
حين يغـضب المنـتــقم
حين يغـضب المنـتــقم
#الشيخ_كمال_الخطيب
في ظلّ ومع استمرار المجـ.ـازر والظلم والجوع والقهر النازل بأهلنا في غز.ـة قريبًا من عامين، ومع حالة #العجز والشعور بالضعف و #الخذلان ، فإن العيون تشخص والألسن تلهج والأكف ترفع إِلى #الله سبحانه بأن يتولى أمرهم وأن يدافع عنهم وأن ينتقم ممن ظلمهم، ولسان حال كثيرين يقول: 'يا منـ.ـتقم يا الله'.
كيف يمكن أن نصف الله سبحانه بالمنتقم وندعو به وهو الذي وصف أسماءه بأنها الحسنى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} [180 سورة الأعراف]، فكيف يجتمع الحُسن مع الانتقام؟
إذا وُصف إنسان بالانتـ.ـقام فسرعان ما يخطر في بالنا الحقد وسواد القلب والغلظة والثأر، أما ربنا سبحانه الذي وصف ذاته الجليل بالمنتقم {وَٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍۢ} [4 سورة آل عمران ]. فانتقامه سبحانه وتعالى تأديب، فهو ينتقم من #الظالم ليردعه ويوقفه عند حدّه ويمنعه من الاستمرار بإيذاء وظلم وقهر الآخرين والأبرياء. وقيل في معنى المنتقم: [هو الذي يقصم ظهور العتاة وينكّل بالجناة ويشدد العقاب على الطغاة]، ولذلك فقد وصف العلماء اسم المنتقم بأنه من أسماء القهر والجلال.
تسمع في بعض الأحيان عن إنسان شرير غارق في المعاصي والذنوب والاعتداء على حرمات الناس وإفساد أبنائهم، حتى أنه لكثرة ما هو عليه، يتساءل الناس كيف سيصلح حال هذا الإنسان أو أنه لن يصلح ولن يستقيم لكثرة ما هو عليه، وفجأة وإذا بهذا الإنسان يتغيّر تغيّرًا جذريًا ويرتدع ويعود إِلى الاستقامة، لأن الله قد عاقبه بعقوبة وأنزل به شدّة ومحنة كانت سببًا في ارتداعه وتوبته، فالله تعالى عاقبه ليؤدّبه ويربيه.
وكذلك نسمع عن شرير ومفسد ومجرم ومعتدٍ على أموال الناس وأعراضهم وحرماتهم، فإذا سمع الناس أن الشرطة قد اعتقلته وقيّدت حريته بالسجن، فيشعر الناس الذين تأذوا منه بالراحة والسعادة، بل إنهم إذا سمعوا بموته فإنهم يسعدون أكثر لأنه كان يؤذي خلق الله. ولله المثل الأعلى، فإن الله سبحانه لما ينتقم من ظالم فإنه يحجزه ويحول بينه وبين استمرار أذى وظلم الناس.
وقد قال الشيخ محمد راتب النابلسي في بيان وتقريب معنى المنتقم سبحانه: 'هو الذي عرفت عظمته فخشي العباد نقمته'. وتقريبًا للمعنى، فإن دولة ما لديها سلاح نووي قد لا تستخدم هذا السلاح إطلاقًا، لكنها مرهوبة الجانب، فلا يفكّر أحد أن يعتدي عليها، وإذا حصل واعتُدي على شعبها وحدودها فإن ردّها سيكون رهيبًا وانتقاميًا. فالله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يعاقب عاقب ولا رادّ لإرادته {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [12 سورة البروج].
جرثومة مشرّفة
كثيرة هي الكلمات التي يكون لها معنى سامٍ وجميل ولكن ومع تغيّر الظروف يصبح لها معنى آخر يتناقض ويتعارض مع المعنى الأول.
