logo
الله موجود (3): العقل العلمي يشهد

الله موجود (3): العقل العلمي يشهد

الدستورمنذ 3 أيام
في المقالين السابقين من سلسلة (الله موجود)، توقفنا أمام الأسباب العميقة التي قد تدفع إنسانًا لإنكار وجود الله، ليس عن منطق أو برهان، بل ربما عن جٌرح فكري، أو كبرياء معرفي، أو خذلان نفسي أو اجتماعي، ثم أشرنا إلى الخطأ الجسيم الذي وقع فيه كثير من الدعاة والعلماء حين تركوا ساحة العلم فارغة، وابتعدوا عن مخاطبة من لا يؤمن بالله بلغةٍ يفهمها ويثق بها، وهي لغة العلم.
فالذين لا يؤمنون بالله، لا يقتنعون بنصٍ ديني، لأنهم ببساطة لا يؤمنون بقداسته. ولا يقتنعون بالتراث، لأنهم يعتبرونه "إرثًا بشريًّا مشكوكًا فيه"، أما العلم، فهو اللغة الوحيدة المشتركة التي يقف أمام نتائجها المؤمن والكافر على السواء بإجلال، ففي المختبر، لا تُقدَّم الفرضيات بنية الإقناع العاطفي، بل تُختبَر وتُكرَّر وتُدقق. وما يصمد، يُصبح قانونًا تُبنى عليه حضارات.
ومن هنا، تبدأ رحلتنا الجديدة...
في هذا المقال، لا نستند إلى نصوص مقدسة، ولا إلى تراث روحي، بل نفتح كتاب الكون، ونقرأ بعضًا من صفحاته... لنرى: هل ينكر العلم وجود الله؟ أم أنه – إذا حُسن فهمه – يَهدي إليه؟
ولعل السؤال الأهم والأكثر جوهرية، والذي يتكئ عليه الملحدون كثيرًا، ويتهرّب منه بعض الدعاة أحيانًا، هو: هل بدأت الحياة صدفة؟! وهم يرون أن الحياة نشأت من خلال التطور. لكن هذه النظرية لها أيضًا عيوبها ولا تقدم تفسيرًا قاطعًا لأصلنا، التطور أيضًا لا يجيب على السؤال عن سبب وجودنا، هذا السؤال – ببساطة – هو جوهر الإلحاد المعاصر، فمن ينكر وجود الله، غالبًا لا ينكر وجود الكون أو الحياة، لكنه يُرجِعها إلى الصدفة، أو إلى تفاعلات عمياء حدثت في لحظةٍ ما، عبر مليارات السنين.
ويعتقد البعض أيضا أن الحياة على الأرض بدأت من خلال سلسلة من الخطوات الكيميائية العشوائية، في بيئة بدائية، تفاعلت فيها الجزيئات تحت تأثير الحرارة أو البرق أو ما يُسمى بـ"غضبة الطبيعة"، حتى ظهرت خلية حية أولى! ثم تطورت هذه الخلية دون أن يٌعرف تفسيرا لهذا التطور، وتكاثرت، وتنوّعت، فصار الإنسان... دون حاجة لخالق، أو تصميم، أو عقل أعلى، وهذا – في زعمهم – تفسير كافٍ، علميٌّ ومقنع، لنشأة الحياة، دون أن يُدخلوا الله في المعادلة.
لكن الحقيقة أن هذا السؤال – رغم خطورته – لم يحظَ من الدعاة إلى الله بإجابة علمية واضحة وقاطعة، كما لم تُستخدم الأدلة العلمية المتاحة بالجدية التي يستحقها الموقف، فكان أن فُقدت لغة الحوار مع هؤلاء، وتركناهم يتيهون في "صدفة" لا يقبلها العقل، و"عشوائية" تُناقض العلم نفسه.
