logo
شاهد: قصة إنسانية.. سرق الاحتلال وأعوانه حياته وماله وارتقى شهيداً للقمة العيش

شاهد: قصة إنسانية.. سرق الاحتلال وأعوانه حياته وماله وارتقى شهيداً للقمة العيش

وكالة خبرمنذ 5 أيام
"ودَّع أخته التي تقطن في الخيمة المجاورة له وأوصاها بأنّ تعتني بطفلته المدللة تالين، وكعادته احتضن أطفاله الذين رزقه الله بهم بعد خمسة عشر عاماً من الحرمان، وداعب وجه كنان ابنه البكر ولاطفه بالحديث وكأنه يتأمل وجهه للمرة الأخيرة، وطبع قبلة على وجهه وأوصاه أنّ يعتني بأخيه الأصغر يوسف المشاكس العنيد كما يحب أن يناديه، والتفت إلى زوجته ولاء وقال لها: اعجني واخبزي على فرن (الطينة) لأني مش هقدر أروح وأخبزلك خبز الصاج الي بتحبوه من ايدي، بس بوعدكم تاكلوا مقلوبة عمركم ما أكلتوا زيها". تلك العبارة كانت آخر ماسمعته ولاء الزوجة من شريك عمرها الذي غاب عنها للأبد.
كغيره من آلاف الشباب الذين يركضون في هذه الحياة ويبحثون عن رزق أطفالهم ليل نهار، فكيف إنّ فرضت الحياة عليهم حرباً قاسية راح فيها كل الغالي والنفيس.
"محمد أبوعون" شاب في مقتبل العقد الرابع من العمر، أب لثلاثة أطفال أكبرهم "كنان" ابن السبعة أعوام وأصغرهم تالين الطفلة المدللة والمحببة لقلب أبيها والتي أكملت العامين من عمرها في أيام الحرب الطويلة.
نعود لحكاية الموت كما يرويها شقيقه محمود لمراسلة "خبر"، قائلاً: "قبل يومين من استشهاد محمد لم تمر ساعة واحدة دون أنّ يتصل بي محمد ويطلب مني أنّ أذهب إليه لأرافقه في رحلة الموت لمنطقة المساعدات الأمريكية في رفح، وبعد إلحاح منه ارتديت ملابسي وتوجهت من غزة الميناء وهو مكان نزوحي إلى مواصي القرارة المكان الذي نزح إليه شقيقي محمد، ووصلت هناك يوم الثلاثاء عصراً واتفقت معه أنّ نبدأ رحلتنا في اليوم التالي، في تلك الليلة لم يهدأ محمد لحظة فكان يركض هنا وهناك، يقوم بترتيب المكان ويُحضر الطعام بيديه ويتصل بأبناء خالتي لكي يسهروا معنا، حضَّر لنا فراشيح الصاج التي نُحب أنّ نأكلها من يديه وقام بقلي الفلافل ووضع فيها السلطات والحمص وأطعم الجميع دون استثناء حتى أنّه لم يتبقى له ليأكل سوى قطعة صغيرة من الخبز ومع ذلك كان سعيداً بنا، وبعد ساعات من تناولنا ساندويتشات الفلافل أخبرنا بأنه سيعد لنا طبقاً من الأرز لكننا رفضنا ذلك، فأعد لنا القهوة وكان وقتها سعيداً، حتى الجميع لاحظ سعادته".
وتابع: "انقضى الليل وصلى الفجر وحضر طعام الإفطار لأولاده الصغار كما تعودوا منه وودعنا أختي وزوجته وانطلقنا نحو منطقة الشاكوش التي لا أُحب أن أسمع عنها شيئاً".
وأكمل: "في الطريق قابلنا أصدقاء لنا وتحدثوا معنا وكان محمد في تلك الأثناء يشير لي بعينه أنّ نستعجل لكي لا نتأخر، حتى انتبه عليه صديقنا ونصحه بأنّ لا يذهب إلى (فخ المساعدات الأمريكية) لكنه رفض بطريقة غريبة، وكان يصر على استعجالي حتى أنني قطعت حديثي معه وواصلنا السير، وأثناء سيرنا سألته لماذا يصر على الذهاب هكذا للمساعدات مع أنه لم يذهب قبل ذلك إليها ولم يقتنع بوجودها فقال لي: لكي أجمع بعضاً من الطحين والبقوليات ونُقدمها لأهلنا الذين يتضورون جوعاً، أما عن إصراره في هذا اليوم للذهاب، لم يُجيب بكلمة واكتفى بالصمت".