فكلمة جرثومة في اللغة معناها [أصل الشيء]، فكانت العرب إذا أراد أحدهم أن يمدح أحدًا وصفه بالجرثومة كما وصف أبو تمام الخليفة المعتصم بعد انتصاراته في معركة عمّورية، فقال له في قصيدته الشهيرة:
خليفه الله جازى الله سعيك عن جرثومة الدين والإسلام والحسب
فبين أيامك التي نصرت بها وبين أيام بدر أقرب النسب
أبقيت بني الأصفر الممراض كاسمهم صُفر الوجوه وجلّت أوجه العرب
بينما أصبحت كلمة جرثومة في زماننا تقال للذمّ والانتقاص وأنها سبب الشرور والأمراض والدمار، فإذا أراد أحدهم الانتقاص من غيره أو ذمّه قال له: أنت جرثومة. وهكذا قال الهارب بشار عن شعبه السوري العظيم في بداية ثورته المباركة عام 2011 يوم شبههم بالجراثيم.
أيّة مفارقة هذه أن يكون بطل عمّورية المعتصم جرثومة الدين والإسلام، وبنصره جلّت وأشرقت وجوه العرب بعد الانتصار للمرأة المسلمة التي نادت وااامعتصماه، بينما الذي وصف شعبه بالجراثيم ففي زمان أبيه المقبور حافظ، كانت الهزيمة والنكسة وذلّ وخزي العرب بضياع الجولان وسيناء والضفة وغزة والقدس والأقصى. فمن يكون الجرثومة في المعنى الحديث لها إن لم يكن بشار والسيسي وبن زايد وبن سلمان وأشباههم؟
وكلمة 'استعمار' تعني إعمار الأرض وإصلاحها وبناء الأبنية والجسور والشوارع والمشافي والمطارات والجامعات والنهوض بأهل البلاد، لكنها نفس الكلمة 'استعمار' باتت تطلق على من خرّبوا البلاد بعد أن احتلوها ونهبوها وسرقوا خيراتها وأذلّوا أهلها، فأصبحت كلمة استعمار ذات وقع سيء على النفوس. هكذا كان الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، وهكذا هو الاستعمار 'الاستخراب' الإسرائيلي.
وكلمة 'عصابة' فهي تعني الجماعة. فقد كان رسول الله ﷺ قبيل معركة بدر يدعو الله ويقول: 'اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم' يقصد بذلك جماعة المسلمين من أصحابه رضي الله عنهم، بينما تُفهم اليوم كلمة 'عصابة' بالمفهوم السيء وأنها تعني عصابة المجرمين وعصابة الخاوة والابتزاز والسرقة وقطع الطريق وتهريب المخدرات وهكذا.
وإذا كان الناس اليوم يفهمون معنى كلمة 'المنتقم' بأنها تعني الحاقد والذي يريد أن يتشفى والذي لا يسامح ويتربص بغيره للثأر منه، فإنها في حقّ الله تعالى تعني الذي يعاقب الباغي والظالم والطاغية ليوقفه عند حدّه. فالله تعالى لا يبطش ولا يهلك ولا ينتقم إلا بعد أن يعذر وينذر، وبعدها يكون الإمهال، فإن لم يرتدع الظالم فيكون عندها الانتقام. وقال أحد العلماء: 'المنتقم هو الذي يرسل رسله بالآيات والإنذارات فإن لم ينتفع بها الإنسان سلّط عليه العقوبات والانتقامات'.
إن الطبيب يحذّر المريض بعد نوبة قلبية خفيفة أو جلطة دماغية نجى منها فإنه يحذّره قائلًا له: لا تدخن لأن التدخين يسبب الأمراض الخبيثة ويسبب أمراض القلب، وقد تكون النوبة القادمة حتمية، فإذا عاد المريض لصحته وعافيته فإنه سرعان ما يعود للتدخين، ولا تمر فترة إلا ويصاب بنوبة أو جلطة تقعده أو تقتله. ولله المثل الأعلى، فإن الله جلّ جلاله ينذر الظالم والطاغية ويمهله، فإذا لم يرتدع فإنه ينتقم منه {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [95سورة المائدة.].
