جيل دولوز مائة عام على ولادته
أما فرانسوا رينو فقد قال: «الفيلسوف الكبير هو الذي يُقنع قراءه والمُستمعين إليه بأن يعيشوا مُستقبلًا حياةً فلسفية. وجيل دولوز يُقْنعهم بذلك. وليس مُهمًا أن يتوصل جميعهم إلى هذه النتيجة. يكفي أن يتلمسَ الذين يقرؤونه، أو يستمعون إليه أن الحياة مفتوحة بالنسبة إليهم». نحن قراء نيتشه
وُلد جيل دولوز في باريس في الثامن من يناير 1925. وفي فترة شبابه، وهو يدرسُ الفلسفة في جامعة السربون، تعرف إلى كتاب وفلاسفة سيكون لهم تأثير على مساره الفكري، والفلسفي. من بين هؤلاء يمكن أن نذكر جان هيبولت، وميشال بيتور، وميشال تورنييه، وفرانسوا شاتليه الذي سيخصص له فيما بعد كتابًا يعرف بفلسفته العقلانية، والتي علق عليها فرانسوا إيفالد قائلًا: «يقول فرانسوا شاتليه إنه عقلاني. والعقل عنده ضرورة قَبل كل شيء: مرورًا من القوة إلى الفعل الذي يَمنع الفوضى، ويُبعد شبحَ اليأس، ويَسمح بعلاقاتٍ إنسانية لا تَترك أحدًا ضحيةً للسلبية، لكنها تَسمح له بأن يُجدد قوَتَهُ. لهذا السبب في العلاقة مع الآخر، يكون العقلُ لياقةً وطيبة. لياقة لأنه شرط المساواة الحقيقية مع الآخرين، وطيبة لأنه يمتلك القدرة التي تساعد الإنسان على للخروج من نَفَقِ اليأس، ويَهِبه فرصةَ تجديد القوة التي فيه».
وفي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، عمل جيل دولوز أستاذًا للفلسفة في المعاهد الثانوية، ثم أستاذًا مساعدًا في جامعة «السربون»، ثم باحثًا في «مركز البحوث والدراسات الاجتماعية» الذي ظل فيه حتى العام 1964. وفي العام 1962، تعرف إلى ميشال فوكو الذي قال عنه بعدما أصدر مؤلفَيْه «الاختلاف والتكرار» و«منطق المعنى»، ما مفاده أن القرن العشرين سيكون «قرنًا ديولوزيا» (نسبة إلى دولوز). وانطلاقًا من الستينيات من القرن الماضي، لَمَعَ اسم دولوز في مجال الفلسفة، وذلك بعدما أصدر كتابًا عن نيتشه مُثيرًا للجَدل، وفيه كتبَ: «نحن قراء نيتشه، علينا أن نتجنب أربعة تفاسير خاطئة مُحتمَلة:
1: حول إرادة القوة (الاعتقاد بأن إرادة القوة تعني «الرغبة في الهَيْمَنة»، أو «الرغبة في القوة»).
2: حول الضعفاء والأقوياء (الاعتقاد بأن الأكثر «قوة» في نظام اجتماعي هُم «أقوياء» بالضرورة).
3: بشأن العود الأبدي (الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بفكرة قديمة، مستعارة من قدماء اليونانيين، ومن الهنود، ومن البابليين؛ الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بدَورة، أو بعودة «الشيء ذاته»).
4: بشأن الأعمال الأخيرة (الاعتقاد بأن تلك الأعمال مُبالغٌ فيها، أو هي مجردة من القيمة بسبب الجنون). في العام 1969، تعرف جيل دولوز إلى فيليكس غيتاري، ومعًا سيعملان على مدى سنواتٍ طويلة. وعن ذلك علق قائلًا: «فيليكس غيتاري وأنا لم نتعاون مثلما يتعاون شخصان. كنا بالأحرى مثل جدولَيْن يلتقيان ليكونا معًا جدولًا ثالثًا الذي هو نحن!».