ولذلك، سأحاول أن أجيب على هذا السؤال، لا من باب الفلسفة فقط، بل من قلب العلم نفسه، ومن صمت المادة التي لا تنطق إلا إذا وُجد مَن يُبرمجها... وسأبدأ من شيء قريب إلى كل إنسان، وليس بغريب عليه.. وهو جسم الإنسان نفسه!
وفي إطار التمهيد، فإن غير المؤمنين بالله في خضم انشغالهم بتفسير "كيف" ظهرت الأشياء – أهملوا السؤال الأعمق: لماذا كل شيء من حولنا يعمل بانسجام مذهل؟! وهل يمكن أن تخلق العشوائية أو المصادفة تنظيما دقيقا ثابتا لا يتغير ويستمر لمليارات السنين منذ خلق الكون وإلى وقتنا هذا؟ ولماذا لم تتكرر هذه العشوائية والمصادفة مرة أخرى؟ وحتى إذا غضبت الطبيعة واندلعت البراكين والزلازل، ونكبت الأرض بالطوفان والأعاصير، فلماذا بعد أن تهدأ.. لم يخلق إنسان جديد أو كائنات جديدة غير الكائنات الحالية بداية من الإنسان ومرورا النباتات والأشجار وانتهاء بالكائنات التي لا ترى بالعين المجردة؟
وفي لحظة تأمل في الطبيعة من حولنا، الزهور والنحل... الأشجار والطيور... الجبال والأنهار... كلها تبدو كأنها أجزاء في آلة واحدة معقدة تعمل بدقة وهدوء، فلا يمكن للنحل أن يعيش بدون الأزهار، ولا يمكن للأزهار أن تتكاثر بدون النحل، والطيور تحتاج إلى الأشجار، والأشجار تحتاج إلى ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون الذي تخرجه الكائنات الأخرى... كل كائن – رغم اختلافه – بحاجة للآخر، وهذا ليس صدفة… هذا نظام واضح وثابت لا يتغير.
وفي زمنٍ تتزاحم فيه الخطابات وتتناقض فيه الأيديولوجيات، يبقى الإنسان ذاته، بجسده وأعضائه وتكوينه، أعظم برهان على وجود نظام مُحكم، لا يمكن أن يكون وليد المصادفة، ولا نتاج تطورٍ أعمى بلا عقل أو إرادة، بل هو شهادة ناطقة بأن خلف هذا الجسد، الذي يسير بدقة مدهشة منذ لحظة تكوينه، قوة كبرى... مهيمنة، حكيمة، قادرة، هي التي أودعت فيه هذا النظام المعجز.
فلننظر قليلًا، دون تعصب أو تحامل، إلى بعض جوانب هذا الجسد؛ لا بوصفه هيكلًا بيولوجيًا، بل بوصفه كتابًا مفتوحًا يكشف عن هندسة دقيقة وإدارة خفية فائقة الذكاء.. إن مجموع أطوال الأوعية الدموية في جسم الإنسان، إذا ما جُمعت ووُصلت ببعضها، يمكن أن تمتد لمسافة تتراوح بين 100،000 إلى 120،000 كيلومتر؟ وهو ما يكفي لتطويق الكرة الأرضية مرتين ونصف! وهذا يعني أن في جسد كل إنسان "حبل حياة" يمتد بطول محيط كوكبٍ كامل مرتين ونصف تقريبا، يعمل ليلًا ونهارًا بلا توقف، في توصيل الدم محمّلًا بالأوكسجين والغذاء لكل خلية. ومن غير نظام دقيق، وتحكم محكم، هل يمكن لمثل هذه الشبكة أن تعمل دون أن تنهار أو تتوقف؟ من الذي ينسّق بين الشرايين والأوردة والشعيرات الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة؟! ثم السؤال الأهم من الذي استطاع أن يجمل كل هذا المداد من الأوعية الدموية داخل جسد الإنسان الضيق دون أن تتعقد أو تلتف حول بعضها وتسد مجراها؟
