
"الأنثروبوتس".. خلايا بشرية تصنع روبوتا حيا لا يشبه الإنسان
تعودت مجموعة من العازفين المخضرمين على عزف لحن معين لسنوات في أحد المسارح تحت قيادة قائد الأوركسترا، لكن عندما عزفوا في مسرح مختلف، ومن دون قائد أوركسترا، بدؤوا يعزفون لحنا مختلفا، لم يتدربوا عليه من قبل، لكنه كان مخزونا في ذاكرتهم القديمة.
هذا السيناريو التخيلي هو بالضبط ما حدث عندما قرر باحثون من جامعة تافتس الأميركية منح خلايا بشرية فرصة "إعادة اكتشاف نفسها" في بيئة جديدة، فكانت النتيجة مدهشة، وهي ميلاد كيانات أو كائنات مجهرية أطلقوا على الواحد منها اسم "أنثروبوت"، وهو الإنجاز الذي كشفت جيزيم غوموسكايا من مركز ألين للاكتشافات بجامعة تافتس والباحثة الرئيسية بالدراسة، عن تفاصيله في تصريحات خاصة للجزيرة نت.
وينشأ كل إنسان من خلية واحدة، تنقسم وتتشكل وتتنوع في الوظائف، لتبني الأنسجة والأعضاء والأطراف، وأعاد هذا المخطط نفسه مليارات المرات عبر الأجيال وبتكرار شبه مثالي، لمدة تزيد على 300 ألف عام.
وعمل الباحثون بجامعة تافتس في دراسات سابقة على فهم "شفرة البناء" التي تجعل الخلايا الفردية تخلق شكل هذا الجسم البشري، وذلك في سعيهم لدفع حدود الطب التجديدي، لكنهم في الدراسة الجديدة المنشورة بدورية"أدفانسد ساينس"، ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وهو استخدام الخلايا البشرية لصنع ما يشبه كائنات بأشكال وقدرات غير مألوفة، وكل ذلك دون تعديل جيني.
كلمة "أنثروبوت" هي مزيج من كلمات تعني "إنساني" و"روبوتي"، بمعنى أن الخلايا البشرية، مع وضعها في بيئة مختلفة تماما، بدت كأنها كائنات مختلفة اتخذت برمجة مغايرة عن برنامجها المعتاد.
البداية من خلايا القصبة الهوائية
وللوصول إلى هذه الكائنات المجهرية الفريدة من نوعها، يكشف بيان صحفي صادر عن الجامعة، كيف قام الباحثون باختيار خلايا بشرية بالغة مأخوذة من القصبة الهوائية (الخلايا المهدبة المسؤولة عن تنظيف المجاري التنفسية)، وبدلا من زرع الخلايا على طبق نمو تقليدي، تم توفير بيئة ثلاثية الأبعاد تُشجع الخلايا على التجميع بطريقة غير معتادة، دون إجبارها على شكل معين، وراقب الفريق كيف بدأت الخلايا تتجمع تلقائيا لتشكل كائنات مجهرية.
ووجد الباحثون أن بعض هذه الكائنات المجهرية كانت كروية الشكل، وبعضها ممدود، وبعضها مغطى بأهداب جعلتها تتحرك كأنها تسبح، والبعض الآخر أظهرت قدرة على التئام الجروح إذا تم شقها، وبدا الأمر كما لو أن الباحثين منحوا الخلايا الحرية لأول مرة، فبدأت تُعيد اكتشاف قدراتها.
وعند تحليل الخلايا داخل مجموعات "الأنثروبوتس"، اكتشف الباحثون أنها أعادت تنشيط أكثر من 9 آلاف جين، بما في ذلك، جينات قديمة جدا ومشتركة مع كائنات وحيدة الخلية، وجينات جنينية مرتبطة بتكوين الطبقات الجنينية والتناسق.
وتقول جيزيم غوموسكايا الباحثة الرئيسية بالدراسة للجزيرة نت: "لم يعتمد الأمر على التلاعب بالجينات، بل على إعادة ترتيب الخلايا نفسها، فعندما تم أخذ خلايا من القصبة الهوائية للإنسان وفصلها ثم السماح لها بإعادة بناء نفسها في شكل جديد، بدأت تلك الخلايا في تنشيط أكثر من 9 آلاف جين، كثير منها كان خاملاً في حالتها الأصلية".
