
سكودا للمسؤولين… والتشرد للاطفال للمعاقينحين يُصبح المال العام عبئًا على المواطن: من سيارات الوكالة إلى أطفال التوحد في الشارع
عبد الكبير الحراب
في مشهد يكشف عن مفارقة مؤلمة في تدبير الشأن العام، فجّرت صفقتان حديثتان جدلاً واسعاً حول أولويات الدولة الاجتماعية، ومدى صدقية شعارات الكرامة والمساواة التي ترفعها الحكومة في وجه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة.
فمن جهة، أعلنت الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي عن صفقة مثيرة للجدل تتعلق بكراء طويل الأمد لـ15 سيارة من نوعي سكودا وداسيا بكلفة تفوق 2.25 مليون درهم سنوياً، أي ما يناهز أكثر من مليار و127 مليون سنتيم خلال خمس سنوات، دون احتساب الوقود أو مصاريف إضافية.
ومن جهة أخرى، خرج عشرات الأطر التربويين وأسر الأطفال المعاقين ذهنيا في وقفة احتجاجية بالدار البيضاء، يطالبون بصرف مستحقات شهرية زهيدة لم يتوصلوا بها منذ شهور، مما أدّى إلى توقف الدراسة وتعليق الأنشطة بمركز يرعى 670 طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة.
سيارات فاخرة لمهام إدارية.. وذوو الإعاقة في الشارع!
تتجلى المفارقة الصادمة حين ندرك أن الجهة التي قررت كراء السيارات بمبالغ طائلة هي ذاتها الموكلة بمهمة توزيع الدعم على الفئات الهشة. فكيف لوكالة تحمل صفة 'الدعم الاجتماعي' أن تُخصص ميزانيات ضخمة لكراء سيارات لموظفيها، بينما تقف عاجزة – أو غير مكترثة – عن توفير تمويل لمراكز تحتضن أطفالا معاقين وأطراً تُكابد العيش دون أجور؟
وبحسب خبراء في تدبير الصفقات العمومية، فإن اقتناء السيارات المعنية بشكل مباشر كان سيكلف أقل من نصف القيمة الإجمالية للكراء، مع تمكين الدولة من امتلاك الأصل، بدلاً من ضخه في جيوب شركات التأجير دون مردودية حقيقية.
ما تُبرزه هاتان الواقعتان ليس فقط خللاً في ترتيب الأولويات، بل غيابًا تامًا للرؤية الاقتصادية والفعالية في الإنفاق العمومي. ففي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات الدولة من أجل 'شد الحزام' وتطالب المواطن بالتقشف، تُبذر الأموال على كماليات مؤسسات يفترض أن تكون في طليعة حاملي مشعل العدالة الاجتماعية.
240 إطاراً تربوياً و670 طفلاً معاقاً ذهنياً وجدوا أنفسهم خارج أسوار الرعاية والتعليم، فقط لأن الجهات المسؤولة 'لم تُحوّل' ميزانيات كان من المفترض أن تُصرف في وقتها. فهل نحتاج لصفقة سيارات فارهة بينما أطفال لا يجدون من يرعاهم؟ هل نركب سيارات سكودا فخمة بينما أهل الدار لا يجدون من يقود قاربهم الغارق؟
هذا التناقض الصارخ لا يُضعف فقط فعالية المؤسسات، بل يضرب ثقة المواطن في الدولة ومؤسساتها. فتخصيص ملايير من أجل سيارات إدارية بينما مؤسسات الرعاية تنهار، هو تكريس لميزان مختل للأولويات، لا يمكن تبريره في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
وبينما تنادي الأسر بـ'الإنصاف الملكي' كحلّ أخير لإنصافهم، وتطالب الهيئات الرقابية بفتح تحقيق في صفقة السيارات المثيرة، يبقى السؤال العالق في ذهن المواطن المغربي البسيط:
هل أصبحت مؤسسات الدولة تدير المال العام وكأنها شركة خاصة؟ وهل اختلطت خدمة المواطن بالحفاظ على الامتيازات؟
ما تحتاجه الدولة اليوم ليس فقط شفافية في الصفقات، بل تحولًا عميقًا في الثقافة التدبيرية، يعيد الاعتبار لكرامة المواطن ويُعلي من شأن العدالة الاجتماعية الحقيقية، لا الشعارية. فلا معنى لدعم اجتماعي تُهدر أمواله على سيارات، ولا معنى لبرامج إدماج اجتماعي تُترك مؤسساته تنهار دون تدخل.
حين تُصبح السيارات أولوية على الإنسان، فإننا لا نعيش أزمة مالية فقط، بل أزمة أخلاقية في صلب تدبير المال العام.