بلا شك.. إنها قوة أخرى مذهلة، لا توصف بمواصفات قوة البشر أو قوة الطبيعة.
ثم إذا نظرنا إلى عين الإنسان، فيكفي أن نلقي نظرة علمية على العين البشرية لندرك كم أن هذا العضو المعجز لا يمكن أن يكون وليد تطور صُدفي، فالعين تحتوي على أكثر من 120 مليون خلية عصبية في شبكية واحدة فقط، وكل منها مُصممة لاستقبال الضوء وتحويله إلى إشارات كهربائية تُرسل إلى الدماغ بسرعة لا يمكن تخيلها، والإنسان يرى بدقة تصل إلى 576 ميجابكسل، وهي دقة تعجز عنها أعظم الكاميرات الصناعية، ورغم أن العين ترى صورة مقلوبة، فإن المخ يعيد تصحيحها فورًا، من الذي أودع هذه المهارة داخل العين؟ وكيف فهم الدماغ الصورة وركّبها من ملايين النبضات العصبية؟
هل هي الطبيعة العشوائية.... أم قوة عليا.. لا يمكن تقديرها أو وصفها.
وفي جسد الإنسان أكثر من 50 نوعًا من الهرمونات، كلٌ منها يؤدي وظيفة دقيقة وحيوية، ويكفي أن يختل أحدها – حتى لو بمقدار صغير جدًا – ليصاب الإنسان بخلل جسيم قد يهدد حياته، فهرمون مثل الأنسولين ينظم نسبة السكر في الدم، ولو زاد أو نقص قليلًا قد يدخل الإنسان في غيبوبة، وهرمونات الغدة الدرقية تنظم حرارة الجسم، والطاقة، ونشاط القلب.
من يضبط التوقيت؟ من يتحكم في الإفراز؟ ومن يعيد التوازن عند الاضطراب؟ إنها إدارة لا يمكن أن توكل إلى الصدفة أو الطبيعة الصمّاء.
أما الكلى، فهي محطات التنقية المذهلة، وفي كل يوم، تمر على كليتي الإنسان أكثر من 180 لترًا من السوائل، ليُعاد امتصاص المفيد منها، بينما يُطرد الزائد والضار في صورة بول لا يتجاوز لترًا ونصف في اليوم الواحد، والكلى لا تطرد الماء فقط، بل تميّز بين الأملاح، والسموم، والمركبات الحيوية، فكيف لجهاز كهذا، بآلاف الأنابيب الدقيقة، أن يعمل كل لحظة دون خطأ؟ وكيف حُدد منفذ الإخراج بدقة، ليفرق بين الفضلات السائلة التي تخرج عبر الجهاز البولي، والصلبة عبر الجهاز الهضمي؟ من رسم هذا المسار؟ ومن راعى هذا التوازن؟!
هل الطبيعة لها عقل منظم؟ أم أن هناك قوة أخرى خارقة لها القدرة على ضبط هذا الجهاز في جسد كل إنسان منذ بدء الخليقة وحتى موعد نهايتها، رغم اختلاف بيئة كل إنسان وعاداته وتقاليده الغذائية في المشرب والمأكل والظروف المحيطة المؤثرة.
وإذا تكلمنا عن القلب، فهو العضلة لا تتعب، ويضخ القلب نحو 7000 لتر من الدم يوميًا، بمعدل 100 ألف نبضة في اليوم، دون راحة، ودون أن يحتاج إلى أمر خارجي لاستمرار عمله، حتى في حالة الغيبوبة التامة، حين تتوقف كل وظائف الوعي، يواصل القلب عمله... كأن به أمرًا مسبقًا، أو برنامجًا ذاتيًا من قوة أعلى، لا يتأثر بالإدراك أو الانتباه.
هل هذه صدفة؟ هل هناك جهاز بشري أو صناعي يمكنه العمل بهذه الكفاءة دون توقف لعقود طويلة؟!
