
"الجوع هو الشعور الأقذر في الكون"، فلسطينيون يقضون أياماً بلا طعام في قطاع غزة
في قطاع غزة، يحل الظلام وتحاول أمل النوم بعد انتهاء يومها بدون تناول أي وجبة طعام. إنها جائعة ولا يمكنها أن تغفو، حالها كحال معظم سكان القطاع المحاصر الذين يشتهون الغذاء ويحتاجونه.
"مش عارفة أنام من الجوع، وانتهى اليوم بلا أي وجبة" تقول أمل أنور الموجودة في منطقة الشجاعية لبي بي سي مع ابتسامة ساخرة.
تعتقد أمل أن الجوع هو الشعور الأقذر في الكون، مفضلةً الموت قصفاً، بقولها: "الموت بالقصف أرحم لأنك تموت مرة وحدة وينتهي الأمر، لكن الموت جوعاً مخيف أكثر وأكثر لأن الإنسان يموت مليون مرة كلما شعر بالجوع".
أما حواء - اسم مستعار - تقول لبي بي سي، إنها "تعيش أسوأ أيام العمر، ونتمنى كثيراً الموت بدلاً من هذه الحياة المتعبة"، خلال تعليقها على ظروف الحرب والجوع.
يعيش قرابة 2.4 مليون شخص في قطاع صغير يعاني ظروفاً كارثية، بعد 18 شهراً من الحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من 52500 فلسطينياً، معظمهم من المدنيين.
وتمنع السلطات الإسرائيلية دخول أي مساعدات منذ الثاني من مارس/آذار.
وتتهم إسرائيل حماس بالسيطرة على مساعدات القطاع، وهو ما نفته الحركة الفلسطينية.
وقالت إيناس حمدان القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) في غزة لبي بي سي، إن فرق الوكالة أجرت مطلع الأسبوع الحالي مقابلات مع 50 ربّ أسرة يقيمون في مراكز الإيواء التابعة للأونروا في جميع أنحاء القطاع.
وركّزت المقابلات على أنماط استهلاك الغذاء، وآليات التكيّف.
وتبين أن 74 في المئة مرّ عليهم يوم كامل بدون طعام خلال الأسبوع الماضي، وفق حمدان.
يحتاجون الغذاء ويتلقون القنابل
قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لاركه، الأربعاء، "الخلاصة هي أنه لم يعد هناك مساعدات لتوزيعها، لأن عملية إيصال المساعدات تعرضت لشلل تام ... لم يعد هناك ما يُعطَى".
وأضاف لاركه، "في غزة، هناك حاجة ماسة لإيصال الغذاء (للأهالي)، لكنهم يتلقون القنابل. يحتاجون إلى الماء، ويتلقون القنابل. يحتاجون إلى الرعاية الصحية، ويتلقون القنابل".
خبز مكرونة وأعلاف دواجن
EPA
لم يتبقَّ طحين أو غذاء معلب لدى ميساء أم محمد وعائلتها، التي تتغذى على العدس المحمص، في ظل عدم وجود مساعدات.
تحصل عائلة ميساء وهي محامية ومتزوجة من مهندس ولديها خمسة أطفال - على وجبة من مطبخ خيري كل أسبوع وهي عبارة عن مكرونة أو عدس.
وفي ظل انقطاع الطحين، تتحدث ميساء لبي بي سي عن صنعها للخبز من المكرونة بعد طحنها.
"لا توجد سكريات ولحوم ودجاج وفواكه وطحين وأجبان وبيض وسكر في حياتنا ... نشعر بجوع شديد والمجاعة فتكت بأجساد الناس"، بحسب ميساء التي تسكن مدينة خان يونس في جنوب القطاع.
أما حواء التي تسكن الشجاعية، تحاول تخزين كميات طعام كافية منذ بدء الحرب، لكن كل ما يُخزن ينفد.
وخلال الحرب، تحاول حواء إيجاد بدائل للطحين من الشعير وأعلاف الدواجن التي كانت تباع بأسعار مرتفعة وكانت هي وآخرون مضطرين لشرائها "لسد رمق أطفالنا من الجوع ومن الموت".
وتبيّن من مقابلات وكالة الأونروا، أن النظام الغذائي الأساسي، يقتصر على الخبز والأرز والخضراوات المعلبة، بدون وجود بروتين حيواني أو فواكه.
تقول ميساء التي تشعر بالجوع الشديد والهزال، إن الغالبية تعيش على وجبة واحدة وهي الغداء (مكرونة أو فاصولياء أو عدس)، أو وجبتي إفطار (شطيرة صغيرة).
وتتحدث ميساء عن وجود أشخاص كُثر لا يأكلون طيلة يوم كامل.