وعن اللحظات التي سبقت استشهاده، يقول محمود: "وصلنا بعد ساعتين تقريباً لمنطقة الشاكوش وكانت الساعة وقتها الثامنة صباحاً، فيما تفتح الشركة الأمريكية أبوابها في العاشرة صباحاً، فجلسنا ننتظر البوابة لكي تفتح في مكان بعيد عن أي خطر، ولم يكن سوى عشرات من الشباب الذين وصلوا للمكان باكراً، اشترى لنا أخي كوبين من القهوة المطحونة من الحمص وارتشفنا رشفة واحدة فقط ونهض من مكانه فطلبت منه أنّ يجلس لانتشار القناصة في كل مكان، لكنه أخبرني بأنَّ الوضع هادئ ولايوجد أيّ خطر ولا داعي للقلق، وقبل أنّ يُكمل عبارته بدأ الرصاص ينهمر فوق رؤوسنا فناديت عليه بأنّ يُخفض رأسه وفعل ذلك وبعد أنّ هدأ أزيز الرصاص رفع رأسه ليرى حوله ماذا حدث فإذ بقناص مُجرم يُصوب سلاحه القذر على فم أخي فاخترقت الرصاصة فمه ودخلت في حنجرته وانفجرت في صدره وخرجت من ظهره فسقط مغشياً على وجهه وركضت عليه مفجوعاً مما رأيت، احتضنته فرأيت دماءه تسيل من كل مكان وكان يصارع الموت فطلبت منه أنّ ينطق الشهادتين، ورفع أصبع السبابة ونطقها وارتقى محمد وغاب عن الدنيا التي أحب أنّ يقضيها معنا ومع أبنائه".
صمت محمود كثيراً وترك دموعه تتساقط على لحيته كأنها جمر يحرقها، فبكينا معه ومع تلك اللحظات التي مر بها وكيف له أن يتحمل مشهد أخيه المقرب لقلبه يُصارع الموت.
"سرق أخي الشهيد وهرب"
وعن لحظات مابعد الاستشهاد، قال: "بعد أنّ رأيت أخي مضرجاً بدماءه تملكني الغضب والحزن ولم أدري ماذا أفعل، المنطقة أصبحت مكتظة بالشبان الذين توسلت إليهم أنّ يحملوا جثمان أخي الشهيد لكنهم لم يلتفتوا لي وكانوا يركضون نحو مكان المساعدات، فاضطررت أن أجر جثمانه مسافات بعيدة وهو ثقيل جداً والدماء تختلط بالرمل والمنطقة عبارة عن كثبان رملية ناعمة المشي عليها سيكون صعباً للغاية، قمت بعدها آسفاً ومضطراً لأنّ أقيد يدي أخي لأستطيع أنّ أسحبه وأخفف من وزنه فوثقتهما بحبل وسحبته مسافات بعيدة تقدر بإثني عشر كيلو متر ولم أجد أيّ أحد يساعدني، إلى أنّ جاء أحدهم كنت أظن أنهّ سيساعدني بحمل أخي بدلاً من سحبه بطريقة مهينة، لكنه سرق الحقيبة الصغيرة التي يضعها محمد على رقبته وفيها مبلغاً من المال كان سيوصله محمد لأختي وهاتفه وبعضاً من متعلقاته الشخصية، حين رأيت الشاب يسرقها ويركض بعيداً لم أترك جسد أخي وأركض وراءه، كنت أخاف أنّ يُداس جسده الطاهر بين آلاف الأقدام التي تسير عكس اتجاه سيرنا، واختفى هذا السارق، لايهم... فقبله سرق الاحتلال روح أخي ولا أسف على مال الدنيا بعده".
وأردف: "بعد أن انكسر ظهري بسحب جثمان أخي طيلة هذه المسافة، وصلت إلى نقطة قريبة وتم نقل الجثمان من قبل طاقم طبي كان متواجد في تلك المنطقة وحمل الجثمان معي للمستشفى وتم فحصه وكتابة تقرير بحالة استشهاده ومن ثم تكفينه والصلاة عليه".
"يتدافعون بالآلاف ويقتلون بعضهم بعضاَ"
