logo
تحريف الحقيقة أمام الكرسي الرسولي: لبنان بين الإهمال الدبلوماسي وتشويه الذاكرة التاريخية

تحريف الحقيقة أمام الكرسي الرسولي: لبنان بين الإهمال الدبلوماسي وتشويه الذاكرة التاريخية

صوت لبنان٢٥-٠٤-٢٠٢٥

كتب داود رمال في 'نداء الوطن':
في لحظة سياسية دقيقة تمر بها البلاد، يتكشف مشهد مقلق يطال العلاقة العميقة والرمزية التي جمعت لبنان بحاضرة الفاتيكان لعقود. هذه العلاقة التي شكلت مظلة روحية ودبلوماسية لمجتمع تعددي، تجد نفسها اليوم أمام انحراف خطير، مصدره قصور في الأداء الدبلوماسي اللبناني في الكرسي الرسولي، يتمثل في الدور السلبي الذي ساد في العهد السابق والمستمر في يومنا الحاضر، والذي بدأ يشكل انعكاساً خطيراً على صورة لبنان وهويته في المحافل الكنسية والدبلوماسية.
المشهد بلغ ذروته في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب في لبنان، حين صدر عن حاضرة الفاتيكان للمرة الأولى تبنٍ لمصطلح 'الحرب الأهلية اللبنانية' في التبشير الملائكي الذي قُرئ باسم البابا فرنسيس. هذا التحول ليس تفصيلاً لغوياً أو سهواً عرضياً، بل يعد خرقاً تاريخياً لموقف الفاتيكان الذي ظل لعقود يرفض تصنيف الحرب اللبنانية بهذا الشكل. فالبابا بولس السادس، ومن بعده البابا يوحنا بولس الثاني، وحتى البابا بنديكتوس السادس عشر، جميعهم رفضوا حصر الحرب بإطار أهلي، بل اعتبروها حرباً مفروضة على لبنان بفعل تشابك العوامل الدولية وتغذية الانقسامات بأدوات محلية، وهو ما أكده البابا القديس يوحنا بولس الثاني صراحة في رسالته للعالم عام 1989.
فمن أين جاء هذا الانقلاب في الموقف؟ الجواب المؤسف يكمن في مؤتمر لـ 'منظمة فرسان مالطا ذات السيادة' عقد في روما، حيث ألقى السفير اللبناني لدى الكرسي الرسولي غدي خوري محاضرة بحضور الكاردينال كلاوديو غوجيروتي، عميد دائرة الكنائس الشرقية، المعروف بموقفه المتشائم من لبنان كفكرة وكيان. استخدم خوري مصطلح 'الحرب الأهلية'، فالتقطه غوجيروتي، ووجد طريقه إلى خطاب البابا فرنسيس. الأخطر من ذلك أن البركة التي منحت باسم البابا لم تعد تذكر لبنان منفرداً كما كان دأب الفاتيكان دائماً، بل جُمع مع سوريا، في اختزال مخيف لخصوصية القضية اللبنانية.
هذا التراخي الدبلوماسي لا يعكس فقط فهماً قاصراً لعمق العلاقة بين لبنان والفاتيكان، بل يعيد إنتاج سردية تتناقض مع النظرة التاريخية للكرسي الرسولي تجاه لبنان، بلد الرسالة كما أسماه البابا الراحل القديس يوحنا بولس الثاني. ولعل أكثر ما يزيد الطين بلة أن البابا فرنسيس، الذي شدد يوماً (أول تموز 2021) على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في لبنان وندد بتحول السياسيين فيه إلى أدوات للخارج، لن يكون بالإمكان تعديل أو تصحيح ما صدر باسمه بعد وفاته، فكل ما كُتب يُعد من التعاليم الثابتة التي تدخل سجلات الكنيسة والتاريخ.
إن استمرار هذا النمط من التعاطي مع الفاتيكان، بعيداً عن التنسيق مع وزارة الخارجية اللبنانية، يحمل في طياته مخاطر جسيمة على هوية لبنان ودوره ورسالة وجوده. لم يعد مقبولاً أن يُرتجل في الأداء أمام أخطر منبر دبلوماسي وروحي، لأن الثمن سيكون باهظاً، لا على مستوى العلاقات الدولية فحسب، بل على مستوى الكيان اللبناني نفسه، الذي يُراد له أن يُفهم في الخارج بشكل مشوَّه، بناءً على فشل في التمثيل وغياب في التنسيق. كفى ارتجالاً، فلبنان لا يحتمل المزيد من الأخطاء الوجودية.
العين على التشكيلات الدبلوماسية التي يحيكها وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي بحنكة الدبلوماسي الخبير، فهو ابن البيت الذي يعرف كل شعابه وخباياه، وهو الأعرف بأهمية اختيار شخصية نوعية تمتلك قدرات استثنائية لتمثّل لبنان في الكرسي الرسولي، إذ يكفي أن نتذكّر أن أول من مثّل لبنان برتبة وزير مفوض في هذا الموقع المهم جداً هو الرئيس الراحل شارل حلو، الذي بجهوده زار البابا بولس السادس لبنان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لبنان يودّع البابا فرنسيس: صلاة مرافقة في حاريصا الجمعة وإضاءة شموع على شرفات المنازل
لبنان يودّع البابا فرنسيس: صلاة مرافقة في حاريصا الجمعة وإضاءة شموع على شرفات المنازل

