
عزوف المصريين عن التصالح في مخالفات البناء... فما هي الأسباب؟
ازداد الجدل في الأوساط المصرية، بعد قرار مد العمل بقانون
التصالح
على مخالفات البناء والعقارات وتقنين أوضاعها للمرة الثالثة على التوالي، رغم تزايد الانتقادات لعقبات تطبيقه، وتراجع نسبة إقبال المخالفين على تقديم طلبات التصالح إلى الجهة الإدارية المختصة.
يهدف قانون التصالح في مخالفات
البناء
الذي صدر لأول مرة عام 2019 (رقم 17 لسنة 2019)، وعدلت نسخته الأولى أكثر من مرة إلى تقنين أوضاع البناء المخالف، ودعم خزينة الدولة من خلال الرسوم التي تُحصّل من التصالح، بما لا يقل عن 50 جنيهاً عن كل متر مسطح، و2500 جنيه للمتر بحد أقصى، فضلاً عن ضبط النمو العمراني غير المخطط (الدولار = نحو 49.8 جنيهاً).
وعلى الرغم من التصريحات الرسمية بأن الإجراءات أصبحت "أيسر"، وهذا التمديد "فرصة إضافية"، اصطدمت تلك الأهداف الطموحة بواقع ميداني مشحون بالتعقيد والتشكيك، وظلت أرقام الإقبال محبطة ودون التوقعات، حيث لم يتقدم سوى 665 ألف طلب فقط من بين 2.9 مليون مخالف.
ويأتي عزوف المواطنين وعدم استجابتهم لقانون من المفترض أنه في صالحهم ليثير تساؤلات حول مدى فاعلية تلك التشريعات، وجدواها، والأهم من ذلك: مدى قدرتها على كسب ثقة المواطن المصري.
في هذا السياق، قال رئيس لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، أحمد السجيني، إن أعداد المتقدمين جاءت دون التوقعات.
وأرجع ذلك إلى عدة عوامل، على رأسها "استمرار عدم وضوح خريطة الحيازات العمرانية حتى الآن"، ما يترك المواطنين في حالة ارتباك بشأن قانونية تصالحهم من عدمه.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
توقعات بخفض جديد لأسعار الفائدة في مصر الخميس القادم
وأضاف السجيني، في تصريحات إعلامية، أن "تسوية الملفات القديمة بشكل حاسم هو المحفز الأساسي الذي يشجع المواطنين على التصالح"، موضحاً أن كثيراً من الطلبات السابقة لم تُحسم، إما بسبب التعقيدات، وإما بفقدان الثقة في صدور نموذج 10 الذي يعد موافقة نهائية من السلطة المختصة على تقنين أوضاع المخالفين.
من البحيرة (شمال)، تروي عبير محمد، مدرسة، أنها ترددت كثيراً قبل تقديم طلب التصالح بسبب تجربة سلبية لوالدها الذي قدم أوراقاً ثبوتية لمنزله منذ 2020، ولم يحصل إلا على إيصالات الدفع للأموال التي قدمها لخزينة الدولة من دون أن يحصل على أي تسوية أو تغيير موقفه القانوني. تقول محمد: "كلما سألت عن مصير المصالحة، أخبرنا المسؤولون بأن الأمر ما زال حبيس الأدراج، وتتساءل: هل أكرر نفس التجربة؟".
أما أحمد جمال، من الإسكندرية (شمال)، فيقول: "ذهبت أتصالح على شقة فوق بيت والدي.. فقالوا لي إنه يجب أن أُحضر خريطة مساحية وموافقة نقابة المهندسين واستشارياً، فقلت لنفسي إنني أسكن منذ 10 سنوات بدون أي أزمات فما الذي يدفعني إلى خوض غمار هذه الإجراءات المريرة؟".
وتتفق معه أميرة إبراهيم، من سكان وسط الإسكندرية، قائلة: "في منطقتي، أكثر من شخص دفعوا رسوم التصالح، ومع ذلك لم يحصل أي منهم على شهادة نهائية. وطالبت بمنح مزيد من التسهيلات في سداد الغرامات".