ووفق مقابلات الأونروا، فإنّ 62 في المئة يتناولون وجبة واحدة يومياً، و38 في المئة يتناولون وجبتين، و0 في المئة يتناولون ثلاث وجبات يومياً.
وقلل 94 في المئة من الخاضعين للمقابلات حجم الوجبات، فيما تخطى 98 في المئة وجبات، وتناول 98 في المئة منهم نوعاً واحداً فقط من الطعام بدون أي تنوع.
وبحسب المقابلات يشعر 100 في المئة بقلق شديد من نفاد الطعام، كما اعتمد 100 في المئة منهم على مطابخ مجتمعية.
في حال توفر المساعدات والطحين والسكّر تأكل حواء وعائلتها وجبتين في اليوم، أما حالياً خلال إغلاق المعابر وانقطاع المساعدات، فإنهم يأكلون وجبة واحدة يومياً.
"أحياناً كثيرة كنا لا نجد طعاماً ... يمر يومنا بدون كسرة خبز، ونحاول أن نكثر من شرب الماء والشاي"، بحسب حواء.
"مجاعة من صنع الإنسان"
أدان مفوض الأونروا فيليب لازاريني، استمرار إسرائيل في منع وصول المساعدات إلى قطاع غزة، ووصفه بأنه "مجاعة من صنع الإنسان ذات دوافع سياسية".
وقال فيليب لازاريني عبر منصة إكس في 25 أبريل/نيسان، بعد ساعات من إعلان برنامج الأغذية العالمي نفاد مخزوناته في غزة، "تواصل حكومة إسرائيل منع دخول الغذاء وغيره من المواد الأساسية"، مضيفاً "إنها مجاعة من صنع الإنسان ذات دوافع سياسية".
وقالت مديرة الإعلام والتواصل في الأونروا جولييت توما ل بي بي سي ، إن سكان غزة يعتمدون بالكامل على المساعدات الإنسانية، ومع استمرار الحصار، يُدفع الناس نحو موتهم".
"إنه حُكم بالإعدام يتسارع بشكل رهيب. إنه عقاب جماعي"، وفق توما.
ووصف وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ توم فليتشر في بيان بداية الشهر الحالي الحصار بـ"الوحشي".
EPA
"سأشتري لك تفاحة"
EPA
تتحدث ميساء عن طلب أولادها للطعام والحلويات بكثرة، لكن "لا يوجد في غزة طحين أو سكّر، وإن وُجد فإن أسعاره مرتفعة جداً جداً لا يقدر المواطن على شرائها".
وتروي حواء كيف "اعتاد الأطفال" على "الحرمان"، فلم يعودوا يطلبون الطعام مثل الأوقات السابقة.
حواء أم لطفلة، وتعمل على إكسابها طاقة حتى لا يتمكن منها الجوع ويصيبها سوء التغذية.
"أشتري لها الخضار من السوق ... خيارة واحدة فقط أو حبة بندورة واحدة لغلاء الأسعار"، تقول حواء.
تقول حواء لطفلتها (5 سنوات)، سأشتري لك تفاحة من السوق، ثم "تنظر (الطفلة) وتضحك في وجهي باستحياء وتقول لا أريد، لا يوجد في السوق بسبب الحرب".
"الوضع حالياً مميت خصوصاً للأطفال، وهناك حالات كثيرة تموت بسبب قلة الطعام وسوء التغذية"، وفق حواء.
وتفيد وكالة الأونروا بأن 92 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهراً والنساء الحوامل والمرضعات لا يستوفون احتياجاتهم من المغذيات.
خطة إسرائيلية لتوزيع المساعدات
بعد أكثر من شهرين من منع دخول أي مساعدات، وافق المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر على "إمكان توزيع المساعدات الإنسانية" في غزة.
وأفاد مصدر إسرائيلي الاثنين الماضي لوكالة فرانس برس، بأن المجلس الأمني الإسرائيلي يرى أن في غزة "ما يكفي من طعام".
وأبلغ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير مجموعة من الوزراء الشهر الماضي بأن القوات الإسرائيلية لن توزع المساعدات وأنه لن يسمح بحدوث مجاعة في غزة، مما أثار غضب وزراء مثل وزير المال بتسلئيل سموتريتش، وفق وكالة رويترز.
وتخطط إسرائيل لإعادة توزيع المساعدات الإنسانية على قطاع غزة عبر "شركات أجنبية".
وقد يبدأ دخول المساعدات "بين الشهر المقبل والأشهر الثلاثة المقبلة" إلى مجمعات ستُنشأ في جنوب قطاع غزة سيؤمّنها الجيش الإسرائيلي.
Reuters
وستوزِع المساعداتِ شركةٌ أمريكيةٌ وربما منظمات دولية.
ولن يشارك الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر في عملية التوزيع، في ظل اعتراض زامير.
