أحدث الأخبار مع #أبيجعفر


وكالة أنباء براثا
منذ 3 أيام
- منوعات
- وكالة أنباء براثا
الامام الجواد (ع) معجزة الامامة
طاهر باقر من اغرب امور الناس هي الامامة ولذا اصبحت محل ابتلاء المسلمين فمن يؤمن بها عن عقيدة ملكت قلبه كله حتى افتداها بنفسه ومن دخل الشك قلبه فهو على ريبة من هذا الامر حتى يلقى الله وهو في دينه شاك، ولك ان تتخيل كبار علماء الشيعة ياتيهم الامر بالخضوع لصبي عمره لايتجاوز العشرة اعوام، ابتلاء وفتنة لايفوز بها الا مؤمن ملأ الله قلبه بالايمان. سنختبر مستوى هذا الايمان في اصحاب الامام الرضا عليه السلام وقد ذهب الى جوار ربه وخلف من ورائه صبيا عمره تسعة اعوام شاءت قدرة الله ان يكون اماما للمسلمين، سنذهب الى تلك البرهة ونقرء ماحصل فقد جاء في كتاب عيون المعجزات: " لما قبض الرضا عليه السلام كان سن أبي جعفر (ابي جعفر: الجواد) عليه السلام نحو تسع سنين، فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريان بن الصلت، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمان بن الحجاج ويونس ابن عبد الرحمان، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمان بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمان: دعوا البكاء! من لهذا الامر وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر عليه السلام. فقام إليه الريان بن الصلت، ووضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه، ويقول له: أنت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك والشرك، إن كان أمره من الله جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس، هذا مما ينبغي أن يفكر فيه. فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبخه. (1) وكان لابد ان يشاهد الناس جميعا معجزة الامامة والسر المستودع فيها وكيف يمكن ان يحصل ذلك؟ عندما تقف عقول العلماء عاجزة امام علم الامام المعصوم وهو ابن سبعة اعوام عندها تتكشف الحقيقة للقاصي والداني وهكذا يقول صاحب كتاب الاختصاص: علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: لما مات أبو الحسن الرضا عليه السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر عليه السلام فدخل عمه عبد الله بن موسى وكان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة، فجلس وخرج أبو جعفر عليه السلام من الحجرة، وعليه قميص قصب، ورداء قصب، ونعل حذو بيضاء. فقام عبد الله واستقبله وقبل بين عينيه وقامت الشيعة وقعد أبو جعفر عليه السلام على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض تحيرا لصغر سنه. فانتدب رجل من القوم فقال لعمه: أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ (أتى بهيمة :واقعها او نكحها) فقال: تقطع يمينه ويضرب الحد، فغضب أبو جعفر عليه السلام ثم نظر إليه فقال: يا عم اتق الله اتق الله إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عز وجل فيقول لك: لم أفتيت الناس بما لا تعلم؟ فقال له عمه: يا سيدي أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها فقال: أبي تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزناء فان حرمة الميتة كحرمة الحية، فقال: صدقت يا سيدي وأنا أستغفر الله" (2) لم يكن عبد الله بن موسى رجلا عاديا من عامة الناس فهو كان ابنا لامام وشقيقا لامام وعما لامام وقد اخذ العلم على يد الامام فهو عالم نحرير لكن علمه لايصل الى مرتبة علم الامام المعصوم حتى وان بلغ السابعة من العمر وهنا تحصل المعجزة ليس بالاعجاز الغيبي بل بالاعجاز العلمي ويحدث ذلك كله امام المئات من الموالين ومن عامة الناس. وحتى لو جرى الشك في اذهان غير الشيعة بخصوص هذه الروايات لكن التاريخ لايستطيع ان يكذب على السلاطين والحكام لانهم يعاقبون باشد العقاب من يتقول عليهم الاقاويل او ينقل عنهم مالايرضونه وهذا هو حال المامون زعيم الدولة العباسية مع الامام الجواد عليه السلام وهو بعمر الصبا. وقد روى عنه المصنفون إن أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام لما توفي والده علي الرضا عليه السلام وقدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتفق أنه خرج إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه، والصبيان يلعبون، ومحمد واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشر سنة فما حولها فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين، ووقف أبو جعفر محمد عليه السلام فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه وكان الله عز وجل قد ألقى عليه مسحة من قبول، فوقف الخليفة وقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟ فقال له محمد مسرعا: يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظني بك حسن إنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت. فأعجبه كلامه ووجهه، فقال له: ما اسمك؟ قال محمد، قال: ابن من أنت؟ قال: يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا عليه السلام فترحم على أبيه وساق جواده إلى وجهته و كان معه بزاة. فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب فأخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه، فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة وأبو جعفر لم ينصرف، ووقف كما وقف أولا . فلما دنا منه الخليفة قال: يا محمد قال: لبيك يا أمير المؤمنين قال: ما في يدي؟ فألهمه الله عز وجل أن قال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل النبوة. فلما سمع المأمون كلامه عجب منه، وجعل يطيل نظره إليه، وقال: أنت ابن الرضا حقا، وضاعف إحسانه إليه "(3). معجزة الامام الجواد عليه السلام لاتعرف الحدود ولاتقتصر على زمان، كشمس تسطع في كل زمان ومكان، ولما اراد المأمون تزويج ابنته ام الفضل للامام الجواد اعترض عليه حاشيته من بني العباس وقللوا من شأن وقدر الامام وذكروا بانه لايصلح لهذا التزويج وانه لايزال في سن مبكرة. فقد ورد في كتاب الاحتجاج: عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم، واستنكروه منه، وخافوا أن ينتهي الامر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الامر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عز وجل وينزع منا عزا قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا عليه السلام ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعا للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا عليه السلام ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه. فقالوا له: إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم وإن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومواده وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله. قالوا: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شئ من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم. فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك. فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست (الدست : صدر البيت) ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه الصلاة والسلام. فقال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت. قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟. فقال أبو جعفر عليه السلام: قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا أو خطأ، حرا كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا، مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟. فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم أقبل على أبي جعفر عليه السلام فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك قد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي وإن رغم القوم لذلك. فقال أبو جعفر عليه السلام: الحمد لله إقرارا بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته، والأصفياء من عترته. أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام، أن أغناهم بالحلال عن الحرام، و قال سبحانه: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم. ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليها السلام وهو خمس مائة درهم جيادا فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟. فقال المأمون: نعم قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ قال أبو جعفر عليه السلام: قد قبلت ذلك ورضيت به. فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة. قال الريان: ولم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الإبريسم، على عجلة مملوة من الغالية، ثم أمر المأمون أن تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية ثم مدت إلى دار العامة فتطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم. فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام: إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده. فقال أبو جعفر عليه السلام: نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير، وكان من كبارها، فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة وإن كان ظبيا فعليه شاة وإن كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة. وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد عليه الماء ثم وهو موضوع عنه في الخطاء، والكفارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة. فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك فان رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك فقال أبو جعفر عليه السلام ليحيى: أسألك؟ قال: ذلك إليك جعلت فداك فان عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك. فقال له أبو جعفر عليه السلام: أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة وبماذا حلت له وحرمت عليه؟ فقال له يحيى بن أكثم: لا والله لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدناه. فقال أبو جعفر عليه السلام: هذه أمة لرجل من الناس، نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة، فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له. قال: فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله إن أمير المؤمنين أعلم وما رأى فقال: ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الاسلام وحكم له به، ولم يدع أحدا في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما ابنا دون الست سنين، ولم يبايع صبيا غيرهما أولا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم وإنهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم، فقالوا: صدقت يا أمير المؤمنين ثم نهض القوم" (4) لقد تعمدت ان اجلب الرواية بحجمها الواسع حتى يتضح للقاصي والداني منزلة ائمة اهل البيت صلوات الله عليهم وتقدمهم على سائر البشر وذلك بشهادة العباسيين الذين كانوا يناصبوهم العداء الا ماندر ونحن هنا لدينا شهادة مكتملة الاركان من قبل الخليفة العباسي المامون وبالطبع نحن اتباع اهل بيت النبوة لسنا بحاجة الى مثل هذه الشهادة لكننا نعرضها لمن يجهل حق اهل البيت ولايعرف منزلتهم. بقلم: طاهر باقر الهوامش ====================================== 1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٠ - الصفحة ٩٩ 2- الاختصاص: ص 102. 3- كشف الغمة ج 4 ص 187 و 188. 4- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٠ - الصفحة ٧٨


شبكة النبأ
منذ 6 أيام
- منوعات
- شبكة النبأ
الإمام الجواد (ع) وتداعيات الإمامة المبكرة
على الرغم أنّ امتحان الشيعة كان صعباً لأنهم لم يسبقوا بهكذا امتحان إلا أنّ الإمام الجواد استطاع أن يأخذ بيدهم ويقنعهم بإمامته بل ويثبت لهم ركناً عظيماً من أركان الإمامة وهو أن الكبر والصغر ليسا من ملاكات الإمامة. ولا يخفى أنّ الأئمة الأطهار ممّن سبقوا الإمام الجواد تعرضوا... من أشد الابتلاءات الصعبة التي عصفت بالشيعة عبر التأريخ هو امتحانهم في عهد الإمام الجواد (عليه السلام) حيث استشهد أبوه الإمام الرضا (عليه السلام) ولم يتجاوز من عمره الشريف سبعة أعوام. يقول الطبري الشيعي -أحد علماء القرن الرابع الهجري-: ولما بلغ سنّه- الإمام الجواد (عليه السلام) - ست سنوات وبضعة شهور قتل المأمون أباه، فحار الشيعة، ووقع الخلاف بين الناس، واستصغروا سنّ أبي جعفر واحتارت الشيعة في البلاد(1). فلم يعهد من قبل عهد الإمام الجواد (عليه السلام) أن تصل الإمامة إلى إمام وهو بهذا السن، ولذا فقد وقع الشيعة في حيرة من أمرهم، ولم تقتصر هذه الحيرة على عوام الشيعة بل تسرت إلى بعض الخواص أمثال يونس بن عبدالرحمن الثقة. يقول صفوان بن يحيى: قلت للرضا (عليه السلام) قد كنّا نسألك عن الإمام بعدك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر وكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، وقد وهب الله لك وأقر عيوننا ولا أرانا الله يومك، فإن كانت الحادثة فإلى من نفزع؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك وهو ابن ثلاث سنين؟! فقال (عليه السلام): وما يضره ذلك؟ قد قام عيسى (عليه السلام) بالحجّة وهو ابن سنتين. ولمّا قبض الرضا (عليه السلام) كان سن أبي جعفر (عليه السلام) نحو سبع سنين، فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريّان بن الصلت، وصفوان بن يحيى، ومحمد ابن حكيم، وعبد الرحمن بن الحجاج، ويونس بن عبد الرحمن، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم، في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجّعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمن: دعوا البكاء من لهذا الأمر؟ وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر (عليه السلام). فقام إليه الريّان بن الصلت ووضع يده في حلقه ولم يزل يلطمه ويقول له: أنت تظهر الإيمان لنا وتبطن الشك والشرك، إن كان أمره من الله، فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عُمّر ألف سنة فهو واحد من الناس هذا ممّا ينبغي أن يفكر فيه، فاقبلت العصابة عليه تعذله وتوبّخه(2). تحرّي الشيعة حول الإمام (عليه السلام) على الرغم أن محنة الشيعة كانت صعبة جدا وزلّت فيها أقدام بعضهم فمالوا يميناً وشمالاً واضطربوا في مذاهبهم إلا أنّ جماعة منهم لم يحيدوا عن جادة الصواب وثبتوا على الحق ولم يتزلزلوا أبداً. ولذا عمد جماعة من الشيعة كعادتهم بعد شهادة كل إمام إلى التحرّي والتحقيق حول الإمام من بعد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فأرشدهم البعض إلى عبدالله بن موسى بن جعفر (عليه السلام) وكان شيخاً، فتعجّبوا وقالوا: قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين وليس هذا صاحبنا. فجاء حتى جلس في صدر المجلس، فقال رجل: ما تقول أعزك الله في رجل أتى حماراً؟ فقال: تُقطع يده ويضرب الحد وينفى من الأرض سنة. ثم قام إليه آخر، فقال: ما تقول أصلحك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟ قال: بانت منه بصدر الجوزاء والنسر الطائر والنسر الواقع فتحيّرنا في جرأته على الخطأ(3). إزاحة الحيرة عن الشيعة على الرغم أنّ امتحان الشيعة كان صعباً لأنهم لم يسبقوا بهكذا امتحان إلا أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) استطاع أن يأخذ بيدهم ويقنعهم بإمامته بل ويثبت لهم ركناً عظيماً من أركان الإمامة وهو أن الكبر والصغر ليسا من ملاكات الإمامة. ولا يخفى أنّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ممّن سبقوا الإمام الجواد (عليه السلام) تعرضوا إلى هذا الأمر خاصة الإمام الرضا (عليه السلام)، إذ إنه مهد قبل شهادته لذلك الأمر وأكد عليه بشكل واضح. يقول صفوان بن يحيى: قلت للرضا (عليه السلام): قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك فأقرّ عيوننا فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال: وما يضره من ذلك، فقد قام عيسى (عليه السلام) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين(4). وعن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) وذكر شيئاً، فقال: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني، وقال: إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة(5). ولمّا دخل الشاعر الشهير دعبل الخزاعي على الإمام الرضا (عليه السلام) وأنشده تائيته وبلغ قوله: خروج إمام لا محالة خارج --- يقوم على اسم الله والبركات يميز فينا كل حق وباطل --- ويجزي على النعماء والنقمات فبكى الإمام (عليه السلام) بكاءاً شديداً، ثم رفع رأسه الشريف إليه، وقال: يا خزاعي نطق روح القُدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ قلت: لا يامولاي إلا إني سمعت بخروج إمام منكم ويطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً، فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله له ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جوراً(6). دفع الحيرة بالشواهد القرآنية إلى جانب أحاديث الإمام الرضا (عليه السلام) وتأكيده على أن كبر أو صغر السن لا مدخليه له في الإمامة كان الإمام الرضا ونجله الجواد (عليهما السلام) يستشهدان بشواهد من القرآن الكريم تنص على عدم مدخلية السن في الإمامة. فقد روى محمد المحمودي، عن أبيه، قال: كنت واقفا على رأس الرضا (عليه السلام) بطوس، فقال له بعض أصحابه: إن حدث حادث فإلى من؟ قال: إلى إبني أبي جعفر (عليه السلام)، قال: فإن استصغر سنه؟ فقال له أبو الحسن (عليه السلام): إنّ الله بعث عيسى بن مريم قائما بشريعة في دون السن التي يقوم فيها أبو جعفر على شريعته(7). يقول علي بن أسباط: قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) وهو إذ ذاك خماسي، فجعلت أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر، فنظر إلي وقال: يا علي إنّ الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة، فقال سبحانه عن يوسف: (ولمّا بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما)، وقال عن يحيى: (وآتيناه الحكم صبيا)(8). المناظرة الخالدة إلى جانب أجوبة الإمام الجواد (عليه السلام) على أسئلة الشيعة ودور ذلك في رفع حيرتهم واطمئنانهم بإمامته فقد تركت مناظراته أثراً عظيماً في اطمينان الشيعة بإمامته وتيقنهم بعدم مدخلية السن في الإمامة خاصة مناظرته مع يحيى بن أكثم الذي دعوه لمناظرة الإمام كي يفحمه ويثبت للمأمون الذي زوجه من ابنته أنه ليس أهلا لهذا المقام. فقد سأل يحيى بن أكثم الإمام فقال: يا أبا جعفر أصلحك الله- ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): قتله في حل أو حرم، عالماً أو جاهلاً، عمداً أو خطأ، عبداً أو حراً، صغيراً أو كبيراً، مبدياً أو معيداً، من ذوات الطير أو من غيرها، من صغار الصيد أو من كبارها، مصرا عليها أو نادما، بالليل في وكرها أو بالنهار عيانا، محرما لعمرة أو للحج؟ قال الراوي: فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا -لم يخف على أهل المجلس- وأكثر الناس تعجبا من جوابه(9). من بركات إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) على الرغم أن إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) في هذا السن الصغير كانت سبباً لتحيّر جماعة من الشيعة إلا أنها تركت بركات عظيمة على الطائفة المحقّة ومن ذلك: 1- تيقّن الشيعة وعايشوا على أرض الواقع حقيقة عدم مدخلية السن في الإمامة. 2- ببركة إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) تجاوز الشيعة مسألة الحيرة بالنسبة لإمامة الأئمة من بعده ممن وصلتهم الإمامة في الصغر ولم يشككوا في إمامتهم. 3- ببركة إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) تهيأت الأرضية عند الشيعة لمسألة إمام الزمان (عليه السلام) وأيقنوا أن الملاك في الإمامة لايمت بصلة بمسألة طول العمر أو الصغر أو الظهور أو الخفاء وإنما الملاك في الإمامة هو ما نص عليه من الشرائط المتعارفة عندهم من قبل المعصومين (عليهم السلام). ........................................... (1) دلائل الإمامة: 388. (2) عيون المعجزات: 119. (3) إثبات الوصية: 221. (4) الکافي: 1/321. (5) الکافي: 1/320. (6) کفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام): 276. (7) إثبات الوصية: 220. (8) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): 4/391. (9) تفسير القمي: 1/183.


