logo
القوى المسيحية.. لا بديل عن القانون الانتخابي الحالي

القوى المسيحية.. لا بديل عن القانون الانتخابي الحالي

بعد أقلّ من سنة يُفترض أن يدعو وزير الداخلية احمد الحجار اللبنانيين إلى انتخاب نوابهم الـ 128 على أساس القانون النسبي المعمول به حاليًا، والذي على أساسه جرت الانتخابات السابقة في دورتيها عامي 2018 و2022، وهو القانون الذي اعتبرته القوى المسيحية أكثر عدالة لجهة التمثيل الصحيح قياسًا إلى قانون الستين، الذي لم يستطع المسيحيون فيه إيصال أكثر من أربعين في المئة من نوابهم إلى الندوة البرلمانية بأصواتهم الذاتية، بعدما سقط اقتراح قانون "اللقاء الأرثوذكسي"، الذي عارضه حزب "القوات اللبنانية" في مرحلة من المراحل، فيما تبناه "التيار الوطني الحر" بقوة، واعتبر أنه يشكّل ضمانة أكثر لصحة التمثيل العادل، فيما أعلنت القوى الإسلامية رفضها له بالمطلق باعتبارأنه يعمّق الروح الطائفية ويزيد من الشرخ الأفقي بين مكونات الوطن الواحد على حساب المواطنة.
Advertisement
ويرى بعض القوى السياسية المسيحية، وعلى رأسهم "القوات اللبنانية"، أن ما يُطرح الآن من تعديلات على القانون الانتخابي الحالي غير بريء، ويهدف إلى خلق جدل سياسي في غير مكانه الصحيح، خصوصًا أن البلاد غير مهيأة في الظرف الحالي للدخول في معادلات جديدة من شأنها تشتيت الأنظار عن الهدف الأساسي، وهو قيادتها إلى برّ الأمان بأقل أضرار ممكنة في ظلّ المناخ التغييري، الذي بدأ يسيطر على أجواء المنطقة حتى قبل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وما اتخذ فيها من قرارات، وأهمها رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، والسعي إلى تجفيف بؤر التوتر في منطقة عاشت أسوأ الظروف على أثر الحرب
الإسرائيلية الواسعة والمدّمرة لكلٍ من قطاع غزة وعدد من المناطق اللبنانية.
وهذا الجو التصادمي المتوقع اليوم في جلسة اللجان المشتركة، التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، بدأ بالتفاعل في جلسة أول من أمس، والتي كانت مخصّصة لدرس عدد من اقتراحات القوانين المتعلقة بقوانين الانتخابات، والتي لم تنتهِ إلى اتفاق وسط شرخ سياسي بالنسبة إلى تطبيق الاصلاحات التي يتضمنها القانون الحالي لناحية "الميغاسنتر" والبطاقة الممغنطة، وضرورة منح المغتربين الحق في الاقتراع لكن ليس للنواب الـ 6 المخصصين لهم، وهو ما طالب به نواب "القوات اللبنانية"، مقابل ميل نواب بعض الكتل الاخرى لا سيما نواب "التيار الوطني الحر" لحصر اقتراعهم لستة نواب فقط ومطالبتهم بخفض سن الاقتراع.