وقال سموتريتش إن "الخطة تشمل إجلاء سكان قطاع غزة إلى جنوب محور موراغ، وإنشاء منطقة واحدة لتوزيع المساعدات الإنسانية تحت إشراف وتأمين إسرائيلي".
وتخطط إسرائيل لأن تكون عملية التوزيع دفعة واحدة في الأسبوع ستحصل خلالها كل عائلة على 70 كيلوغراماً من المساعدات.
وتريد إسرائيل إدخال 100 شاحنة يومياً للقطاع مقارنة بـ600 شاحنة يومياً خلال فترة وقف إطلاق النار، بهدف إدخال الحد الأدنى الذي يحتاجه سكان قطاع غزة دون أن يتمكنوا من تخزينه، وفق القناة 14 الإسرائيلية.
وأصدرت وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تنسيق دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بياناً رسمياً ترفض فيه الخطة قائلةً إنها "تتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية".
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، إن "المسؤولين الإسرائيليين يسعون إلى إنهاء نظام توزيع المساعدات الحالي الذي تديره الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني، ودفعنا إلى الموافقة على إيصال الإمدادات عبر مراكز إسرائيلية بشروطٍ وضعها الجيش الإسرائيلي، بمجرد موافقة الحكومة على إعادة فتح المعابر".
وأضاف أن الخطة المعروضة لن تغطي أجزاء كبيرة من غزة، لا سيما الفئات الأضعف وغير القادرين على الحركة.
وتراها الهيئة الأممية خطة تتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية، وتعزز السيطرة على المواد الضرورية للحياة "كأسلوب ضغط، يمثل جزءاً من استراتيجية عسكرية".
ويشير البيان الأممي إلى أن الخطة تدفع المدنيين إلى المناطق العسكرية للحصول على حصصهم الغذائية، مما يمثل تهديداً على حياتهم، وحياة العاملين في المجال الإنساني، كما يزيد من ترسيخ النزوح القسري.
وأوضح البيان أن الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة الطارئة أكدا عدم المشاركة في أي خطة لا تلتزم بالمبادئ الإنسانية العالمية المتمثلة في الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 10 ساعات
- شفق نيوز
هل تحول اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى "ترند" اجتماعي؟
"لن تشعر بالملل أبداً لو كان لديك صديق من المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ... نحن من نعيش الحياة بكاملها…نحن نحب الجدال والحديث ومشتتون…". هذه جمل من مقاطع فيديو قصيرة لاحقتني على منصة إنستغرام، تظهر أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بطريقة مرحة، والبعض منها يبدو كمحتوى علمي أكثر جدية. وفي الدوائر المحيطة بي، وجدت الكثير من البالغين الذين يطبقون على أنفسهم أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) المنتشرة في مقاطع الفيديو القصيرة. تقول لي لمياء (36 عاماً) -اسم مستعار بطلب منها- وتعيش في لندن وتعمل في مجال الإعلام، إنها وبسبب ما تعرضه وسائل التواصل الاجتماعي من أعراض، أصبحت تعتقد أنها مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. وتنتظر لمياء دورها الذي قد يأتي بعد خمس سنوات لرؤية مختص نفسي يغطيه التأمين الصحي في البلد الذي تعيش فيه. لمياء ليست وحدها من تعاني من هذه الدوامة، إذ تقول الأخصائية النفسية سحر مزهر لبي بي سي، إنها لاحظت عبر محاضراتها التي تلقيها في جامعات أردنية أن أكثر من نصف الحضور يراجعونها لاعتقادهم أنهم مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بسبب ما يعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبحسب دراسة نشرت عبر المكتبة الوطنية للطب، التي تتبع المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة، بالاعتماد على التركيبة السكانية العالمية لعام 2020، بلغ معدل انتشار النوع المستمر من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى البالغين 2.58 في المئة، في حين بلغ معدل انتشار النوع المصحوب بأعراض 6.76 في المئة، أي ما يعادل 139.84 مليون و366.33 مليون بالغ على مستوى العالم حتى ذلك العام. تأثير السوشيال ميديا PA سارة - فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي - أربعينية تعمل في مجال الإعلانات والتسويق الرقمي، عرفت في مرحلة متأخرة من العمر بأنها مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. لكن توجهها للتحقق من ذلك مع طبيب نفسي في الأردن يعود لنصيحة من صديقتها المختصة في المجال أيضاً. تقول سارة إن لديها الخبرة الكافية لتعرف مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين، وأن ظهور النصائح والإعلانات المتعلقة بالاضطرابات والأمراض النفسية أو غيرها من الموضوعات للمستخدمين، يعود لنمط عمل هذه المنصات ومتابعتها لاهتمامات الأفراد. وتوضح