logo
الإمام الجواد (ع) وتداعيات الإمامة المبكرة

الإمام الجواد (ع) وتداعيات الإمامة المبكرة

شبكة النبأ٢٦-٠٥-٢٠٢٥

على الرغم أنّ امتحان الشيعة كان صعباً لأنهم لم يسبقوا بهكذا امتحان إلا أنّ الإمام الجواد استطاع أن يأخذ بيدهم ويقنعهم بإمامته بل ويثبت لهم ركناً عظيماً من أركان الإمامة وهو أن الكبر والصغر ليسا من ملاكات الإمامة. ولا يخفى أنّ الأئمة الأطهار ممّن سبقوا الإمام الجواد تعرضوا...
من أشد الابتلاءات الصعبة التي عصفت بالشيعة عبر التأريخ هو امتحانهم في عهد الإمام الجواد (عليه السلام) حيث استشهد أبوه الإمام الرضا (عليه السلام) ولم يتجاوز من عمره الشريف سبعة أعوام.
يقول الطبري الشيعي -أحد علماء القرن الرابع الهجري-: ولما بلغ سنّه- الإمام الجواد (عليه السلام) - ست سنوات وبضعة شهور قتل المأمون أباه، فحار الشيعة، ووقع الخلاف بين الناس، واستصغروا سنّ أبي جعفر واحتارت الشيعة في البلاد(1).
فلم يعهد من قبل عهد الإمام الجواد (عليه السلام) أن تصل الإمامة إلى إمام وهو بهذا السن، ولذا فقد وقع الشيعة في حيرة من أمرهم، ولم تقتصر هذه الحيرة على عوام الشيعة بل تسرت إلى بعض الخواص أمثال يونس بن عبدالرحمن الثقة.
يقول صفوان بن يحيى: قلت للرضا (عليه السلام) قد كنّا نسألك عن الإمام بعدك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر وكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، وقد وهب الله لك وأقر عيوننا ولا أرانا الله يومك، فإن كانت الحادثة فإلى من نفزع؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك وهو ابن ثلاث سنين؟!
فقال (عليه السلام): وما يضره ذلك؟ قد قام عيسى (عليه السلام) بالحجّة وهو ابن سنتين.
ولمّا قبض الرضا (عليه السلام) كان سن أبي جعفر (عليه السلام) نحو سبع سنين، فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريّان بن الصلت، وصفوان بن يحيى، ومحمد ابن حكيم، وعبد الرحمن بن الحجاج، ويونس بن عبد الرحمن، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم، في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجّعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمن: دعوا البكاء من لهذا الأمر؟ وإلى من نقصد بالمسائل‏ إلى أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر (عليه السلام).
فقام إليه الريّان بن الصلت ووضع يده في حلقه ولم يزل يلطمه ويقول له: أنت تظهر الإيمان لنا وتبطن الشك والشرك، إن كان أمره من الله، فلو أنه كان ابن‏ يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عُمّر ألف سنة فهو واحد من الناس هذا ممّا ينبغي أن يفكر فيه، فاقبلت العصابة عليه تعذله وتوبّخه‏(2).
تحرّي الشيعة حول الإمام (عليه السلام)
على الرغم أن محنة الشيعة كانت صعبة جدا وزلّت فيها أقدام بعضهم فمالوا يميناً وشمالاً واضطربوا في مذاهبهم إلا أنّ جماعة منهم لم يحيدوا عن جادة الصواب وثبتوا على الحق ولم يتزلزلوا أبداً.
ولذا عمد جماعة من الشيعة كعادتهم بعد شهادة كل إمام إلى التحرّي والتحقيق حول الإمام من بعد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فأرشدهم البعض إلى عبدالله بن موسى بن جعفر (عليه السلام) وكان شيخاً، فتعجّبوا وقالوا: قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين وليس هذا صاحبنا.
فجاء حتى جلس في صدر المجلس، فقال رجل: ما تقول أعزك الله في رجل أتى حماراً؟
فقال: تُقطع يده ويضرب الحد وينفى من الأرض سنة.
ثم قام إليه آخر، فقال: ما تقول أصلحك الله في رجل‏ طلق امرأته عدد نجوم السماء؟
قال: بانت منه بصدر الجوزاء والنسر الطائر والنسر الواقع فتحيّرنا في جرأته على الخطأ(3).
إزاحة الحيرة عن الشيعة
على الرغم أنّ امتحان الشيعة كان صعباً لأنهم لم يسبقوا بهكذا امتحان إلا أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) استطاع أن يأخذ بيدهم ويقنعهم بإمامته بل ويثبت لهم ركناً عظيماً من أركان الإمامة وهو أن الكبر والصغر ليسا من ملاكات الإمامة.
ولا يخفى أنّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ممّن سبقوا الإمام الجواد (عليه السلام) تعرضوا إلى هذا الأمر خاصة الإمام الرضا (عليه السلام)، إذ إنه مهد قبل شهادته لذلك الأمر وأكد عليه بشكل واضح.
يقول صفوان بن يحيى: قلت للرضا (عليه السلام): قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك فأقرّ عيوننا فلا أرانا الله يومك، فإن كان‏ كون‏ فإلى‏ من؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟!
فقال: وما يضره من ذلك، فقد قام عيسى (عليه السلام) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين(4).
