
حافة الهاوية.. تصدُّعات المكان والوجدان في صراع الهند وباكستان
من الملاحظات الثمينة التي أتحفنا بها عالم الجغرافيا السياسية جمال حمدان (1928-1993) في كتابه "العالم الإسلامي المعاصر" قولُه: "إذا كان الإسلام قد فقَدَ البحر المتوسط كبحيرة إسلامية -أو شبه إسلامية- تقليدية، فقد كسب المحيط الهنديَّ الذي أصبح البحر المتوسط الجديد في العالم الإسلامي." ويشير حمدان هنا إلى ظاهرة عميقة في الجغرافيا السياسية الإسلامية، وهي انتقال ثِقل الإسلام شرقًا، بعد خسارة المسلمين غربًا.
كما أشار حمدان في الكتاب ذاته إلى كسب الإسلام في جزر جنوب شرق آسيا التي جاءها الإسلام "راكبا البحر" حسب تعبيره. وذلك بفضل حركية وحيوية سكان الساحل الجنوبي من الجزيرة العربية، أهل اليمن وعُمان، الذين نقلوا الإسلام بحرًا إلى الطرف الجنوبي الغربي من الهند، وإلى جزر جنوب شرق آسيا، ومنها ماليزيا، وإندونيسيا كُبرى دول العالم الإسلامي اليوم من حيث عدد السكان.
بيد أن هذا الكسب الإسلامي الذي أشاد به حمدان لم يمرَّ دون منغِّصات في العصر الحديث، خصوصا مع بداية الاستعمار الغربي (البرتغالي والهولندي والبريطاني) لضفاف المحيط الهندي، ثم الصراع المزمن بين باكستان والهند. وهو صراع قديم متجدد، نعيش هذه الأيام ملامح خطيرة منه، بسبب الخلاف القديم الجديد حول إقليم كشمير ومياه نهر السند.
إعلان
وفي هذا المقال لمحة عن سطوة الجغرافيا وأعباء التاريخ المتحكمة في معادلات هذا الصراع الذي يلقي بظلاله على العالم الإسلامي، وعلى مجمل التحولات الإستراتيجية في المنظومة الدولية.
وتبدو لي خريطة باكستان دائما في شكل أسَد متحفِّز، منتصبِ الجسد على الضفة الشرقية لبحر العرب، يحمل أفغانستان على ظهره، ويُطلُّ برأسه الشامخ من قمم جبال الهيمالايا، وهو يتَّجه عبر سفوحها بغضب إلى الهند.
وقد كان الفيلسوف الشاعر محمد إقبال (1877-1938) سبَّاقا إلى النداء بإنشاء دولة مستقلة للمسلمين في الأقاليم ذات الكثافة السكانية الإسلامية من شبه القارة الهندية، حفاظا على ذاتهم وهويتهم، وضمانا لاستمرار إسهامهم في الحضارة الإسلامية، وارتباطهم بالأمة الإسلامية التي آمن إقبال بوحدتها إيمانا عميقا.
وجاء هذا النداء -الذي سرعان ما تحول برنامجا سياسيا للملايين من المسلمين- في خطاب ألقاه إقبال بمدينة "الله آباد" في ديسمبر/كانون الأول 1930م أمام المؤتمر السنوي لـ"رابطة عموم مسلمي الهند"، ثم تحول الخطاب -الذي اشتهر لاحقًا باسم "خطاب الله آباد"- إلى ما يشبه شهادة الميلاد الرسمية لجمهورية باكستان الإسلامية. ويجد زائر باكستان اليوم مقتطفات من ذلك الخطاب التاريخي مرسومة على لوحات جدارية، تتزين بها بعض المؤسسات العامة.
باكستان والميلاد القيصري
على الرغم مما اكتسبه المهاتما غاندي (1869-1948) من سمعة تاريخية مستحقَّة حول انتزاع الهند من براثن الاستعمار البريطاني بنضاله السلمي في خواتيم الحقبة الاستعمارية، فإن المسلمين الهنود كانوا رأس الحربة العسكرية في مقاومة ذلك الاستعمار الطويل قبل ذلك بكثير. فقد قاوم المسلمون البريطانيين بشراسة، خصوصا في انتفاضة 1857، المعروفة باسم "حرب الاستقلال الهندية الأولى".
وهي لحظة تاريخية فاصلة، هزَّت أركان المشروع الاستعماري البريطاني، وكادت تجتثّه من جذوره. وقد جعلت تلك الانتفاضة البريطانيين والهندوس يتقاربون على حساب المسلمين، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، إلى حين استقلال الهند وباكستان عن التاج البريطاني عام 1947.
وقد أدرك الفيلسوف محمد إقبال الخطر الداهم الذي بدأ يهدد وجود مسلمي القارة الهندية في نهاية الحقبة الاستعمارية البريطانية، من خلال احتكاكه المباشر مع النخبة السياسية الهندوسية، ولقاءاته ومراسلاته مع المهاتما غاندي (1869-1948م) وجواهر لال نهرو (1889-1964م) وغيرهما من الساسة الهندوس، ففهِم سعيهم إلى تفتيت الكتلة البشرية الإسلامية في الهند، وحرمانها من التحول قوة سياسية ذات شأن.
إعلان
وقد أصرَّ غاندي وصحبه على جعل الهوية القومية الهندية أساس الاجتماع السياسي في الهند، بينما آمن إقبال بأن العقيدة والثقافة أهم للاجتماع السياسي السليم من الرابطة القومية، وتوصَّل إلى أن الفجوة الثقافية بين المسلمين والهندوس تجعل من الأسلم للطرفين أن يعيشا بسلام في كيانين سياسيين منفصلين تماما.
كما أدرك العلامة أبو الأعلى المودودي (1903-1979) ذلك الخطر الداهم والمصاب القادم خلال أسفاره داخل الهند، وملاحظاته اليومية الذكية في تلك الأسفار. ففي حديث له عام 1970م يتذكر المودودي أنه فهِم في زيارة له لدلهي عام 1937 أخطار "الإحساس بالهزيمة" لدى بعض المسلمين.