لما غرق الإلٰه
لقد وصف الله ذاته العليّ الجليل بالانتقام ونسبها إِلى نفسه في قصة فرعون الظالم والطاغية والمتألّه الذي قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} [24 سورة النازعات]، {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي} [38 سورة القصص].
ولأن الله سبحانه قد أعذر فرعون وأنذره وأرسل له التحذيرات والإنذارات في تسع آيات من الطوفان والضفادع والدم والجراد والقمّل، ولمّا أنه لم يعتبر ولم يرتدع، فكان لا بد من الانتقام {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [136 سورة الأعراف]. وكيف لا يكون الانتقام الرباني وفرعون لا يرى في موسى عليه السلام ومن معه إلا مجرد شرذمة من الناس لا يساوون شيئًا في عينه {إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ*وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [54-55 سورة الشعراء].
وإن من عظيم مشاهد انتقام الله تعالى لفرعون أنه بعد أن أطبق عليه البحر فإنه ولحكمة بالغة منه سبحانه، فإنه أمر البحر أن يقذف جسد فرعون إلى الشاطئ لأنه لو لم يصل جسد فرعون الغريق إلى الشاطئ لما صدق الناس أن فرعون الإلٰه قد غرق، ولما صدق الطواغيت والمتألّهون أمثاله أن الله يمكنه أن ينتقم منهم {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [92 سورة يونس].
لقد كان ذلك الانتقام الإلٰهي من فرعون يومها ومن كل فرعون وطاغية وظالم وقاتل لمّا أنه لا يفهم الإشارات ولا الإنذارات، أو أنه يتغافل عنها ويزيد في طغيانه فيغضب الله تعالى بعد تجاوزه كل الحدود فيكون الانتقام {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [55 سورة الزخرف] .
حين يغضب الحليم
ما أكثرها الآيات في القرآن الكريم التي يذكّر الله بها عباده وأنبياءه أنه عزيز ذو انتقام حتى يطمئن هؤلاء أنهم في كنف قويّ عزيز منتقم. قال سبحانه لحبيبه محمد ﷺ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [47 سورة الروم].
ويوم وقف النبي ﷺ بعد معركة بدر يخاطب قتلى قريش يسميهم بأسمائهم واحدًا واحدًا وكأنهم أحياء: 'هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا، لقد كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس'. فسأله الصحابة: يا رسول الله تخاطب قومًا جيّفوا؟ أي أصبحوا جيفًا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبونني، ثم تلا قول الله تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [25 سورة الزخرف].
وإنه الله سبحانه يطمئن رسوله ﷺ بأنه سنده وظهره وأنه سينتقم من كل من سيعاديه، فقال في مطلع سورة آل عمران: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ*مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [3-4 سورة آل عمران]. وأنه سبحانه في سورة إبراهيم عاد ليطمئن رسوله ﷺ وأنه معه وأنه لن يخلف وعده له بالانتقام من الظالمين جزاء وفاقًا بما فعلوا، فبعد أن قال سبحانه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [42]سورة إبراهيم، فإنه طمأنه بالقول: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [47 سورة إبراهيم].
إنه سبحانه يرخي الحبل للطاغية والظالم، فيظنّ أن لا أحد يستطيع أن يتحداه أو يوقفه عند حدّه فيزيد في القتل والظلم والتجويع، وإذا بالله المنتقم يشدّ الحبل الذي أرخاه حتى إذا أخذه لم يفلته فإذا هو في قبضة الله تعالى. قال ﷺ: 'إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته'.
يقول فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي في كتابه الرائع -موسوعة أسماء الله الحسنى: 'وإن البحر جميل جدًا إذا كان هادئًا، فإذا هاج الموج فهو يمثّل اسم الجبّار، والله عزّ وجلّ يتجلى على شيء باسم الجمال 'البديع' فإذا هو يأخذ الألباب، ويتجلى على شيء آخر باسم القهر 'القهار والمنتقم'، فانظر إِلى الزلازل إذا وقعت {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [74-75 سورة الحجر].