ولا يخفى عن كل ذي علم أن المخ هو المايسترو الخفي، فهو عاصمة هذا الجسد، يحتوي على ما يزيد عن 86 مليار خلية عصبية، تتواصل فيما بينها عبر شبكة مذهلة من الإشارات، تدير الحركة، والذاكرة، والانفعالات، والتنفس، وحتى الأحلام، وتصل سرعة الإشارات العصبية إلى أكثر من 400 كيلومتر في الساعة، وتنتقل الأوامر من الدماغ إلى أصغر عضلة، أو حتى إلى خلايا مناعية تحتاج إلى تحفيز، كيف تنشأ الفكرة؟ ومن يضبط السياق واللغة والانفعال في لحظة؟ وكيف يفرّق المخ بين الذاكرة والخيال، بين الألم والحلم؟ إنها أسئلة تكشف أن ما يحكم هذا النظام ليس الجسد ذاته، بل القوة التي أودعت فيه هذه العجائب.
من أين جاءت هذه الدقة؟ من الذي كتب هذا "السيناريو البيولوجي" المحكم؟ من الذي صمّم، وزوّد، وربط، وأمر الخلايا أن تعمل كلٌّ في اختصاصها دون خلط أو خلل؟ إن هذا لا يمكن أن يكون صدفة، ولا تطورًا ذاتيًّا بلا قيادة، إنه نظام يشهد على وجود قوة أعلى، أكبر من الجسد، وأذكى من العقل، وأرحم من كل البشر... قوةٌ لا يمكن أن يصفها أحد، بل هي الوحيدة الجديرة على وصف ذاتها.
ثم يأتي السؤال الأكبر: هل يمكن أن ينشأ شيء من لا شيء؟ يقول بعضهم إن "الانفجار العظيم" هو أصل كل شيء، حسنًا، فلنفترض ذلك، لكن يبقى السؤال البديهي قائمًا: ما سبب هذا الانفجار؟ ومن أين جاءت "المادة" التي انفجرت؟ كيف يمكن أن يظهر "شيء" من "لا شيء"؟ هذا ليس تفسيرًا علميًّا، بل هروب من السؤال الأول.
إننا إذا فتحنا أعيننا على الطبيعة، ستدرك أن هذا العالم ليس عشوائيًّا، بل مصمَّم بعناية خارقة، والتصميم – كما نعلم – لا يكون بلا مصمِّم، والنظام لا تخلقه الصدفة… الصدفة لا تصنع إلا الفوضى.
إذا كان هناك نظام، فلا بد من "مُنظِّم"، وإذا كان هناك توازن، فلا بد من "مُوازِن". وإذا كان في الجسد حكمة، فلا بد من حكيم.
إن ما نشهده من نظام دقيق في هذا الكون، والذي اخترنا منه جسد الإنسان مثالًا حيًّا، إنما هو شاهد عظيم على وجود قوة عليا، لا يمكن وصفها أو الإحاطة بها من أحد، لأنها وحدها الجديرة بأن تصف ذاتها كما ذكرت، ولم يُعرف في تاريخ البشرية أن ادّعى أي كيان آخر – كائنًا من كان – مسؤوليته عن هذا النسق الكوني المُحكم، سوى الله سبحانه وتعالى، الذي أفصح عن قدراته، وعرّف بصفاته، في كتبه السماوية التي تنزّلت على أنبيائه.
لم يتصدَّ "إله آخر" عبر التاريخ أو الواقع ليقول: أنا من يدير هذا الكون، أو أنا من أوجد هذا الجسد المعجز، فألا يكفي هذا الصمت الكوني المهيب من كل الآلهة المزعومة، أمام تصدّر الله وحده لهذا البيان الوجودي، أن يكون محطة أزلية ليتوقف عندها كل ملحد، ويتأمل بصدق: من غير الله يستحق أن يكون هو الخالق؟
ومن غيره قال "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"؟

