
بونغ جون هو يسخر من هواجس أميركا في مهرجان برلين
بعد ستة أعوام على فوز المخرج بويغ جون هو بـ"سعفة كان" عن "طفيلي" الذي أصبح أول فيلم غير ناطق بالإنجليزية ينال جائزة "أوسكار" أفضل فيلم، يحل هذا السينمائي ضيفاً على الـ"برليناله". السؤال الذي طرحه كثر: لماذا لم يضم المهرجان الألماني هذا الفيلم الذي يحمل توقيع أحد أكبر الأسماء في السينما الآسيوية المعاصرة إلى المسابقة، بل فضل عرضه خارجها؟ الفيلمِ توزيع "وارنر"، ولم يعد سراً أن شركات أميركية كثيرة تنبذ مسابقات المهرجانات الأوروبية، خشية من أن يأخذ الفيلم هوية لا تنسجم مع تطلعاتهم التجارية. ولكن قد تكون أسباب عرضه خارج المسابقة على علاقة بقيمة الفيلم الفنية أيضاً، من وجهة نظر إدارة المهرجان، إذا لم تجده أهلاً بـجائزة "دب ذهبي" محتملة، علماً أننا شاهدنا إلى الآن أفلاماً أضعف منه في المسابقة.
فيلم خيال علمي سياسي مستوحى من رواية أميركية (ملف الفيلم)
هذا ثامن فيلم روائي طويل لبونغ جون هو البالغ من العمر 55 سنة. منذ بدايات انتظامه في العمل الإخراجي، أي في مطلع القرن الحالي، عرف بنصوص مطعمة بروح الدعابة الحادة والنقد الاجتماعي والسياسي اللاذع، وبتحريفه للأنماط السينمائية. جديده الذي يستعين بإنتاج ضخم ونجوم صف أول من أمثال روبرت باتينسون وتوني كوليت ومارك روفالو، يواصل هذا النهج ويتعمق فيه بمزيد من الجنون والتطرف الخيالي، وبإمكانات لم يسبق له أن عمل في إطارها. على غرار "طفيلي" الذي كان هجاء سياسياً، يتعرض بونغ جون هو هنا إلى المنظومات الحاكمة، لكن هذه المرة المنظومة المستقبلية العالمية الواقعة تحت سيطرة أميركا، قافزاً إلى خطاب أشمل وأوسع، من وحي العالم الذي قد نعيش فيه بعد ربع قرن من الآن، وهذا كله من خلال مزيج من الفكاهة والرومانسية والتشويق.
الفيلم مقتبس من رواية "ميكي 7" للكاتب إدوارد أشتون، صدرت في عام 2022 وسرعان ما أراد بونغ جون هو نقلها إلى الشاشة. عند نشرها، عدت واحدة من أهم روايات علم الخيال، بسبب رؤيويتها وقدرتها على التوفيق بين الجدية والفكاهة في قلب ناجح وفعال. من الصعب سرد تفاصيل القصة لكثرتها وانصهارها في ما بينها، ولكن يمكن إرجاعها إلى خطوطها العريضة: ميكي بارنز (باتينسون)، شاب يعمل لمصلحة شركة، يطلب منه أصحابها الالتزام التام بوظيفته التي تقتصر على أن يموت ليعيش. في لغة الخيال العلمي، أن ما يعرف بـ"المستنفد"، يقطن على متن مركبة فضائية تقوم برحلة تستغرق سنوات عدة لاستعمار أحد الكواكب، وعليه أن يموت مراراً وتكراراً. والموت هذا يتحقق لأسباب مختلفة، وفق الظروف والحاجات. وفي كل مرة يموت أو يكون على وشك الموت، يلقى به في "السايكلر"، الأشبه بجهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، ثم يسحب جسده منه مجدداً، وتعاد خريطته العصبية إلى الدماغ.
تشويق وعاطفة وعلم وخيال (ملف الفيلم)
انطلاقاً من هذه الفكرة، يقحمنا الفيلم في سلسلة مفارقات تستمر طوال ساعتين وثلث الساعة فيها نقد لاذع وطرافة هدامة مع أبطال أشبه بشخصيات تخرج من الرسوم المتحركة. المواقف عبثية، تستمد حضورها من بعض مما يصنع عالمنا الحالي ومن كثير مما قد يصنع عالمنا غداً: الطموحات التوسعية، الرأسمالية، الفساد… هناك حتى إسقاطات على شخصية ترمب من خلال السياسي التي يلعب دوره مارك روفالو. هذا الأخير يترأس ما يمكن اعتباره بعثة استعمارية، ويبدي خلال القيام بمهمته نزعة إلى التسلط، مما جعل البعض يقارنه بالرئيس الأميركي الحالي، هذا رغم أن المخرج أنكر هذه المقارنة، قائلاً إنه يتناول من خلاله فكرة عامة لا شخصية محددة.
