
ركلات الجزاء.. كيف تحولت من فكرة مرفوضة إلى قانون عالمي؟
وسواء أحبها البعض أو انتقدها آخرون، تعد لحظة احتساب ركلة جزاء واحدة من أكثر اللحظات توتراً وإثارة في كرة القدم، لحظة يتوقف فيها الزمن، وتختبر فيها الأعصاب، ويفصل فيها بين الفرح والحزن بكرة واحدة.
فمن فكرة وُصفت يوماً بـ"الإهانة" لأخلاقيات الرياضة، إلى قاعدة لا غنى عنها في البطولات المحلية والدولية، وقد تطورت ركلة الجزاء لتجسد روح العدالة الكروية داخل المستطيل الأخضر، وتحولت إلى ركن أصيل من قوانين كرة القدم.
من إهانة للعبة إلى نقطة تحول
في بدايات كرة القدم، لم يكن هناك تصور واضح لكيفية معاقبة المخالفات المتعمدة داخل المناطق القريبة من المرمى، كانت الفكرة السائدة آنذاك أن "السادة لا يغشون"، وهي العبارة التي استخدمها مسؤولو الاتحاد الإنجليزي رفضاً لفكرة ركلات الجزاء عند طرحها للمرة الأولى، كانوا يرون أن مجرد اقتراح مثل هذا القانون يعد تشكيكًا في شرف اللاعبين، الذين -من وجهة نظرهم- لا يرتكبون مخالفات عمداً.
لكن تلك النظرة المثالية اصطدمت بالواقع سريعاً، ففي ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين ستوك سيتي ونوتس كاونتي، منع أحد مدافعي كاونتي هدفاً مؤكداً بلمسة يد متعمدة على خط المرمى، دون أن يمتلك الحكم وسيلة قانونية لمعاقبته، هذه الواقعة فجرت الجدل، وأعادت فتح النقاش حول ضرورة استحداث إجراء رادع لحماية نزاهة اللعبة.
ركلات الجزاء ولدت من رحم الرغبي والرفض الإنجليزي
رغم أن ركلات الجزاء تعد اليوم واحدة من أكثر عناصر اللعبة إثارة للجدل والتشويق، لكن جذورها تمتد خارج حدود كرة القدم، وتحديداً إلى رياضة الرغبي، حيث ظهرت عبارة "ركلة جزاء" لأول مرة في تقارير مباريات تعود إلى عام 1888، منها حالة شهيرة حصل فيها فريق ديوزبري على ركلة أمام المرمى.
عمر مرموش يهدر ركلة جزاء في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2025 في مباراة مانشستر سيتي وكريستال بالاس (Getty)
أما داخل كرة القدم، فقد بدأت محاولات استحداث ركلة مشابهة في إنجلترا، حين اقترح اتحاد شيفيلد المحلي عام 1879 منح "هدف جزائي" عند ارتكاب مخالفة قريبة من المرمى، لكنها لم تعتمد رسمياً، ثم جاء الاقتراح الحاسم في 1890 من الأيرلندي ويليام ماك-كروم، الذي عرض فكرة الركلة العقابية على الاتحاد الأيرلندي، ليتم تحويلها لاحقاً إلى المجلس الدولي للعبة (IFAB).
وهنا تجدد الرفض الإنجليزي، إذ وصف الاتحاد المحلي الاقتراح بأنه "إهانة لأخلاقيات اللعبة"، بينما سخرت الصحف من الفكرة واعتبرتها بمثابة "حكم إعدام على كرة القدم"، لكن حادثة ستوك سيتي ضد نوتس كاونتي دفعت المجلس للموافقة على الاقتراح، لتعتمد رسمياً ركلات الجزاء في يونيو/ حزيران 1891، وتنفذ أول ركلة جزاء في التاريخ خلال سبتمبر/ أيلول من نفس العام.
بين المبادئ وواقع المباريات
من أطرف المواقف في تاريخ ركلات الجزاء ما حدث مع فريق كورينثيان الإنجليزي، الذي كان يعتبر نموذجاً مثالياً للّعب النظيف، فقد كان لاعبو الفريق يرفضون تنفيذ أي ركلة جزاء تحتسب لصالحهم، انطلاقاً من مبدئهم بأن "الرجل النبيل لا يتعمد ارتكاب خطأ"، حتى وإن كان الخصم هو من أخطأ بحقهم.
قصة حقيقية.. لعب الورق يتسبب في فسخ عقد لاعب من البريميرليغ
وفي أحيان أخرى، كان حارسهم يتعمد عدم التصدي لركلات الجزاء التي تنفذ ضد فريقه، إيمانًا بعدالة المنافس! ولكن هذه الرومانسية لم تستمر طويلاً أمام تطور اللعبة وازدياد المنافسة واحتراف اللاعبين.
