logo
#

أحدث الأخبار مع #دارالمرايا

محمد عبد الجواد لـ"المدن": أطمح لتأريخ مصر بجوار محفوظ
محمد عبد الجواد لـ"المدن": أطمح لتأريخ مصر بجوار محفوظ

المدن

time١١-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • المدن

محمد عبد الجواد لـ"المدن": أطمح لتأريخ مصر بجوار محفوظ

قدم الروائي المصري محمد عبد الجواد نفسه فعليا لقراء الأدب برواياته القصيرة الثلاث الصادرة عن دار المرايا العام 2023: "الصداقة كما رواها علي علي، وجنازة البيض الحارة، وعودة ثانية للابن الضال". لاقت هذه الأعمال استحسانًا واسعًا، بفضل عوالمها الطازجة، وكتابتها المحكمة، وشخصياتها المرسومة بعناية. وكان عبد الجواد قد أصدر أولى رواياته "30 أبيب" العام 2022 مع دار بتانة، قبل أن تصدر له رواية "أميرة البحار السبعة" عن دار المرايا العام الماضي. وفي أحدث أعماله الصادرة مؤخرا "الواقعة الخاصة بأموات أهله"، يرسخ عبد الجواد قدميه في المشهد الروائي المصري، بمغامرة جديدة يسير فيها على الدرب المحفوظي، مستدعياً روح الأب الملهم بجرأة واضحة، لا ليقلد، بل ليكمل، متتبعاً أثره وطريقته في تناول سيرة المجتمع المصري عبر عائلة تشبه زمننا. من خلال عائلة "الرز"، يعيد عبد الجواد بناء العالم من حيث انتهى محفوظ، ويواصل سرد الواقع المصري وتحولاته، طارحًا موضوعات إشكالية وقضايا جدلية لا تزال مثارة، ومجيباً على أسئلة ظلت معلقة لسنوات: متى تدخل هذه الموضوعات إلى الرواية؟ وكيف؟ يقول عبد الجواد لـ"المدن" إن ثلاثية محفوظ كانت من أساسيات "الواقعة الخاصة بأموات أهله"، بل يعتبرها سببًا رئيسًا فيها، بالإضافة إلى "حديث الصباح والمساء"، وحتى نجيب محفوظ نفسه. شغلته على الدوام فكرة الأجيال التي سجلها محفوظ، متى بدأت وأين انتهت؟ فالثلاثية تبدأ خلال ثورة 1919 وتنتهي قبل ثورة 1952، متتبعة أسرة مصرية متوسطة بقواعد وقتها، ثم في "حديث الصباح والمساء" يسجل محفوظ تاريخ مئة عام بدأت منذ 1880 وحتى 1980 تقريبًا. لذا يرى عبد الجواد أن لدينا فجوة تمثل الحقبة من السبعينيات وحتى وقتنا الحالي تقريبًا، من هنا فكر في التأريخ لأسرة جديدة تبدأ من حيث انتهت ثلاثية محفوظ بالأربعينيات وثورة يوليو وتنتهي في وقتنا الحالي: "اخترت أن تكون المرأة الرئيسة في العمل باسم أمينة، أمينة الرز، وهي المعاكس للست أمينة في الثلاثية، امرأة أكثر ثقة وقوة واستقلالية وتناسب امرأة ما بعد 1952 بكل مشاكلها، ثم استكمال ما لم تصل إليه رواية "حديث الصباح والمساء" لتغطي مدّة جيل أهلنا في الثمانينيات وجيلنا في التسعينيات وحتى الآن، وذلك حتى تُقرأ الأعمال الثلاث كتأريخ لمصر خلال مائتي عام من خلال روايتّي نجيب محفوظ وروايتي، وهو طموح أعرف خطورته، لكنه جدير بالتجربة". هكذا صار الحجم الكبير (620 صفحة) ضروريًا في نظره، فقد كبرت الرواية "وحدها" بعد المشهد الافتتاحي، مشهد اللبن المسكوب، رغم أنه تخيلها نوفيللا في البداية، مؤجِّلاً فكرة رواية الأجيال إلى حين "فجأة رأيت مع اللبن المسكوب تاريخ أسرة الرز كلها، ووجدت الرواية تُرسم بوضوح، لأصل إلى حجم يناسب نجيب محفوظ ودوستويفسكي وأورهان باموق ومن أحبهم، وكانت مفاجأة بالنسبة لي ككاتب خاض الأدب بنوفيللا لا تتعدي السبعين صفحة". - في الحديث عن الحجم. الجميع يعرف القصة الشهيرة لمحفوظ مع ناشره عندما قدم الثلاثية أول مرة، وكيف أذهله حجمها الضخم. كيف كان استقبال ناشرك للعمل؟ وهل كان الحجم فقط دافعك لتغيير ناشر النوفيللات؟ وهل فكرت في تقسيمه ليس فقط كما حدث مع محفوظ، لكن كما فعلت أنت نفسك من قبل؟ * عندما عرضتها على دار النشر السابقة رحبت مديرة النشر بقوة، ولكن مع الوقت وأثناء إعداد الرواية، اختلفنا في بعض الأمور الجوهرية، ولذلك قررت خوض تجربة جديدة بكل جوانبها: دار جديدة وحجم كبير. عرض صديق موثوق الرواية على دار شهيرة، فرفض مدير النشر بسبب الحجم الكبير، وقال إنه يفضل اقتطاع 90 ألف كلمة، احترمت رأيه الصريح وشكرته عليه، لكني لم أستطع التفكير في الرواية وقد اقتُطع منها هذا الجزء، فقررت البحث مجددًا، حتى اقترح الصديق كريم جمال أن أذهب إلى "تنمية"، وفي الليلة نفسها ، هاتفني مديرها خالد لطفي ليقول: "كنا نقرأ رواياتك بالأمس أنا وعلا زوجتي وفكرنا؛ يا سلام لو عبد الجواد معنا". هكذا تم الأمر. نبهته لحجم الرواية الكبير، وذكرت أنها لن تنقص كلمة، فقال إن الحكم سيكون للجنة القراءة والمحرر الأدبي، والمحرر كان محمد خير الذي أكنّ له عظيم الاحترام والتقدير، وهو كاتب يكتب بميزان شعري حساس لأنه شاعر بالأساس وحتى هيئته هيئة شعراء، المهم أن الرواية أجيزت كما هي، ووجدت من خالد لطفي كل الدعم حتى كدت أصدق أنه كتبها معي أو كان يعرف بها من قبل. فكرنا في التقسيم فعلًا، لكنه كان سيضر الرواية، لأنها تنتهي بالحدث الذي بدأت به في إحالة إلى الزمن الدائري. - سِرتَ على درب محفوظ في الرواية الأولى، وقلت بعدها إن "الحرافيش" استفزتك فقررت كتابة ملحمة تشبهها لكن المشروع توقف. لكنك لم تتوقف هذه المرة وعدت للسير على دربه مجددا مستعيدًا ثلاثيته، ليس فقط فكرة الأجيال والامتداد الزمني الطويل ورصد التحولات، لكن حتى الأشخاص أنفسهم حيث تظهر أمينة كمعادل لصفات السيد أحمد عبد الجواد (مع ملاحظة الاسم طبعًا)، ويمكن مد الخيط ليعادل حسين الرز صفات ياسين مثلاً، في حين يصبح سيف الدين كمال. هل كان ذلك في التخطيط الأولى للعمل؟ وهل تخوفت من المقارنة التي ستحدث رغماً عنك مع الاسم الأبرز في الرواية المصرية، وما زلت أتذكر تخوفك في حوار سابق لنا من أن تصير "أسيراً للرجل العظيم". * المقارنة هنا حميدة بل ومطلوبة، فنجيب محفوظ كاتب شامل، كوكب كتب عن كل شيء، لكن حكم العمر والزمن الطبيعيين جعل تأريخه يتوقف كما قلت. أما بالنسبة للتخطيط فلم يكن موجودًا، كتبت الرواية وعيني على الحدث الأساسي الذي تنتهي به، ففوجئت بأنني أسترجع تاريخ الأسرة حتى مئة عام مضت، وهكذا وجدت نفسي مؤرخًا وكاتبًا في الوقت نفسه، وهذا ما كان يفعله محفوظ. عندما بدأ العمل يكتمل، فكرت في أني قد تخطيت عقبة الروايات الضخمة، وحتى عقبة رواية الأجيال المحفوظية، ولذلك آثرت قراءة الثلاثية بعد الكتابة لكي أرى وجوه التشابه التي حدثت بشكل غير واعٍ في كثير من الأحيان، ماعدا ما يخص أمينة الرز التي لم أقصد بها السيد أحمد عبد الجواد وإنما جاءت معاكسة للست أمينة نفسها، وحسين الرز الذي رأيته فعلًا مزيجًا من السيد أحمد وياسين؛ الرجل "الألعوبان" طيب القلب، لكنه لم يكن بتناقض السيد أحمد عبد الجواد بل متسقًا مع نفسه مثل ياسين، ولم أفكر في التشابه بين كمال وسيف الدين. المفاجأة ربما أن كمال عبد الجواد هو معادل نجيب محفوظ، كما أن سيف الدين هو المعادل الخاص بي، كلانا نشأ وحيدًا، وكلانا يحمل العاطفة القوية والحس الشاعري والاستغراب أمام الملمّات، وحب مدينة دهب والغوص والبحر، وأحمد خالد توفيق وعمرو دياب. لكن هناك اختلافات بيننا بمقدار اختلاف كمال عن نجيب محفوظ، وهو شيء جدير بالتأمل لأني لم ألتفت إليه، هناك أيضًا "در الشهوار" وغيرها من شخصيات الرواية، مثل درية عز الدين ودرويش عبد الغني، وكلهم لا علاقة لهم بثلاثية نجيب محفوظ، كما أن التناول الاجتماعي والسياسي مختلف قليلاً، لأنه يأتي بعد مدة من بداية دولة يوليو، ويخص زمنًا مختلفًا تمامًا عن زمن محفوظ؛ أي زمننا الحالي وزمن سيف. لهذا أجد أن نجيب محفوظ بدأ مهمة وأتمها وبدأت مهمة لاحقة بحكم الزمن وهكذا. علاقتي به صارت علاقة تلميذ بشيخه، شيخ أعطى العهد وقال: لكن اصنع أنت مذهبك. نجيب محفوظ مثلًا خطط للثلاثية وخلق ملفات لكل شخصية، لكني كتبتها باسترسال زمني مستسلمًا لما سيفعله القدر، كأني متفرج، حتى أصل للحدث الأخير والذي كانت عيني عليه منذ البداية. - في الجزء الأخير الذي يرصد الزمن الحالي يصبح السؤال عن رؤيتك للرواية كـ"فن" ملحّاً. فالكتابة عن الحدث الكبير وقت حدوثه، كثورة أو تغييرات سياسية أو مجتمعية بارزة، من الأمور المختلف عليها، والنصيحة الأبرز تكون بالتأجيل. محفوظ كتب ثلاثيته بعد مرورحقبة زمنية كافية تسمح له بالرصد والتأمل وتكوين رؤية واضحة. من وجهة نظرك، هل الرواية تسجل الحدث الكبير وقت حدوثه؟ أم تتأمله وتحاول تفسيره لاحقا؟ * هذا يختلف باختلاف الحدث الكبير. نجيب محفوظ كتب "اللص والكلاب" في مطلع الستينيات، بعد مرور عشر سنوات على الثورة، وهي مدّة كافية لتتجلى آثارها الإيجابية والسلبية، ولذلك من الطبيعي ومن المطلوب الكتابة عن ثورة يناير 2011 ثم يونيو 2013 بشكل واضح بعد مرور ما يقرب خمسة عشر عامًا! وهي مدّة كبيرة تجلّت فيها الآثار بصورة واضحة، وصرنا نميز هذا العصر بألوان بعينها، لعلها تتشابه مع عصور أخرى، لكنها ابنة زمنها، وأزعم أننا نمر بشيء مختلف لم نعهده من قبل بهذه الصورة على كل الصُّعُد، ولذلك كان هاجسي هو التوثيق من خلال أسرة يمثل الحدث الثوري انعطافًا طبيعيًا فيها، لكنه ليس الرئيسي، بينما الحدث الرئيس الأخير -وهو حدث معاصر- يهزها هزًا، وهو حدث يمكن الكتابة عنه في حينه، لأن أثره مباشر وواضح وملموس، بينما ارتدادات الثورات تأخذ خمس أو عشر سنوات، ولهذا وجدت أن الوقت مناسب للحديث عن زمننا، تمامًا كما كتب محفوظ "ثرثرة فوق النيل" في أوج الناصرية، لأنها كانت قد تشكلت خلال خمسة عشر عامًا، المدة نفسها تقريبًا، وهي كافية للكاتب أو الروائي الفاحص والمتأمل بالضرورة لتحديد أبعاد عالمه، الذي يشيده من الواقع في النهاية. - في السياق نفسه هل يمكن القول مثلاً إن الإشارات المتتالية لأبحاث "در الشهوار" تأتي بمثابة إلحاح على فكرة التوثيق، سواء للمدينة وتحولاتها أو حتى للحالة الاجتماعية والسياسية؟ في حين اكتفى محفوظ مثلاً بالرصد من خلال الحكاية وبتحركات أبطاله وأقوالهم، تاركاً عبء التحليل والمقارنة على القارئ أو النقاد أو الزمن؟ * توثيق "در الشهوار" للمدينة وتحولاتها يناسب فكرة التوثيق الجاري في عصرنا، من خلال عدد كبير من المبادرات والصفحات والمجموعات، وهو ما يجعل "در" ابنة لزمنها وتستخدم الوسائط المختلفة لذلك، حتى الذكاء الاصطناعي يمكنها استخدامه، بما أني واثق أنها ما زالت حية -في خيالي طبعًا- وهي هنا تمثل جيلاً مختلفًا يمثل الوسط بين القديم والجديد. كما أن التغيرات في زمننا سريعة وتناسب العصر، لذلك فإن الاحتفاظ بالتوثيق في الرواية، لا سيما لواحدة مثل "در الشهوار" جاءت في زمن انقلبت فيه العوالم القديمة لمصلحة الجديدة وولد فيه سيف الذي جاء في هذا الزمن الصعب المضطرب، هو توثيق لقديم يموت وجديد يُولد ويحتاج إلى كل الأدوات. - من أين استقيتَ هذه العائلة. ما نسبة الخيال فيها؟ * من أسرتنا ومن الشارع ومن التأمل، من الحياة في العموم، الخيال فيها بنسبة تصل إلى مئة في المئة، لكن الواقع فيها بنسبة مئة في المئة أيضًا! بمعنى أنها موجودة وغير موجودة، لا أستطيع إنكار تأثري بشخصيات بعينها، مثل المرحومة هند المقدادي جدة زوجتي. لكن ذلك في النهاية يظل سرًا داخل اللاوعي الذي يخلط الكثير ويخرج بعصير مركّز. - إضافة ألبوم الصور المتخيل فكرة رائعة في ذاتها؛ خلق سيرة حياة لأشخاص مجهولة. لكنها مغامرة في الوقت نفسه، فهي قد تحد من خيال قارئ تعود رسم صورٍ لشخصيات الرواية بنفسه، وقد تلزمك أنت نفسك بمواصفات شكلية محددة. هل كانت الفكرة مصاحبة للكتابة من البداية مع وجود الرسوم الداخلية؟ أم أضيفت لاحقا؟ * الفكرة كانت حاضرة منذ البداية. لقد بدأت الفن بالرسم ثم التصوير، ولذلك فالصور هاجسي، والفكرة بدأت بالصور التي كنت أجدها بالأكوام في سوق ديانا الأسبوعي للأنتيكات. من هم هؤلاء؟ وجوه كثيرة تنظر إلينا من خلف حجاب الغيب والغموض ويشبهون أهالينا، وكان هذا كافيًا لأجد الرابط الكبير بين أسرة الرز وبينهم. فكرت: ماذا لو بحثت عن أسرة الرز بينهم فعلًا؟ اللعبة هنا هي تغيير قواعد اللعبة، لنجعل القارئ أكثر التصاقًا بالشخصيات، مثلي تماماً، يراهم ويفكر في حقيقة وجودهم. هكذا صارت هناك قصة جديدة وخط مختلف؛ هؤلاء مجهولون فعلًا، إلا أن التشابهات الشكلية بينهم مذهلة، حتى حسبت بعدما جمعت هذه الصور خلال عام من التنقيب، أنهم أخوة فعلاً، أو الأشخاص أنفسهم في الطفولة والشيخوخة، هكذا ظهرت أمينة، وصورة حسين الطفل على الغلاف، وحسين الكهل في الخلفية، الطفل مبتسم ببراءة وبعض الشقاوة، لكن الكهل مبتسم بحزن، لقد رأى الحقيقة. الطفل لا علاقة له بالكهل، لكن كأنهما الشخص نفسه! معجزة. أما اللوحات الداخلية ففكّرت فيها كتراث تربّيت عليه في أعمال اسماعيل دياب مع أحمد خالد توفيق في ما وراء الطبيعة، وفي ملف المستقبل مع نبيل فاروق، وفي ما قام به جمال قطب مع نجيب محفوظ وقلت: لماذا لا نحيي هذا التقليد الجميل؟ عرفت بعدها أن الكاتب أحمد ناجي فعلها في "استخدام الحياة" ولهذا أرسل له تحية مفعمة بالاحترام لجرأته، كما فكرت في أن رواية ضخمة في زمن منفلت مثل هذا، ومليء بما يشتت الذهن، ستحتاج إلى فواصل فنية ترسم الصورة بطريقة مختلفة. وكما بحثت عن الصور، بحثتُ أيضاً عن الرسام، وظهر علاء تامر في لوحة بديعة اسمها "دعونا لا نتحدث عن الفيل" نشرها في فايسبوك. قلت، هو هذا، ومع الوقت اكتشفت عقليته الفنية القوية ورأيه الناضج ووعيه السينمائي والأدبي الفسيح، فصار رفيق رحلة، وليس رسامًا فقط. عرضت المشروع بكامله على خالد لطفي، فوافق ليضرب المثل في الناشر الواعي الذي يمنح قلبه للمؤلف والعمل، ناشر لا يفكر في الكلفة بقدر ما يفكر في ما يمكن أن يحدث لو صدر العمل على الوجه الأكمل. ولهذا احترم فروسية خالد وجرأته. - شاركتَ حديثًا في كتابة مسلسل "ظلم المصطبة" الذي بُث في رمضان الماضي، وهي تجربة قد تكون جديدة عليك. كيف جاءت وكيف تقيمها وما الاختلاف بينها وبين الرواية؟ * تجربة رائعة، كان التحدي في قدرتي على الانخراط في تفكير جماعي، كيف نطوّر الشخصيات التي كتبها المخرج الفذ أحمد فوزي صالح، الذي طلبني بالاسم وهاتفني لأنضم للعمل، تخطيت الخط الواهي بين الأدب والدراما، وتعلمت على يديه الكثير، الشخصيات تنشأ بشكل أدبي ويُكتب السيناريو دراميًا على الشاشة، وهكذا فهمت الفارق، ليس كبيرًا، لكنه جدير بالفهم. فوجئت باستمتاعي بالتجربة رغم الإرهاق، ولولا أننا تركنا العمل في البداية بعد الحلقات الأولى وكتابة الشخصيات، لقيّمت العمل بالكامل، لكنه خرج في صورة جيدة، مع بعض المآخذ على سير الأحداث لاحقًا. تشرفت بوضع اسمي ضمن الزملاء، كل الشكر لأحمد فوزي صالح الذي صار صديقًا وشريك عمل. - ما الجديد لديك ومتى يصدر؟ * مجموعة قصصية كتبتها منذ عامين وأعدت تحريرها، شيء من عوالم "علي علي"، و"حمادة أوريو"، تركّز على الغريب في الشارع المصري، والحي الشعبي تحديدًا، مع لمسات من الواقعية السحرية المركزة، وتصدر قريبًا. كما أعكف على رواية غريبة، موضوعها غريب، لكني سأتركه مفاجأة للمعرض المقبل.