وعن مشهد التدافع الذي يحدث عند فتح بوابة الشركة الأمريكية، يقول: "فجأة وبدون أيّ مقدمات ترى أعداد مهولة من الشباب يركضون دون وعي ومن يسقط منهم يتركونه وقدره فلا يرفعونه عن الأرض وحتى إنّ توسل إليهم بأنّ يُسعفوه لايعطونه أهمية فيظل ينزف فترة طويلة ويدوسونه بأرجلهم حتى يلقى ربه شهيداً، لقد رأيت شباباً مضرجين بدمائهم بعضهم ما زال فيه الروح ويرفع بيده للذين يركضون من الشباب بأنّ يحملوه ويسعفوه لكنهم كما قلت لايلتفتون إليه، ومنهم من فارق الحياة بعد أنّ يأس من محاولاته للشباب بتقديم يد العون له، الجميع باختصار كما نقول في حياتنا اليومية (في تلك الساعة اللهم نفسي ونفسي فقط) وأحمد الله أنني كنت مع محمد في لحظاته الأخيرة لكي أحمله وأكرمه قبل أنّ يُدفن بين أرجل الشباب الجائع".
"أمه وزوجته والجميع بحالة صدمة"
رن جرس الهاتف، فُتح الخط، ألو محمد استشهد وأُقفِلَ الخط، تلك العبارة تركت أخته وأمه وزوجته في حالة صدمة كأنّه كابوس، لكنهن فضلن أنّ يكون مقلب ماسخ على أنّ يتقبلن فكرة أنّه حقيقة، وبعد تأكيد الخبر بكى الجميع وبكت الأم التي خسرت كثيراً كغيرها من نساء وخنساوات فلسطين وقدمن المال والأبناء في حرب لم تترك أحداً في غزة إلا وأفجعته وسرقت كل شيء جميل معه.
تقول الأم، لمراسلة "خبر": "مرَّ شهر الآن على استشهاد ابني ولكنني لم أستوعب بعد أنّه استشهد، يُخيل لي بأنَّ ما مررنا به كابوس فقط سنستيقظ منه وسيأتي محمد لزيارتنا وما زلت أنتظر دخوله عليَّ وممازحته لي في كل حين".
"دفنوا ابني بجواري"
وتُتابع: "نار الفقد موجعة ومفجعة، لم أتحمل ولن أتحمل ما أشعر به أبكي وأصرخ وتارة أخرى أقرأ القرآن لكي يُلقي الله الصبر على قلبي قليلاً، وأيّ صبر هذا الذي سيكفي قلبي الذي يتمزق حزناً على ابني المدفون بجوار خيمتي، في كل لحظة أنظر إليه وأبكي ولا أستوعب فكرة أنَّ ابني تحت التراب وأمام ناظري ولا أستطيع أنّ أتحدث معه ويتحدث معي مثل السابق، وعن دفنه بجوار خيمتي، فوالده آثر أنّ يُدفن في مقبرة بيت لاهيا بالقرب من منزلنا بعد انتهاء الحرب، فبيت لاهيا محاصرة ومُخلاة تماماً من السكان وقد كان ذلك سبباً في عدم مقدرتنا على الوصول للمقبرة ودفن جثمان ابني الطاهر فيها".
وتقول أيضاً: "كان ابني الوحيد الذي يُفكر بصحتي ويتصل بي ويُخبرني بأنّه استطاع الحصول على أقراص الدواء الخاصة بي على الرغم من أنّها غير متوفرة في الصيدليات والعيادات، محمد كان حنوناً جداً وأباً مثالياً وابناً باراً، رضي الله عنه ورضيت عنه في الدنيا والآخرة، وحسبي الله ونعم الوكيل في من كان سبباً بأنّ أفقد فلذة كبدي والحسرة تملأ ثنايا قلبي".
محمد وآلاف الشباب ممن فقدوا حياتهم من أجل توفير لقمة العيش بعد أنّ حوصروا وحوربوا في غزة بلقمة عيشهم، خسروا عملهم ومستقبلهم وحياتهم وصنعوا لهم فخاً أسموه نقاط المساعدات الأمريكية فارتقى فيها أكثر من ألف شهيد تترواح أعمارهم مابين 13 إلى 60 عاماً ومازال العديد يفقدون أرواحهم في دائرة لاتنتهي من الموت وحرباً شعواء حرقت الأخضر واليابس.
شاهد: كيفية حصول المواطنين على المساعدات الأمريكية من النقاط التي اصطلح تسميتها "نقاط الموت".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الفاشلون في امتحان الجوع
الفاشلون في امتحان الجوع

