logo
إيران و... سباق الولايات المتحدة مع الزمن

إيران و... سباق الولايات المتحدة مع الزمن

الرأي٢٩-٠٤-٢٠٢٥

- تطورات أكتوبر قد تفتح الباب أمام شرق أوسط أكثر خطورة وتفتتاً... ولا يمكن التنبؤ بتطوراته
يقف الشرق الأوسط على أعتاب تحول نووي. ففي أقل من ستة أشهر، من المفترض أن تختفي القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، ما سيُحدث تغييراً جذرياً في ميزان القوى الإقليمي، إذ من المقرر أن تنتهي الأحكام النهائية والأكثر أهمية من خطة العمل الشاملة المشتركة في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
تُدرك الولايات المتحدة تماماً اقتراب نهاية بنود هذا الاتفاق، وتسعى جاهدةً لإعادة التفاوض على الشروط أو على الأقل لتوسيع نطاق الرقابة الدولية. وفي المقابل، مازالت طهران تتحلى بالصبر وتزداد ثقةً بأن الوقت في صالحها. لكن وراء هذا الهدوء المدروس، يكمن حافز رئيسي يتمثل في رفع العقوبات الأميركية الذي من شأنه أن يفتح أخيراً الطريق أمام طهران للوصول إلى الاستثمار العالمي، الذي لطالما عرقلته القيود الاقتصادية الأميركية المفروضة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.
ماذا سيحدث في أكتوبر المقبل؟
في أكتوبر 2025، ستنتهي القيود الرئيسية المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 2231 وخطة العمل الشاملة المشتركة. ألّا تكون إيران ملزمة بعد الآن بالقيود على مستويات تخصيب اليورانيوم، ما يسمح لها بإنتاج مواد صالحة للاستخدام في الأسلحة وهذا يعني أنها ستكون حرة في نشر أجيال متقدمة من أجهزة الطرد المركزي دون قيود، وسيتم رفع الحد الأقصى لمخزونها من اليورانيوم المخصب.
علاوة على ذلك، ستستعيد طهران القدرة على تطوير مفاعلات الماء الثقيل القادرة على إنتاج البلوتونيوم، وهو مسار ثانٍ نحو الأسلحة النووية.
وسينتهي في الوقت عينه حظر الأمم المتحدة على تطوير الصواريخ البالستية الإيرانية، ما يزيل طبقة أخرى من القيود وببساطة، ستستعيد إيران قانونياً السيطرة الكاملة على برنامجها النووي مع بقائها طرفاً موقّعاً على معاهدة حظر الانتشار النووي، ما يزيد من تعقيد أي اتهامات لها، حتى لو دفعت طهران قدراتها النووية إلى عتبة التسلح.
وتدرك الإدارة الأميركية، التي مازالت تتصارع مع عواقب انسحاب الرئيس دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، أن قدرتها على كبح طموحات إيران النووية ستنخفض في شكل كبير بعد أكتوبر 2025. وتزيد عوامل عدة من حدة هذا الإلحاح :
أولاً، يتطلب التفاوض على القيود النووية المعقدة وآليات التحقق وقتاً؛ فالتوصل إلى اتفاق شامل غالباً ما يستغرق شهوراً عدة، إن لم يكن سنوات.
ثانياً، تخشى واشنطن من أن يؤدي الفشل في كبح جماح التقدم الإيراني إلى إشعال سباق تسلح نووي أوسع في الشرق الأوسط.
ثالثاً، صدقية نظام حظر الانتشار العالمي نفسه على المحك؛ فانهيار خطة العمل الشاملة المشتركة من دون بديل من شأنه أن يوجه ضربة قوية لأطر ضبط الأسلحة الدولية.
لذلك، فإن النافذة الدبلوماسية تضيق بشدة. وفي حال فشل المفاوضات، ستُترك واشنطن في مواجهة إيران شبه نووية مع حقها بالذهاب نحو صناعة السلاح النووي من دون أي أدوات مؤثرة على سلوك طهران.