إنه الله الذي يذكّر من نسي من يكون سبحانه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [37 سورة الزمر]
شكوى وحساب مؤجل
ما أشقاهم وما أتعسهم أولئك الظالمون قساة القلوب الذين يهزؤون بمن يرفعون أيديهم إِلى السماء يقولون لمن ظلمهم وبغى عليهم: 'نشكوكم إلى الله ولن نسامحكم' أو يقولون: 'يا منتقم خذ لنا حقنا ممن ظلمنا'. إنهم ولشقاوتهم لو علموا حقيقة هذه الكلمة لاقشعرّ لها شعر أبدانهم ولارتعدت لها فرائصهم.
وإذا كان الفاروق عمر رضي الله عنه قد اقشعرّ بدنه وارتعدت فرائصه لما سمع امرأة في الصحراء تقول: أشكو عمر إلى الله، أيلي أمرنا ويغفل عنا؟ فاشترى منها مظلمتها عن تقصيره، وكتبت له براءة عن تقصيره وأوصى أن تودع معه في قبره تكون شاهدًا له عند الله أنه قد أبرأ ذمته من تقصيره بحقها.
ولا تُنسى قصة المرحوم الاستاذ عمر التلمساني مع الرئيس المصري أنور السادات لما تطاول عليه وأهانه في جمع من الناس، فقال له عمر التلمساني: 'إذا ظلمني أحد من الناس فإنني أشكوه إليك لأنك أنت الحاكم، ولما كنت أنت الذي ظلمتني فإنني أشكوك إِلى الله أحكم الحاكمين. فارتعدت فرائص السادات وارتجفت شفتاه وراح يقول: اسحبها يا عمر اسحبها يا عمر. فردّ عليه التلمساني رحمه الله: لماذا أسحبها؟ فأنا شكوتك إِلى عادل وليس إلى ظالم'.
كم هم الذين شكاهم المظلومون والمقهورون والمغيبون إِلى الله في سجون الطواغيت والظلمة، سجون بشار والسيسي وبن سلمان وبن زايد وكل الطواغيت أصحاب الجلالة والفخامة؟
وكم هم الذين شكاهم أهل غزة، الجوعى والعطاش والمشرّدون إلى الله يقولون لهم: لن نسامحكم يوم القيامة، إنكم لم تفعلوا شيئًا لرفع الحصار والجوع عنا ونحن إخوانكم وجيرانكم'.
أما الظالمون والجبابرة والمحتلون الذين يتعالون ويتغطرسون ويبطشون، عليهم أن يتذكروا أن الله سينتقم وأن الله سيري الدنيا فيهم يومًا وقد قال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [22 سورة السجدة] .أما أنت أيها المظلوم، فإذا رأيت الله يملي للظالم رغم شكواك ومظلوميتك فلا تظنن أن الله سينساه ويغفل عنه {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [ 42 سورة إبراهيم]، فإن زمان ومكان عقوبة الله وانتقامه هي من أمره سبحانه، فالله لا يتحرك بأوامرنا ولا نحن نأمره بكبسة زر، وإنما هو صاحب الأمر والتدبير {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [54 سورة الأعراف].
فيمكن أن ترحل أنت أيها المظلوم من هذه الدنيا ولا ترى انتقام الله من الظالم لحكمة يريدها الله، إلا أن هذا لا يعني أن شكواك لم تُسمع، وأن الظالم قد نجا، أو أن الله جلّ جلاله قد غفل عنه معاذ الله، وإنما هو الذي سينفذ فيه وعده وقد قال: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [41 سورة الزخرف]، {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [16 سورة الدخان]. فاطمئن أيها المظلوم والمجوّع والمقهور فأنت في كنف المنتقم وعنايته وحتمًا سيأخذ لك حقك ممن ظلمك. وأما أنت أيها الظالم المتجبّر فالويل كل الويل يوم يجلس الحكم العدل فتُفتح ملفاتك ومظالمك وأنت فاغر الفاه تقول {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [49 سورة الكهف].