فلسطين الآن

timeمنذ 18 ساعات

  • فلسطين الآن

الفاشلون في امتحان الجوع

كمال أوزتورك كاتب وصحفي تركي ثمة قول شائع في تركيا: "الله لا يمتحن أحدا بالجوع". ذلك لأن الجوع يعد أقسى ألم يمكن للإنسان احتماله، ويعتقد أنه أقسى الابتلاءات. فالإنسان الجائع يفقد كل قيمه في لحظة، ويرتد إلى غرائزه الأولى، يفعل أي شيء للبقاء. لهذا يخشى الجوع وينظر إليه بوصفه اختبارا عظيما. لا أدري، ربما يقال هذا في بلدان أخرى أيضا. لم أستطع أن أنظر إلى صورة طفل في غزة عظام عموده الفقري بارزة من تحت جلده، يحتضن أمه، ولكن ما إن رأيت الصورة بطرف عيني حتى خطر ببالي ذاك القول: "الله لا يمتحن أحدا بالجوع." غير أنني لم أفكر في هذا القول من أجل ذلك الطفل النحيل حتى الهزال، ولا من أجل أمه التي برزت عظام وجنتيها، ولا حتى من أجل إسرائيل التي تقتل الفلسطينيين بأبشع أنواع الموت: الموت جوعا، وقد حكمت على مليوني إنسان بالجوع. بل أردت أن أقول هذه الجملة للبشرية جمعاء التي تشاهد موت أولئك الأطفال، الذين نُهشت أجسادهم حتى باتت عظامهم تعد عدا، دون أن يتحرك فيها ضمير: العالم يمتحن بالجوع، وهو يرسب في هذا الامتحان. الاحتياج الأشد للإنسان، غذاؤه وماؤه، يُقطع عنه، ويترَك لمصير الموت البطيء على يد نظام إسرائيل المجرم، وذلك وسط صمت عالمي مريب. بل إن إسرائيل لم تكتفِ بحرمان غزة من الغذاء، بل أطلقت الرصاص على الفلسطينيين الذين حاولوا توزيع القليل الذي دخل، فزادت فتكا وبشاعة. ومع ذلك، لم يصدر صوت من هذا العالم. لذلك، لا تخدعنكم بعض التصريحات الجوفاء التي تصدر عن دول تقول: "يجب إيصال المساعدات إلى غزة". فما لم تفتَح الحدود، وما لم ترسَل الإغاثات، وما لم يتوقف إطلاق النار، وما لم يمنع القتلة من مطاردة الأبرياء، فإن هذه الأقوال لا معنى لها.. لا معنى لكلام بلا فعل. الناس يقتلون جوعا، ومن يحاول الوصول إلى كيس دقيق يردى برصاصة، ثم يحاول رفاقه أن يحملوا كيس الطحين المغطى بالدماء فوق أكتافهم. من يرى يمكنه أن يعد عظام العمود الفقري للأطفال، ويحصي ضلوع الرجال العارية. العالم يمتحن بجوع هؤلاء البشر، ولم ينجح أحد في هذا الامتحان. وسيسجل التاريخ تحت صور تلك الأكياس الدموية، وتحت صور الأطفال الذين برزت عظامهم من الجوع، وتحت نظرة الأم العاجزة التي تضم طفلها: "في تلك الأيام، ابتلِيَ العالم بالجوع، وخسر الجميع". "الله لا يمتحن أحدا بالجوع"، لن تقال هذه العبارة بعد اليوم من أجل الجوعى، بل من أجل الذين رأوا موت الجوعى ولم يحركوا ساكنا. ربما كان أولئك الذين جاعوا وماتوا أكثر حظا منا، لأنهم لم يكونوا يملكون خيارا آخر. أطفالٌ فقراء، أمهاتٌ عاجزات، آباءٌ منهكون، محاصرون، معدمون، عزل في وجه جيش هو من أعتى الجيوش بدعم من أقوى الدول. ماذا يمكنهم أن يفعلوا بأيديهم العارية؟ لذا، لن يدينهم التاريخ، ولن يعيبهم أحفادهم. لكن، ما عدا غزة، فإن العالم كله مسؤول. الذين لم يفتحوا المعابر لإيصال المساعدات، الذين لم يفرضوا عقوبات على إسرائيل، الذين أرسلوا السلاح، وقدموا المال، وأعلنوا دعمهم، وساندوا القتلة، الذين صموا آذانهم عن صرخات الأطفال الذين ماتوا جوعا، وأغلقوا أعينهم عنهم، وأظلمت قلوبهم.. هؤلاء، امتحانهم سيكون عسيرا. مسلم، مسيحي، يهودي، هندوسي، بوذي، ملحد.. أيا كان دينهم، أو عِرقهم، أو مذهبهم، كل من فشل في امتحان الجوع، لن يرحمه التاريخ، وحتى بعد أن يموت، ستدان قبوره من قِبل الأجيال القادمة. كما يُدان هتلر ومن دعمه كل يوم، ويُوصمون بوصفهم من أسوأ ما أنجبته البشرية، كذلك سيُذكَر نتنياهو وكل من دعمه في المستقبل. كل يوم، ستُنشر صور أولئك الأطفال الفلسطينيين الذين أصبحت عظامهم بارزة، وسيُقال: "إسرائيل، الدولة الأكثر دموية في تاريخ الإنسانية". وسيُقال: "نتنياهو، الوجه الأكثر خزياً". ثم سيعد بالأسماء رؤساء الدول الذين وقفوا صامتين أمام هذا الفتك بالجوع: "هؤلاء هم رؤساء الدول الذين لم يفعلوا شيئا لمنع هذه المجازر الوحشية". وسيعلَن عنهم صراحة: شركاء في الجريمة. ونحن أيضا- نحن المواطنين العاديين- سننال نصيبنا من العار.. هكذا، سيبدو الفشل في امتحان الجوع، في المستقبل. صدقوا ذلك.

