
بالصور.. مستشفى ناصر الطبي يُقصف بمرضاه
لم يكن المرضى في غرف مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس يتوقعون أن يتحوّل المكان الذي احتموا به طلبا للعلاج إلى ساحة قصف جديدة، لكن فجر اليوم الثلاثاء، الموافق 15 مايو/أيار الجاري، حمل إليهم ما بات مألوفا في غزة منذ بداية الحرب، نيران إسرائيلية لا تفرّق بين جريح وطبيب، ولا تترك لمرافق الصحة فرصة للاستمرار.
ومع قصف مبنى الجراحات في المجمع، استُشهد فلسطينيان وأصيب آخرون بينهم مرضى وطواقم طبية، في جريمة وصفتها وزارة الصحة الفلسطينية بأنها "جزء من خطة ممنهجة لتفكيك ما تبقى من المنظومة الصحية في القطاع"، الذي يعيش تحت حرب شاملة من القتل والتجويع والتدمير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي بيان شديد اللهجة، قالت الوزارة إن القصف الإسرائيلي "استهدف بشكل مباشر المرضى والجرحى داخل مجمع ناصر الطبي أثناء تلقيهم العلاج"، مضيفة أن تكرار استهداف المستشفيات يعكس إصرار الاحتلال على "حرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في العلاج" وتحويل المرافق الصحية إلى ساحات قتل.
ولم يتوقف الاستهداف عند حدود الأسرة الطبية، فقد أكدت المصادر الرسمية في قطاع غزة أن القصف ذاته أسفر عن استشهاد الصحفي حسن إصليح مدير وكالة "علم 24″، ليرتفع عدد شهداء الصحافة منذ بداية العدوان إلى 215 صحفيا، في مشهد يوضح كيف أصبح العمل الإعلامي في غزة مخاطرة بالحياة وسط حرب لا تعترف بقواعد أو حدود.
ونعى المكتب الإعلامي الحكومي إصليح، وقال إن "استهداف الصحفيين داخل المستشفيات ليس فقط محاولة لإسكات الحقيقة، بل أيضًا رسالة واضحة مفادها أن لا أحد بمأمن في هذا العدوان".
ولم يكن هذا القصف الأول لمجمع ناصر الطبي، فقد سبق أن تعرض المجمع -وهو من أكبر المستشفيات في جنوب القطاع- لقصف وعمليات اقتحام عنيفة من قبل قوات الاحتلال خلال عمليتها البرية في خان يونس مطلع العام الجاري، مما أدى حينها إلى إخراجه عن الخدمة وتهجير مرضاه بالقوة، في واحدة من أبرز الجرائم الموثقة ضد المرافق الصحية.
وترى وزارة الصحة الفلسطينية ومراقبون حقوقيون أن استهداف إسرائيل المتكرر للمستشفيات ليس حادثا عرضيا، بل نهجا مستمرا يستهدف تقويض قدرة القطاع على الصمود ودفعَ السكان إلى الاستسلام عبر حرمانهم من العلاج والرعاية.
ويؤكد مراقبون أن هذه السياسة تترافق مع استهداف مباشر لسيارات الإسعاف ومراكز الإيواء والمرافق الحيوية، في خرق واضح لاتفاقيات جنيف التي تُلزم الأطراف المتحاربة بحماية المؤسسات الصحية ومنع المساس بها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 36 دقائق
- الجزيرة
أزمة مياه وتجويع وبلدية غزة تناشد للتدخل العاجل
توالت التحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي ومنعها لعبور شاحنات المساعدات الإنسانية. وقال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن الاحتلال يواصل سياسة الحصار والتجويع ضد أكثر من مليوني مدني يعيشون أوضاعا كارثية. وأضاف المكتب أن الاحتلال يواصل منع دخول شاحنات المساعدات في انتهاك صارخ لما أعلنه من التزامات، وتابع "الاحتلال أوقف إدخال المساعدات التي زعم أنه سيسمح بها منذ الاثنين الماضي، دون أي مبرر قانوني أو إنساني، في وقت يشهد فيه قطاع غزة نقصا حادا في الغذاء والدواء والوقود، وتدهورا شديدا في الأوضاع الصحية والمعيشية". وطالب مكتب الإعلام الحكومي بتحرك دولي للضغط على الاحتلال لفتح المعابر وضمان تدفق المساعدات فورا. بدورها، ناشدت بلدية غزة المنظمات الدولية بالتدخل العاجل لمعالجة أزمة المياه الكبيرة التي يعيشها سكان القطاع، بسبب تقليص كميات الوقود وتوقف خط المياه الذي يغذي القطاع بالمياه الصالحة للشرب. وحذّرت البلدية من حدوث أزمة مياه كبيرة بسبب استمرار تقليص