فاقتراحات القوانين المدرجة على جدول أعمال جلسة اليوم ستثير حتمًا موجة من الجدل السياسي داخل الجلسة وخارجها، خصوصًا أن إدخال بند اقتراح "اللقاء الأرثوذكسي" من شأنه أن يعيد عقارب الخلاف السياسي القديم والمتجدّد سنوات إلى الوراء في ظل انقسام حاد بين المكونات السياسية بالنسبة إلى الأولويات الوطنية في الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان حاليًا.
فالقوى السياسية المسيحية، بما فيها "التيار الوطني الحر"، الذي يؤيد اقتراح "القانون الأرثوذكسي"، تجمع على أن القانون الحالي، الذي أمّن للمسيحيين فرصة انتخاب 56 نائبًا من أصل 64 بأصواتهم الذاتية، هو أفضل الممكن، خصوصًا إذا ما طُبّق بالكامل، لجهة اعتماد "الميغاسنتر" والبطاقة الممغنطة، وحسم مسألة تصويت المغتربين، مع تشديدها على أن القانون الحالي الذي جرت الانتخابات النيابية الأخيرة على أساسه، هو الأفضل من بين القوانين التي عُمِل بها منذ بدء العمل باتفاق
الطائف، التي كانت تهدف، بحسب هذه القوى، إلى التقليل من شأن التمثيل الحقيقي والعادل لهذه القوى.
فجلسة اليوم ستشهد على الأرجح كباشًا سياسيًا، حيث ينقسم النواب الحاضرون إلى فريقين؛ الأول سيحاول الدفاع عن القانون الحالي مع تشديده على تحصينه بما يلزم من تعديلات ضرورية كـ "الميغاسنتر" والبطاقة الممغنطة وحسم موضوع الصوت الاغترابي. وفريق آخر سيحاول نسف هذا القانون، فيما تتوقع مصادر نيابية ألا يحظى اقتراح القانون الأرثوذكسي بأي اهتمام، وذلك نظرًا إلى أنه قد أصبح من الماضي بالنسبة إلى أكثرية الكتل النيابية، خصوصًا أن الأسباب التي حالت دون السير به في الماضي لا تزال هي هي، وأن الأكثرية الساحقة من النواب تعتبر أنه يُعمّق الانقسام الطائفي، ويكرّس الطائفية بشكل مباشر، ويقوّض فكرة المواطنة، وهو بالتالي مخالف لمبدأ العيش المشترك الذي ينص عليه الدستور اللبناني، وخصوصاً اتفاق الطائف الذي دعا إلى إلغاء الطائفية السياسية تدريجياً.
فهذا الاقتراح، برأي كثيرين، يُقسّم الشعب اللبناني أكثر مما هو مقسّم، ويحول دون نشوء تحالفات عابرة للطوائف، ويمنع الأحزاب الوطنية من خوض الانتخابات في مختلف المناطق والطوائف.
وعليه، فإن الخرق المحدود الذي حصل في الانتخابات البلدية في بيروت سيكون حاضرًا بقوة في جلسة اليوم، وذلك ما يعطي الفريق النيابي المسيحي المصرّ على عدم نسف القانون الانتخابي الحالي المزيد من الحجج لكي يتشبث أكثر فأكثر به، باعتبار أنه قد أعاد إلى المكّون المسيحي ما كان قد فقده في ظلّ الوصاية السورية.
المصدر: خاص "لبنان 24"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صباح "النهار": تزكية على وقعٍ حربي وفي عين الإعصار... نتنياهو يقتحم المفاوضات فهل تفعلها إسرائيل؟
صباح "النهار": تزكية على وقعٍ حربي وفي عين الإعصار... نتنياهو يقتحم المفاوضات فهل تفعلها إسرائيل؟

