سواحل تبوك تتألق بهندسة «الحجر المنقبي»
هذا ما رواه المهتمون بالتراث: عبدالملك عبدالكريم الحربي وناصر عبدالله حسن الصالح وبدر محمود المسلماني لـ «عكاظ»، عن الطراز العمراني لساحل تبوك والتي تشمل محافظات الوجه وأملج وضباء.
جاء ذلك توافقاً مع خارطة العِمَارَة السعودية، التي تشمل 19 طرازاً معمارياً والمستوحى من الخصائص الجغرافية والثقافية للمملكة، وذلك في إطار الجهود للاحتفاء بالإرث العمراني وتعزيز جودة الحياة وتطوير المشهد الحضري في المدن السعودية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
يقول الحربي: تتبع هوية الطراز العمراني في ساحل تبوك بعض السمات المميزة للطابع العمراني، و يتميز بالفناء الداخلي الذي تلتف حوله غالبية أجزاء البيت، كما يتصف بالأسقُف العالية وهي أيضاً من السمات المميزة.
و أضاف ان الحجر المنقبي (الاسم الشائع للحجر المستخدم للبناء في منطقة الحجاز) هو المكون الرئيسي للبناء ويتم جلبه من الصخور المتاخمة للبحر، ويقوم بعملية تكسيره حرفي يسمى «كسار»، ثم يتولى عملية تهذيبه وتسوية جوانبه حرفي آخر يسمى «حجار»، ليتولى بعد ذلك معلم البناء استخدامه في تشييد المسكن و يقوم برصه بطريقة هندسية وفقاً لمخطط البناء باستخدام مادة الطين التي تعتبر الرابط بين هذه الحجارة.
وهو ما أكده ناصر عبدالله الصالح، ويضيف: أن الحجر والطين هما أساس البناء في البيوت القديمة، وكانت هناك «المكاسر» وهي أماكن مخصصة ليقوم المعلم ومساعدوه بتكسير الحجارة على شكل مستطيل أو رباعي ليتم بها عملية البناء مع اللِبِن، وهو الطين الذي يُضاف له مع بعض الأعشاب البرية للتدعيم ولتماسك الحجارة، كما يتم بعد كل متر وضع ساند من الخشب لزيادة التدعيم، وتملأ الفراغات بالحشو وهي حجارة صغيرة يتم جمعها لهذا الغرض.
و عاد الخبير بالتراث عبدالملك الحربي ليقول: إن طريقة البناء القديمة التي تتبع الأسلوب الحجازي مثال رائع على التراث المعماري الفريد الذي يعكس تاريخ وثقافة أهل الوجه، ويُظهر هذا الأسلوب كيفية استغلال المواد المتاحة المستمدة من البيئة المحلية والتي لا تتجاوز الحجر والخشب والطين مما يعكس تفاعل الإنسان مع محيطه واستفادته من الموارد الطبيعية، وتتميز هذه المباني بقدرتها على التحمل والصلابة مما يجعلها قادرة على مواجهة التحديات المناخية مثل الحرارة العالية والأمطار الموسمية. كما أن التصميمات المعمارية تعكس الهوية الثقافية للمنطقة حيث تتضمن تفاصيل دقيقة تعبر عن الحرفية العالية والمهارة التي اتسم بها البناؤون في تلك الحقبة.
و وصف مادة الطلاء بأنها العنصر المميز لمباني ساحل تبوك وتسمى «النورة» حسب ما هو متداول، بينما هي في الأصل مادة الجير المطفأ ويتم تصنيعها محلياً، من خلال حرق الحجر المنقبي المستخدم في عملية البناء، إذ يتم وضعه في أحواض مخصصة لذلك ويتم حرقه إلى أن يتحول إلى بودرة ثم يخلط مع رمال البحر ويُخمر لأوقات متفاوتة قد تصل إلى شهرين، و كلما طالت مدة التخمير كلما زادت جودته وصلابته، وتتم عملية الطلاء لكامل البيت من الخارج والداخل إذ تعمل على تكييف البيت صيفاً وشتاءً.
