logo
ترامب و'السلام بالقوّة'.. تلطيف للاستعمار؟حسن صعب

ترامب و'السلام بالقوّة'.. تلطيف للاستعمار؟حسن صعب

ساحة التحرير١٣-٠٥-٢٠٢٥

ترامب و'السلام بالقوّة'.. تلطيف للاستعمار؟
حسن صعب*
بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الترويج لما يُسَمّى 'فرض السلام من خلال القوّة' قبل وصوله مرّة أخرى إلى سدّة رئاسة البيت الأبيض بأشهر عدّة؛ وهو كَرّر الإعلان عن هدفه هذا بعد تسلّمه زمام منصبه، وذلك ليؤكّد على قراره إنهاء الحروب المُستعِرة في أوكرانيا وغزة على وجه الخصوص، داعياً إلى مَنحه جائزة نوبل للسلام لأنه سينجح حتماً في وقف 'قتل الناس الأبرياء وإرساء السلام'!
لكن مفهوم 'السلام باستخدام القوّة' ليس جديداً، أو خاصاً بالرئيس الأمريكي؛ بل هو مفهوم أو عبارة قديمة تعني أن قوّة السلاح هي العنصر اللازم لتحقيق السلام. وهذه العبارة قديمة جدًا، اشتهر باستخدامها العديد من القادة، بدءًا من الإمبراطور الروماني هادريان في القرن الأوّل الميلادي، وحتى رونالد ريغان في ثمانينيات القرن العشرين. وكثيرًا ما ارتبط هذا المفهوم بالواقعية السياسية.
'السلام من خلال القوّة'!
إنّ أطروحة ترامب (السلام من خلال القوّة) ما هي إلّا تتويجٌ لمسارٍ تاريخيٍّ طويل لتطوُّر 'مبادئ القوّة' في الاستراتيجية الأمريكية عبر عقود مُتمادية من الزمن، انطلاقًا من مبدأ 'فنّ خلق القوّة' الذي أوضحه أستاذ الاستراتيجيا، لورنس فريدمان، في كتابه 'تاريخ الاستراتيجية'، إذ عَرّفها بأنها: 'فنُّ خلق القوّة، وهو فنٌّ يصعب إتقانه أو الإمساك به'. وهو المبدأ الذي ظلّ سائدًا حتّى مطلع عقْد الأربعينيات من القرن الماضي، قُبَيْلَ الحرب العالميّة الثانية. ثمّ جرى التنظير بعد ذلك لمبدأ 'استخدام القوّة'، وهو المبدأ الذي تُوِّجَ بإلقاء القنبلتين النوويّتين على مَدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان خلال تلك الحرب (1945)، وأدّى إلى انتهاء الحرب واستسلام اليابان. وهو ما كان يعني أمريكيًّا تحقيق 'السلام من خلال القُوّة'.
في سياق إعلانه عن وقف النار في غزة، في (15/1/2025)، قال الرئيس الأمريكي 'المنتخب' دونالد ترامب: 'سنواصل الترويج للسلام عبر القوّة في المنطقة، والبناء على زَخم وقف إطلاق النار لتوسيع اتفاقات السلام'، ليَفتح بهذا قوس أسئلة لن يُغلق في المستقبل المنظور عن إمكانية فَرْض 'السلام' عنوة، وما إذا كان هذا المسلك القسري سيفيد 'ثقافة السلام'، أم سينتهي إلى تمهيد الطريق لحرب جديدة؟
للوهلة الأولى، قد يقبل الكثيرون كلام ترامب هذا، ولو مع تهديده باستخدام القوّة العسكرية الغاشمة، وذلك باعتبار أن الغاية تُبَرّر الوسيلة؛ والغاية هنا هي وقف الحروب والصراعات وإراقة الدماء، وفَرْض 'السلام'، حسب المواقف المُعلنة لترامب قبل وصوله إلى سدّة رئاسة الولايات المتحدة. لكن من يُدَقّق في أبعاد تلك المواقف 'الترامبيّة' المُغَلّفة بدوافع إنسانية، يُدرك مدى ارتباطها الوثيق أو العضوي بمُحَدّدات وآليات صنع القرار السياسي الأمريكي، أوّلاً، كما بأهداف الولايات المتحدة الكونيّة والإقليميّة؛ فضلاً عن ضرورة انسجام هذه المواقف مع الاستراتيجية الإسرائيلية التوسعيّة التي تبغي أيضاً فَرْض 'السلام' على دول وشعوب المنطقة عبر القوّة المُطلقة وغير المُقَيّدة، لا بقوانين ولا بقِيم أخلاقية؛ من دون التقليل من تأثير العامل الشخصي المُرتبط بسعي ترامب المحموم لتتويج نفسه صانعاً للسلام في العالم، عبر منحه جائزة نوبل للسلام، في أقرب فرصة!