"استمرار بقاء ملايين العقارات خارج الإطار القانوني الرسمي له تداعيات خطيرة على الاستثمار والاستقرار، فلا يمكن بيع أو تمويل العقارات المخالفة بسهولة، وتبقى عرضة للإزالة أو النزاعات القضائية، كما يحرم أصحابها من الخدمات أو تراخيص التشغيل"، كما يقول النائب البرلماني والرئيس الأسبق للجنة الإسكان في المجلس المحلي لمحافظة الإسكندرية، حسن خير الله، في معرض رده على استفسار حول ما الذي يدفع المواطن إلى الاستجابة لدعوات التصالح على مخالفات البناء؟
يؤكد خير الله لـ"العربي الجديد"، أن ضعف إقبال المواطنين لتقنين أوضاع البناءات المخالفة التي تقدر بالملايين يضرب أحد مصادر التمويل المحلي، ويعكس فشلاً في دمج الاقتصاد الموازي في المنظومة الرسمية.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
الاتحاد الأوروبي يوافق على مساعدة مصر بـ4 مليارات يورو
وأوضح أن فشل القانون في تحقيق أهدافه لا يرجع فقط إلى التعقيد الإداري، بل إلى "فجوة عميقة في الثقة بين المواطن والدولة".
ويقول: "منذ قانون 2019، دفع كثيرون آلاف الجنيهات على أمل التسوية، لكنهم لم يحصلوا على شيء. هذه التجربة جعلت الناس يرون التصالح أداة للجباية لا للتنظيم".
وحمّل خير الله مسؤولية الإخفاق إلى الجهات التنفيذية نتيجة الاعتماد على البيروقراطية المحلية، مؤكداً أن هناك تسرعاً في إعلان نجاح القانون من دون حسم حقيقي للملفات القديمة، ومن دون شرح كافٍ للمواطنين، وطالب بإنشاء وحدات مستقلة لإدارة ملف التصالح بتكنولوجيا حديثة.
يرى الخبير الهندسي ومدير إحدى شركات التطوير العقاري، محمود بسيوني، أنه على الرغم من محاولة الدولة الدفع برسائل طمأنة للمواطنين، وتشديده على "جدية الدولة"، بعد أن خفّضت الرسوم، وبسّطت الإجراءات قدر المستطاع، لا يزال الأثر العملي محدوداً.
ويضيف بسيوني: لا يكفي تعديل القوانين أو مدّ المهل الزمنية إذا ظلت الثقة مفقودة والإجراءات مرهقة، فالتصالح في نهاية المطاف، لا يتعلق فقط بمخالفات بناء، بل بمشكلة أعمق في العلاقة بين الحكومة والمواطنين الذين وجدوا أنفسهم أمام قرارات واشتراطات متغيرة.
وتابع: الخطوة القادمة يجب أن تشمل ضمانات رسمية لحسم ملفات التصالح السابقة قبل قبول أي طلبات جديدة، ونشر معايير القبول والرفض بوضوح، ورقمنة الإجراءات بالكامل وتقليل التعامل الورقي، وتخفيض الرسوم وربطها بمستوى دخل المتصالح، وإشراك منظمات المجتمع المدني في حملات التوعية والثقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
سوريون يأملون ببدء تعافي الاقتصاد المنهك بعد رفع العقوبات الغربية
دمشق – أ ف ب: في مؤسسة مالية يديرها في وسط دمشق، يأمل أنس الشَمّاع أن يُسهّل رفع العقوبات الغربية عمليات تحويل الأموال من وإلى سوريا، بعدما عَزلت سنوات الحرب الطويلة اقتصاد البلاد ونظامها المصرفي عن العالم. ويقول الشماع (45 عاماً) في مقابلة 'نأمل أن يبدأ الاقتصاد السوري تعافيه بشكل تدريجي وسريع، وأن يُعاد ربط المصرف المركزي مع المصارف العالمية وتُسهل الحركة التجارية'. ويتمنى أن 'يتمكن التجار من تحويل الأموال بشكل مباشر إلى الخارج من دون مشاكل، والمغتربون من إرسال الحوالات إلى عائلاتهم'، الأمر الذي كان مستحيلاً خلال السنوات الماضية بسبب القيود، ما زاد من معاناة