وعن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) وذكر شيئاً، فقال: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته‏ مجلسي وصيّرته مكاني، وقال: إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة(5).
ولمّا دخل الشاعر الشهير دعبل الخزاعي على الإمام الرضا (عليه السلام) وأنشده تائيته وبلغ قوله:
خروج إمام لا محالة خارج --- يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل --- ويجزي على النعماء والنقمات
فبكى الإمام (عليه السلام) بكاءاً شديداً، ثم رفع رأسه الشريف إليه، وقال: يا خزاعي نطق روح القُدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟
قلت: لا يامولاي إلا إني سمعت بخروج إمام منكم ويطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً، فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله له ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جوراً(6).
دفع الحيرة بالشواهد القرآنية
إلى جانب أحاديث الإمام الرضا (عليه السلام) وتأكيده على أن كبر أو صغر السن لا مدخليه له في الإمامة كان الإمام الرضا ونجله الجواد (عليهما السلام) يستشهدان بشواهد من القرآن الكريم تنص على عدم مدخلية السن في الإمامة.
فقد روى محمد المحمودي‏، عن أبيه، قال: كنت واقفا على رأس الرضا (عليه السلام) بطوس، فقال له بعض أصحابه: إن حدث حادث فإلى من؟
قال: إلى إبني أبي جعفر (عليه السلام)، قال: فإن استصغر سنه؟
فقال له أبو الحسن (عليه السلام): إنّ الله بعث عيسى بن مريم قائما بشريعة في دون السن التي يقوم فيها أبو جعفر على شريعته(7).
يقول علي بن أسباط: قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) وهو إذ ذاك خماسي، فجعلت أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر، فنظر إلي وقال: يا علي إنّ الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة، فقال سبحانه عن يوسف: (ولمّا بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما)، وقال عن يحيى: (وآتيناه الحكم صبيا)(8).
المناظرة الخالدة
إلى جانب أجوبة الإمام الجواد (عليه السلام) على أسئلة الشيعة ودور ذلك في رفع حيرتهم واطمئنانهم بإمامته فقد تركت مناظراته أثراً عظيماً في اطمينان الشيعة بإمامته وتيقنهم بعدم مدخلية السن في الإمامة خاصة مناظرته مع يحيى بن أكثم الذي دعوه لمناظرة الإمام كي يفحمه ويثبت للمأمون الذي زوجه من ابنته أنه ليس أهلا لهذا المقام.
فقد سأل يحيى بن أكثم الإمام فقال: يا أبا جعفر أصلحك الله- ما تقول في محرم‏ قتل‏ صيدا؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام): قتله في حل أو حرم، عالماً أو جاهلاً، عمداً أو خطأ، عبداً أو حراً، صغيراً أو كبيراً، مبدياً أو معيداً، من ذوات الطير أو من غيرها، من صغار الصيد أو من كبارها، مصرا عليها أو نادما، بالليل في وكرها أو بالنهار عيانا، محرما لعمرة أو للحج؟ قال الراوي: فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا -لم يخف على أهل المجلس- وأكثر الناس تعجبا من جوابه(9).
من بركات إمامة الإمام الجواد (عليه السلام)
على الرغم أن إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) في هذا السن الصغير كانت سبباً لتحيّر جماعة من الشيعة إلا أنها تركت بركات عظيمة على الطائفة المحقّة ومن ذلك:
1- تيقّن الشيعة وعايشوا على أرض الواقع حقيقة عدم مدخلية السن في الإمامة.
2- ببركة إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) تجاوز الشيعة مسألة الحيرة بالنسبة لإمامة الأئمة من بعده ممن وصلتهم الإمامة في الصغر ولم يشككوا في إمامتهم.
3- ببركة إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) تهيأت الأرضية عند الشيعة لمسألة إمام الزمان (عليه السلام) وأيقنوا أن الملاك في الإمامة لايمت بصلة بمسألة طول العمر أو الصغر أو الظهور أو الخفاء وإنما الملاك في الإمامة هو ما نص عليه من الشرائط المتعارفة عندهم من قبل المعصومين (عليهم السلام).
...........................................
(1) دلائل الإمامة: 388.
(2) عيون المعجزات: 119.
(3) إثبات الوصية: 221.
(4) الکافي: 1/321.
(5) الکافي: 1/320.
(6) کفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام): 276.
(7) إثبات الوصية: 220.
(8) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): 4/391.
(9) تفسير القمي: 1/183.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الضفة الغربية: شهيد وإصابة طفل برصاص الاحتلال شمالي رام الله
الضفة الغربية: شهيد وإصابة طفل برصاص الاحتلال شمالي رام الله