والقصد هنا القول إن شعار ترامب المُلتبس ليس من إبداعاته الشخصية، كما أوحى بذلك، بل هو تعبير مُلتوٍ أو مُلطّف عن استراتيجية جديدة – قديمة للولايات المتحدة، تسعى من خلالها للخروج من نفَق الأزمات الداخلية 'الوجودية'، المالية والاقتصادية بالخصوص (تجاوزت ديون أمريكا الحكومية سقف 36 ألف مليار دولار)؛ كما من التحدّيات الخارجية لهيمنتها شبه المُطلقة على السياسة والاقتصاد في العالم، والتي بدأت بالتداعي خلال السنوات الأخيرة. وتطبيق أجندة إدارة ترامب بفَرْض 'السلام' (أو الاستسلام) يتم، في بعض مساراته، عبر استثمار 'الإنجازات' التي يُحقّقها الحلف الأمريكي – الإسرائيلي، تحديداً في منطقة الشرق الأوسط (من غزة ولبنان وسوريا إلى اليمن)، أو عبر التهديد باستخدام القوّة ضدّ إيران، بذريعة منعها من إنتاج سلاح نووي، بحيث تخضع الدول أو القوى الرافضة للهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية، وتوافق على طروحات السلام 'الترامبيّة' الملغومة، فتُوفّر بذلك على الولايات المتحدة دفع فواتير الحروب المُكلِفة أو الصراعات المُتمادية في الشرق الأوسط، وتؤمّن لها، في الوقت عينه، بيئة مُستقرّة وآمنة لمصالحها الحيويّة (النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى، الأسواق الاستهلاكية..)؛ ناهيك عن ترسيخ وجود وبقاء الكيان الإسرائيلي الشاذ في نسيج هذه المنطقة إلى الأبد!
'مبدأ' ترامب: بين القانون والسياسة
من المؤكّد أن العالم (الشعوب المُستضعفة والمَقهورة بالخصوص) بات منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية – والتي خَلّفت عشرات ملايين الضحايا (أكثر من 60 مليون شخص) – يرفض استخدام القوّة العسكرية بلا ضوابط، ومن أجل تحقيق أهداف سياسية استئثارية، حيث ثبّتت المؤسسات الدولية التي نشأت بعد الحرب هذه المسألة ضمن مواد ميثاق هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات والمنظّمات الدولية والإقليميّة ذات الصلة.
لقد جرت صياغة مبدأ حظر استعمال القوّة أو التهديد باستعمالها في ميثاق هيئة الأمم المتحدة على الشكل التالي:
'يمتنع جميع أعضاء منظمة الأمم المتحدة في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوّة، أو استعمالها ضدّ سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتّفق ومقاصد الأمم المتحدة (الفقرة 3 من المادة 2 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة).
ويكمن الشيء الرئيسي في مضمون مبدأ حظر استخدام القوّة أو التهديد باستخدامها في حظر الحرب العدوانية، أي حظر اللجوء إلى الحرب في العلاقات بين الدول… وقد جاء في الإعلان الصادر في عام 1970م أن ' الحرب العدوانية تُعتبر جريمة ضدّ السلام 'وهي تجرّ المسؤولية الصارمة إلى الحرب في العلاقات بين الدول…
أما مجلس الأمن الدولي، المعني بالتدخّل العسكري أو ما يسبقه من أشكال تدخّل أخرى، فيقول في المادة 41:
لمجلس الأمن أن يقرّر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلّب استخدام القوّات المسلّحة لتنفيذ قراراته؛ وله أن يطلب إلى أعضاء 'الأمم المتحدة' تطبيق هذه التدابير؛ ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجويّة والبريدية والبرقية واللاسلكية، وغيرها من وسائل المواصلات، وقفاً جزئياً أو كلّياً، وقطع العلاقات الدبلوماسية.
فهل هذا ما يُطَبّقه ترامب في اليمن وغزة، أو تجاه إيران والصين وروسيا وكوريا الشمالية، ودول أخرى في العالم؟! ولا ننسى هنا استهزاء ترامب سابقاً بمؤسسة الأمم المتحدة وغيرها من المؤسّسات الدولية التي لا تتّفق معه في أفكاره أو سياساته التوسعيّة والحربيّة، وسعيه حالياً لإضعاف تلك المؤسسات مالياً، على خلفيّة فشله في الإمساك بها بشكل كامل.
فقد اقترح ترامب، في مشروع ميزانية السنة الماليّة 2026، تعليق غالبيّة المساهمات الأمريكية الإلزامية وجميع المساهمات الطوعيّة لهيئات الأمم المتحدة. وجاء في مُذكّرة توضيحيّة لمشروع ميزانية البيت الأبيض: 'تعليق الميزانية لغالبيّة المساهمات الإلزامية وجميع المساهمات الطوعيّة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، بما في ذلك الميزانية العادية للأمم المتحدة واليونسكو ومنظّمة الصحّة العالمية'. ويتوافق هذا القرار مع الأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي بمراجعة مُشاركة البلاد في المنظّمات الدولية ووقف تمويل تلك التي 'لا تتماشى مع أولويّات الإدارة'!
وفي فبراير/ شباط الماضي، وقّع الرئيس الأمريكي أمراً تنفيذياً يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والأونروا. ومنذ تولّي الرئيس الجمهوري لمنصبه في 20 يناير 2025، أصدَر سلسلة قرارات بالانسحابات من عدّة منظّمات، حيث سبَق أن أمَر بانسحاب الولايات المتحدة من منظّمة الصحّة العالمية واتفاقية باريس للمناخ؛ ناهيك عن تهديد ترامب للمحكمة الجنائية الدولية وفرض عقوبات عليها، لأنها أدانت حليفه، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، وأصدرت مذكّرة اعتقال بحقّه.
أيضاً، وفي خطوة تعكس مدى 'التزام' إدارة ترامب بمبدأ 'السلام من خلال القوّة' المُستوحى من حقبة ريغان، أعلن ترامب، خلال كلمة له في المكتب البيضوي برفقة وزير الدفاع بيت هيغسيث، منح شركة 'بوينغ' عقداً بقيمة 20 مليار دولار لتطوير مُقاتلة 'أف 47' من الجيل السادس لمصلحة القوّات الجويّة الأمريكية، التي تأتي ضمن برنامج 'الهيمنة الجوّية للجيل التالي'، مُشيداً بقدرات المُقاتلة الجديدة، إذ قال إنها 'ستكون الأكثر تقدّماً والأكثر فتكاً. ونحن على ثقة من أنها تتفوّق، بشكل كبير، على قدرات أي دولة أخرى'، مُعتبراً أن 'أعداء أميركا لن يتوقّعوا هذا أبداً. ونأمل ألّا نضطرّ إلى استخدامها'؛ فيما شدّد هيغسيث على أن تطوير المُقاتلة الجديدة 'يبعث برسالة واضحة إلى حلفائنا أنّنا لن نرحل، وإلى أعدائنا أنّنا قادرون على استعراض قوّتنا حول العالم من دون عوائق لأجيال مُقبلة'!
كذلك، وفي شباط/ فبراير الماضي، وافق الرئيس ترامب على إعادة شحن قنابل ثقيلة (إم كيه – 84) إلى 'إسرائيل' التي تخوض حرب إبادة شعواء ضدّ الشعب الفلسطيني، وكانت إدارة جو بايدن قد أوقفتها، وذلك تحت شعار كرّره ترامب في المناسبة، بأن القرار يُعبّر عن إيمانه بـ 'السلام عبر القوّة'!