رواية المحتضرين في رحلتهم بين الألم والعالم الآخر
رواية المحتضرين في رحلتهم بين الألم والعالم الآخر

Independent عربية

time٠٦-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

رواية المحتضرين في رحلتهم بين الألم والعالم الآخر

تعددت الأعمال الأدبية التي وثقت رحلة النهاية، بخاصة ممن عانوا أمراضاً لا أمل في الفكاك من براثنها، واختلفت صور هذا التوثيق شعراً ونثراً، من خلال صاحب التجربة نفسه، أو من خلال أحد المحيطين به. ومن الذين وثقوا تلك التجربة المريرة بأنفسهم، على سبيل المثال لا الحصر، بدر شاكر السياب وأمل دنقل وسنية صالح شعراً، ورضوى عاشور في "أثقل من رضوى" ومحمد أبو الغيط في "أنا قادم أيها الضوء" نثراً. ومن أمثلة الأعمال التي كتبت الرحلة نحو النهاية، في سيرة غيرية، رواية "باولا" لإيزابيل الليندي عن ابنتها ومكوثها في غيبوبة لفترة طويلة نسبياً، ورواية "بحجم حبة عنب" لمنى الشيمي التي جاءت على لسان أم اكتشفت إصابة ابنها بورم خبيث أودى بحياته. والرواية التي نحن بصددها هنا، "الحارس يصافح الموت بجناحي فراشة" (دار المرايا) للكاتب طه سويدي، تحكي عن طبيب يعمل في قسم مخصص لرعاية المرضى الذين أوشكوا على الرحيل عن الدنيا. هذا القسم الطبي جاء منه اسم الرواية، ففي عرف المستشفى الذي يتبعه هذا القسم، الفراشة هي كناية عن مريض يقضي ساعاته الأخيرة، ويطلق على ممرضات وأطباء هذا القسم "حراس الفراشات". تمضي أحداث الرواية في خطين سرديين، الأول يتعلق بحياة البطل وأزماته التي مر بها سواء في مصر أو في مهجره في غريس تاون، في الولايات المتحدة الأميركية، والثاني مرتبط بعمله، وفيه وظف سويدي خبراته كطبيب. هذا القسم الذي يعيد تشكيل رؤية بطل الرواية للعالم ويجعله ينظر إلى الحياة بصورة إيجابية، ويتخلص من عقدة الذنب التي دفعته للهرب من مصر دون التفكير إلى أي جهة سيذهب، فجاء حظه بالعمل في "عنبر الفراشات" الذي حقق فيه نجاحاً لافتاً على رغم قلة خبرته وحداثة سنه التي لفتت جميع العاملين معه. يتلقى عبارات الثناء منهم: "أنت حارس فراشات واعد" ص40، وكذلك من رئيس القسم "ريتشارد" المعروف بصرامته: "آل، أردت أن أخبرك أن الكل هنا يقدر عملك وطاقم التمريض سعيد جداً بوجودك وتفانيك. انطباعات المرضى عنك طيبة جداً" ص165. وبسبب هذا التفاني الذي أبداه يقترح عليه رئيس القسم الانضمام إلى فريق "الرعاية التلطيفية". عنبر منبوذ رواية "الحارس يصافح الموت" (دار المرايا) ذلك العنبر الذي يشعر العاملون فيه بأنهم منبوذون، من بقية زملائهم في المستشفى ذاته، وإن أبدوا بعض التعاطف معهم، لا يفضل الأطباء العمل فيه لأكثر من أسابيع قليلة، فما إن يدركوا صعوبة التأقلم معه حتى يطلبوا نقلهم إلى أقسام أخرى، ليتحاشوا مشاهد النهاية المتكررة يومياً. يطلقون عليه "سلة المهملات" أو "القبر الترانزيت"، لا يطيقون تقبل هزيمتهم المتكررة أمام الموت كما يخبر رئيس القسم ريتشارد الطبيب "علي": "الموت هو هزيمة كل طبيب يا آل، إن الزملاء لا يسموننا سلة القمامة إهانة لنا، وإنما إهانة للموت. طبيب الأورام أو الجهاز الهضمي الذي عجز عن علاج مريضه من السرطان يرسله لنا، معلناً هزيمته، يسمينا سلة القمامة حتى يشعر بأنه تخلص من شيء لا يحتاج إليه، وهو في الواقع غاضب لانتصار الموت عليه وانتزاع مريض منه" ص167: 168. توثق الرواية رحلة طبيب يطوف على مرضى العنبر صباحاً، يبادلهم حديثاً ودياً وينصت جيداً إلى بوحهم، ومنهم من يطلب الاتصال بمكتب الخدمات الروحية للحديث إلى كاهن، أو الاتصال بقريب له يريد رؤيته قبل فوات الأوان. وهناك من يندم على أفعال ارتكبها وأخرى كان يجب عليه القيام بها ولم يفعل، وفيهم من يرسله نيابة عنه لتقديم هدية لأحد الأشخاص، لأنه لم يعد أمامه وقت كاف لفعل ذلك بنفسه بعدما خانته قواه وتمكن منه جين الموت. يدون الحوارات الأخيرة والتساؤلات التي تدور في أذهان من أحيلوا إلى "رعاية نهاية الحياة". تكون رغبة البعض منهم فقط أن يتحدث إلى شخص مثلما هو الحال مع المريض رقم 7 الذي فتك سرطان الرئة والكبد بصحته: "شكراً لأنك تحدثت مع رجل ميت دون أن تشعر برعب منه، مثلما فعل باقي زملائك... أتمنى أن أراك وأتحدث معك مرة أخرى" ص180. أزمات نفسية وتبقى الإشارة هنا إلى أن هذا الخط السردي المتعلق بالعمل في "قسم الفراشات"، ذاك، هو جزء من الخط السردي العام للرواية التي يأتي سردها بضمير المتكلم لطبيب يعاني أزمات نفسية حادة أفقدته الثقة في نفسه، حاول الانتحار أكثر من مرة، يطارده ماضيه فيما هو يحاول الهرب منه بكل السبل الممكنة، حتى وإن ذهب إلى عنبر طبي يهرب جميع الأطباء منه. ذلك الطبيب الذي تظهر عليه علامات تشبه الانفصام، من تشظ وانقسام، تطارده عقدة الذنب لتوهمه أنه تسبب في موت أحد أعز أصدقائه، يدعى "فارس"، فغادر بلده ليلتحق بوظيفة طبيب صغير في "مستشفى الأمل" في غريس تاون، غير متذكر متى تقدم إلى هذه الوظيفة التي قبل فيها، ومال في النهاية إلى الظن أنه طلب الالتحاق بها من طريق الخطأ، ففتح له ذلك مجالاً لبدء حياة جديدة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومع توالي الأحداث تتكشف حقيقة أن هذا الطبيب مأزوم نفسياً، فـ"فارس" لم يكن سوى "علي" نفسه. "فارس" كان اسمه الحركي في جماعة سرية تطلق على نفسها اسم "كبد بروميثيوس". يقودها شخص يطلق على نفسه "بروميثيوس" ويقدم نفسه على أنه فنان ومفكر، يحظى بتكريمات في مهرجانات دولية بوصفه واحداً من أهم مثقفي الشرق الأوسط، بما أنه صاحب إسهامات في نشر قيم الحضارة والحرية، لكن هذا الوجه الناصع يخفي وجهاً شديد القتامة، يستغل الفتيات والشباب الطموحين والمنبهرين به لمآربه الخاصة، يدفع بعضهم للكتابة نيابة عنه وهو يمنيهم بالمجد والرفعة والمكانة الدولية التي سيمنحها لهم، ويعتدي على الفتيات جنسياً وهو موقن أنهن لن يبحن بما فعل معهن، لأن الناس لا يمكن أن تصدق أن مثل هذه الأفعال يمكن أن تأتي من رجل في مكانته. ضد النفس جريمة القتل التي ارتكبها "علي" ضد "صديقه فارس"، كانت ضد النفس، وحيلة يحاول الهرب بها من الجريمة الحقيقية التي كان جزءاً منها بسبب ولعه ببروميثيوس الذي أعمى عينيه عن الحقيقة، فلم يصدق ما قالته له زميلته في المجموعة وحبيبته "هداية" صاحبة الاسم الحركي "عشتار"، عما فعله بروميثيوس معها، مما دفعها إلى الانتحار: "ألقت بنفسها تحت عجلات القطار، وتركت لعنة ستطارد كل من كذبها وتخلى عنها" ص241. حين استرد بصيرته، حاول "علي/ فارس"، أن يفضح جرائم هذا الوغد، لكن الأخير هدده: "أنا زي ما عملتك، قادر أفنيك، إنت مطرود من دايرتي، لو فكرت تتكلم هتدفع تمن عالي" ص243. واتت "علي" الفرصة للانتقام من هذا المدعى حين تقرر تكريمه في غريس تاون، فحمل آلة حادة ليطعنه بها، لكنه جبن عن أن يفعل في اللحظة الأخيرة، ويقرر اللجوء إلى أسلوب آخر للانتقام ليس لنفسه فقط، بل لجميع ضحايا بروميثيوس. يقوم بنشر تدوينة على "فيسبوك" تكشف فضائح بروميثيوس، فتنهال التعليقات طوفاناً من شهادات من فتيات غرر بهن بروميثيوس وشباناً كثيراً ما ورطهم في كثير من الجرائم. وهكذا تنتهي الرواية بشفاء "علي" من الانفصام الذي عاناه طويلاً، "فتح الشباك، ملأ صدره بالهواء المالح متلذذاً بالأفق الواسع الذي يمتد إلى ما لا نهاية" ص287.

