
رواية مجلس مصر.. ليوناردو شاشا
عرض الأب فيلا (الشخصية الرئيسية في الرواية)، على نائب الملك وحليفه الكاردينال إيرولدي فرصة لقطع أغلال صقلية. بعد اكتشاف مخطوطة عربية غير مفهومة للعلماء المحليين، استدعى إيرولدي هذا الكاهن المالطي حتى يتمكن من تحديد القيمة الحقيقية للعمل. اغتنم فيلا الفرصة لتحسين ظروفه المعيشية البائسة، وادعى أنه فك رموز مخطوطة تاريخية ذات قيمة عالية: وثيقة قادرة على دحض ادعاءات نبلاء صقلية. لقد كان الكاهن يكذب، ذلك أن المخطوطة كانت تتحدث عن حياة نبي الإسلام محمد. ولكن لكي يرتقي، كان عليه أن ينخرط في عمليات تزوير عالية المستوى. أتاح العمل الطويل في إعداد الوثيقة لفيلا الفرصة للاندماج في الطبقة العليا لمجتمع باليرمو. سمح فيلا لنفسه، بحذر، أن يتم شراؤه، من قبل النبلاء الذين أرادوا رؤية أسمائهم تظهر في الوثيقة العربية المزورة: اعتقد المجتمع الراقي أن الوثيقة كانت صحيحة، واعتقد أيضا أن فيلا باعتباره مترجِما، يستطيع أن يشير إليهم هنا أو هناك في الوثيقة دون تحريفها في العمق. لقد كانت صقلية بالفعل مملكة تسويات المصالح الذاتية. وفي بلاط نائب الملك، ثم في بلاط فرديناند الثالث ملك نابولي، مَنَحَت الوثيقة المزورة مكانة مرموقة للغاية لفيلا.
بدلاً من كشف القصة بطريقة خطية، قام شاشا بتكثيف وقت الرواية في فصول قصيرة، غالبا ما تكون حوارا. الشخصيات، باستثناء فيلا والمحامي الشاب دي بلاسي، ليس لديها أهمية كبيرة، إنها تظهر لتوضح حالة القوى في باليرمو، لتقدم بفضل التسهيلات التي يسمح بها الخيال، صورة واقعية للوضع الاجتماعي والسياسي. الوضع في صقلية. ليس هذا العمل مجرد رواية تاريخية، بالمعنى المبتذل للكلمة (مليئة بالمغامرة والفوضى)، إنه يستخدم الأدوات الروائية لمساءلة التاريخ. يبدأ النص قبل وقت قصير من وفاة ديدرو، حيث لم يصبح عصر التنوير بعد سلاحا فكريا لقوة معادية. وينتهي عندما يغامر جنرال الثورة بونابرت بدخول إيطاليا، مما أثار، بسبب حروبه المنتصرة، تصلب الأنظمة الأوروبية النبيلة. قبل عام 1789، كان النظام في نابولي قادراً، من دون مخاوف دبلوماسية ومخاوف عائلية كبرى، على إضعاف القيود الدينية، فقمع محاكم التفتيش، وطرد اليسوعيين، وكسر نفوذ النبلاء لصالح المجتمع المدني الناشئ والمستنير. في ظل هذه الظروف، مكّن تزوير فيلا من إضعاف طبقة النبلاء. رافقت حركة إصلاحية خجولة صعود الكاهن في المجتمع الباليرمي. بمجرد أن اشتعلت النيران في باريس، وتبعتها فرنسا، لم يعد حكم آل بوربون في نابولي قادرا على ترك الكنيسة والنبلاء لمصيرهما. إن سقوط فيلا، الذي لا يقاوم تزييفُهُ العينَ العلمية، أمر لا مفر منه. ومع ذلك، فإن عار هذا الأب لم يعد في المستوى الأول من الأهمية.
