logo
مستخدمون لتطبيق تيك توك يطالبون بحظر "فلتر البدانة"

مستخدمون لتطبيق تيك توك يطالبون بحظر "فلتر البدانة"

الوسط٢١-٠٣-٢٠٢٥

أعرب مستخدمو تيك توك لبي بي سي عن اعتقادهم بضرورة حظر قالب أو "فلتر" منتشر بصورة كبيرة يجعل الأشخاص يبدون أكثر بدانة مما هم عليه.
ويعرف "الفلتر" الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، باسم "فلتر السمنة"، وهو يلتقط صورةً للشخص ويعدّل مظهره ليبدو وكأنه قد زاد وزنه.
وشارك العديد من الأشخاص صورهم قبل وبعد الاستخدام على المنصة مصحوبةً بنكاتٍ حول اختلاف مظهرهم، إلا أن آخرين يرون أنها شكلٌ من أشكال "الإساءة للأفراد بسبب جسدهم" ويجب عدم السماح به.
كما حذّر الخبراء من أن هذا الفلتر قد يُغذّي "ثقافة نظام غذائي سامة" على الإنترنت، وقد يُساهم في اضطرابات الأكل.
لم يستجب "تيك توك" لطلب التعليق على هذه القصة.
تقول سادي، وهي شابة تبلغ من العمر 29 عاماً من بريستول: "شعرتُ وكأن الفتيات يقلن: 'يا إلهي، لقد فزتُ لأنني نحيفة، إن أسوأ شيء على الإطلاق أن أكون سمينة'".
وسادي، التي لديها 66 ألف متابع على تيك توك، هي واحدة من المطالبين بحظر هذا القالب "الشرير".
وأضافت أنها تلقت اتصالات من نساء قلن إنهن حذفن تطبيق تيك توك من هواتفهن لأن هذا "الفلتر" المنتشر جعلهن يشعرن بالسوء تجاه أنفسهن.
وقالت: "لا أعتقد أنه يجب السخرية من الناس بسبب أجسادهم لمجرد استخدامهم تطبيقاً ما".
أوضحت الدكتورة إيما بيكيت، عالمة الغذاء والتغذية، لبي بي سي أنها تعتقد بأن هذا التوجه "خطوة كبيرة إلى الوراء" في وصم الوزن.
وأضافت: "إنها نفس الصور النمطية الخاطئة القديمة عن الأشخاص ذوي الأجسام الكبيرة على أنهم كسالى ولديهم عيوب، وهو أمر يجب تجنبه بشدة".
وحذرت من أن ذلك قد يكون له تأثير اجتماعي واسع النطاق.
يُسهم الخوف من زيادة الوزن في اضطرابات الأكل وعدم الرضا عن شكل الجسد، كما يُغذّي ثقافة الحمية الغذائية السامة، ما يجعل الناس مهووسين بأنواع من الأطعمة وبممارسة الرياضة بطرق غير صحية، ويجعلهم عُرضة لمنتجات احتيالية وحميات غذائية غير تقليدية.
ومن أجل الرضا عن شكل الجسد وتجنب التعليقات المزعجة، يُجبَر الجميع على الالتزام بمعايير جمالية وصحية ضيقة، بدلاً من البحث عن ما يُناسب أجسامهم، وهذا أمرٌ يُلحق الضرر بالجميع، جسدياً ونفسياً.
اختبار "فلتر السمنة"
القوالب أو "الفلاتر"،التي تستخدم الذكاء الاصطناعي للتلاعب بمظهر الشخص، شائعة على تيك توك.
الكثير منها غير ضار، على سبيل المثال، يُظهر أحد هذه القوالب الشائعة الشخص وكأنه مصنوع من مكعبات ليغو.
وغالباً ما يقوم أفراد لا علاقة لهم بتيك توك بتصميم "الفلاتر" ، كما هو الحال مع "فلتر السمنة" الجديد.
حصلت بعض أشهر مقاطع الفيديو التي تستخدم هذا "الفلتر" على إعجاب عشرات الآلاف.
ولأغراض هذه المقالة، استخدمتُ هذا الفلتر على نفسي، وشعرتُ بانزعاجٍ شديد.
بصفتي شخصاً يدعو إلى قبول جميع أنواع الأجسام، وبصفتي واجهتُ صعوبة في السابق لتحسين تصوري عن جسدي، فإن استخدام هذا "الفلتر" يختلف تماماً عن استخدامي الشخصي لوسائل التواصل الاجتماعي، ولم أكن سعيدة لأن تيك توك فرضه عليّ في المقام الأول.
ظهر هذا الفلتر على صفحة "لك" على تيك توك مؤخراً، رغم أنني لم أتفاعل مع أي محتوى يتعلق بالوزن أو الصحة.
بعد مشاهدة الفيديو وقراءة التعليقات، انتهى الأمر، فخوارزمية تيك توك تعمل على اقتراح مقاطع فيديو مشابهة من أشخاص آخرين يستخدمون ذات "الفلتر"، وحتى مقاطع فيديو أخرى يُظهر فيها الذكاء الاصطناعي أنك أكثر رشاقة.
BBC
غيّر الفلتر صورة جيسيكا بصور كبيرة
لحسن الحظ، صادفت بعض المنتقدين لهذا القالب، وقد تحدثنا إلى بعضهم في هذه المقالة.
أصبحت صور و"فلاتر" الذكاء الاصطناعي شائعة على تيك توك، وسرعان ما تم الاقبال على استخدامها للتسلية، تماماً كما كان يفعل بعض المنتمين لجيل الألفية وجيل ما بعد الألفية مع تطبيق سناب شات.
لكن "فلاتر" كهذه، رغم أنها قد تبدو مسلية، قد تكون ضارة جداً بالصحة النفسية للشخص، وتشجعه على مقارنة نفسه ليس فقط بالآخرين، بل بنسخة غير واقعية من نفسه.
"مضرّ وسامّ"
تحدثت بي بي سي مع عدد من مستخدمي تيك توك الذين أعربوا عن عدم ارتياحهم للفلتر.
قالت نينا، التي تعيش في شمال ويلز، إنها شعرت بأنه يُسهم في "سردية" تُنشر على الإنترنت تربط بين مظهر الناس وقيمتهم الذاتية.
وقالت: "هذه وجهة نظر سامة، كنت أعتقد أننا نبتعد عنها".
وأضافت لبي بي سي: "إذا كان الفلتر مسيئاً بشكل واضح، فيجب إزالته".
وأقرّت إيما، التي تعيش في آير، بذلك.
أول ما خطر ببالي عندما رأيتُ "فلتر البدانة" هو مدى الضرر الذي سيُلحقه، بالآخرين.
"كان الناس يقولون إن مظهرهن مثير للاشمئزاز لأنهن ممتلئات، وبصفتي امرأة ذات جسد يميل للامتلاء، وشكلي يشبه الآخرين بعد استخدامهم لهذا الفلتر، كان الأمر محبطاً بالنسبة لي" - تقول إيما.
قالت نينا إنها سعيدة برؤية الناس ينتقدون هذا التوجه، الذي وصفته بأنه "غير أخلاقي وغير حساس".
وقالت: "يجب أن ندعم بعضنا البعض، لا أن نعيب أجساد بعضنا البعض".
وتتفق سادي على أنه لا ينبغي السماح بذلك، لكنها تقول إن هناك أشياء يمكن أن يفعلها تيك توك تقلل الأذى، "كأن يتضمن (الفلتر) تحذيراً مثلا".
وتضيف سادي "إذا كانت هناك مواضيع تتعلق بالسخرية من شكل الجسد أو اضطراب الأكل أو أي شيء من هذا القبيل، أعتقد أنه يجب أن تكون هناك طريقة خاصة للتعامل معها، بحيث إذا أراد هؤلاء الأشخاص نشرها، فعليهم نشرها، ولكن لا يتم دفعها إلى جمهور أوسع".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عندما يرى العقل ما لا يراه الآخرون: هل الفُصام هو تعدّد في الشخصيات؟
عندما يرى العقل ما لا يراه الآخرون: هل الفُصام هو تعدّد في الشخصيات؟

