logo
ترامب والحوثيون: صفقة بحرية هشة تفتح الباب أمام تصعيد بري في اليمن

ترامب والحوثيون: صفقة بحرية هشة تفتح الباب أمام تصعيد بري في اليمن

اليمن الآن١٠-٠٥-٢٠٢٥

في خطوة مفاجئة ومبهمة المعالم، أعلنت الولايات المتحدة عن توصلها إلى اتفاق مع جماعة الحوثيين لوقف هجماتها في البحر الأحمر، في محاولة واضحة لخفض التصعيد في واحدة من أكثر النقاط حساسية في الأمن البحري العالمي. ورغم شحّ التفاصيل وتناقض التقارير حول طبيعة هذا الاتفاق وحدوده، فإن الإعلان وحده أحدث تحولات في قراءة المشهد اليمني والإقليمي، إذ رأى كثيرون فيه مقدمة محتملة لتصعيد بري قادم داخل الأراضي اليمنية، لاسيما بعد مؤشرات على تحركات عسكرية موازية واستعدادات من أطراف إقليمية للانخراط بشكل أوسع في الصراع.
ويأتي هذا التطور في وقت بالغ التعقيد، إذ تتزايد الضغوط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب داخليا وخارجيا لإعادة ضبط تدخلاتها العسكرية في المنطقة، غير أن التصريحات المتباينة داخل الإدارة، والانقسام الواضح بين جناح يدعو إلى ضبط النفس والتفاهمات المرحلية، وآخر يميل إلى الحسم الميداني ومراكمة المكاسب بالقوة، يعكسان تخبطا في تحديد الأهداف الحقيقية من هذه الصفقة. فبينما يروّج البعض لهذا الاتفاق على أنه خطوة نحو السلام، يرى مراقبون أنه لا يعدو كونه مناورة تكتيكية لتمهيد الأرض أمام مرحلة جديدة من المواجهات.
ومنذ منتصف مارس، شنت الولايات المتحدة أكثر من ألف غارة جوية على مواقع يُعتقد أنها تابعة للحوثيين ضمن عملية عسكرية أطلقت عليها اسم 'الراكب الخشن'. ورغم أن القيادة المركزية الأميركية امتنعت عن الكشف عن تفاصيل دقيقة حول نتائج هذه الضربات، فإن منظمات مستقلة أكدت وقوع خسائر بشرية جسيمة.
وتشير التقارير إلى مقتل ما لا يقل عن 158 مدنيا وإصابة 342 آخرين، إلى جانب سقوط أكثر من 68 مهاجرا أفريقيا في ضربة جوية على مركز احتجاز في صنعاء. وتعيد هذه الأرقام إلى الأذهان صور الكوارث الإنسانية التي لحقت باليمن خلال سنوات الحرب السابقة، وتثير التساؤلات حول جدوى الخيار العسكري مجددا، في ظل واقع ميداني لم يتغير كثيرا رغم سنوات من القصف المكثف.
ومن الناحية الإستراتيجية، لم تؤد الضربات الجوية إلى تراجع فعلي في قدرات الحوثيين، بل إن الجماعة نجحت مجددا في امتصاص الهجمات وإعادة تموضعها، كما حدث في السابق خلال حملة التحالف بقيادة السعودية، بل وذهبت أبعد من ذلك عبر استهداف مباشر للقطع البحرية الأميركية في البحر الأحمر، الأمر الذي بلغت ذروته في حادثة الثامن والعشرين من أبريل عندما كادت حاملة الطائرات الأميركية 'هاري إس ترومان' أن تتعرض لضربة مباشرة، وسقطت طائرة أف – 18 في البحر، ما زاد من مخاوف القيادة العسكرية الأميركية من انزلاق أكبر. كما فُقدت طائرة أخرى من الطراز ذاته في حادث لاحق لم تُعلن تفاصيله كاملة.
ومع استمرار هذه التطورات، بدأت أصوات داخل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تُحذر من مغبة التورط في جبهة معقدة وغير محسومة، تعيد إلى الأذهان عثرات التورط الأميركي الطويل في العراق وأفغانستان. وإزاء هذه المعطيات، لم يكن مستغربا أن تنظر بعض الأطراف إلى الاتفاق البحري على أنه تكتيك مؤقت يهدف إلى تهدئة الجبهة البحرية التي استنزفت واشنطن ماديا وعسكريا، دون أن يُغلق الباب أمام التصعيد البري.
ويقول الباحث أكسندر لانجلويس في تقرير نشرته مجلة ناشونال أنتريست الأميركية إن هناك مؤشرات على وجود خطة لإطلاق عملية برية في عمق المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مستفيدة من الغطاء الجوي الأميركي. ووفق هذا السيناريو، سيكون الاتفاق البحري مجرد 'وقف مؤقت' يُستخدم لإعادة الانتشار وإعادة تنظيم الجبهات، تمهيدا لجولة جديدة من المعارك.