وظيفة الفلسفة
مع فيليكس غيتاري، أنجز دولوز العديد من الأبحاث، ومعه ألف كُتبًا مُهمة مثل «نقيض أوديب» الذي يرى ميشال فوكو أنه يقاوم تهديداتٍ خطيرة على مستوى الفكر. وتتمثل هذه التهديدات في نساك السياسة، وفي المُناضلين المُقطبين والكئيبين، وفي إرهابيي النظريات، الذين يريدون المحافظة على النظام الصرف للسياسة، وللخطاب السياسي وبيروقراطيي الثورة، وموظفي الحقيقة.
كما تتمثل التهديدات في تقنيي الرغبة المُثيرين للشفقة، أي عُلماء النفس، وعُلماء السيميولوجيا الذين يسجلون كل إشارة، وكل ظاهرة مَرَضية، والذين يريدون أن يُقلصوا التنظيمَ المتعدد بهدف إخضاعه للقانون الثنائي للتركيبة، ولِما هو ناقص أو مُنعدم.
وأما العدو الثالث الأساسي والإستراتيجي فهو الفاشية. لكن ليست فاشية موسوليني أو هتلر وحدهما، والتي عَرفت كيف تَحشد الجماهير، وكيف تَستغل رغباتها الظاهرة والمخفية، وإنما الفاشية الكامنة فينا جميعًا، والتي تدهم فكرنا وسلوكياتنا اليومية. الفاشية التي تجعلنا نحب السلطة، ونرغب في الشيء ذاته الذي يُهيمن علينا، ويستغلنا».
في العام 1977، أصدر جيل دولوز كتابًا آخر عن سبينوزا؛ وقد علق عليه بالقول: «حول سبينوزا عملتُ بجدية بحسب مُقتضيات تاريخ الفلسفة. غير أنه هو الذي جَعلني أشعر كما لو أن هناك تيارًا هوائيًا يَدفع هذا أو ذاك من الذين يقرؤون كتابًا من كُتبه من الخَلف بمكنسة سحرية، ثم يُجبره على امتطائها. ما أظن أننا شرعنا في فهْم سبينوزا، وأنا لستُ أكثر من الآخرين في هذا المجال». ويُعرف جيل دولوز سبينوزا على النحو التالي: «بإمكان الفيلسوف أن يقيم في دولٍ متعددة بحسب طريقة ناسك متوحد، أو شبح، أو عابر سبيل، أو مؤجر في فنادق صغيرة مؤثثة. لذا علينا ألا نتخيل سبينوزا قاطعًا الصلة بالوسط اليهودي المُغلق افتراضيًا ليَنتسب إلى الأوساط الليبرالية المُتفتحة افتراضيًا (...) ذلك أنه أينما حل، وأينما ذهب، هو لا يُطالب، ودائمًا بقدرٍ معين من الحظ في الحصول على ما يريد، بأن يتم التعامل معه، ومع أهدافه ورغباته المُخالِفة للمألوف بشيءٍ من التسامح. وهو يَحكم على هذا التسامح انطلاقًا من درجة الديمقراطية، ومن درجة الحقيقة التي يُمكن لهذا المُجتمع أو ذاك أن يتحملها، أو عكس ذلك، انطلاقًا من الخطر كما الذي يُهدد الإنسانية جمعاء».
كما خصَّص دولوز كتابًا لغوتفريد لايبنتز، ولديفيد هيوم. وهدفه من ذلك تقديم إيضاحاتٍ وقراءاتٍ جديدة ومعمقة للفلاسفة الذين أثروا في الفكر الإنساني في فتراتٍ مُختلفة من التاريخ. ومُقدمًا تفسيره الخاص للفلسفة، قال دولوز في أحد الحوارت التي أُجريت معه: «الفلسفة تَعني دائمًا استكشاف مفاهيم جديدة. وأنا لم أشعر أبدًا بأي نوعٍ من القلق بخصوص تجاوُز الميتافيزيقا، وموت الفلسفة. وأعتقد أن للفلسفة وظيفةً تظل دائمًا فاعلة في الحاضر. وهي تتمثل في ابتداع مفاهيم. ولا أحد يُمكنه أن يقوم بذلك مكانها». ويُواصل دولوز تعريفه للفلسفة قائلًا: «الفلسفة ليست إبلاغية، وتأملية، ولا استبطانية، وإنما هي خلاقة، بل ثورية بطبيعتها لأنها لا تنقطع أبدًا عن ابتكار مفاهيم جديدة (...) المفهوم هو الذي يَمنع الفكرة من أن تكون مجرد رأي، ونقاش، وثرثرة...».
