
ما هي خطط السعودية لشركات الاستشارات الخارجية؟
شهد قطاع الاستشارات في السعودية خلال العامين الماضيين ازدهارًا ملحوظًا، حيث استفادت الشركات الاستشارية الأجنبية من المشاريع الطموحة التي أطلقتها المملكة ضمن رؤية 2030، مثل مشروع "نيوم" الذي تصل تكلفته إلى 500 مليار دولار. إلا أن الرياض تعيد تقييم إنفاقها على هذه الشركات، مركزة على تحقيق عائدات ملموسة من الاستثمارات.
وبحسب دان ألبرتيلي، كبير محللي الأبحاث في "سورس غلوبال"، فإن فترة الإنفاق المفتوح على الاستشارات قد ولّت، حيث كانت الشركات قادرة على تحصيل مبالغ ضخمة بسهولة، لكن باتت الأمور الآن أكثر تعقيدًا. وهذا التغيير انعكس على واقع السوق، حيث وصف أحد رؤساء شركات الاستشارات الإقليمية الوضع الحالي بأنه سباق نحو تقديم الخصومات، بعدما كان سوقًا مزدهرًا منذ عامين، لكنه الآن أصبح بيئة تنافسية صعبة.
ورغم استمرار النمو في قطاع الاستشارات، فإن معدلاته تراجعت قليلاً. بعد تسجيل نمو بنسبة 38% في عام 2022، و25% في عام 2023، متوقع أن يصل النمو إلى 13% فقط في 2025 بعدما بلغ 14% في عام 2024، وفق بيانات "سورس غلوبال". وتشير البيانات الأولية إلى أن سوق الاستشارات في منطقة الخليج سيصل إلى 7 مليارات دولار بنهاية عام 2024، وتستحوذ السعودية على الحصة الأكبر، حيث بلغ حجم سوقها الاستشاري 3.2 مليارات دولار في عام 2023، بنمو 18.2%، وفق مؤسسة "كونسلتينغ كويست". كما تتفوق السعودية على باقي دول الخليج، حيث سجل حجم سوق الاستشارات في الإمارات 1.1 مليار دولار، وفي قطر 445 مليون دولار، وفي الكويت 315 مليون دولار، بينما بلغ في سلطنة عُمان 156 مليون دولار، وفي البحرين 146 مليون دولار. وعلى مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتوقع مؤسسة "موردور إنتليجنس" أن يصل حجم سوق خدمات الاستشارات الإدارية إلى 10.73 مليار دولار في 2025، على أن يبلغ 13.34 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.46% بين 2025 و2030.
أما أسباب إعادة تقييم نفقات الاستشارات الأجنبية، فيردها خبراء أسواق المال ومسؤولو شركات استشارية عاملة في المملكة إلى أربعة عوامل رئيسية: الأول مرتبط بتقلبات أسعار النفط وما تبعها من إعادة ترتيب الأولويات المالية، حيث خفّضت أرامكو السعودية توزيعات أرباحها لعام 2025 بنسبة 30% إلى نحو 85 مليار دولار مقارنة بـ124 مليار دولار في 2024، وهو ما جاء بعد انخفاض صافي دخلها بنسبة 12% إلى 106 مليارات دولار. ويؤثر هذا التخفيض في المدفوعات على الخزينة العامة وكذلك على الصناديق الاستثمارية التي تعتمد على العوائد النفطية، ما دفع الجهات الحكومية إلى إعادة النظر في حجم الإنفاق الاستشاري.
السبب الثاني يتعلق بحجم الالتزامات الاستثمارية الضخمة التي تتحملها الحكومة السعودية، لا سيما أن قيمة مشاريع "رؤية 2030" بلغت منذ إطلاقها نحو 1.3 تريليون دولار وفق بيانات "نايت فرانك". والتحدي الثالث يتمثل في الحاجة إلى تحقيق عائدات ملموسة بعد سنوات من الإنفاق المكثف، إذ تسعى المملكة إلى جذب 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنويًا بحلول عام 2030، لكنها لم تحقق سوى 22 ملياراً في مشاريع جديدة أو قيد الإنشاء العام الماضي، وفقًا لبيانات "إف دي آي ماركتس".