النهار

timeمنذ 40 دقائق

  • النهار

صباح "النهار": تزكية على وقعٍ حربي وفي عين الإعصار... نتنياهو يقتحم المفاوضات فهل تفعلها إسرائيل؟

1- مانشيت "النهار": تزكية واسعة جنوباً... على وقعٍ حربي! تجاذب و"اشتباه" في ملف قانون الانتخاب تحت وطأة مشهدٍ وواقع تدميري تركته الحرب الإسرائيلية على الكثير من المناطق الجنوبية وعشية الذكرى الـ25 للتحرير، تختتم غداً محافظتا الجنوب والنبطية الانتخابات البلدية والاختيارية التي أجريت في لبنان خلال شهر أيار على أربع جولات. وإذا كانت معظم الوقائع الانتخابية في الجولات الثلاث السابقة، شهدت تمايزات في خصائص المناطق أو أوجه شبه في مناطق أخرى، إن من حيث المعارك والتنافسات أو من حيث الاصطفافات والائتلافات السياسية – العائلية، فإن أول ما سيميّز الجولة الرابعة الجنوبية هو الرقم اللافت لعدد البلدات التي لجأت إلى التزكية الاختيارية الطوعية أو القسرية، بفعل الظروف المثيرة للقلق والخوف من الواقع الميداني المتمادي في بلدات الحافة الجنوبية وحتى ما بعدها في الاقضية الجنوبية الأخرى. للمزيد اضغط هنا. 2- تجدّد الغارات الاسرائيلية على جنوب لبنان ليلاً (فيديو) تجددت الغارات الاسرائيلية على جنوب لبنان، ليل الخميس الجمعة، بعد أن شنت الطائرات الحربية الاسرائيلية مساء اليوم غارات جوية استهدفت جنوب لبنان وشرقه. واستهدفت غارة بلدة العزية في قضاء صور جنوب لبنان. للمزيد اضغط هنا. 3- وزراء مالية مجموعة السبع يظهرون وحدتهم في ختام محادثاتهم... ويتوعدون روسيا بمزيد من العقوبات اختتم وزراء مالية مجموعة السبع محادثاتهم في كندا بإظهار وحدتهم، معتبرين أن حالة عدم اليقين الاقتصادية التي اجتاحت العالم بعد فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية شاملة، آخذة بالتراجع. وكان اجتماع هذا الأسبوع بمثابة اختبار لمدى قدرة اقتصادات دول مجموعة السبع المتقدمة على تجاوز التوترات الاقتصادية منذ عودة ترامب إلى السلطة. للمزيد اضغط هنا. 4- منع جامعة هارفارد من قبول طلاب أجانب يؤثر على مصدر رئيسي لإيرادات الجامعات الأميركية تلقّت جامعة هارفارد ضربة جديدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحرمانها من تسجيل الطلاب الأجانب، وهو أمر تردد صداه على نطاق أوسع إذ أنه يستهدف مصدرا رئيسيا للدخل لمئات الكليات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. للمزيد اضغط هنا. 5- ارتفاع إضافي بأسعار الذهب اليوم... فكم بلغت؟ يتّجه الذهب اليوم الجمعة لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر، إذ أدى تراجع الدولار وتزايد المخاوف إزاء أوضاع المالية العامة في أكبر اقتصاد في العالم إلى دعم الإقبال على الملاذ الآمن. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.2 في المئة إلى 3299.79 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 00:14 بتوقيت غرينتش. وارتفع المعدن النفيس بنحو ثلاثة بالمئة منذ بداية الأسبوع وحتى الآن ويتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ أوائل نيسان/ أبريل. للمزيد اضغط هنا. اخترنا لكم من مقالات "النهار" لهذا اليوم: كتب نبيل بومنصف: في عين الإعصار… مجدداً! سواء سمحت إسرائيل غداً السبت بتمرير الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية في منطقة الجنوب اللبناني أم لم تمررها بفعل تصعيد الغارات والاغتيالات في صفوف عناصر "حزب الله" وكوادره كما دأبت عليه في الأيام السابقة، سيمضي لبنان بعد استحقاقه الانتخابي البلدي إلى موقع شديد الإحراج يستتبع شدّ مزيد من الأحزمة. للمزيد اضغط هنا. كتب ماجد كيالي: في مشروعية وضرورة طيّ صفحة الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان تمثلت النكبة (1948) بإقامة إسرائيل، وحرمان الفلسطينيين من