إن موهبة شاشا حاضرة في حركة عميقة تؤثر على المستوى الأول والمستوى الثاني للرواية، إلى حد قلب موقعهما. في الجزء الأول من الرواية، ما المجتمع الليبرالي الصغير في باليرمو إلا مسرح للفاعل الرئيسي وخداع المخطوطة العربية. يسلط المؤلف الضوء على الصراع بين المَلَكية ونبلائها الصقليين. إن تطور الظروف التاريخية يؤثر على بناء الرواية ويقلب المشهد. سرعان ما لم يعد الكاهن الماكر محل اهتمام القصة، حيث تصالح الملك والنبلاء تحت التهديد الفرنسي. تغير القصة وجهة النظر وتحل شخصية ثانوية، المحامي دي بلاسي، ممثل النخب الليبرالية والبرجوازية، محل الأب. يروي الجزء الثاني من الرواية فشل مؤامرته الثورية، وتعذيبه – البغيض – وإعدامه، أمام أعين الأب فيلا، ليصبح مرة أخرى تفصيلا غير مهم وضعيف كما كان في البداية. ليست الشخصيات هي الأهم. إن مصير فيلا، الشخصية الكوميدية، ومصير دي بلاسي، الشخصية المأساوية، مهمان أكثر من شخصيتيهما. إنهما ليسا موضوعا القصة، بل شيئان، حركهما شاشيا لتوضيح فترة رئيسية في تاريخ صقلية. تكمن قوة الرواية في رسوخها التاريخي، وفي قدرتها على مساءلة مصير الجزيرة. ضعفها، الذي هو جوهري في رواية الأطروحة، هو جعل الحبكة وسيلة للتفكير السياسي التاريخي. نجح تشاؤم المؤلف الساخر في إحياء الرواية، دون رفعها فوق الإنتاج الأدبي الشائع.
أعتقد أنه من الخطأ تقييم العمل من الناحية الفنية فقط. الأدب، بالنسبة لشاشا، ليس عملا حرا، بل هو سلاح، وسيلة لمحاربة عصره. هكذا تحدث فيلا عن مالطا – وعن صقلية، أو تحدث شاشا من خلال هذا الوسيط -: 'عن طريق البحر، يسمح للخيال بالاقتراب من أسطورة العالم الإسلامي وأسطورة العالم المسيحي: كما فعلت أنا، كما عرفت كيف أفعلها… قد يروي البعض القصة، وأنا أروي الأسطورة'. من خلال لعبة المرايا، يشكك شاشا في تاريخ صقلية، وقاعدة الافتراءات التي استندت إليها ادعاءات النبلاء بالأمس، وإنكار المافيا اليوم. إن مثل هيمنة طبقة النبلاء، كمثل هيمنة رجال الأعمال في الجريمة المنظمة، تستمر كلاهما من خلال الأساطير، والأساطير التي يعتقد المتقاعس المذنب أنها حقيقية. يرد شاشا على الخيال بخيال آخر: التاريخ متنكر في ثوب رواية، ضد رواية متنكرة في ثوب التاريخ.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 14 دقائق
- وكالة الصحافة المستقلة
العراق وتحديات خارطة سياسية جديدة
محمد حسن الساعدي تقترب الانتخابات النيابية في ظل أزمات متراكمة ومشهد سياسي مضطرب، مع ارتفاع في الخطاب الطائفي، ووضوح للنفوذ الخارجي، يرافقها ضعف ثقة الشارع بالعملية الديمقراطية، وتصاعد للمطالبات بإصلاح شامل لأوضاع البلد رغم كل ذلك تلوح في الأفق ملامح خارطة سياسية جديدة, قد تعيد تشكيل موازين القوى، وتمهّد لمرحلة انتقالية في بنية الحكم، رغم أن البيئة الانتخابية في العراق لا تزال مأزومة، نتيجة تراجع الثقة الجماهيرية بالمؤسسات، وتراكم ملفات الفساد، واستمرار تأثير السلاح المنفلت والمال السياسي.. وقد