المخرج الكوري بونغ جون هو (ملف الفيلم)
أياً يكن، فهذه نظرة يلقيها كوري جنوبي على أميركا، مضخماً خطوطها، وساخراً من تجاوزاتها وهوسها بالتكنولوجيا ومشروعها في السيطرة على العالم وانعدام المسؤولية الذي تعانيه. نظرة ستعجب الأميركيين قبل غيرهم. طبعاً، يفعل هذا كله بحساسية آسيوية تتعايش مع تراث غربي عريق في النقد. نحترم عمله ونقدره، فالإخراج لا غبار عليه، والنص متماسك والممثلون، في مقدمهم روبرت باتينسون، يعطون أفضل ما لديهم. كل شيء مدروس ومنضبط، لكن، يا للأسف، هناك ميكانيكية تفقد العمل روحه، وهذا عيب نجده في عديد من الأعمال السينمائية أخيراً. ينتهي الفيلم من دون أن يبقى كثير منه لنتذكره بعد خروجنا من الصالة. أما النصف الساعة الأخير، فهو ينتمي جمالياً إلى مدرسة السينما الهوليوودية، بحسها التشويقي والبصري المعتاد والمفرط في صناعة الإبهار.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في نظر بونغ جون هو أن "ميكي 17" عن شباب يافعين من الطبقة العاملة، هؤلاء الذين لا حول لديهم ولا قوة. يخرج من بينهم شخص مثل ميكي ليصبح بطلاً رغماً عنه. أما الكيفية التي يصبح فيها بطلاً، فتلك أيضاً حكاية غير متوقعة. انكب بونغ جون هو على المشروع مدفوعاً بفكرة أن "هذه هي القصة التي يرغب الجمهور المعاصر في مشاهدتها"، كما صرح. في الملف الصحافي للفيلم، سأله المحاور ما إذا كان يحذر البشر (الذين لديه عاطفة شديدة تجاههم) من مستقبل العيش على الأرض، فيرد عليه بالقول، "الأرض لن تنقرض، لكنها تصبح مكاناً قاسياً للعيش، لذا سينتهي الأمر بالناس بمغادرتها. وستصبح المغادرة عادية للغاية. سيركبون سفينة فضائية، كما لو كانت رحلة طيران ليلية من لوس أنجليس إلى نيويورك، وليست هجرة جماعية أو خروجاً جماعياً. مزاج الفيلم يجعل هذا الأمر يبدو عادياً تماماً. مغادرة الأرض والهجرة إلى كوكب آخر تبدوان خياراً شائعاً. لذلك، يعيش الناس في هذا الفيلم بلا وجهة حياتية واضحة في الحياة. نشعر بوحدتهم. ليس لديهم عائلات، لكنهم لا يزالون محاطين بالحب. الفيلم هو كذلك قصة حب بين ميكي وناشا. الناس التائهون الذين يلجأون إلى العلاقات البشرية، جزء كبير من القصة التي أرويها".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرجل
منذ 3 أيام
- الرجل
جودي فوستر من مهرجان كان: التمثيل ليس غاية.. بل وسيلة لنقل قصة حقيقية (فيديو)
في مقابلة حديثة أجرتها مع مجلة Variety على هامش مهرجان كان السينمائي 2025، أبدت النجمة الأمريكية جودي فوستر، البالغة من العمر 62 عامًا، دهشتها من اندفاع بعض الممثلين الشباب إلى القبول بأي دور، حتى إن كان في فيلم "سيئ" أو بمحتوى ضعيف، معتبرة أن التمثيل لا يجب أن يكون هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لنقل القصص القوية فقط. قالت فوستر: "أرى كثيرًا من الشباب يقولون: لا يهمني إن كان الحوار ضعيفًا أو الدور تافهًا. هم فقط يريدون الظهور". وأضافت بوضوح: "لو لم أمثل مجددًا، لن أهتم. ما أريده هو أن أكون أداة تُستخدم لصالح القصة". شغفها لا يزال قائمًا.. لكن بشروط رغم تاريخها الطويل في هوليوود، أشارت فوستر إلى أن شغفها بالتمثيل ما زال قائمًا، ولكن "بشروط صارمة". إذ أكدت أن مشاركتها في الفيلم الفرنسي الجديد Vie Privée جاءت فقط لأنه "المادة المناسبة" التي تحدثت إليها، مشيرة إلى أن الشخصية والدور كانا على مستوى من العمق يتناسب مع تطلعاتها الفنية. انتقادات لاذعة للجيل الجديد في جانب آخر من الحوار، لم تُخفِ فوستر انتقاداتها للجيل الجديد من الممثلين وخصوصًا جيل "Z"، موضحة أنهم "يفتقرون للانضباط"، وقالت: "أرسل إليهم ملاحظات على البريد الإلكتروني لأني أجد رسائلهم غير مدققة لغويًا، فيجيبون: 'لماذا أدقق؟ أليس ذلك تقييدًا لحريتي؟'". رغم ذلك، أوضحت فوستر أنها تبذل جهدًا للتواصل مع بعض المواهب الشابة مثل بيلا رامزي، لدعمهم وإرشادهم في مرحلة التكوين الفني، قائلة: "الأجمل من أن تكون بطلة القصة، هو أن تساعد الآخرين على إيجاد صوتهم الخاص". من النجومية المبكرة إلى الإلهام يُذكر أن جودي فوستر بدأت رحلتها الفنية منذ الطفولة، ورُشحت لجائزة الأوسكار في سن الـ14 عن دورها في Taxi Driver، قبل أن تفوز لاحقًا بجائزتين عن The Accused وThe Silence of the Lambs. وقد نالت ترشيحًا جديدًا للأوسكار مؤخرًا عن فيلم Nyad، إلى جانب ترشيحها لإيمي عن دورها في مسلسل True Detective: Night Country.


