
كارثة التسمم بالكحول في الأردن: بين فاعلية التدخل الأمني والطبي وضعف الرقابة والإجراءات الإستقصائية #عاجل
كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني *
"الميثانول" هو أبسط أشكال المنتجات الكحولية في مجموعة الكيماويات العضوية، وهو سائل شفاف عديم اللون يذوب في الماء مع سهولة التحلل بيولوجياً، وهو من العناصر الكيميائية الأساسية متعددة الاستخدامات، ويدخل في إنتاج آلاف المنتجات التي تمس حياتنا اليومية مثل مواد البناء والرغاوي وصناعة البلاستيك والدهانات. وتجدر الإشارة إلى أن 99% من الإنتاج العالمي للميثانول مصدره الغاز الطبيعي أو الغازات المستخرجة من النفط وقد ينتج بكميات بسيطة غير صناعية من بواقي الفواكه المخمرة.
والميثانول ليس سامًا في حد ذاته، ولكنه يتحول عند ابتلاعه إلى حمض الفورميك شديد السُمّية، وقد يسبب فشل العديد من أعضاء الجسم والعمى وتلف الدماغ والوفاة. يتفشى التسمم بالميثانول عادة عند إضافته إلى المشروبات الكحولية لكسب المال.
شهد الأردن في أواخر حزيران 2025 واحدة من أخطر حوادث التسمم الجماعي بسبب الكحول الملوثة ، حيث أودت بحياة تسعة أشخاص وأدت الى اكثرمن 27 إصابة حرجة ومتوسطة، بينها حالات فقدان للبصر وفشل كلوي ، معظمهم من محافظة الزرقاء ومادبا، وذلك بعد تناولهم مشروبات كحولية مغشوشة بمادة الميثانول السامة وظهور مؤشرات وأدلة على تورط مصانع للخمور وموزعين غير شرعيين أو متلاعبين في تصنيع هذه المشروبات.
هذه الأزمة الخطيرة كشفت عن تفاوت واضح بين فاعلية التدخلات الأمنية والطبية والقضائية من جهة، وضعف الرقابة الوقائية والاستقصائية من جهة أخرى. وفي حين أظهرت السلطات الأردنية قدرة سريعة على احتواء الأزمة، فإنها لم تستطع منعها في المقام الأول، مما يثير تساؤلات حول البنية الرقابية ومجال التحسين المستقبلي.
أظهرت الجهات الأمنية والفرق الطبية استجابة سريعة ومتماسكة: تم إغلاق 7 مصانع غير قانونية في الزرقاء ومادبا ودير علا وعمّان ،وتوقيف عدد من المشتبه بهم، ومصادرة كميات من الكحول المغشوش في السوق. واستقبلت المستشفيات الحالات ووفرت الرعاية الحرجة، من ضمنها استخدام مضادات السموم وتقديم دعم متخصص من مركز السموم الوطني. ساهم هذا التنسيق الأمني والطبي في احتواء الأزمة بسرعة، ومنع انتشار أكبر للمادة السامة في الأسواق.
من جهة اخرى، من العناصر اللافتة في التعامل مع الحادثة كانت السرعة اللافتة في تحريك الدعوى العامة واتخاذ إجراءات قضائية فورية بحق المتورطين.حيث أصدر الإدعاء العام مذكرات توقيف وتحقيقات موسّعة خلال 24 ساعة من تسجيل أول حالة وفاة، وتم تحويل المصانع المتورطة إلى القضاء، وبدأت إجراءات محاكمة المعنيين بتهم القتل غير العمد وتعريض حياة المواطنين للخطر. فالقضاء الأردني تحرك بالتوازي مع الأمن، مما أعطى رسالة قوية بأن المحاسبة لن تتأخر أو تُطوَى كما في قضايا مشابهة سابقًا.
بالمقابل، رغم النجاحات الطبية والأمنية والقضائية، بينت الكارثة أن الرقابة الوقائية كانت الغائب الأكبر. فقد تتبين أن ضعف الرقابة الوقائية كان سببًا مباشرًا لحدوثها وذلك لوجود مصانع مرخصة تخلط الميثانول دون رقابة فعّالة وغياب الجولات التفتيشية الدورية والفجائية على منشآت إنتاج وتوزيع الكحول وعدم وجود سجل تتبع فعال للمنتجات الكحولية المحلية. هذه الفجوات تسمح بتكرار الحوادث نفسها، وتؤكد ضرورة إعادة هيكلة الرقابة على قطاع الكحول وباقي قطاعات انتاج المواد الغذائية.