على العكس من ذلك، يؤتي صبر إيران الإستراتيجي ثماره. فمع اقتراب موعد انتهاء بنود الاتفاق، تتنامى قوة طهران التفاوضية باطراد. اقتصادياً، ورغم سنوات من العقوبات القاسية، تكيفت إيران من خلال تعميق علاقاتها مع الصين وروسيا وجيرانها الإقليميين، مما قلل اعتمادها على القنوات الاقتصادية الغربية.
على الصعيد التقني، اكتسبت بالفعل خبرة نووية لا رجعة فيها، ما جعل القيود على المخزونات المادية أقل أهمية.
ودبلوماسياً، يشير تحسن علاقات طهران مع الجوار، وانخراطها المتزايد مع منظمة شنغهاي للتعاون، وانضمامها إلى دول البريكس، إلى جهد مدروس للخروج من العزلة الاقتصادية الغربية.
بالنسبة إلى إيران، الوقت ليس تهديداً، بل هو رصيد إستراتيجي. كلما تأخرت المفاوضات، أصبح ميزان القوى أكثر ملاءمة لطهران وهي تتجه بهدوء نحو تطبيع قدراتها النووية المتقدمة تحت غطاء الشرعية الدولية.
تحديات أمام اتفاق جديد
تتجاوز تداعيات أكتوبر 2025 بكثير التفاصيل الفنية، مثل أعداد أجهزة الطرد المركزي أو مخزونات اليورانيوم. فعدم التزام إيران بحدود خطة العمل الشاملة المشتركة سيُعيد تشكيل ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط جذرياً.
وقد يجد القادة الإسرائيليون أنفسهم يفكرون بجدية في القيام بعمل عسكري مباشر ضد البنية التحتية النووية الإيرانية - وهي خطوة محفوفة بمخاطر إشعال حرب إقليمية، عسكرية واقتصادية، أوسع وأكثر كارثية.
ومع ذلك، من وجهة نظر إيران، فإن إستراتيجيتها عملية ودقيقة. قد لا تسعى إلى بناء سلاح نووي في شكل مباشر - على الأقل ليس فوراً، بل يبدو أن هدفها هو تحقيق قدرة نووية لا يمكن إنكارها : قريبة بما يكفي من التسليح لردع الخصوم ولكن من دون تجاوز الخط إلى الانتشار الرسمي الذي من شأنه أن يثير رد فعل دولي عنيف.
في هذا الواقع الناشئ، قد يكون موقف الردع الإيراني أكثر تأثيراً من ترسانة فعلية، ما يمنحها نفوذاً إقليمياً كبيراً مع الحفاظ على الحماية القانونية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.
على الرغم من تجدد الجهود الدبلوماسية، مازالت عقبات هائلة تعوق التقدم نحو أي اتفاق جديد. يلقي انعدام الثقة العميق بظلاله على المحادثات، حيث تعتبر طهران الوعود الأميركية غير موثوقة بطبيعتها بعد الانسحاب الأميركي الأحادي من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018.
ومازالت الخلافات حول تخفيف العقوبات راسخة، إذ إن إيران تطالب بالرفع الكامل وغير المشروط لجميع العقوبات، بينما تصر واشنطن على نهج تدريجي مرتبط بمعالم امتثال يمكن التحقق منها - وهي فجوة لم يتم سدها بعد.
وتُشكّل آليات التحقق نفسها عقبة رئيسية أخرى. تُقاوم طهران عمليات التفتيش الاقتحامية دون ضمانات متبادلة قوية، غير راغبة في ترك نفسها عُرضة للخطر دون التزامات دولية راسخة.
في غضون ذلك، تُعقّد الأوضاع السياسية الداخلية في كلا البلدين، الدبلوماسية أكثر. ففي واشنطن وطهران على حد سواء، تُعارض الفصائل المتشددة القوية بشدة أي تنازلات، ما يزيد الضغط، خصوصاً أن حلفاء الولايات المتحدة - وعلى رأسهم إسرائيل - يُمارسون ضغوطاً مكثفة ضد أي اتفاق يرونه مُتساهلاً للغاية. ومن غير المُرجّح أن تُقبَل مطالبهم بفرض قيود أكثر صرامة من قِبَل طهران، ما يجعل مهمة إيجاد أرضية مشتركة أكثر صعوبة.