شاهد: قصة إنسانية.. سرق الاحتلال وأعوانه حياته وماله وارتقى شهيداً للقمة العيش
شاهد: قصة إنسانية.. سرق الاحتلال وأعوانه حياته وماله وارتقى شهيداً للقمة العيش

وكالة خبر

timeمنذ 5 أيام

  • وكالة خبر

شاهد: قصة إنسانية.. سرق الاحتلال وأعوانه حياته وماله وارتقى شهيداً للقمة العيش

"ودَّع أخته التي تقطن في الخيمة المجاورة له وأوصاها بأنّ تعتني بطفلته المدللة تالين، وكعادته احتضن أطفاله الذين رزقه الله بهم بعد خمسة عشر عاماً من الحرمان، وداعب وجه كنان ابنه البكر ولاطفه بالحديث وكأنه يتأمل وجهه للمرة الأخيرة، وطبع قبلة على وجهه وأوصاه أنّ يعتني بأخيه الأصغر يوسف المشاكس العنيد كما يحب أن يناديه، والتفت إلى زوجته ولاء وقال لها: اعجني واخبزي على فرن (الطينة) لأني مش هقدر أروح وأخبزلك خبز الصاج الي بتحبوه من ايدي، بس بوعدكم تاكلوا مقلوبة عمركم ما أكلتوا زيها". تلك العبارة كانت آخر ماسمعته ولاء الزوجة من شريك عمرها الذي غاب عنها للأبد. كغيره من آلاف الشباب الذين يركضون في هذه الحياة ويبحثون عن رزق أطفالهم ليل نهار، فكيف إنّ فرضت الحياة عليهم حرباً قاسية راح فيها كل الغالي والنفيس. "محمد أبوعون" شاب في مقتبل العقد الرابع من العمر، أب لثلاثة أطفال أكبرهم "كنان" ابن السبعة أعوام وأصغرهم تالين الطفلة المدللة والمحببة لقلب أبيها والتي أكملت العامين من عمرها في أيام الحرب الطويلة. نعود لحكاية الموت كما يرويها شقيقه محمود لمراسلة "خبر"، قائلاً: "قبل يومين من استشهاد محمد لم تمر ساعة واحدة دون أنّ يتصل بي محمد ويطلب مني أنّ أذهب إليه لأرافقه في رحلة الموت لمنطقة المساعدات الأمريكية في رفح، وبعد إلحاح منه ارتديت ملابسي وتوجهت من غزة الميناء وهو مكان نزوحي إلى مواصي القرارة المكان الذي نزح إليه شقيقي محمد، ووصلت هناك يوم الثلاثاء عصراً واتفقت معه أنّ نبدأ رحلتنا في اليوم التالي، في تلك الليلة لم يهدأ محمد لحظة فكان يركض هنا وهناك، يقوم بترتيب المكان ويُحضر الطعام بيديه ويتصل بأبناء خالتي لكي يسهروا معنا، حضَّر لنا فراشيح الصاج التي نُحب أنّ نأكلها من يديه وقام بقلي الفلافل ووضع فيها السلطات والحمص وأطعم الجميع دون استثناء حتى أنّه لم يتبقى له ليأكل سوى قطعة صغيرة من الخبز ومع ذلك كان سعيداً بنا، وبعد ساعات من تناولنا ساندويتشات الفلافل أخبرنا بأنه سيعد لنا طبقاً من الأرز لكننا رفضنا ذلك، فأعد لنا القهوة وكان وقتها سعيداً، حتى الجميع لاحظ سعادته". وتابع: "انقضى الليل وصلى الفجر وحضر طعام الإفطار لأولاده الصغار كما تعودوا منه وودعنا أختي وزوجته وانطلقنا نحو منطقة الشاكوش التي لا أُحب أن أسمع عنها شيئاً". وأكمل: "في الطريق قابلنا أصدقاء لنا وتحدثوا معنا وكان محمد في تلك الأثناء يشير لي بعينه أنّ نستعجل لكي لا نتأخر، حتى انتبه عليه صديقنا ونصحه بأنّ لا يذهب إلى (فخ المساعدات الأمريكية) لكنه رفض بطريقة غريبة، وكان يصر على استعجالي حتى أنني قطعت حديثي معه وواصلنا السير، وأثناء سيرنا سألته لماذا يصر على الذهاب هكذا للمساعدات مع أنه لم يذهب قبل ذلك