logo
محمد بن عيسى والفكرة التي لا تموت

محمد بن عيسى والفكرة التي لا تموت

صوت العدالة٠٦-٠٣-٢٠٢٥

حاتم البطيوي
في غمرة أحزان تشييع السيد محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة وعمدة المدينة ووزير خارجية المغرب الأسبق، إلى مثواه الأخير، أدليتُ بتصريحٍ صحافي مفاده أن بن عيسى هو فكرة، والفكرة لا تموت، وأن غيابه الجسدي لا يعني غياب أفكاره ورؤاه، التي ستظل حاضرة بقوة وملهمة للأجيال القادمة في أصيلة وغيرها.
إن ما قام به بن عيسى في مسقط رأسه هو، في نهاية المطاف، إنجاز يصب في صالح الإنسان، ومن ثم، فإنه، إلى جانب البعدين الثقافي والسياسي اللذين ميزا شخصيته الفذة، كان البعد الإنساني هو الأساس في مسيرته المتميزة.
فمنذ انطلاقة مشروعه الثقافي والتنموي في أصيلة، راهن بن عيسى على الطفل باعتباره عماد المستقبل ، وحرص على أن ينشأ في بيئة نظيفة تساعده على الإبداع، وتمكنه من النظر إلى العالم بروح إيجابية مفعمة بالجمال والفن. ومن هنا جاءت فكرة إنجاز الجداريات الفنية في أزقة المدينة العتيقة.
وبشأن ذلك كان بن عيسى يقول :' إذا كانت بيئة الطفل سليمة، فإن عقله سيكون سليمًا لا محالة'.
لقد رحل بن عيسى عن دنيانا الفانية بعد عقود من النضال والعمل والبناء من أجل مدينته، التي بذل الغالي والنفيس ليرتقي بها، وينتشلها من وهدتها. فقد بنى تقريبًا كل شيء جميل فيها، وأخرجها من بوتقة التخلف والهامشية، لتصبح شمسًا تشع ضياءً في سماء المغرب والعالم العربي.
إن من يعود بذاكرته إلى ما قبل عام 1978 سيدرك كيف كانت عليه الحال في أصيلة، والتطور الذي عرفته ، ومدى حجم الإنجازات التي تحققت فيها بمذاق الصبر والأناة. وذلك ، لعمري ، أمر لا ينكره إلا جاحد .
حين بدأ بن عيسى خطوته الأولى في مغامرته غير المسبوقة، رفع شعار 'الثقافة من أجل التنمية'. استصغر البعض الفكرة في الوهلة الأولى واستهجنوها، بل اعتبرها بعضهم ضربًا من الجنون، لكنهم نسوا أن شيئًا من الجنون، أو كثيرًا منه، هو ما يصنع التاريخ. وبالفعل، استطاع بن عيسى أن يجد لمشروعه في أصيلة موطئ قدم على أرض الواقع.
لم تكن المسيرة سهلة، فقد اعترض طريقه ما لا يخطر على بال، وهي أمور عايشتها عن بعد في البداية، قبل أن أعايشها عن قرب بحكم العلاقة الروحية التي جمعتني به.
إلا أنه، بفضل عزيمته وصبره وثباته، وأيضًا تسامحه، استطاع أن يتجاوز كل الصعاب. ولا يمكننا أن ننسى الدور الكبير الذي لعبه الملك الراحل الحسن الثاني، من أجل ترسيخ مشروع أصيلة ، حيث استطاع، بفراسته، أن يستشرف ويستوعب ما كان يعتزم بن عيسى القيام به في مدينته، فسمح بأن يكون ابنه وقرة عينه، ولي العهد آنذاك، الأمير سيدي محمد، رئيسًا شرفيًا لموسم أصيلة الثقافي الدولي منذ بداياته، قبل أن تستمر فعاليات هذه التظاهرة الثقافية الفريدة تحت رعاية الملك محمد السادس.
في ربيعه الخامس عشر، زار الملك محمد السادس أصيلة لأول مرة خلال موسمها الثقافي الأول (1978) للاطلاع على فعالياته، وتفقد أوراش الفنون التشكيلية المقامة في قصر الثقافة. ومنذئذ، أصبح عطفه على أصيلة ملحوظًا لا تخطئه العين.
إن من يقرأ رسالة التعزية التي بعث بها الملك محمد السادس إلى عائلة فقيد المغرب وأصيلة، محمد بن عيسى، يلمس أيضًا المكانة التي كان يحظى بها لدى مليكه.
ومما جاء فيها قوله :'وإن كان رحمه الله قد رحل إلى مثواه الأخير، فسيظل أثره حيًا كرجل دولة مقتدر ودبلوماسي محنك، أبان عن كفاءة عالية في مختلف المناصب السامية التي تقلدها، بكل تفانٍ وإخلاص، سواء كوزير للثقافة، أو وزير للشؤون الخارجية والتعاون، أو كسفير لجلالتنا في واشنطن، أو كمنتخب برلماني وجماعي (محلي). كما نستحضر، بكل تقدير، ما كان يتحلى به من خصال إنسانية رفيعة، ومن سعة الأفق والفكر، وشغف بالثقافة، إذ أخذ على عاتقه هم الإشعاع الثقافي والفني لمدينة أصيلة، مسقط رأسه، التي سخر نشاطه وجهوده لخدمة تنميتها، وفرض إشعاعها الثقافي والجمالي وطنياً ودولياً، لا سيما من خلال تأسيسه وتسييره لمؤسسة 'منتدى أصيلة'، مجسدًا بذلك مثالًا يُحتذى به في المواطنة المسؤولة'.
لقد حمى بن عيسى أصيلة على امتداد عقود طويلة، بدعم ملكي موصول، وكانت لديه أفكار وأحلام أخرى كثيرة أراد إنجازها، لكن مشيئة الله كانت أقدر.
رحل بن عيسى وهو يلهج حتى لحظات حياته الأخيرة بذكر محبوبته أصيلة تاركا وصايا كثيرة بشأنها .
وها هي أصيلة اليوم قد وصلت إلى مفترق طرق .فإما أن تكون أو لا تكون. واستمراريتها مسؤولية جماعية تتطلب عناية استثنائية من الدولة، حفاظًا على روح المدينة وإشعاعها الذي امتد إلى مختلف الآفاق، وأيضًا حمايةً للصورة التي قدمتها في الخارج عن المغرب المنفتح والمتعدد والواعد.
عن النهار العربي

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بالصور : بحضور العامل عبد السلام احتاش إقليم جرسيف يحتفي بـ20 سنة من التنمية البشرية: أكثر من 1300 مشروع و150 ألف مستفيد
بالصور : بحضور العامل عبد السلام احتاش إقليم جرسيف يحتفي بـ20 سنة من التنمية البشرية: أكثر من 1300 مشروع و150 ألف مستفيد

صوت العدالة

timeمنذ 24 دقائق

  • صوت العدالة

بالصور : بحضور العامل عبد السلام احتاش إقليم جرسيف يحتفي بـ20 سنة من التنمية البشرية: أكثر من 1300 مشروع و150 ألف مستفيد

في إطار تخليد الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، احتضنت قاعة الاجتماعات بمقر عمالة إقليم جرسيف، صباح يوم الثلاثاء 20 ماي 2025، لقاءً تواصلياً هاماً نظمته اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية، بحضور عامل الإقليم السيد عبدالسلام الحتاش، إلى جانب أكثر من 200 مشارك يمثلون مختلف الشركاء والفاعلين والمتدخلين في مجال التنمية المحلية. اللقاء نظم تحت شعار: 'المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: 20 سنة من التنمية البشرية'، وهو مناسبة لتسليط الضوء على مكتسبات هذا الورش الملكي الكبير الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطابه التاريخي يوم 18 ماي 2005. وفي كلمته الافتتاحية، أكد عامل الإقليم، رئيس اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية، أن المبادرة ليست مجرد برنامج مرحلي أو مشروع ظرفي، بل ورش وطني مفتوح باستمرار، مشيراً إلى تطور أهدافها من سد الخصاص في البنيات التحتية خلال المرحلتين الأولى والثانية، إلى التركيز على تنمية الرأسمال البشري والعناية بالأجيال الصاعدة في مرحلتها الثالثة، تماشياً مع التوجيهات الملكية السامية. كما تم خلال اللقاء تقديم عرض شامل لحصيلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم جرسيف على مدى 20 سنة، والتي توجت بإنجاز 1315 مشروعاً وعملية، بكلفة إجمالية تجاوزت 788 مليون درهم، ساهمت فيها المبادرة بأكثر من 507 مليون درهم. وقد استفاد من هذه المشاريع ما يفوق 150 ألف شخص، وحققت نتائج ملموسة على مستوى تحسين مؤشرات التنمية في قطاعات متعددة مثل التعليم، الصحة، فك العزلة، الماء، الكهرباء، التشغيل، ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. ولتعزيز مضامين الحصيلة، تم تقديم نماذج حية لمشاريع ناجحة أنجزت بالإقليم، مرفقة بالصور والبيانات، ما عكس حجم الأثر الإيجابي الذي أحدثته المبادرة في تحسين ظروف عيش الفئات المستهدفة وتعزيز العدالة المجالية. ويأتي هذا اللقاء التواصلي ليؤكد أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تظل ركيزة أساسية للنهوض بالتنمية المحلية المستدامة، وتكريساً لنهج القرب والشفافية في تدبير المشاريع الاجتماعية التي تضع المواطن في صلب الأولويات.