هويتهم وكيانيتهم وحقوقهم الفردية والجمعية، وولادة مشكلة اللاجئين، بتشريد ثلثي الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره (نحو 900 ألف)، إلى الدول العربية المجاورة، منهم 180 ألفاً في لبنان. المشكلة أن لبنان، بظروفه الخاصة، لم يستطع هضم هؤلاء الفلسطينيين اللاجئين، من النواحي الإنسانية والاجتماعية، إذ قطنت غالبيتهم العظمى في 12 مخيماً (من أصل 59 مخيماً في بلدان اللجوء)، ظلت أحوالهم مزرية، من كل النواحي. فاقم من ذلك حرمانهم من فرص العمل في عشرات من المهن، مع إخضاعهم لمراقبة أمنية مشددة، والتعامل معهم باعتبارهم موضوعاً سياسياً وأمنياً، بمبرر حساسية، أو فرادة، وضع لبنان بتركيبته الطائفية. للمزيد اضغط هنا. وكتب علي حمادة: 1982- 2025: هل تفعلها إسرائيل؟ أعادت عملية قتل اثنين من أعضاء السفارة الإسرائيلية في واشنطن، في إطلاق نار على المتحف اليهودي في العاصمة، المراقبين بالذاكرة إلى عام 1982، ومحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف حيث شكلت المحاولة يومها ذريعة مباشرة لإسرائيل لاجتياح لبنان. يومها نفذ العملية "أبو نضال"، أحد قادة حركة "فتح" المنشقين، والذي كان على صلة بعدد من أجهزة المخابرات العربية كالعراقية والليبية، والشرقية كالاتحاد السوفياتي وبعض دول أوروبا الشرقية. للمزيد اضغط هنا. يمكن تعداد الفوائد و"الخيرات" التي سيجنيها الاقتصاد اللبناني من رفع العقوبات الدولية عن سوريا، بتعداد الحاجات السورية التي كانت تؤمنها السوق اللبنانية إلى السوق السورية. يكفي أن تعود حركة حركة التصدير والاستيراد في سوريا إلى طبيعتها، لتتوافر السيولة الكافية بالدولار في السوق السورية، فيتوقف تلقائياً نزف العملات الأجنبية من السوق اللبنانية نحو سوريا، بما سيخفف حتماً الضغوط النقدية على مصرف لبنان من جهة، ويزيد من قدرته على استحواذ الفائض الدولاري في السوق من جهة أخرى. ل لمزيد اضغط هنا. وكتب راغب جابر: بلديات لبنان: لا أمل عملياً انتهت الانتخابات البلدية في لبنان مع إسدال الستارة على مرحلتها الثالثة في بيروت والبقاع، انتخابات الجنوب غداً تبدو شكلية لولا معركتي صيدا وجزين، باعتبار ان البلديات "الشيعية" تولى قطبا الثنائي "أمل" و"حزب الله" ترتيب لوائحها التي فازت بالتزكية أو ستفوز في الصناديق لتعذر التوافق مع قوى وشخصيات رفضت الإنضواء تحت عباءة الثنائي. للمزيد اضغط هنا. وكتب عادل بن حمزة: حلّ الدولتين... الطريق الصعب الذي لا بديل منه في ظلّ تزايد تعقيد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، تعود الرباط لتؤكد حضورها كفاعل ديبلوماسي وازن في جهود إحلال السلام، من خلال استضافتها الاجتماع الخامس للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين. هذا اللقاء، الذي احتضنته العاصمة الرباط يوم 20 أيار/ مايو تحت شعار "الحفاظ على دينامية عملية السلام: الدروس المستخلصة، النجاحات والآفاق"، لا يعكس فقط إرادة جماعية لإحياء مسار تفاوضي طال انتظاره، بل يشكل أيضاً اعترافاً ضمنياً بأن البدائل المطروحة لحل الدولتين ليست سوى وصفات للفوضى والانزلاق نحو مزيد من العنف والتطرّف. للمزيد اضغط هنا. وكتب سميح صعب: نتنياهو يقتحم المفاوضات الأميركية-الإيرانية زاد ما بثته شبكة "سي ان أن" الأميركية للتلفزيون، عن استعدادات إسرائيلية لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، من أجواء التشاؤم التي خيّمت في الأيام الأخيرة على مسار المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، للتوصّل إلى اتفاق نووي جديد. سبق ذلك، هجوم حاد لمرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتلاه تشكيك واضح في احتمال الوصول إلى نتيجة إيجابية في المفاوضات، التي لسلطنة عُمان فيها دور الوسيط. للمزيد اضغط هنا.

رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية
رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية

بعد 14 سنة من الحرب والعقوبات، بدأت تلوح في أفق سوريا بوادر خروج من العزلة الاقتصادية. مع سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، والتحرك السريع نسبياً من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو رفع العقوبات التي كبّلت الاقتصاد السوري، تبدو البلاد مقبلة على مرحلة جديدة قد تحمل معها أملاً بالتعافي، لا فقط داخل سوريا، بل في المنطقة بأكملها، حيث كانت تداعيات الانهيار السوري عبئاً ثقيلاً على دول الجوار. منذ عام 2011، فرض الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات شاملة شلّت حركة الاقتصاد السوري. شملت هذه العقوبات حظراً على قطاع النفط والغاز، وتجميداً للأصول، ووقفاً للصادرات التكنولوجية إلى البلاد، ومنعاً للتعاملات المالية معها. هذه الإجراءات، وإن كانت موجهة ضد النظام، تسبّبت بانهيار شبه كامل في البنية التحتية، وحدّت من قدرة السوريين على الوصول إلى أبسط مستلزمات الحياة اليومية. توضح أرقام البنك الدولي حجم الكارثة: تقلّص الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 67.5 مليار دولار عام 2011 إلى 23.6 مليار دولار فقط عام 2022، بانخفاض يقارب 44 في المئة. أما الليرة السورية، ففقدت أكثر من مئة في المئة من قيمتها في مقابل الدولار الأميركي خلال السنوات الماضية. ومع تعذر الاستيراد، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية، وتعطّل القطاع الطبي، وانتشرت البطالة والفقر. لكن أبرز القطاعات التي تأثرت بالعقوبات كان قطاع النفط والغاز، والسلعتان من أهم مصادر دخل البلاد قبل الحرب. كانت سوريا تنتج حوالي 385 ألف برميل يومياً من النفط قبل عام 2011، وتصدّر جزءاً كبيراً منه إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، ما كان يعود بمليارات الدولارات سنوياً. ومع فرض العقوبات، انخفض الإنتاج إلى أقل من 90 ألف برميل يومياً، وفق تقديرات مستقلة، فيما توقفت أغلب الآبار عن العمل بسبب تدمير البنية التحتية ونقص المعدات والتكنولوجيا. اليوم، مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب منتصف الشهر الجاري الرفع الكامل للعقوبات، بدأت الليرة السورية بالتعافي وسجّلت ارتفاعاً بنسبة ثمانية في المئة أمام الدولار، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية. وبعد أيام، تبنّى الاتحاد الأوروبي قراراً مشابهاً، منهياً واحدة من أعقد حزم العقوبات التي فرضها في تاريخه. ولا شك في أن رفع العقوبات عن سوريا سيفتح الباب أمام استثمارات أجنبية وتدفقات مالية كانت مجمّدة، ما قد ينعش بعض القطاعات الحيوية ويطلق عجلة إعادة الإعمار، كما قد يسهّل عمليات الاستيراد والتصدير، ما يخفّف من أزمة المعيشة ويدعم استقرار الليرة السورية. هذان القراران فتحا الباب أمام احتمال عودة الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا. مثلاً، تشير تقديرات أولية إلى أن عودة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياته السابقة قد تدر على الدولة ما لا يقل عن سبعة مليارات دولار سنوياً في المرحلة الأولى، وهو مبلغ كفيل بإعادة تحريك الدورة الاقتصادية وتوليد فرص عمل واسعة في المناطق المنتجة للطاقة. ولا يقتصر الأثر الإيجابي على الداخل السوري فقط، بل يمتد إلى دول الجوار التي استقبلت ملايين اللاجئين خلال الحرب. ويمثل رفع العقوبات وإعادة الإعمار فرصة لتقليص أعداد اللاجئين عبر توفير بيئة آمنة واقتصادية محفّزة لعودتهم التدريجية. كذلك من المتوقع أن تسهم عودة سوريا إلى الأسواق الإقليمية في تنشيط التبادل التجاري مع الأردن والعراق، وفتح المجال أمام شركات خليجية للاستثمار في البنية التحتية، الاتصالات، والزراعة. لكن على رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات كبيرة. فالمجتمع السوري خرج من الحرب منهكاً، ومؤسسات الدولة تحتاج إلى إصلاح عميق. ولا يزال الانتقال السياسي هشاً، فالاتحاد الأوروبي نبّه إلى أن أي تراجع للسلطات السورية عن مبادئ الشفافية والتعددية قد يؤدّي إلى إعادة فرض العقوبات. ومع ذلك، يعكس قرار رفع العقوبات تحوّلاً في مقاربة المجتمع الدولي تجاه سوريا: من سياسة الضغط والردع إلى المشاركة والبناء. ويبقى الأمل معقوداً على أن تستغل القيادة السورية الجديدة هذه اللحظة التاريخية لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وفتح صفحة جديدة مع شعب أنهكته الحرب، وجيران ينتظرون منذ سنوات نهاية لهذا النزاع الطويل.