ويذكر أنه في أحد أسفاره بالقطار آنذاك لاحظ التعامل الاستعلائي الفظَّ من طرف أحد القادة الهندوس مع المسلمين، فأحسَّ بجرح في الكرامة، ولم يستطع النوم لعدة أيام، حزنا على حال المسلمين في الهند، وقلَقا عل مستقبلهم.
وتوصل كل من إقبال والمودودي إلى أن مصير المسلمين في الهند سيكون في أقاليمها الشمالية الغربية، حيث تتركز الكثافة السكانية الإسلامية. ولاحظ كلاهما بقلق بالغ إحساس الهندوس الواضح -مع اقتراب رحيل البريطانيين- بأن مستقبل الهند أصبح بأيديهم، دون اعتبار للمسلمين، الذين كانوا صفوة المجتمع وحكام معظم البلاد لقرون.
كما لاحظ كلاهما أن العلاقة بين الهندوس والمسلمين بدأت تتحول تدريجيا -عشية رحيل المستعمرين البريطانيين- علاقة محكوم بحاكم، وتابع بمتبوع، أكثر مما هي علاقة شركاء في الوطن والتاريخ.
لكن ميلاد جمهورية باكستان الإسلامية التي نظَّر لها إقبال لم يكن سهلا، بل جاء أقرب ما يكون إلى الولادة القيصرية الأليمة، بسبب تعصُّب النخب الهندوسية وروح الثأر التاريخي التي تحملها اتجاه المسلمين، وبسبب العبث البريطاني الاستعماري بمصائر الشعبين، وزرع الشقاق بينهما، وعدم تسوية الأمور بينهما تسوية عادلة قبل الرحيل.
إعلان
فاشتملت عملية التقسيم على حيف كبير ضد المسلمين في شبه القارة الهندية، خصوصا في إقليم كشمير، الذي كانت كل الاعتبارات التاريخية والبشرية تدفع إلى اعتباره جزءا من باكستان، لا من الهند. وهكذا تحولت الهند إلى عدوٍّ لدودٍ وجارٍ مزعج للدولة الباكستانية منذ ميلادها إلى اليوم.
إقبال وجناح.. الثنائي الذهبي
لقد وُلدت جمهورية باكستان الإسلامية من تركيب أفكار محمد إقبال الإسلامية والوطنية مع الروح العملية والمهارة السياسية التي اتسم بها الزعيم محمد علي جناح. وقد شكَّل إقبال وجناح ثنائيًّا ذهبيًّا وضَع بصمته على تلك المرحلة التكوينية الأولى لفكرة الدولة الباكستانية.
فعِناق رؤية إقبال وكلماتِه الملهِمة مع حركية جناح وبراعته التكتيكية، هو الدعامة التي أثمرت استقلال الكتلة الإسلامية الكبرى في شبه القارة الهندية. وقد لاحظتُ عبارة معبِّرة عن هذا في أحد منشورات "بستان إقبال" -وهو مركز ثقافي في لاهور- تقول: "فكِّر مثل إقبال، وتصرَّف مثل جناح". فلإقبال وجناح مكانة خاصة في الهوية التكوينية لباكستان، ولا عجب أن تفرَّد جناح في باكستان بلقب "القائد الأعظم"، وتفرَّد إقبال فيها بلقب "العلاَّمة".
ومن المهم التذكير في هذا السياق بأن إقبالا ينتمي لأسرة سنية، وهو إسلامي حتى النخاع، أما محمد علي جناح فهو ينتمي لأسرة شيعية، وكان علمانيَّ التوجُّه في حياته السياسية المبكِّرة، وكل من أسرة إقبال وجناح متحدِّرة -قبل إسلامها- من طبقة البراهمة، أي من عِلْيَة القوم طبقا لنظام الطبقات في المجتمع الهندوسي التقليدي.
لكن كلا الرجلين كان يفكر بأفق رحب، وينظر إلى مصائر أجيال المسلمين اللاحقة، ومكانة الأمة الإسلامية بين الأمم، ورسالتها الخالدة، بعيدا عن الاعتبارات الطائفية أو الاجتماعية الضيقة.
فقد حرص إقبال على كسب محمد علي جناح لفكرته، بعد أن أدرك كفاءته السياسية، وأهليته لقيادة معركة استقلال المسلمين في الهند. أما جناح فقد خرج من ضِيق العَلمانية والطائفية إلى سَعة الإسلام الجامع، بعد تقاربه مع إقبال، وتماهِيهِ مع وجدان شعبه، وهكذا "تحوَّل العلماني جناح إلى داعية متحمِّس للإسلام باعتباره القاعدة التأسيسية لدولة باكستان"، كما لاحظ المفكر السياسي الأميركي صمويل هنتنغتون في كتابه "صدام الحضارات".
إعلان
وهذا درس تاريخي مهم للذين تمزقهم اليوم النزعات الطائفية في العالم العربي، فيسقطون في أحابيل القوى الدولية الباغية، التي تضرب بعضهم ببعض، وتسعى إلى تدميرهم جميعا.
وقد أورد الباحث الباكستاني حفيظ مالك في كتابه "إقبال والسياسة" قصة معبِّرة عن شخصية إقبال السياسية الذكية، وعمق الثقة بينه وبين جناح. فقد زار الزعيم الهندي جواهر لال نهرو إقبالًا في بيته في يناير 1938م، وهو مريض في خواتيم حياته، وأصرَّ نهرو على الجلوس على الأرض توقيرًا لإقبال. وكان نهرو ثعلبا سياسيا، ومن غايات زيارته التفريق بين إقبال وجناح، من أجل إضعاف جبهة المسلمين السياسية.
وفي ختام لقائهما تحدث ممثل حزب "المؤتمر" المرافق لنهرو إلى إقبال، قائلا: "يا دكتور.. لماذا لا تصبح قائد المسلمين؟ فالمسلمون يحترمونك أكثر بكثير مما يحترمون (محمد علي) جناح، ولو أنك تفاوضت مع حزب المؤتمر باسم المسلمين فستكون النتائج أفضل".
أدرك إقبال لعبة القوم ومراميها فورًا، وكان متَّكئا تحت وطأة المرض، فنهض غاضبا، ورد بحسم قائلا: "إن إستراتيجيتكم هي إطرائي أنا، ودفعي للتنافس مع جناح. لكني أخبركم أن جناح هو القائد الفعلي للمسلمين، وأنا مجرد جندي من جنوده"؛ فما كان من نهرو إلا أن نهض، وأنهى الزيارة فورًا.