إليها ولم يقتنع بوجودها فقال لي: لكي أجمع بعضاً من الطحين والبقوليات ونُقدمها لأهلنا الذين يتضورون جوعاً، أما عن إصراره في هذا اليوم للذهاب، لم يُجيب بكلمة واكتفى بالصمت". وعن اللحظات التي سبقت استشهاده، يقول محمود: "وصلنا بعد ساعتين تقريباً لمنطقة الشاكوش وكانت الساعة وقتها الثامنة صباحاً، فيما تفتح الشركة الأمريكية أبوابها في العاشرة صباحاً، فجلسنا ننتظر البوابة لكي تفتح في مكان بعيد عن أي خطر، ولم يكن سوى عشرات من الشباب الذين وصلوا للمكان باكراً، اشترى لنا أخي كوبين من القهوة المطحونة من الحمص وارتشفنا رشفة واحدة فقط ونهض من مكانه فطلبت منه أنّ يجلس لانتشار القناصة في كل مكان، لكنه أخبرني بأنَّ الوضع هادئ ولايوجد أيّ خطر ولا داعي للقلق، وقبل أنّ يُكمل عبارته بدأ الرصاص ينهمر فوق رؤوسنا فناديت عليه بأنّ يُخفض رأسه وفعل ذلك وبعد أنّ هدأ أزيز الرصاص رفع رأسه ليرى حوله ماذا حدث فإذ بقناص مُجرم يُصوب سلاحه القذر على فم أخي فاخترقت الرصاصة فمه ودخلت في حنجرته وانفجرت في صدره وخرجت من ظهره فسقط مغشياً على وجهه وركضت عليه مفجوعاً مما رأيت، احتضنته فرأيت دماءه تسيل من كل مكان وكان يصارع الموت فطلبت منه أنّ ينطق الشهادتين، ورفع أصبع السبابة ونطقها وارتقى محمد وغاب عن الدنيا التي أحب أنّ يقضيها معنا ومع أبنائه". صمت محمود كثيراً وترك دموعه تتساقط على لحيته كأنها جمر يحرقها، فبكينا معه ومع تلك اللحظات التي مر بها وكيف له أن يتحمل مشهد أخيه المقرب لقلبه يُصارع الموت. "سرق أخي الشهيد وهرب" وعن لحظات مابعد الاستشهاد، قال: "بعد أنّ رأيت أخي مضرجاً بدماءه تملكني الغضب والحزن ولم أدري ماذا أفعل، المنطقة أصبحت مكتظة بالشبان الذين توسلت إليهم أنّ يحملوا جثمان أخي الشهيد لكنهم لم يلتفتوا لي وكانوا يركضون نحو مكان المساعدات، فاضطررت أن أجر جثمانه مسافات بعيدة وهو ثقيل جداً والدماء تختلط بالرمل والمنطقة عبارة عن كثبان رملية ناعمة المشي عليها سيكون صعباً للغاية، قمت بعدها آسفاً ومضطراً لأنّ أقيد يدي أخي لأستطيع أنّ أسحبه وأخفف من وزنه فوثقتهما بحبل وسحبته مسافات بعيدة تقدر بإثني عشر كيلو متر ولم أجد أيّ أحد يساعدني، إلى أنّ جاء أحدهم كنت أظن أنهّ سيساعدني بحمل أخي بدلاً من سحبه بطريقة مهينة، لكنه سرق الحقيبة الصغيرة التي يضعها محمد على رقبته وفيها مبلغاً من المال كان سيوصله محمد لأختي وهاتفه وبعضاً من متعلقاته الشخصية، حين رأيت الشاب يسرقها ويركض بعيداً لم أترك جسد أخي وأركض وراءه، كنت أخاف أنّ يُداس جسده الطاهر بين آلاف الأقدام التي تسير عكس اتجاه سيرنا، واختفى هذا السارق، لايهم... فقبله سرق الاحتلال روح أخي ولا أسف على مال الدنيا بعده". وأردف: "بعد أن انكسر ظهري بسحب جثمان أخي طيلة هذه المسافة، وصلت إلى نقطة قريبة وتم نقل الجثمان من قبل طاقم طبي كان متواجد في تلك المنطقة وحمل الجثمان معي للمستشفى وتم فحصه وكتابة تقرير بحالة استشهاده ومن ثم تكفينه والصلاة عليه". "يتدافعون بالآلاف ويقتلون بعضهم بعضاَ" وعن مشهد التدافع الذي يحدث عند فتح بوابة الشركة