
أحمد معلا: التقنيات الحديثة صنعت «ديمقراطية الإبداع»
أبوظبي (الاتحاد)
احتضن جاليري (هايد آوت) البراري – دبي مؤخراً معرض الفنان أحمد معلا بعنوان «اضطرابات»، الذي يحمل دلالة تشير إلى الظروف التي يمر بها العالم، التي تثير كثيراً من الأسئلة، إذ تتميز تجربة معلا الفنية، حسب تفسيره، باللغة البصرية الملحمية التي تنسج معاً الحركة والتاريخ والهشاشة البشرية، ورصد اللحظة الواقعة في مفترق بين الماضي والقادم، وتنبض بالإلحاح والاضطراب العاطفي المتساوق مع كيمياء البنية البيولوجية التي تكونّه.
وفي حديثه لـ(الاتحاد) يقول الفنان أحمد معلا: «في هذا المعرض أرصد الإيقاعات المضطربة لعالم يتأرجح على حافة الهاوية. فوضى مصممة: شخصيات ضبابية في مواجهة أو هروب، وإيماءات خطية تذوب في أشكال معبّرة، وبقايا معمارية معلقة في أجواء عاصفة. كل لوحة فنية هي أداء، وكل إيماءة مقاومة. الجمال والعنف يتعايشان في آنٍ واحد. «اضطرابات» هو فعل شهادة. إنه يعكس عالماً يرفض السكون - عالماً يتحرك باستمرار بين اليأس والكرامة، والذاكرة والمحو، والانهيار والثبات. مُختزلاً فوضى عصرنا إلى لغة من الظل والشكل والصمت المرتجف».
ويرى الفنان معلا أن الاسم يقع بين اضطرابات وتموجات تصطفق لإثارة تلاطم صاخب، باللون والحدث، معلناً شهادة بصرية على عواصف من الانفعالات المرتهنة بأحداث تجرحنا، تؤلمنا مع أننا على مسافة قصيّة جغرافياً عن الحدث.
وحول جديده في هذا المعرض، يقول معلا: «أولاً، الأعمال جديدة، لم تشاهد من قبل. ويمكننا رصد جوانب متنوعة في الإنجاز التشكيلي من خلال صقلها ومعايرتها، ودفعها نحو ذروات متنوعة. ففي حين دأبت على تناول التوتر بين الفرد والجماعة، فإن (اضطرابات) يمثل تحولاً نحو شدة عاطفية أكثر آنية. تبدو اللوحات أقرب إلى الانفعالات، أقرب إلى التمزقات - لقطات من اهتزازات نفسية واجتماعية». ويبين أن الشخصيات، التي كانت في السابق مسرحية وبعيدة، أصبحت الآن حاضرة واقعياً، مرتجفة، عالقة في لحظة الانهيار أو الانفجار، في موضع السكين التي تحز.
ويضيف: «يتابع الزائر مشاهدة «اضطرابات»، فيرى أن الحدود تتلاشى بين الشكل والمكان بشكل جذري، حيث تذوب الأجساد في ضربات فرشاة، وتتحول الملابس إلى دوامات، وتبدو العمارة غير مستقرة، بالكاد تقف. وهذا يعكس مفردات بصرية جديدة للتفكك - حيث لا شيء ثابتاً، وكل شيء يرتجف، كما أن الأعمال تتحدث في «اضطراب» من خلال المزاج والحركة. إنه شكل من أشكال المقاومة البصرية - يوحي بالانتفاضة، والحزن، والاحتجاج، والبقاء.. أخيراً أعرض للمرة الأولى مجموعة أعمال (مونوتايب) طباعة النسخة الواحدة، وتشكّل هذه المجموعة ثلث المعرض».
ويستطرد الفنان أحمد معلا بقوله: «الإمارات حاضرة من حواضر الحياة الحديثة، تتحرك التجارب الفنية التشكيلية فيها في تصادٍ مباشر مع النشاط التشكيلي العالمي»، مشيراً إلى أن ما تحفل به المؤسسات والصالات والمتاحف والحياة الثقافية في الإمارات غني بالخبرات والتجارب والاستشرافات التي تغطي آفاقاً متنوعة من الاتجاهات والتيارات الفنية الحديثة والمعاصرة.