كميات الوقود التي لا تفي بتشغيل آبار المياه التابعة للبلدية والخاصة، وقتًا كافيًا لتوفير الحدّ الأدنى من المياه. وقالت إنّه مع استمرار النزوح من داخل مدينة غزة ومن خارجها، وارتفاع درجات الحرارة وتزايد الحاجة للمياه وتقلص كميات الوقود، قد تؤدي هذه العوامل كلها إلى أزمة مياه وحدوث حالة عطش إذا لم يتم تدارك الأوضاع. من جانبها، قالت وزارة الصحة في غزة إن تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف المولدات الكهربائية يفاقم الوضع الكارثي في مستشفيات القطاع. وأوضحت أن المستشفيات تعمل بكميات محدودة من الوقود مما يهدد استمرار تقديم الرعاية الطبية الطارئة للجرحى والمرضى. وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن المدنيين في غزة محرومون منذ مطلع شهر مارس/آذار الماضي من الوصول للمساعدات والرعاية الصحية. ودعت اللجنة إلى تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين في غزة على نحو سريع ومستدام. من جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن النظام الصحي في غزة ينهار بسبب توسيع العمليات العسكرية وأوامر الإخلاء. وأكدت المنظمة أن مستشفى العودة مهدد بالإغلاق وهو آخر مستشفى يعمل في شمال قطاع غزة. ستار المساعدات وفيما أكد برنامج الأغذية العالمي أن إدخال مساعدات مؤقتة إلى غزة لا يكفي على الإطلاق لتلبية الاحتياجات الملحة، قالت منظمة أطباء بلا حدود إن ما أدخلته إسرائيل من مساعدات يهدف إلى تجنب اتهامها بتجويع سكان غزة وأضافت المنظمة "كمية المساعدات التي بدأت إسرائيل السماح بدخولها إلى غزة مجرد ستار للتظاهر بأن الحصار انتهى"، وأكدت أن "خطة إسرائيل تهدف لاستغلال المساعدات وجعلها أداة لتحقيق أهدافها العسكرية". ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، مما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين. وتباينت الروايات بشأن دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة في الأيام الماضية، فبينما أعلنت إسرائيل أنها سمحت بدخول 93 شاحنة، قالت الأمم المتحدة إن 100 شاحنة حصلت على إذن بالعبور دون تأكيد وصولها. وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 175 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
معهد توني بلير يقترح تسهيل حصول البريطانيين على حقن إنقاص الوزن
اقترح باحثون في معهد توني بلير للتغيير العالمي في المملكة المتحدة أن توسيع نطاق إجراءات أهلية الحصول على حقن إنقاص الوزن قد يسمح لما لا يقل عن 14.7 مليون بريطاني بالحصول على هذه الأدوية، مما سيعزز بدوره خدمة الصحة الوطنية. ودعا المعهد في البيان، الذي نشر مايو/أيار الجاري وكتبت عنه صحيفة الديلي ميل البريطانية، إلى خفض معايير أهلية الحصول على الأدوية بشكل كبير، لجعلها متاحة للأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن، ولكن ليسوا مصابين بالسمنة بعد. وكجزء من بحثهم، اقترحوا أيضا توفير أدوية إنقاص الوزن بدون وصفة طبية، من دون الحاجة إلى زيارة طبيب عام أولا، وتقديم خدمات إدارة الوزن عبر تطبيق خدمة الصحة الوطنية البريطانية. ويجادل المعهد بأن مثل هذه الخطوات من شأنها تعزيز صحة الأمة وثروتها، والمساعدة في معالجة عدم المساواة. وتُعدّ السمنة الآن أحد أكبر مُسببات اعتلال الصحة في المملكة المتحدة، مُشكّلة ضغطا هائلا على هيئة الخدمات الصحية الوطنية ونظام الإعانات الصحية والاقتصاد ككل. تُوزّع هيئة الخدمات الصحية الوطنية هذه الأدوية على حوالي 50 ألف شخص سنويا في عيادات مُتخصصة لإنقاص الوزن، على الرغم من أن 4 ملايين شخص بمؤشر كتلة جسم أعلى من 35 مؤهلون للحصول عليها. يُصنّف مؤشر كتلة الجسم الذي يزيد على 30 على أنه سمنة، ويُصنّف مؤشر كتلة الجسم الذي يزيد عن 40 على أنه سمنة مُفرطة. ويُعتقد أن