وتضيف: "نعتقد أن هذا التحول ناتج عن تغيرات في طريقة تفاعل الخلايا مع بعضها البعض، بالإضافة إلى التغير في شكلها والبيئة المحيطة بها، وهي ظروف تذكرنا بما يحدث أثناء التئام الجروح أو في مراحل التطور الجنيني المبكر".
وترجح أن هذه الآلية يمكن تعميمها على أنواع أخرى من الخلايا، ما دام المبدأ هو أن "الشكل والسياق يؤثران في سلوك الجينات".
البصمة الوراثية للخلايا
اللافت أكثر، أن الباحثين قاسوا "العمر البيولوجي" للخلايا، وهو ما يُعرف بالبصمة الوراثية ووجدوا أن الخلايا التي أتت من شاب عمره 21 عاما، كانت تُعادل 25 عاما من حيث العمر البيولوجي، لكن بعد تحولها إلى "أنثروبوت"، انخفض عمرها إلى 18.7 سنة فقط.
وتقول غوموسكايا "يبدو أن إعادة تنظيم الخلايا في شكل جديد، يخلق ظروفا توهمها بأنها تبدأ من الصفر، فتبدأ آليات تجديد الشباب بالعمل من تلقاء نفسها، وهذا يعني أن مجرد تغيير الشكل والتنظيم قد يعيد عقارب الساعة البيولوجية للخلف".
ولم يكتف الباحثون بذلك، بل رصدوا السلوك والوظائف لكائنات الأنثروبوتس، وسجلوا قدرتها على الحركة الذاتية، والتئام الجروح، والتنظيم الداخلي المستقل.
ويرجح الباحثون أن العودة البيولوجية للوراء ناتجة عن إشارات ميكانيكية وتواصل بين الخلايا يجعلها تشعر كأنها في بداية جديدة، فيبدأ برنامج "تجديد الخلية" بالعمل تلقائيا، دون أي تدخل خارجي.
ولاحظ الباحثون أن الأنثروبوتس تتصرف بطريقة مختلفة حسب شكلها الخارجي، حيث أظهرت الكائنات الكروية سلوكا حركيا يختلف عن الأنواع الممدودة.
وتقول: "هذا يشير إلى أن البنية ثلاثية الأبعاد بحد ذاتها، حتى دون تغييرات جينية، يمكن أن تُطلق سلوكيات جديدة مثل الحركة والشفاء الذاتي، مما يؤكد أن "الشكل له سلطة على الجينات".
ورغم أن هذه الكائنات لا تزال في بيئات مختبرية، فإن الفريق البحثي يرى آفاقا علاجية في المستقبل.
وتوضح غوموسكايا: "ما يميز كائنات الأنثروبوتس هو أنها مصنوعة من خلايا الشخص نفسه، دون مواد غريبة، لذا من المحتمل أن تكون آمنة مناعيا، ونطمح لاستخدامها مستقبلاً كروبوتات حية تقوم بتوصيل الأدوية، إصلاح الأعصاب، أو تنظيف الأنسجة من الخلايا الميتة".
إعلان
ولا ينوي الفريق التوقف عند هذه المرحلة، وتختم الباحثة: "نخطط لاختبار خلايا جديدة مثل خلايا العضلات والجلد والدم، كما سنقوم بتجربة الأنثروبوتس في بيئات ثلاثية الأبعاد وداخل كائنات حية، لنرى مدى قدرتها على العمل والتفاعل بفعالية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
تسلا تطرح "ساير كاب" السيارة الثورية ذات التصميم الفضائي
حياة ذكية شهد معرض فيفا تك باريس 2025 الكشف عن مجموعة استثنائية من الابتكارات التقنية التي تعد بإعادة تشكيل مستقبل الحياة اليومية، وتنوعت العروض بين وسائل النقل الثورية والأجهزة الطبية المساعدة والحلول الرقمية. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
التحول العظيم في النظام الدولي: نظرية النهايات
نحن الآن أمام مرحلة تاريخية فارقة، قد تُقارن بتحولات كبرى شهدها التاريخ البشري مثل الثورة الصناعية أو سقوط الإمبراطورية الرومانية. كما أشار الفيلسوف المجري كارل بولاني إلى "التحول العظيم" (The Great Transformation) الذي يصف فيه كيف غيّرت الرأسمالية السوقية البنية الاجتماعية والاقتصادية التقليدية، فإن العالم اليوم يمر بتحول مشابه، لكنه أكثر تعقيدًا وشمولًا. هناك العديد من النظريات التي تحاول قراءة هذا الواقع الجديد، بعضها يراه فوضى مستمرة