الوسط

timeمنذ 2 أيام

  • الوسط

عندما يرى العقل ما لا يراه الآخرون: هل الفُصام هو تعدّد في الشخصيات؟

Getty Images غالباً ما تفشل الأعمال الدرامية والسينمائية في تقديم صورة دقيقة للاضطرابات النفسية كالفصام واضطراب الهوية التفارقي، مما يُسهم في تشويه فهم الجمهور لهذه الحالات ماذا لو شعرت أن ذاتك تُفلت من سيطرتك لساعات دون وعي؟ أو استيقظت ذات صباح لتجد منزلك مطلياً بلونٍ جديد لم تختره؟ ماذا لو وجدت نفسك تخوض جدالاً مع أصوات لا يسمعها سواك، أو تتلقى أوامر من شخصٍ أو كائن لا يراه أحد غيرك؟ هذه ليست مشاهد من رواية تشويق أو فيلم إثارة، بل تجارب واقعية يمر بها الملايين حول العالم، ممن يعانون من حالتين نفسيتين يُساء فهمهما باستمرار في مجتمعاتنا: "الفصام" و"اضطراب تعدد الشخصيات" الذي بات يُعرف اليوم بـ"اضطراب الهوية التفارقي". بين الحكاية والعلم Getty Images كان إسحاق يسرق دجاجة كل يوم، مبرراً ذلك بجنية من نار تُدعى "الساكونة" تهدده بإحراق القرية إن لم يفعل ذلك. من بين حكايات أمي التي كانت ترويها لي قبل النوم، بقيت حكاية إسحاق محفورة في ذاكرتي. كانت أمي تؤكّد أنها حقيقية، ودارت أحداثها في قريتها ديراستيا - قرب نابلس، منتصف القرن العشرين. كان إسحاق يسرق دجاجة كل يوم، مبرراً ذلك بجنية من نار تُدعى "الساكونة" تهدده بإحراق القرية إن لم يفعل ذلك. وكان يأخذ أهل القرية إلى مقام وليّ يُدعى "الشيخ خاطر" ليُريهم الدجاج مذبوحاً. تقول أمي: "قرأ عليه شيخ الحارة رُقية بعدما أجمع أهل القرية أن الجنّ قد تلبّسه، لكن ذلك لم يُجْدِ نفعاً، وبقي يسرق ويذبح الدجاج حتى توفاه الله". في طفولتي، كنت أرتجف من وصف تلك الجنية. أما اليوم، فأرى القصة بعينٍ مختلفة. أدركت أن إسحاق ربّما كان صادقاً، ورأى ما أملاه عليه عقله. وعلى الرغم من تقدم الطب كثيراً مقارنة بما كان عليه قبل سبعين عاماً — حين دارت حكاية إسحاق — لا تزال مفاهيم كثيرة متعلقة بالصحة النفسية يكتنفها الغموض، ويحيط بها قدر كبير من الخلط والتبسيط الخاطئ. من أبرز هذه المفاهيم المغلوطة، الخلط بين "الفصام" و"اضطراب تعدد الشخصيات" الذي بات يُعرف اليوم بـ"اضطراب الهوية التفارقي". توضح الدكتورة مايا بزري، أخصّائية الطب النفسي في كليفلاند كلينك، لبي بي سي أن "الفُصام اضطراب ذُهاني، يتّسم بفقدان القدرة على التمييز بين الواقع والخيال، ويظهر في شكل هلوسات وأوهام، واضطراب في التفكير، إضافة إلى أعراض سلبية مثل الانسحاب الاجتماعي وفقدان الدافعية". والهلوسات هي رؤية أو سماع أشياء لا وجود لها (كجنيّة إسحاق)، أمّا الأوهام فهي معتقدات راسخة لا يزعزعها أي دليل يثبت خطأها. أما اضطراب الهوية التفارقي، فهو "ليس ذهانياً، بل اضطراب يأتي استجابة نفسية لصدمة ما، يتجلى في حضور أكثر من هوية مستقلة داخل المريض"، إلّا أن هذه الهويّات لا تفقد صلتها بالواقع — كما في الفُصام، لكنها تتبدل. هذا التمييز ليس تفصيلاً طبياً فقط، بل مدخل أساسي لفهم الفروقات بين حالتين متمايزتين كثيراً ما يخلط الناس بينهما. الفُصام - حين ينفصل العقل عن الواقع Getty Images يؤثر الفصام على ما يقرب من 24 مليون شخص أو 1 من كل 300 شخص (0.32 في المئة) في جميع أنحاء العالم. 1 من كل 222 شخص (0.45 في المئة) بين البالغين. (منظمة الصحة العالمية) مصطلح "فُصام" أو شيزوفرينيا جاء من كلمتين يونانيتين: "شيزو" وتعني انقسام، و"فرين" وتعني عقل. وقد يكون هذا الأصل اللغوي مسؤولاً جزئياً عن المفهوم الخاطئ المنتشر بأن الفُصام يعني "انقسام الشخصية" — بينما هو في الحقيقة أمرٌ مختلف. وبحسب منظمة الصحة العالمية، يؤثر الفصام على ما يقرب من 24 مليون شخص أو 1 من كل 300 شخص في جميع أنحاء العالم، ما يشكّل واحداً من كل 222 شخصاً بين البالغين. تروي الدكتورة بزري مثالاً من واقع عملها: "أحد مرضاي من الرجال، في العشرينات من عمره، دخل المستشفى للتو، يعتقد أن جيرانه يتحكّمون بأفكاره عبر الأقمار الصناعية، ويراقبونه بالكاميرات". وتضيف: "هذه الأوهام مثيرة للقلق له ولعائلته، وقد تؤدي إلى سلوك خطير إذا كانت الأصوات تأمره بإيذاء نفسه أو الآخرين". بالإضافة إلى الهلاوس والأوهام، يعاني مريض الفُصام من "الأعراض السلبية" التي قد تكون أقل وضوحاً من الأعراض الذهانية، لكن أثرها يبقى حاضراً في حياته. تشمل هذه الأعراض الانسحاب الاجتماعي، وفقدان الحافز، والتبلد العاطفي، وعدم العناية بالنفس، بحسب بزري — وهي الأعراض التي ربما تفسّر مظهر إسحاق المهلهل في حكاية أمي. عندما تستحوذ الهلاوس والأوهام على المريض، فإنها تطغى على وعيه وتشوه إدراكه للواقع، ليصبح عالمه الداخلي منفصلاً عن العالم المشترك الذي يراه الآخرون، وليس "منقسماً بين شخصيات مختلفة" كما يُشاع. الفُصام ليس تحولاً درامياً نحو