هذه القرارات 'الترامبيّة' المُتغطرسة ليست سوى تعبير عن الفشل الأمريكي في السيطرة على العالم عموماً، وبالخصوص على العديد من المؤسّسات الدولية التي تؤدّي أدواراً مهمّة في منع الحروب والصراعات، أو الحد من تأثيراتها السلبية على مختلف الصعد، وبما يتناقض مع النهج الأمريكي الأحادي، غير القانوني وغير الأخلاقي، والذي بات ترامب ومسؤولو إدارته يُجاهرون به على الملأ، عبر فرض 'السلام' من خلال القوّة العسكرية الأمريكية حصراً، ومن دون أي قيود أو ضوابط.
يقول المحلّل السابق في الاستخبارات الأمريكية، جورج بيب، إن الترويج لمفهوم السلام من خلال القوّة 'يتخطّى على الأرجح مجرّد شعار'، بنظَر إدارة دونالد ترامب، والتي لم تكن قد باشرت مهامها بعد في أواخر العام الماضي.
ويضيف المسؤول في معهد كوينسي للدراسات، الذي يدعو إلى الحد من النزعة العسكرية: 'إحساسي العميق هو أنهم جدّيون في استخدام هذا المفهوم كمبدأ يتّبعونه'. لكنّه شدّد على ضرورة إيجاد توازن في هذه المُقاربة، موضحاً أن (الرئيس الأسبق) ريغان اتّبع نهجاً مزدوجاً يقوم على تعزيز القوّات المسلّحة بموازاة 'دبلوماسيّة ذكيّة'، من أجل تعزيز السلام والاستقرار مع الاتحاد السوفياتي.
ويُحذّر الخبير: 'إن مَضيتم بعيداً جداً في مد غصن الزيتون، فقد يستغل خصومكم ذلك. لكن في المقابل، إن مضيتم بعيداً جداً في موقف حربي، فقد ينتهي بكم الأمر إلى الحرب من خلال القوّة بدل السلام من خلال القوّة'.
خلاصة
يختلف الخبراء حول جدوى خيار ما يسمّى 'السلام من خلال القوّة'. ففيما يرى بعضهم أن القوّة ليست الوسيلة الوحيدة لتحقيق السلام، وأن السلام الحقيقي يأتي عبر التفاهم والاعتراف المتبادل بالفوائد التي يعود بها السلام على الأطراف المعنيّة؛ يؤكّد البعض الآخر أن فرض السلام عبر القوّة العسكرية قد ينجح في أماكن ويفشل في أماكن أخرى. ويبقى الأساس في هذا الأمر هو تحقيق العدل وعدم وجود غايات ضيّقة أو مصالح خاصة لدى الأطراف المولجة بفرض السلام، سواء داخل كلّ بلد يُعاني من نزاعات بَيْنيّة، أو بين دول مستقلّة وذات سيادة.
وعلى أيّ حال، لن تكون الولايات المتحدة، وتحديداً في عهد دونالد ترامب الثاني، والتي تتحالف مع 'إسرائيل' ودول استعمارية مُتوحّشة تُشبهها، وتعتمد الابتزاز والتهديد لسرقة موارد الدول، مثالاً يُحتذى من قِبَل دول العالم، وتحديداً لجهة نشر وفرض السلام بأدوات عسكرية، تُحرّكها ذهنيّات مُنغلقة، ودوافع سياسية، ومطامع اقتصادية ومالية لا حدود لها، بموازاة استهتار إدارة ترامب، والولايات المتحدة، بالمؤسّسات الدولية والإقليميّة المعنيّة بحلّ النزاعات ووقف الحروب وفرض السلام، لكن على أساس رفع الظلم والاحتلال، وتحقيق العدل والإنصاف بين الدول والمجتمعات.
أخيراً، وحتى يكون للحقيقة نصيب من شعار ترامب السابق الذكر، يجب استبداله بشعار 'الاستثمار من خلال القوّة'، والذي ينسجم مع عقليّة رجل العقارات الانتهازي، والمُنتشي بفائض القوّة العسكرية لدى بلاده، والذي يعتبر قضية غزة مجرّد صفقة تجارية 'رائعة' أو مُربحة؛ وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية وقَطَر ومصر (قناة السويس)، وصولاً إلى قناة بَنما وجزر جرينلاند وكندا، وكلّ بلد أو منطقة توجد فيها ثروات تسيل لعاب الرئيس 'القوي' و'الاستثنائي' في تاريخ أمريكا… والعالم!
كاتب وباحث سياسي
‎2025-‎05-‎13