بمليار سنتيم نسو 670 طفلا…… وتذكروا مفاتيح السيارات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عبّر
منذ 7 ساعات
- عبّر
حماة المال العام يحشدون لوقفة احتجاجية أمام البرلمان
شرعت الجمعية المغربية لحماية المال العام، في نشر عدد من المنشورات التي تدعو من خلالها المواطنين إلى الحضور القوي في الوقفة الاحتجاجية المرتقب تنظيمها يوم السبت 14 يونيو 2025 أمام البرلمان على الساعة 16:00، مؤدة في منشورات لها أن 'مكافحة الفساد مسؤولية جماعية لا تعني الجمعية لوحدها، بل إنها معركة لكل القوى الحية'. وفي منشورات متفرقة، على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن 'الفساد ونهب المال العام والإثراء غير المشروع خطر حقيقي علينا جميعا، يهدد حق المجتمع في تنمية حقيقية'، مسجلة أن 'الفساد يهدد الدولة والمجتمع ويعمق مشاعر الظلم والخوف'، وأن 'شبكات ومافيات الفساد تغولت وتستفيد من حالة الإفلات من العقاب، وأنه يستنزف 55 مليار درهم سنويا'. وذكرت الجمعية التي يقودها الناشط الحقوقي والمحامي بهيئة مراكش، محمد الغلوسي، أن هناك '4 ملايين مغربي تترواح أعمارهم بين 14 سنة و 24 سنة لا يدرسون ولا يزاولون أي تكوين أو حرفة أو عمل، وأن بلدنا في المرتبة 99 على مستوى مؤشرات إدراك الفساد.' وأوضحت في منشوراتها، أن هذه الوقفة تأتي 'لأن الفساد شاع وتغول ولأن الحكومة ليست لها الإرادة في تجريم الإثراء غير المشروع وتخليق الحياة العامة، لأنها تسعى إلى حرمان المجتمع جمعيات وأفراد من التبليغ عن جرائم المال العام وتمس بفصل السلط من خلال انتهاك استقلالية النيابة العامة'. كما أكد الحقوقيون ، 'أن هناك مسؤولون ومنتخبون يستغلون المسؤولية العمومية لخدمة مصالحهم ومراكمة الثروة ضدا على المصالح العليا للوطن في التنمية والكرامة والعدالة'.


صوت العدالة
منذ 10 ساعات
- صوت العدالة
سكودا للمسؤولين… والتشرد للاطفال للمعاقينحين يُصبح المال العام عبئًا على المواطن: من سيارات الوكالة إلى أطفال التوحد في الشارع
عبد الكبير الحراب في مشهد يكشف عن مفارقة مؤلمة في تدبير الشأن العام، فجّرت صفقتان حديثتان جدلاً واسعاً حول أولويات الدولة الاجتماعية، ومدى صدقية شعارات الكرامة والمساواة التي ترفعها الحكومة في وجه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة. فمن جهة، أعلنت الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي عن صفقة مثيرة للجدل تتعلق بكراء طويل الأمد لـ15 سيارة من نوعي سكودا وداسيا بكلفة تفوق 2.25 مليون درهم سنوياً، أي ما يناهز أكثر من مليار و127 مليون سنتيم خلال خمس سنوات، دون احتساب الوقود أو مصاريف إضافية. ومن جهة أخرى، خرج عشرات الأطر التربويين وأسر الأطفال المعاقين ذهنيا في وقفة احتجاجية بالدار البيضاء، يطالبون بصرف مستحقات شهرية زهيدة لم يتوصلوا بها منذ شهور، مما أدّى إلى توقف الدراسة وتعليق الأنشطة بمركز يرعى 670 طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة. سيارات فاخرة لمهام إدارية.. وذوو الإعاقة في الشارع! تتجلى المفارقة الصادمة حين ندرك أن الجهة التي قررت كراء السيارات بمبالغ طائلة هي ذاتها الموكلة بمهمة توزيع الدعم على الفئات الهشة. فكيف لوكالة تحمل صفة 'الدعم الاجتماعي' أن تُخصص ميزانيات ضخمة لكراء سيارات لموظفيها، بينما تقف عاجزة – أو غير مكترثة – عن توفير تمويل لمراكز تحتضن أطفالا معاقين وأطراً تُكابد العيش دون أجور؟ وبحسب خبراء في تدبير الصفقات العمومية، فإن اقتناء السيارات المعنية بشكل مباشر كان سيكلف أقل من نصف القيمة الإجمالية للكراء، مع تمكين الدولة من امتلاك الأصل، بدلاً من ضخه في جيوب شركات التأجير دون مردودية حقيقية. ما تُبرزه هاتان الواقعتان ليس فقط خللاً في ترتيب الأولويات، بل غيابًا تامًا للرؤية الاقتصادية والفعالية في الإنفاق العمومي. ففي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات الدولة من أجل 'شد الحزام' وتطالب المواطن بالتقشف، تُبذر الأموال على كماليات مؤسسات يفترض أن تكون في طليعة حاملي مشعل العدالة الاجتماعية. 