logo
'بكفي بدنا نفرح': عروض سينمائية للأطفال وسط الحرب… عندما يتحول الفرح إلى فعل مقاومة

'بكفي بدنا نفرح': عروض سينمائية للأطفال وسط الحرب… عندما يتحول الفرح إلى فعل مقاومة

قدس نت١١-٠٥-٢٠٢٥

تقرير ألاء أحمد :- في غزة، حيث تتقاطع أصوات القصف مع بكاء الأطفال وسط استمرار الحصار الخانق الذي تفرضه اسرائيل على غزة من أكثر من شهرين واشتداد المجاعة بين صفوف المواطنين خاصة الاطفال، يصبح الضحك حدثًا نادرًا، ولحظة مقاومة ناعمة تُشعل شمعة في عتمة الحرب. هناك، في قلب الركام، وُلدت مبادرة "بكفي بدنا نفرح" كاستجابة فنية وإنسانية لطفولة تُحاصر يوميًا بالخوف والجوع، ولجيل يحاول أن ينتزع من الموت فسحة للحياة.
على مدار يومين، تحوّلت ساحة صغيرة في أحد المنازل غرب مدينة غزة إلى صالة عرض مؤقتة، لا تملك رفاهية مقاعد السينما المريحة أو الشاشات الحديثة، لكنها امتلأت بما هو أثمن: ضحكات، دهشة، وعيون تلمع بحكايات من عالم آخر. فبدعم من الصندوق الثقافي الفلسطيني، قدّمت المبادرة عروضًا سينمائية مجانية لأطفال عاشوا حرب الابادة الجماعية في قطاع غزة منذ احداث السابع من أكتوبر 2023 لأكثر من عام ونصف بين النزوح والقصف والتجويع، وكأنها جرعة حياة وسط كل هذا الألم.
لم تكن الفكرة مجرد ترفيه، بل فعل مقاوم. أن تضحك في غزة، يعني أنك ما زلت حيًا. أن تحلم، يعني أن القصف لم ينجح في محو إنسانيتك. وهذا تمامًا ما حاولت المبادرة أن تصنعه: مساحة مؤقتة للهروب، للتنفس، ولتذكير الصغار بأن لهم حقًا في الفرح، مثل كل أطفال العالم.
من جهته، قال الفنان المسرحي والناشط الثقافي جمال أبو القمصان إن مبادرة "بكفي بدنا نفرح" وُلدت من الحاجة إلى لحظة إنسانية حقيقية وسط واقع الحرب والحصار، مؤكدًا أن الأطفال في غزة يعيشون تحت وطأة الخوف والجوع منذ سنوات، "والآن أكثرمن أي وقت، يحتاجون إلى فرصة للضحك، للحياة".
وفي تصريحات لوكالة قدس نت للأنباء، أوضح أبو القمصان أن العروض السينمائية التي تقيمها المبادرة في ظل العدوان ليست ترفًا، بل محاولة علاج نفسي بالفرح، قائلاً: "حتى لو لساعات قليلة، نريد أن ينسى الأطفال صوت الطائرات ويستبدلوه بضحكاتهم… السينما هنا مقاومة، وليست ترفيهًا".
وأضاف: "نصنع لحظة فرح حقيقية بوسائل بسيطة: ألوان، موسيقى، قصص. لكن في غزة، ضحكة طفل تُشبه إشعال شمعة في عاصفة… الفرح هنا مقاومة عنيدة ضد القبح والدمار، ورفض لأن تُسرق الطفولة".
الفرح كفعل مقاوم
وسرد أبو القمصان مشهدًا لخص فيه ما وصفه بـ"المقاومة بالفرح"، حين شاهد طفلة تهمس لأخيها خلال عرض سينمائي: "انظر، هذه الدببة لا تخاف من القصف!"، مؤكدًا أن مثل هذه اللحظات تثبت أن "الأمل يُزرع حتى وسط الخراب، وأن المحتل لا يمكنه قتل الأحلام".
وتابع: "سألني طفل بعد أحد العروض: هل يمكنني أن أصنع فيلمًا مثل هذا؟ في عينيه لم أرَ خوفًا، بل إصرارًا على الحلم. هنا، الانتصار ليس فقط البقاء… بل الحفاظ على القدرة على الإبداع رغم كل شيء".
تفاصيل يومية تُصبح إنجازات
وتحدث أبو القمصان عن التحديات "المعجزة" التي تواجههم يوميًا لتقديم العرض، قائلاً: "في غزة، تأمين كرسي بلاستيكي مريح للأطفال أو ورقة للرسم يحتاج تخطيطًا. تشغيل فيلم دون كهرباء؟ استخدمنا مولدًا صغيرًا بوقود نادر. تأمين مكان آمن؟ اخترنا ساحة بين الأنقاض وحوّطناها بستائر قديمة. حتى الحلوى، أصبح توزيعها إنجازًا بطوليًا وسط أسواق شبه فارغة".