إضافة إلى ضعف الرقابة، كان هناك قصور واضح في الإجراءات الاستقصائية التي كان من المفترض أن تسبق الكارثة وتليها مباشرة مثل تتبع الشبكات المشبوهة في تداول الكحول، والمواد التي تدخل في تصنيعه ،والتحقيقات الاستقصائية حول مصانع الكحول المشكوك بها ، وتتبع جميع الأشخاص الذين تناولوا المواد الكحولية من المصانع المشبوهة وتتبع المستجدات في عملية تصنيع الكحول، وغيرها من الإجراءات الإستقصائية التي اثار العديد من الأسئلة حولها الدكتور سعد خرابشة وزير الصحة الأسبق والمختص في الوبائيات ونشرها على موقع jo24 الإخباري.
تعيد الحادثة الأردنية للأذهان حوادث مشابهة في دول أخرى نسوق امثلة لبعضها: حيث توفي في مصر عام (2020) 7 اشخاص من كحول مغشوش منزلي، وفي الهند توفي 150 شخصا عام (2019) نتيجة تناولهم لمشروبات كحولية ملوثة بمادة الميثانول، وفي المكسيك توفي 42 شخصا عام (2020) نتيجة تناولهم لكحول مهربة ملوثة بالميثانول. ما يميز الأردن في هذه الحالة هو التكامل بين الأمن والطب والقضاء، لكن ما يشترك فيه مع دول أخرى هو القصور في الرقابة المسبقة التي تسبق الكارثة.
نوصي بإنشاء وحدة في المركز الوطني لمكافحة الاوبئة والامراض السارية للرصد الاستقصائي الغذائي والكحولي، وإلزام مصانع المشروبات الكحولية بتوثيق عمليات الإنتاج والتوزيع في نظام رقمي مركزي، وإجراء رقابة دورية وموثقة حول جميع المراحل المرتبطة بتصنيع الكحول بشكل خاص والمواد الغذائية بشكل عام، وتغليظ العقوبات القانونية على منتجي ومروجي المواد الكحولية المغشوشة ، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات لتحديد أنماط تداول غيراعتيادية للمشروبات الكحولية.
وفي الختام ، بينما أظهر الأردن كفاءة لافتة في التعامل الأمني والطبي والقضائي مع أزمة الميثانول، فإن القصور في الرقابة الوقائية والإجراءات الاستقصائية يضع الجهات الرسمية أمام مسؤولية إصلاح حقيقية. إن هذه الكارثة ليست فقط درسًا في الاستجابة، بل دعوة لهيكلة نظام وقائي استباقي يعتمد على اليقظة لا على ردّ الفعل. فحماية الأرواح لا تتحقق فقط بالمحاسبة والعقاب، بل بمنع الكارثة من الوقوع أصلًا.
* الكاتبعضو المكتب السياسي ورئيس المجلس الإجتماعي/حزب المستقبل والحياة الأردني
تابعو الأردن 24 على

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صراحة نيوز
منذ ساعة واحدة
- صراحة نيوز
فضيحة مصنع الكحول.. موظف سابق يكشف استخدام الميثانول للربح والتهرب الضريبي
صراحة نيوز- كشف موظف سابق في مصنع لإنتاج المشروبات الكحولية المتورط باستخدام مادة الميثانول السامة، أن سبب اللجوء لاستخدام هذه المادة يعود إلى محاولات للتهرب الضريبي. وأوضح الموظف، في تصريحات صحفية، أن نظام الفوترة يتتبع الكحول المستورد، ما دفع المصنع إلى استخدام بدائل محلية تحتوي على الميثانول وإدخالها في خطوط الإنتاج. وبيّن أن ذلك مكّن المصنع من تحقيق أرباح أعلى، خاصة أن عملية التصنيع كانت تتم داخل خطوط إنتاج بدائية وغير منظمة، بحسب ما نقلته قناة 'المملكة'. وفي السياق القضائي، وجّه مدعي عام الجنايات الكبرى، الثلاثاء، تهمة القتل العمد خلافاً للمادة 326 من قانون العقوبات وبدلالة المادة 64، إضافة إلى جناية الشروع بالقتل وفق المادتين 326 و70 من القانون ذاته، بحق 12 متهماً، بحسب ما صرّح به رئيس النيابة العامة القاضي نايف السمارات. كما تم توجيه تهمة 'التدخل بالقتل' في الجرائم ذاتها لـ13 متهماً آخرين، وفقاً للمواد القانونية ذات الصلة.