كما في كتاب العالم في فوضى (The World in Disarray) لريتشارد هاس، أو تفككًا كما يراه المؤرخ نيل فيرغسون. لكن هناك رؤية أوسع ترى أن كل هذه الفوضى ما هي إلا جزء من عملية انتقالية نحو نظام دولي جديد، وتُعرف هذه النظرية باسم "التحول العظيم"، وهي نظرية شاركت فيها مجموعة من الشخصيات الفكرية والمؤسسات العلمية العالمية. بالتالي، نحن لا نعيش مجرد أزمات متفرقة، بل نشهد منحنًى واضحًا من الفوضى التي ستفضي إلى ولادة نظام عالمي جديد. تيارات رئيسية لسيناريوهات التحول التيار الأول: تيار دافوس (الاستمرارية عبر التكنولوجيا) هذا التيار يسعى إلى الحفاظ على النظام القديم، لكنه يحاول إعطاءه وجهًا حديثًا باستخدام التحولات التقنية الكبرى. ويتجلى ذلك في مؤتمر دافوس، ونظرية "الثورة الصناعية الرابعة" التي طرحها كلاوس شواب، والمقرّب منه الكاتب الإسرائيلي يوفال نوح حراري. هذا التنظير يربط بين التقدم التكنولوجي والتحول العالمي، ويرى أن البشر لم يعودوا سوى بيانات قابلة للتحليل والبرمجة من قبل الشبكات العصبية الاصطناعية. في هذا السياق، الإنسان ليس صانع القرار، بل هو كائن يتم "برمجته". ومن وجهة نظر المنتقدين، فإن هذا التيار جزء من محاولة لتحويل الحكم إلى أيدي التكنوقراطيين الذين يتحكمون في المال والتكنولوجيا، ويميلون إلى فرض نظام عالمي واحد، موحّد، وغير متعدد الثقافات. الدول النامية، وخاصة في الجنوب العالمي، عليها أن تتبع قواعد اللعبة الجديدة، والتي تفرض عليها الانفتاح الكامل على استثمارات الشركات الكبرى، دون اعتبار للأعراف أو الهويات الثقافية. في هذا السياق، تُعتبر القيم مثل التنوع الثقافي، والكرامة الإنسانية، وحتى فكرة العالم متعدد الأقطاب، عقبات أمام "التمدد التقني الكبير". وهكذا، فإن الخيار الوحيد المسموح به هو إما قبول هذا المستقبل "الوردي" الذي ترسمه الشركات الكبرى، أو العودة إلى "الماضي"، وهو أمر يُصنَّف بأنه غير عملي وغير متناسب مع مسار التطور. تيار نظرية الفوضى (تفكك النظام القديم) في المقابل، هناك تيار آخر يرى أن النظام العالمي الحالي، الذي شُكّل بعد الحرب العالمية الثانية، قد فقد قدرته على إدارة التعقيدات الجديدة، سواء كانت هذه التعقيدات ديمغرافية، بيئية، تقنية، أو حتى فكرية، فإن المنظومة الاقتصادية والسياسية القائمة لم تعد قادرة على استيعابها. هذا التيار يشير إلى أن النظام العالمي أصبح غير طبيعي، كما ذكر عالم المستقبل زيا ساردار، وأننا نعيش حالة خلل عميقة في كل شيء: من السياسة إلى الاقتصاد، ومن البيئة إلى الثقافة. عناوين كثيرة كالعودة إلى الغاب، أو العالم في فوضى، أو تفكك العالم، إذا تتبعت البحث عن هذه المصطلحات في Google Trends فستجد أنها تنتشر لأسباب معروفة بشكل كبير في دول أميركا اللاتينية ودول أفريقية. مثال بارز على ذلك هو المقارنة بين حرب العراق عام 2003، حيث حرصت الولايات المتحدة وبريطانيا على الحصول على غطاء قانوني من الأمم المتحدة رغم عدم موافقتها على العملية، وبين الضربات الإسرائيلية الحديثة على إيران، حيث لم يعد القانون الدولي أو الشرعية عنصرًا في الحسابات السياسية. الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه أعلن، صراحة، أنه لا يعبأ بالقوانين الدولية، وتعامل وكأنه إمبراطور لا يمكن لأحد منازعته. هذا يدل على أن النظام العالمي يفقد تدريجيًا قدرته على ضبط النفس، ويدخل في حالة من الفوضى المتسارعة، مما يستدعي إعادة نظر جذرية في مفاهيم السيادة، والقانون