الهند من غاندي إلى مودي
ومما عقَّد نشأة الدولة الباكستانية وعرقل نموَّها أن جارتها الجغرافية وخصمها التاريخي، الهند، ذات هوية تاريخية وجغرافية منشطرة ومشحونة بالتناقضات. فالهند فيها ثالث أكبر كتلة بشرية من المسلمين على وجه الأرض في بلد واحد (بعد إندونيسيا وباكستان)، إذ يتجاوز عدد مسلمي الهند 200 مليون نسمة، لكنهم مع ذلك أقلية في بحر عرمرم من الهندوس.
ومن مفارقات الهند أيضا أنها دولة يتنازعها المكان والوجدان: فهي آسيوية الهوية لكنها غربية الهوى، وهي كانت فيما مضى موطن إمبراطورية إسلامية مزدهرة، أما في الزمن الحاضر فهي دولة قومية هندوسية، وهي تقع داخل جغرافية العالم الإسلامي -حيث تشطر شقَّيْه البري والبحري- لكنها ليست دولة إسلامية. ولذلك لا يمكن إدراج الهند بالكامل ضمن العالم الإسلامي، ولا يمكن فصلها عنه فصلا تاما، بحكم الثقل التاريخي والثقافي والبشري لمسلميها.
إعلان
ويمكن القول إجمالا إن البوصلة الإستراتيجية الهندية أصبحت تائهة ومضطربة، بعد أن تحكَّم في زمام أمرها اليمين الهندوسي المتعصب بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي منذ عام 2014. فلا عجب أن حمل العديد من قادة الرأي وصناع القرار الباكستانيين اليوم همًّا عميقا حول مستقبل التعايش بين باكستان والهند، ومصائر المسلمين في الهند، بعد تصاعد سطوة اليمين الهندوسي، المدفوع بذاكرة انتقامية قاتمة، والمتناغم بألاعيب القوى الغربية، الساعية إلى اتخاذ الهند مطيَّة لصراعها الإستراتيجي مع العالم الإسلامي، ومع جارتها الصاعدة الصين.
ومن الملاحظ اليوم أن جزءا مهما من الصراع في شبه القارة الهندية يتجسَّد في صراع السرديات، وجدَل الذاكرة المتوازية، بين النخب الإسلامية والنخب الهندوسية، حول ميلاد دولتي باكستان والهند المعاصرتين.
وقد قدَّم البحَّاثة الباكستاني خرَّام شفيق في كتابه: "كيف حرَّر جناح الهند" الصادر عام 2022م مرافعة تاريخية رصينة ضد المزاعم المتوارثة بين النخب الهندوسية التي تتَّهم المسلمين بتقسيم الهند، وبرهن على أن الهند لم تكن في تاريخها دولة واحدة أصلًا، بل كانت موطن دول عديدة، إسلامية وهندوسية، وأن النخب الإسلامية الهندية بقيادة جناح كانت أكثر جِدًّا واجتهادًا في سعيها لتحقيق استقلال الهند من نظيراتها الهندوسية التي استكانت للمستعمر، ووجدت فيه مصلحة لها، خصوصا أن المستعمِرين البريطانيين هم الذين هدُّوا أركان الإمبراطورية الإسلامية المغولية في الهند، وأعادوا هندسة المجتمع الهندي لصالح الهندوس على حساب المسلمين.
وبينما يتمسك المسلمون بسردية أصالة الوجود الإسلامي في الهند، ويفتخرون بمآثرهم التاريخية هناك، وليس أقلها شأنا "تاج محل" الذي هو أحد العجائب المعمارية في تاريخ الحضارة البشرية، فضلا عن معالم تاريخية أخرى عظيمة، مثل "القلعة الحمراء"، و"مئذنة "قطب منار"، و"ضريح همايون" في دلهي؛ يسعى اليمين الهندوسي الذي يقوده مودي اليوم إلى تجريد المسلمين من شرعيتهم التاريخية، والتعامل معهم تعاملا شوفينيا، وكأنهم مستعمِرون دخلاء، بشكل لا يختلف كثيرا عن تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين.
إعلان
وبسبب هذه الشوفينية القومية والدينية، وتعامل حكومة مودي الفظِّ مع مسلمي الهند، تمزقت روابط تاريخية ثمينة بين الهند والعالم الإسلامي، وأصبح الطرفان اليوم على طرفي نقيض.
فرغم أن مؤسسي الهند المعاصرة من غاندي ونهرو وجيلهما كانوا متحيزين ضد الهوية الإسلامية لصالح الهوية الهندوسية، ولم يمنحوا المسلمين فرصة عادلة تشجِّعهم على البقاء مع الهندوس في ظلال دولة جامعة تحترم الجميع، فإن ما نراه في عهد مودي تجاوز التحيزات القومية والثقافية المعتادة بين الشعوب إلى التطرف الفاقع، والاضطهاد الوحشي، بل والنفي المطلق للوجود الإسلامي، الذي ضرب بجذوره في تربة الهند قبل ميلاد مودي بأربعة عشر قرنا.
الحيف التاريخي في كشمير
وزاد الطين بلَّة أن أحد جراح استقلال باكستان والهند عن بريطانيا لا يزال طريًّا حتى اليوم، وهو جرح كشمير. فأخطر تهديد للعلاقات بين هاتين الدولتين النوويتين، وللسلم الدولي تبعا لذلك، هو خلاف السيادة بين الدولتين على إقليم جامو وكشمير، الذي تَدين الغالبية الساحقة من سكانه بدين الإسلام، وكان يجب أن يكون جزءا من دولة باكستان في لحظة ميلادها عام 1947، طبقا لتفاهمات الطرفين الإسلامي والهندوسي مع بريطانيا.
حيث تتضمن تلك التفاهمات الاعتراف بأن تكون الأقاليم ذات الغالبية المسلمة جزءا من جهورية باكستان الإسلامية. لكن حكومة الهند آنذاك، وحاكم إقليم كشمير هاري سينغ (1895-1961) -وهو غير مسلم- أعاقا ذلك المسار المنطقي، بتواطؤ ضمني من البريطانيين.