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خطة 'عربات جدعون' والعدوان على غزة!ظاهر صالح
خطة 'عربات جدعون' والعدوان على غزة!ظاهر صالح

ساحة التحرير

timeمنذ ساعة واحدة

  • ساحة التحرير

خطة 'عربات جدعون' والعدوان على غزة!ظاهر صالح

خطة 'عربات جدعون' والعدوان على غزة! للكاتب: ظاهر صالح في ظل استمرار جهود الوساطة المكثفة التي تقودها قطر ومصر والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعلن الاحتلال عن بدء المراحل الأولى من هجوم واسع النطاق على قطاع غزة، أُطلق عليه اسم عملية (عربات جدعون). يمثّل هذا التصعيد الخطير إصرارًا من حكومة الاحتلال على المضي قدمًا في الخيار العسكري، وتجاهلًا للتحركات الدبلوماسية الجارية، وقد جاء هذا الإعلان عقب زيارة ترامب للمنطقة، والتي لم تحقق أي نتائج ملموسة بشأن التهدئة، نتيجة عنجهية وتعنت واضح من نتنياهو، الذي يصر على الاستمرار في العدوان تحت مبررات وذرائع مختلفة. وقبيل الإعلان الرسمي عن عملية (عربات جدعون)، كثف الاحتلال غاراته الجوية العنيفة على مناطق متفرقة في قطاع غزة، مستهدفًا المباني السكنية والمرافق الصحية، وتعرضت عدة مستشفيات للقصف المباشر وأُخرجت عن الخدمة بالكامل. وقد أقر المجلس الوزاري الأمني للاحتلال المصغر 'الكابينت' في مطلع شهر أيار/مايو 2025، خطة عملية تحت مسمى (عربات جدعون)، تهدف إلى تحقيق حسم عسكري وسياسي في قطاع غزة. تعتمد الخطة على عملية منظمة من ثلاث مراحل، مع استخدام عوامل ضغط ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإرغامها على القبول باتفاق لتبادل الأسرى، وتفكيك بنيتها العسكرية، وقد بدأ الاحتلال بتنفيذ هذه الخطة عبر استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط. تهدف العملية إلى تهجير الفلسطينيين قسرًا من قطاع غزة نحو أقصى الجنوب، بين محوري 'موراج' و'فلادلفيا'، تمهيدًا لمحاولة تهجيرهم إلى خارج القطاع، وفقًا لتصريحات سابقة لنتنياهو. في هذا السياق، كشفت قناة 'NBC News' الأمريكية عن تفاصيل صادمة، تفيد بأن إدارة ترامب كانت تدرس بالتعاون مع الاحتلال إمكانية نقل ما يقرب من مليون فلسطيني إلى ليبيا بشكل دائم، وذلك ضمن خطة لإعادة التوطين مقابل الإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الليبية المجمّدة في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد. وذكرت القناة أن الخطة نوقشت مع أطراف ليبية، وأنها لا تزال قيد الدراسة رغم خطورتها الإنسانية والسياسية. وقد أكد بعض الخبراء العسكريين أن الاحتلال بدأ فعليًا تنفيذ عملية (مركبات جدعون) منذ أيام، حتى قبل الإعلان الرسمي عنها، مشيرين إلى أن هذا التأخير الإعلامي جاء لأسباب سياسية، أهمها تجنب إحراج الشركاء الدوليين، وعدم التأثير سلبًا على مسار المفاوضات التي ترعاها قطر. وفقًا لهيئة بث العدو، تهدف العملية في مرحلتها الأولى، المتوقع أن تستمر عدة أشهر، إلى توسيع نطاق الحرب مع 'إخلاء شامل لسكان غزة بالكامل من مناطق القتال، بما في ذلك شمال غزة، إلى مناطق في جنوب القطاع'، مع بقاء الاحتلال في تلك المناطق واحتلالها. ولتحقيق ذلك، ستستعين قوات الاحتلال بشركات مدنية لترسيم المناطق التي ستحددها قوات الاحتلال، بما في ذلك منطقة في رفح يدّعي الاحتلال أنها 'آمنة'، ومنطقة أخرى خلف محور موراغ، مع تفتيش الداخلين إليها لضمان خلوها من