الجنون كما تصوره بعض الأعمال الفنية أو الروايات الشعبية، بل هو تشوش في العلاقة مع الواقع، تتداخل فيه الأصوات مع الأفكار، وتتشكل فيه أوهامٌ وهلاوس لها حضور طاغٍ في وعي المريض. لعل إسحاق لم يكن مُخادعاً كما ظنه أهل قريته، ولا مُتلبّساً كما أجمعوا، بل ربما كان شاهداً مبكراً على الإدراك المضطرب للواقع الذي يرافق الفُصام. لم يكن يرى جنية حقيقية (على الأرجح)، بل كان يرى ما أملاه عليه دماغه المضّطرب. اضطراب الهوية التفارقي - عندما تصبح الهوية ملاذاً آمناً Getty Images تشير التقديرات، بحسب دراسة منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب، إلى أن اضطراب الهوية التفارقي يصيب حوالي 1.5٪ من سكان العالم. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن معدلات الانتشار يمكن أن تختلف عبر الدراسات المختلفة. أُدخلت ليندا (اسم مستعار) وهي امرأة في الأربعين من عمرها إلى المستشفى على خلفية مشاكل قانونية. فقد تبيّن أنها وقّعت عقد تأجير لأرض ورثتها ولا تتذكر عنها شيئاً. أصرّت عائلتها على أنها 'لم تكن في حالها الطبيعي' وقتها، وأن شيئاً غير معتاد كان يحدث لها. ومع مرور أيام المراقبة في المستشفى، بدأ يتضح ما قصدته عائلة ليندا. لم يكن الأمر مجرد نسيان عادي. لاحظ الفريق الطبي تبدلاً في شخصيتها. كانت أحياناً تظهر كامرأة ناضجة، مرتبة ومنظمة، تتحدث بوضوح وعقلانية. وفي أحيان أخرى، كانت تتحول إلى شخصية مختلفة تماماً؛ تتحدث بصوت طفولي، وتستخدم اسماً مختلفاً لنفسها، وتهدي الممرضين أساور صداقة، وتبحث عن الطمأنينة والدعم العاطفي. تقول الدكتورة بزري: "كانت هذه التحولات واقعية وعميقة، وليست مصطنعة أو متعمدة، والأهم أن ليندا البالغة لم تكن تتذكر شيئاً مما فعلته أو قالته ليندا الطفلة." لم تكن ليندا تعاني من فقدان صلتها بالواقع (كما يحدث في الفُصام)، بل كان عقلها قد لجأ إلى آلية دفاعية معقدة لحمايتها من الألم، كما توضّح بزري. شُخّصت ليندا باضطراب الهوية التفارقي (اضطراب تعدد الشخصية سابقاً). ينشأ هذا المرض غالباً في مرحلة الطفولة المبكرة، نتيجة صدمات شديدة مثل الإهمال أو العنف الأسري. ولأن الطفل لا يملك الأدوات النفسية الكافية لمواجهة هذا الألم، فإن عقله يلجأ إلى آلية دفاعية شديدة: تفتيت الهوية إلى ذوات متعددة، تحمل كل واحدة منها مشاعر وذكريات وتجارب مختلفة، كما تصف بزري، المختصة في الطب النفسي الجسدي والتكاملي. وقد يكون لكل من هذه الشخصيات البديلة خصائصها الفريدة: كأن تحمل كل شخصية اسماً مختلفاً، أو صوتاً مميزاً، وذاكرة منفصلة، وحتى طريقة كتابة أو خط يد خاص بها. وفي بعض الحالات، قد تختلف في السلوكيات أو حتى في الاحتياجات الجسدية، مثل حاجة إحدى الهويّات، دون غيرها، لنظارة طبية، بحسب مايو كلينيك. وإن جاز التعبير، فإن عقل المريض بهذا الاضطراب يختبئ في غرفة داخلية؛ يهرب فيها من الألم ويُغلق الباب. تشخيصان مختلفان... لكن الارتباك الثقافي مستمر Getty Images كثيراً ما تُقدَّم اضطرابات كالفُصام واضطراب الهوية التفارقي في الأعمال الدرامية بصورة غير دقيقة، مما يُكرّس مفاهيم مغلوطة ويُعمّق الوصمة الاجتماعية غالباً ما تفشل الأعمال الدرامية والسينمائية في تقديم صورة دقيقة للاضطرابات النفسية كالفصام واضطراب الهوية التفارقي، مما يُسهم في تشويه فهم الجمهور لهذه الحالات. يؤكّد ذلك مقال نشره موقع التحالف الوطني للأمراض العقلية، وهي منظمة أمريكية تُعنى بالمصابين بأمراض نفسية وعقلية. كثيراً ما تُقدَّم اضطرابات كالفُصام واضطراب الهوية التفارقي في الأعمال الدرامية، لا سيما في هوليوود، بصورة غير دقيقة، مما يُكرّس مفاهيم مغلوطة ويُعمّق الوصمة الاجتماعية. إذ يُختزل اضطراب الهوية التفارقي، في كثير من الأحيان، إلى تحوّلات مسرحية بين شخصيات متضادة، أو يُصوَّر كحالة مرتبطة بالعنف أو السلوك الإجرامي. أما الفُصام، فنادراً ما يظهر في الإعلام دون أن يُقرَن بالعنف أو السلوك غير المتوقع، وهي صورة تعتبرها منظمات الصحة النفسية "مجحفة وموصِمة". فمرضى الفصام عرضة أن يكونوا ضحايا للعنف لا مسببين له. ويُستخدم في هذا السياق مصطلحات مُسيئة وغير دقيقة، ما يُعزز الربط الخاطئ بين المرض العقلي والعنف، ويُفاقم عزلة المصابين ويجعلهم أكثر تردداً في طلب المساعدة نتيجة للوصمة. وقد يؤدي هذا الوصم أيضاً إلى فقدان البعض لوظائفهم أو تضرر علاقاتهم الاجتماعية، وفق ما يحذر منه المقال. ولا يقتصر أثر هذه الصور غير الدقيقة على المستوى الفني، بل يُشكّل حاجزاً حقيقياً أمام فهم مجتمعي منصف للاضطرابات النفسية، ويُضعف الجهود المبذولة لمكافحة الوصمة وتقديم الرعاية اللازمة لمن يحتاجونها. وتعلق برزي: "أحد مرضاي الذين عانوا من الفصام حصل على درجة الماجستير بامتياز، وأنشأ شركته