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس. اللهم انتقم ممن جوّع أبناء شعبنا وعطّشهم وشردهم. اللهم أرنا في الظالمين عجائب قدرتك وعظيم انتقامك.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 25 دقائق
- أخبارنا
حسام الحوراني : «وكان فضلُ الله عليك عظيمًا» فيك نعم لا تُقدّر بثمن!
أخبارنا : أحيانًا، ونحن غارقون في تفاصيل الحياة، ننسى. ننسى ما نحن فيه من نِعَم، ننسى الفضل الذي يغمرنا صباح مساء، وننشغل بما ينقصنا عن التأمل فيما بين أيدينا. نشتكي، ونتذمر، ونقارن، ونشعر وكأننا نسير في درب موحش خالٍ من النور بينما الحقيقة هي أننا محاطون بفيضٍ من الفضل، فقط لو تأملنا. «وكان فضلُ الله عليك عظيمًا» ليست مجرد آية تُتلى، بل رسالة ربانية تقال لكل من شعر أنه ضعيف، منطفئ، مهمش، أو بلا حيلة. هي تذكرة ناعمة توقظنا من الغفلة، وتعيدنا إلى أعظم حقيقة في الوجود: أن فضل الله لا يُقاس، ولا يُحدّ، ولا يتوقف. هو معنا في أنفاسنا، في دقات قلوبنا، في كل لحظة نجونا فيها دون أن ندري، وفي كل مرة سُترت فيها عيوبنا ولم تُكشف. أن تنجو من مرض، أن تجد يدًا تربت على قلبك وأنت تظن أنك وحدك، أن تُفتح أمامك أبواب ما كنت تظن أنها تُفتح هذا فضل. أن تبقى في قلب أم تدعو لك، أو في ضمير أحدهم لأنه لم ينسَ موقفًا نبيلًا منك، هذا فضل. أن يكون لك عقل تفكر به، وعين ترى بها، وقلب ينبض بالرحمة، ولسان يذكر ويشكر، هذه نعم عظيمة، لكنها تُنسى حين تبهتنا الأماني المؤجلة. كم من مرةٍ حزنت لأنك لم تنل ما تريد، ثم أدركت بعد حين أن تأخير ذلك الأمر كان من أعظم ما رُزقت؟ كم من مرة بكيت لأن بابًا أُغلق في وجهك، ثم شكرت الله لاحقًا أن ما وراء الباب لم يكن خيرًا لك؟ الفضل لا يعني أن يُعطى لك كل ما تطلب، بل أن يُصرف عنك ما لا تعلم ضرره، وأن يُبدل لك الخسارة حكمة، والفشل نضجًا، والعثرة درسًا. في داخلك نعم لا تُقدّر بثمن لا تراها حين تقيس نفسك بغيرك، لكنك تبصرها حين تعود إلى ذاتك بهدوء. تأمل: من الذي أعطاك القدرة على الفهم؟ من الذي غرس فيك الإحساس بالناس؟ من الذي جعلك تنهض بعد كل مرة ظننت أنك لن تقوم؟ من الذي وهبك القدرة على البدء من جديد في كل مرة انتهى فيها كل شيء؟ إنه الفضل العظيم الذي لا يُقابَل إلا بالشكر، ولا يُردّ إلا بالإحسان. ليس بالضرورة أن تكون حياتك مثالية لتكون غنيًّا بفضل الله. ربما لا تملك كل ما تريد، لكنك تملك ما لا يملكه كثيرون: ضميرك الحي، ابتسامتك الصادقة، عفويتك التي تُحيي، دفء قلبك حين يكون الجميع باردًا، قدرتك على التسامح في عالمٍ يزداد قسوة. هذه نعم عظيمة، لكنها لا تُعلّق على الجدران، بل تُحسّ في القلوب. تأمل نفسك حين تُسعف أحدًا بكلمة، أو حين تمسك يدًا مرتجفة، أو حين تُنصت