ومع ذلك لا يبدو الرهان على الحسم البري واقعيا إذا ما قورن بالتجارب السابقة. فالحوثيون، بعد نحو عقد من الحرب، باتوا يملكون خبرة ميدانية كبيرة، وقدرات عسكرية أكثر تنظيما مما كانت عليه في بدايات النزاع. كما أن طبيعة الجغرافيا في الشمال اليمني، حيث يتركز ثقلهم العسكري والاجتماعي، تمنحهم أفضلية في الدفاع، وقد أثبتوا مرارا قدرتهم على امتصاص الهجمات المباغتة وإعادة التموضع بسرعة. أضف إلى ذلك شبكة الدعم الإيراني غير المباشرة، والتي تضمن لهم تدفقا مستمرا من الخبرات والتكنولوجيا العسكرية اللازمة لخوض حرب استنزاف طويلة.
لكن الأخطر من ذلك، أن أي تصعيد بري لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع. فالتوتر بين إيران وإسرائيل في ذروته، والعمليات العسكرية في غزة لم تتوقف، فيما تتصاعد المخاوف من انفجار الوضع في الجنوب اللبناني.
وفي هذا السياق، فإن فتح جبهة جديدة في اليمن قد يُفسر على أنه جزء من إستراتيجية إقليمية شاملة تستهدف الضغط على طهران، أو على العكس، قد يوفر لطهران ذريعة لتوسيع تدخلها في الجبهات المتعددة، ما يعقّد حسابات الجميع ويزيد من احتمالية انفجار إقليمي أوسع. ومن جانب آخر، فإن طبيعة الأطراف اليمنية المناهضة للحوثيين، وتعدد ولاءاتها وانقساماتها، تجعل من الحديث عن 'هجوم بري حاسم' أقرب إلى التمنّي منه إلى الخطة الواقعية.
ورغم الاعتراف الدولي بها لا تملك القوات الحكومية اليمنية وحدها القوة الكافية لتحقيق اختراق ميداني حاسم، في ظل ضعف التنسيق مع القوى المحلية الأخرى، وتراجع الدعم الشعبي في بعض المناطق، خصوصا بعد سنوات من الحرب والفشل في تقديم نموذج حكم مستقر. ووسط هذا المشهد، يزداد الشك في أن الاتفاق البحري قد يكون مجرد واجهة لتجميل خيار عسكري باهظ الثمن، لا على المستوى المالي فحسب، بل كذلك على المستوى الإنساني.
وستعيد أي مواجهة برية خطر المجاعة إلى الواجهة، خصوصا مع هشاشة سلاسل الإمداد، وتراجع الدعم الإنساني الدولي، وقرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض المساعدات الخارجية، بالتزامن مع إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، وهو ما من شأنه تعطيل مسارات الإغاثة الحيوية التي تصل إلى الملايين من اليمنيين.
والمفارقة أن هذه التطورات تأتي في وقت يتزايد فيه الحديث عن إمكانية إنهاء الحرب في غزة، وهو المطلب الذي ربط به الحوثيون إنهاء هجماتهم في البحر الأحمر. وقد أوفوا بهذا التهديد فعليا منذ بداية التصعيد الإسرائيلي، ما يثير تساؤلات حول جدية الأطراف الدولية في استثمار هذه المؤشرات لبدء عملية سلام شاملة في اليمن، لا تقتصر على الملف البحري، بل تشمل البُعد السياسي والاقتصادي والأمني للنزاع.
وفي هذا السياق، تبدو إدارة ترامب مطالبة بالإجابة عن سؤال بسيط لكنه حاسم: كيف سينتهي هذا المسار؟ فالاتفاقات المؤقتة التي تفتقر إلى رؤية سياسية متكاملة سرعان ما تتحول إلى وقود لجولات جديدة من العنف. وإذا ما قررت واشنطن مرة أخرى أن تعمّق انخراطها في صراع مفتوح دون هدف نهائي واضح، فإن النتيجة لن تكون سوى تكرار مأسوي لما حدث في العراق وسوريا وأفغانستان.
ويقف اليمن اليوم على مفترق طرق حقيقي. فإما أن يُستثمر الاتفاق البحري الهش لبناء مسار سياسي شامل يراعي المصالح الوطنية اليمنية بعيدا عن رهانات الخارج، وإما أن يُستخدم كغطاء لتوسيع رقعة المواجهة، ما يُنذر بجولة جديدة من الصراع الذي قد يكون أكثر دموية وتدميرا من كل ما سبق. والخيار الأخير، في حال حدوثه، سيكون كارثة إنسانية جديدة سيدفع ثمنها الملايين من المدنيين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