نصف مليون شخص آخرين يتلقون العلاج بشكل خاص مقابل حوالي 200 جنيه إسترليني شهريا (حوالي 268 دولارا). ويُطالب تقرير المعهد بـ"اتباع نهج أسرع وأوسع نطاقا لطرح الدواء"، ويقترحون جعل عتبة مؤشر كتلة الجسم للحصول على الحقن هو 27 فقط (ما يعني أن المريض يعاني من زيادة الوزن). أوزميبك يدعم الإنتاجية أظهرت حقن إنقاص الوزن زيادة ملحوظة في إنتاجية القوى العاملة، حيث يتمتع المستخدمون عادة بلياقة بدنية أفضل ويأخذون إجازات مرضية أقل. وفي التجارب، ساعدت أدوية إنقاص الوزن الأشخاص على فقدان ما يصل إلى خُمس وزن أجسامهم، مما قد يقلل من خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والسرطان. ويدرس الوزراء سبلا لجعل أدوية إنقاص الوزن متاحة بسهولة أكبر، ويجري مسؤولو الخزانة محادثات حول فوائدها الاقتصادية. ويقول معهد بحوث الصحة العامة إن النهج الحالي لهيئة الخدمات الصحية الوطنية "من غير المرجح أن يبطئ، ناهيك عن عكس ارتفاع معدلات السمنة على مدى السنوات الـ12 المقبلة"، وأن الحاجة إلى إحالة طبيب عام تعيق إمكانية طرحها على نطاق أوسع نظرا لاستهلاكها الكبير للموارد وتكلفتها الباهظة. وتُظهر النمذجة الاقتصادية التي أجراها المعهد أن خفض مؤشر كتلة الجسم المؤهل من المتوقع أن يحقق توازنا بين التكلفة والفائدة بحلول عام 2035، ومكاسب صافية على أساس سنوي بعد ذلك، مع فوائد مالية تراكمية تُقدر بنحو 52 مليار جنيه إسترليني (70 مليار تقريبا) بحلول عام 2050. دفع النمو وقالت الدكتورة شارلوت ريفسوم، مديرة السياسة الصحية في المعهد: "إذا كانت الحكومة تتطلع إلى تحسين الصحة ودفع النمو الاقتصادي، فإن معالجة السمنة -كجزء من أجندة وقائية أوسع- يجب أن تكون أولوية رئيسية". إعلان ووجدت دراسة عُرضت في المؤتمر الأوروبي للسمنة في وقت سابق من هذا الشهر أن دواء سيماغلوتيد -الذي يُباع تحت الاسم التجاري أوزمبيك كعلاج لمرض السكري أو ويغوفي لإنقاص الوزن- يُعزز الإنتاجية السنوية بما يعادل 1127 جنيها إسترلينيا للفرد (تقريبا 1500 دولار). وساعد الدواء كل مريض على تجنب 5 أيام مرضية سنويا في المتوسط، ومكّن الناس من القيام بـ12 يوما إضافيا من الأنشطة الإنتاجية غير مدفوعة الأجر، مثل التطوع أو رعاية الأطفال، مما يوفر موارد الدولة. وفي المجمل، سيُعادل هذا 4.5 مليارات جنيه إسترليني (6 مليارات دولار تقريبا) إضافية سنويا في الإنتاجية الاقتصادية البريطانية إذا تمكن 4 ملايين شخص مؤهلين من الحصول على الدواء من هيئة الخدمات الصحية الوطنية من الحصول عليه.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
أجساد ضاوية وقلوب مقاتلة.. عندما تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
بين الجسد والقلب والروح تناسب عكسي في غزة، فالنار واللهب والجوع تملأ الأجسام هشاشة وانحناء، تمتص نضرة الجسم، وتحيله أكواما متراكبة من العظام الناحلة، أما القلوب فيزيدها الألم قوة وعنفوانا وتعلقا بالشهادة. هكذا تنطق الوجوه الشاحبة، وتفتر الشفاه المتقلّصة إلا عن بسمة تغالب شبح الجوع الرهيب. هنا غزة، يبيت مئات الآلاف ويظلون على الطوى في انتظار مأكل كريم، تقف دونه سطوة الاحتلال ولهب صواريخه، وخذلان ذوي القربى عربيا وإسلاميا. رياحين تحت نار المجاعة لم تعد المجاعة في غزة شرَّ غائب منتظر، بل أصبحت الشبح المرعب الذي يجول بين الخيام، ويطبع ببصماته المؤلمة على الأمعاء الخاوية، ويمتص عصارة سنوات من خِصب قليل تحت حصار سيئ. أكل الجوع ما بتلك الأجسام الصغيرة من نضارة، وأنضَب أثداء الأمهات اللائي طالما أرضعن أبناءهن عصارة سحرية من الصمود والمقاومة، فلم تعد تلك الأثداء الشاحبة تَبِضُّ بمِصاص لطفل رضيع مُنعت عنه كل أسباب الحياة، وذوَى جسمه الضاوي كما يذوي الغصن الرطيب تحت لافحات السَّموم. وحده الجلد المتغضّن حدّ اليبس