لمن لا يجد من يسمعه. حينها، لا تكن متواضعًا إلى درجة الإنكار، بل قل: «وكان فضلُ الله عليّ عظيمًا». فكل خير يخرج منك، ليس فقط من قوتك، بل من عطاءٍ وفضلٍ وهبه الله لك لتكون سببًا فيه. لا تجعل المقاييس المادية تحدد قيمة حياتك. ليس النجاح فقط ما يُنشر في الأخبار، وليس الفضل فيما يُصفق له الناس. أحيانًا، أعظم الفضل هو أن يمنحك الله السلام في صدرك حين يعجز الآخرون عن النوم. أن يمنحك الطمأنينة في اللحظة التي يضطرب فيها الجميع. أن يرزقك قلبًا لا يحسد، ولا يحقد، بل يدعو للناس كما يدعو لنفسه. أن تحب الخير لغيرك، هذا فضل. أن تتجاوز وتصفح، هذا فضل. أن تمشي في الأرض بوجه مبتسم رغم ما مررت به، هذا فضل. أن تكون قادرًا على العودة بعد كل انكسار، وأن تكون قد تعلمت من الألم ما لم يكن يُكتب في أي كتاب، هذا فضل. وكلما تفكرت، كلما اتسعت عيناك لرؤية أفضالٍ أخرى كنت تظنها أشياء عادية. والأجمل من الفضل أن الله لا يمنّ به عليك ليُثقلك، بل ليُكرمك، وليذكّرك أنك ما زلت موضع عنايته، وما زالت يده معك وإن لم ترها، وأنك مهما مررت بما يكسرك، فهناك فضلٌ يُجبرك، وربٌ لا ينساك، حتى حين تنسى نفسك. فلا تحتقر نفسك، ولا تظن أن ما تملكه قليل، ولا تقارن ما فيك بما لدى الآخرين أنت غني، فقط انظر في داخلك. فيك نعم لا تُقدّر بثمن، بعضها ظاهر، وأكثرها خفي، لكن أثرها هو الذي يجعلك تمضي في الحياة بثبات، ويمنحك قيمة لا تُقاس بالأرقام. وإذا ضاقت عليك الدنيا، وردّد الناس كلمات الهزيمة من حولك، فاجلس مع نفسك لحظة، وقلها من أعماقك: «وكان فضلُ الله عليّ عظيمًا» وما زال، وسيبقى.


أخبارنا
منذ 26 دقائق
- أخبارنا
أ. د. اخليف الطراونة : الماء والطين: أصل الخَلق وبذور الحياة
أخبارنا : أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ [ يس: 77] هكذا يصوّر القرآن الكريم بداية الإنسان في أضعف صوره، من نطفة في "قرار مكين' كما سماه الله، أي في الرحم، حيث الحفظ والإعداد. وقبل هذه المرحلة، تخبرنا آيات أخرى عن أبينا آدم عليه السلام:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ [ المؤمنون: 12] فيجمع الخلق بين الماء والتراب… بين السائل والمادة… بين الحياة والكتلة. إنها المعجزة الكبرى: أن يُخلق الإنسان من طين، أي من مادة الأرض التي نطأها بأقدامنا، ونبني منها بيوتنا، ونزرع فيها قوتنا، ونُوارى فيها بعد الرحيل. ولو تأملنا هذا التركيب لوجدنا فيه من الدروس ما يزهر في عقولنا ويثمر في سلوكنا. الطين لا يكون طينًا إلا إذا امتزج بالماء. فالماء هو سرّ الحياة، والطين هو رمز التكوين، وما بينهما تسير الحياة الإنسانية. فكما أن الزرع لا ينبت إلا من طين سُقي بماء، فإن الأخلاق لا تنمو إلا في قلب رُوي بالإيمان والعلم. وكما