وبالنظر إلى الأسباب التي دفعت إلى تباطؤ أداء الشركات الاستشارية الأجنبية في السعودية، يرى الخبراء أن السوق شهد تغيرات جوهرية، أبرزها تشديد الحكومة الرقابة على الإنفاق، ما أدى إلى الضغط على الرسوم الاستشارية، فضلًا عن ارتفاع المنافسة بين الشركات، والتحول نحو الاستشارات المتخصصة بدلاً من الاعتماد على فرق عمل ضخمة، إضافة إلى تأثير تراجع عائدات أرامكو وما تبعه من تقليص الإنفاق الاستثماري، إلى جانب التحديات المستمرة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
يقول الدكتور سالم باعجاجة، أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف ووكيل كلية العلوم الإدارية للتطوير والجودة، لـ"النهار" إن السعودية استخدمت خلال السنوات الماضية الشركات الاستشارية الأجنبية لتحديد استراتيجيات تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، "ومع نضوج الرؤية الاقتصادية، أصبح الاعتماد على هذه الشركات أكثر تخصصًا، حيث بات التركيز ينصب على الاستشارات الدقيقة، مثل التدقيق المالي وتحليل الأداء". كما أشار إلى أن السعودية تعمل على تحسين بيئة الاستثمار الأجنبي بمعالجة بعض العوائق، مثل البيروقراطية ونقص الشفافية وضعف الخدمات المساندة وقلة البيانات والمعلومات المتاحة للمستثمرين، إضافة إلى التحديات المتعلقة بجذب العمالة الماهرة وإدارة سوق العمل.
ورغم التحديات التي يواجهها قطاع الاستشارات في المملكة، يؤكد العديد من الخبراء أن السوق لا يزال يحمل فرصًا كبيرة، خاصة مع استمرار المشاريع الكبرى مثل دورة الألعاب الشتوية الآسيوية 2029 وكأس العالم 2034، ما يعزز الطلب على الخدمات الاستشارية، لكن بأسلوب جديد يركز أكثر على القيمة مقابل التكلفة، ما يجعل مستقبل القطاع أكثر تنافسية ويعيد رسم خريطة الإنفاق الاستشاري في السعودية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 19 دقائق
- ليبانون 24
النهاية والفوضى المالية تقترب.. هذا ما سيحصل
أطلق رجل الأعمال الأميركي روبرت كيوساكي ، مؤلف كتاب " الأب الغني والأب الفقير", تحذيرًا مثيرًا للجدل بشأن ما وصفه بـ"التضخم المفرط" في الولايات المتحدة ، مستندًا إلى مزاد سندات أميركية زعم أنه لم يشهد أي مزايدين، في إشارة رمزية منه إلى اقتراب "نهاية اقتصادية وشيكة". وفي منشور عبر منصة "أكس"، كتب كيوساكي: " ماذا لو أقمتَ حفلاً ولم يأتِ أحد؟ هذا ما حدث أمس. عقد الاحتياطي الفيدرالي مزادًا على سندات أميركية ولم يشارك أحد. فاشترى الاحتياطي بهدوء 50 مليار دولار بأموال مزيفة. انتهى الحفل. التضخم الجامح هنا". وأضاف في منشور لاحق: "ملايين سيُبادون ماليًا. النهاية التي كنت أحذر العالم منها قد حانت. رحم الله أرواحنا". لكن مزاعم كيوساكي اصطدمت ببيانات رسمية صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، كشفت أن المزاد المذكور سجّل نسبة عرض إلى تغطية بلغت 2.97، وهو ما يشير إلى طلب قوي. وبلغ إجمالي العروض المقدّمة لإصدار سندات الخزانة لأجل 42 يومًا 212.58 مليار دولار، قُبل منها 74.38 مليار دولار، في حين تم تخصيص 4.38 مليار دولار فقط لحساب السوق المفتوحة التابع للاحتياطي الفيدرالي. كيوساكي لم يكتفِ بالتحذير، بل توقّع ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الذهب والفضة والبيتكوين، معتبرًا ذلك "خبرًا سارًا" للعامة والمستثمرين. وتحدث عن أسعار مستقبلية تبلغ: الذهب: 25,000 دولار