وقَبل وفاته بعامَيْن، تحاورَ جيل دولوز مع ديديه إيريبون حول قضايا فلسفية، وأيضًا حول بعض الشخصيات الفكرية. وفي ذلك الحوار تحدث عن الكتابة قائلًا: «أنا لا أكتب ضد شخص، أو ضد شيء ما. بالنسبة إلي، الكتابة حركة إيجابية مطلقًا، أي أنها تهتم بما نحن نعشقه، ولا تحاول أن تُحارب ما نحن نكرهه. الكتابة الحقيقية هي تلك التي تَضع الوشاية في أسفل مستويات الكتابة وأحقرها. صحيح أن الكتابة تنطوي على أن هناك شيئًا ما ليس على ما يرام في المسألة التي نرغب بمعالجتها، وأننا لسنا راضين. باستطاعتي في مثل هذه الحالة أن أقول: أنا أكتب ضد الفكرة الجاهزة. ونحن نكتب دائمًا وأبدًا ضد الأفكار الجاهزة».
سارتر الذي أبهرَ جيلي
وتحدث جيل دولوز عن سارتر قائلًا: «كان سارتر كل شيء بالنسبة إلي. وهو يختص بشيءٍ استثنائي خلال فترة الاحتلال النازي لباريس ، كان موقف سارتر طريقةً للعيش في المجال الفكري. والذين لاموه على أنه سمحَ للمُخرجين بإخراج المسرحيات التي كتبها في تلك الفترة، لم يقرؤوا تلك المسرحيات. مسرحية «الذباب» مثلًا تُشبه موسيقى جوزيي فيردي التي كانت تُعزف أمام النمساويين. كان الإيطاليون حين يسمعونها يصيحون: «برافو» لأنهم يدركون جيدًا أنها تُعبر عن موقف مُقاوَمة. وكان ذلك مُنسجمًا مع وضعية سارتر. وكان كتاب «الوجود والعدم» بمثابة القنبلة بالنسبة إليَّ. ليس لأنه مثل مسرحية «الذباب» التي تُعبر بشكلٍ مباشر تقريبًا عن فعل المُقاومة، بل لأنه كان مُبهرًا، وجذابًا. لقد كان كتابًا ضخمًا، متضمنًا أفكارًا جديدة... ويا لهول الصدمة!... قرأتُ «الوجود والعدم» حال صدوره. أتذكر أنني ذهبت مع ميشال ترونييه لشرائه، ثم قمنا بالتهامه للتو. أَبهر سارتر كل أبناء جيلي. كان يَكتب روايات ومسرحيات. الجميع كانوا يقلدونه، وكثيرون كانوا يغارون منه. أما أنا فقد كنتُ شديد الانبهار به. وأعتقد أنه يمتلك شيئًا جديدًا لا يُمكن أن يفعل فيه الزمن... إنه جديد دائمًا وأبدًا».