المواطنين الذين كانوا يعيشون في ظل نزاع دام ويحتاجون إلى مساعدات أقاربهم في الخارج. ومع إعلان واشنطن ثم الاتحاد الأوروبي رفع عقوبات مفروضة منذ سنوات، يأمل سوريون أن تدور عجلة التعافي، في مسار يقول خبراء اقتصاديون إنه يحتاج إلى وقت طويل ولا يكفي رفع العقوبات وحده لدفعه قدما في ظل غياب بيئة استثمار مشجعة تجذب المستثمرين ورؤوس الأموال. ويطال رفع العقوبات الأوروبية الأخير تحديداً النظام المصرفي الذي كان مستبعداً من الأسواق الدولية، بعدما تم تجميد أصول المصرف المركزي وحظر التعامل معه. واستنزف النزاع المدمر الذي اندلع قبل 14 عاماً اقتصاد البلاد ومقدراتها، وباتت عملية تحويل الأموال بطريقة رسمية إلى الخارج مهمة مستحيلة على وقع عقوبات غربية تطال كل من يتعامل مع مؤسسات وكيانات مالية سورية. ويروي الشماع الذي يدير شركة صرافة وتحويل أموال منذ العام 2008، كيف جعلت سنوات الحرب والعقوبات الغربية الاقتصاد أشبه بـ'جثة هامدة'. ويقول'ساء الوضع على مستوى المعاملات المصرفية وانفصلنا عن العالم كلياً وأصبحنا في انعزال تام'، ما أسفر عن توقّف استقبال الحوالات من الخارج وعجز التجار عن دفع مستحقات سلع ومنتجات مستوردة. ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا، تحسّنت قيمة العملة المحلية في السوق السوداء، ليسجّل سعر الصرف 8500 ليرة مقابل الدولار بعدما لامس عتبة 13 ألفاً، في تحسّن يعتبره خبراء اقتصاديون 'موقتاً' وناجماً عن الأثر النفسي لرفع العقوبات. ويأمل خريج كلية الاقتصاد محمّد الحلبي (25 عاماً) أن يضع رفع العقوبات حداً لتحويل الأموال عبر السوق السوداء، للحؤول دون اجتزاء نحو ثلاثين في المئة من قيمة المبلغ المحوّل. ويقول لفرانس برس 'مع رفع العقوبات الآن…ستحتاج عملية التحويل إلى نقرة زر' على ما هو الحال عليه في أنحاء العالم. وعرقلت الحرب والعقوبات كذلك تأهيل مرافق وبُنى تحتية خدمية، وجعلت التعاملات مع القطاع المصرفي السوري مستحيلة. وتعوّل السلطات السورية الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة إعادة الاعمار في البلاد التي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار. وأثنت دمشق بعيد رفع العقوبات الأوروبية على الخطوة 'التاريخية'. ورحّب الرئيس الانتقالي أحمد الشرع 'بالشركات الأوروبية الراغبة بالاستثمار في سوريا'، معتبراً أن بلاده تشكل اليوم 'فرصة استثمارية واعدة وممرا اقتصاديا مهما بين الشرق والغرب'. ورغم التفاؤل برفع العقوبات، إلا أن آثارها المباشرة قد تكون محدودة في الوقت الراهن، بحسب محللين. ويقول الباحث الاقتصادي بنجامين فاف لوكالة فرانس برس 'مع رفع العقوبات عن سوريا بشكل عام، نتوقع وتيرة متزايدة في إعادة إعمار البُنية التحتية، كالطرق والمستشفيات والمدارس'، مُرَجِّحاً أن 'تُسرِّع دول مثل السعودية وقطر وتركيا التي تربطها علاقات بالحكومة الجديدة، وتيرة التجارة والاستثمار، خصوصاً في مجال إعادة الإعمار'. لكن قطاعات أخرى أبرزها الطاقة والقطاع المصرفي تتطلّب 'استثمارات كبرى ووقتاً أطول بكثير لتتحقق فعلياً' في 'عملية قد تستغرق بضعة أشهر أخرى'، وفق فاف الذي يعمل في مؤسسة 'كرَم شَعّار' للاستشارات. وتتطلب إعادة ربط النظام المصرفي السوري بالقطاع المصرفي العالمي اتخاذ تدابير