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الوصفة السحرية للحالة السودانية
الوصفة السحرية للحالة السودانية

العربي الجديد

timeمنذ 25 دقائق

  • العربي الجديد

الوصفة السحرية للحالة السودانية

أوشكَت لقاءاتي مع الدبلوماسيين والمسؤولين الغربيين والأفارقة أن تصبح مملةً من كثرة ما ردّدتُ مطلباً غاية في البساطة، في إطار حواراتنا المتكرّرة في الحالة السودانية، ولما لقيته من إجاباتٍ غير مفيدة، إن لم تكن مخجلة. هذا إن لقيتُ إجابةً. في حال كان الدبلوماسي من المستوى العادي، فإنه يكتفي بهزّ رأسه وتسجيل النقاط في دفتره، أو طرح بعض الأسئلة. أمّا إذا كان من المستوى الرفيع، فإنه يعطي إجاباتٍ أخجل من تردادها (غالباً ما تتصل بدولة معينة من منطقتنا، وحاجتهم إلى مداراتها لأنها تعينهم في حرب غزّة). لا تحتاج النقطة البسيطة التي ظللت أكرّرها إلى اجتراح معجزة أو مخالفة المعهود، بل تتوافق تماماً مع السياسات المُعلَنة لتلك الدول. وتتلخّص في طلب بسيط بالضغط على مليشيا الدعم السريع لوقف ما ترتكبه من انتهاكات وكبائر لا تتوقّف في حقّ المدنيين، وما يتبع ذلك من تخريب للممتلكات العامّة والخاصّة، وإعاقة للإغاثة، وتدمير لأسس الحياة في البلاد. أقول لجليسي (أو جلسائي)، الذي غالباً ما يزورني في المكتب، أو ألتقيه في الفندق الذي يقيم فيه، أو في منزل السفير، يا سعادة كذا وكذا، ألا ترى أن من الخطل طلب الحوار مع منظّمةٍ لا تملك التوقّف عن ارتكاب الانتهاكات التي هي في الحدّ الأدنى جرائم حرب؟ فهي تقتل بلا سبب، وتختطف الأطفال والفتيات والنساء وتمارس في حقّهن أقبح أشكال الاغتصاب وهتك الأعراض. وتشمل انتهاكاتها تدمير محطّات المياه ومصادرها، وتجريف المزارع، وأيضاً ما يمكن تسميته تجريفاً في حقّ الجامعات والمدارس والمستشفيات، ونهب الصيدليات والأسواق وتخريبهما، وتدمير محطّات توليد الكهرباء، وتخريب ونهب وسائط توصيلها من أسلاك وأعمدة ومحوّلات. يهزّ صاحبي (أو صاحبتي) الرأس في صبر، وقد يصرّح (أو تصرّح) بالعلم بهذه المنكرات، فيأتي دوري للتساؤل: أليست مثل هذه الجرائم من الكبائر المحرمات في قوانينكم والقانون الدولي؟ وأليس ارتكابها بصورة روتينية، وعلى مدار الساعة، وفي كلّ مكان وطئته أقدام هذه الجماعة المارقة من الموبقات؟... هزّة رأس أخرى وتصريح بأن حكومته/ ها قد أدانتها، وربّما فرضت عقوبات بشأنها. لا يزال هناك وقت للخروج من المهلكة بإدراك استحالة إدخال مليشيا الدعم السريع في العملية السياسية عندها أضيف نقطتي الأساس، أن الإدانة وحتى العقوبات لا تكفي. وما أرى أنه الأنجع أن توجّه الدولة المعنية رسالةً مباشرةً إلى هذه الفئة الباغية بأن عليها وقف هذه الجرائم فوراً، وبصورة كلّية، وأنه الشرط لقبولها في أيّ مكان في العالم، فضلاً عن أن يسمح لها بأن تكون جزءاً من الحكم في أي بلد. هل تقبلون في بلادكم أو محيطكم التعامل مع عصابات من هذا النوع (في المكسيك أو كولمبيا، أو هايتي مثلاً)؟... هنا نصل إلى نقطة صمت، تأتي بعدها وعود بعمل شيء. وينصرف معظم هؤلاء غير راشدين. ولكن بعض دولهم سرعان ما ترسل شخصاً آخر، خصوصاً إذا وقعت كارثة جديدة، أو لاحت بادرة تغير في الأوضاع، لتطرح الأسئلة نفسها أسئلة أخرى. ولكن السودانيين هم الأوْلى باتخاذ المواقف الحازمة في مثل هذه