القناة الثالثة والعشرون

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • القناة الثالثة والعشرون

لبنان يودّع البابا فرنسيس: صلاة مرافقة في حاريصا الجمعة وإضاءة شموع على شرفات المنازل

وزّع المركز الكاثوليكي للاعلام ما يلي: "ينظم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان صلاة المرافقة لراحة نفس الحبر الأعظم البابا فرنسيس، في حضور السفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، وذلك يوم الجمعة الواقع فيه ٢٥ نيسان 2025، عند الساعة السادسة والنصف مساءً، في باحة مزار سيدة لبنان – حريصا". ودعا الى "اعتبار هذه الدعوة عامة، وإرسالها الى كلّ الابرشيات والرعايا والرهبانيات، وأيضاً الى لجان المجلس الأسقفية والهيئات التابعة له، والتمنّي على المكرّسين والمكرسات، والمؤمنين والمؤمنات، والشبيبة كافة الملتزمة بتلك الهيئات، الحضور والمشاركة بهذه الصلاة". وطلب من "جميع المؤمنين إضاءة الشموع على شرفات منازلهم في هذه الليلة، تعبيرًا عن المشاركة في الحداد". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جامعة الروح القدس – الكسليك تكرّم إدمون رزق وتتسلّم أرشيفه الوطني في احتفال مهيب
جامعة الروح القدس – الكسليك تكرّم إدمون رزق وتتسلّم أرشيفه الوطني في احتفال مهيب