الخاصة، وكل ذلك أثناء تلقيه العلاج. أذكره دائماً لأُبيّن أن الفُصام لا يعني نهاية الطموح." وهذا مثال حيّ على التصورات المغلوطة التي يبنيها الإعلام والمجتمع على حد سواء، عن المرضى النفسيين. مسارات نحو الشفاء: طرق مختلفة، ولكن إنسانية مشتركة Getty Images أكثر من ثلثي الأشخاص المصابين بالذهان في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على رعاية نفسية متخصصة. (منظمة الصحة العالمية) في حين لا يوجد علاج شافٍ لمرض الفصام، يمكن السيطرة على أعراضه من خلال العلاج مدى الحياة، الذي يتضمن عادة الأدوية كعنصر رئيسي، بحسب مايو كلينك. يشكل العلاج الدوائي حجر الأساس، خاصةً الأدوية المضادة للذهان التي تُعيد التوازن في كيمياء الدماغ. تُستخدم هذه الأدوية لتخفيف الهلاوس والأوهام، وتساعد على استعادة قدر من الاستقرار الذهني والسلوكي. ويُضاف إليها العلاج النفسي (مثل العلاج السلوكي المعرفي)، والدعم الاجتماعي والتأهيلي، خصوصاً في الحالات المزمنة التي تتطلب دخول المستشفى أو إشرافاً طويل الأمد. التدخلات النفسية والاجتماعية ضرورية أيضاً، وتشمل العلاج الفردي لتحسين أنماط التفكير ومهارات التأقلم، والتدريب على المهارات الاجتماعية لتعزيز التواصل والأداء اليومي، والعلاج الأسري للدعم والتثقيف، والتأهيل المهني للمساعدة في التوظيف والحفاظ عليه، ولكنها تأتي ثانياً بعد الأدوية، بحسب مايو كلينيك. أما اضطراب الهوية التفارقي، فالمسار يكون مختلفاً. لا تُعالج الأعراض بالأدوية في المقام الأول، بل تُعالج الصدمة — الجذر النفسي العميق للحالة. وبحسب برزي فإن الأدوية قد تُستخدم لأعراض مصاحبة مثل الاكتئاب أو القلق، لكن الشفاء الحقيقي يحصل من خلال علاقة علاجية آمنة تعالج الصدمة. كلتا الحالتين إذاً تتطلبان خططاً علاجية مُركّبة، لكن المسار العلاجي لا يبدأ دائماً من المكان ذاته. ومع ذلك، يظل القاسم المشترك هو الإنسان: مريض يبحث عن الاستقرار، ويستحق الفهم لا الوصم. في قاعة المحكمة: متى يكون المريض مذنباً؟ ومتى يكون ضحية؟ Getty Images حوالي 4 في المئة من البالغين المسجونين في جميع أنحاء العالم لديهم طيف من اضطراب الفصام. (دراسة منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب) قد لا تكون الحقيقة وحدها كافية داخل قاعة المحكمة، خصوصاً عندما تُصبح "الهوية" نفسها موضع نزاع. اضطراب الهوية التفارقي، بتركيبته النفسية المعقدة، لا يثير الأسئلة الطبية فحسب، بل يُربك أحياناً معايير العدالة: من هو الجاني الفعلي؟ وهل يتحمّل المسؤولية مَن ارتكب الجريمة... إن لم يكن "هو" نفسه؟ بحسب مراجعة منشورة في دورية "فرونتيرز إن سايكولوجي" Frontiers in Psychology، ما يزال اضطراب الهوية التفارقي محل جدل واسع داخل النظام القضائي حول العالم. تختلف المحاكم في تحديد من تقع عليه المسؤولية الجنائية: فبعضها يُحاكم "الشخصية المتحكمة وقت الجريمة"، بينما تذهب أخرى لتقييم وعي "الشخصية الأصلية"، مما يفتح المجال لاجتهادات متناقضة في فهم العلاقة بين المرض والقانون. الدكتور إلياس غصوب، طبيب نفسي شرعي وأستاذ مساعد في الطب النفسي السريري في الجامعة الأمريكية في بيروت، وزميل في المجلس الأوروبي للطب النفسي، يتحدّث لبي بي سي عربي عن الفجوات في الأنظمة القضائية عالمياً وعربياً، ويؤكّد أن المرضى "عرضةٌ للعنف أكثر من كونهم ممارسين له". كما يوضّح غصوب أهمية العلاج وفعاليته، وكذلك أهمية توفير الرعاية الصحية لهم، مشيراً إلى أن "تلقي العلاج النفسي يقلل من احتمالية تكرار الجريمة". ويرى غصوب ضرورة دمج خدمات الصحة النفسية، بما في ذلك الطب النفسي والعلاج النفسي، في "المؤسسات الجنائية، لا بهدف العقوبة، بل لأغراض إعادة التأهيل"، الأمر الذي يستدعي بذل المتخصصين في الصحة النفسية جهوداً لزيادة الوعي والمعرفة بالصحة النفسية بين العاملين في الأنظمة القانونية والسياسية، بهدف حماية حقوق الأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية. وهكذا يبقى سؤال المسؤولية النفسية في قاعات المحاكم مطروحاً — لا كمسألة جنائية فحسب، بل كسؤال إنساني يفرض نفسه، ويستدعي فهماً أعمق لحالات هؤلاء الأفراد وتقديم الدعم اللازم لهم. الفهم، لا الوصمة Getty Images مات إسحاق عند مقام "الشيخ خاطر"، حيث طالما قاد أهل قريته ليُريهم الدجاج المذبوح. في أيامه الأخيرة، لم يتراجع، بل ظلّ يناشد الناس أن يتخلّوا عن بُخلهم ويُرضوا الجنيّة. قال لهم: "حرام أن تأكل النار كل شجر الزيتون هذا، مقابل بضع دجاجات". لا أعلم إن كان إسحاق يعاني من الفُصام، فأنا لست مُخوّلاً لتشخيصه، لكن تجاوز خرافة "انفصام الشخصية" — لا كمصطلح لغوي فقط، بل كمنظور اجتماعي اختزل الإنسان في تشخيص، وحوّل المعاناة إلى وصمة، يُسهم في مساعدة المرضى وإدماجهم.