الميادين

timeمنذ 6 ساعات

  • الميادين

الضفة الغربية: شهيد وإصابة طفل برصاص الاحتلال شمالي رام الله

أفادت مراسلة الميادين، مساء الإثنين، بارتقاء شهيد برصاص الاحتلال قرب سنجل شمالي رام الله بذريعة إلقائه الحجارة في اتجاه مركبات للمستوطنين. إلى جانب ذلك، أُصيب طفل برصاص قوات الاحتلال، في المنطقة نفسها شمالي رام الله، قبل أن يجري اعتقاله مصاباً. 29 أيار 29 أيار كما دهمت قوات الاحتلال منزل المواطن عايد غفري القريب من مكان الحادث، ومسحت تسجيلات كاميرات المراقبة، في محاولة لإخفاء الجريمة التي وقعت. ونفذت قوات الاحتلال والمستوطنين 1693 اعتداءً خلال نيسان/أبريل الماضي. ونفذ "جيش" الاحتلال منها 1352 اعتداء، فيما نفذ المستوطنون 341 اعتداء، بحسب تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان. وفي وقت سابق، صادقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، على بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، ضمن خطة يقودها وزير المالية الإسرائيلي بتسليئيل سموتريتش، إلى جانب كاتس، لـ"تعزيز السيطرة" الإسرائيلية في المنطقة. وفي السياق نفسه، ذكر الإعلام الإسرائيلي أنّ كلّ المستوطنات الجديدة "تُقام انطلاقاً من رؤية استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأرض، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وتأسيس احتياطيات تطوير الاستيطان للعقود المقبلة".

هذه الصورة لمبيت الحجاج على الطريق في مزدلفة مولدة بالذكاء الاصطناعي FactCheck#
هذه الصورة لمبيت الحجاج على الطريق في مزدلفة مولدة بالذكاء الاصطناعي FactCheck#