ثقافة / تفاصيل الدورة الرابعة لجائزة يحيى الطاهر عبد الله للعمل القصصي الأول لعام 2025
ثقافة / تفاصيل الدورة الرابعة لجائزة يحيى الطاهر عبد الله للعمل القصصي الأول لعام 2025

خبر مصر

time٢٠-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • خبر مصر

ثقافة / تفاصيل الدورة الرابعة لجائزة يحيى الطاهر عبد الله للعمل القصصي الأول لعام 2025

أعلنت جائزة يحيى الطاهر عبد الله للعمل القصصي الأول، بالتعاون مع دار المرايا للثقافة والفنون عن دورتها الرابعة لعام 2025. شروط التقدم: أن يكون المتقدم مصري الجنسية ألا يزيد عمره عن 45 سنة وقت التقدم للجائزة ألا تكون المجموعة القصصية، أو أية قصة من المجموعة، قد نشرت من قبل أن ترسل المجموعة القصصية في ملف واحد بترتيب القصص داخل المجموعة، وأن يكون لها عنوان واضح ألا يكون المتقدم قد سبق له نشر كتاب إبداعي يتم إرسال ملف المجموعة مع صورة من بطاقة الرقم القومي، وإقرار شخصي موقع بعدم سبق نشر المجموعة مجتمعة أو أي من قصصها المتضمنة، على الإيميل التالي: يفتح باب التقديم للجائزة في 9 أبريل 2025، ويستمر حتى 15 مايو 2025، ويتم الإعلان عن الفائز في نهاية شهر يونيو 2025. تمنح الجائزة باسم القصاص يحيى الطاهر عبد الله لشباب الكتاب في مجال القصة القصيرة الذين لم تنشر لهم أعمال أدبية من قبل. ويحصل الفائز على درع يحيى الطاهر عبد الله، وشهادة تقدير، وتنشر له المجموعة القصصية في دار المرايا للثقافة والفنون. بتاريخ: 2025-03-20