أنها أصبحت تتعرض لمقاطع الفيديو القصيرة المتعلقة بفرط الحركة ونقص الانتباه، بعد مراجعتها للطبيب وبدء اهتمامها بالموضوع. وتحذر سارة، التي تعمل حالياً في قطر، من توجه كثيرين للتشخيص الذاتي، مما يعرضهم للاستغلال التجاري أو يدفعهم للاستسلام لأعراض قد لا تكون موجودة لديهم، مما يؤثر سلباً على مسار حياتهم اليومية. ويرى محمد العمري، طبيب عام ومختص في العلاج السلوكي، أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة الوعي باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بين الناس، وأزالت إلى حد ما وصمة العار التي كانت مرتبطة به، إذ كان فرط الحركة ونقص الانتباه مرتبطاً في السابق بعدم القدرة على النجاح أو عدم الالتزام. لكن العمري، الذي يعمل في عيادة مايند كلينك في عمّان، قال لبي بي سي إن لوسائل التواصل الاجتماعي أثراً سلبياً أيضاً، إذ أدى انتشار الأعراض والتشخيص الذاتي، إلى زيادة كبيرة في أعداد الأشخاص الذين يريدون الحصول على تشخيص طبي، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط على الهيئات الطبية. ويضرب العمري مثالاً بالولايات المتحدة الأمريكية كواحدة من الدول التي تواجه "إفراطاً في التشخيص"، مما يعني احتمالية التشخيص الخاطئ أيضاً. ويضيف: "في العام الماضي، أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن 11.4 في المئة من الأطفال الأمريكيين شُخِّصوا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهو رقم قياسي"، وهو ما جعل صحيفة نيويورك تايمز تتساءل في مقال لها: هل كنا نفكر في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بطريقة خاطئة؟ بينما تنقل صحيفة الإيكونومست البريطانية أنه يُعتقد بأن "نحو مليوني شخص في إنجلترا، أي 4 في المئة من السكان، مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وفقاً لمؤسسة نوفيلد ترست البحثية". ويشرح العمري أن التشخيص الخاطئ قد يعني الحصول على دواء لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه المعني برفع نسبة الدوبامين، وتؤدي الأدوية المنشطة في حال كان الشخص مصاباً بالقلق على سبيل المثال وليس باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إلى زيادة في نبضات القلب وزيادة التوتر وغيرها من الأعراض. ويقول أيضاً إن التشخيص يعتمد على خبرة المعالج النفسي وليس فقط على أسئلة الاختبار المخصصة للفحص التي تنشرها أحياناً وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تشترك أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مع أعراض اضطرابات أخرى "مثل القلق، والاكتئاب الحاد، أو مع أعراض بعض الأمراض الجسدية الناجمة عن نقص في فيتامين ب 12 أو ب 6، أو فيتامين د". تتحدث بعض الدراسات عن أن التعرض لمقاطع الفيديو القصيرة، خاصة للأطفال بعمر صغير، يجعل قدرتهم على التركيز أقل، وكذلك الأمر بالنسبة للبالغين، مما يعني أن البعض قد يصاب بأعراض الاضطراب لأسباب بيئية وليس جينية، بمعنى أن إصابته بالأعراض لا تعني إصابته بالاضطراب، حسب العمري. وتتفق معه في ذلك الأخصائية مزهر، التي تعتقد أن كثيراً ممن يشخصون أنفسهم بسبب وسائل التواصل الاجتماعي باضطرابات نفسية مختلفة، من بينها اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، "يحرمون أنفسهم من حياة صحية". وتلفت مزهر إلى أن كل فرد من حقه أن يحصل على الوقت الكافي وعبر مختصين للتحقق من حالته الصحية، مشيرة إلى أن الإجابة على أسئلة في استبيان للاستدلال على وجود الاضطراب لا تكفي وحدها. وتوضح أنه ليس من السهل تشخيص فرط الحركة ونقص الانتباه، وخاصة عند البالغين، لأن أعراضه قد تتشابه مع أعراض أمراض أخرى مثل نقص فيتامين د أو التعرض لصدمة أو توتر مستمر، مما يرفع نسبة هرمون الكورتيزول في جسم الإنسان فيشعر أنه في حالة تأهب. ويعرف اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بأنه "اضطراب في النمو العصبي، عادةً ما يُشخَّص لأول مرة في مرحلة الطفولة، وغالباً ما يستمر حتى مرحلة البلوغ. لكن بعض الأشخاص لا يُشخَّصون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلا بعد بلوغهم. وتتضمن أعراضه صعوبة في الانتباه، وصعوبة في التحكم في السلوكيات الاندفاعية، وفرط النشاط"، بحسب تعريف منصة "ميدلاين بلاس" الأمريكية. ويوضح الموقع الإلكتروني للمعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية أنه "من الشائع أن يُظهر الأشخاص هذه السلوكيات أحياناً. لكن الفرق أنه بالنسبة للأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، تكون هذه السلوكيات متكررة وتحدث في مواقف متعددة، مثل المدرسة، أو المنزل، أو العمل، أو مع العائلة