
مسجد خديجة.. !
قبل أيام وقعت جريمة قتل بشعة داخل مسجد خديجة في بلدة «لاغران كومب» جنوب فرنسا، راحت ضحيتها روح بريئة لرجل مسلم أعزل يُدعى «أبو بكر سيسيه»، من أصول مالية، يعمل في تنظيف المسجد. الجاني، شاب فرنسي يُدعى «أوليفيه هـ»، لا يتجاوز العشرين من عمره، من أسرة فقيرة مكوّنة من أحد عشر ولداً. ارتكب جريمته بطريقة لا يمكن وصفها إلا بأنها طقسية، مهووسة، ووحشية؛ طعنه في الرقبة، ثم عاد إليه بعد أن ابتعد لينهال عليه بـ37 طعنة إضافية، بعد أن سجّل الجريمة ونشرها على منصة «إنستغرام» وكأنها لحظة فخر واحتفاء!
لكن الأكثر رعبًا من الجريمة نفسها، هو رد فعل السلطات الفرنسية والقضائية، التي سارعت إلى استبعاد أي صبغة إرهابية عن الجريمة، واكتفت بوصف القاتل بأنه «مهووس بالقتل العشوائي» دون أدنى اعتبار لعوامل التحريض الإعلامي، والعنصرية المتفشية، والإسلاموفوبيا المتصاعدة في المجتمع الأوروبي عمومًا.
جريمة مروعة ومسؤولية سياسية مزدوجة، صحيح أن القاتل لم يكن يعرف الضحية، لكن الجريمة لم تكن مجرد «صدفة»، بل وقعت داخل مسجد للمسلمين، على يد شاب أبيض، اختار ضحيته حين رآه يؤدي شعائر الإسلام. ومجرد تصوير الجريمة ونشرها على منصة عامة يجعلنا أمام عمل دعائي تحريضي بامتياز.
فما الذي ينقص لتعريف الجريمة بالإرهاب؟ هل كان يجب أن يعلن ولاءه لداعش ليُعتبر إرهابيًّا؟ أم أن الإرهاب في العقل الأوروبي لا يُعترف به إلا إذا كان الفاعل مسلمًا؟
إن مجرد إنكار الطابع الإرهابي في هذه الجريمة هو بحد ذاته تواطؤ وتمييز فج في التعاطي مع الجرائم على أساس ديني وعرقي. فلو كان الضحية أوروبياً والقاتل مسلمًا، لرأينا فرنسا كلها تنتفض، وتشعل العواصم الأوروبية أنوارها حدادًا، وتغلق حدودها خوفًا من «الخطر الإسلامي».
وصف المدعية العامة «سيسيل جنساك» للقاتل بأنه «مدفوع برغبة مهووسة بالقتل» يطرح تساؤلات خطيرة:
لماذا دخل المسجد تحديدًا؟
لماذا استدرج الضحية ليُصلي ثم طعنه أثناء السجود؟
لماذا صوّر الجريمة ونشرها؟
لماذا فرّ ثم سلّم نفسه بعد يومين؟
كل السلوكيات تدل على نية واضحة، واختيار واعٍ للضحية، وطريقة قتل ذات رمزية دينية قوية،
مسلم في بيت الله يُقتل وهو ساجد في صلاته، والقاتل يُشهر فعله أمام الناس.
أي قراءة علمية جنائية، لا يمكن أن تفصل هذا الفعل عن دوافع الكراهية الدينية، والتطرف اليميني، الذي تُغذيه أطراف إعلامية وسياسية معروفة، على رأسها تيارات اليمين المتطرف التي لا تكف عن شيطنة المسلمين، واتهامهم بالتطرف، في حين تُبَرّأ هذه التيارات من نتائج خطابها التحريضي حين يُترجم إلى دم.
فهل نحن أمام معايير مزدوجة؟
للأسف، نعم. العدالة ليست عمياء دائمًا، بل تُغمض عينها حين تكون الضحية مسلمًا، وتفتحها في أقصى اتساعها حين يكون الجاني مسلمًا.
وفي أوروبا، يبدو أن كلمة «إرهاب» محجوزة فقط لمن يحمل اسمًا عربيًا أو خلفية إسلامية، أما بقية الجرائم فهي «أعمال فردية» أو «حالات اضطراب نفسي»!