240 إطاراً تربوياً و670 طفلاً معاقاً ذهنياً وجدوا أنفسهم خارج أسوار الرعاية والتعليم، فقط لأن الجهات المسؤولة 'لم تُحوّل' ميزانيات كان من المفترض أن تُصرف في وقتها. فهل نحتاج لصفقة سيارات فارهة بينما أطفال لا يجدون من يرعاهم؟ هل نركب سيارات سكودا فخمة بينما أهل الدار لا يجدون من يقود قاربهم الغارق؟ هذا التناقض الصارخ لا يُضعف فقط فعالية المؤسسات، بل يضرب ثقة المواطن في الدولة ومؤسساتها. فتخصيص ملايير من أجل سيارات إدارية بينما مؤسسات الرعاية تنهار، هو تكريس لميزان مختل للأولويات، لا يمكن تبريره في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد. وبينما تنادي الأسر بـ'الإنصاف الملكي' كحلّ أخير لإنصافهم، وتطالب الهيئات الرقابية بفتح تحقيق في صفقة السيارات المثيرة، يبقى السؤال العالق في ذهن المواطن المغربي البسيط: هل أصبحت مؤسسات الدولة تدير المال العام وكأنها شركة خاصة؟ وهل اختلطت خدمة المواطن بالحفاظ على الامتيازات؟ ما تحتاجه الدولة اليوم ليس فقط شفافية في الصفقات، بل تحولًا عميقًا في الثقافة التدبيرية، يعيد الاعتبار لكرامة المواطن ويُعلي من شأن العدالة الاجتماعية الحقيقية، لا الشعارية. فلا معنى لدعم اجتماعي تُهدر أمواله على سيارات، ولا معنى لبرامج إدماج اجتماعي تُترك مؤسساته تنهار دون تدخل. حين تُصبح السيارات أولوية على الإنسان، فإننا لا نعيش أزمة مالية فقط، بل أزمة أخلاقية في صلب تدبير المال العام. بمليار سنتيم نسو 670 طفلا…… وتذكروا مفاتيح السيارات.


لكم
منذ 14 ساعات
- لكم
تحذيرات لأخنوش من استغلال معطيات وكالة الدعم الاجتماعي لأغراض انتخابية مستغلا علاقته بالمديرة
عبرت فاطمة التامني النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي عن التخوف الموجود اليوم، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، من استغلال رئيس الحكومة عزيز أخنوش وحزبه، لمعطيات وكالة الدعم الاجتماعي بأغراض انتخابية، مستفيدا من كون مديرة الوكالة كانت تشتغل في 'الهولدينغ' التابع له. ودعت التامني في سؤال كتابي رئيس الحكومة إلى الكشف عن الإجراءات الملموسة المزمع اتخاذها لضمان عدم استخدام المعطيات الشخصية المتاحة لدى الوكالة، لاغراض سياسية أو انتخابية في الاستحقاقات المقبلة. وتوقفت البرلمانية على كون أحزاب الأغلبية استغلت، في الانتخابات الماضية، أرقام المواطنين من خلال إرسال نصوص ترويجية للتنظيمات الحزبية عبر الهواتف الخاصة. وجاء في السؤال 'لا يخفى على الجميع، أن الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، وبعد تمرير قانونها قبل سنتين باتت تطرح تخوفات من إمكانية استغلالها لأغراض سياسية وانتخابية تحضيرا للاستحقاقات التشريعية والجماعية المقبلة'. وأضاف 'بناء على الصلاحيات الواسعة المخولة للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي بموجب المادة 3 من القانون 59.23 والتي تمنحها حق الوصول إلى المعطيات الشخصية والحساسة للمواطنين المستفيدين من نظام الدعم المباشر، وفي ظل العلاقة المهنية السابقة التي تجمع بين رئيس الحكومة ومديرة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، والتي شغلت مناصب مسؤولة داخل الهولدينغ الذي كان يشرف عليه، تثار تخوفات مشروعة من إمكانية توظيف معطيات المغاربة الاجتماعية والاقتصادية، التي تجمع عبر هذه الوكالة، لأغراض غير مشروعة ذات طابع انتخابي'. ونبهت التامني إلى أن تخوفات الاستغلال تتعزز، في ظل غياب آليات رقابة مستقلة تضمن حياد هذه المؤسسة واستقلاليتها عن الأجندات السياسية والحزبية.