كيف يؤثر نظام المناوبات الليلية على الصحة النفسية؟
كيف يؤثر نظام المناوبات الليلية على الصحة النفسية؟

الوسط

timeمنذ 5 أيام

  • الوسط

كيف يؤثر نظام المناوبات الليلية على الصحة النفسية؟

Getty Images في الوقت الذي يستعد فيه كثيرون إلى الخلود للنوم، تبدأ مناوبة عمل جديدة لآخرين، من أطباء وممرضين وصحفيين وعاملين في المطارات وعُمال مصانع ورجال أمن وغيرهم ممن يعملون وفق نظام المناوبات أو (الشفتات). وقد يجد البعض منا أنه مضطر للعمل ضمن نظام المناوبات وفقاً لطبيعة عمله، ونظراً لذلك، فقد يكون عرضة أكثر من غيره لعدة مشاكل صحية ونفسية وعقلية، وكذلك مشاكل على مستوى حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية نتيجة اختلاف مواعيد العمل. منذ الثورة الصناعية، استخدمت قطاعات التصنيع والخدمات العمل وفق نظام المناوبات بهدف زيادة الإنتاجية والربحية. وقبل تسعينيات القرن الماضي، لم يكن معروفاً سوى القليل عن تأثير العمل بنظام المناوبات على صحة العاملين. وقد وجدت دراسة في منتصف التسعينيات من خلال استخدام البيانات السريرية أن الممرضات العاملات ليلاً أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، وازداد هذا الخطر مع عدد السنوات التي قضينها في أداء العمل بنظام المناوبات. لذلك، هل فكرت يوماً إن كان عملك وفق نظام المناوبات أحد عوامل إصابتك بأمراض نفسية أو جسدية؟ Getty Images ما المخاطر الجسدية والنفسية التي قد تهدد العاملين بنظام المناوبات؟ بدايةً، لا بد من معرفة المقصود بنظام المناوبات (Shift Work) والذي يعني توزيع ساعات العمل على مدار اليوم والأسبوع، إذ يتناوب الموظفون على العمل وفق مناوبات متتابعة لضمان استمرارية العمل وتلبية احتياجاته وعدم توقف عجلة الإنتاج، وتتراوح المناوبات عادة بين مناوبتين أو ثلاث في اليوم، وقد تشمل ساعات العمل الليلية أو الصباحية المبكرة، بحيث تستمر كل مناوبة لمدة 8 إلى 9 ساعات، بشرط ألا تتجاوز عدد ساعات العمل الفعلية، وفق نظام منظمة العمل المحلية والدولية. وقد أظهرت دراسات علمية حديثة أن العمل بنظام المناوبات له آثار سلبية على الصحة النفسية والعقلية، ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني والخرف والوفاة المبكرة بشكل عام. ففي دراسة علمية جديدة نُشرت في مجلة علم نفس الصحة المهنية (Journal of Occupational Health Psychology) التي تصدر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس، أشارت إلى أن الأشخاص الذين يعملون بنظام المناوبات معرضون بنسبة أعلى للإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم مقارنة بالعاملين وفق نظام دوام ثابت. Getty Images الساعة البيولوجية للإنسان "الساعة البيولوجية" و"الاكتئاب" من أكبر التحديات الصحية وهو ما يشرحه الأخصائي النفسي علي المُلقي خلال حديثه لبي بي سي قائلاً: "إن الساعة البيولوجية تتحكم في إفراز الهرمونات وتنظم عملية النوم والمزاج وعندما يُفرض على الجسم العمل في وقت الراحة الطبيعي، يتأثر نظامه بالكامل. الأمر لا يقتصر فقط على النوم، بل يشمل الذاكرة والانتباه والعلاقات الاجتماعية كذلك". وأضاف: "إن العمل وفق نظام المناوبات له تأثيرات على الجانبين العقلي والنفسي، إذ قد ينتج عنه ضعف في القدرة على أداء المهارات اليومية بالشكل الاعتيادي ووظائف الدماغ الدنيا والعليا، مثل التركيز والتفكير والتواصل والإبداع". وتؤكد الأخصائية النفسية نورة صلاح أن اضطراب الساعة البيولوجية للعاملين بنظام المناوبات يعد المشكلة الصحية الأكبر بقولها: "إن العمل بهذا النظام يؤدي إلى خلل في نظام النوم، إذ تتأثر الساعة البيولوجية وهي الساعة الداخلية للجسم المسؤولة عن تنظيم العمليات الجسدية والعقلية والسلوكية على مدار الساعة، بالضوء والظلام. وإن العمل بنظام المناوبات خلال الليل تحديداً يعطّل عملها، ويخل بتوازن أنظمة الجسم التي تتحكم بها". موضحة: "قد تزيد فرصة حدوث مشاكل تتمثل في قلة النوم والأرق لدى الأشخاص العاملين بنظام المناوبات وهذا كفيل بأن يُؤثر على مشاعر الشخص وتصرفاته فتجلعه عصبياً ومتوتراً، وفي حال لم يتم الانتباه لهذه المشاكل والتعامل معها أولاً بأول، فقد يزيد من احتمالية حدوث الاكتئاب لدى الأشخاص". وخلال حوارها مع بي بي سي قالت: "هناك دراسة حديثة نُشرت في أبريل/ نيسان الماضي أظهرت أن الأشخاص العاملين بنظام المناوبات تكون جودة نومهم أقل، وقد تزداد لديهم المشاكل النفسية". مضيفة: "هناك دراسة أخرى أظهرت أن العاملين وفق هذا النظام معرضون بنسبة 30 في المئة للاكتئاب، وأن الإناث أكثر عرضة للاكتئاب بنسبة 70 في المئة، وهو ما يشير إلى العزلة نتيجة عدم قدرة من يعملون بنظام المناوبات على قضاء وقتهم مع عائلاتهم أو أصدقائهم مما