
مستشفيات السودان... نفاد الأوكسجين يهدّد حياة آلاف المرضى
تعاني المستشفيات الحكومية في جميع ولايات السودان من أزمة في توفير الأوكسجين الطبي، ما يجعل حياة آلاف المرضى معرضةً للخطر، ويحرم الأطباء من تقديم الرعاية الصحيّة اللائقة.
بعد ساعات قليلة من مغادرتها مخيّم أبو شوك للنازحين شمالي مدينة
الفاشر
، فارقت السودانية بخيتة (67 سنة) الحياة متأثرة بنوبة ربو حادة، واضطر ابنها الذي كان يرافقها إلى مواراتها الثرى مع عدد قليل من النازحين الذين كانوا رفقتهم خلال رحلة نزوحهم نحو محليّة رُوكيرو، الواقعة بالقرب من جبل مرة في ولاية
شمال دارفو
ر.
كانت بخيتة قبل وفاتها، تسرع نحو المركز الصحي في مخيّم أبو شوك، عندما تتعرض لحالة مشابهة من ضيق التنفس، لتحصل على جرعات من
الأوكسجين
، ثم تعود إلى منزلها. وغادرت المخيّم بعد توغل
قوات الدعم السريع
داخله في إبريل/نيسان الماضي، ضمن آلاف النازحين، لكنها لم تقوَ على إكمال رحلة النزوح، وفارقت الحياة لتلحق بالمئات ممّن قتلتهم الأمراض التنفسية والجلطات بسبب نقص الأوكسجين وتردي الرعاية الصحية.
في "مستشفى
أم درمان
الكبير"، وهو أحد أقدم مستشفيات السودان، فارق عدد من المرضى الحياة في ديسمبر/كانون الأول 2024، بسبب نقص الأوكسجين. يقول طبيب كان يعمل بالمستشفى الذي خرج عن الخدمة لفترة طويلة عقب اندلاع الحرب: "عدد المرضى الذين ماتوا لعدم توفر الأوكسجين يتجاوز العشرة في غضون شهر واحد"، وأفاد الطبيب الذي رفض الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، لـ"العربي الجديد"، بأن المستشفى الذي يعتبر مرجعياً في
ولاية الخرطوم
، ظل يستقبل الحالات المحوّلة من "مستشفى النو" من أجل إجراء العمليات الجراحية، ولعدم توفر الأوكسجين كان المرضى يموتون خلال العمليات الجراحية، أو نتيجة تأخيرها بسبب نفاد الأوكسجين.
وفي مدينة الأبيض بإقليم كردفان، ظلت المستشفيات على مدار نحو عامين تجلب أسطوانات الأوكسجين من مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، عبر شاحنات البضائع التي تنقله على طُرق غير مرصوفة، ليباع إلى المستشفيات بأسعار السوق السوداء، ووصل سعر الأنبوبة في بعض الأوقات إلى أكثر من 340 ألف جنيه سوداني (نحو 150 دولاراً) وهو مبلغ يفوق مقدرة المستشفيات التي لا تحصل على أي دعم مالي، بينما تعالج المرضى، وغالبيتهم من النازحين الفارين من الحرب برسوم رمزية.
فارق مرضى الحياة في مستشفى أم درمان بسبب نقص الأوكسجين
يقول طبيب من مستشفى الأبيض لـ"العربي الجديد": "غالباً ما يمرّ الأسبوع ولا نتمكن من إجراء أيّ عملية جراحية، أو تقديم الرعاية الطبية لمرضى يحتضرون؛ كون المستشفى لا يملك الأوكسجين. المصابون بأزمة في التنفس، والأطفال الذين يحتاجون للأوكسجين يموتون أمام أعيُننا ولا نستطيع مساعدتهم، لعدم توفر أسطوانات الأوكسجين التي تُجلَب بين فترة وأخرى من خارج الولاية، وبأسعار باهظة، كما أنّ المستشفى يعاني من نقص حاد في الكهرباء. الأوضاع في غاية السوء، وعدم توفر الأوكسجين يعني أن العديد من المرضى محكوم عليهم بالموت".