يحنو على عظام بالية، ويرسم الصورة البشعة التي تقرع بعنفها غفوة الشعوب والأنظمة التي يفترض أن تنهض دعما لغزة وفكا للحصار، وإنهاء للحرب التي أكلت الأرض وما عليها، ثم أكلت من عليها. للموت اليوم ألف باب، وإنّ منها لما يهبط من السماء لهبًا لا رحمةَ فيه، وغضبا إسرائيليا على أبرياء أرادوا أن يعيشوا بكرامة في أرض يرون أنهم ألصق بها من العنف والوحشية بقلوب من يصبّون عليهم نار الموت كل حين. للجوع في غزة أكثر من مليون قصة، تتعدد الألسنة، وتتكاثر الحالات؛ دعك من شيخ يأكل جسمَه السكري والسرطان، ثم يأتي الجوع ليأكل ما بقي من ركام السنين، ومن طفل ضنّ عليه ثدي أمه التي تُكاتم لوعة الجوع، وشابٍّ يعصب على بطنه مقاوما شبح الاحتلال وشبح الجوع في الآن ذاته. لم يعد اللهب القاتل الوحيد في غزة، بل يُتوقع أن يتراجع إلى الرتبة الثانية إذا تواصل الحصار المؤلم، واستمر شريان الحياة في التوقف بعد أن كان -قبل استئناف الحرب- يقطر بتباعدٍ وضآلة عبر الشاحنات التي ترد بين الحين والآخر من المعابر إلى غزة. الجوع اليوم هو القاتل الأكبر، وعما قريب ستحدُث -لا قدر الله- واحدة من أبشع المجاعات التي عرفها العالم في قرنيه الأخيرين، خصوصا أنه لا أمل يلوح في الأفق، ولا سند يحنو على الأجساد الضاوية، ولم يعد في الأرض ما يَنبت ولا في الضرع ما يدِرّ. من ينقذ الأمعاء المتكلسة؟ تأكل المجاعة في غزة أجساد أكثر من 876 ألف إنسان لم يعرف للراحة ولا الأمن ولا استمرار النظام الغذائي طعما منذ أكثر من سنة ونصف، كما ينخر شبح المجاعة بوحشية أيضا أكثر من مليون طفل اجتمع عليهم الجوع والخوف والاضطراب النفسي جراء موج اللهب المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. على أن من بين هذا المليون نحو 60 ألف طفل أصبحوا في وضعية كارثية أو في عداد الأموات تقريبا بسبب سوء التغذية الحاد، فلم تعد أجسادهم غير ركام من العظام الصغيرة التي يكسوها جِلد امتصّ الجوعُ نضارته وروحه وتركه شنًّا باليا، شاهدا على أبشع جرائم العصر وأطول نومات الضمير العالمي. عالم من البدانة والوجبات السريعة في حين يمتص الجوع ما بقي من أجساد الغزيين مما لم تأكله نار القصف، يعيش العالم بشكل عام والعالم العربي فورةً في البدانة، وصرفا غير مسبوق على الوجبات السريعة، تُظهره فواتير متعددة لأرباح المطاعم وسوق الأغذية أيام الأعياد والمناسبات وغيرها، وكأن الدنيا قد قُسّمت عالمين بينهما سور، باطنه فيه عذاب أهل غزة وجوعهم القاتل ومأساتهم المستمرة، وظاهره من قبله فورة في الرفاهية والمتعة واستمرار رتيب لحياة لا تشكو مراكبها عِوجًا ولا أمتًا. وتُقدر مصادر متعددة ما ينفقه العالم العربي سنويا على الوجبات السريعة وفي الأفراح والأعياد والمناسبات المختلفة، بعشرات المليارات من الدولارات، دون أن يكون لأهل غزة من ذلك أي نصيب سوى وجبات سريعة مستمرة من الموت الزؤام واللهب الفتاك والجوع ذي الأنياب المتوحشة. ولقد أبيت على الطوى وأظله لا صوت في غزة ولا صِيت يعلو على الصمود، يهدم اللهبُ والجوع البنايات والأجساد، غير أنه لا يهدم الأرواح المتوثبة كالخيل العتاق؛ وحدها الأجساد تذوي، كما يذوب الشمع الذي أضاء للعالم العربي والإسلامي بل وللعالم كله فجَّين عميقين أحدهما عن أنصع ما تكون المقاومة، وأعلى ما يكون التصدي للاحتلال، والآخر عن أفظع ما يرسم الجوع وأسوأ ما يكون الخذلان. وبين الفجّين العميقين، يواصل أهل غزة يوميات من الموت والشهادة والجوع، ولسان حالهم يتردد بين ثلاث لا تتخلف: ولي وطن آليت ألا أبيعه … وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا فإذا ما عض الجوع بأنيابه العُصل، ترنم الصوت المبحوح في الجسد الضاوي: ولقد أبيت على الطوى وأظله … حتى أنال به كريم المأكل ثم كانت بسمات الشهادة هتافا إلى الخلود "وعجلت إليك رب لترضى".