شبكة النبأ
٢٦-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- شبكة النبأ
حرية تملك الأراضي والثروات الطبيعية في التنمية عند الامام علي (ع)
الْأَرْض إذا انخفض المعروض منها، بسبب سيطرة الحكومات عليها ومنعها الناس من حيازتها واستثمارها إلا بقيود وروتين وبيروقراطية، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع قيمتها وغلائها كما سبق، وكما هو مقتضى قانون العرض والطلب البديهي، ولكن الذي نريد طرحه هنا، وقد صرح به عدد من كبار علماء الاقتصاد، هو... الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر واليه على مصر، يشير صراحة إلى الأركان الأربعة التي أشّر عليها ـ فيما بعد ـ مينارد كينز، ويزيد عليها ركنين آخرين، وقد أشرنا الى الركن الاول وكان عن (خفض الضرائب حتى يصلح أمرهم)، واشرنا كذلك الى الركن الثاني: زيادة الإنفاق وصولاً إلى الإصلاح الاقتصادي، والركن الثالث: الإنفاق خاصة على المحرومين. والركن الرابع: القضاء على الاحتكارات، والركن الخامس: إنفاق الأغنياء زائداً الإنفاق الشعبـي. الركن الرابع: القضاء على الاحتكارات، الركن الخامس: إنفاق الأغنياء زائداً الإنفاق الشعبـي، وفيما يلي: الركن السادس: حرية تملك الأراضي والثروات الطبيعية إلغاء القوانين الكابتة التي تحول دون حيازة / تملك الناس للأراضي والثروات الطبيعية إلا برخصة وإجازة وإذن وألف قيد وقيد، وإقرار القانون النبوي الذي يصرح بـ: (مَنْ أَحْيَا مَوَاتاً فَهُوَ لَهُ)(1)، وتفعيل القانون الإلهي الذي يقول (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً)(2)، واعتبار الأرض وما عليها بأجمعها حقاً من حقوق الناس الأولية، فلهم أن يتملكوا أو يحوزوا كما شاءوا وكيف شاءوا ومتى شاءوا من دون حدّ لذلك، إلا حد الإضرار بالآخرين وعدم الاستئثار بحصصهم في إطار قوله تعالى: (لَكُمْ)(3). وقد دلت على ذلك الروايات المتواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهدى (عليهم السلام) كما جرت سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) والإمام المجتبى (عليه السلام) على المنهج نفسه. الأرض وما فيها لكل من أحياها عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً فَهِيَ لَهُ)(4). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سُئِلَ وَأَنَا حَاضِرٌ عَنْ رَجُلٍ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً، فَكَرَى فِيهَا نَهَراً، وَبَنَى بُيُوتاً، وَغَرَسَ نَخْلًا وَشَجَراً؟ فَقَالَ: هِيَ لَهُ، وَ لَهُ أَجْرُ بُيُوتِهَا، وَعَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ(5) فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سَيْلُ وَادٍ أَوْ عَيْنٌ، وَعَلَيْهِ فِيمَا سَقَتِ الدَّوَالِي وَالْغَرْبُ(6) نِصْفُ الْعُشْرِ)(7). وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (أَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَعَمَرُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ لَهُمْ)(8). وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (أَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ أَوْ عَمَرُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا)(9). وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَا يَسْبِقُهُ إِلَيْهِ مُسْلِمُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)(10). وروى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)(11). وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله): (مَوْتَانُ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَنْ أَحْيَا مِنْهَا شَيْئاً فَهُوَ لَهُ)(12). وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (مَنْ أَحَاطَ حَائِطاً عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ)(13). وروي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (عَادِي الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي، فَمَنْ أَحْيَا مَوَاتاً فَهِيَ لَهُ)(14). وعن جابر الأنصاري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلْتِ الدَّوَابُّ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ)(15). وقال الإمام علي (عليه السلام): (فَمَنْ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْمُرْهَا وَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا أَوْ أَخْرَبَهَا وَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمَرَهَا وَأَحْيَاهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الَّذِي تَرَكَهَا، يُؤَدِّي خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا)(16). قانون (الأرض للناس) يكافح التضخم والفقر وقد كتب المؤلف بحثاً عن ذلك في كتاب (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً، الأرض للناس لا للحكومات) نقتبس منه بعض اللقطات: ومن ذلك كله يتضح وجه آخر وحِكمة أخرى للقانون الإلهي: (الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا)(17)، و: (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ)(18)، و: (هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً)(19)، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً بوجه، والتفصيل الآن بوجه آخر، وهو: أن العمل بهذا القانون يوجّه ضربة قاصمة للتضخم والغلاء والفقر والبطالة، وأن إهمال هذا القانون يؤدي إلى سلسلة