أظهرت التجارب السابقة، لا سيما انتخابات 2021، إزدياد عمق الفجوة بين المواطن والطبقة السياسية، مع ارتفاع نسبة العزوف عن التصويت، وما رافقها من إتهامات بالتزوير، وانعدام الشفافية في النتائج. مفاتيح التحول السياسي المحتمل، قد تستند على صعود القوى المستقلة والحركات الشبابية، كقوى تشرين والتيارات المدنية والتي تشكّل تحديًا للقوى التقليدية، خاصة في ظل تراجع شعبية الأحزاب الكبيرة، وتآكل مكانتها وشرعيتها الاجتماعية، إذا استطاعت هذه الحركات، التوحد ضمن برامج واقعية وتحالفات واسعة، فهي مرشحة لإحداث اختراق واضح في الخارطة السياسية، رغم صعوبة تحقيق إشتراطات ذلك.. جانب اخر يجب الإلتفات له، يتعلق بإعادة فرز القوى الشيعية، فالتيار الصدري وإن انسحب من البرلمان، فهو لا يزال لاعبًا قويًا في الشارع، ويسعى إلى إعادة تعريف الشرعية الانتخابية، بناءً على مشروع الدولة كما يراه هو.. بالمقابل فأن قوى الإطار التنسيقي تحاول الحفاظ على موقعها، لكنها تواجه تحديات داخلية وخارجية، كبيرة وكثيرة جدا.. الدور الكردي والسني هو الآخر له دور في المعادلة المقبلة، فالقوى الكردية تعاني من الانقسام والصراع الداخلي، ما قد يضعف موقفها التفاوضي، أما القوى السنية فهي تحاول إعادة تشكيل نفسها، وتجد لها مكانا جديدا للتموضع ضمن الخارطة السياسية، مع بروز تحالفات جديدة، خارج عباءة الزعامات التقليدية، مما قد يغير توازنات السلطة في بغداد. دور المرجعية الدينية العليا، قد يكون إلى جانب ضغط الشارع، ويشكل كلاهما عوامل حاسمة في رسم المشهد القادم، إما من خلال توجيه الأول للمشاركة الفاعلة أو كبح محاولات التزوير وفرض الإرادات، وسيستجيب لها الطرف الثاني بكل تأكيد، وبنسبة عالية جدا يبقى النفوذ الخارجي وتحديات السيادة، هو احد العوامل الاكثر تأثيراً في المشهد السياسي،وأن اللاعب الإقليمي والدولي في الانتخابات لا يمكن تجاهله، فإيران والولايات المتحدة كلٌ وفق أدواته، تتابعان المشهد وتدعمان أطرافًا مختلفة، ما قد يُدخل البلاد في دوامة صراع الإرادات، ويضعف المسار الوطني المستقل. مع هذه التغيرات فأن يرجّح أن تتشكل خارطة سياسية جديدة تقوم على: تراجع هيمنة الكتل الكبرى لمصلحة توازن كتل أصغر وبشكل أكثر تعقيدًا. بروز قوى مستقلة وشبابية قد تحصل على مقاعد مؤثرة. إعادة توزيع التحالفات وفق معايير المصلحة الوطنية لا الانتماء الطائفي. احتمال تشكيل حكومة بأغلبية سياسية مقابل معارضة برلمانية معقولة وهو تطور إيجابي إن تحقق. بعيدا عن تحديد مدى تحقق تلك الاحتمالات من عدمها، فالانتخابات المقبلة تمثل لحظة فاصلة في تاريخ العراق السياسي.. فإما أن تكون بوابة لإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، أو محطة إضافية في مسلسل الانقسام والشلل السياسي، والرهان اليوم ليس فقط على من سيفوزون، بل على ما إذا كان هؤلاء المنتصرون سيفهمون رسالة الشعب، ويتجهون لبناء مشروع وطني جامع، يقدّم العراق على الولاءات، والسيادة على التبعية.