على مستويات عدة. وحول ذلك يقول فاف 'قبل أن تُجدِّد البنوك الأوروبية، على سبيل المثال، علاقاتها أو علاقات المُراسَلة المصرفية مع البنوك السورية، سيتعين عليها تقييم معايير الامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في سوريا، وهو أمر سيستغرق وقتاً' نظراً لتأخر سوريا الكبير في هذا المجال. ولا يكفي رفع العقوبات وحده لدفع عجلة الاقتصاد، إذ يتعين على السلطات تهيئة بنية حاضنة للاستثمار وشفافية في توقيع عقود استثمارية ضخمة. ولم تصدر السلطات الجديدة أي قوانين استثمار جديدة، ولم تعلن أي اصلاحات اقتصادية، بعد عقود نخر فيها الفساد المؤسسات، وساهم في تدهور بيئة الأعمال. ويروي رجل أعمال سوري يعمل بين دبي ودمشق، لفرانس برس من دون الكشف عن اسمه، إنه منذ إطاحة الاسد يرغب بتوسيع استثماراته في سوريا. ويقول إنه طرق منذ وصوله أبوابا عدة، من دون أن يوفق في معرفة الإجراءات التي يتعين اتباعها والقوانين والانظمة التي يجب الاحتكام اليها. داخل متجره لبيع الإلكترونيات في دمشق، لا يتوقع زهير فوال (36 سنة) أن ينعكس رفع العقوبات مباشرة على حياته اليومية. ويقول إن جلّ ما يتمناه حالياً هو أن تعمل 'تطبيقات على غرار نتفليكس وتيك توك' المحظورة عن سوريا. على صعيد آخر أعلنت جولي كوزاك المتحدثة باسم 'صندوق النقد الدولي' أن الصندوق أجرى 'مناقشات مفيدة' مع الفريق الاقتصادي السوري ويستعد لدعم جهود المجتمع الدولي لإعادة بناء اقتصاد سوريا المتضرر من الحرب. وكان آخر تقييم شامل للصندوق لحالة الاقتصاد السوري قد جرى في عام 2009 قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 2011. وأكدت المتحدثة 'ستحتاج سوريا إلى مساعدة كبيرة لإعادة بناء مؤسساتها الاقتصادية'. وتابعت 'نحن على أهبة الاستعداد لتقديم المشورة والمساعدة الفنية الهادفة وذات الأولوية في مجالات خبرتنا'.


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
مخاوف مالية تنعش أسواق السندات.. هذه الدول أكبر الرابحين
شهدت الأسواق العالمية اليوم الخميس، ارتفاعاً ملحوظاً في عوائد السندات المالية في عدد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة واليابان، مدفوعة بمخاوف تتعلق بالعجز المالي، وتراجع الإقبال على مزادات السندات، إلى جانب خطط توسعية في الموازنات الحكومية، ما أثار قلق المستثمرين بشأن استقرار الأسواق على المدى القريب. في السياق، سجلت سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات قفزة جديدة لتصل إلى 4.59%، وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من عام ونصف. ويأتي هذا الارتفاع بعد مزاد ضعيف للسندات لأجل 20 عاماً، بلغ فيه العائد 5.125%، ما يعكس تراجعاً في شهية المستثمرين تجاه أدوات الدين الأميركية طويلة الأجل، وسط تحذيرات من اتساع العجز في الموازنة الفيدرالية. أما سندات لـ30 عاماً، فقد تجاوزت حاجز 5% مجدداً، مسجلة 5.075%، في إشارة إلى ارتفاع التكاليف التمويلية للحكومة الأميركية في ظل توجهها لزيادة الاقتراض العام. في اليابان، ارتفع عائد السندات اليابانية العشرية إلى أعلى مستوى له في أكثر من شهر ونصف، بعد أن قفزت عوائد سندات الخزانة الأميركية، إثر ضعف الطلب على سندات العشرين عامًا. وخلال تعاملات الخميس، ارتفع