايلاند نجمة Modern Family يقاضيها قانونيًا، من كويت برس نتابع معكم تفاصيل ومعلوماته كما وردت الينا والان إلى التفاصيل. تاريخ النشر: 02 ديسمبر 2024 - 04:45 GMT تواجه النجمة العالمية سارة هايلاند، المعروفة يشخصية هالي دنفي في المسلسل الكوميدي الشهير Modern Family، مشاكل قضائية بسبب مدير أعمالها السابق. وبحسب تقرير لمجلة In Touch، رفع ريتشارد كونيجسبيرج دعوى قضائية ضد الممثلة النجمة عدم سداد المستحقات. دعوى قضائية ضد سارة هايلاند نجمة Modern Family وبحسب مصادر مطلعة دعم ريتشارد مدير أعمال سارة السابق النجمة بـ إخلاص في حياتها المهنية والخاصة لمدة عقد ونصف، إلا ان ردة فعل سارة جاءت جاحدة ليتم طرده دون أي مقدمات في أبريل 2024. في محاولة واضحة من سارة لتجنب الوفاء بالتزامها بدفع عمولة بنسبة 10٪ لمدير أعاملها بالتزامن مع أنباء حصولها على أموال كبيرة جدًا من المتوقع أن تتلقاها قريبًا على مشروع تم الحصول عليه أثناء عمل ريتشارد معها. وزعم أن سارة رفضت دفع عمولة مدير اعمالها المستحقة، باستثناء تلك الخاصة بمشروع مسرحي تم إغلاقه مؤخرًا على مسرح برودواي. وأضاف أنها لن تدفع له حتى عمولته عن العائدات التي تلقتها مقابل بطولة مسلسل Modern Family من عام 2009 حتى عام 2020. رد سارة هايلاند على ادعاءات مدير اعمالها ورد في الرد الرسمي للنجمة سارة هايلاند على دعوى مديرها السابق: "إن ادعاءات ريتشارد مرفوضة، لأن الاتفاق المزعوم تم التوصل إليه لغرض غير قانوني، وهو أن يتصرف ريتشارد بشكل غير قانوني كوكلاء مواهب غير مرخصين في انتهاك لقانون العمل في كاليفورنيا". كانت سارة قد قدمت بالفعل التماسًا إلى مفوض العمل في كاليفورنيا، وطلبت من المحكمة الحكم بأن الاتفاقية بينها وبين ريتشارد في الماضي باطلة، وأن يسدد جزءًا من العمولات التي دفعتها له. ولم تحكم المحكمة بعد في طلبها. كلمات دالة:Modern Family © 2000 - 2024 البوابة ( ) المزيد كانت هذه تفاصيل مدير أعمال سارة هايلاند نجمة Modern Family يقاضيها قانونيًا نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكامله . و تَجْدَرُ الأشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على اخبار عربية وقد حاول فريق المحريين في الكويت برس بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.