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 14 دقائق
- وكالة الصحافة المستقلة
اشتباكات بين مجموعة تنتمي للحشد والشرطة الاتحادية في بغداد
المستقلة/-أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن اعتقال 14 شخصا من المشاركين بالاشتباكات المسلحة بين قوة من الشرطة الاتحادية واحدى فصائل الحشد الشعبي، وادت الى اصابة 15 شخصا ومقتل اثنين. وشدد البيان على عدم السماح 'بأي تجاوز على مؤسسات الدولة أو تهديد لسلطة القانون'، مبينة ان 'هيبة الدولة وسيادة القانون خطاً أحمر لا يمكن المساس به'. واوضحت ان 'إحدى دوائر وزارة الزراعة في جانب الكرخ شهدت صباح الأحد حادثاً خطيراً تزامن مع مباشرة مدير جديد لمهامه في الدائرة، حيث أقدمت مجموعة مسلحة على اقتحام مبنى الدائرة أثناء انعقاد اجتماع إداري، مما تسبب بحالة من الذعر بين الموظفين الذين استنجدوا على الفور بالقوات الأمنية'. وأشار الى ان 'مفارز من الشرطة الاتحادية ودوريات نجدة الكرخ سارعت إلى موقع الحادث، وتعرضت لإطلاق نار مباشر من قبل المسلحين، ما أدى إلى إصابة عدد من الضباط والمنتسبين بجروح مختلفة'، لافتة الى ان 'القوات الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على خمسة من المسلحين المتورطين في الحادث، فيما تستمر عمليات أمنية مكثفة في المنطقة، بإشراف مباشر من القيادات العليا، لتعقّب باقي الجناة وتقديمهم إلى العدالة'. وجددت الوزارة تأكيدها أن 'أجهزتها لن تتهاون مع أي جهة تحاول فرض الأمر الواقع بالقوة أو تهديد مؤسسات الدولة، وستواصل أداء واجبها بكل حزم لحماية الأمن والاستقرار'. تشكيل لجنة عليا على صعيد متصل أمر رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، الأحد، بتشكيل لجنة عليا للتحقيق بملابسات حادث إحدى دوائر الزراعة في جانب الكرخ من بغداد. وقالت قيادة العمليات المشتركة في بيان 'على خلفية الحادث الآثم الذي حصل في إحدى دوائر وزارة الزراعة في جانب الكرخ صباح هذا اليوم وما رافقته من تداعيات، أمر القائد العام للقوات المسلحة بتشكيل لجنة تحقيقية عليا لمعرفة ملابسات الحادث وكيفية حركة القوة المسلحة من دون أوامر أو موافقات أصولية ومحاولة السيطرة على بناية حكومية وفتح النار على القطعات الأمنية'. وتابعت أن 'قواتنا الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على 14 متهماً، ولدى تدقيق هويات الملقى القبض عليهم، تبين أنهم ينتمون الى اللواءين (45 , 46 ) بالحشد الشعبي'، موضحة أنه 'تمت إحالتهم إلى القضاء واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم'.


حزب الإتحاد الديمقراطي
منذ 44 دقائق
- حزب الإتحاد الديمقراطي
تل كوجر… حزب الاتحاد الديمقراطيPYD يعقد اجتماع موسع لبحث المستجدات السياسية
عقد حزب الاتحاد الديمقراطي PYD اجتماعاً جماهيرياً موسعاً في مدينة تل كوجر ، بحضور الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD 'غريب حسو'، واعضاء وعضوات الحزب، إلى جانب للعشرات من أهالي المدينة. تناول الاجتماع آخر المستجدات السياسية التي تشهدها مناطق الشرق الأوسط عموماً وسوريا على وجه الخصوص. بدأ الاجتماع بالوقوف دقيقة صمت إجلالاً لأرواح الشهداء، ثم تحدث الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD 'غريب حسو' عن الوضع السياسي الراهن التي تشهده مناطق الشرق الأوسط عموماً والساحة السورية على وجه الخصوص. وركز الاجتماع على المعوقات والتحديات التي تواجه الشعب السوري أمام تحقيق متطلعاتهم في العيش بسوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية يسودها الاستقرار والسلام. وأكد المشاركون في ختام الاجتماع من خلال مداخلاتهم على أهمية التعاضد بين شرائح المجتمع السوري في ظل المرحلة المفصلية التي تمر بها المنطقة.