الأمور، فلم يضلل المليشيا ويجعلها تمضي في غيّها إلا فئة من السودانيين زوّدتها بشعاراتٍ لا معنى لها، مثل "دولة 56" وغيرها من الترّهات، وأماني مثل أنها تقاتل في سبيل الديمقراطية. ولا أريد هنا إضاعة وقتٍ في الحديث عن "الحكومة" الجديدة التي أعلنها "الجنجويد"، إذ إنها جهاز علاقات عامّة فاشل مسبقاً. وقد أنشأوا قبل ذلك "إدارةً مدنيةً" من شخصٍ واحد في منطقة الجزيرة، فلم تفلح حتى في دور علاقات عامّة، ولم يفتح الله عليه حتى بتصريحاتٍ تبرّئ "الجنجويد" من فظائعهم. وكنتُ قد نشرت قبل أيّام تغريدة في "إكس" حول من يُنكر وجود الإبادة في غزّة، جاء فيها أن من يعتقد أنه لا توجد إبادة ومجاعة في غزّة عاطل عن الفهم، وبالتالي، لا يستحقّ أن يتولى أدنى مسؤولية عامّة، خاصّةً في الجامعات. أمّا من يعلم بالإبادة والمجاعة، ولكنّه يدلّس ويخادع، فهو عاطل أخلاقياً، وأقلّ جدارةً بأيّ مسؤولية. وهذه المقولة تنطبق على مناصري "الجنجويد" بحجّة أن الفئة المارقة منخرطة في مشروع إصلاحي في السودان، وأن مجرميها هم أحقّ من يدعم الديمقراطية في البلاد. فمن كان صادقاً فهو أجهل الجهلاء، ومن كان كاذباً فهو أخبث الخبثاء. وبينهم من جمع السوأتَين. يبدو أنه استحالة أن تطهّر المليشيا الإجرامية في السودان نفسها من آثامها، فإننا نشهد توجّهاً أفريقياً ودولياً (وعربياً؟) موحّداً باتجاه التخلّص منها مهما يكن، لا يزال هناك وقت للخروج من هذه المهلكة لمن لديه أدنى حدٍّ من الخُلق، ليدرك استحالة إدخال هذه المليشيا في أيّ جانبٍ من العملية السياسية، بل في أيّ جانبٍ من الحياة في السودان، بقيادتها الحالية وجنودها الملوّثين بهذه الفظائع. فلن يكون هذا الخيار مقبولاً من الغالبية الساحقة من السودانيين، الذين اكتووا بنار انتهاكاتها، وشهدوا تدمير بلادهم وكلّ ما ألفوه، وكلّ ما له قيمة في حياتهم من دراسة وعمل ومسكن وبيئة اجتماعية. هذا طبعاً يتعلّق بالحدّ الأدنى من قبول هذه المليشيا في المجتمع، أمّا مقترح المليشيا وداعميها المتحمّسين (أو المُكرَهين) بأن تكون هي الحاكمة في السودان، أو حتى أيّ جزءٍ منه، فهو أول المستحيلات، وليس ثالثها. يكفي أن أماكن سيطرتها في دارفور لا تزال تشهد أسوأ فظاعاتها من إبادة جماعية وتدمير للحياة، وحصار إجرامي للفاشر ينذر بكبائر أدهى. وأي شخص يصفّق للمليشيا في جريمتها المعتزمة هذه، ويتمنّى نجاحها جدير بأن يبوء بإثمها، ويتحمّل المسؤولية عمّا مضى من جرائم وانتهاكات، وما سيأتي، وأدناها ممّا يلقي كاسبه في سقر. نعود إلى نقطة البداية، وهي المتعلّقة بردع المليشيا عن جرائمها وضلالاتها، عبر مواجهتها بصوتٍ واحدٍ باستنكار جرائمها التي تشبّهها بالطاعون، لم تدخل قريةً إلا وكانت أداة خرابها. وما اجترحته لم تشهده نواحي الأرض حتى في عصر المغول، وكلّ عصور الاستعمار. فكلّ جهة غازية، أو حكومة غاشمة، تسمح للناس بالاستمرار في معاشهم لتستفيد منه. أمّا هذه الجائحة الطاعونية الجنجويدية، فإنها عطّلت الطرقات، ودمّرت المكاتب وأماكن العمل، وأعاقت التجارة والصناعة والزراعة، وفرضت على من بقي الإقامة الجبرية في البيوت. ولم يؤمنهم هذا من الانتهاكات، حتى اضطرّ كلّ من استطاع إلى الفرار. في الجزيرة مثلاً نهبتْ مخزون الطعام في البيوت، بل كانت من جهلها وخطلها، تدخل المنازل في