والأصدقاء". وبموجب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، يصنف فرط النشاط ونقص الانتباه - ADHD، تحت بند الاضطرابات المتعلقة بالنمو العصبي. لكن دراسات علمية حديثة ومختصين في علم النفس توجهوا حديثاً لرفض وصف سمات شخصية مثل الاندفاعية والتشتت وعدم الانتباه بالأعراض، وفضلوا اعتبار ذلك ضمن التنوع العصبي وأن العديد من المصابين بفرط الحركة ونقص الانتباه ليسوا "ناقصين" ولا "مضطربين". يعلق العمري على ذلك قائلا: "هناك نقاش في الأوساط الطبية فيما يتعلق بما إذا كان فرط الحركة ونقص الانتباه اضطراباً أم تنوعا أو اختلافا عصبيا، أي بمعنى أنه لا يوجد فيه خلل لكن المجتمع ليس مهيئا للتعامل معه، مثل الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى بينما غالبية الأدوات مصممة لمن يستخدمون اليد اليمنى. هذه الدراسات دفعت سارة لاستكمال علاجها سلوكياً بمساعدة مختص نفسي، لكن دون الحصول على الأدوية المخصصة لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. تتحدث مزهر أيضاً عن الدراسات التي ترفض اعتبار فرط الحركة ونقص الانتباه اضطراباً. وترى أيضاً أن البيئة الحالية لم تعد مفتوحة كما كان الحال في السابق، وهو ما يؤدي لوجود الأطفال غالبية الوقت داخل الشقق إضافة لتعلقهم بوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، مما يؤدي لظهور أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه. لكن وجود الأعراض لا يعني بالضرورة الإصابة بالمرض. وتضيف "يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كل الظروف المحيطة بالشخص، فلا نأخذ جزئية فقط ونقول إنه مصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه". وتتابع مزهر أن "السلوكيات مكتسبة، فمثلاً من الممكن أن يكون سلوكي انفعالي، لكن ورثته من عائلتي. تشخيص الحالة يجب أن يتم بشكل دقيق للغاية". وتروي قصة إحدى الحالات التي تعاملت معها، حيث كانت الأم تعتقد أنها ابنها مصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه، لكن تبين لاحقاً أن الأم تعاني من القلق والتوتر، وهو ما انعكس سلباً على سلوكيات طفلها. وفي مقال نشر عبر الموقع الإلكتروني لصحيفة نيويروك تايمز في ابريل/نيسان 2025، قالت الصحيفة إنه لا يوجد سبب وحيد للإصابة بفرط الحركة ونقص الانتباه، مشيرة إلى أنه ناجم عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية. وتنقل الصحيفة عن دراسات حديثة أن أدمغة المصابين قد تعمل بطريقة مختلفة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن فيها خللاً، بل هو اختلاف في نمط التفكير. وتناقش صحيفة الإيكونومست في مقالها المنشور في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أن فرط الحركة ونقص الانتباه لا يجب أن يعامل معاملة الاضطراب. وتقول وجهة النظر التي تنقلها الصحيفة إنه في الوقت الحالي، يُعامل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط على أنه شيء إما أن يكون لديك أو لا. هذا النهج الثنائي للتشخيص له نتيجتان: الأولى هي أن معاملة الجميع كما لو كانوا مرضى تملأ أنظمة الرعاية الصحية... أما النتيجة الثانية، فتتمثل في التعامل مع الاضطراب على أنه خلل وظيفي يحتاج إلى علاج. وهذا يؤدي إلى إهدار هائل للإمكانات البشرية". وتضيف الصحيفة أن "إجبار نفسك على التكيف مع الوضع الطبيعي أمر مرهق، وقد يسبب القلق والاكتئاب. ومن الأجدى والأرخص تعديل الفصول الدراسية وأماكن العمل بما يتناسب مع التنوع العصبي". لماذا يريد البعض أن يكون مصاباً بفرط الحركة ونقص الانتباه؟ ويلفت الطبيب محمد العمري إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في أن تصبح هناك هالة خاصة بالمصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إذ يوصفون بالمرح أو التميز، وأصبح البعض يميل للانتماء لمجتمعات من يحملون هذا التشخيص من أجل ملاحقة "الترند". في حين تعتقد مزهر أن البعض يرغب بأن يكون مصاباً باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لتبرير بعض السلوكيات المتعلقة بعدم الانضباط. ويرى العمري أن البعض قد يسعى بين الأطباء والمختصين للحصول على تشخيص بإصابته بفرط الحركة ونقص الانتباه لأسباب متعلقة بالدراسة أو العمل، فمثلاً بعض مراجعيه كانوا من طلبة المرحلة الدراسية الثانوية في برامج دولية، في حال تبين أنهم مصابون بالاضطراب يحصلون على وقت إضافي في الامتحانات. يشير العمري إلى أنه يتبين إصابة البعض بفرط الحركة ونقص الانتباه بالفعل ويتلقون العلاجات اللازمة، لكن النسبة الأكبر من مراجعيه يتبين في نهاية المطاف أن لديهم قلق وليس اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.