وتحدث دولوز في الحوار المذكور عن ثورة ربيع 1968 الطلابية على النحو الآتي: «كانت تلك الفترة غنية جدًا بالنسبة إليَّ. وإذا ما أنا تناولتُ حياتي بالدرس، فإنه باستطاعتي أن أقول إن هناك فترة فقيرة جدًا، ألا وهي فترة الحرب العالمية الثانية. وعقب انتهاء تلك الحرب، حدثَ انفجارٌ هائل على المستوى الثقافي والأدبي. ثم كانت هناك صحراء سنوات الخمسين... ثم من جديد، جاءت فترة قوية تمثلت بمرحلة الستينيات (موجة السينما الجديدة، والرواية الجديدة..). أما في الفلسفة فقد كان هناك ميشال فوكو، ولاكان. خلال تلك الفترة حدثت حركةٌ هائلة على مستوياتٍ متعددة...
أما اليوم فقد عُدنا إلى الصحراء مرةً أخرى... غير أن هذا لا يتفاعل مع اتجاهٍ واحد. لذا علينا أن نُميز بين حالتَيْن. فبخصوص أولئك الذين أَنجزوا جزءًا كبيرًا من عملهم، يُمكن القول إنه ليست هناك مشكلة بالنسبة إليهم؛ إذ إنه بإمكانهم أن يُواصلوا الكتابة، وأن يتجاوزوا الصحراء.
أما بالنسبة إلى مَن هُم أقل سنًا، فإن الأمر لا يعدو أن يكون كارثةً حقيقية. فالولادة والوصول أمران صعبان في زمن الأزمات، والفراغ».
لم يمُت ماركس
أما عن ماركس فقال دولوز: «لم أنتسب البتة إلى الحزب الشيوعي، ولم أكُن ماركسيًا قط قَبل سنوات الستين. وما منعني من أن أكون ماركسيًا هو ما كان يقوم به الشيوعيون تجاه مثقفيهم، ثم علي أن أضيف أنني لم أكُن ماركسيًا، لأنني في الحقيقة لم أكُن أعرف ماركس في تلك الفترة. وقد قرأتُ ماركس في الفترة التي قرأتُ فيها نيتشه. وقد وجدته عبقريًا. وأعتقد أن المفاهيم التي ابتَكرها ماركس لا تزال حية ومناسبة. في كتاباته هناك نقدٌ جذري. وثمة كُتب لم أبدُ فيها متأثرًا بماركس كثيرًا. واليوم بإمكاني الاعتراف بأنني ماركسي تمامًا (...) وأنا لا أفهم أولئك الذين يقولون إنه مات. ثمة أعمال يتحتم القيام بها الآن: علينا أن نُحلل وضْع السوق العالمية وتحولاتها. وإذا ما نحن سَعَيْنا إلى القيام بمثل هذا العمل، فإنه يتوجب علينا عندئذ أن نرتكز على ماركس بالأساس».
*كاتب وروائي من تونس
* ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكترونية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- عكاظ
خلال رعايته حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان.. أمير تبوك: وطنكم هو موطن تحقيق الأحلام
رعى أمير منطقة تبوك رئيس مجلس أمناء جامعة فهد بن سلطان الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز، مساء أمس، بحضور نائب أمير منطقة تبوك الأمير خالد بن سعود بن عبدالله الفيصل بن عبدالعزيز، حفل تخريج الدفعة الـ17 لحملة البكالوريوس، والدفعة الـ12 لحملة الماجستير من طلبة الجامعة للعام الأكاديمي 1445/ 1446هـ، البالغ عددهم 608 خريجين وخريجات، التي تتضمن أول دفعة