ويؤكد أن الإمارات استثمرت بشكل كبير في البنية التحتية الثقافية. ففي أبوظبي متحف اللوفر، الذي يمثل جسراً بين الشرق والغرب، ويطرح رؤية عالمية للفن. ويلحق به متاحف أخرى كغوغنهايم. ودبي، من جهتها، تبنت النموذج المعاصر والتجاري للفن، مع معارض مثل آرت دبي، ومساحات مستقلة مثل السركال أفنيو، مما جعلها مركزاً للحوار الدولي حول الفن الحديث والمعاصر. أما الشارقة، فتتبنى نهجاً ثقافياً بمشاريع فكرية وتجريبية من خلال بينالي الشارقة ومؤسسة الشارقة للفنون، وهي من أبرز المنصات في المنطقة التي تتحدى السائد وتحتضن مفاهيم التجريب، الهوية، والذاكرة. وفي المقابل، الفرص الهائلة تكمن في التنوع الثقافي، والانفتاح، والاهتمام الحكومي، مما يجعل الإمارات أحد المحاور الأساسية في خريطة الفن العربي المعاصر.
ويرى الفنان معلا أن الذكاء الاصطناعي يضيف أدوات جديدة للفنان، تماماً كما فعلت الكاميرا والفيديو والبرمجيات سابقاً. ويمكن للفنان استخدام AI كفرشاة جديدة، ليست بديلة، بل إضافة لتعبيره البصري، كما أن الذكاء الاصطناعي يسمح للفنان بتجريب تركيبات لونية وتشكيلات وتكوينات بصرية متعددة خلال لحظات، مما يفتح أبواباً غير متوقعة للإبداع، ويوفّر وقتاً كان يُستهلك في المراحل التجريبية التقليدية. وفي رأيه أن الفن صار أقرب للعلم، وصار الفنانون يتعاونون مع المبرمجين، علماء البيانات، والفيزيائيين. وهذا يفتح باباً لفنون تفاعلية، ديناميكية، ومتصلة بالواقع التقني الذي نعيشه. وهذه التقنيات تتيح لمن ليست لديه مهارات فنية تقليدية أن ينتج صوراً فنية، مما يشيع ديمقراطياً الإبداع ويدفع النخبوية جانباً.
الذكاء الاصطناعي
يختتم معلا بقوله: «الكثير من أعمال الذكاء الاصطناعي -خصوصاً تلك التي تعتمد على النماذج الجاهزة- تبدو خلابة بصرياً، لكنها تفتقد إلى الحس الإنساني بصدقه الشعوري وعمقه العاطفي». مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس «عدواً» للفن، بل أداة خطيرة بقدر ما هي مدهشة. لكن القيمة ستبقى في الفكرة، الرؤية، والإنسان خلف العمل. الفن الحقيقي سيظل ذاك الذي يحتوي على أثر اليد بمهارتها الموغلة في إنسانيتها، رعشة الحنان ودقة القلب، وصدمة الوعي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 9 ساعات
- الاتحاد
أحمد معلا: التقنيات الحديثة صنعت «ديمقراطية الإبداع»
أبوظبي (الاتحاد) احتضن جاليري (هايد آوت) البراري – دبي مؤخراً معرض الفنان أحمد معلا بعنوان «اضطرابات»، الذي يحمل دلالة تشير إلى الظروف التي يمر بها العالم، التي تثير كثيراً من الأسئلة، إذ تتميز تجربة معلا الفنية، حسب تفسيره، باللغة البصرية الملحمية التي تنسج معاً الحركة والتاريخ والهشاشة البشرية، ورصد اللحظة الواقعة في مفترق بين الماضي والقادم، وتنبض بالإلحاح والاضطراب العاطفي المتساوق مع كيمياء البنية البيولوجية التي تكونّه. وفي حديثه لـ(الاتحاد) يقول الفنان أحمد معلا: «في هذا المعرض أرصد الإيقاعات المضطربة لعالم يتأرجح على حافة الهاوية. فوضى مصممة: شخصيات ضبابية في مواجهة أو هروب، وإيماءات خطية تذوب في أشكال معبّرة، وبقايا معمارية معلقة في أجواء عاصفة. كل لوحة فنية هي أداء، وكل إيماءة مقاومة. الجمال والعنف يتعايشان في آنٍ واحد. «اضطرابات» هو فعل شهادة. إنه يعكس عالماً يرفض السكون - عالماً يتحرك باستمرار بين اليأس والكرامة، والذاكرة والمحو، والانهيار والثبات. مُختزلاً فوضى عصرنا إلى لغة من الظل والشكل والصمت المرتجف». ويرى الفنان معلا أن الاسم يقع بين اضطرابات وتموجات تصطفق لإثارة تلاطم صاخب، باللون والحدث، معلناً شهادة بصرية على عواصف من الانفعالات المرتهنة بأحداث تجرحنا، تؤلمنا مع أننا على مسافة قصيّة جغرافياً عن الحدث. وحول جديده في هذا المعرض، يقول معلا: «أولاً، الأعمال