المقاومين. وبعد العمليات الميدانية وإخلاء الغزيين إلى الجنوب، ستُفعّل 'الخطة الإنسانية'، وهو ما أُشير إليه في المرحلة الثانية، حيث ستُنفذ عمليات جوية بالتزامن مع عمليات برية، وسيُنقل السكان المدنيون إلى 'الملاجئ الآمنة' في رفح. وفي المرحلة الثالثة، ستقتحم قوات عسكرية للاحتلال غزة برًا للسيطرة على أجزاء واسعة منها تدريجيًا، بهدف الإعداد لوجود عسكري طويل الأمد في القطاع من أجل القضاء على حركة 'حماس' وهدم الأنفاق كلها. تُعرف العملية بالعبرية باسم 'ميركافوت جدعون'، والتي تعني 'عربات جدعون'، وتحمل دلالات دينية وتاريخية وعسكرية. يذكر أن الاحتلال أطلق سابقًا اسم 'عملية جدعون' على إحدى عملياته في نكبة 1948، والتي هدفت إلى السيطرة على منطقة بيسان الفلسطينية وطرد سكانها. وكانت 'عملية جدعون' من آخر العمليات التي نفذتها عصابة 'الهاغاناه' قبيل انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين عامي 1947 و1948. هدفت العملية حينها إلى الاستيلاء على مدينة بيسان، وتطهير القرى والمخيمات البدوية المحيطة بها، بالإضافة إلى إغلاق أحد الممرات المحتملة لدخول قوات شرق الأردن. نُفذت العملية من قبل لواء غولاني في الفترة ما بين 10 و15 مايو/أيار 1948، وكانت جزءًا مما عُرف بـ 'خطة داليت' التي وضعتها الهاغاناه للسيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي فلسطين قبيل إعلان قيام كيان الاحتلال. وجدعون واحد من الشخصيات العسكرية العامّية التي أُضيفت إليها العديد من الأحداث والصفات الافتراضية مع مرور الزمان، فهو في الأساس عامل معصرة، ثم أصبحت قصص بطولته تشبه الحقيقة مع تكرار الحكايات المفخّمة عنه، وتطاول العهود عن التحقق منها. وهي كلمة تُطلق على 'المصارع'، وهي شخصية توراتية وردت في سفر القضاة، حارب جدعون المديانيين 'الذين سلطهم الله على بني 'إسرائيل' بسبب أفعالهم الشريرة، فأمر الله جدعون بتخليص 'بني إسرائيل'، وطلب منه هدم مذبح بعل، فثار عليه قومه، ولم يقف معه منهم سوى القليل. ووفقًا لما ورد في التوراة، انطلق جدعون بجيش قوامه 30 ألف جندي، لم يتبقّ منهم سوى 300، لكنهم تمكنوا من الانتصار على جيش مدين، وهم بدو من الحجاز، وأجبروهم على التراجع إلى ما وراء نهر الأردن، وقضوا على ملوكهم وبقية جيشهم. وتشير صحافة العدو إلى جدعون باعتباره بطلًا قوميًا أنقذ 'بني إسرائيل' من جيش مدين المتطور في ذلك الوقت، والذين كانوا يتميزون بمهارتهم في قيادة الجمال، واشتهروا 'بعنفهم وسرعتهم ومباغتتهم في الهجوم'، بينما تمكن جدعون من التغلب عليهم 'بجيش بسيط وبأدوات بسيطة، بما في ذلك العربات، وبخطة عسكرية محكمة'. تحمل عملية 'مركبات جدعون' اسمًا ذا دلالات دينية عميقة، فجدعون، كما تروي التوراة، هو أحد قضاة 'بني إسرائيل' الذي حقق نصرًا على أعدائه بقلة من المحاربين المختارين. ويؤكد المراقبون أن قوات الاحتلال تسعى، من خلال هذه التسمية، إلى تصوير نفسها كقوة تنفذ مهمة مقدسة، ويعتمد على نخبة مختارة تحاكي النخبة التي اختارها جدعون في العهد القديم. هذه العملية ليست مجرد حملة عسكرية، بل هي جولة جديدة في صراع طويل الأمد تتداخل فيه الأبعاد الدينية والسياسية والرمزية، لذلك، يجب على الفلسطينيين والعرب والمسلمين إدراك خطورة هذا التوجه والتعامل مع المعركة باعتبارها صراع سرديات لا يقل أهمية عن المعركة في الميدان. ‎2025-‎05-‎23