واشنطن تهدد الحوثيين بضربات عقابية جديدة
واشنطن تهدد الحوثيين بضربات عقابية جديدة

اليمن الآن

timeمنذ 2 ساعات

  • اليمن الآن

واشنطن تهدد الحوثيين بضربات عقابية جديدة

وجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحذيراً شديد اللهجة لمليشيا الحوثي الإرهابية، مهددة باستئناف الضربات العسكرية العقابية ضدها، في حال أقدمت مجددًا على استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن. وأكدت القائمة بأعمال المندوب الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، خلال جلسة مجلس الأمن المفتوحة حول الأمن البحري، أن واشنطن لن تتهاون مع أي محاولة حوثية لتهديد حرية الملاحة، قائلة: "لقد تراجع الحوثيون عن مهاجمة السفن الأمريكية تحت الضغط، لكنهم سيواجهون ضربات عقابية أخرى إذا عاودوا الهجوم، ونحن مستعدون للتحرك مجددًا لحماية سفننا ومصالحنا." ويأتي هذا التهديد بعد نحو أسبوعين من إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وقف العملية العسكرية التي بدأت في 15 مارس الماضي ضد الحوثيين، وذلك عقب إعلان الجماعة نيتها وقف استهداف السفن الأمريكية. وأضافت شيا أن الأمن البحري العالمي بات مهدداً من قبل جماعات إرهابية، في مقدمتها مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، مشيرة إلى أن الحوثيين "أرهبوا حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، واستهدفوا سفناً تجارية وقتلوا بحارة مدنيين واختطفوا سفينة (غالاكسي ليدر)"، وهو ما أثر على 30% من إجمالي حركة التجارة الدولية. وشددت الدبلوماسية الأمريكية على أن إيران تتحمل المسؤولية الكبرى في تمكين الحوثيين، عبر تزويدهم المستمر بالأسلحة والمعدات، في انتهاك مباشر لقرارات مجلس الأمن الدولي. وأضافت أن واشنطن تملك أدلة على حصول الحوثيين على مكونات مزدوجة الاستخدام من الصين، في إطار شبكة دعم لوجستي معقدة تشمل حلفاء إرهابيين مثل حركة الشباب. ودعت شيا الدول الأعضاء إلى تعزيز تمويل آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، التي قالت إنها تلعب دوراً محورياً في منع تهريب الأسلحة للحوثيين عبر البحر، مشيرة إلى أن الآلية نجحت هذا الشهر في اعتراض أربع حاويات تحمل مواد محظورة كانت متجهة إلى موانئ تحت سيطرة الحوثيين. وتؤكد التصريحات الأمريكية أن التهديد الحوثي للأمن البحري الدولي لم ينتهِ بعد، وأن العودة إلى العمل العسكري لا تزال خيارًا مطروحًا بقوة إذا لم تلتزم الجماعة بالتهدئة ووقف الهجمات على السفن.

تقرير أمريكي: نهاية "باهتة" وإتفاق هش.. الحملة العسكرية الامريكية ضد الحوثيين
تقرير أمريكي: نهاية "باهتة" وإتفاق هش.. الحملة العسكرية الامريكية ضد الحوثيين

اليمن الآن

timeمنذ 2 ساعات

  • اليمن الآن

تقرير أمريكي: نهاية "باهتة" وإتفاق هش.. الحملة العسكرية الامريكية ضد الحوثيين

رأى تقرير أمريكي أن الحملة الجوية الواسعة التي شنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضد مليشيا الحوثي الإرهابية، انتهت في الوقت الحالي بـ"نهاية باهتة"، دون أن تحقق أهدافها بشكل كامل، رغم تكلفتها الباهظة التي تجاوزت مليار دولار. ونشر موقع "ذا هيل" The Hill تقريرًا تحليليًا تساءل فيه عن جدوى نحو ألف غارة جوية شنتها واشنطن على الحوثيين، كلفت الولايات المتحدة خسارة ثماني طائرات مسيّرة وطائرتين مقاتلتين من طراز F-18، مقابل ما وصفه بـ"نتائج رمزية مؤقتة". واعتبر التقرير أن الاتفاق غير المعلن بين الولايات المتحدة والحوثيين لا يزال هشاً، مشيراً إلى أن الجماعة أوقفت استهداف السفن الأمريكية "نظرياً"، مع إمكانية استئناف الهجمات في أي لحظة، وهو ما يضعف مصداقية نتائج الحملة العسكرية، وفقاً لما جاء في التحليل. ودعا التقرير إلى عدم الانخداع بهدوء الحوثيين المؤقت، مؤكداً أنهم "يلعبون لعبة طويلة الأمد"، وينبغي للولايات المتحدة أن تتبنى استراتيجية مشابهة، من خلال استمرار عمليات المراقبة الجوية ورصد أي دعم إيراني محتمل للجماعة. وفي سياق متصل، قال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، إن الحملة كانت تهدف إلى "حماية الملاحة الدولية"، وإن الإدارة الأمريكية حددت هدفها الأساسي بـ"إجبار الحوثيين على التراجع والاعتراف بفشلهم"، مؤكداً أن الولايات المتحدة لا تنوي تكرار سيناريو العراق أو أفغانستان. ورغم توقف العمليات مؤقتاً، ألمح الرئيس السابق دونالد ترامب إلى إمكانية استئناف الهجمات، قائلاً في تصريحات صحفية: "ما قمنا به ضد الحوثيين كان ناجحاً جداً، لكن إذا استدعى الأمر، يمكن أن نشن هجوماً جديداً غداً". من جهته، حذر القائم بأعمال رئيس العمليات في البحرية الأمريكية، جيمس كيلبي، من التقليل من خطر الحوثيين، قائلاً إن الجماعة لا تزال تشكل تهديداً جدياً، وقد تغير تكتيكاتها في أي لحظة، مما يتطلب من واشنطن الاستعداد لأي سيناريو قادم. ويعكس هذا التقييم تزايد القلق الأمريكي من الهدوء الظاهري في البحر الأحمر، وسط تساؤلات متزايدة في أروقة القرار السياسي والعسكري الأمريكي حول الجدوى الاستراتيجية للتكلفة الباهظة مقابل نتائج مؤقتة في مواجهة جماعة مسلحة محدودة الإمكانيات لكنها ذات تكتيكات مرنة ومدعومة إقليمياً.