وتفيد طبيبة أخرى تعمل في قسم الولادة بمستشفى الأبيض، بأنّ عدم توفر الأوكسجين يمثل تهديداً حقيقياً لحياة النساء الحوامل، وتوضح لـ"العربي الجديد": "الأمور لا تسير على نحوٍ جيّد في المستشفى، وفي مرات كثيرة نضطر إلى إجراء عمليات ولادة من دون أن يكون لدينا أنبوبة أوكسجين، ولو أنّ طارئاً حدث أثناء الولادة لن تكون لدينا وسيلة تصرف، وعادة ما نعتمد على الحظ".
أزمة أسطوانات أوكسجين في السودان، 11 يونيو 2020 (فرانس برس)
وتظل الأوضاع في مستشفيات مدينة الفاشر المحاصرة من الدعم السريع منذ أكثر من عام، أخطر من مستشفيات الولايات الأخرى، فبعد إغلاق أبواب المستشفيات الرئيسة، ونقل الكوادر الطبية للعمل في مستشفيات ميدانية، لجأت وزارة الصحة في بادرة نادرة الحدوث إلى التعاقد مع تاجر محلي لتوفير الأوكسجين.
يقول وزير الصحة بولاية شمال دارفور، إبراهيم خاطر، لـ"العربي الجديد": "يضمّ إقليم دارفور خمسَ ولايات، وبعد توقف مصانع الأوكسجين الحكومية بسبب سرقتها أو تدميرها بالقصف، كان خيارنا هو الاعتماد على تاجر محلي يوفر لنا الأوكسجين بسعر السوق السوداء حتى لا ينعدم في المستشفيات. اشترط علينا التاجر أن تكون تعبئة أسطوانات الأوكسجين 50% من سعتها الأصلية، وهذا شرط مجحف، لكن الوزارة كانت مضطرة للقبول حتّى لا تفقد الأوكسجين نهائياً في المستشفيات في ظلّ أوضاع الحرب والحصار".
يضيف خاطر: "ليس هناك سعر ثابت لشراء الأوكسجين من التاجر المحلي، فالسعر يعتمد على كلفة تشغيل المولدات الكهربائية والأجهزة الخاصة التي يمتلكها التاجر، والذي يعتمد في توفير الوقود لتشغيلها على السوق السوداء، إلى جانب المخاطر الأمنية التي يتعرض لها، وجميعها تضاف أعباءً على كلفة أنبوبة الأوكسجين التي تُباع للوزارة".
وتسبب انقطاع الكهرباء المستمر عن ولاية نهر النيل، في تقلص إنتاج مصنع الأوكسجين في عطبرة عاصمة الولاية، الذي كان يزوّد مستشفيات عدد من الولايات المجاورة أيضاً. وتراجع إنتاج المصنع من 170 أسطوانة في اليوم إلى 13 بعد قصف المُسيّرات لمحطات الكهرباء بالولاية، في 25 إبريل/ نيسان الماضي، وخروج مولدات سدّ مروي عن الخدمة في 17مايو/أيار.
يراجعان قسم النساء بمستشفى ود مدني، 11 فبراير 2025 (فرانس برس)
ورغم أن الأوكسجين يُعدّ مكوناً أساساً في تقديم الرعاية الصحية، لكن السلطات الحكومية لا تبذل جهداً كبيراً لتوفيره، وتترك الأمر لإدارات المستشفيات التي لا تملك المال لشرائه من السوق السوداء. يقول مصدر بوزارة الصحة السودانية لـ"العربي الجديد": "خلال فترة الحرب، لم تمنح السلطات الحكومية أي أهمية لمقدّرات وزارة الصحة، وتركتها تجاهد وحدها، وبمساعدة المنظمات الإنسانية الأهلية لتوفير الرعاية للمواطنين، الذين مات الآلاف منهم نتيجة تفشّي الكوليرا والملاريا وحمى الضنك، ونفاد الأوكسجين في المستشفيات".
في ريف ولاية القضارف التي تقع على الحدود الإثيوبية، يلجأ الأطباء لاستخدام جهاز Compressor Nebulizer بدلاً عن أسطوانات الأوكسجين، ويقول الطبيب بأحد المراكز الصحية في المنطقة، حمد محمد، لـ"العربي الجديد"، إن "أنابيب الأوكسجين غير متوفرة، ولذلك يغذى الكمبروسور النيوبلايزر عبر الطاقة التي تنتجها المولدات الكهربائية التي تعمل بالجازولين، وهو يستخدم في المستشفيات والمراكز الصحية لمعالجة أصحاب الأمراض التنفسية والجلطات وغيرها. الجهاز المستخدم لا يفي بالغرض في الحالات الحرجة أو في أثناء العمليات، لكنّنا لا نملك بديلاً".