وعن التقسيم الداخلي للمباني التراثية بالوجه قال الحربي: تتسم غالبية هذه المباني بوجود قسم خاص بالضيوف والذي يقع عادةً في مقدمة البيت، ويمثل هذا الركن جزءاً أساسياً من التصميم المعماري و يعكس أهمية الضيافة في الثقافة المحلية، و يتم تصميمه بطابع مميز كاتساع المجالس ورحابتها مع وجود «الدكة» وهي عبارة عن: جلسات مرتفعة من الحجر، تحيط بالمجلس وتكسى بالفرش المريح والمساند والمراكي المزخرفة، وهذا التصميم لا يعكس فقط العادات الاجتماعية للمنطقة، بل يُظهر أيضاً كيفية تفاعل السكان مع ضيوفهم و مع بعضهم بعضاً، مما يُعزز الروابط بين أفراد المجتمع.
و تتوزع بقية أجزاء البيت من الداخل حول الفناء الداخلي المكشوف إلى السماء أو ما يُعرف بـ «الحوش»، وهو التصميم الرئيسي في العمارة التقليدية في الوجه حيث يسمح بدخول الضوء الطبيعي والتهوية إلى جميع أجزاء البيت، ويُستخدم هذا الفناء كمساحة مركزية تجمع بين جميع الغرف مما يعزز التواصل بين أفراد الأسرة، وتساهم هذه التصميمات المفتوحة في خلق جو من الألفة والراحة حيث يمكن للعائلة الاستمتاع بالهواء الطلق والضوء الطبيعي.
كما أن للرواشين ولكثرة الشبابيك واتساعها مع حُسن منظرها دوراً حيوياً في إضاءة المساحات الداخلية وتوفير التهوية الطبيعية، إذ إنها ليست مجرد عناصر جمالية وحسب بل هي عناصر أساسية لخلق بيئة مريحة للسكان؛ حيث تسمح بدخول الهواء النقي وتساعد في تنظيم درجات الحرارة داخل المنزل، وهي تعزيز آخر للهوية الثقافية وتاريخ المكان مما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من التراث العمراني الخاص بالوجه.
هنامستودع «الحنية»
من أهم الأركان - كما يقول الحربي، ما يعرف بـ «الصُفة» وهي جزء لا يتجزأ من تصميم البيت في المباني التراثية والتي تلعب دوراً محورياً في الحياة اليومية لأفراد الأسرة؛ إذ إنها ليست مجرد مساحة للتجمع وحسب بل تمثل نقطة التقاء اجتماعية تعكس الثقافة والهوية المجتمعية لأهل الوجه، كما تُعتبر منطقة حيوية حيث يجتمع أفراد الأسرة لتبادل الأحاديث والتفاعل الاجتماعي ومشاركة اللحظات السعيدة، كما تُقام فيها الأنشطة العائلية التقليدية، علاوة على ذلك تعكس «الصُفة» تصميماً معمارياً فريداً يتلاءم مع البيئة المحيطة، وغالباً ما تطل على فناء البيت الداخلي مما يضفي عليها جواً من الارتياح والبهجة.
كما استغل أهل الوجه القدماء ذكاءهم في استثمار المساحات غير الأساسية في منازلهم مثل الأماكن التي تقع تحت السلالم، مما أظهر براعتهم في إدارة المساحات المتاحة؛ فقد قاموا بتحويلها إلى مستودعات صغيرة تُعرف باسم «الحَنية» واستخدموها لتخزين المواد سواءً كانت غذائية أو أدوات منزلية ما ساعد في تنظيم البيت بشكل فعّال للاستفادة القصوى من كل زاوية من زوايا المسكن، وهذه الفكرة تعكس روح الابتكار والقدرة على التكيّف مع الظروف المحيطة، إذ تُمَكِّن السكان من الحفاظ على أغراضهم بشكل منظم مما يَسهُل الوصول إليه، إلى جانب ذلك تُظهر فكرة الحَنية كيف أن العمارة التقليدية بالوجه لم تكن مجرد بناء مادي بل كانت تعبيراً عن أسلوب حياة وثقافة راسخة، حيث تم مراعاة الجوانب العملية والجمالية في آن واحد.
