
«أم كلثوم والأتراك»
عمان
ما الذي يجعل صوتاً يستمر في الحياة، حتى بعد أن تتغير خرائط السياسة والثقافة؟ في هذا الإطار، يأتي كتاب «أم كلثوم والأتراك» للباحث والناقد الموسيقي التركي مراد أوزيلدريم، الصادر مؤخّراً عن دار مرفأ للثقافة والنشر، بترجمة مشتركة إلى العربية قام بها كلٌّ من أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


منذ يوم واحد
صاحب الأطلال!
من وقت لآخر أشاهد فيديوهات قصيرة على اليوتيوب.. وفى واحد منها شاهدت الفنانة زوزو ماضى تتحدث عن معرفتها بالشاعر الطبيب إبراهيم ناجى.. وقالت إنها من بنى سويف وجاءت القاهرة وعاشت قريبة من إبراهيم ناجى.. وقالت إنه كان يهتم بصحة الناس أكثر من الفلوس.. وكان إذا كشف على عشرة يأخذ الكشف من واحد، ويصرفه على التسعة الآخرين.. وكشفت عن علاقتها بابن عم والدها الشاعر اللبنانى الكبير إيليا أبو ماضى.. المهم هذا إبراهيم ناجى صاحب الأطلال!. نعرف إبراهيم ناجى بأنه صاحب الأطلال.. مع أن الإطلال لم تكن أهم ما كتبه ناجى، فقد كتب شعرا كثيرا أفضل منها، لكن أم كلثوم هى التى قدمت الأطلال وكانت سبب شهرتها.. ولد الشاعر إبراهيم ناجى فى ٣١ ديسمبر ١٨٩٨ فى حى شبرا فى القاهرة.. تخرج ناجى فى (مدرسة الطب) عام ١٩٢٢ وعُين حين تخرجه طبيبا فى وزارة المواصلات، ثم فى وزارة الصحة، وبعدها عيّن مراقبا للقسم الطبى فى وزارة الأوقاف!. عاش أول حياته فى المنصورة، وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره، شأن شعراء مدرسة أبولو، الاتجاه العاطفى. أصيب بمرض السكر فى بداية شبابه فتألم كثيرا لذلك وتوفى عام ١٩٥٣، عندما كان فى الخامس والخمسين من العمر!. نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافى وقرأ دواوين المتنبى وابن الرومى وأبى نواس وغيرهم من فحول الشعر العربى، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلى وبيرون وآخرين من رومانسيى الشعر الغربى!. بدأ حياته الشعرية حوالى عام ١٩٢٦ عندما بدأ يترجم بعض أشعار ألفريد دى موسييه وتوماس مور شعرا، وينشرها فى السياسة الأسبوعية، وانضم إلى مدرسة أبولو عام ١٩٣٢م التى أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب، استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة. كان ناجى شاعرا يميل للرومانسية، أى الحب والوحدانية، كما اشتهر بشعره الوجدانى. وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية، وترأس من بعدها رابطة الأدباء فى الأربعينيات من القرن العشرين!. ترجم إبراهيم ناجى بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان «أزهار الشر»، وترجم عن الإنجليزية رواية «الجريمة والعقاب» لديستوفسكى، وعن الإيطالية رواية «الموت فى إجازة»، كما نشر دراسة عن شكسبير، وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل «مدينة الأحلام» و«عالم الأسرة». وقام بإصدار مجلة حكيم البيت. ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التى تغنت بها المغنية أم كلثوم. ولقب بشاعر الأطلال!. وأخيرا، واجه ناجى نقدا عنيفا عند صدور ديوانه الأول، من العقاد وطه حسين معا، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبولو، وقد وصف طه حسين شعره بأنه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه.. وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهسته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج وقد عاشت هذه المحنة فى أعماقه فترة طويلة حتى توفى فى ٢٤ مارس ١٩٥٣.