إن التستر على هذه الجريمة، أو تمييعها قانونيًّا، لن يخفي حقيقتها فهي إرهابية، والقاتل متطرف، وخطاب الكراهية هو المحرّض الأول.
فعلى المنظمات الحقوقية الدولية أن تعرف أن العدالة شاملة لا انتقائية، فدم المسلم لا يجب أن يكون أقل قيمة من غيره.
أبو بكر سيسيه قُتل طعنًا، ثم قُتل تمييعًا. وإن لم نسمِّ الأمور بمسمياتها، فإننا نشارك في الجريمة بصمتنا.
فلتكن دماء هذا الرجل المظلوم صرخة في وجه العنصرية والإسلاموفوبيا، ومنارةً تفضح النفاق الحقوقي في الغرب، وتعيد تعريف الإرهاب بعد أن اختطفه الإعلام والسياسة.
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 14 ساعات
- الشرق الأوسط
قتيل إثر غرق قارب محمّل بالمهاجرين في القنال الإنجليزي
لقي شخص حتفه إثر انقلاب قارب محمّل بالمهاجرين في أثناء محاولته عبور القنال الإنجليزي ليلاً، وهو ثاني عشر مهاجراً يُقتل حتى الآن هذا العام في هذا الممر المائي بين فرنسا وبريطانيا. أعلنت السلطات البحرية الفرنسية في بيان أن فرق الإنقاذ الفرنسية والبريطانية انتشلت 61 شخصاً أحياءً، ليل الاثنين، بعد أن قذفوا في البحر قبالة ساحل با دو كاليه شمال فرنسا، من بينهم امرأة وطفلها اللذان احتاجا إلى علاج في مستشفى في ميناء بولوني الفرنسي بسبب انخفاض حرارة الجسم، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس». كما رصدت مروحية تابعة للبحرية الفرنسية جثة في الماء انتشلها قارب نجاة بريطاني، وهو ثاني عشر قتيلاً في أثناء محاولة عبور القناة هذا العام، وفقاً لإحصاء السلطات البحرية الفرنسية. وأعلنت السلطات البحرية الفرنسية أنها أرسلت رسالة استغاثة عند غرق القارب، ما دفع قوارب بريطانية وطائرة للانضمام إلى عملية الإنقاذ، إلى جانب سفن فرنسية وطائرة هليكوبتر فرنسية تحمل فريقاً طبياً.


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- الشرق الأوسط
الدنمارك توقف رجلاً للاشتباه في سعيه إلى الحصول على مسيّرات لحساب «حماس»
أعلنت الاستخبارات الدنماركية، الاثنين، أن رجلاً أودع الحبس الاحتياطي للاشتباه في شرائه طائرات مسيّرة لاستخدامها في «هجوم إرهابي» لمصلحة حركة «حماس». ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد قال فليمينغ دريير، رئيس العمليات بجهاز الاستخبارات الدنماركي، في بيان، إنه يشتبه بأن «هذا الشخص اشترى طائرات مسيّرة مخصصة لاستخدامها من قبل (حماس) في هجوم إرهابي بمكان مجهول في الدنمارك أو خارجها». بعد مثوله أمام المحكمة، الاثنين، أُودع الرجل الحبس الاحتياطي حتى 11 يونيو (حزيران) المقبل. وأوضحت الاستخبارات الدنماركية أن القضية مرتبطة بكل من «حماس» وعصابات إجرامية، وتتعلق بعدد من التوقيفات التي جرت في ديسمبر (كانون الأول) 2023 ضمن عملية لإفشال «هجوم إرهابي» مُخطط له. وصدرت أوامر بتوقيف 6 أشخاص في ذلك الوقت؛ 4 منهم غيابياً، بينهم الرجل الذي أودع الحبس الآن والبالغ 28 عاماً. وذكرت وسائل إعلام دنماركية أنه شخصية معروفة داخل أوساط الجريمة المنظمة في كوبنهاغن. وأكدت «هيئة الإذاعة العامة الدنماركية» أن لبنان سلم المشتبه فيه، في إطار قضية منفصلة تتعلق بجريمة قتل شخصية. وأضافت «الهيئة» أن الاستخبارات «تعتقد أن المتهم شخصية قيادية في عصابة محظورة وله صلات بـ(حماس)». وأشارت الاستخبارات الدنماركية مراراً إلى أن الصراع في الشرق الأوسط له «تأثير غير مباشر» على «مشهد التهديدات» في الدولة الاسكندنافية.


العربية
منذ 2 أيام
- العربية
"قضية 137".. فيلم فرنسي يعيد "السترات الصفراء" للواجهة في "كان"
أحداث المواجهات العنيفة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس بين السترات الصفراء والشرطة الفرنسية يسترجعها الفيلم الفرنسي "القضية 137" للمخرج دومينيك مول المعروض في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الثامن والسبعين. ويتنافس الفيلم لنيل السعفة الذهبية متناولا هذا الملف الشائك الذي يتناول حالة اضطراب الشرطة وممارسة العنف مع المتظاهرين بحثا عن العدالة. كما يتناول الفيلم تلك الأيام القاسية على باريس وعدة مدن فرنسية أخرى، ففي العام 2018، تتابع ستيفاني برتراند "التي تؤدي دورها ليا دراكر"، وهي ضابطة شرطة حريصة على أداء وظيفتها بشكل احترافي. إلا أنها تواجه مشكلة في إيصال كل المعلومات أثناء التحقيق، بما فيها التحقيق الطبي، حيث تسجل الحادثة أو ملف 137 حيث يتعرض المتظاهر "غيوم" لكسر في الجمجمة وإصابات بالغة الخطورة قد تُلحق نتائجها الضرر بالمؤسسة التي تعمل فيها. القضاء والشرطة المتظاهر الشاب غيوم يشارك لأول مرة بالتظاهر مع أصحاب السترات الصفراء، حيث يسافر برفقة والدته وأصدقائه المقربين من قريتهم الصغيرة "سان ديزييه" إلى باريس للانضمام إلى التظاهرة الكبرى التي دعي إليها أصحاب السترات الصفراء ولم يكن لديهم أي انتماء سياسي لأي حزب، وكان همهم تغيير الوضع الاجتماعي الصعب، بالإضافة إلى مجرد الرغبة في السفر إلى العاصمة الفرنسية. وكان غيوم وصديقه ريمي "فالنتين كامباني" يسيران بسلام عندما أطلقت الشرطة النار عليهما دون أي سبب، ويتعرض غيوم إلى إصابة برأسه فتدخل فيه المقذوفة ويخضع لعدة عمليات ويعيش ظرفا صحيا صعبا. وهنا تتمكن المحققة ستيفاني في النهاية من تحديد هوية الجناة واستجوبتهم. تكشف المحادثات أن هؤلاء الضباط الأربعة يمتلكون شعورًا مفرطًا بالاستحقاق، وتصورًا بأن المتظاهرين أشرار بطبيعتهم. فيما موضوع العرق محوري أيضًا، فستيفاني وغيوم وريمي جميعهم من البيض، تلقي الشاهدة السوداء أليسيا مادي "غوسلاجي مالاندا" ضوءًا جديدًا وغير متوقع على الإجراءات، مما يجعل ستيفاني المتواضعة والمنفتحة تشكك في قيمها ومبادئها. ويتعين على ستيفاني أن تواجه اثنين من أجهزة الدولة القمعية التي تحدث عنها الفيلسوف الفرنسي ألثوسير، الشرطة والقضاء، وهي معركة من شبه المؤكد أنها ستخسرها كما تشير البيانات التاريخية. يكشف الفيلم أنه لم يسبق لأي ضابط شرطة في فرنسا أن فقد وظيفته بسبب سلوكه العنيف. جماليات سينمائية مشاهد العنف واللقطات القريبة كانت صعبة تم تصويرها بكاميرا قلقة طوال مدة الفيلم وعمليات البحث في المناطق الشعبية وحالات الحوار التي تبحث عن حلول لإنقاذ الطبقات المهمشة خاصة في ضواحي المدينة، وكان أداء الممثلين عاليا. مرة أخرى تثبت النجمة الفرنسية ليا دروكير أنها ممثلة من الطراز الرفيع، حيث تقوم بدور ستيفاني بحرفية عالية، فهي تجسد شخصية معقدة تجمع بين العاطفة والوظيفة. تجسد دروكير ببراعة الشخصية التي تحاول تحقيق العدالة في عالم يعصف به الفساد، وتواجهها عواقب المواقف الأخلاقية المرهقة. من خلال شخصيتها، يعكس الفيلم صورة التوتر بين الوفاء للمبادئ الشخصية والتزام المنظومة التي رغم التفاني في عملها هي جزء منها.