«الخوخة».. نافذة التواصل
بدر المسلماني تحدث عن «الخوخة»، وهي تمثل جزءً من التراث الاجتماعي والثقافي في مساكن ساحل تبوك قديماً، لتعكس قيم التعاون والدعم المتبادل بين الجيران، وهي نافذة تنشأ في أحد الحوائط الملاصقة للجيران لا تتجاوز أبعادها نصف متر وتستخدم للتواصل بين النساء لتبادل الحديث والمنافع دون الحاجة للخروج من المنزل مثل المأكولات والمشروبات وباقي الحاجات، وكان يتم بناؤها في مكان بعيد عن حرمات البيت مثل بهو البيت أو الحاصل (المخزن).
و عن التراسينة (ممرات خشبية) يوضح المسلماني أنها عبارة عن: تصميم تقليدي شايع في العديد من البيوت القديمة لبيوت الوجه وأملج وضباء حيث تربط بين أجزاء البيت المختلفة لتوفر إطلالة على الفناء الداخلي، وغالباً ما تكون هذه الممرات مزودة بحواجز خشبية رأسية متباعدة تعلوها وتربطها عوارض أفقية مما يعزز من جمالية وراحة المكان، كما كانت للاسترخاء أو لتناول المشروبات، وكانت تُستخدم أركانها لوضع الأزيار و قلل الماء لتبريدها في الهواء الطلق.
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
إمام المسجد النبوي: أخلصوا لله في عباداتكم القلبية والعملية
قال إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة الشيخ الدكتور خالد المهنا -في خطبة الجمعة من المسجد النبوي-: إن من رحمة الله بعباده المسلمين أن بين لهم بعد أن هداهم للإيمان سبل السلام الموصلة إليه، المثبتة من سلكها على الشرع القويم والصراط المستقيم، ألا وإن أعظم دلائل الإيمان ومعالمه، وأجل براهينه ودعائمه الإخلاص لله تعالى ومتابعة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، شرطان لا يصح الإيمان إلاّ بهما، ولا وصول إلى الله إلاّ من طريقهما، ولا استقامة إلاّ عليهما، وذلك أن الإيمان يا عباد الله قول وعمل، كما دل على ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال عز سلطانه: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ، تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ". وأضاف: قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم"، وهذا الحديث من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام- ومن أجمع الأحاديث لأصول الإسلام، رسم به الرسول الأمين منهج الدين، واختصر فيه طريق الوصول إلى رب العالمين، ومعناه: آمن بالله ربًا خالقًا ومدبرًا، متصفًا بصفات الكمال والجلال، وإلهًا واحدًا مستحقًا للعبادة بجميع أنواعها، ثم صدق ذلك العقد والقول باستقامة جوارحك على طاعة ربك، ممتثلًا أمره، مجتنبًا نهيه، ملازمًا تلك الاستقامة، مداومًا عليها، حتى تتنزل عليك ملائكة الرحمة عند الموت بالبشرى التي بشر الله بها أهل الإيمان والاستقامة بقوله جل ذكره "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ". وبيّن أن الإيمان بالله تعالى إذا وقر في القلوب، أوجب إخلاص الدين لله، وتجريد الإرادة له وحده، وذلك بأن يفرد العبد ربه بالقصد في جميع أنواع العبادات، وأن يريد التقرب إلى مولاه بكل الطاعات، وذلك تحقيق شهادة ألا إله إلا الله، فإن الإيمان بالله تعالى يورث في النفوس تعظيم المعبود سبحانه والاستسلام له، وكمال محبته وخوفه ورجائه، فكان الإخلاص مطلوبًا من العبد في جميع أمور الإيمان أصلًا وفروعًا، مشترطًا في جميع العبادات القلبية والعملية، بل هو قاعدتها التي تبنى عليه وأساسها الذي تثبت عليه. وأشار إلى أن العبد لا يصل بذلك الإخلاص إلى ربه، ولا يبلغ من الإيمان ما يستحق أن يوصف باسمه حتى توافق أعماله سنة صاحب الشريعة -صلى الله عليه وسلم- الهادي إلى الله، ومن طاعته طاعةٌ لله، الدال على ما يحبه -جل وعلا- ويقبله ويرضاه، وذلك تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله ومقتضاها، وهو تصديق الانقياد لله بالطاعة، الذي هو تفسير الإسلام، فإن الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
«عيون الجواء التراثية».. عبق التاريخ ورائحة الماضي
تُعد بلدة عيون الجواء التراثية بمحافظة عيون الجواء بمنطقة القصيم من البلدات القديمة التي أُعيد ترميمها وأصبحت من المواقع الجاذبة سياحيًا، للزوار من داخل وخارج القصيم كما تجتذب زواراً من خارج المملكة وتشهد إقامة العديد من الفعاليات في المناسبات الوطنية والأنشطة الاجتماعية. وأوضح المهندس ماجد السالم -رئيس بلدية محافظة عيون الجواء- أن بلدية محافظة عيون الجواء قامت بتنفيذ خمس مراحل ترميم وتجهيز للبنية التحتية للبلدة التراثية بالمحافظة، كما تقوم بعمل صيانة سنوية ودورية، واستقبال الوفود وضيافتهم والتعريف بالقرية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، مشيرًا إلى أن البلدة تشهد تنفيذ عدد من الفعاليات والأنشطة في المناسبات الوطنية والاجتماعية، كما تُنفذ بعض المهرجانات والفعاليات الشتوية فيها. ويعتبر الدكتور سلمان بن محمد السلمان -أمين لجنة التنمية السياحية بمحافظة عيون الجواء سابقًا ومؤلف كتاب (عيون الجواء عبق الماضي ورونق الحاضر)-، أن البلدة التراثية نموذج رائع وجميل للبلدان النجدية القديمة، ولا يزال جزءا كبيرا منها صامدًا على حاله الذي كان عليه، والذي يشتمل على مبانٍ جميلة وأزقة متعرجة ضيقة، بعضها مسقوف. وجهة جاذبة سياحيًا للزوار من داخل وخارج القصيم جذب سياحي وأشار د. السلمان إلى أن تقريرًا لهيئة السياحة صنّف البلدة القديمة في محافظة عيون الجواء أنها ضمن مواقع الجذب السياحي ذات الإمكانات العالية والموقع الذي يقع على مساحة تُقدّر بـ(6000 م)، عبارة عن مدينة تمثل التراث النجدي بمبانيها وشوارعها وسوقها القديم الذي رُمِّم جزء منه، مضيفاً أن البلدة أُدرجت ضمن القرى التراثية في المملكة منذ عام 1433هـ، موضحًا أن بلدية محافظة عيون الجواء قامت بترميم جزء كبير من البلدة شمل السوق والمجلس والممرات وعددًا من المنازل، مبينًا أن البلدة القديمة تتكون من عدد من الأحياء السكنية التي كان كل منها يحمل اسمًا يميزه عن الآخر، وهي متقاربة جدًا، ومنها اللحايق، البلاد، المالكة، الحيالة، حرشان، الصفا، عوجان، المنارة، المعلق. لمسات جمالية وقال د. السلمان: إن منازل البلدة القديمة بُنيت من الطين الذي يُجلب من مكان يُسمى "المطينة"، ويُخلط بالتبن ويُنفذ على شكل لبِن، ويُضاف إلى أساسات المنزل الحجارة التي تُجلب إليها من أماكن قريبة من البلدة لتكون قوية وتتحمل البناء، ويحرص البنّاء -الأستاد- على إضفاء لمسات جمالية على بعض المنازل التي يقوم بتنفيذها، فيقوم ببناء الشرف على سور المنزل ويزين واجهاتها بالزخارف الجبسية والأشكال الهندسية الجميلة وأبواب المنازل ونوافذها مصنوعة من الخشب، إمّا من جذوع النخل -السيقان- أو من خشب الأثل أو هما معًا، وتُزين غالبًا برسومات وألوان مميزة، مبيناً أنه تتكون غالب منازل البلدة القديمة من مجلس للضيوف يُسمى "القهوة"، وغرف للنوم، وصالة تُسمى "القبة"، ومطبخ، وغرفة لحفظ الأطعمة "صفة"، وحوش صغير "ليوان"، ويُعتبر مجلس الضيوف "القهوة"، أهم المكونات في المنزل، لذا يقوم صاحب المنزل بزيادة مساحته عن باقي الغرف، ويضيف إليه احتياجاته من أوجار -مكان إيقاد النار- وكمار لوضع الأواني التي يحتاجها، وفتحات للتهوية، ويُزين المجلس بالزخارف الجبسية والهندسية المنفذة بدقة وعناية. عمارة وتصميم وتضم البلدة التراثية عدد من العناصر منها الجامع القديم الذي يتميز مبناه بجودة العمارة وجمال التصميم الداخلي، ويتميز أيضًا بمساحته، فهو كبير وواسع ذو سقف مرتفع، وفيه عقود وأعمدة وسواري بُنيت بشكل هندسي جميل، وله سرحة بُنيت على طرازه، وتقف في أحد جوانبه منارة دائرية الشكل شامخة وجميلة، وتكمن أهميته في قِدمه، فهو قديم جدًا ولا يعرف أحد من كبار السن تاريخ بنائه، وقد رُمِّم عام 1328هـ، وأُعيد ترميمه عام 1371هـ، ويتكون من عدد كبير من الأعمدة المربوطة بأقواس مجصصة ومزخرفة زادت من روعة وجمال المسجد، كذلك تضم البلدة الكتاتيب، وهو ملحق صغير بالجامع القديم كان صغار الطلاب يتلقون تعليمهم الأولي فيه، مثل القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة، ويقع ملاصقًا للجامع القديم من جهة القبلة، وقد قُسم إلى قسمين؛ داخلي مسقوف وله مصاطب للجلوس -حبوس-، وفناء صغير ملحق به، وأحيانًا يُلحق به عريش من سعف النخيل عندما يزيد عدد الطلاب الدارسين فيه، وقد كان التعليم في عيون الجواء يقوم على الكتاتيب كما هو الحال عند أهالي نجد. حركة تجارية وتضم البلدة التراثية أيضاً السوق الشعبي -المجلس-، والذي يُعد نموذجًا لأسواق القرى النجدية الكبيرة، ويقع قرب الجامع القديم، وقد نُفذ على نمط الأسواق الإسلامية القديمة في متسع من الأرض، وتحيط به الدكاكين من جميع جهاته، وتنتهي إليه رؤوس الشوارع العامة في البلدة، وعلى أغلب محلاته مظلات -عريش-، ويوجد فيه ما يقرب من (50) خمسين متجرًا، وكان يُسمى قديمًا بالمجلس، وقد كان يعج بحركة تجارية كبيرة كونه يخدم بلدان شمال غرب القصيم، فكان مقصدًا للباعة لتصريف منتجاتهم في ذلك الزمن من الألبان والسمن والبقل والماشية، إضافةً إلى وجود الحرفيين من نجارين وحدادين وخرازين وباعة أقمشة، ومن مكونات البلدة المدرسة القديمة، وهي نموذج واقعي لبداية التعليم النظامي بفصولها وطاولاتها وسجلاتها القديمة، وأُسست عام 1369هـ، وقد تقلد عدد ممن درس فيها مناصب كبرى في الدولة وحصلوا على شهادات عليا من داخل وخارج المملكة. ماكينة قديمة وتضم البلدة التراثية كذلك مزرعة قديمة تُستخدم فيها ماكينة قديمة لاستخراج الماء من البئر، وتوزع عبر سواقٍ لسقي المزروعات المتنوعة بالطريقة التقليدية، إلى جانب المرقب الذي يجاور البلدة، وهو برج قديم وأثري يقوم على أعلى أَكمة