العيون تحتفي بتتويجها 'عاصمة المجتمع المدني المغربي'…ووزيرة التضامن تشيد بدينامية الفاعلين المدنيين
العيون تحتفي بتتويجها 'عاصمة المجتمع المدني المغربي'…ووزيرة التضامن تشيد بدينامية الفاعلين المدنيين

العيون الآن

timeمنذ 3 ساعات

  • العيون الآن

العيون تحتفي بتتويجها 'عاصمة المجتمع المدني المغربي'…ووزيرة التضامن تشيد بدينامية الفاعلين المدنيين

العيون الآن حمزة وتاسو / العيون. شاركت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة السيدة نعيمة ابن يحيى، في اللقاء الوطني المنعقد بمدينة العيون بمناسبة تتويجها عاصمة للمجتمع المدني المغربي، وذلك في إطار فعاليات تنظمها منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم الموارثة والتنمية والحوار. وفي كلمة ألقتها الوزيرة عبر تقنية التناظر المرئي، عبرت عن سعادتها واعتزازها بالمشاركة في هذا الحدث الوطني البارز، منوهة بالدور الحيوي الذي تلعبه مدينة العيون كقطب حضري وتنموي في الأقاليم الجنوبية، ومؤكدة على ما تشهده من حركية مجتمعية متصاعدة تعكس حجم التحولات التنموية التي تعرفها المنطقة. وأشادت الوزيرة بالدينامية المتنامية التي يعرفها المجتمع المدني المغربي، وبدور الفاعلين المدنيين في مواكبة السياسات العمومية وتعزيز مبادئ المواطنة والتنمية المستدامة، في ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. كما نوهت السيدة الوزيرة بجهود الفاعلين المدنيين في مختلف ربوع المملكة، مشيرة إلى أن وزارتها تعمل على دعم هذه الدينامية من خلال برامج شراكة متقدمة مع الجمعيات، تهم مجالات متعددة كدعم الفئات الهشة، ومحاربة العنف ضد النساء، والنهوض بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في احترام تام لمبادئ الحكامة والشفافية وتكافؤ الفرص. وختاما اعتبرت السيدة الوزيرة أن إعلان مدينة العيون عاصمة للمجتمع المدني يشكل اعترافا بمكانتها الاستراتيجية وريادتها المجتمعية، ودعت إلى تعزيز التعاون والتكامل بين مختلف المتدخلين من سلطات عمومية ومجتمع مدني وقطاع خاص، لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق تنمية شاملة قائمة على الحوار والتشارك.

بنسعيد: العيون تجسد نموذجا للتنمية التشاركية وتستحق لقب عاصمة المجتمع المدني..
بنسعيد: العيون تجسد نموذجا للتنمية التشاركية وتستحق لقب عاصمة المجتمع المدني..

العيون الآن

timeمنذ 3 ساعات

  • العيون الآن

بنسعيد: العيون تجسد نموذجا للتنمية التشاركية وتستحق لقب عاصمة المجتمع المدني..

العيون الآن يوسف بوصولة أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل السيد محمد المهدي بنسعيد خلال كلمته الموجهة إلى المشاركين في افتتاح احتفالية العيون عاصمة المجتمع المدني المغربي لسنة 2025، أن اختيار المدينة لم يكن محض صدفة، بل نتيجة مسار طويل وحافل في دعم العمل الجمعوي وتعزيز الديمقراطية التشاركية. وفي كلمة ألقاها نائبه عبّر عن فخره بهذا التتويج مُرحّبا بجميع الحضور من وزراء ومسؤولين ومنتخبين وأكاديميين وضيوف وفاعلين مدنيين، مؤكدًا أن مدينة العيون أثبتت على مر السنوات جدارتها في التميز التنموي والاجتماعي والثقافي. وقال الوزير في كلمته: 'اختيار مدينة العيون عاصمة للمجتمع المدني هو تكريس لمسار تشاركي مشرف، يعكس الرؤية المتبصّرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي جعل من الديمقراطية التشاركية أساسًا من أسس تدبير الشأن العام ومن المجتمع المدني فاعلا أساسيًا في التنمية.' كما شدد بنسعيد على أن الدستور المغربي لسنة 2011 منح للمجتمع المدني مكانة محورية في منظومة البناء الديمقراطي وهو ما يفرض على جميع المؤسسات، ومنها الجماعات المحلية، إشراك هذا الفاعل الحيوي في إعداد البرامج والسياسات العمومية، خاصة من خلال الآليات القانونية والتنظيمية المتاحة. وأوضح أن جماعة العيون تمثل اليوم نموذجا ناجحا في هذا الصدد من خلال تفعيل الهيئات الاستشارية، وتوقيع اتفاقيات التعاون والانفتاح على المبادرات المجتمعية ما يعكس نضج تجربتها التدبيرية وتكامل أدوار المنتخبين والمجتمع المدني في خدمة المواطنين. وأشار إلى أن هذا الاعتراف الوطني والدولي بأدوار العيون يبرز مكانتها كمركز إشعاع حضاري وتنموي في الأقاليم الجنوبية وحلقة وصل استراتيجية بين المغرب وعمقه الإفريقي، خاصة في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية. ختم الوزير كلمته بالتأكيد على أن هذا التتويج يضع على عاتق الجميع مسؤولية مضاعفة الجهود من أجل أن تظل مدينة العيون في مستوى تطلعات وانتظارات المغاربة كافة مشيدا بدور الجمعيات الفاعلة في ترسيخ قيم المواطنة والتضامن، والتعايش، والترافع المدني البناء.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store