لم تُؤدِّ سنوات من العقوبات والضغوط المُستمرة إلى انهيار النظام الإيراني، بل عززت اقتصاداً حرجاً لكن أكثر اعتماداً على الذات وقيادة سياسية وعسكرية أكثر حزماً.
ومن الخطأ التقليل من تأثير هذه العقوبات. فمنذ عام 1980، تحمّلت إيران بعضاً من أقسى القيود الاقتصادية المفروضة خارج نطاق الحرب الشاملة اتسمت بالتضخم المزمن والركود الاقتصادي ومحدودية التحديث. وظل الرخاء الحقيقي بعيد المنال.
حتى خلال مرحلة خطة العمل الشاملة المشتركة في عهد الرئيس أوباما، لم تشهد إيران سوى تخفيف جزئي؛ وظلت العديد من العقوبات الثانوية الأميركية كما هي، ما ردع المستثمرين العالميين وحد من وصول طهران إلى الأسواق المالية.
واليوم، يدرك القادة الإيرانيون أنه ما لم تُرفع العقوبات بالكامل ومن دون قيد أو شرط - وليس مجرد تعليقها أو تخفيفها تجميلياً - فلن يحدث إعادة اندماج اقتصادي حقيقي مع العالم.
وتالياً، فإن تشكك طهران العميق في الوعود الأميركية ليس مجرد كلام، بل هو متجذر في تجربة تاريخية مريرة.
يتكشف هذا الجمود الدبلوماسي في سياق إستراتيجي أوسع غالباً ما يُساء فهمه في الخطاب الغربي. وعلى عكس التصورات الشائعة، فإن موقف إيران الإستراتيجي اليوم أقوى، وليس أضعف.
فعلى الصعيد البحري، تحتفظ طهران بنفوذ كبير على مضيق هرمز والبحر الأحمر - وهما من أهم شرايين الطاقة في العالم. وعلى الصعيد الإقليمي، ورغم بعض الانتكاسات في سورية والعراق ولبنان، مازالت شبكات إيران صامدة في لبنان واليمن وأمكنة أخرى، ما يضمن استمرار نفوذها.
فالضربات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على القواعد الأميركية (عين الأسد في العراق) والإجراءات الانتقامية المباشرة ضد إسرائيل، ليست تحركات دولة على حافة الهاوية، بل هي استعراضات مدروسة لدولة واثقة بعمقها الإستراتيجي وقدرتها على التصعيد المدروس.
اقتراب الحساب الإستراتيجي
ما لم يحدث اختراق دبلوماسي حاسم قريباً، سيواجه العالم واقعاً نووياً جديداً وجذرياً بعد أكتوبر 2025. ستمتلك إيران المساحة التقنية والقانونية والسياسية اللازمة لمتابعة برنامج نووي صناعي بالكامل من دون القيود السابقة التي شكلتها السياسة الدولية على مدى العقد الماضي.
وبينما تسعى الولايات المتحدة جاهدة لتجنب هذه النتيجة، فإن ميزة الوقت هي لصالح طهران بوضوح. فالخطوط العريضة التقنية للوضع معروفة بالفعل؛ والشك الوحيد الآن هو ما إذا كان النظام السياسي في واشنطن قادراً على الالتزام باتفاقه، وإذا لم يتم التوصل إلى ترتيب جديد، فإن شهر أكتوبر 2025 لن يمثل انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة فحسب، بل سيفتح الباب أمام شرق أوسط أكثر خطورة وتفتتاً ولا يمكن التنبؤ بتطوراته.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مقتل اثنين من موظفي سفارة الاحتلال في واشنطن.. واعتقال المشتبه به
مقتل اثنين من موظفي سفارة الاحتلال في واشنطن.. واعتقال المشتبه به