الأمريكية، يقول: "فجأة وبدون أيّ مقدمات ترى أعداد مهولة من الشباب يركضون دون وعي ومن يسقط منهم يتركونه وقدره فلا يرفعونه عن الأرض وحتى إنّ توسل إليهم بأنّ يُسعفوه لايعطونه أهمية فيظل ينزف فترة طويلة ويدوسونه بأرجلهم حتى يلقى ربه شهيداً، لقد رأيت شباباً مضرجين بدمائهم بعضهم ما زال فيه الروح ويرفع بيده للذين يركضون من الشباب بأنّ يحملوه ويسعفوه لكنهم كما قلت لايلتفتون إليه، ومنهم من فارق الحياة بعد أنّ يأس من محاولاته للشباب بتقديم يد العون له، الجميع باختصار كما نقول في حياتنا اليومية (في تلك الساعة اللهم نفسي ونفسي فقط) وأحمد الله أنني كنت مع محمد في لحظاته الأخيرة لكي أحمله وأكرمه قبل أنّ يُدفن بين أرجل الشباب الجائع". "أمه وزوجته والجميع بحالة صدمة" رن جرس الهاتف، فُتح الخط، ألو محمد استشهد وأُقفِلَ الخط، تلك العبارة تركت أخته وأمه وزوجته في حالة صدمة كأنّه كابوس، لكنهن فضلن أنّ يكون مقلب ماسخ على أنّ يتقبلن فكرة أنّه حقيقة، وبعد تأكيد الخبر بكى الجميع وبكت الأم التي خسرت كثيراً كغيرها من نساء وخنساوات فلسطين وقدمن المال والأبناء في حرب لم تترك أحداً في غزة إلا وأفجعته وسرقت كل شيء جميل معه. تقول الأم، لمراسلة "خبر": "مرَّ شهر الآن على استشهاد ابني ولكنني لم أستوعب بعد أنّه استشهد، يُخيل لي بأنَّ ما مررنا به كابوس فقط سنستيقظ منه وسيأتي محمد لزيارتنا وما زلت أنتظر دخوله عليَّ وممازحته لي في كل حين". "دفنوا ابني بجواري" وتُتابع: "نار الفقد موجعة ومفجعة، لم أتحمل ولن أتحمل ما أشعر به أبكي وأصرخ وتارة أخرى أقرأ القرآن لكي يُلقي الله الصبر على قلبي قليلاً، وأيّ صبر هذا الذي سيكفي قلبي الذي يتمزق حزناً على ابني المدفون بجوار خيمتي، في كل لحظة أنظر إليه وأبكي ولا أستوعب فكرة أنَّ ابني تحت التراب وأمام ناظري ولا أستطيع أنّ أتحدث معه ويتحدث معي مثل السابق، وعن دفنه بجوار خيمتي، فوالده آثر أنّ يُدفن في مقبرة بيت لاهيا بالقرب من منزلنا بعد انتهاء الحرب، فبيت لاهيا محاصرة ومُخلاة تماماً من السكان وقد كان ذلك سبباً في عدم مقدرتنا على الوصول للمقبرة ودفن جثمان ابني الطاهر فيها". وتقول أيضاً: "كان ابني الوحيد الذي يُفكر بصحتي ويتصل بي ويُخبرني بأنّه استطاع الحصول على أقراص الدواء الخاصة بي على الرغم من أنّها غير متوفرة في الصيدليات والعيادات، محمد كان حنوناً جداً وأباً مثالياً وابناً باراً، رضي الله عنه ورضيت عنه في الدنيا والآخرة، وحسبي الله ونعم الوكيل في من كان سبباً بأنّ أفقد فلذة كبدي والحسرة تملأ ثنايا قلبي". محمد وآلاف الشباب ممن فقدوا حياتهم من أجل توفير لقمة العيش بعد أنّ حوصروا وحوربوا في غزة بلقمة عيشهم، خسروا عملهم ومستقبلهم وحياتهم وصنعوا لهم فخاً أسموه نقاط المساعدات الأمريكية فارتقى فيها أكثر من ألف شهيد تترواح أعمارهم مابين 13 إلى 60 عاماً ومازال العديد يفقدون أرواحهم في دائرة لاتنتهي من الموت وحرباً شعواء حرقت الأخضر واليابس. شاهد: كيفية حصول المواطنين على المساعدات الأمريكية من النقاط التي اصطلح تسميتها "نقاط الموت".