رؤيا
منذ 2 ساعات
- رؤيا
ادعاء عام الجنايات: توقيف 23 متهماً في قضية "كحول الميثانول" في الأردن
قرار يصدر بتوقيف المتهمين لمدة 15 يوماً قابلة للتجديد في مراكز الإصلاح والتأهيل في قضية "كحول الميثانول" في الأردن أعلن رئيس النيابات العامة، الدكتور نايف السمارات، عن تطور قضائي جديد في قضية التسمم بـ "كحول الميثانول" التي أودت بحياة 9 أشخاص وإصابة 57 شخصا آخرين، حيث قرر ادعاء عام محكمة الجنايات الكبرى توقيف 23 متهماً على ذمة القضية. وفي التفاصيل، صدر قرار بتوقيف المتهمين لمدة 15 يوماً قابلة للتجديد في مراكز الإصلاح والتأهيل، وذلك لاستكمال إجراءات التحقيق. ويشمل قرار التوقيف متهماً غير مقبوض عليه، وآخر يقضي عقوبة في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل على ذمة قضية أخرى. تفاصيل التهم الموجهة للمتورطين يأتي قرار التوقيف بعد أن أسند مدعي عام الجنايات الكبرى تهماً محددة للمتورطين في القضية، وهي: جناية القتل خلافاً للمادة 326 من قانون العقوبات، وجناية الشروع في القتل، وقد وُجهت هاتان التهمتان لـ 12 متهماً. جناية التدخل في القتل والتدخل في الشروع بالقتل، وقد وُجهت هذه التهمة لـ 13 متهماً آخرين. وكان السمارات أوضح أن المدعي العام وجّه للمتهمين تهماً محددة؛ حيث أسند لـ 12 شخصاً منهم جناية القتل خلافًا للمادة 326 من قانون العقوبات، وجناية الشروع في القتل سندًا للمواد 326 و70 و80 من ذات القانون، وبدلالة المادة 64 من قانون العقوبات. تحقيقات مستمرة أكد الدكتور السمارات أن تحقيقات الادعاء العام ما زالت جارية لكشف كافة ملابسات القضية وتحديد مسؤولية كل متهم بدقة، مشدداً على أن النيابة العامة تولي القضية أقصى درجات الاهتمام نظراً لخطورتها وتأثيرها على الرأي العام. ويُذكر أن هذه الفاجعة التي وقعت الأسبوع الماضي، أسفرت عن وفاة 9 أشخاص، بينهم سيدة ستينية، وارتفاع إجمالي عدد الحالات التي وصلت إلى المستشفيات إلى 57 إصابة، بعد تناولهم مشروبات كحولية تحتوي على مادة الميثانول الصناعية السامة.

سرايا الإخبارية
منذ 2 ساعات
- سرايا الإخبارية
موظف بمصنع المشروبات السامة: استخدام الميثانول للتهرب الضريبي
سرايا - كشف موظف سابق في مصنع المشروبات الكحولية المنتج لمشروبات تحوي مادة الميثانول السامة، عن سبب استخدامها خلال الإنتاج. وقال الموظف في تصريحات صحفية، أنّ استخدام المادة يأتي بسبب محاولة التهرب الضريبي، لأنّ نظام الفوترة يتتبع الكحول المستوردة، ما دفع المصنع لاستخدام مصادر أخرى للكحول وإدخاله في خط الإنتاج. وبين أنّ ساهم بتحقيق أرباح أعلى، خاصة وأنّ الإنتاج يكون بخطوط مصنع بدائي غير منظم، بحسب المملكة. و أسند مدعي عام الجنايات الكبرى، اليوم الثلاثاء، تهمة القتل خلافا للمادة 326 من قانون العقوبات بدلالة المادة 64 من ذات القانون، وجناية الشروع بالقتل خلافا لأحكام المادتين 326 و70 من قانون العقوبات وبدلالة المادة 64 من ذات القانون لـ 12 شخصا متهما، وفقا لرئيس النيابة العامة نايف السمارات. كما اسند مدعي عام الجنايات الكبرى، جناية التدخل بالقتل بالجرائم السابقة خلافا للمواد المشار إليها سابقا لـ 13 شخصا متهما، بحسب ما نقلت المملكة. وكانت محكمة الجنايات الكبرى، استلمت الثلاثاء، ملف قضية التسمم بكحول الميثانول.