ينعكس سلباً على حالتهم المزاجية والنفسية". Getty Images "من أجل الوفاء لمعطفي الأبيض ولقبي في ملائكة الرحمة" ولمعرفة حقيقة ما يمكن وصفه بـ "معاناة" العاملين وفق نظام المناوبات ومحاولتهم إيجاد توازن بين طبيعة عملهم وحياتهم الخاصة، كنتُ قد أجريتُ عدداً من المقابلات مع أشخاص في قطاعات عملية مختلفة. قالت الممرضة تُقى عقرباوي التي تحدثّت لبي بي سي: "أنا ممرضة أعمل ضمن نظام المناوبات وأحاول دوماً التوفيق بين عملي وحياتي الخاصة، إلا أنني غالباً ما أجد نفسي أضحّي من أجل الوفاء لمعطفي الأبيض ولقبي في ملائكة الرحمة، إذ إنني لا أشارك عائلتي في أبسط الأمور ومنها تناول الطعام معهم وعدم مشاركتهم في معظم المناسبات العائلية والاجتماعية حتى أنني لا أرى وجه من أعتبرهم أغلى البشر لدي بسبب تلك المناوبات الليلية المرهقة والتعب الذي يرافقني ليجعلني أنام ساعات طويلة بمجرد انتهاء المناوبة". وأضافت: "تعد فكرة أنك المسؤول الأول عن حياة الأشخاص والتركيز للحفاظ على حياة المرضى من عدم حدوث أي خطأ طبي من العوامل التي تؤثر على حالتنا النفسية والعقلية لدرجة أنها تستنزف أرواحنا، إلى جانب عملنا وفق نظام المناوبات، إلا أنني أحاول تجاوز ذلك من خلال عدة أمور كالقيام بنشاط بدني ممتع ومفيد للتخلص من الطاقة السلبية، وأحياناً أحصل على إجازة من العمل لأجدد طاقتي، كما أن وجود زملاء عمل جيدين يسهم في مساعدتي على تجاوز التعب". وليس ببعيد عن الممرضة عقرباوي، قال الممرض عطا عقل الذي يعمل في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات خلال حواره مع بي بي سي: "أعمل وفق نظام المناوبات الليلية وحتى خلال العطل الرسمية، باعتباري أمثل خط الاستجابة الأول للحالات الحرجة والمفاجئة. كما أنني أعمل كمحاضر جامعي، ما يضيف بعداً أكاديمياً إلى جدولي المزدحم. وعليه أشعر أحياناً باستنزاف في طاقتي الذهنية والنفسية جرّاء الضغط المستمر والتعامل اليومي مع حالات طبية طارئة، خاصة حين يتزامن ذلك مع مسؤولياتي التدريسية". وفي سؤالي حول إمكانيته لتحقيق التوازن بين عمله بالمناوبات وحياته، أجاب: "أعترف أن الأمر ليس سهلاً، إذ أحاول أن أضع حدوداً واضحة بين العمل الطبي والأكاديمي، وأحرص على تخصيص وقت للعائلة حتى لو تطلب ذلك التخطيط المسبق بدقة. كما أنني أمارس المشي والتأمل، وأخصص وقتاً للصمت والابتعاد عن الشاشات. كما أنني أجد في التعليم الجامعي نوعاً من التوازن، فهو يمدني بطاقة مختلفة تُكمل الجانب العلاجي من عملي". وفي حديثه لبي بي سي قال الطبيب مهند وهو أخصائي عناية مركزة: "إن العمل وفق نظام المناوبات يؤثر سلباً على جميع مناحي الحياة، والمشكلة الأكبر تتمثل في النوم، نتيجة تغيير أوقات المناوبات إذ لا يمكنني النوم خلال أوقات العمل إلا لفترة قصيرة جداً وأقوم بتعويض ساعات النوم على حساب الوقت المخصص لعائلتي. وعلى الرغم من التعب والنعاس الشديدين بعد انتهاء فترة المناوبة فيكون من الصعب الدخول في النوم، وتكون جودة النوم سيئة جداً". وأضاف: "إن الطريقة الوحيدة الفعالة نوعاً ما لتحقيق التوازن بين عملي في المناوبات وحياتي هي التنسيق مع زملائي حيث أقوم بوضع أكبر عدد ممكن من المناوبات في أقصر فترة ممكنة لأتمكن من الحصول على فترات بدون مناوبات، ورغم ضغط العمل في فترات معينة إلا أنني أحصل على أوقات فراغ في المقابل". ويقف على مسافة قريبة أحمد خزاعلة الذي يعمل في مجال التحاليل الطبية، وكذلك المُعالِجة الطبيعية سارة حمد، اللذان تحدثا لبي بي سي عن شعورهما بالضغوط النفسية نتيجة العمل بنظام المناوبات: "من الصعب الفصل بين هذا النوع من نظام العمل والحياة الخاصة، ولكن لا بد من تحقيق التوازن ما أمكن عبر التواصل مع العائلة والجلوس معهم ومشاركتهم الأنشطة المختلفة في وقت الإجازة". Getty Images "بتُّ أفكر جدياً بترك العمل" تحدّثت الصحفية سارة سويلم التي تعمل في أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية عما وصفته بـ"المعاناة الحقيقية" جرّاء العمل في نظام المناوبات لبي بي سي قائلة: "أعمل في موقع إخباري في مجال إعداد وإنتاج المقابلات وتنسيق الضيوف للبرامج والأخبار والتقارير في الموقع، ورغم خبرتي الطويلة في هذا المجال، إلا أنني أعمل منذ نحو شهرين في موقع إخباري وفق نظام المناوبات التي أشعر وكأنها 20 عاماً، وليس مجرد هذه الفترة القصيرة". وتكمل بالقول: "تولّد شعوري هذا بسبب عدم الالتزام الإداري بالمناوبات، إذ غالباً ما يجري تغيير أوقات المناوبات بشكل مفاجئ، خاصةً إذا كان أحد الزملاء متعباً أو لديه ظروف خاصة أو أن هناك علاقة جيدة تربطه بالمسؤول عن الموقع تمنحه ميزة عدم العمل بنظام المناوبات، وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على نفسي ويُحدِث