كشف أبو القمصان أن المبادرة تخطط لتوسيع أنشطتها، لتشمل: خيم سينما متنقلة في مخيمات النزوح، ورش رسم وسرد للأطفال الأيتام أو ممن فقدوا ذويهم، مشروع 'سينما تحت القصف'، يُشبه قاعات السينما التي كانت تُقام في سراديب الحرب العالمية الثانية، "لأن الفرح يجب أن يصل إلى كل زاوية، ولو وسط الأنقاض".
رسالة إلى العالم: لا تشفقوا… تعلّموا من أطفال غزة
وختم أبو القمصان رسالته قائلاً: "لا نريد الشفقة، بل الاحترام. أطفال غزة يعلّمون العالم معنى الصمود الحقيقي… إنسان يغني فوق الركام، لا يستسلم، لا ينكسر. هذه ليست مجرد عروض، إنها رسائل مقاومة ناطقة بالفرح. كفى صمتًا… دعمكم لفرحنا ليس تضامنًا فقط، بل واجب إنساني".
وأضاف: "غزة لن تتحول إلى سجن للذاكرة والوجع… سنصنع منها مسرحًا للأمل، ولو بحبل غسيل وشاشة ممزقة".
شهادات حيّة: كيف يرى الأطفال الفرح في غزة؟
وقامت مراسلة وكالة قدس نت للأنباء بالحديث مع بعض الأطفال خلال العروض. وقالت لينا (7 سنوات): "أول مرة ما غطّيت أذني لما سمعنا صوت عالي".
كانت لينا تمسك يد شقيقها الصغير بإحكام، تحدق في شاشة العرض وكأنها لا تصدق ما يحدث. بعد انتهاء الفيلم، قالت بصوت خافت: "أنا دايمًا بخاف من الصوت العالي، دايمًا بغطي أذني… بس اليوم، لما الكل ضحك بصوت عالي، ما خفت، بالعكس ضحكت معهم. حسيت إنه يمكن في صوت غير صوت القصف." ثم همست وهي تبتسم: "لو نقدر نعيد الفيلم كل يوم، يمكن ننسى الحرب شوي".
أما الطفل محمود (9 سنوات): "أنا كمان بدي أعمل فيلم زي هادا ... بس عن غزة، بدون حرب وبدون جوع". وأضاف وهو يشير إلى الشاشة: "لو كان عندي كاميرا، كنت صورت جدتي وهي تطبخ، وأختي لما ترسم… وأبي لما يرجع من المستشفى. هاي الأشياء اللي بحبها، بس محدا بيشوفها".
أما سارة فقالت وهي تحتضن قطعة الحلوى التي وزعوها بعد العرض: "أنا طول الليل بحلم إنو البيت ينقصف، أو إني أضيع… بس بعد الفيلم راح انام وما راح اكون خايفة اني احلم احلام بتخوف.
عمر (10 سنوات): "كأننا رجعنا أطفال، حتى لو بس لساعتين". جلس عمر مع أصدقائه قرب الحائط بعد العرض، يضحكون ويقلدون أحد مشاهد الفيلم. قال بنبرة ناضجة أكبر من سنه: "أنا صارلي زمان ما حسّيت حالي طفل… يمكن من وقت ما فقدنا بيتنا. بس اليوم حسّيت إني زي قبل، بلعب، وبضحك، وبنسى إنو في حرب".
وأضاف وهو يحدّق في الأفق: "لو كل أسبوع نعمل هيك شي، يمكن نقدر نعيش، مش بس ننجو. لأن في فرق كبير".
تأتي مبادرة "بكفي بدنا نفرح" كجزء من جهد ثقافي أوسع لتكريس الحق في الحياة والكرامة وسط واقع استثنائي يفرضه الاحتلال والحرب. في ظل انهيار البنية التحتية وتراجع مقومات الحياة الأساسية، يبرز الفرح كمساحة نادرة لاستعادة التوازن النفسي والاجتماعي للأطفال، ويغدو النشاط الثقافي ضرورة ملحّة لا ترفًا. وبينما تُقاوِم غزة بالثبات والدم، تُقاوِم أيضًا بالضحكة واللون والحكاية، لتؤكد أن الوعي الجمعي لا يُهزم، وأن الطفولة، مهما حاولوا اغتيالها، قادرة على النجاة بأبسط أدواتها: فيلم، ورقة، وشاشة ممزقة.
المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