شفق نيوز
منذ 19 ساعات
- شفق نيوز
"لا أريد لابني أن يموت": لماذا أعاد الأردن 17 طفلاً فلسطينياً لقطاع غزة؟
تعيش نهاية في قلق دائم على حياة طفلها بعد أن أعيد من الأردن إلى قطاع غزة، بعد شهرين تقريباً من سفره ليتلقى العلاج. سافر محمد في الرابع من مارس/آذار الماضي مع 28 طفلاً آخرين، ضمن مبادرة ملكية أردنية لعلاج 2000 من أطفال غزة، أُعلن عنها خلال الهدنة التي بدأت منتصف يناير/كانون الثاني واستمرت نحو شهرين، قبل أن يُستأنف القتال. وفي مساء 12 مايو/أيار الجاري، أُبلغت نهاية وأهالي 16 طفلاً آخرين بأنهم سيُعادون جميعاً إلى قطاع غزة. وفي اليوم التالي، تم إجلاء مجموعة جديدة مكونة من أربعة أطفال مرضى من غزة إلى الأردن. تعترف العائلات بأنها تلقت رعاية جيدة خلال فترة وجودهم في الأردن، إلا أنها تقول إن إعادة أطفالهم إلى غزة تمّت على غير رغبتهم، وإن أطفالهم لم يستكملوا علاجهم، وهو ما تنفيه السلطات الأردنية مؤكدة أن الأطفال تلقوا الرعاية الطبية اللازمة واستكملوا علاجهم. "لا أريد لابني أن يموت" بصوت يخنقه البكاء تقول الأم إن طفلها محمد، المصاب بالربو وحساسية شديدة تجاه الطعام والروائح، لم يُكمل علاجه ولا يزال بحاجة إلى متابعة مستمرة. وتضيف أنهم خرجوا من مستشفى عمّان على أساس نقلهم إلى مكان سكني، لكنهم صُدموا بقرار إرجاعهم إلى غزة وسط الحرب، مما يعرّض حياة طفلها إلى خطر كبير من جديد. BBC "تركت أولادي وزوجي هنا، عاشوا الويل. كنت في الأردن وقلبي وعقلي معهم هنا. تحمّلنا كل ذلك حتى يتم علاج طفلي، فكيف يعيدوننا قبل أن يستكمل علاجه؟ وإلى ماذا نعود؟ إلى الجحيم والجوع والحاجة؟"، تتساءل الأم. تتحدث نهاية بينما تطغى أصوات المسيّرات الإسرائيلية على صوتها، وابنها يزحف نحو موقد مشتعل تستخدمه العائلة للطهي داخل الخيمة. "لا أريد لابني أن يبقى هنا، أنا وصلت لمرحلة في علاج ابني كنت راضية عنها، عودتنا هنا ستعيده لنقطة الصفر، لا أريد لابني أن يموت"، تنفجر نهاية في البكاء وهي تتحدث. "نيفين لن تنجو في خيمة" في إحدى خيام مخيم الشاطئ شمالي قطاع غزة، يحاول والدا الطفلة نيفين أبو دقة، البالغة من العمر سبعة أشهر، تهدئتها. وُلدت نيفين خلال فترة الحرب وتُعاني من ثقب في القلب. خضعت لعملية جراحية ناجحة أثناء إقامتها في الأردن، غير أن والدتها، إيناس أبو دقة، تقول إن حالة نيفين الصحية "لم تتحسن بعد، وما زالت بحاجة إلى العلاج، ولن تتمكن من البقاء على قيد الحياة في ظل العيش داخل خيمة". تقول إيناس لبي بي سي: "وزن الطفلة لا يزداد؛ عمرها 7 أشهر، ووزنها لم يصل بعد إلى 4 كيلوغرامات. أيّ عارض صحي تتعرض له يؤدي إلى اختناقها وتغيّر لونها إلى الأزرق. حالتها خطيرة وقد تُهدد حياتها". لا تتوقف الطفلة الصغيرة عن البكاء، بينما تتساءل والدتها بقلق: "غادرنا خلال الهدنة، فكيف نعود الآن في ظل الحرب؟". بجوارها، يحكي والد الطفلة، هيثم أبو دقة، كيف عانى ليحصل على فرصة لعلاج ابنته بالخارج: "توجهت إلى كل المختصين، وإلى وزارة الصحة، تعبت بما فيه الكفاية، واصلت السعي، حتى ظهر اسمها للعلاج في مستشفى الأردن التخصصي". ويضيف الأب: "كان الأطباء يهتمون بها كثيراً، لكن ابنتي لم تُكمل علاجها. فوجئتُ بقرار إعادتها من دون أي إنذار مسبق. كيف تعود إلى مكان يفتقر تماماً إلى الرعاية الصحية، والحليب، وأبسط مقومات الحياة؟". أثار قرار إعادة الأطفال