"قهقهة فوق النيل"... في نقد كلاسيكيات الكوميديا السينمائية المصرية
"قهقهة فوق النيل"... في نقد كلاسيكيات الكوميديا السينمائية المصرية

النهار

time١٣-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • النهار

"قهقهة فوق النيل"... في نقد كلاسيكيات الكوميديا السينمائية المصرية

صدر في كانون الثاني/ يناير الماضي كتاب "قهقهة فوق النيل" للناقد والأكاديمي وليد الخشاب عن "دار المرايا للثقافة والفنون" في القاهرة. في دراسته الجديدة، يواصل الخشاب تأصيله وتطبيقه لفرعين من الدراسات الثقافية والسينمائية في العالم العربي عموماً، وفي مصر على وجه الخصوص: دراسات الاقتباس ودراسات فن الكوميديا في مجال الإنتاج السينمائي. يستدعي عنوان الكتاب "قهقهة فوق النيل" مشاهد كوميدية ناقدة لأزمات المجتمع الناصري في الفيلم الشهير "ثرثرة فوق النيل"(1971) من إخراج حسين كمال، المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ بالعنوان نفسه. لكن الأفلام التي يتعرض لها الكتاب بالتحليل هي كلاسيكيات من الكوميديا السينمائية في العصر الذهبي، من الأربعينات إلى الستينات المصرية، ولا شك في انتمائها الصريح إلى عالم الفكاهة. ولا يدعي أي من تلك الأفلام أنه يقدم نقداً فكرياً أو اجتماعياً أو فلسفياً للمجتمع المصري في تلك الفترة من تاريخ التحرر الوطني. يعتبر كتاب "قهقهة فوق النيل" امتداداً لمشروع الباحث والأكاديمي الخشاب الذي بدأ بدراسة الكوميديا السينمائية في كتابه السابق المعنون: "مهندس البهجة: فؤاد المهندس ولاوعي السينما" الصادر عام 2022 عن "دار المرايا" أيضاً. وكأن الفصل الأخير في كتاب "مهندس البهجة" والمخصص للاقتباس، لاسيما بالذات في فيلم "فيفا زلاطا" من بطولة فؤاد المهندس، قد تحول مع كتاب "قهقهة فوق النيل" إلى دراسة كاملة شاملة عن ظاهرة الاقتباس في الكوميديات المصرية الكلاسيكية، المحببة إلى الملايين من الناطقين بالعربية، من أفلام "غزل البنات" و"أبو حلموس" إلى "إسماعيل يس في الطيران" إلى "الزوجة السابعة" إلى "عروس النيل" إلى "آه من حواء". يتكون الكتاب من أربعة فصول: واحد لأفلام الأربعينات، واحد للخمسينات، واثنين لأفلام الستينات: واحد لأفلام ما قبل حرب حزيران/يونيو 1967 وواحد لما بعد الهزيمة. ربما يتساءل القارئ لماذا يستلهم الخشاب في كتابه عنوان فيلم "ثرثرة فوق النيل" والرواية التي كتبها نجيب محفوظ بالعنوان نفسه. يشرح الباحث في مقدمة الكتاب، أن استخدام عنوان "قهقهة فوق النيل" كمعارضة لعنوان رواية محفوظ وفيلم حسين كمال المقتبس عنها، يرتكز إلى كون الفكاهة في كتاب الخشاب وفي فيلم حسين كمال على السواء، تمتزج بالسخرية ولا تنفصل عن النقد الاجتماعي/الثقافي والنقد السياسي. لكن باستثناء مناقشة المؤلف هذه القضية في المقدمة، لا تبدو الأعمال التي يحللها الخشاب في مختلف فصول كتابه على صلة وثيقة بالذائقة الفنية التي يمثلها فيلم "ثرثرة فوق النيل". فجميع الأفلام التي يناقشها كتاب "قهقهة فوق النيل" تنتمي من دون لبس إلى عالم الكوميديا التجارية النظيفة التي يطلق عليها في أميركا الكوميديا العائلية أو الكوميديا المناسبة للأسرة، بمعنى أنها كوميديات لا تتطرق إلى فحش في اللفظ أو عري للجسد أو مواضيع صادمة اجتماعياً. وهي كوميديات لا تتعرض للسياسة بشكل مباشر، على عكس المشاهد الساخرة، أو المصبوغة بالفكاهة السوداوية، في فيلم "ثرثرة فوق النيل". لكن لا يمنع هذا أن كتاب الخشاب الجديد يحذو حذو الكتاب السابق الذي يمثل دراسة ثقافية نقدية متكاملة عن فن فؤاد المهندس السينمائي وتفاعل أفلامه مع سياقها التاريخي والاجتماعي في ستينات القرن العشرين وسبعيناته في مرحلة التحرر الوطني. في الكتابين تناول جاد لأفلام كوميدية، يكشف عن تفاعل الفكاهة مع قضايا اجتماعية ملحة تطرأ بفضل التحديث المجتمعي بعد رحيل الاستعمار وقيام الدولة الوطنية. وفي