في عيون الجواء من جهة الجنوب الشرقي، وكان بناؤه دائري الشكل ومن عدة أدوار وطبقات، وقد تهدم منها الكثير، وبقي من ارتفاعه حوالي عشرة أمتار، وكان يُستخدم في مراقبة المدينة ومحيطها، وجُدد بناؤه عدة مرات منها عام 1100هـ أي قبل حوالي 300 عام تقريبًا، كما أُعيد ترميمه مؤخرًا ليكون معلمًا بارزًا من معالم عيون الجواء، ويمكن للزائر أن يشاهد من خلاله عيون الجواء من جميع أطرافها إضافة إلى البلدان القريبة منها. آبار عميقة وتضم البلدة التراثية عشرات الآبار العميقة المنقورة في الصخر، وبعضها مطوي بالحجارة بشكل فني وجيد، وهي قديمة جدًا، ولا يعرف لها مستنبط، ويسميها الأهالي "جاهلية"، إلاّ أن ملكيتها يتناقلها أصحاب المزارع ضمن مزارعهم، وكثيرًا ما يعثر صاحب المزرعة على بئر مطمورة، إمّا عمدًا أو هُجرت على مر السنين وطمرتها سفِي الرياح، وترتبط كل مجموعة من الآبار القديمة بقنوات تحتية تُسمى "المشاقيق"، وهي عبارة عن شق في الأرض يربط بين الآبار القديمة -القلبان-، وذلك للاستفادة من زيادة المياه في بعضها لدعم النقص في البعض الآخر، وتمر هذه القنوات في كثير من الأحيان من تحت البيوت، ويحدث أحيانًا أن تنهار سقوف القنوات فتظهر عميقة ممتدة كما حدث تحت الجامع الكبير عام 1388هـ وكثير من البيوت، ولا يزال بعض القنوات "المشاقيق" مكشوفًا يمكن تتبعه من الآبار نفسها أو من البيوت القريبة منها، ويتم استخراج المياه من الآبار بواسطة السواني، وهي طريقة معروفة عند أهل القصيم عمومًا.


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
التطوع في الجامعات السعودية
يشكل التطوع ركيزة أساسية في تنمية المجتمع وتعزيز قيم المسؤولية الاجتماعية، وتأتي الجامعات السعودية في طليعة المؤسسات التي تشجع طلابها وطالباتها على الانخراط في العمل التطوعي. وحيث العمل التطوعي يُعد من أعظم القيم الإنسانية التي تُبرز أسمى معاني التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع. فهو يعكس روح العطاء والبذل دون انتظار مقابل، ويُظهر مدى قدرة الإنسان على التأثير الإيجابي في محيطه الاجتماعي. يعتبر العمل التطوعي حجر الأساس في بناء المجتمعات القوية، حيث يساهم في تعزيز الروابط الإنسانية ومساعدة الفئات المحتاجة لتحقيق حياة كريمة. في عالم يشهد تغيرات وتحديات متزايدة، أصبح للعمل التطوعي دور حيوي في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الجهود الرامية لتحسين جودة الحياة. سواء من خلال المساهمة في حملات بيئية، أو تقديم الدعم التعليمي والصحي، أو حتى التطوع عن بُعد باستخدام التكنولوجيا الحديثة، فإن للعمل التطوعي أشكالًا متنوعة تلبي احتياجات العصر وتفتح آفاقًا جديدة للعطاء. إن انتشار ثقافة العمل التطوعي يُعبر عن مدى وعي المجتمعات وإيمانها بأهمية التضامن الإنساني. ولهذا، يتطلب منا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، دعم هذه الثقافة والعمل على تعزيزها، لأن العطاء في جوهره لا يُسهم فقط في تحسين حياة الآخرين، بل يُضفي معنى وقيمة على حياتنا الشخصية. وحيث العمل التطوعي هو تجسيد عملي لمعاني الإنسانية، وهو وسيلة لتحويل النوايا الطيبة إلى أفعال ملموسة تُحدث فرقًا إيجابيًا