إلى قطاع غزة في ظل الحرب الكثير من التساؤلات، خاصة في ضوء تأكيد مسؤول في وزارة الصحة بالقطاع، تحدّث إلى بي بي سي بشرط عدم الكشف عن هويته، بأن الأطفال ما زالوا بحاجة إلى العلاج والرعاية المستمرة، محذراً من أن إعادتهم في هذه الظروف تشكل خطراً كبيراً على حياتهم. "تثبيت للفلسطينيين على أرضهم" في الجانب الآخر، نفت الحكومة الأردنية في رد على أسئلة لبي بي سي "الادعاءات بطرد المرضى" مؤكدة أن قرار إعادة الأطفال اتُخذ بعد استكمال علاجهم في المستشفيات الأردنية. واعتبرت أن هذا القرار ينسجم مع موقف المملكة الداعم لبقاء الفلسطينيين على أرضهم ورفضها المشاركة بأي شكل في تهجيرهم. وقالت الخارجية الأردنية في ردها على بي بي سي إن "هؤلاء المرضى أُبلغوا منذ البداية عند مجيئهم إلى الأردن بأن فترة وجودهم مرهونة باستكمال العلاج، وأنهم سيعودون فور انتهاء علاجهم". وقالت إن الأردن لن يتمكن من استقبال دفعة جديدة من المرضى دون إعادة الدفعة الأولى لـ"أسباب سياسية ولوجستية"، مشيرة إلى أن المملكة استقبلت دفعة جديدة من المرضى "بعد يوم واحد من عودة المصابين والمرضى الذين تلقوا العلاج". وأكدت الخارجية الأردنية في ردّها: "المرضى أُخذوا وأُعيدوا بنفس الظروف، فلم يؤتَ بهم في وقت رخاء وأعيدوا وقت حرب. نحن تبرعنا بعلاج مجموعة من الأطفال ورحبنا باستقبال عدد من ذويهم المرافقين لهم، وقد تمّت معالجة هؤلاء الأطفال من الدفعة الأولى بينما بقي آخرون من ذات الدفعة لعدم انتهاء علاجهم". "عُدنا صِفرَ اليدين" في رحلة عودتهم، اشتكى أهالي الأطفال العائدين من الأردن من سوء معاملة الجانب الإسرائيلي، مشيرين إلى مصادرة جميع متعلقاتهم، بما في ذلك الأموال، والأدوية، وحليب الأطفال، والملابس. تقول نهاية: "كنّا وحدنا من دون أي تنسيق عندما وصلنا إلى معبر كرم أبو سالم، حيث تم تسليمنا للجيش الإسرائيلي، الذي بدأ بسبّنا وشتمنا وتهديدنا بالضرب". وتضيف "أخذوا كل شيء كان معنا، أموالنا وهواتفنا ولم يتركوا معنا أي شيء. تركنا كل متعلقاتنا في الحافلة التي عادت إلى الأردن". نقلت إيناس أبو دقة الشكوى نفسها، موضحة أن الجنود صادروا حتى الأدوية التي كانت بحوزتها، وقالت: "أخذوا حتى حليب الطفلة. لم أتمكن من إطعامها أثناء الطريق، والآن لا أستطيع شراء الحليب لها". لكن الجيش الإسرائيلي قال في رد لبي بي سي إنه "أثناء التفتيش الأمني للعائدين، عثر مع بعضهم على مبالغ نقدية غير مُصرّح عنها تتجاوز الحدود المسموحة، ومن ثم حُجزت الأموال المشتبه 'باستخدامها في أعمال إرهابية' داخل قطاع غزة لحين اكتمال التحقيق بشأنها". لم يردّ الجيش الإسرائيلي على استفسار بي بي سي بشأن مصادرة الهواتف والأغراض الشخصية، بما في ذلك حليب الأطفال، أو حول مزاعم سوء المعاملة. أدت الحرب المستمرة في غزة منذ أكثر من عام ونصف العام إلى تدهور حاد للمنظومة الصحية حيث توقفت العديد من مستشفيات القطاع عن تقديم خدماتها نتيجة القتال. بالإضافة إلى ذلك، يعاني القطاع من نقص حاد في الغذاء والأدوية والمستلزمات الطبية، مما جعل السفر للعلاج بالخارج حلماً للآلاف من المرضى في القطاع. ويُعتقد أن هذه هي المرة الأولى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي يُعاد فيها هؤلاء المرضى الذين تمكنوا من السفر للعلاج في وقت لا يزال فيه القتال في القطاع مستمرًا ويحصد أرواحاً عديدة يوميًا.