فشل العرب وبقى اليمن مع غزة
فشل العرب وبقى اليمن مع غزة

المشهد اليمني الأول

timeمنذ 8 ساعات

  • المشهد اليمني الأول

فشل العرب وبقى اليمن مع غزة

سقطت آخر الآمال بنجاح الدبلوماسية العربية بفتح الطريق لوقف الحرب ومنع المجاعة من الفتك بالآلاف في غزة، ورفع عداد الشهداء إلى مائة ألف، وما كان مأمولاً من القمم التي عقدها القادة العرب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرادى وجماعة، وحجم الأموال التي وضعوها على الطاولة، هو أن يحصل العرب على الأقل على هدنة لأسبوعين تدخل خلالها قوافل المساعدات والمواد الطبية لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في اليوم الأول للجولة الأخيرة، بانتظار إحداث اختراق لصالح صفقة تنهي الحرب. الأكيد أن الرئيس الأميركي يستطيع إذا أراد أن يوقف الحرب بقرار، فقدرة 'إسرائيل' على التمرّد على القرار الأميركي باتت هوامشها محدودة جداً، لأنها تعيش بالمال الأميركي وتقاتل بالسلاح والذخائر الأميركية وتتحدّى وتقوم بالتصعيد تحت الحماية الأميركية، والتهديد الأميركي هو ما يجمّد المحاكم الدولية عن ملاحقة بنيامين نتنياهو وقادة الكيان، وليس خافياً أن واشنطن تضع في سياساتها مسافة واضحة عن 'إسرائيل' وطلبات نتنياهو، سواء في المفاوضات النووية مع إيران، أو في الاتفاق مع اليمن. لكن الرئيس الأميركي ملتزم بالتضامن مع الكيان، والإدارة الناعمة في خلافاته معها، ولن يدع العرب يشعرون أنهم شركاء في العلاقة الأميركية الإسرائيلية، وعلى الفلسطينيين أن يدفعوا الثمن ويموتوا ببطء، حتى تتمكن واشنطن من جلب يافا 'تل أبيب' إلى وقف الحرب أو بحد أدنى وقف النار، دون تظهير أي موقف علني مخالف للموقف الإسرائيلي، سواء إعلامياً أو في مجلس الأمن الدولي، أو في المنابر والمنصات الدبلوماسية. فشل العرب بات واضحاً، لكن الفشل الدولي فضيحة أكبر، وفي ظل موقف أميركي غير متطابق مع 'إسرائيل'، يصبح التحرّك داخل مجلس الأمن الدولي فرصة لاختبار النوايا والإحراج، وتستطيع دول مثل روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وكلها تقول إن الوضع لا يُطاق في غزة، والمبادرة إلى عرض قرار وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات والتهديد بتحويله إلى الفصل السابع ما لم يتمّ تنفيذه واحترامه خلال أربع وعشرين ساعة. والسؤال هنا ينطلق فعلاً من اعتبار إنساني، ما هو مبرر بقاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن كمؤسسات إذا كانت عاجزة عن إدخال لقمة خبز أو نقطة ماء أو حبة دواء إلى مليوني إنسان محاصر بين الموت قتلاً أو الموت جوعاً؟ يرى الفلسطينيون الموت بعيونهم، ويرون أن ليس لهم إلا الله واليمن، حيث ينتظر الفلسطينيون كل صباح سماع أخبار الصاروخ اليمني الذي يستهدف مطار اللد 'بن غوريون' وكيف ينزل ملايين المستوطنين إلى الملاجئ، وينتظرون إعلان إقفال المطار لساعات، ثم يقومون بتعداد الشركات التي أعلنت إيقاف رحلاتها إلى المطار، ويجدون رغم تفاوت المعاناة أن في ذلك بعض التعزية لهم في ما يشعرونه من إحباط بسبب التخلي العربي والدولي عنهم. لكنهم يكتشفون أن حجم الأثر الذي يتركه تصاعد هذه الاستهدافات الصاروخية اليمنية على الرأي العام الإسرائيلي، وتحويل الحياة في قلب الكيان إلى وضع لا يُطاق بصورة تؤمن إمداد الاحتجاجات بالمزيد من الزخم، وجعل الحركة الاعتراضية على استمرار الحرب أكثر فاعلية واتساعاً، فيزداد تعلق الفلسطينيين بما يمكن أن ينجم عن هذا الإسناد اليمني، ويمنحهم هذا التعلق قدرة إضافيّة على الصمود ورفض الاستسلام، بينما يرون مقاومتهم تثبت كل يوم المزيد من القدرة على إلحاق الأذى بجيش الاحتلال ورفع كلفة حربه على غزة، وجعل الأمل باجتماع هذين العاملين للضغط من أجل فرض وقف الحرب يكبر. ربما لا تكون الحسابات الفلسطينية مطابقة للواقع لكن لا بديل أمام الفلسطينيين عنها، لأن دعوات إلقاء المقاومة لسلاحها، تعني فتح غزة على مصراعيها أمام قطعان المستوطنين يمعنون القتل بسكانها لتسهيل التهجير. وهذه بالضبط هي النكبة الثانية، التي يفضلون الموت على رؤيتها تحدث بأيديهم، وهم يتذكرون كيف سقطت ضمانات الرئيس الأميركي دونالد ريغان لأمن الفلسطينيين في بيروت بعد انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية، وكيف كانت النتيجة مجازر صبرا وشاتيلا حيث سقط أكثر من ثلاثة عشر ألف شهيد، وقد بات معلوماً عند الفلسطينيين وأهل غزة خصوصاً، أن كل الأوهام على فتاوى الجهاد، والأخوة المذهبية، والحركات الجهادية، قد سقطت، وهم يرون سورية الجديدة التي أحيوا احتفالات الدعم لها تتعهّد أمام الرئيس الأميركي على ملاحقة المقاومين الفلسطينيين فوق أرضها، ويحللون ويقومون بالمقارنة، ويتمنون لو يعود التاريخ بهم إلى الوراء لكانوا قاموا بتصحيح الكثير. ــــــــــــــــــــــ ناصر قنديل

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store