من خريجي برنامج نيوم للابتعاث الداخلي، بمقر جامعة فهد بن سلطان في مدينة تبوك. وكان في استقباله لدى وصوله مقر الحفل، المشرف العام على الجامعة الدكتور محمد بن عبدالله اللحيدان، ورئيس الجامعة الدكتور عبدالله بن إبراهيم الملكاوي، وأمناء مجلس الجامعة. عقب ذلك، بدأ الحفل الخطابي المعدّ بهذه المناسبة بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم مسيرة الخريجين والخريجات، تلتها كلمة لرئيس الجامعة الدكتور عبدالله بن إبراهيم الملكاوي، أعرب في مستهلها عن شكره لأمير منطقة تبوك على رعايته الحفل ومشاركته الخريجين فرحتهم، وقال: «إنها مناسبة ننتظرها بشغف كل عام، يوم نحتفل فيه بثمار أعوام من الجهد والعطاء، ويشرّفنا فيه حضوركم الكريم لتكريم هذه الكوكبة من طلاب وطالبات الجامعة الذين تلقوا تعليمهم وتدريبهم في بيئة علمية متكاملة استوفت معايير الجودة والتميز الأكاديمي»، موصياً الخريجين والخريجات بألا يتوقفوا عن الحلم، وألا يترددوا في المحاولة، فالأحلام وقود الطموح، والمحاولات طريق النجاح، والتجارب - وإن تعثرت - تصنع في المرء صلابة الموقف. بعدها ألقى الخريجون كلمة أكدوا من خلالها فخرهم بتخرجهم واستعدادهم لخدمة الوطن، مستلهمين من رؤية المملكة 2030 روح الطموح والإنجاز، ومعربين عن امتنانهم لوالديهم ومعلميهم، مشيرين إلى أن هذا التخرج ليس إلا بداية لمسيرة عطاء لوطنهم، ووفاء لجامعتهم التي غرست فيهم قيم التميز والانتماء. بعد ذلك، ألقى الأمير فهد بن سلطان كلمة هنأ فيها الخريجين والخريجات، معبراً عن فخره واعتزازه بهذا الإنجاز، ومؤكداً أن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده هي بلد الفرص وتحقيق الأحلام لكل من يملك الطموح والعزيمة. أخبار ذات صلة وقال: «إنني دائماً ما أردد ولا أمل من ترديدها، بأن وطنكم هو وطن تحقيق الأحلام، فمن كان له حلم فليحققه في هذا البلد، الذي يمضي بثقة نحو المستقبل». وأشار إلى أن الجامعة بدأت بمسيرة ضمت 24 طالباً فقط، واليوم تحتفل بتخريج المئات من الطلاب والطالبات، وهو ما يُعد انعكاساً للدعم اللامحدود الذي يحظى به قطاع التعليم من القيادة، وتحقيقاً لحلم كان يراوده منذ أكثر من 40 عاماً بإنشاء جامعة في تبوك، حتى أصبح الحلم واقعاً. وختم كلمته بالتأكيد على أن الشباب السعودي قادر على الإنجاز، داعياً الخريجين إلى الاستمرار في السعي والتعلم، ومبدياً ثقته في أن المستقبل يحمل لهم مزيداً من النجاحات، قائلاً: «أنتم دائماً في عز وكرامة وأمان، وسنكون معكم في مسيرتكم حتى تحققوا أحلامكم، وتروا أبناءكم وأحفادكم في هذا العالم بخير وسعادة». وفي ختام الحفل، سلم أمير منطقة تبوك وثائق التخرج لممثلي الأقسام من الخريجين والخريجات الأوائل، كما التُقطت الصور التذكارية مع الخريجين.


