
الجزائر تستهد لتوجيه ضربة كبيرة للمغرب؟
بتكليف من النظام، يلعب السفير الجزائري في الولايات المتحدة، صبري بوقادوم، ببراعة ورقة التعاون العسكري مع واشنطن، مع جرعات كبيرة من عقود التسليح، لتجنب العقوبات وإعادة تحديد موقعه في منطقة الساحل. غير أن هذا التحول الاستراتيجي يبدو معقدا للغاية نظرا لاعتماد الجزائر الشديد على روسيا، التي لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء ما تعتبره خيانة.
لقد نجحت هذه المرة الحملة الإعلامية، وأثمرت عملية الإغراء والتودد، وبرز التحول بأسلوب مقنع ومثير للإعجاب. لكن القول أسهل من الفعل. هذا ما يتضح من التصريحات الأخيرة لصبري بوقادوم، السفير الجزائري في واشنطن، خلال مقابلة مع وسيلة الإعلام الأمريكية DefenseScoop. وبفضل
دبلوماسية بلمسة أمريكية
كمحترف في العمل الدبلوماسي، ووزير سابق للخارجية (2019-2021) ورئيس وزراء بالنيابة، يتقن بوقادوم فن الترويج للأفكار. وقد تبنى العبارة الأمريكية الشهيرة « السماء هي الحد الأقصى ». وقال لـ
ومن بين هذه الإمكانيات، أشار إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية البحرية، وعمليات البحث والإنقاذ، والجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب داخل منطقة الساحل وحولها، والأهم من ذلك… شراء الجزائر للأسلحة الأمريكية، في خطوة غير مسبوقة تاريخيا. وعندما سُئل عن أولويات الجزائر في هذا التعاون العسكري، رد السفير قائلا: « السماء هي الحد الأقصى ». ولتحقيق هذه الأهداف، شكلت الدولتان ثلاث مجموعات عمل لوضع خطة تنفيذ مذكرة التفاهم وتحديد الخطوات القادمة.
فن الصفقة
لهذا التحرك أهداف متعددة. أولها محاولة استمالة إدارة أمريكية جديدة لا تُبدي تعاطفًا مع النظام الجزائري، خاصة وأن واشنطن لطالما أبدت قلقها من صفقات الجزائر العسكرية مع موسكو. والجدير بالذكر أن الشخصية الأكثر عداءً للنظام الجزائري في واشنطن هو ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، الذي دعا في عام 2022 وزارة الخارجية الأمريكية إلى فرض عقوبات على النظام العسكري الجزائري بسبب استمراره في شراء الأسلحة الروسية، في وقت كانت روسيا تغزو أوكرانيا.
وفي رسالة وجهها في 14 شتنبر 2022 إلى وزير الخارجية آنذاك أنتوني بلينكن، أشار روبيو إلى أن الجزائر تعد « أحد أكبر المشترين العالميين للمعدات العسكرية الروسية ». واستند في ذلك إلى قانون Countering America's Adversaries Through Sanctions Act (P.L.115-44)، الذي يتيح فرض عقوبات على أي جهة تتعامل مع قطاعات الدفاع والاستخبارات في الحكومة الروسية.
ولم تقتصر الضغوط على ذلك، فقد وجه 27 نائبا أمريكيا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي رسالة أخرى إلى بلينكن في 29 شتنبر من نفس العام، طالبوا فيها بفرض عقوبات على النظام الجزائري بسبب اعتماده الكبير على السلاح الروسي، حيث بلغ حجم واردات الجزائر من الأسلحة الروسية في عام 2022 وحده 7 مليارات دولار.
خطة لتجنب العقوبات
الحل الذي وجدته الجزائر لمواجهة هذه الضغوط هو شراء الأسلحة الأمريكية، كوسيلة لتخفيف مخاطر العقوبات الأمريكية عليها. وفي هذا الصدد، يقول الخبير الأمني عبد الحق بصّو: « التسلح الأمريكي قد يكون وسيلة لتهدئة المخاوف في واشنطن، ووضع الجزائر في موقف متوازن بين الولايات المتحدة وروسيا ».