النهار

timeمنذ 9 ساعات

  • النهار

هذه الصورة لمبيت الحجاج على الطريق في مزدلفة مولدة بالذكاء الاصطناعي FactCheck#

المتداول: صورة تظهر، وفقاً للمزاعم، "حجاجاً يبيتون في مزدلفة"، خلال موسم الحج لهذا العام. "النّهار" دقّقت من أجلكم تظهر الصورة حجاجاً نائمين على الطريق ليلا. وقد تكثّف التشارك فيها أخيرا عبر حسابات كتبت معها (من دون تدخل): "المبيت في مزدلفة، لا قصور لا عمارات فاخرة، ولا أغطية باهظة الثمن. ليلة يتساوى فيها الغني والفقير". الحجاج يتوافدون إلى مكة وسط تدابير مشددة ودرجات حرارة مرتفعة جاء انتشار الصورة في وقت توافد أكثر من مليون مسلم إلى مدينة مكة المكرمة قبيل انطلاق موسم الحج لهذا العام، في وقت تعهّدت السلطات السعودية تنظيم حج أكثر أمانا، وسط درجات حرارة مرتفعة وحملة واسعة ضد الحجاج غير النظاميين، على ما أوردت وكالة "فرانس برس". ويُتوقع أن تتجاوز الحرارة هذا الأسبوع 40 درجة مئوية، مع انطلاق أحد أكبر التجمعات الدينية في العالم رسميا الأربعاء. وبحسب السلطات، وصل حتى يوم الجمعة أكثر من 1,3 مليون حاج إلى المملكة السعودية لأداء المناسك التي تمتد على أربعة أيام. وحشدت السلطات السعودية هذا العام أكثر من 40 جهة حكومية و250 ألف موظف، ورفعت مستوى استعدادها لمواجهة مخاطر الحرارة الشديدة، بعد موجة حر قاتلة في العام 2024 أودت بحياة مئات الحجاج. وقال وزير الحج السعودي توفيق الربيعة الأسبوع الماضي إن المساحات المظللة توسّعت بحوالى 50 ألف متر مربع، ووُضع آلاف العاملين في المجال الطبي في حالة تأهب، إضافة إلى نشر أكثر من 400 وحدة تبريد طوال مدة المناسك. كذلك، ستُستخدم أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد تدفق المعلومات والصور، بما في ذلك لقطات من طائرات مسيّرة، للمساعدة في إدارة الحشود الكبيرة في مكة. ورغم الحرارة المرتفعة، عبّر الحجاج عن سعادتهم الغامرة لدى وصولهم إلى المدينة المقدسة لدى المسلمين. الا ان الصورة المتناقلة لا تظهر حجاجاً حقيقيين في مزدلفة ، التي هي من المشاعر المقدسة التي يمرُّ بها الحجاج في رحلة حجهم إلى الكعبة. فالتمعن في تفاصيل الصورة يضعنا امام مؤشرات عدة فيها الى انها منشأة بالذكاء الاصطناعي، منها أجساد مشوهة لحجاج نائمين، وأطراف مبتورة انتشرت بجوارهم في شكل غريب. وقد اشرنا اليها بالأحمر في الصورة أدناه: ويدعم هذا الاستنتاج فحص الصورة في مواقع متخصصة بكشف الصور الزائفة، مثل Hive Google و Hive Moderation و Sightengine و Was it AI. وجاءت النتيجة انها مولدة على الارجح بالذكاء الاصطناعي بنسبة 100%. وفقاً لوزارة الحج والعمرة السعودية ، "يعود سبب تسمية مزدلفة إلى أحد أمرين، الأول لأن الناس يزدلفون منها، أي يقتربون إلى الحرم، والثاني لأن الناس يقضون فيها زُلفاً من الليل، أي أوقاتاً وساعات من الليل. ويسمى مزدلفة كذلك: جَ مْ ع ، لأن الناس يجتمعون فيها، ويسمى كذلك: المشعَ ر الحرام ، لأنها من الحرم". و"من فضائل مزدلفة أنه يشترك مع عرفات في اجتماع الناس فيهما في وقت محدد، إذ في عرفات يجتمع الناس نهاراً حتى تغرب الشمس يدعون الله ويذكرونه، وفي مزدلفة يجتمعون للمبيت والاستراحة من تعب النهار. وإذ تُجمع في عرفات صلاة الظهر وصلاة العصر وتقصران، تُجمع في مزدلفة صلاة المغرب وصلاة العشاء وتقصران". تقييمنا النهائي: اذاً، ليس صحيحاً ان الصورة المتناقلة تظهر "حجاجاً يبيتون في مزدلفة"، خلال موسم الحج لهذا العام. في الواقع، هذه الصورة ليست حقيقية، لكونها منشأة بالذكاء الاصطناعي.