صحيفة سبق
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- صحيفة سبق
أمير تبوك يرعى حفل خريجي وخريجات "جامعة فهد بن سلطان"
رعى الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك، رئيس مجلس أمناء جامعة فهد بن سلطان، مساء أمس، بحضور الأمير خالد بن سعود بن عبدالله الفيصل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة تبوك، حفل تخريج الدفعة السابعة عشر لحملة البكالوريوس، والدفعة الثانية عشرة لحملة الماجستير من طلبة الجامعة للعام الأكاديمي 1445 - 1446هـ، والبالغ عددهم ( 608) خريجين وخريجات، والتي تتضمن أول دفعة من خريجي برنامج نيوم للابتعاث الداخلي، وذلك بمقر جامعة فهد بن سلطان في مدينة تبوك. وكان في استقبال سموه لدى وصوله مقر الحفل: المشرف العام على الجامعة الدكتور محمد بن عبدالله اللحيدان، ورئيس الجامعة الدكتور عبدالله بن إبراهيم الملكاوي، وأمناء مجلس الجامعة. عقب ذلك، بدأ الحفل الخطابي المعدّ بهذه المناسبة بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم مسيرة الخريجين والخريجات، تلتها كلمة لرئيس الجامعة الدكتور عبدالله بن إبراهيم الملكاوي، أعرب في مستهلها عن شكره لأمير منطقة تبوك على رعايته الحفل ومشاركته الخريجين فرحتهم، وقال: "إنها مناسبة ننتظرها بشغف كل عام، يوم نحتفل فيه بثمار أعوام من الجهد والعطاء، ويشرّفنا فيه حضور سموكم الكريم لتكريم هذه الكوكبة من طلاب وطالبات الجامعة الذين تلقوا تعليمهم وتدريبهم في بيئة علمية متكاملة استوفت معايير الجودة والتميز الأكاديمي". كما أوصى الخريجين والخريجات بألا يتوقفوا عن الحلم، وألا يترددوا في المحاولة، فالأحلام وقود الطموح، والمحاولات طريق النجاح، والتجارب – وإن تعثرت – تصنع في المرء صلابة الموقف. بعدها ألقى الخريجون كلمة أكدوا من خلالها فخرهم بتخرجهم واستعدادهم لخدمة الوطن، مستلهمين من رؤية المملكة 2030 روح الطموح والإنجاز، ومعربين عن امتنانهم لوالديهم ومعلميهم، مشيرين إلى أن هذا التخرج ليس إلا بدايةً لمسيرة عطاء لوطنهم، ووفاءً لجامعتهم التي غرست فيهم قيم التميز والانتماء. بعد ذلك، القى الأمير فهد بن سلطان كلمة هنأ فيها الخريجين والخريجات، معبراً عن فخره واعتزازه بهذا الإنجاز، ومؤكداً أن المملكة العربية السعودية - بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين- حفظهما الله -هي بلد الفرص وتحقيق الأحلام لكل من يملك الطموح والعزيمة. وقال: "إنني دائماً ما أردد ولا أمل من ترديدها، بأن وطنكم هو وطن تحقيق الأحلام، فمن كان له حلم فليحققه في هذا البلد، الذي يمضي بثقة نحو المستقبل". وأشار إلى أن الجامعة بدأت بمسيرة ضمت 24 طالباً فقط، واليوم تحتفل بتخريج المئات من الطلاب والطالبات، وهو ما يُعد انعكاساً للدعم اللامحدود الذي يحظى به قطاع التعليم من القيادة الرشيدة، وتحقيقاً لحلم كان يراوده منذ أكثر من أربعين عاماً بإنشاء جامعة في تبوك، حتى أصبح الحلم واقعاً. وختم كلمته بالتأكيد على أن الشباب السعودي قادر على الإنجاز، داعياً الخريجين إلى الاستمرار في السعي والتعلم، ومبدياً سموه ثقته في أن المستقبل يحمل لهم مزيداً من النجاحات، قائلاً: "أنتم دائماً في عز وكرامة وأمان، وسنكون معكم في مسيرتكم حتى تحققوا أحلامكم، وتروا أبناءكم وأحفادكم في هذا العالم بخير وسعادة. وفي ختام الحفل، سلم أمير منطقة تبوك وثائق التخرج لممثلي الأقسام من الخريجين والخريجات الأوائل، كما التُقطت الصور التذكارية مع الخريجين.