خلاف على التخصيب... روما تستضيف جولة خامسة من المحادثات الإيرانية
خلاف على التخصيب... روما تستضيف جولة خامسة من المحادثات الإيرانية

النهار

timeمنذ 2 ساعات

  • النهار

خلاف على التخصيب... روما تستضيف جولة خامسة من المحادثات الإيرانية

تُعقد الجمعة في إيطاليا الجولة الخامسة من محادثات إيرانية-أميركية بشأن البرنامج النووي لطهران تجرى بوساطة عُمانية، في حين تبدو المفاوضات متعثّرة عند مسألة تخصيب اليورانيوم. وأفادت وكالة "إرنا" الرسمية للأنباء بأن "المفاوضات من المقرر أن تبدأ عند الأولى بعد الظهر (11,00 ت غ) في روما"، مضيفة أن الوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي غادر طهران متوجّهاً إلى إيطاليا. وبدأت طهران وواشنطن، العدوتان اللدودتان منذ الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت بحكم الشاه الموالي للغرب في العام 1979، محادثات في 12 نيسان/أبريل بشأن البرنامج النووي الإيراني. وتعد المحادثات التي تجرى بواسطة عُمانية التواصل الأرفع مستوى بين البلدين منذ الاتفاق الدولي المبرم مع طهران في العام 2015 حول برنامجها النووي والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب (2017-2021) في العام 2018. عقب الانسحاب، أعاد ترامب فرض عقوبات على إيران في إطار سياسة "الضغوط القصوى". وهو يسعى إلى التفاوض على اتفاق جديدة مع طهران التي تأمل رفع عقوبات مفروضة عليها تخنق اقتصادها. الجمعة يلتقي وفدا إيران والولايات المتحدة في حين تظهّرت إلى العلن خلافات بين البلدين بشأن مسألة تخصيب اليورانيوم الشائكة. الأحد اعتبر الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي يمثّل واشنطن في المحادثات أن الولايات المتحدة "لا يمكنها السماح حتى بنسبة واحد في المئة من قدرة التخصيب". إلا أنّ طهران التي تتمسّك بحقّها ببرنامج نووي لأغراض مدنية، ترفض هذا الشرط مشددّة على أنّه يخالف الاتفاق الدولي المبرم معها. "مع أو بدون اتّفاق" ونقلت "سي أن أن" عن مصدرين إيرانيين أنّه "من غير المرجّح أن تفضي المحادثات النووية إلى اتفاق بسبب إصرار واشنطن على منع طهران من تخصيب اليورانيوم". وأضافا: "مشاركة إيران في محادثات روما تهدف فقط إلى تقييم الموقف الأميركي وليس السعي لتحقيق اختراق محتمل في المفاوضات". في هذا الأسبوع، شدّد وزير خارجية إيران عباس عراقجي الذي يقود الوفد الإيراني المفاوض، على أن بلاده ستواصل تخصيب اليورانيوم "مع أو بدون اتّفاق" مع الولايات المتحدة. والثلاثاء شدّد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على أن إيران لا تنتظر الإذن من "هذا أو ذاك" لتخصيب اليورانيوم، مبدياً شكوكاً بإمكان أن تفضي المباحثات مع الولايات المتحدة إلى "أي نتيجة". وعشية المحادثات، أعلنت إيران أنّها منفتحة على "مزيد من عمليات التفتيش" لمنشآتها النووية. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للتلفزيون الرسمي "نحن واثقون بالطبيعة السلمية لبرنامجنا النووي، وبالتالي لا مشكلة لدينا من حيث المبدأ في مزيد من عمليات التفتيش والشفافية". وأضاف أن "خلافات جوهرية" ما زالت قائمة مع الولايات المتحدة محذرا من أنه إذا أرادت الولايات المتحدة منع إيران من تخصيب اليورانيوم "فلن يكون هناك اتفاق". وقال خبير العلوم السياسية الإيراني محمد ماراندي في تصريح لوكالة "فرانس برس" "إن سيادة إيران خط أحمر، وإيران لن تتخلّى بأي حال من الأحوال عن الحق بتخصيب اليورانيوم". وتابع "إذا كانت الولايات المتحدة تتوقع أن توقف إيران التخصيب، فلن يكون هناك أي اتفاق. الأمر بهذه البساطة". خلال جلسة استماع أمام لجنة في مجلس الشيوخ الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن إيران تعتبر تخصيب اليورانيوم "مسألة فخر وطني" و"وسيلة ردع". حدّد الاتفاق الدولي المبرم مع طهران بشأن برنامجها النووي سقف تخصيب اليورانيوم عند 3,67 بالمئة. إلا أن الجمهورية الإسلامية تقوم حالياً، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 60 بالمئة، غير البعيدة عن نسبة 90 بالمئة المطلوبة للاستخدام العسكري. ردّاً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، تحرّرت إيران تدريجياً من الالتزامات التي ينص عليها. "غير قانونية وعدائية" في السياق، علّقت الخارجية الإيرانية على العقوبات الأميركية الجديدة التي فرضتها واشنطن على طهران. وقال المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن "العقوبات الأميركية الجديدة على طهران تلقي بمزيد من الشكوك على استعداد واشنطن للانخراط في الدبلوماسية". ووصف العقوبات بأنّها "غير قانونية وعدائية ضد الشعب الإيراني". وأضاف: "إن هذا التصرّف مستفز بقدر ما هو غير قانوني وغير إنساني. فالعقوبات متعدّدة الطبقات والإجراءات القسرية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران صُممت بعناية لحرمان كل مواطن إيراني من حقوقه الإنسانية الأساسية". وختم: "هذه العقوبات، التي أُعلنت عشية الجولة الخامسة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، تُلقي بمزيد من الشكوك على جدية واشنطن واستعدادها الحقيقي للانخراط في الدبلوماسية". وقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الخميس أنّها فرضت عقوبات على قطاع البناء والتشييد في إيران، بالإضافة إلى 10 مواد صناعية ذات تطبيقات عسكرية. طيف العقوبات تشتبه بلدان غربية وإسرائيل التي يعتبر خبراء أنّها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، أن إيران تسعى لحيازة قنبلة ذرية، الأمر الذي تنفيه طهران مشدّدة على أن برنامجها النووي غاياته مدنية حصراً. الثلاثاء، أوردت شبكة "سي إن إن" الأميركية نقلاً عن مسؤولين أميركيين طلبوا عدم كشف هوياتهم، قولهم إن إسرائيل، العدو اللدود للنظام الإيراني، تستعد لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وجاء في رسالة تحذيرية وجّهها وزير الخارجية الإيراني إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نشرت الخميس "في حال تعرّض المنشآت النووية لجمهورية إيران الإسلامية لهجوم من قبل النظام الصهيوني، فإن الحكومة الأميركية (...) ستتحمّل المسؤولية القانونية". يشغّل القطاع النووي الإيراني أكثر من 17 ألف شخص، بما في ذلك في مجالي الطاقة والطبابة، وفق المتحدّث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي. وكان كمالوندي قد لفت في مطلع أيار/مايو إلى أن "هولندا وبلجيكا وكوريا الجنوبية والبرازيل واليابان تخصّب (اليوارنيوم) من دون حيازة أسلحة نووية". ستُعقد المحادثات الجمعة قبيل اجتماع لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقرّر في حزيران/يونيو في فيينا، وسيتم خلاله التطرّق خصوصاً إلى الأنشطة النووية الإيرانية. وينصّ الاتفاق الدولي المبرم مع طهران والذي بات اليوم حبراً على ورق رغم أن مفاعيله تنتهي مبدئياً في تشرين الأول/أكتوبر 2025، على إمكان إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في حال لم تف بالتزاماتها. في أواخر نيسان/أبريل أكّد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو أنّ بلاده وألمانيا والمملكة المتحدة لن تتردّد "للحظة" في إعادة فرض العقوبات على إيران إذا تعرّض الأمن الأوروبي للتهديد بسبب برنامجها النووي. الاتفاق الدولي للعام 2015 مبرم بين إيران وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا (والولايات المتحدة قبل انسحابها)، وكذلك الصين وروسيا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store