مسؤولون أمميون: "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية بغزة باستخدام التجويع كسلاح حرب
مسؤولون أمميون: "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية بغزة باستخدام التجويع كسلاح حرب

فلسطين الآن

timeمنذ 7 أيام

  • فلسطين الآن

مسؤولون أمميون: "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية بغزة باستخدام التجويع كسلاح حرب

غزة - فلسطين الآن اتهم مسؤولون أمميون وخبراء قانونيون إسرائيل باستخدام التجويع كسلاح حرب في قطاع غزة، واصفين ما يجري بـ "الإبادة الجماعية الممنهجة"، وسط تواطؤ دولي وصمت مريب من المؤسسات القانونية والسياسية العالمية. جاء ذلك خلال ندوة خاصة نظمتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، الخميس 24 يوليو الجاري، تحت عنوان: "تجويع غزة: الجريمة، الصمت، وخيارات المواجهة"، شارك فيها مقرّرون خاصون سابقون وحاليون في الأمم المتحدة، وخبراء قانونيون ونشطاء سياسيون، تناولوا خطورة ما وصفوه بالانهيار الشامل للمنظومة الدولية في مواجهة المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة. وقال الدكتور منذر إسحق، راعي كنيسة الرجاء الإنجيلية اللوثرية في رام الله، إن "ما نشهده في غزة ليس كارثة طبيعية، بل جريمة متعمدة وممنهجة"، مضيفًا: "الأطفال يُجوعون أمام أعين العالم، لأن القوى الكبرى ترفض التحرك وفرض العقوبات على إسرائيل". من جهته، قال كريس غنيس، المتحدث السابق باسم وكالة "أونروا"، إن صور الأطفال الذين يُذبحون أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات 'هي مشاهد من مجزرة تبث على الهواء مباشرة'. وأشار إلى أن أكثر من 1000 فلسطيني قُتلوا خلال الأسابيع الماضية أثناء محاولتهم جمع مساعدات غذائية. وشدد البروفيسور مايكل لينك، المقرر الأممي السابق لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، على أن "المحكمة الجنائية الدولية أقرت باستخدام إسرائيل للتجويع كسلاح حرب، وهو ما يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية"، مشيرًا إلى أن الدول الغربية تملك القدرة على وقف الحرب "في يوم واحد"، لكنها ترفض ذلك. أما المستشار القانوني في مكتب مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، سليمان ساكو، فكشف أن إسرائيل قتلت وأصابت الآلاف خلال محاولاتهم الوصول إلى مساعدات منذ مايو الماضي، مؤكدًا أن إدخال المساعدات يجري وفق "آلية عسكرية تُعرّض المدنيين للخطر، وتُرسّخ التهجير القسري". وقال البروفيسور مايكل فخري، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، إن إسرائيل لم تكتف بمنع دخول المساعدات، بل دمّرت البنية التحتية الغذائية في غزة بشكل متعمد، من الزراعة إلى الصيد، مشيرًا إلى أن "ما يجري هو حملة إذلال جماعية تهدف إلى الاحتلال الكامل والضم النهائي لغزة". كما قدّم البروفيسور حاييم بريشيث، أستاذ دراسات الأفلام في جامعة SOAS، مداخلة باسم "اليهود المناهضين للصهيونية"، مؤكدًا أن "ما تفعله إسرائيل لا يمت لليهودية بصلة، بل هو مشروع استعمار عنصري"، ودعا الأمم المتحدة إلى طرد إسرائيل من عضويتها، كما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وفي ختام الندوة، دعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا المجتمع الدولي إلى "اتخاذ إجراءات ملموسة وعاجلة، وليس فقط إصدار الإدانات"، مطالبة بوقف إطلاق نار فوري، وتدفق حر للمساعدات، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات أمام المحاكم الدولية. يذكر أن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا هي منظمة مستقلة تعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان في العالم العربي، ومراقبة الانتهاكات الجسيمة من خلال التوثيق والدعوة القانونية والإعلامية. تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرًا لها، وتتمتع بعلاقات مؤسسية مع منظمات وهيئات دولية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store