Independent عربية
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
الفلسفة والسينما: ابتكار المفاهيم وإنتاج الصور
الأخوان الفرنسيان، المهندسان أوغست ولويس لوميير، أخرجا وأنتجا فيلماً مدته نحو 50 ثانية، يدور حول وصول قاطرة بخارية إلى محطة بلدة لا سيوتا الفرنسية الساحلية. الفيلم عرض سنة 1895، ويُروى أنّ الهلع دهم المشاهدين الذين ولّوا هاربين خشية أن يدهمهم القطار. لحظة الذعر تلك انتقلت من أبدان المشاهدين إلى أفكار الفلاسفة، فنشأ التفكّر في المعاني المستقرة لمفهوم الزمان والحركة. فقد جادل الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون بأنّ للزمن وجهين؛ الأول هو "الزمن الموضوعي"، أي زمن الساعات والتقويمات وجداول مواعيد القطارات. أما الوجه الثاني، فهو "المدة"، أي "الزمن المعيش"، ويقصد به زمن تجربتنا الذاتية الداخلية، وهذا هو الزمن المُحسوس والمُعاش والمُفعول به، بحسب صاحب كتاب "التطور الخلاق" الذي يناقش أحدُ فصوله الآلية التي تعمل بها السينما. وينظر إلى جيل دولوز باعتباره أهم الفلاسفة المعاصرين الذين سعوا إلى استقلالية السينما عن الفلسفة وفك تبعيتها، على أساس أنّ السينما ممارسة جديدة للصور وللسمات، وبالتالي ينبغي على الفلسفة أن تنشئ لها نظرية باعتبارها ممارسة مفهومية. لقد قالها دولوز بصراحة: ما تمنحه الفلسفة للسينما، تسترده من خلال إدراك نفسها في شكل أكثر واقعي. وإذا كان برغسون أول فيلسوف أبدى اهتماماً بالفيلم، فإنّ دولوز (البرغسوني) ألمع "فيلسوف سينمائي" توقاً إلى "الشكل الخالص للزمن" الذي يعتبره أساساً للحداثة الفلسفية وللسينما. وربما هذا ما يجسده الفضاء المظلم لقاعات السينما، المليء بالأجساد التي تتوقف حياتها الحسية والحركية مع وجودها الاجتماعي. هذا الفضاء المثالي، وفق نقاد، يكشف ذلك "الشكل النقي للزمن"، حيث يُسمح فيه بالتوليفات الزمنية للذاكرة، فضلاً عن التوقع بفصل نفسها عن ثقلها في التجربة الاجتماعية النشطة اليومية. قدرة السينما على التفلسف وعلى الرغم من أهمية التنظير لعلاقة الفلسفة بالسينما، فإنّ ثمة جملة من الانتظارات تتصل بقدرة السينما على التفلسف، بمعنى أن تنشأ أفلام فلسفية تستنطق الأفكار المحضة. لقد شاء مخرج سينمائي أن يبدع فيلماً عن كتاب "رأس المال" لماركس، وفكر آخر بصناعة فيلم عن كتاب "مقال في المنهج" لديكارت، وكلا المخرجين لم يوفقا. ويفكر مخرجون آخرون في تحدي العوائق التي تحول دون تمظهر المفاهيم في زي صور وموسيقى وحركة وأداء يوقف سرد "الزمن الموضوعي"، وينقله إلى "الزمن المعاش". على أنّ السؤال الذي يُطرح هنا: هل موضوع الفيلم هو ما يحدد طبيعته وجودته؟ وهل الفيلم هو مجموعة أفكار فلسفية منثورة أو مسرودة على لسان الشخصيات؟ وكيف يمكن أن تنشأ علاقة ترابطية بين المفهوم والصورة، يمكن من خلالها الإشباع الرمزي لرغبات مكبوتة تتجلى في "تلك العتمة المبهرة"؟ واستطراداً، هل يمكن اعتبار السينما وسيطاً فلسفياً؟ ثم هل في وسع الأفلام "التفلسف"، لا مجرد الاكتفاء بإبراز أفكار عن الأنا والكينونة والوجود؟ هل في وسع الأفلام أن تصبح أدوات للاستقصاء الفلسفي، بل هل هذا طموحها؟ وإذا كانت الإجابة (نعم) فهل تكون الأفلام بمثابة تمرينات فلسفية؟ لعل ممارسة الفلسفة سينمائياً لا تتطلب اتباع طريقة ممارستها والتعاطي معها لفظياً، ما يؤدي بنا، ربما، إلى استنتاج أنّ ممارسة الفلسفة سينمائياً تمنحنا مدخلاً إلى معارف وحقائق فلسفية يستعصي على الفلاسفة، الذين يمارسون الفلسفة بطرق غير سينمائية، الوصول إليها، وهي ملاحظات تنبه إليها كثير من الباحثين في العلاقة بين السينما والفلسفة، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، بعدما حلّت فلسفة الأفلام محل نظرية الأفلام التي ظهرت قبل الأولى بنحو عقدين. الرهانات تبقى معقودة على قدرة التفكير السينمائي على إعادة صياغة المفاهيم الفلسفية بشكل خلاق يثري الحقلين، ويعزز فضاءات السينما، على نحو خاص، في الاستمرار بالقطيعة مع شروط الإدراك الحسي الطبيعي، وصولاً إلى تجسيد المعنى المرتجى من عبارة "السينمائيون فلاسفة الصورة" لجهدهم الفريد والانتقال من إبداع المفاهيم إلى إبداع الصور. الفيلم وسيط يبقى الفيلم وسيطاً شفافاً للواقع الحقيقي، من دون أن نتلكأ في التعاطي مع مقولة نيتشه، بأنّ فيلسوف المستقبل هو بمثابة فنان، مما يفتح الباب واسعاً أمام اكتشاف قدرة السينما على التأثير في الفلسفة من خلال وسائلها الخاصة، متخطية العوائق القديمة المتصلة بإنتاج الصور واستمرار الدوران في الحلقة المفرغة عما هو قابل للقول أو قابل للتنفيذ. المهم هو النفاذ إلى المعنى الأنطولوجي، المتصل بلغة التعبير المتحرك (الصورة) التي تقدم تصوراً جديداً للمكان، في ثورة مفاهيمة ستتواصل (حتى لو اختفى جمهور الصالات المعتمة) باعتبارها ثمرة هذا العناق الحميم بين الفلسفة والسينما، والكشف عن قوانين الزمان والحركة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) قد لا يكون الطموح الأقصى للسينما أن تتفلسف، ولا أن يكون الطموح ذاته للفلسفة في توقها إلى التجسد في أشكال تتعدى المفاهيم المجردة. فإذا كانت السينما هي "الفن السابع" فإنّ "الفلسفة أم العلوم". ولا يتوخى هذا القول الإفصاح عن علو كعب إحداهما على الأخرى. لقد أدركت السينما منذ وقت طويل قيمة "التفلسف"، فنهلت الصورة من معين الأفكار والمفاهيم، وكانت أعمال المخرج السويدي إنغمار برغمان، كمثال ساطع، مثقلة بالمشاعر الفلسفية التي دارت في فلك الرؤى الخلاصية التي تناولتها الفلسفة، وبخاصة الفلسفة الحديثة. عاش عشاق السينما مع بيرغمان لحظات الإحساس بالفناء والعزلة والرفض، والتصورات عن الموت والألم والنبذ والحب والرغبة والخطيئة. ولا يعني أنّ أفلامه كانت كئيبة أو معتمة أو قاسية أو ذات مرامٍ عدمية. ولعل هذا ربما ما جعل مخرجاً كبيراً كوودي ألن يصف نظيره السويدي بأنه "ربما أعظم فنان سينمائي، على الإطلاق، منذ اختراع كاميرا السينما". وعلى الرغم من أنه مقدّر لدى النخبة، إلا أنّ إرث برغمان مهمّش ومحجوب عن الجمهور، بسبب التصورات السلبية، عن صاحب فيلم "التوت البري"، كما لاحظ تقرير لـ"بي بي سي". لقد تسربت الفلسفة، وبخاصة الوجودية إلى مسامات أعمال برغمان الذي قرأ سارتر، وعاين قلقه وتمزقاته، وهي تمزقات سادت أوروبا والعالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ففي فيلم "ساعة الذئب" يتساءل أحد الشخصيات: "لقد تحطم الزجاج، ولكن ما الذي تعكسه الشظايا؟"