الدولي، والتعاون البشري. التيار الثالث: التحول العظيم في المقابل، سنجد مشاريع وكتبًا ودراسات وتيارات ترى أن العالم في حالة فوضى، وأن بنية النظام العالمي والاقتصادي الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد قادرًا على إدراك وإدارة المتغيرات التي يشهدها العالم، سواء التحولات الكبرى (الديمغرافيا، البيئة بما في ذلك الطاقة، التقنية)، أو البنية الفكرية، ما يشمل النظريات الاقتصادية والسياسية المرتبطة بفكرة التوازن كنظرية الأقطاب والعرض والطلب، أو ما يسمى بالمنهج الاختزالي السائد في العالم بعد مدرسة فيينا التي تسربت إلى المناهج العلمية والجامعات بعد الحرب العالمية الثانية. إسرائيل جزء من تلك المدرسة؛ ثيودور هرتزل كان من دائرة فيينا، والفكر الذي نشأ عن هذه المدرسة هو الذي أسّس لأغلب النظريات التي تُدرَّس في العالم اليوم، سواء في العلوم التطبيقية أو الإنسانية. كل البروتوكولات التي يُكتب بها البحث في الجامعات مصدرها هذه المدرسة. كل ذلك يتفكك اليوم، ونحن نعيش في وضع غير طبيعي، كما كتب عالم المستقبليات ساردار ضياء الحق. لذا، ما نعيشه اليوم هو خلل كبير في النظام، وعجز تام عن إدارة العالم. يمكن هنا أن نأخذ ما يحدث من عدوان إسرائيلي على إيران ونقارنه بما حدث في حرب العراق، ورغم أن الحربين تمثلان حالة من الفوضى في صناعة القرار، فإن المقارنة بينهما تبين حالة الفوضى بشكل واضح. في حرب العراق، كان الخروج بقرار من الأمم المتحدة قضية أساسية، والتوصيف القانوني للتوجه نحو الحرب أخذ زمنًا حتى استطاعت بريطانيا أن تشكل تحالفات تقتنع بشرعية الحرب ضمن القرار رغم قرار مجلس الأمن رقم 14001. لم يكن الأمر سهلًا من الناحية القانونية، ويقول توني بلير في مذكراته إنه، على كل حال، وُجد وجه قانوني سهّل عليهم الحصول على شرعية الحرب والوصول إلى حلفاء يمكنهم دعم شرعية المعركة. لو قارنت ما حدث في العراق بما يحدث اليوم، فستجد أن ضرب إسرائيل لإيران وتصريحات ترامب لا تبالي بأي شيء اسمه قانون أو شرعية، بل إن رئيس الولايات المتحدة الأميركية تحدث علنًا عن الاغتيالات في انتهاك صارخ ليس فقط لسيادة الدول، بل تعامل بمنطق الإمبراطور الذي على الجميع أن يحذر من غضبه. التحول العظيم التيار الثالث هو الذي ينظر لكل تلك المؤشرات على أنها قوى تدفع نحو نظام عالمي جديد. بالطبع، عادة ما يخطئ كثيرون حين يتصورون أن هذا العالم الجديد متعدد الأقطاب، فيستخدمون أبجديات الماضي لرسم صورة المستقبل، وهذا يجعل الأفق يضيق والإبداع يتضاءل. يمثل هذا التيار كتّاب من اليسار مثل هيرديت نيجري في كتابه الإمبراطورية (Empire)، أو تصورات عن نظرية الشبكة مثل أنا ماريا، مستشارة الرئيس الأميركي السابق أوباما، أو مشروع "نظرية التحول العظيم" لمجموعة من الجامعات. هنا تكون الحرب جزءًا من التحول إذا لم تنتهِ بحالة بربرية. فالوعي، وتماثل العالم مع المعرفة الكونية، ووجود جهد لحماية البيئة، ونشأة المواطن العالمي، فضلًا عن مؤسسات تخضع للقانون وليس لمجرد قواعد عامة غير ملزمة كما هو حال النظام العالمي الحالي، قد يتطور ذلك لتحول كبير يطال كل شيء حين تكون التقنية في سياقها الصحيح، وهو دعم قدرة البشر على حل مشاكلهم بطريقة إبداعية بعيدة عن الانحيازات الثقافية والانقسامات العرقية والإثنية. العرب والتحول العظيم هذه المسارات الثلاثة لن تتحقق بشكل تلقائي، بل سيعتمد هذا التحول على جهد الناس وقدرتهم على الدفع نحو مستقبل مشرق. لذا، فالمخاطر