متصلة الحلقات من الغلاء والتضخم، والغريب في هذا السلسلة هو أنها تتصاعد تصاعداً هندسياً لا حسابياً فقط، وتوضيح ذلك: إن (الْأَرْضِ) إذا انخفض المعروض منها، بسبب سيطرة الحكومات عليها ومنعها الناس من حيازتها واستثمارها إلا بقيود وروتين وبيروقراطية، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع قيمتها وغلائها كما سبق، وكما هو مقتضى قانون العرض والطلب البديهي، ولكن الذي نريد طرحه هنا، وقد صرح به عدد من كبار علماء الاقتصاد، هو أنّ حلقات الغلاء المتتالية في (البضائع الطولية) ستتصاعد تصاعداً هندسياً لا حسابياً، وذلك حسب معادلة إجمالها أن ارتفاع (الأجور) يؤثر في غلاء البضائع ويرفعها بنحو التزايد الحسابي (1 ـ 2 ـ 3 ـ 4 ـ 5...) أي بطريقة الفوائد البسيطة، أما ارتفاع (الأرباح) فإنه يؤثر في غلاء البضائع وارتفاع قيمتها بنحو التزايد الهندسي (1 ـ 2 ـ 4 ـ 8 ـ 16...)، ونقصد بذلك نفس طريقة الفوائد المركبة. ولنقتطف فقرة من كلام أب الاقتصاد الحديث منذ قرنين ونصف، فإنه حجة عليهم، كما أنه مطابق للقواعد العلمية، قال في ثروة الأمم: (لكننا في الواقع نرى الأرباح المرتفعة تؤدي إلى رفع سعر العمل أكثر مما تؤدي إليه الأجور المرتفعة. فإذا كانت أجور مختلف العمال في صناعة الكتان على اختلاف أدوارهم من تحضير الخيوط إلى الغزل، والنسيج على سبيل المثال، تدفع لهم مسبقاً بمعدل بنسين في اليوم، فمن الضروري رفع سعر قطعة الكتان بمقدار يعادل عدد الأفراد الذين تقاضوا بنسين في هذا العمل، مضروباً بعدد الأيام التي عملوا فيها. وذلك الجزء من سعر السلعة الذي تحول إلى أجور سيرتفع بنسبة متوالية حسابية عبر المراحل المختلفة للصنع ليصل إلى هذا الارتفاع في الأجور. أما إذا ارتفعت أرباح كل أرباب عمل هؤلاء العاملين بنسبة خمسة بالمائة، فإن ذلك الجزء من سعر السلعة الذي تحول إلى ربح سوف يرتفع عبر المراحل المختلفة للتصنيع بنسبة متوالية هندسية إلى هذا الارتفاع في الربح. وعندما يقوم ربّ عمل العمال العاملين في تهيئة خيوط الكتان ببيع هذه الخيوط فإنه يحتاج إلى إضافة خمسة بالمائة على كامل قيمة المواد والأجور التي دفعها مسبقاً إلى عماله. وربّ عمل العاملين في غزل الخيوط يحتاج إلى إضافة خمسة بالمائة على السعر المدفوع مسبقاً لهذه الخيوط ولأجور عمال الغزل. وربّ عمل العاملين في النسيج سوف يحتاج بالمثل إلى إضافة خمسة بالمائة على السعر المدفوع لغزول الكتان وعلى أجور عمال النسيج. وعند رفع سعر السلع يعمل ارتفاع الأجور بالطريقة نفسها التي تفعلها الفائدة البسيطة في تراكم الدين، أما ارتفاع الربح فيعمل كما تعمل الفائدة المركبة، لكن تجارنا وأرباب الصناعة لدينا يتذمرون كثيراً من الآثار السيئة لارتفاع الأجور عند رفعهم للسعر، وبذلك تقل مبيعات بضائعهم داخلياً وخارجياً. وهم لا يقولون شيئاً عن الآثار السيئة لارتفاع الأرباح؛ هم صامتون فيما له صلة بالآثار الضارة لأرباحهم. لا يشتكون إلا من أجور أولئك الأشخاص)(20). كيف ينتج غلاء الأراضي غلاء كل شيء بتصاعد هندسي؟ وتوضيح الفكرة أو القاعدة: (ارتفاع الغلاء بمتوالية هندسية عند ارتفاع نسبة الأرباح، وزيادته بمتوالية حسابية عند زيادة الأجور) مع تطبيقها على (الأرض) في صورتي سلطنة الحكومة عليها وعدمها: إن الحكومات بمنعها حيازة الناس للمباحات والأراضي الموات، إلا بألف قيد وشرط وروتين وبيروقراطية، وباستيلائها هي على الكثير من الأراضي وتجميدها(21)، فإنها تقلل نسبة المعروض من الأراضي، ومن الثابت أنه كلما قلّ العرض، مع بقاء الطلب على حاله، زاد الغلاء، فإذا فرضنا أن الحكومة قلّلت عرض الأراضي بعدم سماحها للناس ببنائها وزراعتها، ولو كان ذلك تحت ستار قوانين وقيود قد لا يستطيع الناس تلبيتها أو قد يمكنهم تحقيقها ولكن بعد مضي فترة كسنة أو أكثر، فإن الأراضي ترتفع حينئذٍ قيمتها كأية بضاعة إذا قلّ عرضها بشكل مؤقت (خاصة إذا كان لفترة طويلة نسبياً) أو دائم. فإذا فرضنا أنها منعت حيازة نسبة 5% من الأراضي (وهو حد أدنى بكثير مما تمنعه حالياً الحكومات، لكن القصد إيضاح مبدأ الغلاء المتصاعد تصاعداً هندسياً)، وفرضنا أن خفض المعروض من الأراضي بنسبة 5% سيؤثر على ارتفاع قيمتها بنسبة 5% أيضاً(22) (وفي الواقع الخارجي قد يكون تأثيره أكبر بكثير وقد يكون أقل) فهذا يعني: أ ـ إن مالك الأرض وليكن اسمه (أ) مثلاً الذي اشتراها بمائة ألف دولار وكان يبيعها بمائة وخمسة آلاف دولار مثلاً أي (بربح معين قدره 5% بالنسبة إلى رأس المال) فإنه سيبيعها الآن بمائة وعشرة آلاف دولار(23)، أي بربح أكبر (من ربحه المعيّن السابق) بنسبة 5%، فهذه هي الحلقة الأولى. ب ـ ثم إن التاجر (ب) الذي يشتري هذه الأرض (أو يستأجرها بارتفاع قيمة الإجارة 5% فرضاً) ليربي فيها الماشية ليتاجر بصوفها مثلاً (وكذا بلحومها... الخ) فإنه حيث يريد أن يربح 5% (فرضاً) فإن هذه الـ5% سيحمّلها فوق 110 آلاف وليس فوق الـ105 ألف في الحالة العادية، أي إن التاجر (ب) إذا كانت قاعدته أن يربح على كل رأسمال يخصصه للتجارة بمقدار 5% فإن رأسماله الذي خصصه للتجارة واشترى به الأرض هو 110 آلاف فسيبيع الصوف بحيث يغطي الرأسمال الذي صرفه وأنفقه (أي يعوضه) زائداً 5% على الـ110 آلاف (بدل 5% على الـ105 ألف) فهذه هي الحلقة الثانية. نعم، حيث إن التاجر الذي اشترى الأرض بسعر أغلى، لا يقوم عادة، بتعويض الخسارة، في الدورة والوجبة الأولى من المبيعات، بل يقسمها على عشر دورات متتالية مثلاً(24)، فإن هذا الغلاء يتوزع على عشر دورات (وسلاسل