عائد السندات اليابانية لأجل 10 سنوات بمقدار 4 نقاط أساس ليصل إلى 1.56%، في تمام الساعة 08:57 صباحًا، وهو أعلى مستوى له منذ 28 مارس/آذار. وارتفع عائد سندات الحكومة اليابانية لأجل 30 عامًا بمقدار نقطتي أساس ليصل إلى 3.163%، بعدما سجل في الجلسة السابقة أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3.187%. بينما سجّلت عوائد السندات الألمانية طويلة الأجل أعلى مستوى لها في شهرين اليوم الخميس، وسط تزايد المخاوف بشأن التوقعات المالية في الولايات المتحدة، بعد ضعف الطلب في مزاد سندات الخزانة الأميركية يوم الأربعاء. ويركّز المستثمرون اليوم على صدور بيانات مؤشرات مديري المشتريات لقطاعي التصنيع والخدمات لشهر مايو/أيار في كل من منطقة اليورو، وبريطانيا، والولايات المتحدة، باعتبارها مؤشرات مبكرة لأداء الاقتصاد العالمي. وفي سياق متصل، ارتفعت عوائد سندات منطقة اليورو بشكل طفيف، لكن أداء السندات طويلة الأجل بقي دون المستوى المطلوب. وصعدت عوائد السندات الألمانية لأجل 30 عامًا بنحو نقطتين أساس، لتصل إلى 3.168%، بعدما لامست في وقت سابق أعلى مستوى لها منذ منتصف مارس/آذار عند 3.179%. وكانت العوائد الألمانية قد ارتفعت بشكل حاد في مارس/آذار بعد تعديل تاريخي في قواعد الاقتراض في البلاد، إلى جانب إعلان الحكومة عن برنامج إنفاق ضخم. كما صعدت عوائد السندات لأجل 10 سنوات، المعيار القياسي لمنطقة اليورو، بمقدار نقطة أساس واحدة لتصل إلى 2.654%، في حين تراجع عائد السندات لأجل عامين، الأكثر حساسية للتغيرات في أسعار الفائدة، بشكل طفيف إلى 1.86%. أسواق التحديثات الحية ارتفاع الدين الأميركي يربك الأسواق.. هبوط الدولار والنفط والأسهم وفي الولايات المتحدة، زادت المخاوف بشأن عبء الدين، والتي أثارها مشروع قانون الضرائب الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب، إلى زيادة تكاليف الاقتراض هذا الأسبوع. وتزايد الضغط أيضًا بفعل ضعف الطلب في مزاد سندات الخزانة الأميركية لأجل 20 عامًا بقيمة 16 مليار دولار يوم الأربعاء، وذلك عقب خفض وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني الممتاز للولايات المتحدة الأسبوع الماضي. واستقر العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عامًا فوق مستوى 5%، بعدما بلغ أعلى مستوى له في عام ونصف خلال الليلة الماضية. وفي السياق ذاته، ارتفع العائد على السندات الإيطالية لأجل 10 سنوات، والتي تُعد مقياسًا لأداء اقتصادات دول الأطراف في منطقة اليورو ، بمقدار 1.5 نقطة أساس ليبلغ 3.66%، كما ارتفع العائد على السندات لأجل 30 عامًا بمقدار نقطتين أساس إلى 4.52%. وتشير التحركات الأخيرة في عوائد السندات إلى تصاعد القلق لدى المستثمرين حيال الوضع المالي لعدد من الدول، خصوصاً في ظل توقعات بتشديد السياسات النقدية وارتفاع مستويات الدين العام. وتتجه الأسواق العالمية إلى تسعير مرحلة طويلة الأمد من العوائد المرتفعة، ما ينذر بتداعيات واسعة على الاستثمارات و النمو الاقتصادي في النصف الثاني من 2025 (رويترز، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
الودائع في لبنان بين أموال منهوبة وذاكرة مجروحة