فالخلاف بين باكستان والهند على إقليم جامو وكشمير خلاف قديم، ترجع جذوره إلى الحرب التي نشبت بين الدولتين بعد تأسيسهما مباشرة، وانتهت بتقاسم السيطرة عليه بينهما، ثم لحقت الصين بهذا الخلاف فضمَّت جزءا من الإقليم بعد هزيمتها للهند في الحرب الحدودية بينهما عام 1962. فهو اليوم صراع ثلاثي، أطرافه دول نووية ثلاث، هي الهند وباكستان والصين، ويكفي ذلك دلالةً على أهميته وخطورته، لكن باكستان والصين متفقتان في منظورهما للموضوع، ضمن تفاهماتهما الإستراتيجية الكبرى في أكثر من قضية حيوية.
إعلان
ولا تزال باكستان تطالب بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، الداعية إلى إجراء استفتاء شعبي في كشمير، لتقرير مصير الإقليم طبقا لإرادة أهله، بما يضمن حقوقهم الإنسانية والسياسية. وهو استفتاء يؤمن القادة الباكستانيون بأنه سيقود سكان الإقليم -ذوي الغالبية المسلمة- إلى اختيار الانضمام لجمهورية باكستان الإسلامية.
على أن موضوع كشمير يحمل لباكستان أخطارا إستراتيجية جمَّة، تتجاوز قضايا الهوية والانتماء. فكشمير تقع في موقع الرأس من خريطة الأسد الباكستاني المتحفِّز، وسيطرة الهند على كل الإقليم تعني تهشيم رأس الأسد الباكستاني، وفتح حدود مباشرة بين الهند وأفغانستان (ومن وراء أفغانستان دول آسيا الوسطى)، وإغلاق الحدود المباشرة بين باكستان والصين.
ويترتب على كل ذلك تطويق باكستان جغرافيًّا، وخنْقها إستراتيجيًّا، ويستحيل أن تقبل باكستان بذلك. كما يترتب عليه أيضا تسلُّق الهند عبر جبال الهيمالايا إلى إقليم التِّبت داخل الأراضي الصينية، ومن المستحيل أن تتسامح الصين مع ذلك.
والأهمّ من كل هذا بالنسبة لباكستان أن استمرار سيطرة الهند على القسم الأعظم من إقليم كشمير يعني استمرار تحكُّمها في مياه الأنهار التي تتغذَّى منها باكستان، وهي أنهار تتفرع من نهر السند، الذي ينبع من هضبة التبت في الصين، ويتدفق عبر الأراضي الهندية والباكستانية نحو 3000 كيلومتر، إلى أن يصبَّ في بحر العرب. ومعظم هذه الأنهار المتفرعة من نهر السند تمرُّ من إقليم كشمير.
وقد بدأت حكومة مودي في الهند خلال الأعوام الأخيرة بناء السدود، وفرض القيود على تدفق مياه تلك الأنهار إلى باكستان، مخالفة بذلك اتفاقية تقاسم المياه الموقَّعة بين البلدين مطلع الستينيات من القرن العشرين. وذلك خطر إستراتيجي على دولة باكستان وشعبِها، يتفاقم يوما بعد يوم.
فالصراع بين الهند وباكستان على إقليم جامو وكشمير -من المنظور الباكستاني- ليس مجرد صراع على قطعة من الأرض، أو دفاع عن حق أهل كشمير، بل هو قضية موت وحياة للأمة الباكستانية كلها، بسبب ارتباطه بشريان الحياة الباكستاني، أي نهر السند وفروعه التي تعبر ذلك الإقليم. ويمكن اعتبار تحكُّم الهند في مصادر المياه المتدفقة إلى باكستان شبيها بتحكم إثيوبيا في مصادر المياه المتدفقة إلى مصر، وتلك مقارنة يفهم القارئ العربي معناها ومغزاها.
إعلان
مكانة إستراتيجية فريدة
كانت زيارتي الأولى لباكستان رحلة من الدوحة إلى مدينة كراتشي على الضفة الشرقية من بحر العرب. وقد حطَّت بي الطائرة في مطار مدينة كراتشي فجرًا، بعد رحلة من مطار حمَد بن خليفة في الدوحة استمرت ساعتين وبضع دقائق. وكان أول ما فاجأني -حين أعلن طاقم الطائرة قرب الهبوط- هو قِصَر زمان الرحلة. فقد كنت أدرك دائما أن باكستان قريبة من الجزيرة العربية في الوجدان، لكني لم أنتبه من قبلُ إلى أنها قريبة منها في المكان لهذا الحدّ.
ولعل ما دعاه الأديب المصري جمال الغيطاني (1945-2015م) "الحَوَل الثقافي" الذي أصاب العرب المعاصرين، فجعلهم لا ينظرون إلا غربًا، هو الذي أنساني هذه الحقيقة الجغرافية الواضحة. فأنا الذي ضربتُ في الأرض مغرِّبًا، وعشتُ في أقصى بقعة من غربِ الغرب، على سواحل كاليفورنيا، لم أكن منتبها لقرب المسافة بين باكستان والجزيرة العربية. فالانجذاب إلى الأجنبي الغريب أنْسانَا الشقيق القريب!
تقع كراتشي على الضفة الشرقية من بحر العرب، في الطرَف الجنوبي الغربي لباكستان، وهي أوفر مدن البلاد سكانًا، إذ يتجاوز عدد سكانها 16 مليون نسمة. وهذا الجزء الغربي من باكستان هو أوثق أقاليمها صلة تاريخية بالعالم العربي، خصوصا سواحل عمان واليمن والخليج. كما أن كراتشي هي عاصمة إقليم السّنْد المشهور في تاريخ صدر الإسلام، لأنه أول أقاليم القارة الهندية التي وصل إليها الفتح الإسلامي في نهاية القرن الأول الهجري.