من المبيعات)، مما يعني أن نسبة الغلاء في الدورة الأولى ستكون نصف بالمائة (05%) في مثالنا السابق، فيكون التصاعد محسوباً على أساس نصف بالمائة، ثم تبدأ سلسلة التصاعد الهندسي المذكور في الحلقات اللاحقة، بدءاً من نصف بالمائة، وأما إذا سحب التاجر كامل الخسارة على الوجبة الأولى من المبيعات (في السنة الأولى مثلاً) فسيكون الأمر حسبما ذكرناه من معادلة تضاعف الـ5% والتي بنينا افتراضاتنا عليها، وذلك غير بعيد، إذ أن السوق أحياناً تتحمل إضافة 5% على الأسعار وذلك فيما إذا كان الطلب شديداً والعرض قليلاً، خاصة وأن ارتفاع سعر الأراضي جميعاً يؤثر بشكل عام على أسعار مختلف البضائع لأن أكثرها يعود، بشكل أو بآخر، إلى سعر الأرض، لذلك سيكون مصلحة التجار جميعاً في رفع الأسعار بنسبة كبيرة إلى حد ما. وهذا كله مع أننا، دفعاً لتوهم الإشكال والأخذ والرد، يمكننا أن نفرض أن التاجر (ب) (استأجر) هذه الأرض (ولم يشترها)، وذلك نظراً لأن قيمة الإيجار حيث كانت سنوية فإن التاجر يضطر حينئذٍ إلى تعويض الخسارة في ضمن السنة نفسها، فإذا كان إنتاجه ومحصوله في السنة دفعة واحدة، كالمحاصيل الزراعية عادة، حمّلها كامل الخسارة وهي 5% وهكذا. ج ـ ثم إن التاجر (ج) الذي اشترى الصوف من تاجر المواشي وكانت تجارته بأن يحوله إلى خيوط ويربح 5% مثلاً، فإنه سيضيف على سعر بضاعته 5% وذلك على كامل الرأسمال الذي دفعه(25)، (وهو مائة وخمسة آلاف + 5% التي دفعت لمالك الأرض + 5% التي دفعت لتاجر المواشي) فهذه هي الحلقة الثالثة. د ـ ثم إن التاجر (د) الذي يشتري المغزول لينسجه، يضيف 5% على كامل ما دفعه لبائع المغزول (والمتضمن رأسمال المال الأصلي مع إضافات متتالية بقدر 5% تزداد بزيادة كل حلقة). وهكذا نجد تاجر الأقمشة.. ثم تاجر الملابس.. يضيف كل منهما 5% على الأصل وعلى الزيادات، وهذا يعني بالنتيجة النهائية أن الثياب والدشاديش مثلاً ارتفعت قيمتها 5% ولكن متوالية متصاعدة هندسياً، فكلما توسطت حلقة زادت الـ5% على الرأسمال السابق وعلى مجموع الزيادات السابقة. وهكذا فبدل أن تتزايد حسابياً أي 5% + 5% +5% على أصل رأس المال نجد النتيجة هي 5% على الأصل والزيادة السابقة التي هي 5%، ثم 5% على الأصل والزيادة السابقة والزيادة الأسبق.. وهكذا. وبلغة رياضية تكون المعادلة هكذا: في الحلقة صفر 105 آلاف (قبل الزيادة التي حدثت بعد خفض المعروض من الأراضي)، وفي الحلقة الأولى: 105×1.05، وفي الحلقة الثانية: 105 × 1.05 × 1.05 وفي الحلقة الثالثة: 105 × (1.05)3، وفي الحلقة العاشرة: 105 × (1.05)10 وهكذا وهلم جرا. وبعبارة أخرى: المبلغ الذي يجب أن يدفعه صاحب المواشي مع افتراض عدم تدخل الدولة في احتكار 5% من الأراضي يكون بهذه الصورة(26): 100 + 100 × 0.05 − −−→ 105000 المبلغ الذي يجب أن يدفعه صاحب المواشي مع افتراض تدخل الدولة في احتكار 5% من الأراضي (100 + 100 × 0.10) − −−→ 110000 الزيادة التي يدفعها صاحب المواشي (ب) هي 5% 110000 - 105000 = 5000 لكن الزيادة التي يدفعها مشتري الصوف (ج) ليست 5% بل هي: 110000 + 110000 × 0.05 = 115500 105000 + 105000 × 0.05 = 110250 إذن الزيادة التي يدفعها مشتري الصوف (ج) 10.25% 115500 - 110.25 = 5250 الزيادة التي يدفعها مشتري المغزول (د) 115500 × 1.05 = 121.275 110250 × 1.05 = 115.762.5 الزيادة التي يدفعها مشتري المغزول (د) ٧٦٢٥.1٥% 121275 - 115762.5 = 5512.5 على هذا الغرار يمكن محاسبة الزيادة التي يدفعها المستهلك الموجود في الحلقة الرابعة مثلاً وهو مشتري الأقمشة (هـ) 5000 × (1.05) 4 = 6078 الزيادة التي يدفعها المستهلك النهائي الموجود في الحلقة العاشرة هي 63% 5000 × (1.05) 10 = 8145 ) قاعدة الـ70 ومن القواعد العامة الرياضية في الزيادة المركبة هي "قاعدة الـ70" ()ule)f 70) والتي تقول: بأن مقداراً من الزيادة قدرها س في كل حلقة (أو في كل سنة في أرباح الفوائد المركبة) ستتضاعف خلال 70/ س سنة، فإذا كانت الزيادة مثلاً 2% سنوياً فإن المبلغ الكلي سيتضاعف في 35 سنة، وعليه فإذا اقترضت بفائدة مقدارها 7% سنوياً فهذا يعني ان المبلغ الذي عليك دفعه للمقرض بعد عشر سنوات (لو لم تسدد له شيئاً طوال هذه المدة) سوف يتضاعف فإذا كان الذي اقترضته مائة ألف فإن عليك، إذا تحملت فائدة مركبة قدرها 7% سنوياً على أن تسدد له كامل المبلغ مع فوائده بعد عشر سنوات، فإن عليك أن ترجع له مائتي ألف دولار، وبعد عشر سنوات أخرى عليك أن ترجع له اربعمائة ألف وهكذا.. وفي كتاب (الاقتصاد): (ومن القواعد المفيدة ذات العلاقة بالفائدة المركبة "قاعدة الـ70" " )ule)f 70" والتي تنص على أن مقداراً من النمو معدله س في السنة سيتضاعف خلال 70/ س سنة مثلاً، جماعة بشرية تزيد بمعدل 2 بالمائة سنوياً سوف تتصاعد خلال 35 سنة، وبالتالي إذا استثمرت أموالك بفائدة مقدارها 7 بالمائة سنوياً، فإنها سوف تتضاعف كل 10 سنوات). (وحين تستثمر النقود بشكل متواصل، فإنها تكسب فائدة مركبة، أي أن هناك فائدة تكتسب على الفائدة السابقة. والنقود التي تكتسب بفائدة مركبة تزداد حسب متوالية هندسية. ومن الحسابات المحيّرة تحديد ما كانت ستؤول إليه قيمة الـ24 دولاراً التي تلقاها الهنود الحمر ثمناً لجزيرة مانهاتن لو أنها أودعت بفائدة مركبة في ذلك الحين وبقيت حتى اليوم. افرض أن هذا المبلغ قد أودع كوقف بفائدة مقدارها 6% سنوياً منذ العام 1624م، فإنه سيساوي 59 بليون دولار في العام 1995م)(27))(28). المضاعف لقانون الأرض للناس لا للحكومات وإذا طبّق هذا