الكتاب الأحدث "قهقهة فوق النيل"، تركيز أكبر على قضية اقتباس الكوميديا في السينما المصرية. بل أن مجمل الكتاب ينصب تحديداً على تحليل العلاقة بين أفلام أميركية وفرنسية محددة وأفلام مصرية اقتبست عن الأصول الغربية، ويتابع الكتاب تحويل الأفلام الغربية إلى أفلام تبدو منغمسة في الواقع المصري والعربي، ليرصد التغييرات النفسية والاجتماعية في الشخصيات والأحداث التي تتم على الفيلم المقتبس، كما يرصد عملية التمصير اللغوية والثقافية والتاريخية التي يتعرض لها الفيلم الغربي ليتحول إلى فيلم عربي. يجد القارئ متعة في تحليل الخشاب كيفية انتقال فيلم فرنسي أو أميركي إلى الشاشة المصرية من دون أن يبدو الاقتباس ركيكاً. ومن المدهش أن الباحث يرصد تواتر ظاهرة فنية/ ثقافية في تاريخ اقتباس السينما المصرية للكوميديات الهوليوودية، وهي أن الفيلم الأميركي التجاري الخفيف كثيراً ما يتحول إلى فيلم يناقش قضايا سياسية ويتفاعل مع تحديات التحديث في المجتمع المصري، مثلما حدث عندما تحولت الكوميديا الرومنسية الأميركية "عروس البحر" إلى الفيلم المصري الشهير "عروس النيل". فـ"عروس البحر" مجرد حكاية خفيفة عابثة عن رجل مغرم بالنساء يقع في غرام جنية البحر، ويمضي الفيلم كله في محاولة إخفاء علاقته بتلك المخلوقة الخيالية. لكن يظل الفيلم مجرد كوميديا خفيفة من نوع "الفودفيل" عن خيانة زوجية، بينما الفيلم المصري "عروس النيل" أكثر أخلاقية واحتراماً لتقاليد المجتمع المصري آنذاك، وهو يركز على مطاردة عروس النيل -القادمة من عصر الفراعنة- المهندس الشاب بطل الفيلم. يرفض الشاب الاستجابة لغزل عروس النيل احتراماً لخطيبته -فهو مرتبط بخطيبة وليس بزوجة كما في الفيلم الأميركي- إلى أن يفسخ خطبته ليتفرغ لعروس النيل، عندما يوقن أنه واقع في حبها. لكن الفيلم المصري يضيف إلى تلك التعديلات الثقافية خطاباً سياسياً قومياً غير مباشر، عندما تتحول العلاقة الناشئة بين عروس النيل والمهندس الشاب إلى مناسبة لزيارة كل معالم العزة المصرية التحررية من مصانع حديثة ومؤسسات عصرية ومن مواقع أثرية تبعث على الفخر وتذكر المشاهد بمجد تليد. يتميز كتاب "قهقهة فوق النيل" بتقديم تحليلات لأفلام غير مشهورة يندهش حتى المتابع الوفي لكلاسيكيات الكوميديا المصرية من علاقتها بالتاريخ الفني والتاريخ الاجتماعي السياسي لمصر في مرحلتي ما قبل التحرر الوطني وما بعده، بالإضافة إلى تحليلات مدهشة في جدتها لأفلام كنا نتصورها مجرد أوعية للتسلية الخالصة مثل إسماعيل يس في الأسطول وفي الطيران وعفريتة إسماعيل ياسين، وهي دهشة لا تقتصر على اكتشاف المؤلف أن لكل هذه الأفلام أصولاً أميركية. لكن المؤلف يصاحبنا في اكتشاف فيلم كوميدي من اقتباس يوسف وهبي وإخراجه وبطولته بعنوان "عريس من إسطنبول". اشتهر يوسف وهبي كمخرج سينمائي بتقديم الأفلام المأسوية التي تنتمي إلى النوع الفني المعروف بالميلودراما، المعتمد على الإفراط في الانفعالات الحزينة والمواقف المأسوية من اضطهاد البطلة أو تعذيبها نفسياً، بل وبدنياً، وتعرض البطل لنوائب القدر من يتم وفقر وغربة. لكن الكتاب يكشف عن تحفة سينمائية كوميدية كتبها يوسف وهبي وأخرجها وقام ببطولتها عام 1941 وهو فيلم مقتبس عن مسرحية "لعبة الحب والصدفة" الكاتب الكوميدي الفرنسي الشهير ماريفو. ووفقاً للكتاب تمكنت الكوميديا السينمائية المصرية من التعرض لقضايا حساسة، وإن لم تكن صادمة، باحتمائها خلف قصص مقتبسة عن الغرب. هكذا تنتقد الكوميديا تعدد الزوجات في "الزوجة رقم 13" والإفراط في الإنجاب في "إمبراطورية ميم"، على سبيل المثال. وربما كانت الرقابة أكثر تساهلاً مع الكوميديا، لأنها فن لا يؤخذ على محمل الجد. لكن المؤكد في رأي الخشاب، أن كل عملية اقتباس كانت تحمل فكرة التنوير والتحديث ولو بشكل غير مقصود من صناع الفيلم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store