تطور القاعدة.. من خط الـ12 ياردة إلى منطقة الـ18
عندما طُبّقت قاعدة ركلات الجزاء لأول مرة، لم تكن هناك "نقطة ثابتة" للتنفيذ، بل كانت تُلعب من أي موضع على خط يبعد 12 ياردة من المرمى. ولم يعتمد الشكل الحالي لنقطة الجزاء إلا عام 1902، عندما تم تثبيتها في منتصف المسافة داخل منطقة الجزاء، التي بدورها لم تكن محددة كما نعرفها اليوم، إذ امتدت في بدايتها بعرض الملعب الكامل، قبل أن يعتمد الشكل المستطيل الحالي بمساحة 18 ياردة في موسم 1901-1902.
تطورت القوانين لاحقاً لتقيد حركة حراس المرمى، إذ كان مسموحاً لهم سابقاً بالتقدم 6 ياردات عند تنفيذ الركلة، لكن منذ عام 1905 أصبحوا ملزمين بالبقاء على خط المرمى، ما صعّب عليهم المهمة ومنح الأفضلية للمهاجمين.
وفي موسم 1937-38، أضيف القوس النصف دائري (D) أعلى منطقة الجزاء، بهدف فرض مسافة قانونية قدرها 10 ياردات بين اللاعبين ونقطة التنفيذ، وضمان سير الركلة دون تدخل.
ركلات الجزاء في زمن الفيديو والتكنولوجيا
مع تطور تقنيات التحكيم، خاصة تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR)، ازدادت أهمية ركلات الجزاء وأصبحت تُحتسب بدقة متناهية، وبات اللاعبون أكثر حذراً داخل منطقة الجزاء، والحكام أكثر جرأة في اتخاذ القرار بعد مراجعة اللقطات المصورة.
وقد تغيرت إستراتيجيات تنفيذ ركلات الجزاء كذلك، إذ لم يعد التنفيذ محصوراً في القوة أو الدقة فقط، بل دخلت الجوانب النفسية والتمويهية على الخط، وصار اللاعب يدرس تحركات الحارس، والحارس يراقب تاريخ اللاعب وسجله في التسديد، ما جعل من ركلة الجزاء معركة ذهنية قائمة بذاتها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LE12
منذ 2 ساعات
- LE12
العالم يترقب الحسم.. هل تُحقق الكرة الذهبية حلم الجماهير العربية في 2025؟
تترقب جماهير كرة القدم العالمية، اليوم الخميس، إعلان وسيشهد مسرح 'شاتليه' الشهير في العاصمة الفرنسية باريس، يوم 22 شتنبر المقبل، تنظيم النسخة الـ69 من حفل تسليم جوائز الكرة الذهبية، التي تكرّم أفضل اللاعبين في مختلف الفئات على مدار الموسم الكروي. إلى جانب جائزة أفضل لاعب في العالم، سيتم الإعلان أيضًا عن الفائزين بجائزة أفضل لاعبة، وجائزة 'كوبا' لأفضل لاعب شاب، وجائزة 'ليف ياشين' لأفضل حارس مرمى، بالإضافة إلى جائزة 'جيرد مولر' لأفضل هداف. وعلى مستوى الترشيحات، ينتظر أن يكون المغرب ممثلاً عبر نجمه الدولي اللاعب أشرف حكيمي، ظهير باريس سان جيرمان، الذي بصم على موسم مميز مع فريقه ومنتخب بلاده. كما يدخل المصري محمد صلاح، نجم ليفربول، قائمة أبرز المرشحين، رغم المنافسة الشديدة التي يواجهها من أسماء لامعة مثل الفرنسي عثمان ديمبيلي لاعب باريس سان جيرمان. كما يُتوقع أن يتواجد نجم منتخب 'لاروخا' لامين يامال، ضمن المرشحين لجائزة أفضل موهبة. ومن ريال مدريد، سيكون النجم الفرنسي كيليان مبابي على رأس قائمة المرشحين الثلاثين لنيل الكرة الذهبية، بعد موسم حافل بالإنجازات.


البطولة
منذ 3 ساعات
- البطولة
الكشف عن المرشحين لجائزة الكرة الذهبية اليوم الخميس
يستعد عشاق كرة القدم، اليوم الخميس، للتعرف على أسماء اللاعبين المرشحين، للمنافسة على جائزة "الكرة الذهبية 2025" ، التي تمنحها مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية ، حيث سيتم الكشف عن القائمة التي تضم 30 لاعبا. ويعتبر النجم المغربي أشرف حكيمي ، من بين أبرز الأسماء، التي من المنتظر تواجدها في القائمة الموسعة لـ"البالون دور"، بعد الموسم "الاستثنائي" الذي قدمه مع ناديه باريس سان جيرمان ، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. وسيتم أيضا، إعلان قائمة مكونة من 10 لاعبين، المرشحين لجائزة "كوبا"، التي تُمنح لأفضل لاعب شاب (أقل من 21 سنة)، علما أن نجم برشلونة، لامين يامال، هو من تُوج بها السنة الماضية 2024. من جانب آخر، من المنتظر الكشف عن قائمة تضم أسماء 10 حراس مرمى، الذين سيتنافسون على جائزة "ياشين" لأفضل حارس في العالم، وأيضا ستكون هناك جوائز أخرى كأفضل مدرب، إلى جانب أفضل لاعبة وأفضل مدربة وأفضل حارسة مرمى، وذلك فيما يخص كرة القدم النسوية.