منذ 2 أيام
وقفة على «الأطلال»
لنتخيل شاعرا رومانسيا متّقد الإحساس كتب قصيدة يَعدّها هو – كما يعدّها النقاد- أفضل ما كَتب فنيّا، ويُعجب بها الملحنون والمطربون فتُغنّى بدل المرة مرتين، ولكن عينه كانت على أعظم مطربة في عصره، فهو يدري أنها أقصر وأفضل طريق لخلود قصيدته، ومن ورائها قصة حبه. ولكن المطربة الكبيرة التي كانت تقول له عندما كان يعرض عليها قصائده «شعرك ما يتغناش» أخذت منه أيقونته، وسلّمتها لأحد أعظم من لحن القصائد، وغنّتها لتصبح واحدة من أفضل الأغاني العربية في القرن العشرين، بل أفضلها على ذمة استفتاء أجرته جريدة «لوموند» الفرنسية قبل ربع قرن. ولكن الشاعر الذي كان يحلم أن تغني الفنانة من شعره توفّي قبل ثلاثة عشر عاما من رؤية الأغنية النور، فلم يعش نجاحها وهي تُغنَّى على امتداد العالم العربي كله ولستة عقود كاملة، وقد صدق حين كتب في ختام قصيدته «كل شيء بقضاء»!تلك قصة «الأطلال» القصيدة/الأغنية التي جمعت مطربة وملحنا وشاعرين. شاعران لأن من نظمها الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي، ومن صنع منها أغنية الشاعر الذي نذر عمره لخدمة صوت أم كلثوم، أحمد رامي، ولا أشبِّه ما فعله رامي بالقصيدة إلا بما يفعله المخرج حين يقدّم قراءته الخاصة لرواية ما، فيصنع منها فيلما قد لا يشترك مع الرواية، سوى في العنوان، وهذا ما دفعني للتساؤل في مقال عنوانه «جسد القصيدة وثوب الأغنية» نشرته قبل أسبوعين في هذه الجريدة «هل كان إبراهيم ناجي يرضى بهذه العملية الجراحية التي أجرتها أم كلثوم على أطلاله؟ أم سيكون موقفه كموقف بدوي الجبل؟ الشاعر السوري الذي رفض استبدال كلمة واحدة من قصيدته وفاء لمن قيلت فيها، فحرم نفسه أن يصل شعره إلى مدى أكبر بكثير من قراء الشعر في الكتب عادة، وحرمنا «أطلالا» أخرى كان يمكن أن تصبحها قصيدته «شقراء» لو غنتها سيدة الطرب العربي.عدد لا يحصى استمع إلى أغنية الأطلال وحفظ كلماتها، ولكن الكثير ممن استمع ملايين المرات على امتداد تسعة وخمسين عاما لهذه الأغنية (غنتها أم كلثوم أول مرة في 7/04/1966) لم يقرأ القصيدة كما كتبها صاحبها، ونشرها في ديوانه «ليالي القاهرة» سنة 1944 في 134 بيتا وليس 125 كما ورد في صفحته في الويكيبيديا ومواقع كثيرة. وحتى نعرف الفرق بين القصيدة والأغنية يكفي أن نذكر، أن أم كلثوم لم تغنِّ منها سوى أقل من خمسها، فالأطلال الأغنية تحوي 32 بيتا منها 7 أبيات من قصيدة أخرى لإبراهيم ناجي بعنوان «الوداع». وهذا الدمج بين القصيدتين ولّد خطأً آخر يكاد يصبح محلّ إجماع، ووقع فيه نقاد فنيون وإعلاميون، فلو بحثنا عمّن غنى «الأطلال» قبل أم كلثوم لأعطتنا نتيجة البحث ثلاثة أسماء: محمد صادق (1935) ونجاة علي (1955) وكارم محمود (1965)، والحقيقة أن نتيجتين من الثلاث نتائج خاطئتان، فسنة 1935 لم يكن ناجي قد كتب «الأطلال» بعد، ومنشأ الوهم أن محمد صادق غنى أبياتا من قصيدة «الوداع» التي نشرها ناجي في ديوانه «وراء الغمام» الصادر سنة 1934، ولأن أم كلثوم غنت سبعة أبيات من «الوداع» ضمن «الأطلال»، ظن المستمعون أنها من «الأطلال»، والأمر نفسه ينطبق على نجاة علي التي لحن لها محمد فوزي أحد عشر بيتا من قصيدة «الوداع»، اشتركت فيها مع أم كلثوم في ستة أبيات منها، وأضافت بيتا سابعا هو: وإذا النـور نذيـرٌ طـالـعٌ/ وإذا الفجر مطلٌ كالحريـق.فلو قلنا إن محمد صادق ونجاة علي غنيا أبياتا من قصيدة «الوداع» قبل أم كلثوم لما جانبنا الحقيقة، أما كارم محمود فقد غنى مقطعين ثلاثيّين من قصيدة «الأطلال» أي ستة أبيات: مقطع «لست أنساك وقد أغريتني» ومقطع «أين مني مجلس أنت به» من ألحان محمد صادق نفسه بفترة قليلة قبل وفاته بداية 1966. وللمفارقة لو غنت أم كلثوم «الأطلال» كما كان مقررا لها بداية سنة 1963 لما سبقها أحد إليها، ولكن خلافا دبّ بينها وبين الملحن رياض السنباطي، بعد أن اكتمل اللحن، فطلبت منه أن ينزل بقفلة الأغنية «فإن الحظ شاء» إلى طبقة أقل، ولكن السنباطي أصر مستندا على معرفته الدقيقة بقدرات أم كلثوم الصوتية، وانسحب معتزلا غير متنازل، إلى أن أقنع عازف القانون في فرقة أم كلثوم محمد عبد صالح بصوابية رأي السنباطي، فأدّتها من دون تغيير بعد ثلاث سنوات كاملة، وللمفارقة أصبحت تلك القفلة ذات الطبقة العالية أفضل مقطع في الأغنية كلها، وقد استعادها الجمهور مرارا، ويقال يومها إن أم كلثوم توجهت من المسرح فجرا مباشرة إلى بيت رياض السنباطي لتشكره على ثقته في صوتها.