لقد آن الأوان ليدرك العرب قيمة الأسد الباكستاني المتحفِّز على الضفة الشرقية لبحر العرب. فباكستان دولة فتيَّة قوية، ذات موقع إستراتيجي بالنسبة للعالم العربي، بحكم إطلالتها على بحر العرب، وقربها من مدخل الخليج، فضلا عن الأرحام الدينية والإنسانية والتاريخية التي تربطها بالعالم العربي. ومهما يكن لديها من معضلات بنيوية، لا تخلو الدول العربية من مثلها، فإن لديها إمكانا كامنا عظيما، وإنما القوة الإمكان.
إعلان
ولا تقتصر أهمية باكستان الإستراتيجية على العالم العربي فقط، بل هي دولة ذات أهمية للعالم الإسلامي كله. وقد رشَّح صمويل هنتنغتون في كتابه "صدام الحضارات" جمهورية باكستان الإسلامية -من بين ست دول أخرى- لأن تكون دولة محورية قائدة في العالم الإسلامي.
ولاحظ هنتنغتون أن باكستان تملك بعض المؤهلات الضرورية لهذه الريادة، ومنها: المساحة الجغرافية الفسيحة، والكتلة السكانية الكثيفة، والقوة العسكرية الضاربة. لكن هنتنغتون لم يَغفل عن العوائق التي تحْرِم باكستان من الاضطلاع بهذا الدور، وأهم هذه العوائق أن باكستان "تجاوزت الرقم القياسي في عدم الاستقرار السياسي" حسب تعبيره.
وقد استجابت باكستان للتحدي الهندي الدائم المتربص بها، وبموقِعها في قلب "اللعبة الكبرى" الدولية في جنوب آسيا، فبنت قوة عسكرية ضاربة، تصونها وتحميها. وحققت باكستان اختراقا إستراتيجيا لا مثيل له في العالم الإسلامي كله، وهو تصنيعها سلاحا نوويا، بفضل العزائم الصلبة لقادتها السياسيين والعسكريين، وبفضل جهود علمائها، وعلى رأسهم "أبو القنبلة النووية الباكستانية"، المهندس العبقري عبد القدير خان (1936-2021م).
سطوة الجغرافيا السياسية
ويمكن القول إن باكستان -شأنها شأن كل دول العالم الإسلامي- تواجه تحديات ثلاثة: هي الهوية والحرية والتنمية. أما صراع الهوية فهو محسوم في باكستان، بحكم ظروف نشأتها التكوينية التي جعلت الهوية الإسلامية مبرر وجودها، وعلامة تميزها عن المحيط الهندوسي، فلا يوجد تنازع سياسي جدِّيٌّ في هوية باكستان الإسلامية. بَيْدَ أن تحدِّي الحرية وتحدِّي التنمية لا يزالان معضلتين مزمنتين في باكستان. وبدون تجاوزهما بنجاح سيظل إقلاعها بعيد المنال.
وبمنطق الجغرافيا السياسية، تواجه باكستان تحدِّياتٍ جسيمةً، تستلزم تعاونًا بين نخبها المدنية والعسكرية، وتعاليًا على الأنانية السياسية والحزازات الصغيرة التي تستنزف هذا البلد الكبير.
إعلان
ومن هذه التحديات الخلافُ الحدودي المزمن مع أفغانستان، وحالة الفوضى السياسية والغموض الإداري في المناطق القبَلية الرابطة بين البلدين. فليس من مصلحة باكستان ولا أفغانستان استمرار هذا الخلاف المزمن، بل تقتضي مصلحة البلدين تجاوزه بسرعة، وتحويل تلك المنطقة الحدودية الملتهبة إلى مساحة الْتِحام، ومصدرِ وئامٍ، بين الشعبين الشقيقين، اللذين تجمع بينهما أرحام الدين والتاريخ والجغرافيا.
كان الشاعر محمد إقبال -وهو الأب الروحي لباكستان- يحمل تقديرا خاصا للشعب الأفغاني، وقد طفح شعره بالثناء على شجاعة الأفغان وشهامتهم، فهم الشعب الذي "تسري دماء الأُسُود في عروقه" حسب تعبيره. وأفغانستان هي الجار الشقيق والوطن الثاني من منظور إقبال. فمن الوفاء لرسالة إقبال أن تكون العلاقات بين باكستان وأفغانستان علاقاتٍ أخويةً وإستراتيجيةً، خصوصا أن باكستان وأفغانستان تقعان في قلب "اللعبة الكبرى" للسيطرة على آسيا والعالم. وقد أشرنا في صدر هذا المقال إلى أن الأسد الباكستاني المتحفِّز يحمل أفغانستان على ظهره، ويجب أن لا تظل هذه الصورة مجرد تعبير مجازي.
ليس أمام باكستان إلا أن تَحْمل وتتحَمَّل الأوضاع الأليمة التي مرَّ بها الشعب الأفغاني منذ عام 1979، وتوثِّق علاقاتها الإستراتيجية بأفغانستان. فدعم باكستان لأفغانستان الجديدة المتحررة من أعباء الاستعمار الروسي والاستعمار الأميركي يسدّ الباب أمام عبث الهند بالواقع الأفغاني، وسعيها لتطويق باكستان من الشمال الشرقي.
ونهوض أفغانستان من كبوتها الطويلة، ودخول باكستان معها في حلف إستراتيجي -بالتعاون مع العملاق الصيني الصاعد- مفتاح لنجاح البلدين في التعاطي مع المعضلات الداخلية والأخطار الخارجية، خصوصا مع ما يشهده النظام الدولي اليوم من انزياح القوة ورحيلها من الغرب الأطلسي إلى الشرق الأوراسي، تلك الظاهرة التي دعوناها "شروق الشرق وغروب الغرب" في دراسة خاصة نُشرت في مركز الجزيرة للدراسات بهذا العنوان.
إعلان
رسائل الزمن الآتي
إن أخطار الحرب الحالية يجب أن تكون نذيرا للنخب الباكستانية، ودافعا لها إلى التعاطي الجاد مع المعضلات البنيوية المزمنة في الداخل، وأخطار الجغرافيا السياسية المحدقة من الخارج. ويمكن تحقيق ذلك عبر مسارات أربعة:
أولا: تعضيد الجبهة الداخلية، من خلال تحويل العلاقة المدنية العسكرية في باكستان إلى علاقات سويَّة، بحيث يتوقَّف الجيش الباكستاني عن أي تدخل في السياسة، سرًّا أو علنًا، وينصرف إلى مهمته المقدسة في صيانة البلاد، وصد الصائل عليها.
وتتحرَّر النخبة السياسية الباكستانية من الأنانية السياسية، لكي تُحسن احتواء الجيش، والاعتراف له بمكانته الحيوية، في ظل التهديد الوجودي الهندي، مع تجنب الاصطدام بالجيش، والسعي لتحييده سياسيا بهدوء وذكاء، على شاكلة "الثورة الصامتة" في تركيا. وبذلك يتمكن الأسد الباكستاني المتحفِّز من النهوض من عثراته المتكررة، ويستجيب للتحديات الجسيمة المحيطة به.
ثانيا: تأمين الطوق الإقليمي المحيط بباكستان، باحتواء الشقيق الأفغاني ضمن منظور إستراتيجي يخدم الطرفين، وتوثيق العلاقة مع الدول الإسلامية عموما، وخصوصا دول الخليج والمشرق العربي، وإيران، ودول جنوب شرق آسيا ووسطها.
فالفضاء الحضاري الإسلامي المشترك يجب ترجمته إلى تعاون سياسي واستثمار اقتصادي، وتنسيق إستراتيجي، وأحلاف عسكرية، على نحو ما عليه الأمر اليوم في الفضاء الحضاري الغربي. فلدى باكستان الكثير مما تقدمه للدول الإسلامية الأخرى، خصوصا في مجال التقنية العسكرية، ولدى بعض تلك الدول الكثير مما تقدمه لباكستان، خصوصا في مجال التعاون الاقتصادي والسياسي. وقد تطورت العلاقة بين باكستان وبعض الدول الإسلامية تطورا حسنا، خصوصا تركيا والسعودية.
ثالثا: إدارة العلاقة مع الهند بحكمة وقوة وحزم. فليس من ريب في أن من حق باكستان ردع عدوان مودي وفاشيته، وأن من واجبها دعم أهل كشمير في مسعاهم لتقرير مصيرهم السياسي، طبقا لقرارات الأمم المتحدة.
إعلان
لكن الحرب المباشرة بين الهند وباكستان لا تخدم مصلحة الإسلام والمسلمين في شبه القارة الهندية. لأن المسلمين على طرفي الحدود بين الهند وباكستان بمئات الملايين، وهم من سيكونون وقود المعركة وأكبر خاسر فيها، وهم قد عانوا أصلا ما يكفي من تمزقات المكان والوجدان في تاريخهم المعاصر.
ففي كل مواجهة لباكستان مع الهند يتعين على القيادة الباكستانية الانتباه إلى مصلحة أشقائهم من مسلمي الهند، فهم ليسوا أمرا ثانويا يمكن اعتباره ضررا جانبيا للحرب.
رابعا: ترسيخ باكستان لتحالفاتها الدولية، وخصوصا علاقاتها التاريخية الوثيقة مع الصين. فالصين هي القوة الدولية الصاعدة في عالم اليوم، بخلاف القوة الغربية السائدة التي بدأت تعيش مرحلة الأفول والانحسار.
ومن حسن حظ باكستان أن الصين عدو تاريخي للهند، بحكم خلافهما الحدودي القديم على هضبة التبت وجبال الهيملايا، واختلافات المنظور الإستراتيجي والهوى الثقافي بينهما. فالصين اليوم هي أهم حليف دولي لباكستان، بل لعدد من دول آسيا المسلمة، فتوثيق العرى معها مهم للوقوف في وجه الحلف الهندي الغربي المعادي للمسلمين وقضاياهم العادلة، مثل قضية كشمير وقضية فلسطين.
وحاصل الأمر أن باكستان من أهم دول العالم الإسلامي مكانا ومكانة، وهي قوة فتيَّة ولبنة صلبة من لبنات الفضاء الحضاري الإسلامي، فيتعين على جميع الدول الإسلامية دعمها والتعاون معها لتحقيق الخير المشترك.
ويجب أن تكون الحرب الحالية دافعا للجميع للوقوف مع باكستان في هذه الأزمة الخطيرة، مع السعي إلى احتواء الصراع على المدى البعيد، وحلِّ معضلة كشمير بالعدل، طبقا لقرارات الأمم المتحدة التي تنص على حق أهل كشمير في تقرير المصير. فالسلم والتعايش والتواصل بين الهند وباكستان هو الذي يخدم مصالح الجميع على المدى البعيد، وهو الذي سيعيد للحضارة الإسلامية ألَقَها التاريخي في شبه القارة الهندية بأسرها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
مقتل 4 أطفال في تفجير استهدف حافلة مدرسية بباكستان
قتل 4 أطفال جراء تفجير انتحاري استهدف اليوم الأربعاء حافلة مدرسية تابعة للجيش في إقليم بلوشستان المضطرب جنوبي باكستان. وقال ياسر إقبال المسؤول عن إدارة منطقة خوزدار التي وقع فيها الانفجار "استهدفت حافلة مدرسة مخصصة لأطفال العسكريين وتفيد نتائج التحقيق الأولية بأنه هجوم انتحاري". وأكد تسجيل عدد من الإصابات بين نحو 40 طالبا كانوا على متن الحافلة التي كانت في طريقها إلى مدرسة داخل معسكر للجيش. وقال مسؤولون إنهم يخشون من احتمال ارتفاع حصيلة القتلى أكثر، نظرا لوجود عدد من الأطفال في حالة حرجة. وأدان وزير الداخلية الباكستاني محسن نقفي بشدة الهجوم وأعرب عن حزنه العميق لمقتل الأطفال. ووصف مرتكبي هذه الجريمة بأنهم "وحوش" لا يستحقون أي تسامح ، قائلا إن العدو ارتكب "عملا بربريا محضا باستهداف أطفال أبرياء". وأعلنت جماعة جيش تحرير بلوشستان وهي جماعة تقاتل من أجل انفصال المنطقة عن باكستان أنها استهدفت الحافلة. وبلوشستان أكبر إقليم في باكستان من حيث المساحة ولكنه الأقل من حيث عدد السكان، إذ يقطنه نحو 15 مليون شخص. ويوجد به مشروعات تعدين مهمة، لكنه يشهد أعمال عنف منذ عقود. وتزايدت هجمات الجماعات الانفصالية في بلوشستان في السنوات القليلة الماضية. وفجرت جماعة جيش تحرير بلوشستان خطا للسكك الحديدية في مارس/آذار الماضي واحتجزت ركاب قطار رهائن، مما أسفر عن مقتل 31 شخصا. كما تبنى الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية هجمات في الإقليم. وتكثر أعمال العنف في غرب باكستان عند الحدود مع أفغانستان منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في كابل في صيف العام 2021. وتتهم إسلام آباد جارتها بعدم اتخاذ التدابير للتخلص من مسلحين يستخدمون أراضيها لمهاجمة باكستان الأمر الذي تنفيه أفغانستان. وتتهم باكستان كذلك، الهند بدعم المتمردين البلوش وتسليحهم.


الجزيرة
منذ 18 ساعات
- الجزيرة
في ذكرى النكبة.. غزة مقياس العروبة والإسلام والإنسانية
في الذكرى السابعة والسبعين للنكبة، فإنّ غزة هي مقياس العروبة والإسلام والإنسانية. حين نتحدّث عن الصراع على فلسطين، فنحن لا نتحدّث عن معركة وطنيّة لشعب محتلّ، بل عن صراع يعكس أهمَّ ملامح المواجهة الحضاريّة مع الغرب. تمثل إسرائيل في هذا الصراع ذراع الغرب وقاعدته المتقدمة للهيمنة على المشرق الإسلامي، وتمثل فلسطين الأمة في بُعدها الحضاري والعَقَدي. صراع له أبعاد حضارية في العقيدة والثقافة والتاريخ، كما في الجغرافيا والسياسة والاقتصاد؛ وله تداعيات مباشرة على أوضاع الأمة وعلاقاتها في المنطقة العربية وخارجها. بنظرة فاحصة على علاقات إسرائيل مع الأقلّيات ومع الدكتاتوريات في المنطقة العربية، ودور إسرائيل ولوبياتها في الغرب في التحريض والضغط والمساعدة في قمع محاولات النهوض العربي والإسلامي، ندرك أن الصراع الدائر في فلسطين والمنطقة هو صراع مترابط: الشعب الفلسطيني في الخندق الأول، ولكن في بعض الحالات تكون الخنادق الخلفيّة أكبر تأثيرًا، وأكثر خطورة ودموية. هناك علاقة جدلية بين ساحات هذا الصراع؛ إذ إن صمود الشعب الفلسطيني، وأي إنجاز يحققه في صراعه المباشر مع العدو الصهيوني بالضرورة ينعكس إيجابًا على دول المنطقة وشعوبها، ويعطي أملًا متجددًا في حتمية الفوز في هذا الصراع. وأيضًا، فإنّ أية نهضةٍ واستقلالٍ حقيقيّ لأيّ قُطر عربي أو إسلامي، ينعكسان إيجابًا على صراع الشعب الفلسطيني مع إسرائيل التي تستهدف إضعاف جميع دول المنطقة، بما فيها الدول المطبّعة معها، حتى تبقى ضعيفة ومرتهنة دون أي تأثير أو نفوذ أو استقلال. ولأننا نريد لأمتنا أن تنهض، ولفلسطيننا أن تتحرّر، فإننا نرى ضرورة إدراك المتغيرات الكثيفة التي تمرّ بها المنطقة والعالم، حيث هناك أوضاع جديدة وصراعات ممتدة تستلزم استعدادات جذرية في الاستجابة لها، وتعديلات من الدول ومن القوى الشعبية العاملة فيها على السواء. فلم يعد مفهومًا -بعد كل هذه التجارب والمحن- أن تستمر الأنظمة العربية في الارتهان التامّ للأوامر الغربية وللسيّد الأميركي. وإذا لم يكن مقبولًا في سبعينيات القرن الماضي أن يُقال إن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة الأميركية، فكيف تُسلِّم اليوم أنظمة العرب، بعد أكثر من نصف قرن، إرادتَها كاملة لأميركا؟ لقد شكّل موقع فلسطين دينيًا وتاريخيًا وجغرافيًا في قلب الأمة العربية، التي هي قلب العالم الإسلامي، ساحةَ صراع مفتوح مع الغرب. وفي العصر الحديث، تجسَّد هذا الصراع بإقامة دولة إسرائيل التي هي مشروع غربي استعماري بامتياز. لقد كان ضياع فلسطين، وإعلان قيام دولة الصهاينة عام 1948، نتيجة مباشرة للمواجهة المستمرة بين الغرب الاستعماري ، والشرق الإسلامي بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية، وانهيار النظام السياسي الإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى. إنّ الصراع على فلسطين، الذي له كلّ هذه الأبعاد العَقَدية والثقافية والتاريخية، فضلًا عن أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية، وما له من تداعيات على المنطقة والعالم، يلخّص صراع الأمة الإسلامية مع الغرب وحضارته ، ويُعتبر صورة مصغرة تعكس هذا الصراع وتلخّصه، وإن اختلفت بعض التفاصيل والأولويات. ويمثل كذلك حالة اختبار لكل الأطراف المشاركة فيه، ويكشف كل الدّعاوى الزائفة لعزل فلسطين عن بُعدها العربيّ والإسلامي. لقد شكّلت نكبتنا في العام 1948 لحظة فارقة في تاريخ الصراع مع الغرب. فقد نشأت دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين العربية، وكل التطوّرات اللاحقة، من حروب ومفاوضات ومعاهدات هدنة أو اتفاقات سلام منذ كامب ديفيد، مرورًا بأوسلو ووادي عربة، وصولًا إلى اتفاقات أبراهام حتى يومنا هذا، هي نتائج مباشرة لحرب العام 1948. إن محاولة فهم ما حدث في العام 1948 وأسباب هذا الانهيار الشامل، تشكّل مدخلًا إجباريًا لفهم التحديات الراهنة في فلسطين والمنطقة. عربيًا، حصلت الدول العربية على ما يسمّى الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ضمن الحدود التي فصّلها المستعمر، وبالطريقة التي أرادها بكل التناقضات ومشاكل الحدود التي تعمّدها، ووفق مصالحه الخالصة، وبعد أن نكث بكلّ وعوده. أصبح للنخب السياسية العربية التي تشكّلت بعد ما سمّي بالاستقلال، مصالحُ قُطرية تدافع عنها، وأصبحت العروبة شعارات بلاغية زائفة ورنّانة تظهر على منابر المزايدات والخطب، بدل أن تكون دعوة جدية تتحدّى شروط المستعمِر. وقدّم سياسيو العرب مصالحهم ومصالح أقطارهم على أية مصلحة قومية. وهكذا، فإنّ الدول العربية التي دخلت جيوشها حرب 1948 كان لها حسابات قُطرية مختلفة ومتناقضة، ولم تشارك في الحرب أو تفاوض بعدها بشأن الهدنات مع إسرائيل إلا بمفهوم قُطري، بعيدًا عن أية إستراتيجية عربية، أو حتى تنسيق عربيّ شامل. ظهرت النخب السياسية والثقافية، في معظمها، مشوّهة ومنسلخة عن تاريخها وثقافتها وعقيدة شعبها، ومتنكّرة لها، ومهزومة روحيًا وعقليًا وعلميًا أمام حضارة الغرب المستعمِر وثقافته. لقد دخل العرب الحرب دون رؤية صائبة، ودون هدف مشترك، ودون خطة عملية موحدة، وبأعداد رمزية، حيث إن مجموع القوات العربية التي يُطلَق عليها جيوشٌ عربية كان أقل من 15 ألفًا، في مقابل العصابات الصهيونية التي كان لها خُطة وهدف وقيادة سياسية وتحالفات دولية، وأعداد بلغت 75 ألفًا، في أقلّ تقدير، من الجنود المدربين. باختصار، فشلت دول ما بعد الاستعمار المباشر، وفشل زعماؤها السياسيون، وفشل المثقفون في مواجهة تحديات التغيير الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، وكان سقوطها مدويًا في أوّل مواجهة لها مع العصابات الصهيونيّة. بعد 77 عامًا من نكبتنا الأولى في فلسطين، نجد ما يسمى النظام العربي أسوأ حالًا؛ فلا يجرؤ أن يرسل قطرة ماء أو كسرة خبز إلى شعب فلسطين الذي تصنع له إسرائيل نكبة جديدة على رؤوس الأشهاد. قرارات القمم العربية ومناشداتها أقل بكثير من الشعارات التي رفعها زعماء عرب حول الأمة الواحدة الخالدة وحول تحرير فلسطين بعد نكبة 1948. التسليم التام للإدارة الأميركية التي تحمي إسرائيل وتمدها بآلة الدمار يذكرنا بالطلب من الشعب الفلسطيني بالركون إلى الهدوء؛ استجابةً لوعود صديقتنا حكومة صاحبة الجلالة قبل نكبة 1948. إنّ الاستسلام الكامل للإملاءات الأميركية وتسليمها مقدرات شعوب الأمة، والرعب من إسرائيل وهرولة البعض إلى التطبيع معها وإشاحة النظر عن الجرائم المروّعة التي يرتكبها العدو في غزة والضفة والقدس، وسياسة التجويع والتطهير العرقي ، يبشّر بسقوط مدوٍّ لكل من صمت أو بارك وبرر جرائم العدو، كما حدث لأنظمة نكبتنا الأولى في العام 1948. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


الجزيرة
منذ 20 ساعات
- الجزيرة
الجيش الباكستاني يصف ما يحدث في غزة بالجريمة ضد الإنسانية
إسلام آباد – قال مدير العلاقات العامة بالقوات المسلحة الباكستانية الجنرال أحمد شريف شودري إن ما يحدث في قطاع غزة أقل ما يمكن وصفه أنه جريمة ضد الإنسانية، جاء ذلك خلال مقابلة خاصة لموفد الجزيرة نت إلى إسلام آباد، ستُنشر لاحقا. وطالب شودري (المتحدث الرسمي باسم الجيش) إسرائيل بالتوقف عن "العنجهية" وقتل الأطفال والنساء والأبرياء، فهذا لن يكون إلا سببا في تراجعها ونفور العالم منها، وخلق أعداء لها. كما حث شودري الفلسطينيين على أخذ العبرة مما قامت به باكستان، حيث حرصت على رص الصفوف الداخلية وبناء قوتها الذاتية لتكون رادعة لكل عدو وطامع، حتى بات عنوان المرحلة الحالية في باكستان هو "بنيان مرصوص"، وهو نفس اسم العملية العسكرية التي أطلقتها القوات الباكستانية في مواجهة العدان الهندي. وأكد شودري وقوف باكستان حكومة وشعبا وجيشا إلى جانب المظلومين في فلسطين ، وأنهم يتعاطفون مع أهل غزة ومستعدون لمساعدتهم وإغاثتهم. وفي وقت سباق اليوم أدانت الخارجية الباكستانية في بيان -أطلعت الجزيرة نت عليه- بأشد العبارات العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، الذي أسفر عن مقتل العشرات من الفلسطينيين، بالإضافة إلى الاستهداف المتعمّد للمستشفيات والبنى التحتية الحيوية الأخرى، وأوامر الإخلاء الجماعي. واعتبر البيان أن توسيع العمليات البرية الإسرائيلية في غزة، وإعلانها "السيطرة الكاملة" على غزة، يشكلان تهديدا خطيرا للجهود الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وانتقد البيان مواصلة إسرائيل عرقلة وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى ملايين المحتاجين إليها، وهو ما يُمثل فرض عقاب جماعي على الشعب الفلسطيني المحاصر. وقال البيان إن باكستان تجدد دعوتها للمجتمع الدولي إلى الوقف الفوري لحملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وضمان وقف إطلاق نار دائم في غزة، كما تحث على اتخاذ خطوات ملموسة لتوفير المساعدات الإنسانية دون عوائق لملايين الفلسطينيين المحتاجين، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها الفظيعة. وأكد أن باكستان تجدد معارضتها القاطعة لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم التاريخية، أو توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، أو ضم أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وختم بالقول إن باكستان ماضية في دعمها الثابت لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، وتدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة ومتصلة جغرافيا على حدود ما قبل عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.