راقصات يابانيات يحرسن شعلة "الغيشا" المهددة بالانطفاء
راقصات يابانيات يحرسن شعلة "الغيشا" المهددة بالانطفاء

جريدة الايام

timeمنذ 2 أيام

  • جريدة الايام

راقصات يابانيات يحرسن شعلة "الغيشا" المهددة بالانطفاء

طوكيو-أ ف ب: على أرضية الباركيه في مبنى عادي من طوكيو، تنفّذ آخر راقصات الغيشا في العاصمة اليابانية خطوات دقيقة على إيقاع الموسيقى، يحافظن بفضلها على فن قديم موروث في طَور الأفول. وتتدرب الغيشا يوميا في منطقة شينباشي القريبة من القصر الإمبراطوري في طوكيو على رقصات منظمة بإشراف مدربيهنّ، استعدادا لعرض أزوما أودوري للرقص الذي تأسس قبل قرن بالضبط. وستكون النسخة المئة من العرض فرصة للمرة الأولى لتتقاسم الغيشا من 19 منطقة في اليابان المسرح، ما بين 21 و27 أيار، مع نظيراتهن من شينباشي اللواتي انخفض عددهن إلى نحو أربعين. وأوضح الكاتب والمتخصص في فن الغيشا هيسافومي إيواشيتا لوكالة فرانس برس إن هؤلاء النساء اللواتي يشكّلن آخر الحارسات لفن على طريق الاندثار، يجسّدن تقليدا عمره ألف عام تعدّه اليابان أحيانا سرابا من الماضي. وشرح أن "اليابانيين أنفسهم لا يفهمون جيدا أو لا يعرفون جيدا الحقيقة الفعلية للغيشا". فثمة صور نمطية عدة للغيشا عالقة في أذهان اليابانيين، وثمة خلط في الخيال الجماعي بينهنّ وبين بائعات الهوى. وتعني كلمة "غيشا" في اللغة اليابانية "شخصا فنيا"، أي امرأةً أو رجلاً مدربين على الفنون اليابانية التقليدية. وأشار إيواشيتا إلى أن الدور الأساسي للغيشا أبعد "من مجرّد الرقص والغناء". وشرحت كويكو، وهي غيشا من شينباشي "نحن هنا في المقام الأول للترحيب بالزبائن وترفيههم في المطاعم التقليدية التي تسمى ريوتي". - النهضة بعد الحرب - وأشارت كويكو التي كانت ترتدي كيمونو داكن اللون مزيّنا بحزام "أوبي" ذي نقوش ربيعية، إلى أنها اختارت أن تصبح غيشا لتعتاش من شغفها بالرقص والموسيقى. ولاحظت المرأة التي تشارك في أزوما أودوري منذ أكثر من 30 عاما أن "اعتبار (الراقصة) كفيّة يحتاج عادةً إلى عشر سنوات". في هذه البيئة المغلقة جدا، الحصرية للغاية، يوفر هذا العرض للجمهور فرصة نادرة للاستمتاع بفن الغيشا على مسرح "شينباشي إنبوجو"، وهو مسرح بُنيَ خصيصا عام 1925. وهذه السنة، تتيح مشاركة راقصات غيشا من مختلف أنحاء اليابان للزوار اكتشاف الأنماط والتقاليد الخاصة بكل منطقة خلال العرضين اللذين يستمران لأكثر من ساعة ونصف ساعة يوميا. في كيوتو، "يُعتبر الرقص الفن الرئيسي. أما في طوكيو، فتتميز الغيشا بعزفهن على الشاميسين (آلة وترية يابانية) وغنائها"، على ما شرح هيسافومي إيواشيتا. وقد شكل عصر ميجي (1868-1912) نقطة تحول، إذ أن تولّي سياسيين من "كانساي" (غرب اليابان) مقاليد السلطة أدى إلى تطوّر فكرة ما ينبغي أن تكون عليه الغيشا. وأضاف إيواشيتا "أُدخِل الرقص في عروض شينباشي... وأدى ذلك إلى ولادة رقصة أزوما". وخلال هذه الحقبة، أدت راقصات شينباشي اللواتي كنّ يرفهّن عن الحكام الجدد في ولائم رسمية، "دورا محوريا" في تحديد الثقافة اليابانية الحديثة. وافتُتِح مسرح شينباشي إينبوجو مع النسخة الأولى من مهرجان أزوما أودوري قبل مئة عام، وتعرض للتدمير أثناء الحرب العالمية الثانية، قبل أن يُعاد بناؤه عام 1948. وعاد العرض إلى الخشبة بعد الحرب، وكان لإخراجه الفاخر تأثيره حتى على مسرح الكابوكي. لكن "هذه العروض بدأت تفقد شعبيتها في الخمسينات والستينات، حيث أصبح الجمهور يفضل العروض الأكثر بساطة"، بحسب إيواشيتا. في طوكيو، كما في أماكن أخرى من اليابان، بات فن الغيشا اليوم مهددا الانقراض. وقالت الغيشا كويكو "قبل مدة، كان عددنا مئة، ثم أصبح 60، والعدد مستمر في الانخفاض"، ورأت أن "من الضروري إيجاد حلول" قبل "فوات الأوان". ولاحظ هيسافومي إيواشيتا أن السبب الأول لتراجع أعداد الغيشا في طوكيو هو غياب الزبائن. وبعدما كانت الغيشا يحظين بدعم النخبة الثرية، اهتز قطاعهنّ بشكل كبير عام 1993، عندما دعا رئيس الوزراء موريهيرو هوسوكاوا إلى إنهاء العشاء الرسمي في مطاعم "ريوتي" التقليدية. واعتبر إيواشيتا أنها كانت "ضربة قاسية للصناعة". وعلّقت وكويكو التي اعتاد أن تؤدي عروضها في "أوزاشيكي"، وهي الولائم الراقية التي تحييها الغيشا "لقد تغير العالم، وتغير معه أسلوب استقبال الزوار". وأشارت إلى أن "الشركات أصبحت اليوم بشكل متزايد تنظم حفلات الاستقبال بنفسها في مقارها أو في أماكن أخرى". وفي ظل عدم وضوح مستقبل المهنة، رأى هيسافومي إيواشيتا أن "كون مسرح كهذا لا يزال موجودا واستضافته النسخة المئة (من أزوما أودوري) هو بمثابة معجزة".