نهار رمضان، فتأخذ ما أعدّته الأسر للإفطار في الشهر الكريم، بدعوى أنهم أولى بالإفطار، كأنّ الصوم عن الطعام أولى بالصوم عن القتل والنهب وانتهاك حرمات المؤمنين. زادوا فنهبوا ما أعدّه الناس من بذور وأدوات للزراعة، كما نهبوا كلّ الدواب والأنعام والسيارات والجرّارات، فاستحال البقاء لانعدام الطعام والعجز عن الزراعة، وقد وجد من عادوا إلى قراهم بعد أن حرّرها الجيش أن الحشائش قد غطّت المنازل بسبب غياب الحيوانات التي كانت تتغذّى منها، والناس الذين كانوا يعالجونها بالقطع. توجّه أفريقي ودولي (وعربي؟) موحّد باتجاه التخلّص من "الدعم السريع" باعتباره مفتاح الحلّ في السودان وقد كتبت في مقال سابق في "العربي الجديد" عن دهشتي لاستمرار هذه العدوانية، حتى في مناطق دارفور التي يعتبرونها "حاضنتهم" وديارهم (استمعتُ إلى أحد القيادات القَبلية يستنكر قيام هؤلاء (في تسجيل مصوّر جادّاً غير هازل) بممارسة النهب والاقتتال فيما بينهم، ممّا قد يوردهم قاع جهنم، داعياً إياهم بدلاً من ذلك إلى النهب في مناطق أخرى، مثل الخرطوم وغيرها، ولكنّهم، بخلاف حسن الظنّ مارسوا في نيالا (وغيرها) ما اعتادوا من النهب وهتك الأعراض وحرق الأسواق، وزادوا بحرق وتدمير المباني التي نهبوها، خاصّة الجامعات، ممّا يعني أنه لا يوجد في هذه الفئة رجل رشيد، أو قائد له ذرّة عقل، ينهاهم على الأقلّ عن تدمير ما نهبوا. ونحن نتمنّى (ولا نتوقّع) أن يكون في أولياء هذه الفئة المارقة من "سياسيين" و"مثقّفين" عقلاء يذكّرونهم بأن مثل هذه العقلية التدميرية هادمة للعمران، وغير مؤهّلة لهم للقبول في أيّ مجتمع قديم ولا حديث، فضلاً عن أن تكون هي الطريق للديمقراطية المزعومة في السودان، ولا غيره. ونرجو أن تكون فيهم بعض الشجاعة (وهم في المنافي البعيدة التي لا تطاولها يد البريرية هذه) لينبّهوا قيادات هذه العصابات إلى أن مثل هذا السلوك مهلك لهم قبل غيرهم. فهم كالجراد، ما حلّ بزرع إلا أهلكه، ممّا يضطرهم باستمرار إلى التحرّك إلى حقل آخر يتركونه خراباً يباباً. ولكني غير متفائل (للأسف!) بعودة الوعي إلى غالب هؤلاء، فقد قرأت لأحد قادتهم إشادةً بالمليشيا، زاعماً أنها منحت "الثوار" الحماية. وهو يعلم (كما نعلم ويعلم العالم كلّه) أن المليشيا هي مَن فضّ الاعتصام، وكان هو ورهطه يتفاوضون مع قادتها على الحصانة من الملاحقة في هذا الأمر، إذا انحازت إلى صفّهم ضدّ الجيش. ولكن التفاؤل يأتي من أن هذا الكيان الوحشي هو ذاتي التدمير، وسينقرض ومَن راهن عليه رهاناً سياسياً خاسراً. كفى أننا نرى أن الكيانات السياسية المفلسة سياسياً وأخلاقياً قد بدّدت كلّ ما كان لها من دريهمات الرصيد في الانحياز لها، وهو انحياز كانت تنكره عندما كان لا يزال لها قليل من الحياء، ونزر من الميكيافيلية. وما نراه اليوم من مجاهرة بهذا الإثم/ الفضيحة ما هو إلا عملية انتحارية لمن يئس من كلّ خير. ومع ما يبدو أنه استحالة أن تطهّر المليشيا الإجرامية نفسها من آثامها، فإننا نشهد توجّهاً أفريقياً ودولياً (وعربياً؟) موحّداً باتجاه التخلّص منها، باعتباره مفتاح الحلّ في السودان. ما أرجوه هو أن يتحقّق ما ظللنا ندعو أليه من إرسال رسالة جماعية للمليشيا (وخدّامها) بالتخلّي عن النهج الانتحاري المضرّ بهم وبالبلاد، وإن كان انتحارهم لا يسوؤني إطلاقاً.