القانون زاد عرض الأراضي بنسبة كبيرة جداً (لنفرضها ألف بالمائة)(29)، وتكون الأراضي الجديدة (أي الأراضي الموات التي يراد إحياؤها) مجانية، بينما ترخص كافة الأراضي السابقة في المدن والقصبات والأرياف، وسوف يؤثر ذلك على رخص أسعار كافة البضائع الأخرى، فيكون بمقدور الفقير حينئذٍ أن يشتري عدة كيلوات من اللحم بدل كيلو واحد مثلاً، كما يكون بمقدوره شراء عدة كتب بدل كتاب واحد وهكذا.. إضافة إلى ذلك فإنه سوف يجد المزيد والمزيد من الناس فرصاً كثيرة جداً للعمل، وذلك لأن القاعدة العامة هي: كلما كثر الطلب زادت نسبة التوظيف (لتلبية الطلب المتزايد) وقلّت البطالة بنفس النسبة. توفير فرص عمل للملايين من الناس وبوجه آخر: فإنه لو فرضنا أن الحكومة طبّقت قانون (الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا)، فإن الملايين من الناس الذين لا يملكون بيوتاً سوف يُحجّرون أو يحجزون أرضاً لبناء دار أو مزرعة أو متجر أو غير ذلك، فإذا فرضنا أن العراق يحتاج إلى ثلاثة ملايين وحدة سكنية، فلو فرضنا، كحد أدنى، أن مليون عائلة قررت بناء مليون منزل، وأن بناء كل منزل يحتاج ـ فرضاً ـ إلى عمل شخصين لمدة سنة (من حفّار وبنّاء وكهربائي وصباغ وسمكري و...) وفرضنا أن بعضهم يبني بيته بنفسه وأولاده، وبعضهم (من الطبقة المتوسطة) يستأجر عمالاً، وبعضهم يعمل هو ويستأجر عاملاً إلى جواره، وفرضنا أن عدد من يُستأجرون (من عمّال وبنّائين وصبّاغين و...) هو النصف، فهذا يعني توفير فرص عمل لمليون شخص عاطل إضافة إلى ملأ وقت مليون شخص آخر (من ملّاك الأراضي الجديدة) ببناء دار لهم أو مزرعة أو محل! فتصور هذا الحل السهل المذهل لنسبة كبيرة من البطالة! معدلات البطالة في دول العالم دلالات معدلات البطالة في دول العالـم وفي أحدث إحصاء(31) لمعدلات البطالة في العالم: وذلك كله لأن دول العالم ـ الإسلامي والغربي والشرقي ـ بنت على أساس غير وثيق، فإن مشكلة البطالة لا يمكن حلها إلا بالعودة إلى النظام الاقتصادي الفطري الإلهي في الأرض وغيرها، مما مضى في الكتاب السابق ومما استعرضناه في هذا الكتاب، ومما سيأتي بإذن الله تعالى في سلسلة البحوث هذه، وحيث أبت الحكومات ذلك ورفضته فإن أكثرها ثراءً وتطوراً في الاقتصاد وقف عاجزاً عن حل مشكلة البطالة، وأصبح غاية فخر علماء اقتصاد أكثر البلاد ثراءً وتطوراً أن يتكيّفوا مع نسبة بطالة منخفضة! أي إنهم استسلموا لوجود البطالة ولم يجدوا لها حلاً أبداً، لذلك فإنهم يعتبرون المحافظة على نسبة بطالة منخفضة كـ3% أو حتى 4% امتيازاً!(32) والغريب أن كندا تعد من أغنى دول العالم وأكثر الاقتصادات العالمية تطوراً، كما أن عدد نفوسها قليل جداً بالقياس إلى مساحتها وثرواتها، ومع ذلك تعاني من بطالة تقارب الـ6%، وأستراليا كذلك، وأمريكا تعاني مع نسبة بطالة حوالي 4% أو 8% رغم أنه لا توجد في التاريخ دولة أكثر غنى وثراء وفرصاً للعمل منها، فما الذي يكشف عنه ذلك؟ إنه يكشف عن وجود خلل بُنيوي ـ منهجي في النظام الاقتصادي الغربي والشرقي، حيث أعرضوا عن المنهج الإلهي ـ الفطري الذي يتكفل بحل أعقد المشاكل المستعصية بأبسط الوصفات وأقلها تكلفةً)(33). وقد مرّ بنا في مقدمة الكتاب نفسه: رباعي الشؤم: البطالة، التضخم و... غاية البحث: أن البشرية كانت ولا زالت تعاني من (الرباعي المشؤوم): الفقر، المرض، البطالة والتضخم(34)، والغريب أن أقوى الدول في العالم اليوم وأكثرها من حيث الأموال ووسائل الإنتاج والثروات (وهي الدول الغربية) لا تزال تعاني شرائح واسعة جداً من شعوبها من الفقر(35)، ومن نسبة بطالة مرتفعة(36)، ومن تضخم متواصل ومتزايد، وقد جمعت الدول الغربية بين متناقضين: الوفرة الكبيرة من جهة، والفقر والتضخم من جهة أخرى، مع أن المفروض أن الوفرة (وزيادة العرض) تقضي على التضخم، وتوفر السبيل إلى توزيع أكثر عدالة للثروة. وقد وضع الإسلام أفضل الحلول وأنجع البلاسم لحل تلك المعضلات الأربع، والتي تشكل المنهج الصحيح في التعاطي مع عوامل الإنتاج الثمانية، وهي الثلاثة المعروفة مضافاً إليها الخمسة الأخرى. معضلة البحث: المعضلة التي يواجهها البحث هي وجود بطالة مرتفعة وتضخم كبير وفقر واسع، في كافة دول العالم، حتى الدول المتحضرة منها، على اختلاف في درجات البطالة والتضخم والفقر فيها، مع عجز علماء الاقتصاد عن حل هذه المعضلات إلا بشكل نسبي، من دون توفّر القدرة على القضاء عليها بشكل كامل، رغم الثروات الهائلة التي تتمتع بها الدول الكبرى؛ كما يستبطن الكتاب إشارات إلى معضلة أخرى وهي: أن الاقتصاد عَلِقَ في معادلة التنافر بين حل معضلة البطالة وحل معضلة التضخم: وأنه كلما انخفض معدل البطالة وازداد الطلب على العمالة في فترات الازدهار (والذي تدفع نحوه أيضاً السياسة المالية التوسعية) ازداد التضخم، وكلما زادت البطالة في فترات الركود والهبوط (والذي تدفع نحوه أيضاً السياسة النقدية المتشددة) انخفض التضخم وهي المعادلة التي أشار إليها (منحنى فيليبس). ويتطرق الكتاب بالتفصيل إلى المعضلة الأولى وتأثير (الأرض للناس لا للحكومات) على حل المشاكل الثلاث (الفقر، التضخم والبطالة) كما يرسل إشارات تمهيدية تلقي الضوء مِن بُعد على حل معضلة التنافر بين حل المعضلتين (البطالة والتضخم)، على أن يأتي تفصيل البحث عن ذلك في الكتب القادمة بإذن الله تعالى. نطاقه وهيكليته: الكتاب يتحدث حصراً عن (الأرض) كعامل من عوامل الإنتاج، وعن تأثير قانوني (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا)(37)، و: (الثروات والمعادن للناس، لا للحكومات) في القضاء على الفقر والبطالة والتضخم، أو على خفضها وتقليص مساحتها إلى أبعد الحدود الممكنة، وذلك عبر السماح للناس كافة بحيازة الأراضي واستثمارها دون تدخّل من الحكومات)(38). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأطيبين الأطهرين. * مقتبس من كتاب (التنمية الاقتصادية في نصوص الإمام علي عليه السلام) المجلد الثاني، لمؤلفه: السيد مرتضى الحسيني الشيرازي ................................................... (1) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج5 ص279. (2) سورة البقرة: 29. (3) يراجع (الفقه: الاقتصاد) للسيد محمد الحسيني الشيرازي. (4) الشيخ الطوسي، التهذيب، دار الكتب الإسلامية: ج7 ص152. (5) هذه هي الزكاة. (6) أي الدلو العظيمة. (7) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي: ج3 ص241. (8) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج5 ص279. والشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج7 ص152، والشيخ الطووسي الاستبصار: ج3 ص107. (9) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية: ج7 ص149. (10) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام): ج3 ص480. (11) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام): ج3 ص480. (12) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام): ج3 ص480. (13) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام): ج3 ص480. (14) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام): ج1 ص44. (15) المحدث النوري، مستدرك الوسائل، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ج17 ص112. (16) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج1 ص407. (17) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج5 ص279. (18) سورة الرحمن: الآية 10. (19) سورة البقرة: 29. (20) آدم سميث، ثروة الأمم، دار الفرقد ـ دمشق: ص113. (21) فمثلاً الأراضي الأميرية والتي تقع تحت سلطة وزارة المالية، في العراق ربما تبلغ 80% من أراضي العراق كله. (22) منسوباً إلى رأس المال. (23) الفرض هو أنه يريد أن يربح 5% على المبلغ الذي اشتراه به، لا على مجموع المبلغ الذي اشتراه به نسبة ارتفاع السعر (بعد تقليصه المعروض من الأراضي إثر القوانين الكابتة)، وإلا فستكون نسبة زيادة الغلاء بنسبة 5% أكثر. (24) وفي بعض الحالات يوزعها على وجبات أكثر، وفي بعض الحالات على وجبات أقل، حتى وربما أحياناً على الوجبة الأولى نفسها، وذلك حسب مدى تنافسية السوق وشدة الطلب أو قلته وكثرة المعروض أو قلّته. (25) اما في عشر دورات، أو أكثر، أو أقل وصولاً إلى الدورة الواحدة.. كما سبق.. وهكذا في الفروض الآتية. (26) من الناحية الفنّية يمكن أن تكتب المعادلة بطريقة أخرى، إلا أن النتيجة هي النتيجة. (27) بول سامويلسون ونورد هاوس، الاقتصاد، ترجمة هشام عبد الله: ص373. (28) (خلق لكم ما في الأرض جميعاً / الأرض للناس لا للحكومات) للمؤلف: ص142ـ 149. (29) فيما إذا كانت نسبة الأراضي الموات بالنسبة للعامرة، عشرة أضعاف فرضاً. (30) المصدر لـ4.1% هو: Labor Force Statistics from the Current Population Survey". Bureau of Labor Statistics. July".. 2017. والمصدر لـ8.6% هو: Real Unemployment -- Department of Labor (U6) (". Gallup. August 2017) ولعل الاختلاف لاختلاف تعريف البطالة وحدودها. (31) تحت عنوان (معدل البطالة ـ قائمة البلدان) (32) علّق ههنا بعض العلماء بقوله: (من أسباب البطالة إدخال النساء في سوق العمل بدلاً عن بقائهن في البيوت للإنجاب والتربية فصار ضرراً مضاعفاً، ولو رجعت النساء إلى البيوت لانحلت المشكلتان) انتهى. أقول: لا بد من بحث المسألة من حيث الجهات الموضوعية ـ الوضعية والمعيارية ومن حيث مقتضيات باب التزاحم وغير ذلك، ولعلنا نتوقف عند ذلك في كتاب آخر إذا شاء الله تعالى. (33) (خلق لكم ما في الأرض جميعاً / الأرض للناس لا للحكومات) للمؤلف: ص97 ـ 101. (34) وخامسها: الجهل، وسادسها: الحروب، وسابعها: فقد القِيمَ الإنسانية والأخلاقية والحرمان من المعنوية، ولم نطرحها ههنا لأن المطروح في هذا البحث حول الأرض يتكفل بالأربعة فقط، على أنه لا يخلو من تأثير بنحو ما على الثلاثة الأخيرة. (35) عدد الفقراء في أمريكا (ارتفع عدد الفقراء في الولايات المتحدة ارتفاعاً طفيفاً ليبلغ 46.5 مليون شخص، على الرغم من تعافي البورصة، حسبما أفادات بيانات التعداد الأمريكي. وارتفع الرقم من 46.2 مليون شخص عام 2011م، مما يعني بقاء المعدل الوطني للفقر مستقراً عن 15 بالمائة. وهذا هو العام السادس على التوالي الذي لم يتحسن فيه معدل الفقر، على الرغم من خروج الولايات المتحدة من الركود عام 2009م) (موقع B.B.C 18 سبتمبر/ أيلول 2013م). (36) فمثلاً: أعلنت وزارة العمل الامريكية ارتفاع معدل البطالة في نوفمبر/تشرين الثاني إلى نسبة 9.8 في المائة وهو أعلى معدل لها منذ ابريل / نيسان، ما أثار مخاوف حول مدى التعافي في الاقتصاد الامريكي)، و(ذكرت وزارة العمل الأمريكية أن عدد العاطلين عن العمل الآن وصل إلى 15.1 مليون شخص بنسبة 9.8 في المائة، وهي أعلى من نسبة 9.6 في المائة المسجلة في الاشهر الثلاثة السابقة). (موقع B.B.C 3 ديسمبر/ كانون الأول 2010). (37) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج5 ص279. (38) (خلق لكم ما في الأرض جميعاً / الأرض للناس لا للحكومات) للمؤلف: ص8 ـ9، بتصرف.