تحتاج البذور إلى بيئة صالحة لتنبت، يحتاج الإنسان إلى بيئة تربوية حاضنة ومُغذية. فمن الجانب الاجتماعي، نرى أن الإنسان الطيني لا يستطيع أن يتكبر على غيره؛ لأن أصله من تراب. وكل من على الأرض، مهما بلغ من جاهٍ أو مال أو علم، سيعود إلى التكوين ذاته: طين يذوب في طين. وهنا تتجلّى دعوة الدين إلى التواضع، والتكافل، وعدم نسيان الأصل الواحد. ومن الجانب التربوي؛ نحن مدعوون لأن نُعيد للناشئة هذه الحقائق في مناهجنا وحواراتنا: أن قيمة الإنسان ليست في غلافه المادي، بل في ما يحمله من فكر وسلوك، وأن التربية الحقيقية تُماثل الزراعة في جوهرها: تحتاج لتهيئة التربة، وريّ الفكر، وانتظار النمو بصبر وعناية. والمربي هو الفلّاح، والمعلم هو الساقي، والطالب هو البذرة القابلة للنماء. أما من الجانب الفلسفي؛ فإن اجتماع الماء والطين يُمثل التوازن بين الثابت والمتغيّر، بين المادة والروح، بين الجسد والعقل. وبهذا التوازن، يُصبح الإنسان مؤهلاً لحمل الأمانة، والتفكر في ملكوت الله، والسعي في إعمار الأرض. وفي ظل ما نراه اليوم من تغيّر المناخ، وتناقص المياه، وجفاف الأراضي، تصبح الزراعة ليس فقط قطاعًا اقتصاديًا، بل مرآة لقيمنا وأولوياتنا. فكما نحافظ على الأرض ونرويها، يجب أن نحافظ على عقولنا ونغذيها. الزراعة ليست مهنة، بل رؤية: أن نزرع الخير في الأرض كما نزرعه في الناس، وأن نسقي العقول كما نسقي الحقول. إن أعظم ما نعلّمه لأبنائنا، أن الله خلقهم من طين، وسوّاهم بيده، ونفخ فيهم من روحه… وأنهم كما يزرعون في الأرض يحصدون في حياتهم. فإذا أردنا بناء أجيال تعرف أصلها، وتحترم بيئتها، وتؤمن بقيمة العمل، فلتكن مناهجنا وأحاديثنا اليوميّة مُنصبّة على هذا التكامل: بين الإيمان والمعرفة، وبين الطبيعة والإنسان، وبين الأصل والمصير. فلنتذكّر دومًا أننا من ماءٍ وطين… فهل نغرس في نفوس أبنائنا ما يجعلهم يثمرون خيرًا كما تُثمر الأرض حبًّا؟ هذا ما نأمله ونتطلع إليه بثقة ورجاء.

سرايا الإخبارية
منذ 36 دقائق
- سرايا الإخبارية
أرقي نفسي قبل النوم، رغم ذلك أرى كوابيس وأحلام غريبة!
سرايا - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وضعي منذ أن كنت طفلًا في الابتدائي، كانت أمي تعوّدنا قبل النوم أنا وإخواني، أن نقرأ على أنفسنا سورة الناس والفلق والإخلاص، ثلاث مرات، ونقرأ آية الكرسي، ونقرأ "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" ثلاث مرات، وتُشغل عندنا القرآن، لكن في ذلك الوقت، كانت تأتيني كوابيس كثيرة. بعد أن كبرتُ قليلًا، في المرحلة المتوسطة تقريبًا، تركت هذه العادة، فأصبحت أنام طبيعيًا ومرتاحًا، لكن بمجرد أن أشغل القرآن قبل أن أنام أو أرقي نفسي، أرى غالباً أحلاماً غريبة -وليست دائمًا-.