افتتاح مكتب استقبال وتوجيه مغاربة العالم بجماعة قلعة السراغنة
افتتاح مكتب استقبال وتوجيه مغاربة العالم بجماعة قلعة السراغنة

الألباب

timeمنذ 27 دقائق

  • الألباب

افتتاح مكتب استقبال وتوجيه مغاربة العالم بجماعة قلعة السراغنة

الألباب المغربية/ الحجوي محمد في إطار تفعيل مقتضيات دستور المملكة المغربية، الذي أكد على ضرورة توفير الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية لجميع الوسائل الكفيلة بتيسير ولوج المواطنين والمواطنات إلى الخدمات العمومية، وبمواكبة العناية السامية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لمغاربة العالم، أعلن رئيس المجلس الجماعي لقلعة السراغنة عن إحداث مكتب خاص لاستقبال وتوجيه مغاربة العالم ضمن النفوذ الترابي للجماعة. سيخصص مكتب 'استقبال وتوجيه مغاربة العالم' لاستقبال أبناء المغاربة المقيمين بالخارج وتسهيل إجراءاتهم الإدارية أمام مختلف مصالح الجماعة. كما سيعمل على توجيههم وإطلاعهم على الخدمات المتاحة، وذلك بهدف ضمان استفادتهم من حقوقهم وتحقيق راحتهم خلال فترة إقامتهم بالمغرب. سيكون المكتب في خدمة المواطنين طيلة شهر غشت 2025، وذلك خلال الساعات الرسمية للدوام الإداري المعمول به في الجماعة. ويأتي هذا الإجراء لمواكبة الزيادة الموسمية لأعداد مغاربة العالم خلال فترة العطلة الصيفية. للمزيد من المعلومات أو لتقديم أي استفسار، يمكن الاتصال بالأرقام التالية: 0689642580 – 0662589775 هذه الخطوة تأتي في إطار الجهود المبذولة لتعزيز جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وخاصة مغاربة العالم، الذين يشكلون رافدا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب.

العثور على جثمان عم المطربة أنغام متحللا في شقته بالجيزة
العثور على جثمان عم المطربة أنغام متحللا في شقته بالجيزة

تحيا مصر

timeمنذ 40 دقائق

  • تحيا مصر

العثور على جثمان عم المطربة أنغام متحللا في شقته بالجيزة

حالة من الجدل أثيرت في الدقائق القليلة الماضية، بعد انتشار أنباء تفيد العثور على جثمان والذي يدعى محمود علي سليمان فليفل، متحللا في شقته بالجيزة، حيث توفى وحيدا دون أن يشعر به أحد. العثور على جثمان عم المطربة أنغام في شقته بالجيزة وبدأت القصة وفقا لما رصدها موقع ، بتلقي الأجهزة الأمنية بالجيزة بلاغا من أهالي العقار الذي يسكن فيه عم المطربة أنغام تفيد بانبعاث رائحة كريهة من داخل شقته، لتتوجه على الفور إلى مكان البلاغ. أنغام تبين عند وصول الشرطة إلى أن الرائحة سببها وفاة عم المطربة أنغام وتحليل جثمانه، ما يشار إلى أن الوفاة حدثت من ساعات طويلة دون أن يشعر به أحد. هل قتل عم المطربة أنغام أم وفاة طبيعية؟ وبالتحقيقات المبدئية تبين عدم وجود شبهة جنائية في مكان الواقعة وان الوفاة طبيعية ولكن تم نقل الجثمان إلى المستشفى على الفور لإجراء الفحص الطبي عليها وتم إخطار أسرته لاستلام الجثمان واستكمال الإجراءات القانونية اللازمة. المطربة أنغام من ناحية أخرى، كانت قد انتشرت أنباء تفيد إصابة انغام بمرض سرطان الثدي ولكن خرج المكتب الاعلامي للفنانة وقال إن الاخبار المنتشرة لا أساس لها من الصحة، مطالبا وسائل الإعلام بتحري الدقة في الأخبار التي تتداولها، موضحا بأن الفنانة ستسافر إلى ألمانيا لإجراء الفحوصات اللازمة على البنكرياس وبعد عودتها ستعمل على أغنيات جديدة لتفاجي بها جمهورها في صيف 2024. أنغام تستكمل رحلة علاجها في ألمانيا وبعدها نشرت الفنانة أنغام صورة لها على سرير المستشفى أثناء إجراؤها فحوصات على البنكرياس بسبب معاناتها من مشاكل به وذهب لعالجه في ألمانيا. وخرج الإعلامي محمود سعد وطمأن الجمهور على حالة انغام الصحية، حيث قال: الحمد الله على سلامتك يا صديقتي الغالية جدا جدا، رغم كل الأخبار الكتير المنشورة هنا وهناك.. الخبر الدقيق الصحيح ان أنغام الحمد لله زي الفل، اتكلمنا النهاردة اكثر من مرة وهي الحمد لله بخير وتخرج من المستشفى بكرة او بعده بالكتير ان شاء الله.. انغام طلبت مني اطمن كل حبايبها وشرحتلي حالتها الصحية بالتفصيل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store