تصدّر ملف الودائع المصرفية واجهة النقاش العام في لبنان منذ لحظة الانهيار المالي في خريف 2019، لا باعتباره أزمة مالية فقط، بل كأحد أبرز وجوه تفكك الدولة وما يحمله من أبعاد اجتماعية، قانونية، وسياسية تمسّ يوميات ملايين اللبنانيين. فالودائع ، التي كانت تمثّل رمز الثقة بين المواطن والمؤسسات، تحوّلت بفعل السياسات المتبعة إلى وسيلة لتوزيع الخسائر على من لا يملك وسيلة للدفاع عن نفسه. وبينما عُلّقت حقوق المودعين، نشأ خطاب رسمي مشحون بالتضليل والمراوغة، هدفه الأساسي حماية المسؤولين الفعليين عن الانهيار. لم تُقَرّ أي خطة تعافٍ جدّية حتى اليوم، رغم مرور أكثر من خمس سنوات على الانهيار، وما زال النقاش يدور في الحلقة نفسها: من المسؤول؟ من يجب أن يتحمّل الخسائر؟ وكيف تمكن استعادة ما فُقد؟ في هذا المشهد، لم تتصارع الحلول بقدر ما تصارعت الروايات. أطراف السلطة والمصارف ومصرف لبنان تبادلوا التهم، فيما جرى تغييب الحقيقة وحجب الأرقام، وفرضت إجراءات استنسابية حرمت ملايين اللبنانيين من أبسط حقوقهم المالية، ولم يكن ثمّة مسار واضح أو عادل، بل عملية غامضة من إطفاء الخسائر على حساب المواطنين، من دون أدنى حدّ من الشفافية أو الوضوح. مالياً، تحوّلت ودائع الناس إلى أداة لتقنين الخسائر، وجرى تمييع الفروقات بين العملات، وتم اختراع ما يسمى "اللولار"، وسُمح بسحب الدولار بسعر صرف أدنى من السوق بأضعاف، ما أنتج "هيركات مقنّعة" فاقت في حجمها أي تصور. والأخطر أن هذا كله جرى دون إعلان رسمي للإفلاس أو لأي خطة واضحة لتوزيع الخسائر. ومع تفاقم الأزمة، فرضت المصارف اللبنانية قيوداً غير قانونية على السحب والتحويل، في غياب أي قانون رسمي ينظّم هذه الإجراءات، وجرى كل ذلك خارج أي مسار تشريعي أو خطة واضحة، ما جعل أزمة الودائع أقرب إلى عملية تذويب بطيء للحقوق، بدلًا من أن تكون نتيجة مباشرة لانهيار ظرفي يمكن احتواؤه. في موازاة هذا الانحدار، نشأ خطاب سياسي تضليلي جعل من المودع هدفاً لتلاعب منهجي بالعقول والوقائع، وتم تصوير الخسائر كأمرٍ طبيعيّ في ظل الانهيار، والترويج لنظرية "تحمّل الجميع للخسارة" في موازاة هذا الانحدار، نشأ خطاب سياسي تضليلي جعل من المودع هدفاً لتلاعب منهجي بالعقول والوقائع، وتم تصوير الخسائر كأمرٍ طبيعيّ في ظل الانهيار، والترويج لنظرية "تحمّل الجميع للخسارة" من دون أن يُحدَّد مَن هم هذا "الجميع"، ولا كيف سيتم توزيع الأعباء. في الواقع، لم يتحمّل أحد من المتسبّبين بالانهيار أي مسؤولية، وحدهم أصحاب الودائع الصغرى والمتوسطة وجدوا أنفسهم أمام واقع لم يختاروه، يُطلب منهم فيه الصمت والتأقلم، كأنّ التضحية بحقوقهم قدر لا مفرّ منه. أخطر ما في هذا الملف أن معالجته لم تُترك فقط للإجراءات المالية، بل أصبحت جزءاً من منظومة تضليل سياسي ممنهجة، روّجت أطراف السلطة لروايات متضاربة حول أسباب الانهيار المالي الذي جرى في العام 2019، وحاولت باستمرار تعويم الطبقة المصرفية والسياسية، عبر تفكيك الحقيقة إلى أجزاء لا تُجمع، أو عبر شحن الناس بخطابات ضبابية تستبدل العدالة بالمظلومية، والحق بالإذعان. موقف التحديثات الحية تقديس السرية المصرفية في عز المنهبة اللبنانية اختُزلت الأزمة إلى صراع بين المصرف المركزي والحكومة، بين الحاكم والمصارف، بين النواب واللجان، وغاب كلياً الفاعل الحقيقي: النظام القائم الذي راكم