جديدة، لم تشاهد من قبل. ويمكننا رصد جوانب متنوعة في الإنجاز التشكيلي من خلال صقلها ومعايرتها، ودفعها نحو ذروات متنوعة. ففي حين دأبت على تناول التوتر بين الفرد والجماعة، فإن (اضطرابات) يمثل تحولاً نحو شدة عاطفية أكثر آنية. تبدو اللوحات أقرب إلى الانفعالات، أقرب إلى التمزقات - لقطات من اهتزازات نفسية واجتماعية». ويبين أن الشخصيات، التي كانت في السابق مسرحية وبعيدة، أصبحت الآن حاضرة واقعياً، مرتجفة، عالقة في لحظة الانهيار أو الانفجار، في موضع السكين التي تحز. ويضيف: «يتابع الزائر مشاهدة «اضطرابات»، فيرى أن الحدود تتلاشى بين الشكل والمكان بشكل جذري، حيث تذوب الأجساد في ضربات فرشاة، وتتحول الملابس إلى دوامات، وتبدو العمارة غير مستقرة، بالكاد تقف. وهذا يعكس مفردات بصرية جديدة للتفكك - حيث لا شيء ثابتاً، وكل شيء يرتجف، كما أن الأعمال تتحدث في «اضطراب» من خلال المزاج والحركة. إنه شكل من أشكال المقاومة البصرية - يوحي بالانتفاضة، والحزن، والاحتجاج، والبقاء.. أخيراً أعرض للمرة الأولى مجموعة أعمال (مونوتايب) طباعة النسخة الواحدة، وتشكّل هذه المجموعة ثلث المعرض». ويستطرد الفنان أحمد معلا بقوله: «الإمارات حاضرة من حواضر الحياة الحديثة، تتحرك التجارب الفنية التشكيلية فيها في تصادٍ مباشر مع النشاط التشكيلي العالمي»، مشيراً إلى أن ما تحفل به المؤسسات والصالات والمتاحف والحياة الثقافية في الإمارات غني بالخبرات والتجارب والاستشرافات التي تغطي آفاقاً متنوعة من الاتجاهات والتيارات الفنية الحديثة والمعاصرة. ويؤكد أن الإمارات استثمرت بشكل كبير في البنية التحتية الثقافية. ففي أبوظبي متحف اللوفر، الذي يمثل جسراً بين الشرق والغرب، ويطرح رؤية عالمية للفن. ويلحق به متاحف أخرى كغوغنهايم. ودبي، من جهتها، تبنت النموذج المعاصر والتجاري للفن، مع معارض مثل آرت دبي، ومساحات مستقلة مثل السركال أفنيو، مما جعلها مركزاً للحوار الدولي حول الفن الحديث والمعاصر. أما الشارقة، فتتبنى نهجاً ثقافياً بمشاريع فكرية وتجريبية من خلال بينالي الشارقة ومؤسسة الشارقة للفنون، وهي من أبرز المنصات في المنطقة التي تتحدى السائد وتحتضن مفاهيم التجريب، الهوية، والذاكرة. وفي المقابل، الفرص الهائلة تكمن في التنوع الثقافي، والانفتاح، والاهتمام الحكومي، مما يجعل الإمارات أحد المحاور الأساسية في خريطة الفن العربي المعاصر. ويرى الفنان معلا أن الذكاء الاصطناعي يضيف أدوات جديدة للفنان، تماماً كما فعلت الكاميرا والفيديو والبرمجيات سابقاً. ويمكن للفنان استخدام AI كفرشاة جديدة، ليست بديلة، بل إضافة لتعبيره البصري، كما أن الذكاء الاصطناعي يسمح للفنان بتجريب تركيبات لونية وتشكيلات وتكوينات بصرية متعددة خلال لحظات، مما يفتح أبواباً غير متوقعة للإبداع، ويوفّر وقتاً كان يُستهلك في المراحل التجريبية التقليدية. وفي رأيه أن الفن صار أقرب للعلم، وصار الفنانون يتعاونون مع المبرمجين، علماء البيانات، والفيزيائيين. وهذا يفتح باباً لفنون تفاعلية، ديناميكية، ومتصلة بالواقع التقني الذي نعيشه. وهذه التقنيات تتيح لمن ليست لديه مهارات فنية تقليدية أن ينتج صوراً فنية، مما يشيع ديمقراطياً الإبداع ويدفع النخبوية جانباً. الذكاء الاصطناعي يختتم معلا بقوله: «الكثير من أعمال الذكاء الاصطناعي -خصوصاً تلك التي تعتمد على النماذج الجاهزة- تبدو خلابة بصرياً، لكنها تفتقد إلى الحس الإنساني بصدقه الشعوري وعمقه العاطفي». مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس «عدواً» للفن، بل أداة خطيرة بقدر ما هي مدهشة. لكن القيمة ستبقى في الفكرة، الرؤية، والإنسان خلف العمل. الفن الحقيقي سيظل ذاك الذي يحتوي على أثر اليد بمهارتها الموغلة في إنسانيتها، رعشة الحنان ودقة القلب، وصدمة الوعي.