إيران وأمريكا تعقدان جولة خامسة من المباحثات
إيران وأمريكا تعقدان جولة خامسة من المباحثات

الزمان

timeمنذ 6 ساعات

  • الزمان

إيران وأمريكا تعقدان جولة خامسة من المباحثات

طهران (أ ف ب) – wwmتُعقد الجمعة في إيطاليا الجولة الخامسة من محادثات إيرانية-أميركية حول البرنامج النووي لطهران تجرى بوساطة عُمانية، في حين تبدو المفاوضات متعثّرة عند مسألة تخصيب اليورانيوم. وبدأت طهران وواشنطن، العدوتان اللدودتان منذ الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت حكم الشاه الموالي للغرب في العام 1979، محادثات في 12 نيسان/أبريل بشأن البرنامج النووي الإيراني. وتعد المحادثات التي تجرى بواسطة عُمانية التواصل الأرفع مستوى بين البلدين منذ الاتفاق الدولي المبرم مع طهران في العام 2015 حول برنامجها النووي والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب (2017-2021) في العام 2018. عقب ذلك، أعاد ترامب فرض عقوبات على إيران في إطار سياسة 'الضغوط القصوى'. وهو يسعى إلى التفاوض على اتفاق جديدة مع طهران التي تأمل برفع عقوبات مفروضة عليها تخنق اقتصادها. لكن مسألة تخصيب اليورانيوم ستكون النقطة الخلافية الرئيسية في المحادثات. وفي حين اعتبر الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي يمثّل واشنطن في المحادثات أن الولايات المتحدة 'لا يمكنها السماح حتى بنسبة واحد في المئة من قدرة التخصيب'، ترفض طهران التي تتمسّك بحقّها ببرنامج نووي لأغراض مدنية، هذا الشرط مشددّة على أنه يخالف الاتفاق الدولي المبرم معها. – 'لن يكون هناك اتفاق' – وشدّد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على أن إيران لا تنتظر الإذن من 'هذا أو ذاك' لتخصيب اليورانيوم، مبديا شكوكا بإمكان أن تفضي المباحثات مع الولايات المتحدة إلى 'أي نتيجة'. وعشية المحادثات، أعلنت إيران أنها منفتحة على 'مزيد من عمليات التفتيش' لمنشآتها النووية. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للتلفزيون الرسمي 'نحن واثقون بالطبيعة السلمية لبرنامجنا النووي، وبالتالي لا مشكلة لدينا من حيث المبدأ في مزيد من عمليات التفتيش والشفافية'. وأضاف أن 'خلافات جوهرية' ما زالت قائمة مع الولايات المتحدة محذرا من أنه إذا أرادت الولايات المتحدة منع إيران من تخصيب اليورانيوم 'فلن يكون هناك اتفاق'. وأوضح خبير العلوم السياسية الإيراني محمد ماراندي في تصريح لوكالة فرانس برس 'إن سيادة إيران خط أحمر، وإيران لن تتخلى بأي حال من الأحوال عن الحق بتخصيب اليورانيوم'. وتابع 'إذا كانت الولايات المتحدة تتوقع أن توقف إيران التخصيب، فلن يكون هناك أي اتفاق. الأمر بهذه البساطة'. خلال جلسة استماع أمام لجنة في مجلس الشيوخ الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن إيران تعتبر تخصيب اليورانيوم 'مسألة فخر وطني' و'وسيلة ردع'. وحدّد الاتفاق الدولي المبرم مع طهران حول برنامجها النووي سقف تخصيب اليورانيوم عند 3,67 في المئة. إلا أن الجمهورية الإسلامية تقوم حاليا، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 60 في المئة، غير البعيدة عن