فجوة بين عملي وحياتي، خاصةً وأن لدي عائلة بحاجة للقيام بمسؤولياتي اتجاهها". وعن التأثير النفسي لنظام العمل بالمناوبات قالت سويلم: "المناوبات العشوائية أثرت على صحتي، إذ غالباً ما أشعر بالتعب والإرهاق لعدم حصولي على ساعات نوم كافية، وأفكر باستمرار لإنجاز العمل وإتقانه.. بتُّ أفكر جدياً بترك العمل، خاصةً أنني تعوّدت العمل وفق ساعات عمل محددة وثابتة. والآن أحاول تحقيق التوازن بين عملي وحياتي الخاصة من خلال النوم لعدة دقائق كي أستعيد بها طاقتي وأجددها، وأستمع أحياناً لبعض الموسيقى بهدف الاسترخاء". Getty Images "أعمل بنظام الاستعداد المستمر" خلال حوارها مع بي بي سي قالت المنسقة الإعلامية بإحدى القطاعات الصحية روضى الشريف: "عملي في المجال الإعلامي وخاصة في القطاع الطبي يقوم على التغطية المستمرة للأحداث والجولات والزيارات الرسمية، مما يتطلب التواجد في مواقع متعددة خلال أوقات غير تقليدية، قد تكون في ساعات مبكرة من الصباح أو متأخرة من الليل، فنحن نعمل بنظام الاستعداد المستمر، وغالباً ما نكون في قلب الحدث". وأضافت: " بطبيعة الحال، العمل في بيئة دائمة الحركة تتطلب اليقظة والسرعة والدقة، ما قد يشكل ضغطاً نفسياً وعقلياً إذا لم نكن مدرَّبين على إدارة التوتر. وبالفعل هناك لحظات من الإرهاق، وهناك أوقات يشعر فيها الإنسان أنه بحاجة إلى التوقف. أحياناً يكمن التحدي في التفاصيل الصغيرة، في التوفيق بين أكثر من مسؤولية، وفي الغياب عن لحظات شخصية، لكنه تحدٍ نواجهه بحب واحترافية". وفي سؤالي عن الخطوات التي يمكن أن تتبعها لتحقيق التوازن بين طبيعة عملها وحياتها، أجابت الشريف: "تحقيق التوازن في ظل هذا النمط من العمل ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً. أؤمن أن التنظيم هو مفتاح كل شيء، إذ أحرص على تخصيص وقت نوعي لعائلتي وأطفالي. كما أحرص على تخصيص وقت لنفسي سواء من خلال التأمل، أو ممارسة الرياضة أو الكتابة لأنني كاتبة روائية أيضاً". ويتفق يزن القرعان الذي يعمل موظفاً في أحد المطارات مع روضى بقوله: "أحاول القيام بتمارين التنفس باستمرار والجلوس في مكان هادئ، كما أحرص على الحصول على قسط كافٍ من النوم لأتجنب الضغط والتوتر بسبب عملي بنظام المناوبات". أما يحيى الذي يعمل في إدارة المنتجات الرقميّة فقال: "لا أشعر بتأثير نفسي وصحي مباشر بسبب عملي في المناوبات، لأنني أحب طبيعة عملي الذي أعتبره مسلياً وفيه نوع من الابتكار والاكتشاف والتنويع والتطوير. ورغم ذلك أحاول ترتيب أولوياتي وأحرص على التواصل مع عائلتي كلما سنحت لي الفرصة". Getty Images كيف يحافظ العاملون بنظام المناوبات على صحتهم؟‬ يتفق الأخصائيان النفسيّان علي المُلقي ونورة صلاح على عدد من النقاط التي ينصحان بها كل شخص يعمل وفق نظام المناوبات على اتباعها وهي كالتالي: تنظيم النوم بشكل محدد، وذلك عبر المحاولة بالنوم في نفس التوقيت بعد كل مناوبة، وتوفير بيئة مظلمة وهادئة. التعرض للضوء الطبيعي، وهو ما يساعد في إعادة ضبط الساعة البيولوجية، خاصة بعد مناوبة العمل الليلية. توزيع المناوبات بطريقة صحية، إذ لا بد من تجنب التحول المفاجئ من مناوبة ليلية إلى نهارية والعكس. الحفاظ على نظام غذائي متوازن، والتقليل من تناول الكافيين والسكريات خلال فترات الليل. ممارسة النشاط البدني بانتظام، إذ يُفضل ممارسة أي نشاط رياضي لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام أسبوعياً، وذلك بهدف تحسين جودة النوم وتعزيز الصحة الذهنية. ممارسة تمارين التنفس العميق وتمارين الاسترخاء العضلي والعقلي، وذلك لزيادة اليقظة والتركيز والنشاط. طلب الدعم النفسي عند الحاجة وعدم التردد في مراجعة الطبيب أو الاخصائي النفسي عند ظهور مؤشرات كالإجهاد العقلي أو الاكتئاب. ونصحت أخصائية التغذية أَوْلا دَعْنا خلال حديثها لبي بي سي أنه لضمان توازن غذائي أثناء المناوبات أن يقوم الأشخاص بالتحضير المسبق لوجباتهم في المنزل، موضحةً: "من المهم تناول وجبات منتظمة ومتوازنة تشمل الكربوهيدرات المعقدة والبروتينات والدهون الصحية كالأسماك والخضروات، إضافةً إلى شرب الماء بانتظام لتوفير الطاقة وتقليل الإحساس المستمر بالجوع. كما يُنصح بتقليل المنتجات التي تحتوي على الكافيين والأطعمة الغنية بالدهون، واختيار وجبات خفيفة تحتوي على أوميغا-3 والمغنيسيوم لما لها من تأثير مهدئ وملطف للأعصاب وأخرى تُحسّن من مستوى التركيز كالمكسرات والحليب والموز". بشكل عام، يرى العديد من الباحثين والمختصين، أنه رغم الآثار النفسية والعقلية التي قد تصاحب من يعملون وفق نظام المناوبات، إلا أنه عليهم التأقلم مع طبيعة عملهم وظروفه التي تتطلب ذلك من خلال إيجاد طرق وخطوات عملية فعالة وجدية تخفف من وطأة هذه الآثار على حياتهم.