WinWin
منذ 15 ساعات
- WinWin
لماذا لا يعد سان جيرمان وباريس إف سي أعداء؟
تتسم ديربيات كرة القدم بالعداء، بالنظر إلى المنافسة المحلية المحتدمة بين فريقي المدينة، وما تحمله من دلالات تاريخية وثقافية بل وحتى دينية، لكن الوضع ليس كذلك في ديربي باريس بين باريس إف سي وباريس سان جيرمان. حجز باريس إف سي تذكرة صعوده إلى الدوري الفرنسي للموسم المقبل 2025-26، ما يعني أن قطبي العاصمة الفرنسية سيلتقيان وجهًا لوجه لأول مرة في مباراة احترافية منذ عام 1979، لكن هذه المرة بظروف مختلفة تمامًا. قبل أشهر من صعوده إلى دوري الأضواء، أعلنت عائلة أرنو الفرنسية المالكة لمؤسسة (LVMH) الشهيرة، استحواذها على باريس إف سي، باستراتيجية كبرى وخطة طموحه هدفها المنافسة المحلية والصعود إلى دوري أبطال أوروبا. ديربي باريس .. الأقرب في العالم 44 مترًا هي المسافة بين ملعبي باريس سان جيرمان وباريس إف سي، ما سيجعل ديربي باريس الأقرب في كرة القدم الأوروبية على الإطلاق، بعد أن كان ديربي (أولد فيرم) بين رينجرز وسيلتيك الإسكتلنديين هو الأقرب سابقًا بمسافة 300 متر. لن يتشارك سان جيرمان وإف سي المدينة فقط، بل نفس الحي، رقعة جغرافية ضئيلة للغاية ستجمع بين الملعبين وجماهير الفريقين، ما يعد بزخم وهالة إعلامية غير مسبوقة في تاريخ كرة القدم الفرنسية. لماذا لا يعد سان جيرمان وإف سي أعداء؟ كان باريس سان جيرمان وباريس إف سي ناديًا واحدًا بداية من 1970، ثم انفصلا بعد عامين فقط، ليحتفظ إف سي بالاسم والحقوق والملعب، ويبدأ سان جيرمان رحلته من القاع بهوية جديدة، من الدرجة الثالثة الفرنسية. في ذلك الوقت كان باريس إف سي النادي المهيمن والأكبر في العاصمة الفرنسية، بينما وضع مسؤولو النادي الوليد باريس سان جيرمان اللبنة الأولى في المشروع الجديد بخطوات بطيئة بعض الشيء. مع الوقت تبدلت الأدوار، فهبط إف سي إلى الدرجة الثانية عام 1974، ولم يعد للأضواء إلا هذا العام (2025)، في حين شق سان جيرمان طريقه إلى الدرجات المختلفة وصولًا إلى (ليغ 1). في الحقيقة لا تتسم العلاقة بين إف سي وسان جيرمان بالعداء أو الندية، والسبب أن مسار الناديين لم يتقاطع مطلقًا، فكل منهما كان يلعب في دوري مختلف، وبالكاد يمكن تذكر مباريات تنافسية بينهما. بل إن جماهير الناديين لم تجتمع في ملعب واحد في نفس المباراة، ما يعني أن الظروف لم تخدم فكرة خلق التنافسية المحتدمة، في الحقيقة لم يكن هناك فرصة أصلًا لحدوث كراهية بين الناديين، حسب (L'Equipe). ديربي باريس وعداء متوقع الآن تقاطعت مسار الناديين، حيث سيتواجهان مرتين في ديربي باريس الموسم المقبل من الدوري الفرنسي، والمثير أن باريس إف سي استعان بخبرات شركة (Red Bull) التي تمتلك باعًا طويلًا في كرة القدم الأوروبية. من المتوقع أن ينبثق العداء الرياضي رويدًا رويدًا بين قطبي العاصمة باريس الموسم المقبل، لا سيما مع نمو باريس إف سي الصاروخي، وتخصيصه مبالغ طائلة للصرف في أسواق الانتقالات، حيث سيضع نفسه الند بالند أمام سان جيرمان.