الديون، وهرّب الأموال، وتهرّب من المحاسبة. لم يُطرح ملف الودائع كحق مصان يجب استرجاعه، بل كعبء مالي على الدولة، أو كأزمة تقنية تستدعي التدرج في السداد، من دون الاعتراف بحجم الضرر الذي لحق بكرامة الناس وثقتهم بالمؤسسات. ورغم التهويل الدائم بحجم الخسائر، تم تجاهل واقع أن هذه الخسائر لم تكن أرقاماً مجرّدة، بل أموال مواطنين، وتعويضات نهاية خدمة، ومدخرات عائلات، ورؤوس أموال مشاريع صغيرة كلّها تبخّرت أو تقلّصت قيمتها بفعل التلاعب بسعر الصرف، وغياب الحماية القانونية، وتواطؤ الجهات المعنية في إدارة الأزمة. الحكومة لم تقم بأي خطوة جادّة لوضع خطة واضحة لتوزيع الخسائر بشكل عادل. بل العكس، بدا وكأنها تسعى إلى إطالة أمد الأزمة كي تُفرَض الخسائر واقعاً لا يمكن التراجع عنه. أمّا البرلمان، فتلكّأ في إقرار القوانين الأساسية كالكابيتال كونترول، وقانون إعادة هيكلة المصارف، ما زاد من انعدام الثقة وفتح الباب أمام الاجتهادات الفردية، والسياسات الانتقائية في التعامل مع حقوق الناس. كان يفترض أن تشكّل هذه الكارثة المالية لحظة مفصلية في إعادة بناء العقد الاجتماعي، إلا أن غياب المحاسبة بدّد الاحتمال. كما لم يتم فتح أي ملفات بشأن التحويلات الخارجية، أو الهندسات المالية كان يفترض أن تشكّل هذه الكارثة المالية لحظة مفصلية في إعادة بناء العقد الاجتماعي، إلا أن غياب المحاسبة بدّد هذا الاحتمال. كما لم يتم فتح أي ملفات بشأن التحويلات الخارجية، أو الهندسات المالية، أو دور مصرف لبنان، لا بل أن الجهات الرسمية، من لجنة الرقابة على المصارف إلى القضاء المالي، بدت إمّا عاجزة، أو متواطئة أو خاضعة لحسابات سياسية. وهكذا، بقيت الخسائر الكبرى معلّقة بلا توزيع عادل، بينما تم تحميل المودعين العبء الأكبر، وتحويلهم إلى رهائن لمعادلة لا تخضع لأي منطق اقتصادي أو أخلاقي. هذا الواقع لم ينعكس على الحسابات فحسب، بل على الحياة اليومية لمئات آلاف العائلات، بعض المودعين اضطر إلى بيع بيته، أو الاقتراض لتغطية تكاليف علاج أو تعليم، أو الهجرة في سن متقدمة بحثاً عن تعويض ما فُقد، والبعض الآخر قرر اللجوء إلى القضاء، ليُفاجأ بمسار طويل ومعقد، لا يوصل إلى نتيجة، بل يضيف عبئاً نفسياً فوق الخسارة المالية. وهكذا، تحوّلت الأزمة إلى حالة جماعية من الإنهاك والتكيّف القسري، حيث بات فقدان الحق أمراً معتاداً، لا يثير سوى الحزن الصامت أو السخرية المُرّة. اقتصاد عربي التحديثات الحية الرئيس اللبناني يقرّ تعديلات قانون السّرية المصرفية في النهاية، إن أزمة الودائع لا يمكن فصلها عن طبيعة النظام السياسي والاقتصادي في لبنان، القائم على الزبائنية والمحاصصة وتفادي المحاسبة، فالمنظومة التي أدارت الأزمة، هي نفسها التي استفادت من المال العام، ومن السياسات المالية الفاشلة. لذا، لم تكن هذه الودائع أموالاً مفقودة فقط، بل كانت ضحية مشروع حكم كامل. وما لم يتم الاعتراف بهذه الحقيقة والعمل على بناء عدالة مالية انتقالية تضمن إعادة الحقوق وتثبيت الثقة، ستبقى الأزمة مفتوحة، وسيتعمق الشرخ بين الناس والدولة. فالقضية لم تعد مالية فحسب، بل أصبحت قضية ذاكرة جماعية لشعب تعرّض لسرقة علنية، وأُجبر على دفع ثمن أزمة لم يكن شريكاً في صنعها، وامتحاناً حقيقياً لأي مشروع إصلاح في المستقبل.