شفق نيوز
منذ 5 أيام
- شفق نيوز
كارثة تهدد مدينة عراقية بأكلمها بسبب النفط
شفق نيوز/ في ظل تصاعد التحذيرات من الآثار الصحية والبيئية الخطيرة الناجمة عن التوسع المستمر للأنشطة النفطية، يعيش سكان شمال البصرة، وخصوصًا المناطق القريبة من الحقول النفطية، واقعًا مأساويًا يتجسد بتلوث قاتل، وبيئة طاردة للحياة، وسط غياب واضح للإجراءات الوقائية من قبل الجهات المعنية، تسبب بارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، وتسمم مصادر المياه، وتلف التربة. وعن هذه الأزمة، قال ممثل حراك قضاء الصادق الشيخ هيثم المنصوري، لوكالة شفق نيوز، إن "التلوث القاتل الناتج عن النشاطات النفطية وتوسعها في مناطق المدينة، بلغ حداً لا يمكن من خلاله التعايش مع البيئة، فالضرر الصحي والبيئي بات يهدد الحياة بشكل مباشر ومستمر، حتى أصبحت البيئة غير صالحة للعيش البشري، بسبب الانبعاثات السامة الناتجة عن استخراج النفط وحرق الغاز، دون أدنى مراعاة للمعايير البيئية". وأضاف المنصوري، أن "ما يجري يمثل قتلًا مع سبق الإصرار والترصد، عبر الاستمرار في أنشطة نفطية ملوثة، رغم علم الجهات المسؤولة بخطورة ما يحدث، دون اتخاذ أي إجراءات وقائية أو تعويضية، وكأن حياة المواطنين قرب الحقول النفطية لا تندرج ضمن مسؤوليات الدولة". وأوضح أن "أبناء هذه المناطق لم يعد أمامهم سوى اللجوء إلى الوسائل القانونية الدولية لوقف نزيف الموت"، داعيًا إلى "تظافر الجهود وجمع الأدلة وتقديم شكوى في المحاكم الدولية ضد الجهات المسؤولة والشركات النفطية العاملة، لانتهاكها معايير الصحة والسلامة وعدم مراعاتها لسلامة السكان القريبين من مواقع الإنتاج". وأشار المنصوري، إلى أن "أهمية إشراك المختصين في مجالات البيئة والصحة والإعلام الاستقصائي لجمع الأدلة والبراهين التي تثبت حصول الضرر على الإنسان والكائنات الحية نتيجة عمليات استخراج النفط". وأكد أن "هذه التحركات ستستند إلى مجموعة من الوثائق والتقارير، أبرزها تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) نُشر في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كشف أن من بين الملوثات الناتجة عن حرق الغاز: جسيمات (PM2.5)، والأوزون، وثاني أكسيد النيتروجين، والبنزوبيرين (BaP)، والتي ترتبط مباشرة بأمراض القلب، والسكتات الدماغية، والسرطان، والربو". وتابع ممثل حراك قضاء الصادق في البصرة: "التقرير ذاته أشار إلى أن العراق يحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد روسيا في حرق الغاز، بواقع 18 مليار متر مكعب سنويًا، وهي كمية تكفي لتوفير الكهرباء لنحو 20 مليون منزل أوروبي سنويًا. وأوضح أن مستويات جسيمات (PM2.5) في القرى القريبة من مناطق الحرق في العراق وصلت إلى 100 ميكروغرام لكل متر مكعب في الساعة، وهو رقم مقلق للغاية". وبيّن المنصوري، أن "المادة 33 من الدستور العراقي تنص على حق الفرد في العيش في بيئة سليمة، وتُلزم الدولة بحمايتها، كما أن قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 يمنع الجهات الحكومية والخاصة من القيام بأي نشاط يؤدي إلى تلوث الهواء أو المياه أو التربة" ونوّه إلى أن "المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، تلزم الحكومات بحماية مواطنيها من الانتهاكات البيئية الناتجة عن أنشطة الشركات" واختتم حديثه بالتأكيد على أن "تجاهل هذه الحقوق والتشريعات، والاكتفاء باستمرار الاستخراج النفطي في المناطق السكنية، يُعد خرقًا واضحًا لواجب الدولة، ويضع الجهات المسؤولة أمام مسؤولية قانونية داخلية ودولية".