كما تسعى الجزائر من خلال هذا التحرك إلى كسب ود واشنطن وإظهار نفسها كشريك موثوق قادر على « تقديم خدمات » جيوسياسية، خاصة في المنطقة. وقد حاول بوقادوم تسويق هذه الفكرة بوضوح، حيث قال: « الميزة التي نقدمها للأمريكيين هي العامل البشري، حيث نمتلك حضورًا ميدانيًا في شمال إفريقيا… المراقبة الإلكترونية والأقمار الصناعية مهمة للأمن الأمريكي، لكن من الضروري أيضًا معرفة القبائل والعلاقات التي تربطها ببعضها البعض، أي امتلاك المعلومات البشرية ».
إقرأ ايضاً
تحالف استراتيجي
يتضح إذن أن الهدف النهائي للجزائر هو استعادة نفوذها في منطقة الساحل، بعد أن خسرت العديد من مواقعها لصالح قوى أخرى. ومن خلال التحالف مع الولايات المتحدة، تأمل الجزائر في تعزيز وجودها الإقليمي، خاصة في مالي، حيث تسعى إلى لعب دور مؤثر.
وتعزز هذا الطموح بتعديل دستوري أُقر قبل عامين، سمح للجيش الجزائري بالقيام بعمليات خارج الحدود. وفي هذا الإطار، يوضح عبد الحق بصّو: « هناك نية واضحة لدى النظام الجزائري لاستعادة دوره الإقليمي، خاصة في مالي، وكذلك لعب دور على المستوى الدولي. ويعتقد النظام أن المظلة الأمريكية قد تساعده في تحقيق ذلك ».
عملية الهارا كيري
أخيرًا وليس آخرًا، من خلال شراء الأسلحة الأمريكية، تسعى الجزائر إلى ضمان امتلاك ترسانة عسكرية حديثة وفعالة وقابلة للتشغيل. فقد أظهرت الأسلحة الروسية العديد من أوجه القصور خلال الحرب في أوكرانيا. إذ وجدت ثاني أقوى جيش في العالم صعوبة كبيرة في فرض نفسه أمام الطائرات المسيرة والمعلومات الاستخباراتية التي استفادت منها القوات الأوكرانية. يقول محمد لوليشكي، السفير السابق والمتخصص في الدبلوماسية وحل النزاعات: « حتى الآن، الجزائر تعتمد على المدرسة السوفييتية، التي تؤمن بقوة العدد. لكن بعض الاستراتيجيات، خاصة الأوكرانية منها، أثبتت أن التكتيك العسكري لا يعتمد فقط على الحسابات العددية. بينما كان الروس يراهنون على حرب خاطفة تحسم الصراع سريعًا، ها نحن ما زلنا في أتون المعركة ».
ولكن هل يمكن لدولة، أيًّا كانت، أن تغيّر بين ليلة وضحاها مصدر تسليحها؟ هذا أمر مستبعد. فبينما لا تزال التعاونات العسكرية بين الولايات المتحدة والجزائر في مراحلها الأولى، فإن طريق الجزائر نحو امتلاك منظومة التسليح الأمريكية سيكون طويلًا وشاقًا. إذ يتطلب الأمر مراجعة العقيدة العسكرية الجزائرية بالكامل، وهي العقيدة التي ظلت قائمة منذ استقلال البلاد. يوضح لوليشكي قائلًا: « نعلم جميعا أن الدولة التي تعتمد تقليديًا على مصدر معين للتسلح تصبح مشروطة به، لأن السلاح يأتي معه التدريب، والتوافق التشغيلي، وقواعد الاشتباك. وهذه كلها أمور لا يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها ».
ويضيف هذا الخبير العسكري: « لقد استغرق الطيارون المغاربة خمس سنوات من التدريبات المكثفة لإتقان قيادة مروحيات الأباتشي التي حصلت عليها القوات المسلحة الملكية حديثا، رغم أنهم معتادون على المعدات العسكرية الأمريكية. وهذا يوضح أن امتلاك السلاح يعني أيضًا امتلاك التكنولوجيا والخبرة المطلوبة على المدى الطويل، بالإضافة إلى القدرة على صيانته، وهي علم بحد ذاته. وتجدر الإشارة إلى أنه مع اقتناء مقاتلات F-16، أنشأ المغرب منصة كاملة للصيانة، وهو مشروع سبقته سنوات من الإعداد والتدريب ».
في غضون ذلك، ليس من المؤكد أن « الأخ الأكبر » الروسي، الذي تعرض لما يشبه الخيانة، سيبقى مكتوف الأيدي. إذ تشير بعض الأصوات إلى أن الضربة الصاروخية الروسية على ميناء أوديسا في جنوب أوكرانيا يوم الثلاثاء 11 مارس، والتي أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص وإغراق شحنة قمح كانت موجهة إلى الجزائر، كانت بمثابة تحذير ضمني. والأمر المؤكد هو أنه وقبل أن تكسب الجزائر ود الولايات المتحدة، التي تعتبر المغرب حليفها العسكري الأول خارج حلف الناتو وستظل كذلك، فقد نجحت بعبقرية في خسارة ما تبقى من حسن نية موسكو، وهو ما لم يكن كثيرا أصلا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لكم
منذ ساعة واحدة
- لكم
الأزمي: تضارب المصالح ينخر عمل الحكومة وملتمس الرقابة كان ضرورة سياسية ودستورية
أكد ادريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أن 'ملتمس الرقابة كان ضرورة سياسية ودستورية' أمام ما اعتبره إخفاقا شاملا للحكومة في تنفيذ برنامجها، مشيرا إلى أن الحكومة التي تم تنصيبها في أكتوبر 2021، لم تف بوعودها الأساسية بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات، وأن 'أي حكومة لا تنجز التزاماتها يجب أن ترحل'. جاء ذلك في مداخلة ألقاها الأزمي، خلال ندوة صحفية حول 'ملتمس الرقابة' عقدها الحزب مساء الخميس 22 ماي الحالي، حيث استهل بتأكيد قاطع: 'نحن لا نقول إننا وصلنا إلى أزمة سياسية، لكننا على أبوابها'، مشيرا إلى أن هذا التقييم نابع من التراجع المستمر في ثقة المواطنين بالحكومة، وارتفاع مؤشرات القلق الاجتماعي والسياسي. وقال الأزمي إن فشل الحكومة يبرز في خمسة محاور كبرى، أولها عدم الوفاء بالتزامات البرنامج الحكومي، وعلى رأسها رفع معدل النمو إلى 4 بالمائة، وإحداث مليون منصب شغل، ورفع معدل النشاط النسائي من 20 إلى 30 بالمائة، وتعميم الحماية الاجتماعية، والنهوض بالقدرة الشرائية. وأضاف: 'عوضا عن ذلك، شهدنا انهيارا في عدد من المؤشرات: معدل البطالة ارتفع إلى 13.3 بالمائة، عدد العاطلين بلغ أكثر من مليون وستمائة ألف، بينما نسبة النشاط النسائي لم تتحرك، بل تراجعت، والفقر توسع بدل أن يتقلص'. أما المحور الثاني، فهو تفاقم العجز المالي، وأوضح الأزمي أن الحكومة رهنت المالية العمومية، قائلا: 'معدل المديونية بلغ مستويات غير مسبوقة، فقد ارتفعت الديون إلى 7.8 مليار دولار ما بين 2021 و2025، مقارنة بمعدل 3.2 مليار في الفترات السابقة'. وفي ما اعتبره ثالث المحاور، أشار الأزمي إلى ما سماه بـ'تعثر الإصلاحات الكبرى التي وعدت بها الحكومة، ولم تلمسها حتى من بعيد'، متهما إياها بإهدار فرص حقيقية لإجراء إصلاحات هيكلية كانت لتضع البلاد على سكة التوازن المالي والاجتماعي. ولم يخف الأزمي استياءه مما وصفه بـ'إفراغ المؤسسات الدستورية من مضمونها'، مضيفا: 'الدستور يمنح البرلمان أدوات رقابة واضحة، من بينها ملتمس الرقابة، لكن الحكومة تصر على مقاومة كل آلية من آليات المحاسبة، سواء عبر رفض الأسئلة، أو العرقلة داخل اللجان، أو التهرب من جلسات المساءلة'. وأشار في هذا الصدد إلى أن رئيس الحكومة لم يحضر إلا 28 مرة من أصل 64 جلسة دستورية كان يفترض أن يحضرها، مضيفا: 'وهذه الحضور كان جزئيا ومكررا، في مواضيع مريحة، مثل التعليم والصحة، دون أن يتطرق إلى القطاعات التي تعاني فعلا'. وانتقل الأزمي إلى المحور الرابع، وهو ما أسماه بـ'تغول الحكومة وتطبيعها مع الفساد'، قائلا: 'شهدنا خلال السنوات الأخيرة تناميا لحالات تضارب المصالح، ومنح صفقات عمومية لمقربين، بل إن بعض المستوردين الذين استفادوا من الدعم الحكومي في استيراد اللحوم هم برلمانيون'. وخص بالذكر ملف استيراد الأبقار والأغنام، قائلا: '40 بالمائة من الشركات التي استفادت من الدعم تم إنشاؤها بعد إعلان تدابير الدعم، وهذا مؤشر خطير على وجود نوايا ريعية واضحة'. وفي حديثه عن الزراعة، قدّم الأزمي أرقاما دقيقة: 'من 2021 إلى 2025، أنفقت الدولة 61.7 مليار درهم على القطاع الفلاحي، بما في ذلك 15 مليار على صندوق التنمية، و13 مليار على دعم الأعلاف، و8 مليارات على دعم استيراد الأبقار والأغنام'، متسائلا: 'أين ذهبت كل هذه الأموال، والمواطن لا يجد لحما بأسعار معقولة؟'. أما المحور الخامس الذي توقف عنده الأزمي فهو 'فشل الحكومة في تدبير الأزمات المستجدة'، وعلى رأسها الإضرابات العامة، وتداعيات الزلزال، وتعطيل ورش إصلاح التقاعد، والارتباك في دعم المتضررين. وقال: 'الإضراب العام، إضرابات الأطباء، المحامين، والتعليم، كلها مؤشرات على احتقان اجتماعي غير مسبوق، والحكومة لا تملك أي مقاربة جادة للتعامل معه'. وأبرز الأبعاد الدستورية لمبادرة ملتمس الرقابة، قائلا: 'الدستور يمنح البرلمان هذه الآلية من أجل حماية الديمقراطية، وليس فقط لإسقاط الحكومات. لذلك فإن التراجع عنها لأسباب حزبية ضيقة يضر بمصداقية المؤسسة التشريعية نفسها'. وأضاف: 'الحكومة فشلت، والبرلمان يجب أن يتحمل مسؤوليته الرقابية كاملة. أما المعارضة، فعليها أن ترتقي إلى مستوى انتظارات المغاربة، وتقطع مع منطق التموقع والمناورة'.


بديل
منذ 9 ساعات
- بديل
ترامب يجمع الغنائم على إيقاع رقصة العرضة
منذ قرن من الزمان، حلم العرب بدولة قومية واحدة تجمع شتاتهم وتوحد مصيرهم، ثم تراجع الحلم إلى وطن عربي واسع، ثم تقلص إلى اتحاد عربي مزركش، ثم انكمش إلى جامعة عربية تقيهم البرد والحر… ثم أصبح الحلم مجرد 'تنسيق'، والآن وصل إلى 'تعاون' بالكاد يُرى على شاشات الأخبار دون وقع على الأرض . والآن، حتى هذا التنسيق بات أقرب إلى 'كيد عربي' منه إلى أي شكل من أشكال الوحدة ثم هاهم أغنياء النفط من العرب يتنافسون ايهم يكفل ترامب ويجزي له العطاء اكثر من أخيه . العرب والعجم مصدومون من قدرة رئيس شعبوي، متغطرس، عنصري، لا يؤمن لا بالتعاون ولا بالحوار ولا بالمصلحة المتبادلة. فوق هذا كله، لا يحترم أحدًا. ومع كل هذه العيوب البنيوية في إدارته وشخصيته، استطاع، في جولة من ثلاثة أيام، أن يجمع 2800 مليار دولار من ثلاث دول نفطية. الأرقام تتحدث: * قطر: 1200 مليار دولار زائد طائرة فاخرة * الإمارات العربية المتحدة: 1000 مليار دولار * السعودية: 600 مليار دولار كل هذا في شكل اتفاقيات تجارية وعسكرية وصناعية، معظمها لشراء أسلحة ومعدات عسكرية وطائرات حربية لن يستعملوها واذا استعملوها ففي حروب بعضهم البعض وليس ضد اعدائهم . البعض سخر من هذا الكرم العربي، وقال إن 'أبو إيفانكا' جاء ليجمع الجزية من عرب النفط، بينما قال آخرون إن تاجر العقارات هذا جاء ليبيع بوليصات تأمين على عروش إمارات الخليج. التناقض الصارخ: والأغرب من هذا كله أن هذا الكرم السخي مع ترامب جاء في وقت تواصل فيه إسرائيل قتل مئات الفلسطينيين في غزة، بسلاح وغطاء سياسي أمريكي، حيث يقتل من لم يمت بالرصاص والصواريخ جوعًا وعطشًا ومرضًا وانعدامًا للدواء. الحلم العربي المتبخر: مرة، التقيت سفيرًا عربيًا في القاهرة، وعلى هامش حديثنا عن ترهل جامعة الدول العربية، ذكرت له تلك البيانات الباهتة التي تبدأ دائمًا بـ'ندين' و'نشجب' و'نستنكر' الوحشية الإسرائيلية. ضحك وقال لي: 'سيأتي على العرب يوم، حتى هذه البيانات الضعيفة لن تصدر عنهم، لأنهم في حالة سقوط لا قرار لها، وهوان لا حدود له.' بدأ حلم العرب قبل قرن بدولة قومية واحدة، ثم تراجع إلى وطن عربي يضم الشتات، ثم تقلص إلى اتحاد عربي يجمع مفاصل دوله، ثم انهار إلى جامعة عربية يجتمعون تحت سقفها للحديث عن الوحدة التي لا يريدونها، ثم تراجع حلمهم إلى مجرد تنسيق بين دولهم، والآن صار مجرد 'تعاون' شكلي وحتى هذا غير موجود . أما اليوم؟ فلم يبقَ إلا الكيد. كل دولة تكيد للأخرى وتتسلح ضد الأخرى وتغري ترامب ليقف معها ضد دولة شقيقة ، وكل زعيم يحسب ألف حساب لأخيه قبل أن يمد له يدًا في العلن للسلام المنافق والضحكات الصفراء . صورة غير قابلة للتصديق: وإذا لم تصدقوا هذه النبرة المتشائمة من صحافي يتشاءم بتفاؤل، فأنظروا إلى تعابير الفرح الطفولي التي اعترت وجوه زعماء الدول الخليجية وهم يستعرضون موسيقى ورقصات العرضة لرئيس أمريكي جاهل، لا يملك ذرة من ثقافة الشرق، ولا معرفة بثقافة الغرب. العرب قبائل حتى في زمن الدول، ولغة الدولة وتقاليدها وأمنها الاستراتيجي لا تزال غريبة عليهم. إنه زمن الجزية الحديثة، زمن الفرح الطفولي بأحضان من لا يحترمهم، زمن التنازل أمام الأجنبي والتعنت أمام الأخ العربي. زمن يحتاج إلى إعادة تعريف لمعنى السيادة والكرامة ونصرة الضعيف .. قال نزار قباني ذات غضب من العرب : نحنُ جميعًا ملوكُ الطوائف وكل واحدٍ منّا يُقاتلُ في خندقٍ ويخونُ في خندقٍ ويُفكرُ في خندقٍ ويحملُ ماضيه فوقَ كتفيه ويخافُ من ظله ومن غدهِ ومن غربةِ نفسه…


الجريدة 24
منذ 10 ساعات
- الجريدة 24
هلال: الحكم الذاتي يعد الأساس السياسي والمؤسساتي للتنمية في الصحراء المغربية
أبرز السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، أمام لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة لمنطقة المحيط الهادئ، أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تشكل الأساس السياسي والمؤسساتي لدينامية التنمية التي تشهدها الصحراء المغربية. وخلال هذا المؤتمر الإقليمي، المنعقد في ديلي بتيمور الشرقية ما بين 21 و23 ماي الجاري، أكد هلال أن هذه المبادرة التي قدمها المغرب سنة 2007 من أجل التسوية النهائية لهذا النزاع الإقليمي تضمن للساكنة الصحراوية تدبير شؤونها المحلية بطريقة ديمقراطية، في احترام لخصوصياتها الثقافية وهويتها وتطلعاتها. وأوضح أن 'هذا الإطار للحكم الذاتي يتيح للساكنة انخراطها الكامل في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ومشاركتها الفعالة في الدينامية الإقليمية والقارية التي تشهدها الصحراء اليوم'، مسجلا أن الحكم الذاتي لا يعد مجرد حل سياسي، بل يشكل الرافعة التي تضمن استفادة الساكنة المعنية بشكل مباشر من هذا التطور. كما أشار السفير إلى أن الصحراء المغربية تواصل ديناميتها التنموية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في إطار النموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2015، بميزانية تفوق 10 ملايير دولار، والذي بلغت نسبة إنجاز مشاريعه 90 بالمائة. وسجل أن هذه الدينامية لا تقتصر فقط على تحقيق التنمية المحلية، إذ أضحت الصحراء المغربية اليوم قطبا اقتصاديا ولوجستيا ودبلوماسيا، لا يساهم في خدمة المملكة فحسب، بل يعود بالنفع على إفريقيا بأكملها. وأشار إلى أن هذه الدينامية تجسد بشكل ملموس قناعة المغرب الراسخة بأن التنمية الإقليمية التي توطد ركائزها ضمن رؤية وطنية وقارية، يمكن أن تصبح محركا لمنطقة بأكملها، مضيفا أن المغرب لا يعتبر التنمية المندمجة غاية في حد ذاتها، بل تشكل أساسا استراتيجيا لتنفيذ المبادرات الملكية الكبرى لفائدة إفريقيا، لاسيما المبادرة المغربية لتعزيز الولوج إلى المحيط الأطلسي. وبفضل هذه الدينامية التنموية، يتابع هلال، أصبحت الصحراء المغربية اليوم بمثابة حلقة وصل جغرافي واقتصادي بين البلدان الإفريقية وباقي مناطق العالم. واعتبر السفير أن الأمر لا يتعلق فقط ببناء مركز لوجستي، بل يهم إرساء هيكلة إفريقية ودولية جديدة للتضامن والتنمية المشتركة والأمن الجماعي. يتجلى ذلك، وفق هلال، من خلال إتاحة الولوج الآمن والسريع والمربح للدول غير الساحلية إلى الأسواق العالمية، من خلال البنيات التحتية الحديثة للموانئ من قبيل ميناء الداخلة الأطلسي، وإحداث مناطق اقتصادية وصناعية تتيح تثمين الموارد الزراعية والمنجمية والطاقية في منطقة الساحل، وكذا تطوير الربط بين شبكات النقل والطاقة، التي تساهم في تسهيلها البنيات التحتية التي تتوفر عليها الأقاليم الجنوبية'. وقال إن هذا النموذج يجسد كذلك الرؤية الملكية للتعاون جنوب-جنوب القائم على الاحترام، والذي يضع إفريقيا في صلب أولوياته، مضيفا أن الصحراء المغربية أصبحت بذلك فضاء لتنزيل هذه الدبلوماسية التنموية التي تقوم على الشراكة والاستقرار وتحقيق الازدهار المشترك. وشدد السيد هلال على أن 'هذه المبادرات الاستراتيجية، التي تحظى بدعم كامل من العديد من الدول الإفريقية والأوروبية، تعد دليلا على أن المغرب لا يقترح مجرد أفكار، بل حلولا ملموسة، في منطقة عرفت تحولا بفضل الاستثمار والحكامة الجيدة والإرادة السياسية'، مذكرا بأن العديد من الوفود الأجنبية تقوم بشكل منتظم بزيارات اقتصادية بهدف مواكبة دينامية تنمية الأقاليم الجنوبية لفائدة الساكنة المحلية. وخلص إلى أن هذه الدينامية الدولية أضحت حقيقة ثابتة ورسالة واضحة موجهة إلى الأمم المتحدة وباقي الأطراف، المدعوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تحمل مسؤولياتها من أجل وضع حد لهذا النزاع المفتعل، والتخلي عن موقف عفا عليه الزمن، لا يواكب تطور القضية على الصعيد السياسي والدبلوماسي والميداني.