لبنان اليوم
منذ ساعة واحدة
- لبنان اليوم
هل يتحقّق الحلم السكني قريباً؟
كشف المدير العام لمصرف الإسكان، أنطوان حبيب، في تصريح لموقع mtv، أن زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى قطر ولقائه الأمير تميم بن حمد آل ثاني شكّلا نقطة تحوّل إيجابية في ملف القروض السكنية، موضحاً أن هذا الملف كان من أبرز المواضيع التي طُرحت خلال الزيارة. وقال حبيب إن الدعم القطري المرتقب أعطى دفعاً قوياً باتجاه تفعيل المشروع، مضيفاً: 'الأجواء حتى اللحظة واعدة جداً، خاصة بعد اللقاء المباشر مع الأمير تميم، ويبقى أمامنا التفاهم على التفاصيل التقنية والفنية'. وتابع رئيس مجلس إدارة مصرف الإسكان أن المفاوضات مستمرة، وهناك تواصل دائم مع الجانب القطري لتحديد الشروط، لافتاً إلى اجتماع قريب مع سفير قطر في لبنان، سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، لوضع اللمسات الأخيرة قبل عرض الاتفاق على مجلس إدارة المصرف والصندوق القطري. وعن إمكانية إعلان قريب عن نتائج إيجابية، اكتفى حبيب بالقول: 'تفاؤلوا بالخير تجدوه'، مشدداً على أن لا عراقيل تُذكر حتى الآن من أي من الجانبين. فيما يخص الفئات المستفيدة، أوضح حبيب أن القروض ستُخصص لذوي الدخل المحدود والمتوسط، بالإضافة إلى أصحاب الحاجات الخاصة، مشيراً إلى أن الاقتراح القطري يتضمن تقديم قروض تصل قيمتها إلى 100 ألف دولار لشراء أو ترميم أو بناء المساكن.


صيدا أون لاين
منذ 2 ساعات
- صيدا أون لاين
الإسكان... قريباً؟
ينتظر كثيرون، بفارغ الصبر، نتائج المحادثات الجارية لتمويل الإسكان، خصوصاً بعد سنوات من الأزمة التي لم تترك شيئاً من شرّها. اليوم يعود الزخم إلى هذا الملفّ، خصوصاً بعد زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى قطر. فهل باتت قروض الإسكان قريبة؟ يؤكّد المدير العام لمصرف الإسكان انطوان حبيب أنه خلال زيارة الرئيس عون إلى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني تمّ التطرق إلى ملف القروض السكنية، كي يتم منحها عبر مصرف الإسكان. ويكشف حبيب، في حديث لموقع mtv، أنّ زيارة الرئيس عون إلى الدوحة ولقاءه أمير قطر أعطيا دفعاً كبيراً للملف، قائلاً: "لا شكّ أنّ الأجواء حتى الآن إيجابية جدًّا، خصوصاً بعد زيارة عون إلى الدوحة والدعم الذي تلقيناه من أمير قطر في هذا الخصوص، ويبقى أن نتفق على الشروط التقنية والفنية". ويوضح رئيس مجلس إدارة مصرف الإسكان أنّ المفاوضات قائمة، ويقول: "لا نزال نتبادل الشروط، وهناك اجتماعات متتالية ستُعقد كما أنّ اجتماعاً قريباً سيُعقد مع سفير قطر في لبنان سعود بن عبد الرحمن آل ثاني من أجل التوصل إلى الشروط اللازمة والاتفاق عليها كي يتمّ عرضها على مجلس إدارتنا ومجلس إدارة صندوق قطر". إذاً هل نسمع أخباراً إيجابية قريباً؟ يُجيب حبيب: "تفألوا بالخير تجدوه"، مضيفاً: "لا أريد استباق الأمور، ولكن حتى الآن لا شيء سلبياً ولا شيء يُعيق سير الأمور من الجهتين". يبدو أنّ الأمور تسير على سككها الصحيحة، وقد يكون حلم كثيرين على وشك أن يتحقّق، فماذا عن الأرقام؟ وكم سيكون المبلغ المقدّم؟ هنا يلفت حبيب إلى أنّ القروض ستكون لذوي الدخل المحدود والمتوسط وذوي الحاجات الخاصة، مضيفاً: "الاقتراحات التي تقدّم بها صندوق قطر هي أن يصل القرض إلى 100 ألف دولار للشراء أو الترميم أو البناء".