المدينة
منذ 4 أيام
- المدينة
«كان» يفاجئ «واشنطن» بجائزة السعفة الذهبيَّة
فاجأ منظِّمو مهرجان كان السينمائي، الممثِّل الأمريكي «دينزل واشنطن» بمنحه جائزة السَّعفة الذهبيَّة الفخريَّة؛ تقديرًا لمسيرته الفنيَّة المتميِّزة، وراوحت أدوار»واشنطن» السينمائيَّة، والذي فاز بجائزتي أوسكار، بين دور الناشط الأسود مالكوم إكس، ودور الطيَّار السكِّير البطل في فيلم «فلايت»، وفقا لوكالتي «رويترز» و»الفرنسية» ونال الممثِّل جائزة الأوسكار الثَّانية له في 2002 عن دوره في فيلم «تريننج داي»، بعد فوزه الأول عام 1990 عن فيلم «غلوري».


الشرق الأوسط
منذ 4 أيام
- الشرق الأوسط
دينزل واشنطن يُفاجأ بمنحه «السعفة الذهبية الفخرية» في مهرجان «كان» السينمائي
فوجئ الممثل الأميركي دينزل واشنطن بحصوله على جائزة السعفة الذهبية الفخرية في مهرجان كان السينمائي مساء أمس (الاثنين)، وهو ما قال منظمو المهرجان إنه تقديراً لمسيرته الفنية المتميزة. كان واشنطن (70 عاماً) في جنوب فرنسا لحضور العرض الأول لفيلم «هايست تو لويست» للمخرج الأميركي سبايك لي، وهو مقتبس من فيلم «هاي آند لو» للمخرج الياباني أكيرا كوروساوا، وفق وكالة «رويترز» للأنباء. ويلعب واشنطن، الذي انضم إليه على السجادة الحمراء النجمان المشاركان آيساب روكي وجيفري رايت، دور ديفيد كينج في فيلم الجريمة والإثارة، وهو العمل الخامس الذي يجمعه مع سبايك لي. Denzel Washington gets surprised with an Honorary Palme d'Or at #Cannes right before the world premiere of Spike Lee's «Highest 2 Lowest.« — Variety (@Variety) May 19, 2025 وتراوحت أدوار واشنطن السينمائية، والذي فاز بجائزتي أوسكار، بين دور الناشط الأسود مالكوم إكس، ودور الطيار السكير البطل في فيلم «فلايت». ونال واشنطن جائزة الأوسكار الثانية له في 2002 عن دوره في فيلم «تريننج داي»، بعد فوزه الأول عام 1990 عن فيلم «جلوري». الممثل الأميركي دينزل واشنطن في مهرجان كان السينمائي (رويترز) وأخرج وقام ببطولة فيلم «ذا جريت ديبيترز» في 2007 والذي يدور حول أستاذ قام بتدريب فريق للمناظرة من كلية أميركية للسود وقاده إلى المجد الوطني، كما أنتج وقام ببطولة الفيلم الدرامي «أنطون فيشر». وحصل الممثل الأميركي روبرت دي نيرو على جائزة السعفة الذهبية الفخرية عن مجمل إنجازاته، والتي تم الإعلان عنها مسبقاً، في حفل افتتاح المهرجان الأسبوع الماضي، حيث استخدم خطاب قبوله للجائزة في الدعوة إلى تنظيم احتجاجات مناهضة للرئيس الأميركي دونالد ترمب. ومن المقرر عرض فيلم «هايست تو لويست» في دور العرض السينمائية بالولايات المتحدة في يوم 22 أغسطس (آب) المقبل.