على الأمة الإسلامية والعربية هي أن هذه الحروب والأزمات تنتهي بها إلى حالة من الفوضى والتخلف، مما يجعل مسارها يضمن لها القعود في المقاعد الخلفية. ومن هنا، تصبح حضارة ميتة حين تحيا دول وشعوب أخرى استطاعت أن تنفذ من حبال الإمبراطورية الأميركية، وتتقدّم نحو الأمام لتكون في مصافّها، وربما فرضت إرادتها في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم. فكّرْ في الدول الإسكندنافية، في دول من جنوب شرق آسيا، ترَ كيف أن هذه المسارات قد تختلف من منطقة لأخرى. وهذا يعني أن مجموعة من الأفكار ستنتهي كالحداثة وما بعد الحداثة، والرأسمالية، والديمقراطية، وغيرها كثير. فكل شيء من مخلفات الحداثة، بما فيها إسرائيل، سيكون جزءًا من الماضي عندما تنشأ دول قادرة على فرض سرديتها ومعارفها وتسريبها في المجال الأكبر، الذي تحدث عنه بنجامين برتيون في كتابه عن البرمجة والسيادة (Programming and Sovereignty). فالأولى- أي البرمجة- صارت هي المعرفة، ومن ثم ستتبعها السيادة في مجال يُسمّيه النسق أو التراكم النسقي. إن المستقبل صار جزءًا من عملية التصميم الذي يسعى كثيرون إليه. إنه خيال وأفكار تتراكم لتكون نسقًا ينشأ عنه تحول كبير. إنه عمل لتحقيق هذه التصاميم على أرض الواقع، وعندما ينجح الآخرون في بناء نظام آخر لم نُسهم فيه، عندها سندرك كم كنّا مخطئين.


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
ماء من الضباب.. تجربة لزراعة الصحراء الأكثر جفافا في العالم
في قلب صحراء أتاكاما في تشيلي، التي تعد أكثر صحاري العالم جفافا، يحاول باحثون ومزارعون الاستفادة من رطوبة الهواء لزراعة محاصيل مثل الخس والليمون، عبر تكنولوجيا بسيطة لكنها فعالة وهي شباك لاصطياد الضباب وتحويله إلى ماء. ويقول رئيس جمعية صائدي الضباب في أتاكاما أورلاندو روخاس -لوكالة رويترز- "نحن نعتمد في زراعة الخس على مياه الضباب. زرعنا محاصيل أخرى، لكن لم تكن نتائجها جيدة، وهو ما دفعنا للتركيز على الخس". تعتمد التقنية المستخدمة على شبكة من الألياف الدقيقة تُعلّق بين أعمدة معدنية، وتعمل على اعتراض قطرات الرطوبة من الضباب المتناثر، قبل أن تتكاثف وتسقط في خزانات مخصصة لتجميع المياه. ورغم بساطتها، أثبتت هذه الطريقة فاعلية ملحوظة في إنتاج كميات من المياه تكفي لري محاصيل محددة في بيئة قاحلة للغاية. منصة إلكترونية وفي هذا السياق، يعمل فريق من "مركز صحراء أتاكاما" على تطوير منصة إلكترونية مفتوحة المصدر لرسم خرائط المناطق ذات الإمكانات الأعلى لتجميع مياه الضباب، بهدف تعميم التجربة واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة بأقصى درجة ممكنة. يقول مدير المركز كميلو ديل ريو -لوكالة رويترز- "نحن نعرف إمكانات هذه المنظومة، وندرك أنها يمكن أن تمثل حلا واعدا لتلبية احتياجات المياه في مناطق تُعاني من شحٍ حاد في الموارد المائية". وبين الصخور والتلال المغطاة بالرمال البيضاء القاسية، تبدو هذه المبادرة بمثابة بصيص أمل. إذ يمكن لهذه التقنية، وفق روخاس، أن تُنتج ما بين 1000 إلى 1400 لتر من الماء في اليوم، وهي كمية كفيلة بإبقاء عدد من المحاصيل حية في مناخ قاس. وفي مساحة صغيرة، تنمو أشجار الليمون أيضا، مسقية من مياه الضباب التي تم جمعها خلال الأيام السابقة. ويأمل الباحثون أن تُستخدم هذه التجربة كنموذج لمناطق أخرى في العالم تواجه ظروفا مناخية مشابهة، خاصة في ظل أزمة المياه المتفاقمة الناتجة عن التغير المناخي وتراجع مصادر المياه العذبة.