وفي حفلتها الأولى في سينما قصر النيل غاب اثنان عن فرحة نجاح الأغنية: إبراهيم ناجي صاحب القصيدة لوفاته قبل ذلك بسنوات، وأستاذ أم كلثوم وعازف العود في فرقتها محمد القصبجي لوفاته قبل الحفل بأيام، فبكته يوم غنت الأطلال، ووضعت على كرسيّه عوده ومن يومها أصبح الكرسي الذي يحمل عود القصبجي وروحه تقليدا ثابتا في حفلاتها.صاحَبَ الاختلاف قصيدة «الأطلال» حتى في أصلها، فقد تضاربت الأقوال فيمن قيلت فيها، ولأن النصر له ألف أب، أما الهزيمة فيتيمة، فقد ادّعت أكثر من واحدة أن القصيدة كتبت فيها بعد أن ذاعت بصوت الستّ وانتشرت، فكلا الفنانتين زوزو حمدي وزوز ماضي نسبت القصيدة إلى إلهامها، وأخرجت الزوزُوَّتان ما في جعبتيهما من روشتات طبية باسم الطبيب إبراهيم ناجي عليها مقاطع من القصيدة، وكان من عادته أن يدوّن أشعاره على ما يقع بين يديه من أوراق، كما تُروى قصة تجعل من القصيدة حكاية رومانسية من حكايات ألف ليلة وليلة، حين يزعم مخترعها أن ناجي أحب في مراهقته ابنة الجيران، ثم سافر ليدرس الطب، فتزوجت هي، وبعد خمسة عشر عاما من انطفاء هذا الحب طرق بابه رجل ليلا يستدعيه لمساعدة زوجته في ولادة متعسرة، وعندما وصل إلى بيت الرجل وجد أن المرأة ليست سوى حبيبته السابقة، فأكمل واجبه الإنساني بتوليدها، وعاد إلى بيته لينزف شعرا فكانت قصيدة «الأطلال»، وهي قصة شاعرية تصلح للمسامرة لكنها لا تثبت أمام التحقيق العلمي ويكفي لنسفها أن نذكر أنّ ناجي درس الطب في القاهرة ولم يسافر.أما الشاعر صالح جودت فقد اقترب كثيرا من معرفة ملهمة «الأطلال» حين ذكر في كتابه «إبراهيم ناجي حياته وشعره» الذي كتب مقدمته العقاد، أنها جارته في شبرا عنايات محمود الطوير مستندا إلى دلائل منها إهداء ناجي ديوانه «ليالي القاهرة» الذي يحوي قصيدة الأطلال «إلى صديقي ع .م الذي ندّى الزّهر الذابل من خمائل الماضي، وأنبت في روض الحاضر زهورًا نديّة مخضلة بالألم والحياة.. إليه أقدّم ما أوحى به إليّ»، ونسختْ رواية صالح جودت روايات من سبقه وأصبحتْ معتمدة إلى أن أصدرت حفيدة إبراهيم ناجي «سامية محرز» ابنة ابنته أميرة كتابها «إبراهيم ناجي زيارة حميمية تأخرت كثيرا» أثبتت فيه أن ع.م ليست عنايات محمود، بل أختها عليّة محمود الطوير، كما أكد ذلك أيضا حفيد عليّة نفسها نقلا عن والدته وجدّته. ولكن المهم في كل هذا أيا كانت ملهمة القصيدة فقد ذهبت وبقي الأثر الذي خلده ناجي في قصيدته، ولخصه بكلمات مختصرة جعلها مقدمة للقصيدة قال فيها «هذه قصة حب عاثر: التقيا وتحابا، ثم انتهت القصة بأنها هي صارت أطلال جسد، وصار هو أطلال روح، وهذه الملحمة تسجل وقائعها كما حدثت». ولكن… ماذا بقي من هذه الملحمة – كما وصفها صاحبها- في الأبيات الأربعة والعشرين التي اختارها رامي وغنتها «الست»؟ هل كان ناجي سيحتج على تغيير ملامح قصيدته وخلطها بقصيدة أخرى له، أو كان يفرح لأن أطلاله أصبحت بنيانا ضخما يتغنى به كل لسان عربي وتطرب له كل أذن. أتخيل إبراهيم ناجي معاتبا أم كلثوم التي ولدت معه للمصادفة في يوم واحد 31/12/1898، فتبتسم له بمودّة وتجيبه غناءً على الطبقة العالية التي تهيّبتها «يا حبيبي كل شيء بقضاء».شاعرة وإعلامية من البحرين


الدستور
منذ 2 أيام
- الدستور
«أم كلثوم والأتراك»
عمان ما الذي يجعل صوتاً يستمر في الحياة، حتى بعد أن تتغير خرائط السياسة والثقافة؟ في هذا الإطار، يأتي كتاب «أم كلثوم والأتراك» للباحث والناقد الموسيقي التركي مراد أوزيلدريم، الصادر مؤخّراً عن دار مرفأ للثقافة والنشر، بترجمة مشتركة إلى العربية قام بها كلٌّ من أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير.