
"النهار" تلتقي ستيفان باستيس في الشارقة: من المحاماة إلى الكاريكاتور والشرائط المصورة!
يصعب تخيّل ستيفان باستيس واقفاً خلف منصة المحكمة، يرافع بتلك الروح الساخرة والنزعة العابثة التي جعلت منه أحد أشهر رسّامي الكاريكاتور في الولايات المتحدة. ومع ذلك، قبل أن تحوّله سلسلة "Pearls Before Swine" إلى اسم مألوف، كان باستيس يمارس المحاماة؛ مهنة يتذكرها اليوم بمزيج فريد من الفكاهة والرعب المستتر.
على سلّم أولوياته كان الرسم حاضراً منذ سنيّه الأولى في مدينة سان مارينو في ولاية كاليفورنيا. في طفولته، كان يمضي ساعاتٍ طويلة في رسم الشخصيات، فيما كانت مخيلته تتشكّل باكراً على التقاط المفارقات الدقيقة في العالم من حوله. غير أنّ الواقعية- ومعها شيء من ضغط الأهل- دفعته نحو دراسة الحقوق في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس. ومدى سنوات، عمل محامياً في قضايا الدفاع عن شركات التأمين، مكتشفاً أن المهنة كانت خانقة للروح بقدر رماديات المكاتب التي احتوتها.
ظلّ الرسم ملاذه الخاص. في الصباحات الباكرة قبل المثول أمام المحكمة، وفي الليالي المتأخرة بعد عودته كئيباً إلى حضن الكنبة، كان باستيس يفرّغ إحباطاته عبر شرائط الكوميكس. محاولات أولى لم تخلُ من الإخفاق، قبل أن تنضج وتتحول إلى العالم الساخر واللاذع الذي عرفه الناس تحت عنوان "Pearls Before Swine". بشخصياته المرحة، من جرذ ساخر وخنزير ساذج إلى كائنات أخرى تحمل هشاشة البشر في هيئة حيوانات، عكس الشريط رؤية ساخرة للعالم، وأظهر غريزة بقاء: السخرية في مواجهة خيبات الكبار.
طريق مجهول نحو الكاريكاتور
"كنتُ أعيش تحت عبء ثقيل لا يُحتمل، حتى حقيبتي كانت تبدو عبئاً إضافياً على كتفي"، هكذا اختصر الكاتب ورسام الكاريكاتور، في حديث إلى "النهار" خلال مشاركته في "مهرجان الشارقة القرائي للطفل"، تلك اللحظة التي أدرك فيها أنّ عليه القفز لينجو بحياته، "أتذكّر جيداً ذلك اليوم: خرجتُ من قاعة المحكمة محطَّم الروح، رفعتُ عينيّ إلى السماء وشعرتُ كأنني على وشك الانهيار". في تلك اللحظة بالذات، أدرك شيئاً لا مفرّ منه: "أنا تعيس... إلى حدّ لا يمكن تجاهله".
كان لا بد من أن يهرب من هذا المسار بأيّ ثمن. "أدركتُ أنّ الاستمرار مستحيل، وأنّ عليّ أن أبحث عن باب آخر للخروج"، يُخبرنا، "فكرتُ: إذا تركتُ القانون، فلا بدّ من أن تكون لديّ خطة بديلة". عاد إلى البيت، أخبر والدته اعتزامه ترك وظيفته. سألته، بقلق طبيعي، عن خطته الاحتياطية، فأجابها ببساطة: "لا خطة لديّ".
اليوم، حين ينظر إلى الوراء، يرى أنّه ربما كان غياب الخطة هو ما ألزمه البقاء على الطريق الذي اختاره، مهما بدا متهوراً أو خطراً. "كانت تلك اللحظة لحظة الانفصال التام عن الخوف... ولحظة الانطلاق نحو مصيري الحقيقي".
في عام 2000، وبعد سلسلة من الرفض، جاء النجاح حين تبنّت شركة "يونايتد ميديا" نشر السلسلة التي كتبها باستيس ورسمها. وقد حظي "Pearls Before Swine" بشهرة سريعة، بفضل مزجه البارع بين اللعب اللفظي، والنكات السوداء، وما يُعرف بـ"كسر الجدار الرابع" (breaking the fourth wall) بطريقة مبتكرة، في وقت كانت شرائط الصحف الورقية تكافح للاستمرار على مشارف العصر الرقمي.
دعابة باستيس تبدو للوهلة الأولى بسيطة، لكنها تخفي تحت طياتها نظرة حادّة، لاذعة أحياناً، وهشة في أحيان أخرى، لحياة العصر الحديث. شخصياته تهزأ به علناً داخل الشريط نفسه، وهو شكلٌ من أشكال السخرية الذاتية التي تُكسِب العمل عفوية، وتتيح لباستيس أن يسبق النقد الموجّه إليه بنقدٍ يوجّهه الى نفسه. إنها تلك العلاقة التي تحمل شيئاً من الألفة الغريبة: فقرّاؤه لا يعرفونه عبر نكاته فحسب، بل أيضاً عبر عيوبه الظاهرة التي يتعامل معها بخفة دم.
مع مرور السنوات، وسّع باستيس نطاق إبداعه، ودخل عالم أدب الأطفال من خلال سلسلة "Timmy Failure"، التي تبنّتها "ديزني"، والتي تروي مغامرات صبي مخبول يحلم بأن يصبح محققاً عظيماً بمساعدة دب قطبي خيالي. وهنا أيضاً بقي صوته مميزاً: ساخر، متمرّد، متعاطف مع المنبوذين والغرباء عن هذا العالم.
الرقابة الذاتية "قيد يومي"
نسأله عمّا إذا كانت الفكاهة لا تزال تملك القوة ذاتها لدفع الحدود وكسر "التابو" كما في السابق، وهل يشعر أنه أصبح مضطراً الى ممارسة قدر أكبر من الرقابة الذاتية مقارنة ببداياته، فيجيب أنّ "ما نراه من خطوط في القصص المصوّرة لم يعد يقتصر عليها فحسب، بل يمتد أيضاً إلى كتب الأطفال".
عندما أطلق سلسلة "تيمي"، تطرّق إلى بعض العبارات العادية بين الأصدقاء- مثل "غبي" أو "مجنون"- "كلمات اعتدنا عليها، لكنها سرعان ما فتحت عليّ أبواب الإشكال". هناك اليوم شريحة من القرّاء يُطلق باستيس عليها تسمية "قرّاء الحساسية"، وهم الذين يلتقطون أيّ كلمة قد تبدو مسيئة أو جارحة حتى لو قُدمت في سياق برئ. "هذا التوجّه يزعجني كثيراً"، يقول، "لأننا بتنا نعيش في زمن يمكن فيه تحويل كلّ عبارة، كلّ فكرة، إلى مادة مخيفة أو غير ملائمة للجميع".
ويرى أنّه "في هذا العصر، قد لا تكتفي بالخوف من النقد، بل تخشى أن تخسر مسيرتك المهنية بالكامل بسبب زلّة أو سوء فهم". في مجال نشر كتب الأطفال خصوصاً، الرقابة الذاتية "أصبحت قيداً يومياً يعيشه"، ولا يزال يتعامل مع هذه الرقابة، مضطراً إلى موازنة رغبته في التعبير مع حساسيات جمهور بات سريع التأثر.
اليوم، يعيش ستيفان باستيس في شمال كاليفورنيا، بعيداً من ساحات المحاكم، يرسم شرائط كوميكس تواصل لمس الأجيال الجديدة بروحها الذكية الساخرة. وفي مقابلاته، كثيراً ما يُعرب عن دهشته من المسار الغريب الذي اتخذته حياته، ممتناً ومبتسماً بسخرية، لأن مسيرة قضى فيها عمره يرسم حيوانات ساخرة، كانت أكثر إشباعاً لروحه من الطريق "المرموق" الذي كان مرسوماً له.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- النهار
الشارقة تُرسّخ نهجها التثقيفي من الطفولة... العامري لـ"النهار": ما نقدّمه هو لمختلف المجتمعات
تحت وهج الأضواء وبهجة الألوان، وبين أروقة "مركز إكسبو الشارقة" الذي ازدانت أروقته بضحكات الأطفال وآلاف الكتب، تنبض الدورة السادسة عشرة من "مهرجان الشارقة القرائي للطفل" بالحياة، لتروي حكاية لا تنتهي مع ريادة الثقافة. بشعار مُلهم "لتغمرك الكتب"، تدعونا الشارقة إلى الغوص في بحور القصص، حيث تتحوّل القراءة إلى مغامرة، والمعرفة إلى متعة، والكتاب إلى صديق يرافق الصغار في أولى خطواتهم نحو الاكتشاف. "بناء جسور التواصل الثقافي" في المهرجان الذي يُعزّز مكانة الشارقة على الخريط الثقافية العربية والعالمية، كان لـ"النهار" لقاء مع أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، الذي أكّد أنّ الموعد السنوي مع المهرجان - الذي لا يكتفي بنقل الثقافة والعلم للطفل إنما يعمل على إشراكه في السيرورة المعرفية - "لم يكن ليتجدّد لولا إيمان القيادة بما تقدّمه القراءة في ارتقاء العقول والانفتاح على الآخر، وبناء جسور التواصل الثقافي". نسأله عن تحوّل الشارقة، خلال عقود من العمل على تحقيق التفاعل الثقافي، إلى إمارة مشرقة بنور العلم والثقافة. "ما نقدّمه ليس فقط للشارقة ودولة الإمارات، إنما لمختلف المجتمعات"، يقول. ويشير إلى زائرين من مختلف الجنسيات والتوجهات، ومتخصصون يقدّمون ورش العمل من مختلف أنحاء العالم، وأكثر من 133 ضيفاً من 70 دولة تختلف بثقافاتها وآرائها وأنماط الحوار التي لديها، "جميعها تمتزج بحب القراءة والكتابة". بالنسبة إليه، "التحدّي الكبير هو أن نبيّن للأطفال أهمية القراءة، سواء على جهاز لوحي أو عن طريق الصورة أو الرسوم المتحركة والعلوم". في قلب هذا الحدث الثقافي المدهش، تتلاقى 122 دار نشر من 22 دولة، وتحمل معها كتباً من كل صنف ونوع، من الخيال إلى الواقع، ومن المغامرة إلى الحكاية الشعبية، في تنوع يعكس ثراء ثقافات العالم. "نحبّب الأطفال بالتعلّم الأكاديمي وتعلّم القراءة والكتابة"، يقول العامري لـ"النهار"، "كما نحبّبهم بالكتاب عينه، بما يحتويه من جمالية فكرية وخيالية تنطلق بهم في عوالم مختلفة". من هنا جاء شعار "لتغمرك الكتب"، نظراً للتجربة الانغماسية التي يعيشها الطفل في المهرجان. "إنها مغامرة شيّقة"، برأي العامري الذي يشدّد على قول حاكم الشارقة والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، إنّ "القراءة والكتابة هما ثمرات المستقبل"، مؤكّداً: "نزرع في الأطفال البذور، ونقطف الثمار في معرض الشارقة الدولي للكتاب ومن خلال زيادة عدد الناشرين والكتاب الإماراتيين والبرامج المصاحبة التي ترتقي بصناعة الكتاب على مستوى العالم العربي". مشروع ثقافي مستدام ولأن بناء الإنسان يبدأ بالقراءة، فإن المهرجان يكرّس نفسه ليكون أكثر من مجرد احتفال سنوي، بل مشروع ثقافي مستدام، يندرج ضمن رؤية الشارقة لبناء جيل قارئ، شغوف بالتعلّم، متمكن من أدوات الإبداع، قادر على الحلم، وعلى تحقيقه. ويشدّد العامري أنّ رسالة الشارقة هي "الارتقاء بالثقافة العربية، لأنّ تقدّمها يعني تقدّم الإنسان العربي". ويضيف: "النجاح تكاملي، ونجاح أي معرض في أي دولة عربية هو نجاح للآخر، نحن منفتحون على تبادل الخبرات، نوقد شمعة ونتمنّى من الجميع إيقادها". وإيماناً بأهمّية القراءة، وجّه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتخصيص 2.5 مليوني درهم لتزويد مكتبات الشارقة العامة والحكومية بأحدث إصدارات دور النشر العربية والأجنبية المشاركة في المهرجان، في خطوة تشكّل "استثماراً في تنمية الإنسان وتعزيز المعرفة"، وفق الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، "كما تحفّز قطاع النشر في العالم وخاصة في الوطن العربي، وتمثّل دعماً للقراء، وفرصة للأجيال الجديدة كي تكتشف وتسأل وتبتكر، وما تمكين الناشرين إلا امتداد لهذه الرؤية". في مهرجان الشارقة القرائي للطفل، لا تأتي لتقرأ فحسب، بل لتعيش الكتاب، تتنفسه، وتخرج محملاً برغبة أكبر في الاكتشاف. والنجاح هنا "تكاملي"، يقول العامري، "نجاح أي معرض في أي دولة عربية هو نجاح للآخر، نحن منفتحون على تبادل الخبرات... نوقد شمعة ونتمنّى من الجميع إيقادها".


النهار
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- النهار
"النهار" تلتقي ستيفان باستيس في الشارقة: من المحاماة إلى الكاريكاتور والشرائط المصورة!
يصعب تخيّل ستيفان باستيس واقفاً خلف منصة المحكمة، يرافع بتلك الروح الساخرة والنزعة العابثة التي جعلت منه أحد أشهر رسّامي الكاريكاتور في الولايات المتحدة. ومع ذلك، قبل أن تحوّله سلسلة "Pearls Before Swine" إلى اسم مألوف، كان باستيس يمارس المحاماة؛ مهنة يتذكرها اليوم بمزيج فريد من الفكاهة والرعب المستتر. على سلّم أولوياته كان الرسم حاضراً منذ سنيّه الأولى في مدينة سان مارينو في ولاية كاليفورنيا. في طفولته، كان يمضي ساعاتٍ طويلة في رسم الشخصيات، فيما كانت مخيلته تتشكّل باكراً على التقاط المفارقات الدقيقة في العالم من حوله. غير أنّ الواقعية- ومعها شيء من ضغط الأهل- دفعته نحو دراسة الحقوق في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس. ومدى سنوات، عمل محامياً في قضايا الدفاع عن شركات التأمين، مكتشفاً أن المهنة كانت خانقة للروح بقدر رماديات المكاتب التي احتوتها. ظلّ الرسم ملاذه الخاص. في الصباحات الباكرة قبل المثول أمام المحكمة، وفي الليالي المتأخرة بعد عودته كئيباً إلى حضن الكنبة، كان باستيس يفرّغ إحباطاته عبر شرائط الكوميكس. محاولات أولى لم تخلُ من الإخفاق، قبل أن تنضج وتتحول إلى العالم الساخر واللاذع الذي عرفه الناس تحت عنوان "Pearls Before Swine". بشخصياته المرحة، من جرذ ساخر وخنزير ساذج إلى كائنات أخرى تحمل هشاشة البشر في هيئة حيوانات، عكس الشريط رؤية ساخرة للعالم، وأظهر غريزة بقاء: السخرية في مواجهة خيبات الكبار. طريق مجهول نحو الكاريكاتور "كنتُ أعيش تحت عبء ثقيل لا يُحتمل، حتى حقيبتي كانت تبدو عبئاً إضافياً على كتفي"، هكذا اختصر الكاتب ورسام الكاريكاتور، في حديث إلى "النهار" خلال مشاركته في "مهرجان الشارقة القرائي للطفل"، تلك اللحظة التي أدرك فيها أنّ عليه القفز لينجو بحياته، "أتذكّر جيداً ذلك اليوم: خرجتُ من قاعة المحكمة محطَّم الروح، رفعتُ عينيّ إلى السماء وشعرتُ كأنني على وشك الانهيار". في تلك اللحظة بالذات، أدرك شيئاً لا مفرّ منه: "أنا تعيس... إلى حدّ لا يمكن تجاهله". كان لا بد من أن يهرب من هذا المسار بأيّ ثمن. "أدركتُ أنّ الاستمرار مستحيل، وأنّ عليّ أن أبحث عن باب آخر للخروج"، يُخبرنا، "فكرتُ: إذا تركتُ القانون، فلا بدّ من أن تكون لديّ خطة بديلة". عاد إلى البيت، أخبر والدته اعتزامه ترك وظيفته. سألته، بقلق طبيعي، عن خطته الاحتياطية، فأجابها ببساطة: "لا خطة لديّ". اليوم، حين ينظر إلى الوراء، يرى أنّه ربما كان غياب الخطة هو ما ألزمه البقاء على الطريق الذي اختاره، مهما بدا متهوراً أو خطراً. "كانت تلك اللحظة لحظة الانفصال التام عن الخوف... ولحظة الانطلاق نحو مصيري الحقيقي". في عام 2000، وبعد سلسلة من الرفض، جاء النجاح حين تبنّت شركة "يونايتد ميديا" نشر السلسلة التي كتبها باستيس ورسمها. وقد حظي "Pearls Before Swine" بشهرة سريعة، بفضل مزجه البارع بين اللعب اللفظي، والنكات السوداء، وما يُعرف بـ"كسر الجدار الرابع" (breaking the fourth wall) بطريقة مبتكرة، في وقت كانت شرائط الصحف الورقية تكافح للاستمرار على مشارف العصر الرقمي. دعابة باستيس تبدو للوهلة الأولى بسيطة، لكنها تخفي تحت طياتها نظرة حادّة، لاذعة أحياناً، وهشة في أحيان أخرى، لحياة العصر الحديث. شخصياته تهزأ به علناً داخل الشريط نفسه، وهو شكلٌ من أشكال السخرية الذاتية التي تُكسِب العمل عفوية، وتتيح لباستيس أن يسبق النقد الموجّه إليه بنقدٍ يوجّهه الى نفسه. إنها تلك العلاقة التي تحمل شيئاً من الألفة الغريبة: فقرّاؤه لا يعرفونه عبر نكاته فحسب، بل أيضاً عبر عيوبه الظاهرة التي يتعامل معها بخفة دم. مع مرور السنوات، وسّع باستيس نطاق إبداعه، ودخل عالم أدب الأطفال من خلال سلسلة "Timmy Failure"، التي تبنّتها "ديزني"، والتي تروي مغامرات صبي مخبول يحلم بأن يصبح محققاً عظيماً بمساعدة دب قطبي خيالي. وهنا أيضاً بقي صوته مميزاً: ساخر، متمرّد، متعاطف مع المنبوذين والغرباء عن هذا العالم. الرقابة الذاتية "قيد يومي" نسأله عمّا إذا كانت الفكاهة لا تزال تملك القوة ذاتها لدفع الحدود وكسر "التابو" كما في السابق، وهل يشعر أنه أصبح مضطراً الى ممارسة قدر أكبر من الرقابة الذاتية مقارنة ببداياته، فيجيب أنّ "ما نراه من خطوط في القصص المصوّرة لم يعد يقتصر عليها فحسب، بل يمتد أيضاً إلى كتب الأطفال". عندما أطلق سلسلة "تيمي"، تطرّق إلى بعض العبارات العادية بين الأصدقاء- مثل "غبي" أو "مجنون"- "كلمات اعتدنا عليها، لكنها سرعان ما فتحت عليّ أبواب الإشكال". هناك اليوم شريحة من القرّاء يُطلق باستيس عليها تسمية "قرّاء الحساسية"، وهم الذين يلتقطون أيّ كلمة قد تبدو مسيئة أو جارحة حتى لو قُدمت في سياق برئ. "هذا التوجّه يزعجني كثيراً"، يقول، "لأننا بتنا نعيش في زمن يمكن فيه تحويل كلّ عبارة، كلّ فكرة، إلى مادة مخيفة أو غير ملائمة للجميع". ويرى أنّه "في هذا العصر، قد لا تكتفي بالخوف من النقد، بل تخشى أن تخسر مسيرتك المهنية بالكامل بسبب زلّة أو سوء فهم". في مجال نشر كتب الأطفال خصوصاً، الرقابة الذاتية "أصبحت قيداً يومياً يعيشه"، ولا يزال يتعامل مع هذه الرقابة، مضطراً إلى موازنة رغبته في التعبير مع حساسيات جمهور بات سريع التأثر. اليوم، يعيش ستيفان باستيس في شمال كاليفورنيا، بعيداً من ساحات المحاكم، يرسم شرائط كوميكس تواصل لمس الأجيال الجديدة بروحها الذكية الساخرة. وفي مقابلاته، كثيراً ما يُعرب عن دهشته من المسار الغريب الذي اتخذته حياته، ممتناً ومبتسماً بسخرية، لأن مسيرة قضى فيها عمره يرسم حيوانات ساخرة، كانت أكثر إشباعاً لروحه من الطريق "المرموق" الذي كان مرسوماً له.


النهار
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- النهار
"الشارقة القرائي للطفل" يفتتح دورته الـ16 اليوم: منصة تفاعلية وتجربة ثرية
في قلب الشارقة النابض بحب العلم والثقافة، وتحديداً في "مركز إكسبو"، تنطلق الدورة السادسة عشرة من "مهرجان الشارقة القرائي للطفل" اليوم، وتفتح الإمارة ذراعيها لكتّاب ورسّامين وخبراء من الطراز العالمي، حتى الرابع من أيار/مايو، تحت شعار حالم: "لتغمرك الكتب". ثلاثون ضيفاً من عشرة بلدان شكّلوا بأعمالهم مكتبات الطفولة حول العالم، وتربّعوا على قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، بين روايات، ومانغا، وكتب مصوّرة، وكتابات تُخاطب العقل والخيال معاً. ويتضمن برنامج الدورة الحالية من المهرجان، الذي تنظمه "هيئة الشارقة للكتاب"، ألفاً و24 فعالية فنيّة وترفيهيّة، يقدّمها 133 ضيفاً من 70 دولة، إلى جانب 43 كاتباً من دولة الإمارات والعالم العربي. هنا، يتخطّى المهرجان صفة "التظاهرة الثقافية"؛ إنه مساحة تفاعلية حية بين أجيال المستقبل ومبدعي الكلمة والصورة. تجربة ثرية استثنائية يشهد "مهرجان الشارقة القرائي للطفل" مشاركة واسعة لـ122 دار نشر من 22 دولة، ضمن برنامج غنيّ بالأنشطة والجلسات التي تتجاوز حدود العرض التقليدي للكتب، لتلامس عمق صناعة النشر وتحدّياتها في العالم العربي والعالم، إذ يُنظَّم خلال المهرجان 35 جلسة نقاشيّة تجمع نخبة من المتخصّصين والناشرين والمبدعين، للغوص في واقع أدب الأطفال، واستكشاف سبل تعزيز ثقافة القراءة وتجاوز العقبات التي تواجه صناعة الكتاب. أما الفعاليات، فتضمن تجربة ثرية استثنائية عبر أكثر من 600 ورشة عمل موجّهة إلى الأطفال واليافعين والكبار، و85 ورشة طهو تفاعلية تمزج ما بين المعرفة والمتعة، إضافة إلى أكثر من 150 نشاطاً في "ركن القصص المصورة"، إلى جانب العروض المسرحية المتنقّلة والورش المتخصصة المجانية والمدفوعة، التي تحوّل المهرجان إلى فضاء تفاعلي نابض بالتجربة والاكتشاف. من الولايات المتحدة... إلى قلب الطفل العربي ثمانية أسماء بارزة من الولايات المتحدة تحطّ رحالها في الشارقة، من بينها ستيفان باستيس، صاحب سلسلة "تيمي فيرل" الأكثر مبيعاً، وميساكو روكس فنانة المانغا التي تنقل الارتداد العاطفي برسوماتها، إلى جانب روندا روماني، الحائزة على جوائز عدّة، وليندا بوث سويني، ودورا وانج، مبدعة "خوخ الجيب"، والكاتب الشاب ثروت تشادا صاحب "طارق والمدينة الغارقة"، وبريندان وينزل، ويانا موريشيما، وكلّ منهم يحمل سرداً خاصاً، وأسلوباً بصرياً يمسك بخيوط الطفولة من زوايا مختلفة. حكايات تنبض بالدهشة من بريطانيا المملكة المتحدة، بدورها، تقدّم 8 أصوات أدبية متميّزة، بينها نيكولا مورغان، الكاتبة المتوَّجة بالجوائز، وراحات كادوجي، المتمرّدة بلطفها على الصور النمطية، وكلوي سافاج التي تسافر بالطفل في رحلة إلى قنديل البحر القطبي، إلى جانب هانا لي، سيتال جوراسيا تشابمان، مريم حسن، وكرينا باتل سيج؛ وكل واحدة تحاكي الطفل بلغتها الخاصة، وأدواتها المحبّبة. من الهند... دفء التقاليد وحداثة السرد الهند، بعراقتها وغناها القصصي، تحضر بخمسة وجوه، منها فارون دوجيرالا، الصوت العصري لوجدان الأطفال، ولافانيا كارتهيك، الكاتبة المتمرّدة على المألوف برسوماتها، وسامينا ميشرا، التي تكتب بعدسة المخرج الوثائقي، وآرتي بهاتيا وأمريتا غاندي، في تجسيد جميل لتعدّد الأصوات الهندية المعاصرة. كندا وأوستراليا... وميكروفون عالمي الأدب العابر للقارات حاضر أيضاً، من خلال الكندية روخسانا خان، صاحبة "الحلوى الحمراء الكبيرة"، والأوسترالية أندريا رو، التي تخاطب الأطفال من خلال موضوعات الهوية والاستكشاف. أصوات جديدة من باكستان سيهريش فاروق ومريم شاه تمثلان باكستان، الأولى بجائزة "بطلة التعليم من مالالا"، والثانية بصوت نسوي جديد في أدب الطفولة؛ ومعاً، تشكّلان الصوت الباكستاني في هذا المهرجان، حيث تنبض الصفحات بالدعوة إلى تعليم الفتيات وتكسر الحدود بين النص والواقع. من أوروبا... ثلاثة ألوان للدهشة تُشارك في المهرجان التفاعلي، من أوروبا، إليزابيتا دامي، صانعة عالم "جيرونيمو ستيلتون"، وسي جي سالامندر، الصحافي المهووس بالحكايات المصوّرة، والرسّامة النرويجية شين لي، التي عاشت "في أحشاء الحوت" وأخرجت منه قصصاً تضيء العتمة. في الشارقة، الكتب لا تُقدّر بعدد صفحاتها، ولا تخضع لقواعد حسابية، بل تُحكى، تترك وقعاً، وتُهمَس في أذن كلّ قارئ صغير. هنا، الأدب نزهة معرفية وموعد مع المستقبل، مع قصص تُبنى من الحبر والحلم، في إمارة تعيد كلّ عام تذكير العالم بأن الطفولة يجب أن ترتبط بالكتاب. و"مهرجان الشارقة القرائي" منصّة لإعادة اختراع العلاقة بين الطفل والقراءة، من خلال قصص تستنطق الخيال، ورسوم تنبض بالحياة، وحوارات تتجاوز اللغة، لتصل إلى جوهر الإبداع الطفولي في أرقى صوره.