الشارقة 24
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- الشارقة 24
"الشارقة للفنون" تطلق الموسم الثاني من بودكاست "دردشة"
الشارقة 24: أطلقت مؤسسة الشارقة للفنون بالتزامن مع الدورة الـ 16 من بينالي الشارقة، الموسم الثاني من بودكاست "دردشة"، الذي يقدم نظرة معمقة في كواليس العمل على البينالي عبر مجموعة من الحوارات مع الفنانين المشاركين فيه، حيث تبثُ حلقات البودكاست يوم الاثنين من كل أسبوع، عبر منصات"آبل" و"سبوتيفاي" و"غوغل". يفتتح الموسم الثاني بحوار يجمع قيّمات البينالي الخمس: علياء سواستيكا، أمل خلف، ميغان تاماتي-كوينيل، ناتاشا جينوالا وزينب أوز، تحاورهم الشيخة حور القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للفنون حول مشاريعهن وأطرهن التقييمية التي تبني فيما بينها حواراً بصرياً خلّاقاً وملهماً، من خلال الاستجابة لمصادر متنوعة من المعرفة التجريبية، والتي تشمل الروابط الثقافية بين الأجيال مثل الأغاني والرثاء والطقوس، ومفاهيم التضامن والتناغم بين الثقافات. إضافةً لتركيز بعض المشاريع على التعليم المجتمعي الذي يظهر من خلال أنشطة حسية مثل النسيج والترجمة والأداء، بغية إثراء الفهم والتفاعل مع جوهر وإيقاع المكونات المختلفة لإمارة الشارقة، وإقامة مساحات للتفاعلات الهادفة، وتنوّع الأشكال التي يمكن للجمهور أن يخوض عبرها تجربة الفن في بينالي الشارقة. أما الحلقات التالية، فتُسلّط الضوء على أعمال ومشاريع محددة عُرضت في البينالي، من خلال حوارات بين القيّمات والفنانين المشاركين، منهم: بنت مبارح، وهي فنانة وباحثة في مجال الصوت، تستقصي أغاني المقاومة المرتبطة بالسيادة على الأرض والمياه في فلسطين. وجو نعمة، الذي يفتح نافذة على مقاربته التعاونية في ابتكار الأعمال التركيبية الأدائية والصوتية. ويونني سكارسي التي تتناول ضمن سياق تاريخي الأثار المدمرة للتجارب النووية التي أقيمت على أراضي السكان الأصليين في أستراليا. وتابو أوسوسا مؤسس مشروع "سينغينغ ويلز" لتسجيل الموسيقى الأصلية لشرق إفريقيا وأرشفتها ونشرها، واستكشاف سلالة الآلات الموسيقية القديمة، كآلة نياتيتي ذات الأوتار الثمانية، وانتشار موسيقى الطرب في الأقاليم السواحلية، بما في ذلك روابطها مع الخليج العربي عبر زنجبار. كما يتناول مجموعة من الفنانين حكاياهم وقصصهم الشخصية الكامنة وراء إنتاج أعمالهم، والوسائط والمنهجيات التي اتبعوها، حيث يتيح البودكاست للجمهور وجميع المهتمين بالفنون التعرف على طبيعة الممارسات الفنية المتنوعة التي يحتضنها البينالي، والرؤى الفكرية والجمالية الكامنة وراءها.