'بكفي بدنا نفرح': عروض سينمائية للأطفال وسط الحرب… عندما يتحول الفرح إلى فعل مقاومة
'بكفي بدنا نفرح': عروض سينمائية للأطفال وسط الحرب… عندما يتحول الفرح إلى فعل مقاومة

قدس نت

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • قدس نت

'بكفي بدنا نفرح': عروض سينمائية للأطفال وسط الحرب… عندما يتحول الفرح إلى فعل مقاومة

تقرير ألاء أحمد :- في غزة، حيث تتقاطع أصوات القصف مع بكاء الأطفال وسط استمرار الحصار الخانق الذي تفرضه اسرائيل على غزة من أكثر من شهرين واشتداد المجاعة بين صفوف المواطنين خاصة الاطفال، يصبح الضحك حدثًا نادرًا، ولحظة مقاومة ناعمة تُشعل شمعة في عتمة الحرب. هناك، في قلب الركام، وُلدت مبادرة "بكفي بدنا نفرح" كاستجابة فنية وإنسانية لطفولة تُحاصر يوميًا بالخوف والجوع، ولجيل يحاول أن ينتزع من الموت فسحة للحياة. على مدار يومين، تحوّلت ساحة صغيرة في أحد المنازل غرب مدينة غزة إلى صالة عرض مؤقتة، لا تملك رفاهية مقاعد السينما المريحة أو الشاشات الحديثة، لكنها امتلأت بما هو أثمن: ضحكات، دهشة، وعيون تلمع بحكايات من عالم آخر. فبدعم من الصندوق الثقافي الفلسطيني، قدّمت المبادرة عروضًا سينمائية مجانية لأطفال عاشوا حرب الابادة الجماعية في قطاع غزة منذ احداث السابع من أكتوبر 2023 لأكثر من عام ونصف بين النزوح والقصف والتجويع، وكأنها جرعة حياة وسط كل هذا الألم. لم تكن الفكرة مجرد ترفيه، بل فعل مقاوم. أن تضحك في غزة، يعني أنك ما زلت حيًا. أن تحلم، يعني أن القصف لم ينجح في محو إنسانيتك. وهذا تمامًا ما حاولت المبادرة أن تصنعه: مساحة مؤقتة للهروب، للتنفس، ولتذكير الصغار بأن لهم حقًا في الفرح، مثل كل أطفال العالم. من جهته، قال الفنان المسرحي والناشط الثقافي جمال أبو القمصان إن مبادرة "بكفي بدنا نفرح" وُلدت من الحاجة إلى لحظة إنسانية حقيقية وسط واقع الحرب والحصار، مؤكدًا أن الأطفال في غزة يعيشون تحت وطأة الخوف والجوع منذ سنوات، "والآن أكثرمن أي وقت، يحتاجون إلى فرصة للضحك، للحياة". وفي تصريحات لوكالة قدس نت للأنباء، أوضح أبو القمصان أن العروض السينمائية التي تقيمها المبادرة في ظل العدوان ليست ترفًا، بل محاولة علاج نفسي بالفرح، قائلاً: "حتى لو لساعات قليلة، نريد أن ينسى الأطفال صوت الطائرات ويستبدلوه بضحكاتهم… السينما هنا مقاومة، وليست ترفيهًا". وأضاف: "نصنع لحظة فرح حقيقية بوسائل بسيطة: ألوان، موسيقى، قصص. لكن في غزة، ضحكة طفل تُشبه إشعال شمعة في عاصفة… الفرح هنا مقاومة عنيدة ضد القبح والدمار، ورفض لأن تُسرق الطفولة". الفرح كفعل مقاوم وسرد أبو القمصان مشهدًا لخص فيه ما وصفه بـ"المقاومة بالفرح"، حين شاهد طفلة تهمس لأخيها خلال عرض سينمائي: "انظر، هذه الدببة لا تخاف من القصف!"، مؤكدًا أن مثل هذه اللحظات تثبت أن "الأمل يُزرع حتى وسط الخراب، وأن المحتل لا يمكنه قتل الأحلام". وتابع: "سألني طفل بعد أحد العروض: هل يمكنني أن أصنع فيلمًا مثل هذا؟ في عينيه لم أرَ خوفًا، بل إصرارًا على الحلم. هنا، الانتصار ليس فقط البقاء… بل الحفاظ على القدرة على الإبداع رغم كل شيء". تفاصيل يومية تُصبح إنجازات وتحدث أبو القمصان عن التحديات "المعجزة" التي تواجههم يوميًا لتقديم العرض، قائلاً: "في غزة، تأمين كرسي بلاستيكي مريح للأطفال أو ورقة للرسم يحتاج تخطيطًا. تشغيل فيلم دون كهرباء؟ استخدمنا مولدًا صغيرًا بوقود نادر. تأمين مكان آمن؟ اخترنا ساحة بين الأنقاض وحوّطناها بستائر قديمة. حتى الحلوى، أصبح توزيعها إنجازًا بطوليًا وسط أسواق شبه فارغة". كشف أبو القمصان أن المبادرة تخطط لتوسيع أنشطتها، لتشمل: خيم سينما متنقلة في مخيمات النزوح، ورش رسم وسرد للأطفال الأيتام أو ممن فقدوا ذويهم، مشروع 'سينما تحت القصف'، يُشبه قاعات السينما التي كانت تُقام في سراديب الحرب العالمية الثانية، "لأن الفرح يجب أن يصل إلى كل زاوية، ولو وسط الأنقاض". رسالة إلى العالم: لا تشفقوا… تعلّموا من أطفال غزة وختم أبو القمصان رسالته قائلاً: "لا نريد الشفقة، بل الاحترام. أطفال غزة يعلّمون العالم معنى الصمود الحقيقي… إنسان يغني فوق الركام، لا يستسلم، لا ينكسر. هذه ليست مجرد عروض، إنها رسائل مقاومة ناطقة بالفرح. كفى صمتًا… دعمكم لفرحنا ليس تضامنًا فقط، بل واجب إنساني". وأضاف: "غزة لن تتحول إلى سجن للذاكرة والوجع… سنصنع منها مسرحًا للأمل، ولو بحبل غسيل وشاشة ممزقة". شهادات حيّة: كيف يرى الأطفال الفرح في غزة؟ وقامت مراسلة وكالة قدس نت للأنباء بالحديث مع بعض الأطفال خلال العروض. وقالت لينا (7 سنوات): "أول مرة ما غطّيت أذني لما سمعنا صوت عالي". كانت لينا تمسك يد شقيقها الصغير بإحكام، تحدق في شاشة العرض وكأنها لا تصدق ما يحدث. بعد انتهاء الفيلم، قالت بصوت خافت: "أنا دايمًا بخاف من الصوت العالي، دايمًا بغطي أذني… بس اليوم، لما الكل ضحك بصوت عالي، ما خفت، بالعكس ضحكت معهم. حسيت إنه يمكن في صوت غير صوت القصف." ثم همست وهي تبتسم: "لو نقدر نعيد الفيلم كل يوم، يمكن ننسى الحرب شوي". أما الطفل محمود (9 سنوات): "أنا كمان بدي أعمل فيلم زي هادا ... بس عن غزة، بدون حرب وبدون جوع". وأضاف وهو يشير إلى الشاشة: "لو كان عندي كاميرا، كنت صورت جدتي وهي تطبخ، وأختي لما ترسم… وأبي لما يرجع من المستشفى. هاي الأشياء اللي بحبها، بس محدا بيشوفها". أما سارة فقالت وهي تحتضن قطعة الحلوى التي وزعوها بعد العرض: "أنا طول الليل بحلم إنو البيت ينقصف، أو إني أضيع… بس بعد الفيلم راح انام وما راح اكون خايفة اني احلم احلام بتخوف. عمر (10 سنوات): "كأننا رجعنا أطفال، حتى لو بس لساعتين". جلس عمر مع أصدقائه قرب الحائط بعد العرض، يضحكون ويقلدون أحد مشاهد الفيلم. قال بنبرة ناضجة أكبر من سنه: "أنا صارلي زمان ما حسّيت حالي طفل… يمكن من وقت ما فقدنا بيتنا. بس اليوم حسّيت إني زي قبل، بلعب، وبضحك، وبنسى إنو في حرب". وأضاف وهو يحدّق في الأفق: "لو كل أسبوع نعمل هيك شي، يمكن نقدر نعيش، مش بس ننجو. لأن في فرق كبير". تأتي مبادرة "بكفي بدنا نفرح" كجزء من جهد ثقافي أوسع لتكريس الحق في الحياة والكرامة وسط واقع استثنائي يفرضه الاحتلال والحرب. في ظل انهيار البنية التحتية وتراجع مقومات الحياة الأساسية، يبرز الفرح كمساحة نادرة لاستعادة التوازن النفسي والاجتماعي للأطفال، ويغدو النشاط الثقافي ضرورة ملحّة لا ترفًا. وبينما تُقاوِم غزة بالثبات والدم، تُقاوِم أيضًا بالضحكة واللون والحكاية، لتؤكد أن الوعي الجمعي لا يُهزم، وأن الطفولة، مهما حاولوا اغتيالها، قادرة على النجاة بأبسط أدواتها: فيلم، ورقة، وشاشة ممزقة. المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة

تحقيق في استهداف إسرائيل صحفيي الدرون بغزة
تحقيق في استهداف إسرائيل صحفيي الدرون بغزة

معا الاخبارية

time٢٧-٠٣-٢٠٢٥

  • معا الاخبارية

تحقيق في استهداف إسرائيل صحفيي الدرون بغزة

غزة- معا- قبل أربع سنوات، بدأ سمير إسليم، المعروف باسم محمود البسوس، بمراسلة الطباطيبي على وسائل التواصل الاجتماعي، طالباً منه أكثر من مرة أن يعلّمه التصوير بالطائرة من دون طيار (الدرون). لم يعر الطباطيبي، أحد أشهر صحفيي الدرون بغزة، اهتماماً كبيراً في البداية. ولكن مع إصرار البسوس، وافق الطباطيبي: "في فرق بالعمر بيني وبينه، لكن بحب الشخص المجتهد، ويسعى إنه يطور من نفسه، فلقيت الحاجة دي عند محمود". أصبحا قريبين من بعضهما البعض. بدأ البسوس ينضم إلى الطباطيبي في مهمات تصوير. عندما بدأت الحرب، انتقل الطباطيبي، الذي كان يعمل مع وكالة أنباء دولية، إلى الجنوب. وبقي البسوس في الشمال. ومع قطع الحركة بين المنطقتين من قبل الجيش الإسرائيلي، بقيا على اتصال. بدأ الطباطيبي تكليفه بالتصوير. كما بدأ البسوس العمل مع وسائل إعلام دولية، بما في ذلك وكالة "رويترز" ووكالة "أنباء الأناضول" التركية. وحتى بعد مغادرة الطباطيبي إلى مصر، استمر التواصل بينهما. يوم السبت 15 آذار/مارس، كان البسوس يصور افتتاح توسعة مخيم للنازحين واستعدادات لإفطار رمضاني في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، لصالح "مؤسسة الخير" البريطانية، عندما ضربت غارتان جويتان إسرائيليتان المنطقة. قُتل سبعة أشخاص على الأقل، من بينهم البسوس. "كنت في حالة صدمة.. ما كنت متوقعها واحد بالمية، ليش؟ لأنه نحنا في هدنة"، يقول الطباطيبي. أصبح البسوس، خامس صحفي يعمل بطائرة درون يُقتل على يد إسرائيل، منذ بدء الحرب على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023. يقول متحدث باسم رويترز: "شعرنا بحزن عميق عندما علمنا بمقتل الصحفي البسوس، الذي نشرت رويترز أعماله في الأسابيع الأخيرة، في غارة إسرائيلية أثناء قيامه بمهمة لصالح مؤسسة الخير". في مطلع آذار/مارس، تعاونت "فوربيدن ستوريز" مع البسوس لتصوير لقطات درون من مخيمي جباليا والشاطئ، لإعداد هذا التحقيق ضمن الجزء الثاني من "مشروع غزة". وقبل بضعة أيام من الغارة التي أودت بحياته، أكمل البسوس المهمة. كتب أحد الزملاء في مجموعة خاصة بالمشروع: "عاد الصحفي إلى المنزل وهو بأمان". كانت فوربيدن ستوريز تنسق عملية التصوير وتطلع شركاءها بانتظام على مستجدات العمل. الصحفي الذي كان يعمل على قصة عن قتل صحفيي الدرون، صار جزءاً منها. صحفيو الدرون: الخطر مضاعف أصبحت غزة أخطر مكان في العالم بالنسبة للصحفيين. وفقاً للجنة حماية الصحفيين (CPJ)، فإن الحرب على غزة هي أكثر الصراعات دموية بالنسبة للصحفيين. فقد قُتل ما لا يقل عن 165 صحفياً فلسطينياً (حتى تاريخ نشر هذا التحقيق)؛ أي أكثر مما قُتل خلال ست سنوات من الحرب العالمية الثانية. ويواجه صحفيو الدرون خطراً أكبر. فقد قُتل خمسة منهم وأصيب واحد بجروح خطيرة، من بين مجموعة من نحو عشرة صحفيين، كانوا يعملون في غزة بداية الحرب، وفقاً للصحفي الطباطيبي. وثقت أريج وفوربيدن ستوريز وشركاؤهما، أن قتل أو إصابة هؤلاء الصحفيين، جاء بعد التقاط الصور الجوية في كل الحالات تقريباً. وفي بعض هذه الحالات، بما في ذلك غارة 15 آذار/مارس، اتهمت إسرائيل الصحفيين الذين قتلتهم بالانتماء لتنظيمات مسلحة، لكنّها لم تقدم أدلة قاطعة. وتشير المقابلات مع جندي احتياط إسرائيلي سابق، ووثائق داخلية مسربة، إلى غياب أي قواعد اشتباك واضحة، عندما يتعلق الأمر بصحفيي الدرون. نظراً لحجم الدمار الهائل في غزة، غالباً ما تكون لقطات الدرون هي الطريقة الوحيدة لتصوير حجم هذا الدمار. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، مقطع فيديو مدته دقيقة -نشرته وكالة الأنباء الفرنسية في كانون الثاني/يناير، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ- يُظهر حجم الدمار في رفح. استُخدمت طائرات الدرون في غزة منذ عام 2014، عندما أدخلها الصحفي والمخرج أشرف مشهراوي لأول مرة في التغطية الصحفية. وقد استُخدمت على نطاق واسع لتوثيق الدمار بعد حرب عام 2014. يعتقد الطباطيبي أن استخدام الدرون كان ضرورياً لتصوير حجم الدمار خلال الحرب الحالية، وهو أمر لم يستطع التصوير الأرضي إظهاره؛ لذا استمر في التصوير، حتى كانون الثاني/يناير 2024. قتل أول صحفي درون خلال الحرب في 7 كانون الثاني/يناير 2024، كان من المفترض أن ينضم الطباطيبي إلى