الحج موسم لمعرفة الله
الحج موسم لمعرفة الله

شبكة النبأ

timeمنذ 21 ساعات

  • شبكة النبأ

الحج موسم لمعرفة الله

يدعونا لله –تعالى- في عديد الآيات القرآنية الكريمة تقديم العلم والمعرفة على العبادة، وعلى هذه القاعدة جرت التأكيدات من رسول الله، ومن الأئمة المعصومين من بعده، بضرورة التعلّم والتفكّر قبل ممارسة العبادة لتكون العبادة عن فهم ومعرفة، ومن ثمّ تكون منطلقة من إيمان عميق وحقيقي بالله –تعالى-... {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} سورة الحج، الآية:26 من حق كل مسلم إظهار سروره وابتهاجه وهو يستعد لأداء مناسك الحج؛ هذه الفريضة العبادية العظيمة، كما من حق كل مسلم إظهار وجده وشوقه لأن يحظى بمثل هذه الرحلة الروحانية في السنوات القادمة. الحج فريضة عبادية من فروع الدين العشر، يكفي أن يؤديها الانسان مرة واحدة في حياته، بينما الصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يمارسها يومياً في ظروف زمانية ومكانية مختلفة، كذا الحال بالنسبة لفريضة الجهاد، والخمس والزكاة لها ظروفها وشروطها الخاصة. شوق الناس لرحلة الحج ينبع من شعورهم بأنهم يكونوا أقرب الى الله –تعالى-، وهي لحظات حاسمة واستثنائية أن يستشعر الانسان –ربما- لأول مرة في حياته أنه أقرب الى ربه ليشكوه حاله وما ألمّ به من فتن وأزمات في حياته، فهو يطلب العون والمدد للخلاص، ومن ثم؛ النجاح والصلاح، ولكن! أقرب بأي شيء الى ربه؟ هل من خلال عوامل مادية يستشعرها بحواسه مثل بوجود الكعبة المشرفة بمنظرها المهيب أمامه، مع سائر المقامات والمعالم المقدسة، مثل مقام نبي الله ابراهيم، وآثار سعي السيد هاجر، عليها السلام، بين الصفا والمروة؟ أم بعوامل أخرى يبحث عنها وهو يردد التلبية الصادحة؛ "لبَيكَ اللّهم لبَيكَ، لبَيكَ لا شَريكَ لكَ لبَيكَ، إنّ الحمدَ والنِعمةَ لَكَ والمُلك لا شَريكَ لَك لبَيك"؟ العبادة بمعرفة وعلم يدعونا لله –تعالى- في عديد الآيات القرآنية الكريمة تقديم العلم والمعرفة على العبادة، وعلى هذه القاعدة جرت التأكيدات من رسول الله، ومن الأئمة المعصومين من بعده، بضرورة التعلّم والتفكّر قبل ممارسة العبادة لتكون العبادة عن فهم ومعرفة، ومن ثمّ تكون منطلقة من إيمان عميق وحقيقي بالله –تعالى-، ولعلّ أبرز مثال على هذا؛ الحوار الذي جرى بين الله –تعالى- ونبيه الخليل، ابراهيم، عليه السلام، عندما طلب أن يرى بعينيه كيفية إحياء الموتى، فجاء الجواب في القصة المعروفة في القرآن الكريم، وإلا فان نبي الله ابراهيم كان مؤمناً وعابداً مخلصاً لله –تعالى- بيد أنه اراد من المعرفة طمأنة قلبه {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، (سورة البقرة، الآية: 260) وايضاً في سياق المخاطبات بين ابراهيم وربه –تعالى- في سورة البقرة بعد بنائه بيت الله الحرام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. ومن تجارب الماضين في عمق التاريخ، نقرأ من تعاليم نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته، في أهمية العلم والمعرفة قبل العبادة، والاحاديث مستفيضة في هذا المجال، منها ما جاء عن رسول الله: "ركعتان يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد"، وعن أمير المؤمنين: "فكر ساعة قصيرة خير من عبادة طويلة"، وحتى في فضل العالم على الشهيد الذي يضحي بنفسه في سبيل الله، جاء عن الامام الصادق عن آبائه، عن رسول الله، صلى الله عليه وآله، انه قال: "اذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء فيرجح مداد العلماء على مداد الشهداء". كل هذه التأكيدات والتوصيات تنبهنا الى العواقب الكارثية للجهل بمسائل العقيدة والدين عندما نكون يوماً ما على في مفترق طريقين؛ بين السكوت على الطاغية الظالم، او الانسياق معه، وبين استسهال الظلم والانحراف في المجتمع، او معارضته، لأن انعكاسات الموقف والاختيار هذا تكون مباشرة على سلوكنا وطريقة حياتنا، وايضاً؛ مصيرنا في الحياة، ومن ثمّ لما بعد الحياة (الآخرة)، فلن تنفعنا صلاتنا ولا صيامنا، و حجّنا ايضاً عندما تكون دون محتوى ايماني وفهم للغاية النهائية، فالصلاة –مثلاً- التي نصليها يومياً بشكل روتيني –تقريباً- يفترض أنها {تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، بينما نلاحظ الفحشاء والمنكر في هذا الشارع او ذاك، وفي هذه المدينة او تلك، أليس كذلك؟! الامام الحسين، عليه السلام، ونحن هذه الايام نستقبل مناسبة عظيمة تتعلق بهذا الإمام العظيم، وهي زيارته يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة، يقدم لنا صوراً رائعة ومتكاملة للعبادة عن علم ومعرفة. يروى أنه كان قريباً من عبد الله بن عباس وهو يحدث الناس في التوحيد ذات يوم، فقال له رجلٌ يدعى؛ نافع ابن الازرق: "يا بن عباس تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تبعده"! فحين عجز ابن عباس عن الاجابة، دعاه الإمام الحسين اليه ليعطيه جواب سؤاله: فقال له، عليه السلام: "يا نافع إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس، مائلاَ عن المنهاج، ظاعنا في الاعوجاج، ضالاَ عن السبيل، قائلاَ غير الجميل، يا بن الأزرق! أصف إلهي بما وصف به نفسه، و أعرفه بما عرّف به نفسه، لا يُدرك بالحواس، ولا يُقاس بالناس، فهو غريب غير ملتصق، وبعيد غير متقص، يُوحّد ولا يُبعّض، معروفٌ بالآيات، موصوفٌ بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال". ولعل أقصر الطرق لمعرفة الله –تعالى-؛ دعاء الامام الحسين، عليه السلام، يوم عرفة، فهو مشحونٌ بالتنزيه والتعظيم والتسليم؛ نقرأ في بداية الدعاء: "الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع ولا كصُنعه صُنع صانع وهو الجواد الواسع"، وفي مقطع آخر من الدعاء يقول عليه السلام: "اللهم اجعلني أخشاك كأنّي أراك"، فأي منزلة معرفية هذه؟! ومن يقرأ هذا الدعاء، وغيره من النصوص الواردة عن الأئمة المعصومين في أمر التوحيد، يكتشف أن الإقرار بالعبودية لله –تعالى- والمداومة على الاستغفار، بحيث تكون جزءاً من الحياة اليومية، يُعد أحد مفاتيح الوصول الى مراتب العرفان الحقيقي. التذكّر الدائم بالعون الالهي في مقابل التوحيد يكون الشرك طريقاً ثانياً في الحياة، متمثلاً اليوم بأصنام فكرية وبشرية ومادية، فقد اقتنع الانسان في نهاية المطاف أن الاشكال الحجرية المنصوبة في مكة وسائر البلاد بالعالم لن تضر ولا تنفع، فضلاً عن عجزها عن النطق والتأثير في حياة الانسان، كما أكد هذه الحقيقة؛ القرآن الكريم، بيد أن هذا الانسان توقف منذ اربعة عشر قرناً من الزمن، حائراً أمام قوة المال وقوة السلطان، وكيف يمكن تجاوزهما والايمان بشكل مطلق بأن الله –تعالى- هو الحاكم المطلق وهو المهيمن والرازق وبيده القضاء والقدر، وهو عل كل شيء قدير؟ يكفي أن نسأل أي شخص يروم تأدية مناسك الحج؛ من –أو ما- الذي يوصله الى المدينة المنورة ومكة المكرمة؟ ربما يكون جواب البعض: جواز السفر، أو الجهات المعنية بتنظيم الحج؟ أو "الواسطة" من متنفذين في السلطة، أو المال، بلى؛ كل هذه وسائل واسباب تعد من سنن الله –تعالى- في الحياة، ولكن هذه الوسائل يفترض ان تكون مصدرها الله –تعالى- لا غيره، وإلا نقع في تناقض خطير، فنحن حولنا الوسائل مصادر عون متعددة لنا، و فعلنا كل شيء للحصول على مقعد أو حصّة بين عشرات الآلاف من الحصص لأداء فريضة الحج، ثم نريد التوجه الى الكعبة المشرفة كهدف واحد، ونقول: أننا نعبد الله الواحد الأحد! من هذا المطب يحذرنا ربنا –تعالى- من مغبة الانزلاق في مهاوي الشرك على حين غفلة، وجاءت الاشارة في القرآن الكريم عندما دعا الله –تعالى- نبيه ابراهيم بأن يتخذ الكعبة مكاناً للعبادة بشرط {أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي}، وقد أجمع المفسرون على أن التطهير هنا ليس فقط من النجاسة المادية العينية، بل ومن النجاسة المعنوية، وفي مقدمتها؛ الشرك بشكله المعنوي، من خلال تقديم الاستعانة بعوامل مادية، ليس في أمر أداء فريضة الحج فقط، وإنما في جميع نواحي الحياة، لتكون هذه الفريضة فرصة لإعطاء مصداقية لما نقوله يومياً في صلاتنا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، بمعنى التعهّد بأننا ليس فقط نعبد الله، وإنما نتسعين به ايضاً في نفس الوقت، ولا نستعين بغيره، وإن كانت ثمة استعانة، فهي على سبيل الوسيلة لا غير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store