دراسة صادمة تكشف ما قد يفعله الهاتف الذكي بعقول الأطفال!
دراسة صادمة تكشف ما قد يفعله الهاتف الذكي بعقول الأطفال!

أخبار ليبيا

timeمنذ 6 أيام

  • أخبار ليبيا

دراسة صادمة تكشف ما قد يفعله الهاتف الذكي بعقول الأطفال!

فبعد سنوات من الجدل حول العلاقة بين الصحة النفسية واستخدام منصات مثل 'تيك توك' و'إنستغرام'، وجدت الدراسة التي أجراها فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، أن كثرة استخدام الأطفال لهذه المنصات قد تساهم فعلا في تفاقم أعراض الاكتئاب لديهم. وفي الدراسة، تابع الباحثون بيانات 11876 طفلا أمريكيا تتراوح أعمارهم بين 9 و12 عاما تقريبا، على مدى 3 سنوات، لمعرفة ما إذا كان الأطفال المصابون بالاكتئاب هم أكثر ميلا لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لاحقا، أو العكس. وقد أظهرت النتائج أن الأطفال الذين عانوا من أعراض اكتئاب في سن 9 أو 10 لم يكونوا أكثر استخداما لمواقع التواصل عند بلوغهم 13 عاما مقارنة بغيرهم، ما يضعف الفرضية السابقة القائلة إن الأطفال 'غير السعداء' ينجذبون أكثر إلى هذه المنصات. لكن المفاجأة كانت أن الأطفال الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مكثف في سن 12 و13 عاما، هم من أظهروا أعلى معدلات الاكتئاب لاحقا، ما يشير إلى احتمال وجود علاقة سببية بين الاستخدام الكثيف وظهور أعراض الاكتئاب. ووفقا للدراسة، ارتفع متوسط الوقت اليومي الذي يقضيه الأطفال على مواقع التواصل من 7 دقائق فقط في سن التاسعة إلى أكثر من ساعة مع بلوغهم سن المراهقة المبكرة. ورجّح فريق البحث أن تكون أسباب هذا التأثير السلبي مرتبطة بعوامل مثل التنمر الإلكتروني وقلة النوم، واللذان ارتبطا سابقا بزيادة معدلات الاكتئاب بين المراهقين. وفي سياق متصل، أظهرت دراسات سابقة أن الأطفال الذين يتعرضون للتنمر الإلكتروني بين سن 11 و12 يكونون أكثر عرضة لمحاولة الانتحار بمعدل 2.5 مرة خلال عام واحد مقارنة بغيرهم. ويقول الباحثون إن مواقع التواصل الاجتماعي، رغم آثارها المحتملة السلبية، لا تزال الوسيلة الأساسية التي يستخدمها الأطفال للتفاعل مع أقرانهم، ما يعقّد جهود تقنين استخدامها أو الحد منه. وقال الدكتور جيسون ناغاتا، أخصائي طب الأطفال وقائد فريق البحث: 'بصفتي أبا لطفلين، أدرك أن مجرد قول 'ابتعد عن هاتفك' لا ينجح، لكن يمكن للأهالي وضع ضوابط تساعد على تقليل الأثر النفسي السلبي، مثل تخصيص أوقات خالية من الشاشات أثناء الوجبات أو قبل النوم، وإجراء حوارات مفتوحة وغير حكمية حول الاستخدام الرقمي'. ومن جانب آخر، شكك خبراء بريطانيون في نتائج الدراسة. وقال البروفيسور كريس فيرغسون، أستاذ علم النفس بجامعة ستيتسون في فلوريدا، إن 'العلاقة بين استخدام مواقع التواصل والاكتئاب، وفق الدراسة، ضعيفة جدا، وحجم التأثير ضئيل للغاية وقد يكون ناتجا عن ضوضاء إحصائية'. وقد أقر الباحثون بوجود بعض القيود في الدراسة، أبرزها اعتمادهم على صدق الأطفال في الإبلاغ عن عاداتهم الرقمية، إضافة إلى غياب تحليل تفصيلي لكيفية تأثير نوع الجهاز أو توقيت الاستخدام على الحالة النفسية. نشرت الدراسة في المجلة الإلكترونية Jama Network Open. المصدر: ديلي ميل

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store