في حياة الأفراد والمجتمعات. لا يقتصر دور التطوع على تقديم الخدمات للمجتمع فحسب، بل يمتد ليشمل تنمية مهارات الطلاب الشخصية والأكاديمية، مما يجعله عنصرًا حيويًا في مسيرتهم التعليمية والحياتية. تتنوع مجالات التطوع داخل الجامعات السعودية لتشمل التطوع في الفعاليات الجامعية مثل المؤتمرات العلمية، والأيام المفتوحة، والمعارض وكذلك برامج خدمة المجتمع كحملات النظافة، والتوعية الصحية، والزيارات إلى دور الرعاية، وكذلك التطوع في الأزمات مثل مبادرات التبرع بالدم إضافة إلى التطوع الرقمي الذي يشمل تصميم المحتوى التوعوي أو إدارة منصات التواصل للأنشطة الطلابية. أما أثر التطوع على الطلاب والطالبات فهو تنمية المهارات الشخصية (يساعد العمل التطوعي في صقل مهارات القيادة، والتواصل، والعمل الجماعي، حيث يتعرف الطلاب على كيفية التعامل مع فريق متنوع من الأفراد، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية) وكذلك تعزيز الانتماء المجتمعي (من خلال المشاركة في المبادرات التطوعية، يدرك الطلاب والطالبات دورهم الفاعل في خدمة وطنهم، مما يعمق شعورهم بالانتماء والمسؤولية تجاه المجتمع.) مع تحسين الفرص الوظيفية (تعد الخبرات التطوعية إضافة قوية للسيرة الذاتية، حيث يبحث أرباب العمل عن المهارات التي يكتسبها الطلاب من خلال التطوع، مثل إدارة الوقت، وحل المشكلات، والمرونة في التعامل مع التحديات)، وكذلك تعزيز الصحة النفسية فقد أثبتت الدراسات أن العمل التطوعي يقلل من التوتر والقلق، إذ يشعر المتطوعون بالسعادة والإنجاز عندما يساهمون في مساعدة الآخرين، مما ينعكس إيجابًا على صحتهم النفسية وأدائهم الأكاديمي. أيضاً تطوير المهارات الأكاديمية (بعض البرامج التطوعية ترتبط بالتخصصات الدراسية، مثل التطوع في المستشفيات لطلاب الطب، أو المشاركة في حملات التوعية القانونية لطلاب الحقوق، مما يسهم في تعزيز فهمهم العملي للمواد النظرية)، ويُعد التطوع في الجامعات السعودية جسرًا يربط بين التعليم والمجتمع، حيث يعود بالنفع على الطلاب والطالبات من الناحية الشخصية والأكاديمية، كما يسهم في بناء مجتمع متكافل ومتعاون. لذا، من الضروري استمرار دعم هذه الثقافة وتذليل العقبات لضمان مشاركة أوسع تُسهم في تحقيق رؤية المملكة الطموحة. تقوم الجامعات السعودية بتوفير البيئة المناسبة لتعزيز ثقافة العمل التطوعي، وتهيئة الطلاب للانخراط فيه، وتوفير الفرص التطوعية، وتقديم التدريب والدعم اللازم للمتطوعين، وتوثيق جهودهم وتقديرها. وتمثل الجامعات السعودية رافدًا أساسيًا لتعزيز ثقافة التطوع، انسجامًا مع أهداف رؤية 2030. ومن خلال مواصلة تطوير البنى التحتية وزيادة الشراكات المجتمعية، يمكن لهذه الجامعات أن تُخرّج جيلًا من الشباب الواعي بأهمية العطاء، مما ينعكس إيجابًا على تماسك المجتمع وازدهاره. ورغم النجاحات، تبقى بعض التحديات قائمة، مثل نقص الوعي بأهمية التطوع في بعض التخصصات. وكذا حاجة بعض البرامج إلى مزيد من التمويل والاستدامة. وضرورة توسيع نطاق التطوع ليشمل مجالات مبتكرة مثل التطوع الرقمي. باختصار، الجامعات السعودية تحوّلت إلى حاضنات للعمل التطوعي لكنها لا تزال في طور التطوير لتحقيق معايير عالمية.