نسبة 90 في المئة المطلوبة للاستخدام العسكري. وردا على الانسحاب الأميركي من الاتفاق المبرم بين إيران وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا (والولايات المتحدة قبل انسحابها)، وكذلك الصين وروسيا، تحرّرت إيران تدريجا من الالتزامات التي ينص عليها. – طيف العقوبات – وتشتبه بلدان غربية وإسرائيل التي يعتبر خبراء أنها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، أن إيران تسعى لحيازة قنبلة ذرية، الامر الذي تنفيه طهران مشدّدة على أن برنامجها النووي غاياته مدنية حصرا. ونقلت شبكة 'سي إن إن' الأميركية عن مسؤولين أميركيين طلبوا عدم كشف هوياتهم الثلاثاء أن إسرائيل تستعد لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وجاء في رسالة تحذيرية وجّهها وزير الخارجية الإيراني إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نشرت الخميس 'إذا تعرضت المنشآت النووية لجمهورية إيران الإسلامية لهجوم من قبل النظام الصهيوني، فإن الحكومة الأميركية (…) ستتحمل المسؤولية القانونية'. ويشغّل القطاع النووي الإيراني أكثر من 17 ألف شخص، بمن فيهم في مجالي الطاقة والطبابة، وفق المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي. وأوضح كمالوندي في وقت سابق من الشهر الجاري أن 'هولندا وبلجيكا وكوريا الجنوبية والبرازيل واليابان تخصّب (اليوارنيوم) من دون حيازة أسلحة نووية'. وتُعقد المحادثات الجمعة قبيل اجتماع لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقرّر في حزيران/يونيو في فيينا، وسيتم خلاله التطرّق خصوصا إلى النشاطات النووية الإيرانية. وينصّ الاتفاق الدولي المبرم مع طهران والذي بات اليوم حبرا على ورق رغم أن مفاعيله تنتهي مبدئيا في تشرين الأول/أكتوبر 2025، على إمكان إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في حال لم تف بالتزاماتها. وفي هذا الإطار، أكّد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو الشهر الماضي أنّ بلاده وألمانيا وبريطانيا لن تتردّد 'للحظة' في إعادة فرض العقوبات على إيران إذا تعرّض الأمن الأوروبي للتهديد بسبب برنامجها النووي.

ترامب ينشر رسما ساخرا يلمح لترؤسه الولايات المتحدة إلى الأبد
ترامب ينشر رسما ساخرا يلمح لترؤسه الولايات المتحدة إلى الأبد

الأنباء العراقية

timeمنذ 7 ساعات

  • الأنباء العراقية

ترامب ينشر رسما ساخرا يلمح لترؤسه الولايات المتحدة إلى الأبد

متابعة - واع نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسما كاريكاتوريا عبر منصة "تروث سوشل" يلمح إلى أنه قد يبقى رئيسا للولايات المتحدة إلى الأبد. ويظهر الرسم المنشور صورة مزيفة لغلاف مجلة "تايم" الشهيرة، حيث كتب عليها "ترامب 2024" في إشارة إلى شعار حملته الانتخابية الأخيرة، ثم تحول النص ليصبح "ترامب إلى الأبد". وأثار المنشور تفاعلا واسعا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل تكهنات حول احتمالية ترشح ترامب لفترة رئاسية ثالثة، رغم أن التعديل الثاني والعشرين للدستور الأمريكي يمنع ذلك صراحة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store