الديار

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الديار

جامعة الروح القدس – الكسليك تكرّم إدمون رزق وتتسلّم أرشيفه الوطني في احتفال مهيب

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب كرّمت جامعة الروح القدس – الكسليك معالي الأستاذ إدمون رزق، في احتفال حاشد شهدته قاعة البابا يوحنا بولس الثاني، بدعوة من الأب العام هادي محفوظ الرئيس العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة والرئيس الأعلى للجامعة ورئيس الجامعة الأب طلال هاشم، وذلك بمناسبة تسليم رزق أرشيفه الشخصي إلى مكتبة الجامعة. حضر الاحتفال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والسيدة الأولى نعمت عون ممثلَين بوزير الإعلام الدكتور بول مرقص، رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام ممثلاً بزوجته السفيرة سحر بعاصيري سلام، السيدتان الأوليان السابقتان صولانج الجميّل ومنى الهراوي، نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بو صعب، رئيس الحكومة السابق تمام سلام، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق ممثلاً بالمطران بولس صياح، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ممثلاً بالشيخ محمد عساف، شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي أبي المنى ممثلاً بالدكتور نزيه أبو شاهين، وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي، ممثلون عن رؤساء الحكومة السابقين، السيدة بهية الحريري، رئيس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ سامي الجميّل، سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان وليد البخاري، مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، إضافة إلى عدد من النواب الحاليين والوزراء والنواب السابقين، ورؤساء الأحزاب وممثليهم، والآباء العامّين وأصحاب السماحة والآباء المدبّرين العامّين، والفاعليّات الدبلوماسيّة والقضائيّة والروحيّة والنقابيّة والحزبيّة والعسكريّة والأمنيّة والسياسيّة والبلديّة والإعلاميّة وممثّليهم، وعائلة المكرّم وأهالي منطقته جزّين... يعد هذا الحدث الثقافي الوطني الفريد، تكريمًا لرجلٍ كرّس حياته للكلمة، والموقف، والسيادة، وللمساهمة في إيصال أرشيف ثمين إلى الأجيال القادمة. فهو تكريم لمسيرة وطنية وثقافية غنية امتدت لأكثر من ستة عقود، قدم خلالها إدمون رزق إسهامات بارزة في ميادين السياسة، الكتابة، الصحافة، النضال الوطني، والتشريع، حيث شغل منصب نائب في البرلمان اللبناني لأكثر من 24 عامًا ووزيرًا في حكومات رئيسية مختلفة، فكان شاهدًا ومشاركًا في مفاصل مصيرية من تاريخ لبنان. تميّز الاحتفال بمزيج مؤثّر من الشهادات والعرض الوثائقي، الذي أعاد الحضور إلى محطات من تاريخ لبنان المعاصر، كما أضاء على مسيرة رزق الغنية التي تنقّلت بين الصحافة والتشريع والعمل السياسي والوطني. شهادات ووثائقي قدّم وأدار الاحتفال الإعلامي الأستاذ وليد عبود، وتضمن شهادات من نخبة من الشخصيات الوطنية والفكرية، هم بحسب تسلسل الوثائقي: الأب البروفسور جورج حبيقة، معالي النقيب رشيد درباس، الدكتورة منى فياض، ومعالي الأستاذ جوزيف الهاشم، والأميرة حياة أرسلان، معالي الدكتور عدنان السيد حسين، معالي القاضي عباس الحلبي، والدكتور نزار يونس. رزق في كلمة مؤثرة، استعاد الوزير والنائب السابق إدمون رزق، مسيرته الوطنية والإنسانية والفكرية، مستعرضاً محطات مفصلية في حياته الشخصية والعامة. وقال: "أنا ابن الرهبانية اللبنانية، ربيب ديرها، تلميذ مدرستها، ومعلّم في معهدها، وفخور بانتمائي إليها." ووصف رزق الزمن بأنه مرآة تعكس بوضوح الرؤية وتجذر القناعة، مؤكداً أن انتماءه اللبناني المسيحي لم يكن يوماً منغلقاً، بل عاشه من موقع الإيمان بالشراكة الوطنية واحترام التعددية. وقال: "منذ اثنتين وثمانين سنة، كان اندماجي البنّاء في هُويتي اللبنانية العربية، وإيماني المسيحي، في كيان قائم على الاعتراف بالآخر، والشراكة المسؤولة." كما استعرض رزق تجربته الطويلة في النيابة والعمل السياسي، مؤكداً تمسكه بثوابت الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ورفضه المشاركة في أي سلطة تخرق القواعد الدستورية أو تتنافى مع مبادئ الكفاءة والعدالة. وقال: "مارست النيابة ربع قرن، ولم أوافق على أي قانون غير دستوري أو غير عادل... راهنتُ بحياتي على دولة القانون والحق والكرامة." ورغم معاناته الشخصية، بقي صامداً، شاهداً على الحرية والسيادة والاستقلال. وفي ختام كلمته، قدّم أرشيفه الفكري، خلاصة تجربة امتدت لسبعين عامًا في الشأن العام، شاهدة على مواقف ومراحل ومحطات، هديةً إلى شباب لبنان، لتكون ذخيرة بحث وتأمل، وتوثيق لذاكرة وطنية لا تموت، داعيًا إلى التمسك بالقيم الجامعة، ومشيداً بدور الرهبانية اللبنانية المارونية وجامعة الروح القدس – الكسليك في الحفاظ على الذاكرة الوطنية. الأرشيف تجدر الإشارة إلى أن الأرشيف الشخصي لإدمون رزق، الذي يُقدّم إلى مكتبة جامعة الروح القدس، يضمّ ثروة توثيقية مميزة تشمل أكثر من 80 ساعة من التسجيلات الصوتية، 200 فيديو، آلاف الوثائق، والمقالات، المقابلات والمخطوطات، التي توثق لتاريخ لبنان السياسي والاجتماعي والثقافي الحديث. وقد تم جمع هذا الأرشيف بعناية شديدة من قبل عائلة رزق على مدى سنوات، ليكون مرآة لذاكرة وطنية حيّة تعبّر عن محطات مفصلية في حياة لبنان. أما جامعة الروح القدس - الكسليك، من خلال تجهيزاتها التقنية وفريقها المتخصص في مركز فينيكس للدراسات اللبنانية، فستعمل على رقمنة وتصنيف هذا الأرشيف وإتاحته للباحثين والجمهور العام، مساهمةً في حفظ الذاكرة الجماعية اللبنانية وتعزيز البحث الأكاديمي والمعرفي.

البابا لاوون الرابع عشر للصحافيين: لقطع الطريق أمام التعصب والكراهية
البابا لاوون الرابع عشر للصحافيين: لقطع الطريق أمام التعصب والكراهية

ليبانون 24

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • ليبانون 24

البابا لاوون الرابع عشر للصحافيين: لقطع الطريق أمام التعصب والكراهية

شكر البابا لاوون الرابع عشر في لقاء مع الصحافيين مواكبتهم الكنيسة ومراسم جنازة البابا فرنسيس. وطالب بإطلاق" الصحافيين المعتقلين في العالم". ودعا البابا الجديد في أول خطاب لوسائل الإعلام اليوم الاثنين إلى وضع نهاية للهجمات الحزبية والأيدولوجية التي تثير "حرب كلمات"، وحض على قطع الطريق أمام التعصب والكراهية. وفي حديثه إلى الآلاف من ممثلي وسائل الإعلام العالمية الذين غطوا انتخابه ووفاة سلفه، طالب البابا لاوون بإطلاق سراح الصحافيين الذين خسروا حريتهم بسبب القيام بعملهم. وأضاف أنه يتعين استخدام الذكاء الاصطناعي"بمسؤولية وتمييز". وكان قد التقى قداسة البابا لاوون الرابع عشر صباح الاثنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان العاملين في مجال الاعلاممن مختلف أنحاء العالم، ووجه إليهم كلمة نابضة بالإيمان والامتنان والرجاء، وفي كلمته، لم يكتفِ الحبر الأعظم بالتقدير، بل قدّم رؤية إنجيلية عميقة لمفهوم التواصل، مستلهمًا من تطويبات المسيح ، وداعيًا الإعلاميين إلى أن يكونوا صانعي سلام في زمنٍ تتقاذفه التوترات والتضليل والاستقطاب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store