كويت نيوز

timeمنذ 42 دقائق

  • كويت نيوز

مقتل اثنين من موظفي سفارة الاحتلال في واشنطن.. واعتقال المشتبه به

أعلن مسؤولون وتقارير إعلامية مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية، في إطلاق نار بالقرب من فعالية بالمتحف اليهودي في واشنطن العاصمة، الأربعاء. ووفقاً للتقارير فقد تعرض الموظفان، وهما رجل وامرأة، لإطلاق نار، ولقيا حتفهما في منطقة قريبة من المتحف اليهودي. وكتبت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، في منشور على إكس،: 'قُتل موظفان في السفارة الإسرائيلية بالقرب من المتحف اليهودي في واشنطن العاصمة'. وقال مدير مكتب التحقيقات الاتحادي كاش باتل إنه جرى إطلاعه هو وفريقه على تفاصيل إطلاق النار. وكتب على إكس: 'بينما نعمل مع شرطة العاصمة للاستجابة ومعرفة المزيد، نرجو منكم الدعاء للضحيتين وعائلتيهما الآن'. ووصف داني دانون مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة إطلاق النار بأنه 'عمل إرهابي معاد للسامية'. وكتب على موقع إكس 'إيذاء الدبلوماسيين والجالية اليهودية يتجاوز الخط الأحمر. ونحن على ثقة بأن السلطات الأمريكية ستتخذ إجراءات صارمة ضد المسؤولين عن هذا العمل الإجرامي'. وألقت الشرطة الأمريكية، اليوم الخميس، القبض على مطلق النار على فعالية بالمتحف اليهودي في واشنطن العاصمة، الأربعاء. وتداولت وسائل إعلامية ومنصات إلكترونية فيديو متداول للمشتبه به في إطلاق النار على موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، بعد إلقاء القبض عليه. ويظهر في الفيديو المتهم بعد تقييده من الشرطة، حيث هتف 'الحرية لفلسطين' عقب الهجوم الذي أسفر عن مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن. وبحسب شرطة واشنطن تم تحديد هوية المشتبه به على أنه إلياس رودريغيز ويبلغ من العمر (30 عاماً).

ترامب: لا أتوقع أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل ضد إسرائيل
ترامب: لا أتوقع أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل ضد إسرائيل

المصريين في الكويت

timeمنذ 4 ساعات

  • المصريين في الكويت

ترامب: لا أتوقع أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل ضد إسرائيل

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الأربعاء إنه لا «يتوقع» أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل. وكان ترامب يتحدث إلى جانب رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا في البيت الأبيض. Leave a Comment المصدر

ميلانيا في قلب المحادثات الروسية الأمريكية.. وترامب يشعل تفاعلا واسعا
ميلانيا في قلب المحادثات الروسية الأمريكية.. وترامب يشعل تفاعلا واسعا

كويت نيوز

timeمنذ 12 ساعات

  • كويت نيوز

ميلانيا في قلب المحادثات الروسية الأمريكية.. وترامب يشعل تفاعلا واسعا

أشعل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تفاعلا بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين ممّن تداولوا مقطع فيديو له وما كشفه من تصريحات قالها له الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن زوجته، سيدة أمريكا الأولى، ميلانيا ترامب. مقطع الفيديو المتداول جاء في كلمة لترامب من البيت الأبيض، ونشرته مارغو مارتن، المساعدة الخاصة ومستشار الاتصالات للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حيث صرح الأخير قائلا: 'قال بوتين للتو إنهم يحترمون زوجتك كثيرًا… فقلتُ: ماذا عني؟ إنهم معجبون بميلانيا أكثر.. أنا لا أمانع!' وفي مقطع فيديو منفصل، نشرت مارت مقطع فيديو لسيدة أمريكا الأولى مع أطفال، خلال يوم اصطحاب الأطفال إلى العمل في البيت الأبيض، قائلة بتعليق: 'أمريكا محظوظة جدًا بوجود (ميلانيا ترامب) كسيدة أولى'. وفي تدوينة ثالثة من أحداث اليوم ذاته، نشرت مارغو لقطة للرئيس الأمريكي وهو يمسك مقعدا كي تجلس ميلانيا، قائلة بتعليق: 'الرئيس ترامب لا ينسى أبدا سحب الكرسي لسيدة أمريكا الأولى'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store