زهرة الخليج
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- زهرة الخليج
مريم طارق: «الفن الرقمي» مجال لا حدود له
#تكنولوجيا في تقاطع الضوء والذاكرة والروح.. تبدع الفنانة السعودية، مريم طارق، عوالم بصرية ساحرة، لا تشبه سواها. فمن يَنْبُعَ إلى جدة، ومن شغف الطفولة إلى احتراف الإسقاط الضوئي ثلاثي الأبعاد، بنت الفنانة السعودية مسيرتها الفنية على التجريب، والمجازفة والتأمل العميق في علاقة الإنسان بالطبيعة والتكنولوجيا. ومن خلال وكالتها «The Golden Ratio»، نجحت مريم طارق في نقل فنون الإسقاط الضوئي إلى مستوى جديد من التعبير الفني بالمنطقة، بالمشاركة في مهرجانات محلية ودولية مرموقة. وفي «آرت دبي»، هذا العام، تقدّم عرضاً فردياً، يحمل بصمتها الخاصة، ويفتح أبواباً جديدة؛ لتأمل علاقتنا بالضوء، والذاكرة، والوجود.. نرافق مريم طارق في هذا الحوار؛ لنكتشف ملامح رحلتها، وأسرار رؤيتها، والتحديات التي واجهتها: مريم طارق: «الفن الرقمي» مجال لا حدود له مشروع متميز تشاركين هذا العام في «آرت دبي ديجيتال» بعرض فردي مع «حافظ غاليري».. ما الذي يميز هذا المشروع عن تجاربك السابقة؟ مشاركتي، هذا العام، في «آرت دبي ديجيتال» تمثّل محطة مهمة في مسيرتي. ويتميز هذا المشروع عن تجاربي السابقة بالطابع التكاملي للتجربة؛ فمشاريعي السابقة كانت ترتكز على البُعدَيْن: البصري والسمعي فقط، بينما هذا العمل يقدّم تجربة حسّية شاملة: بصرية، وسمعية، وحسية أيضاً، كما أنه متاح للاقتناء؛ ما يمنحه بُعداً إضافياً كقطعة فنية صالحة للعرض في المساحات الشخصية. الهدف من العمل أن يكون بمثابة لحظة شعورية، تُعيدنا إلى أولى لحظات وعينا، وتجعلنا نتأمل الحياة ببراءة الطفولة وبساطتها. أنا أومن كثيراً بفكرة المهندس المعماري والمصمم جوردان موزر (من شيكاغو)، الذي قال: «يحتاج الناس إلى أشياء غريبة، وجميلة، وذات معنى في حياتهم، خاصةً في منازلهم». ما التجربة، التي تأملين أن يعيشها الزائر عند دخوله عالمك الضوئي في هذا المعرض؟ أتمنى أن يشعر الزوّار بحالة من التأمل والسكينة، وأن يأخذهم العمل في رحلة داخلية، تدفعهم إلى رؤية العالم بعيون أكثر براءة وفضولاً، تماماً كما يفعل الأطفال عند اكتشافهم الأشياء لأول مرة. كيف تقيمين أهمية منصات مثل معرض «آرت دبي»، في دعم الفن الرقمي، والفنانين الناشئين؟ «آرت دبي» يلعب دوراً أساسياً في تسليط الضوء على الفنون الرقمية بمنطقتنا، التي تزخر بالمواهب، والقصص البصرية الفريدة. فالمعرض لا يتيح فقط فرصة للعرض، بل يفتح مجالات للحوار والتجريب، وينشئ جسور تواصل ثقافي وفني بين الفنانين والجمهور. بالنسبة للفنانين الناشئين، يعد المعرض بوابة حقيقية للظهور على الساحة العالمية، وفرصة للنمو إبداعياً ومهنياً. أنتِ متخصصة في فن الإسقاط ثلاثي الأبعاد، فما الذي جذبك إليه؟ بدأ شغفي بالفن منذ الطفولة، فقد كان والدي أول مصدر إلهام لي؛ فحبه للفن وممارسته إياه جذباني إلى هذا العالم، فبدأت بالرسم، وعرفت حينها أنني عندما أكبر سأبحث عن مجال أستطيع من خلاله التعبير عن ذاتي. بدأت بدراسة العمارة، لكنني لم أجد فيها ما أبحث عنه، فانتقلت إلى الإنتاج البصري والرقمي. خلال إحدى رحلاتي الدراسية إلى هولندا، حضرت مهرجاناً للفنون الرقمية أبهرني بعروض الإسقاط الضوئي، وهو مجال يجمع بين الفن والتكنولوجيا. حينها، شعرت بانجذاب شديد إلى هذا الفن، وعند عودتي بدأت أتعلمه بشكل ذاتي حتى أتقنته. وبعد التخرج، أسست وكالتي «The Golden Ratio»، ومن هناك بدأت رحلتي الحقيقية. مريم طارق: «الفن الرقمي» مجال لا حدود له بُعد تأملي تحمل أعمالك بُعداً روحياً وتأملياً.. هل تنبع هذه الرؤية من تجاربك الشخصية، أم من الموروث الثقافي؟ إن التوازن بين التكنولوجيا والطبيعة ضروري لأي فنان؛ لذلك أحرص على تخصيص فترات للابتعاد عن الشاشات، والتوجه إلى الطبيعة؛ بهدف التأمل واستعادة التواصل مع الذات، وهذه اللحظات مصدر إلهام أساسي لي، وتمنحني المساحة لإعادة شحن طاقتي وسط زخم الحياة الحديثة. درستِ في جامعة «عفّت» بجدة، وأنشأتِ «The Golden Ratio».. كيف أثّر هذان الأمران في رؤيتك الفنية؟ تعلمت الكثير في مجال الإنتاج المرئي والرقمي، وكان لذلك أثر كبير في تطوري الفني. كما اكتسبت مهارات في سرد القصص، وساعدتني خبرتي باستخدام البرامج المختلفة في تعلم تقنيات الإسقاط الضوئي بسرعة. بالإضافة إلى ذلك، تعمّقت في أساسيات الفن، وتعلمت كيف أتعامل مع الشخصيات المختلفة في بيئة العمل. وما زلت أتعلم باستمرار، فكل مشروع جديد يعد تجربة جديدة، وفرصة للنمو والتطور. كيف يتفاعل الجمهور عادة مع أعمالك، وهل تحرصين على إيصال رسالة ما، أم تفضلين ترك التأويل مفتوحاً؟ كل متلقٍّ يرى العمل من زاويته الخاصة؛ لذلك أحب أن أترك باب التأويل مفتوحاً؛ فلا أفضل فرض معنى محدد، فيجب أن تتعدد التفسيرات بتعدد التجارب. وأكثر ما يسعدني في مشاركة فني، هو تفاعل الناس، وردود أفعالهم، فأنا لا أسعى لأن تكون مواضيعي موجهة إلى فئة محددة، بل أحرص على أن تخاطب مختلف الأعمار، والثقافات؛ لأن الفن - بالنسبة لي - وسيلة تواصل إنساني شاملة. مريم طارق: «الفن الرقمي» مجال لا حدود له تطور ملحوظ هل الفن الرقمي في السعودية يشهد تطوراً ملحوظاً، وما أبرز التحديات التي تواجهه؟ بلا شك، هناك تطور كبير في هذا المجال، ويعود ذلك إلى الدعم المؤسسي من الهيئات الثقافية، وتزايد الاهتمام بالفن الرقمي من قبل الفنانين والجمهور، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار هذه الأعمال. لكن لا تزال هناك تحديات، أبرزها: ضعف الوعي والتقدير لهذا الفن كجزء من الفنون المعاصرة، وقلّة برامج التعليم والتدريب المتخصص، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الاستثمار على المدى البعيد. بعد «آرت دبي».. ما مشاريعك القادمة، وهل هناك طموحات للتوسع عالمياً؟ أشارك في معرض «أوساكا إكسبو» في اليابان، خلال شهر مايو الحالي، وهذا بالنسبة لي خطوة مهمة ومميزة. بالتأكيد لديَّ طموح للتوسع خارج المنطقة، وأتطلع إلى عرض أعمالي في منصات دولية جديدة، والتواصل مع ثقافات متنوعة. أخيراً.. ما النصيحة التي تقدمينها إلى فنانة سعودية شابة، تحلم بدخول عالم الفن الرقمي؟ أنصحها بألّا تخشى البدايات، وألّا تتردد في التجريب أو حتى الفشل؛ فهذه التجارب تشكّل الشخصية، وتبني الخبرات. والأهم من ذلك هو الاستمرار في التعلم؛ لأن الفن الرقمي مرتبط بالتكنولوجيا، وهي مجال لا يتوقف عن التطور. فالاستمرار في التعلم، والانفتاح على الجديد، هما مفتاح التميز في هذا العالم.