صديقه مصطفى ثريا في جلسة تصوير. كان الاثنان يتشاركان خيمة واحدة، ويغطيان الحرب معاً. لكن في ذلك الصباح، لم يخرج الطباطيبي برفقة ثريا، وبقي لمساعدة زوجته في تطعيم ابنتهما حديثة الولادة. قُتل ثريا، -الذي كان يعمل مع وكالة الصحافة الفرنسية وقناة الجزيرة- في غارة جوية إسرائيلية، بعد تصويره آثار غارة سابقة بطائرة درون، ليكون أول صحفي درون يُقتل في الحرب. وقال الجيش الإسرائيلي إنه "حدد وقتل إرهابياً كان يُشغّل جهازاً طائراً يشكل تهديداً للقوات الإسرائيلية". لكنّ تحقيقاً أجرته صحيفة واشنطن بوست يناقض هذا الادعاء. حلّلت الصحيفة لقطات حصلت عليها من الدرون الخاصة بمصطفى، ولم تجد أي جنود إسرائيليين أو طائرات أو معدات عسكرية قريبة من موقع التصوير. في 24 شباط/فبراير، أصيب عبد الله الحاج، وهو صحفي درون آخر، بجروح خطيرة في غارة إسرائيلية بعد انتهاء تصويره في مخيم الشاطئ للاجئين. يقول الحاج: "بمجرد أن انتهيت من التصوير ووضعت الدرون داخل حقيبتي، تم استهدافي". بُترت ساقا الحاج جراء إصابته. وبعد عدة أيام من الهجوم، تعرض منزله للقصف، ويرى الحاج أن استهداف منزله كان بهدف تدمير الأرشيف الذي جمعه على مدى 20 عاماً. وفي تعليقه على حادثة يوم 24 شباط/فبراير، ادّعى الجيش الإسرائيلي أنه ضرب "خلية إرهابية تستخدم طائرة درون". وينفي الحاج أي علاقة له بالتنظيمات المسلحة، واصفاً هذا الادّعاء "بالكاذب". وقال إن القوات الإسرائيلية دققت هويته مرتين؛ الأولى في مستشفى الشفاء، والثانية قبل مغادرته غزة للعلاج في قطر. ويضيف: "لو كنت من حماس لما تمكنت من مغادرة قطاع غزة لتلقي العلاج". فقدان شقيقين في آن واحد في نيسان/أبريل، تلقى الطباطيبي مكالمة من المصور إبراهيم الغرباوي، الذي كان قد اشترى طائرة درون وطلب المساعدة في تعلم تشغيلها. نصحه الطباطيبي بعدم استخدامها، قائلاً إن الوضع "مخيف". كان إبراهيم وشقيقه أيمن قد نزحا مع أسرتهما إلى رفح. في 26 نيسان/أبريل، ذهبا إلى خان يونس لتصوير الدمار الذي خلفه الاجتياح الإسرائيلي، وفقاً لشقيقهما عبد الله. تقول إيناس زوجة إبراهيم، إنه اتصل ليخبرها بالانتهاء من التصوير، وإنهما في طريق العودة. كان هذا آخر اتصال بينهما. وفي وقت لاحق من تلك الليلة، علمت أنهما قُتلا في غارة جوية إسرائيلية. كان فقدان شقيقين في آن واحد مفزعاً. يقول عبد الله: "لا تمر لحظة إلا ونذكرهما ونتذكرهما، ونبكي عليهما". "شعرت أن كل شيء تجمد للحظة" "بعد أن تم استهدافه (يقصد إبراهيم)، قررت إنه كفى.. خلاص". قرر الطباطيبي المغادرة إلى مصر، وباع طائرته الدرون لزميله المصور محمد أبو سعادة (31 عاماً). بعد ثلاثة أشهر، قُتل أبو سعادة في غارة جوية على خيمة عمه في خان يونس، حيث ذهب لاستخدام الإنترنت لتحميل لقطات فيديو. يقول ابن عمه سيف، الذي كان معه في ذلك الوقت: "كانت الساعة 5:29 (مساء)، أذكر أنني كنت أنظر إلى الهاتف. بالكاد ابتعدت (عن المكان الذي كانوا يجلسون فيه)، عندما سقط صاروخ... شعرت أن كل شيء تجمد للحظة". لقي أبو سعادة وثلاثة من أشقاء سيف حتفهم. يظهر محمد أبو سعادة في آخر منشور مع طائرته وهو يصور الدمار في بني سهيلا شرق خان يونس، قبل نحو أربعة أشهر من مقتله، وكان الصحفي الوحيد الذي لم يُقتل مباشرة بعد تصويره في الميدان. يقول سيف إن ابن عمه لم يكن يستخدم الدرون: "كنا نعلم جميعاً أن أي شخص يستخدم واحدة منها سيتم استهدافه". لا قواعد واضحة بحسب مسؤولين سابقين في الجيش الإسرائيلي، ومنهم مايكل عوفر زيف، وهو جندي احتياط سابق، فإنه لم تكن هناك إرشادات واضحة حول كيفية التعامل مع طائرات الدرون ذات الاستخدام المدني. ويقول عوفر زيف: "لم أتلقَ في أي مرحلة من مراحل هذه الحرب وثيقة رسمية تحدد قواعد الاشتباك، وهذه مشكلة، لأنها تترك مجالاً كبيراً للتأويل". ويضيف عوفر زيف أن الأجواء العامة في غرفة العمليات كانت واضحة: "إذا رأينا أي شخص يقوم بتشغيل طائرة درون ليست لنا، كان التوجّه هو إسقاط الطائرة وقتل الشخص الذي يتحكم بها، دون أي تساؤلات". تُظهر رسائل بريد إلكتروني مسرّبة تعود لعام 2020، تمت مشاركتها مع فوربيدن ستوريز، أن مسؤولين في وزارة العدل الإسرائيلية كانوا يحذرون من الإشارة إلى أن الصحفيين الذين يستخدمون الدرون قد يتم الخلط بينهم وبين المقاتلين، حيث يمكن أن يُنظر إلى ذلك على أنه عدم التزام من إسرائيل بقوانين الحرب. وتُظهر الرسائل نقاشاً بين مسؤولين رفيعين (اثنين) في مكتب المدعي العام الإسرائيلي، حول قتل الصحفي ياسر مرتجى خلال "مسيرة العودة الكبرى" في نيسان/أبريل عام 2018. ويشيران إلى تصريح أدلى به وزير الدفاع آنذاك أفيغدور ليبرمان: "لا أعرف من هو، مصور أم ليس مصوراً، من يُشغّل طائرات الدرون فوق جنود الجيش الإسرائيلي يجب أن يفهم أنه يعرض نفسه للخطر". يشير المسؤولان إلى أن مثل هذا التصريح، الذي تم الاستشهاد به في تقرير تحقيق للأمم المتحدة حول مسيرات الحدود في غزة، قد يُنظر إليه على أنه تشويش للخط الفاصل بين الصحفيين والمسلحين، وهو ما حذرا من احتمالية استخدامه "لتقويض مزاعم إسرائيل بأنها تلتزم بقوانين الحرب بشكل عام، ومبدأ التمييز بشكل خاص". لم نرصد في تحقيقنا أي تحذير إسرائيلي رسمي للصحفيين من استخدام طائرات الدرون للتصوير. يقول المشهراوي، الصحفي الذي كان أول من أدخل الدرون إلى غزة: "لم يصلنا أو نسمع بأي بيان منه (الجيش الإسرائيلي)، ولكن كان هناك نمط واضح في استهداف أي صحفي يستخدم الدرون". ويضيف: "لديهم أدوات لتعطيلها أو حتى الاستيلاء عليها، من دون الحكم على الصحفي بالموت. هناك العديد من الخيارات الأخرى قبل إطلاق الصاروخ". في ثلاث من الهجمات الأربع التي قتل فيها صحفيون يعملون بطائرات درون، والتي وثقها هذا التحقيق، نجت الطائرات، ولم ينجُ أصحابها. رد الجيش الاسرائيلي توجه فريق مشروع غزة (الجزء الثاني)، بأسئلة للجيش الإسرائيلي عما إذا كانت لديه سياسة محددة بشأن طائرات الدرون في غزة، وكيف يميز بين المدنيين والأهداف العسكرية. كما طلبنا معلومات حول العديد من الحوادث. لم يردّ الجيش الإسرائيلي على الأسئلة المتعلقة بحوادث محددة، لكنه قال إنه "يرفض بشكل قاطع الادعاء بوجود هجوم ممنهج على الصحفيين". ويقول الجيش في ردّه إنه "يتخذ جميع التدابير الممكنة للتخفيف من الأذى الذي يلحق بالمدنيين، بمن فيهم الصحفيون". وأضاف أنه لا يستهدف سوى "الأهداف العسكرية" والأفراد المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، وأن الحالات الاستثنائية تخضع للمراجعة الداخلية، من دون أن يُحدّد ما إذا كانت أي من الحالات الواردة في هذا التحقيق قد خضعت لتحقيق داخلي. العودة إلى 15 مارس - الاتهامات في أعقاب غارات 15 آذار/مارس، التي أدت إلى مقتل البسوس، ادّعى الجيش الإسرائيلي أنه استهدف "إرهابيين"، من بينهم اثنان كانا يُشغّلان طائرة من دون طيار، ونشر قائمة بالأسماء والصور. لكنّ بيان الجيش تضمن أسماء أشخاص تم تحديد هويتهم بشكل خاطئ، وشخصاً واحداً على الأقل لم يُقتل في الغارات، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة. لم يورد البيان اسم أو صورة البسوس الذي كان يصور بالدرون. وبدلاً من ذلك، أدرج الجيش الإسرائيلي اسم شخص آخر مشابهاً، ووصفه بأنه "إرهابي من حماس يعمل تحت غطاء صحفي"، وأشار إلى وجود صلة بين طائرة الدرون التي استُخدمت في بيت لاهيا وحركة الجهاد الإسلامي. وقالت مؤسسة الخير إنها "تدحض تماماً" أي ادعاءات بأن فريقها كان على صلة بالمسلحين. وأضافت أن أعضاء الفريق تم استهدافهم عمداً، أثناء قيامهم "بمهمة إنسانية بحتة". لجنة حماية الصحفيين: هؤلاء صحفيون أدرجت لجنة حماية الصحفيين على موقعها الإلكتروني الصحفيين الخمسة الذين قُتلوا بطائرات من دون طيار، بمن فيهم البسوس. وصنّفت مقتله "جريمة قتل"، وهو تصنيف تحتفظ به المنظمة للحالات التي يبدو فيها أن الصحفي قد استُهدف عمداً. في مقابلات أجرتها أريج وشركاؤها في الجولة الأولى من مشروع غزة العام الماضي (2024)، يقول كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، مدير البرامج في لجنة حماية الصحفيين: "هناك نمط من الجيش الإسرائيلي في اتهام الصحفيين بأشياء مختلفة، وأحياناً تصريحات متناقضة في غضون أيام، لأن هذه هي الطريقة التي تعمل بها البروباغاندا، في البداية تزرع بذرة الشك... لكن لا يوجد دليل من أي نوع". يقول المشهراوي إن شركته أوقفت استخدام الدرون بسبب مخاوف على سلامة الفريق، خاصة بعد غارة 15 آذار/مارس: "سيتم استئناف التصوير بالدرون في حال التأكد التام من عدم استهداف الصحفيين بسبب استخدامهم له خلال عملهم الصحفي". الساعة الواحدة والنصف صباحاً في الليلة التي سبقت مقتل البسوس، يتذكر الطباطيبي مكالمة هاتفية معه تحدثا فيها عن أمور حياتهما. كان البسوس (25 عاماً) يخطط للزواج. يقول الطباطيبي ضاحكاً بهدوء رغم الألم: "احنا في غزة بنتزوج بدري". تحدثا لأكثر من ساعة، وهي أطول مكالمة بينهما منذ فترة. لم يكن يعلم أنها ستكون الأخيرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store