وفي الوقت الراهن، تعتمد ولاية الجزيرة (وسط)، على المولدات الكهربائية التي تعمل بالجازولين لتعبئة أسطوانات الأوكسجين بعد توقف مصنعَي الأوكسجين نتيجة تعرضهما للتخريب والسرقة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الولاية في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
وينفي وزير الصحة بولاية الجزيرة، أسامة عبد الرحمن، وجود أزمة أوكسجين في مستشفيات الولاية، ويقول لـ"العربي الجديد": "نوفّر من خلال المولّدات كل احتياجات مستشفيات الولاية من الأوكسجين".
صحة
التحديثات الحية
الكوليرا في السودان... إصابات مقلقة وسط نظام صحي منهار
في المقابل، يؤكّد عدد من مرضى ولاية الجزيرة لـ"العربي الجديد" أن الأوكسجين يكاد يكون معدوماً في المستشفيات، وفي كثير من الأوقات يستخدم المرضى الواسطات والمعارف للتصديق على حصولهم على جرعات أوكسجين. ويسأل المرضى عن المصدر الذي يحصل منه وزير الصحة على الوقود لتشغيل المولدات في ظل وجود أزمة وقود في كل أنحاء السودان.
وإلى جانب أزمة الأوكسجين في مستشفيات السودان التي تعرضت لعمليات نهب وسرقة واسعة، وطاولها القصف أثناء المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الحرب التي دخلت عامها الثالث، تفجرت خلال الأيام الأخيرة، وللمرة الثالثة خلال الحرب، أزمة تفشّي وباء الكوليرا، الذي ضرب ولايات عدّة خلال الأسابيع الماضية، وخلّف مئات الإصابات، أكثرها بولاية الخرطوم، التي تعاني من أزمة عطش وانقطاع للكهرباء منذ الخامس عشر من إبريل الماضي، بعد استهداف محطات توليد الكهرباء بالمُسيّرات التابعة للدعم السريع.
وتقول مصادر طبية في مستشفى النو بأم درمان لـ"العربي الجديد"، إن "عدد المصابين بالكوليرا الذين يترددون على المستشفى يومياً يتجاوز مئتي إصابة، ما دفع السلطات إلى فرض قيود مشدّدة على العاملين بالمستشفى، ومنعهم من استخدام الهواتف حتى لا ينقلوا ما يجري داخله إلى العالم الخارجي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
الأزمة الصحية في السويداء... مستشفيات متهالكة وفسادٌ يهدّد بكارثة
تُشكّل الأزمة المتفاقمة في القطاع الصحي بمحافظة السويداء، اختباراً صعباً للحكومة السورية الجديدة، في ظل تراكم إرثٍ من الإهمال والفساد و ضعف التمويل ، ما يُهدّد بتحويل هذه المحافظة إلى نموذجٍ لانهيار الخدمات الأساسية رغم الموارد البشرية المؤهلة. يعاني مستشفى السويداء الوطني المُصنَّف أكبر منشأة صحية حكومية في المحافظة من مشهدٍ مظلم، أقسام طبية متوقفة بالكامل مثل الجراحة الصدرية والعينية، وأخرى تعمل بأقل من طاقتها كقسم الكلى الذي يفتقر لطبيبٍ متخصّص، بينما تعتمد الأقسام العاملة بشكلٍ أساسي على جهود الأطباء المقيمين ، معظمهم من طلاب الاختصاص، والكادر التمريضي. ويوضح طبيب في قسم الطوارئ، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "قسم الطوارئ في المستشفى يستقبل يوميّاً ما يُقارب 450 حالة إسعافية، بينما تُعاني الأجهزة التشخيصية من أعطالٍ متكررة. كيف نثق بقراءة جهاز تخطيط القلب إذا كان عمره يتجاوز 15 عاماً؟ المرضى يُحالون أحياناً للتصوير الشعاعي، لكن النتيجة قد تستغرق وقتاً طويلاً بسبب نقص الكوادر". أدّت الأجور الزهيدة إلى هجرة جماعية للكوادر الصحية المؤهلة كما أدّت الأجور الزهيدة للممرضين، والتي لا تتجاوز 50 دولاراً شهريّاً، إلى هجرة جماعية للكوادر المؤهلة. وتُشير أرقام غير رسمية إلى أن 70% من أطباء المحافظة وممرّضيها يعملون في العيادات الخاصة، بينما يعتمد القطاع العام على المتقاعدين والمُقيمين. وتعلّق اختصاصية طب الأطفال الدكتورة روان العلي، بالقول: "حتى لو توفرت الأجهزة، من سيعمل عليها؟ آخر دورة تأهيلية لكوادر الأشعة كانت قبل ست سنوات. نحن نعتمد على اجتهادات فردية تنتهك أبسط معايير السلامة الطبية". بنى تحتية منهارة وأدوية منتهية الصلاحية، 31 أكتوبر 2017 (حمزة العجوة/فرانس برس) بينما يقول أحد الأطباء المقيمين في مستشفى السويداء لـ"العربي الجديد": "لم تكن الأجور المتدنية في القطاع الصحي الحكومي العامل الوحيد وراء عزوف الكوادر الطبية، بل تفاقمت الأزمة مع انهيار البنى التحتية، وشحّ الأدوية الأساسية، وانتشار مافيات الفساد التي استشرت في مفاصل القطاع. ورغم مرور أشهر على تغيير الإدارة، لم تشهد المستشفيات العامة تحسناً نوعياً؛ مستشفى السويداء الوطني، والذي يُفترض أن يكون المنشأة الأكثر تجهيزاً، يعاني من تعطيل كامل لأقسام حيوية، مثل الجراحة الصدرية والأوعية الدموية والعيون، بسبب غياب الكوادر المتخصّصة والتجهيزات الحديثة، بينما يفتقر قسم الكلى إلى وجود طبيبٍ متخصّص دائماً. أما الأقسام العاملة، فتعتمد بشكلٍ شبه كامل على جهود الممرّضين والأطباء المقيمين (طلاب الاختصاص)، وسط نقصٍ كارثي في المعدات والأدوية". وتُعاني المستشفيات الحكومية في المحافظة شحّ الأدوية الأساسية، ويُثير مستشفى شهبا الذي أُنشئ عام 2019 بسعة 60 سريراً تساؤلاتٍ حول جدوى وجوده، رغم تجهيزه بأقسام التصوير الشعاعي والمختبر والطوارئ والجراحة العامة، إذ كان يُفترض أن يخدم 125 ألف نسمة في المدينة وريفها الشمالي والشرقي. ويشير الممرّض نبيل الحسين إلى أن "مستشفى شهبا يمتلك جهاز تنظيرٍ هضمي، لكنه يعمل فقط ثلاثة أيام في الشهر، لغياب الطبيب المتخصّص. بالمقابل، تطلب مراكز ريفية مثل صلخد أجهزة تخطيط سمع، بينما تفتقر لأبسط الإسعافات، وتبقى أجهزة غسل الكلى في مستشفى سالة دون متخصّصين". كما تُعاني العيادات الريفية من إغلاقٍ متكرر وتفتقر لوجود مواد علاج الأسنان، رغم وجود عياداتٍ مجهزة. فيما يؤدي غياب المساعدات والتمويل إلى تفاقم الأزمة، إذ إن مستشفى شهبا، على سبيل المثال، لا يملك سوى سيارة إسعافٍ واحدة تخلو من أجهزة الإنعاش، بينما تتلقى مستشفيات أخرى في المحافظات دعماً دولياً". ويسأل الممرض: "كيف نُنقذ مرضى الجلطات من دون جهاز صدمات كهربائي؟ الوضع يدفع الكوادر الطبية الريفية للعمل باجتهاداتٍ فردية، في حين يضطر المرضى لشراء أدويتهم من السوق السوداء، في حلقة مُفرغة تُعمّق معاناة السكان وتُبرز إفلاس النظام الصحي برمّته". ويقول يحيى خطار، وهو أحد مرضى القلب في شهبا لـ"العربي الجديد": "نُقلت إلى مستشفى شهبا بعد إصابتي بجلطة، لكنهم طلبوا تحويلي إلى السويداء لعدم وجود جهاز تصوير طبقي. سيارة الإسعاف الوحيدة في المستشفى توقفت قبل شهرٍ لعدم وجود قطع غيار، بحيث يتمّ اللجوء لمنظمة الهلال الأحمر السوري". ويطرح استشاري السياسات الصحية، ياسر أبو إسماعيل، مجموعة من الحلول لإنقاذ القطاع الصحي، ويرى أن "الأولوية هي للإصلاح الإداري الجذري بتوحيد إدارة المرافق الصحية تحت سلطة واحدة، مع تفعيل الرقابة المالية على المشتريات، وإدراج القطاع الصحي في السويداء في برامج الطوارئ الدولي، مع توجيه دعمٍ تقني لتدريب الكوادر، بالإضافة إلى حوكمة التمويل وربط الدعم المالي بإصلاح الهيكل الإداري الذي سيحدّ حتماً من الفساد". تُعاني المستشفيات الحكومية في السويداء شحّ الأدوية الأساسية وتفاعل المجتمع المحلي في السويداء مع نداءات النقص بالطعام في المستشفيات العامة، وقام بمبادرات عديدة بالتعاون مع المغتربين. فيما ساهم المجتمع المدني في مدينة شهبا بمبالغ مالية لسد احتياجات مستشفى شهبا الحكومي من بعض الأدوية، والطعام. وكان لهذه المبادرات دور مهم في استمرار العمل. كما قام عدد كبير من الأطباء والممرضين بالتعاقد المجاني مع المستشفيات. صحة التحديثات الحية مستشفيات السودان... نفاد الأوكسجين يهدّد حياة آلاف المرضى وعلى الرغم من تصريحات مسؤولي وزارة الصحة السورية عن "خطة إصلاحية قريبة"، يرى مراقبون أن العقبات تتجاوز الإرادة السياسية. وصرّح مصدر من مديرية الصحة لـ"العربي الجديد": "وضع السويداء أولوية قصوى. نعمل على توفير دعم مالي لإعادة تأهيل البنية التحتية، لكن المبالغ المطروحة لا تكفي لشراء ثلاثة أجهزة رنين مغناطيسي، والحل الحقيقي يتطلب إشراك القطاع الخاص في الاستثمار الصحي". وتختزل أزمة السويداء مفارقة خاصة؛ فالمحافظة غنية بكفاءاتها الطبية، لكنها عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات، ويحذّر ناشطون حقوقيون وأطباء من "تحوّل الأزمة الصحية إلى كارثة طبية".


BBC عربية
منذ 3 أيام
- BBC عربية
السودانيون في مواجهة الكوليرا والحرب
يعيش السودان أوضاعاً صحية كارثية نتيجة لتفشّي وباء الكوليرا، مع دخول الحرب عامها الثالث. ويواجه السودانيون واقعاً مزرياً؛ إذ بجانب الكوليرا، تنتشر الملاريا وحُمّى الضنك، في ظل نظام صحيّ مُتداع. وما كاد كثير من السودانيين يعودون إلى الجيش بعد استعادة الجيش سيطرته على العاصمة الخرطوم، حتى بات هؤلاء يرغبون في المغادرة مجدداً خاصة بعد تفشي مرض الكوليرا في العاصمة وعدد من الولايات. وأعلنت وزارة الصحة السودانية انتشار المرض في كل من (شمال كردفان، وسنار، والجزيرة، والنيل الأبيض ونهر النيل). مشاعر أحمد، التي عادتْ إلى البلاد منذ ما يقارب الشهر، تعيش في محلية كرري بمدينة أمدرمان - التي تشهد أعلى معدلات الإصابة بالكوليرا وفقا لوزارة الصحة السودانية. وقالت مشاعر لبي بي سي إنها عادت بعد انتشار أخبار بتحسُّن الأوضاع في مدينتها وسيطرة الجيش على العاصمة، إلا أن الأوضاع سرعان ما ساءت جداً بسبب انقطاعات الكهرباء وانعدام المياه، وتفشِّ الكوليرا. وتوفي ثلاثة أشخاص متأثرين بالوباء في الحيّ الذي تقطن فيه مشاعر، بجانب تسجيل عدد من الإصابات. وتُعدّ مشاعر واحدة من أكثر من 134 ألف شخص عادوا إلى منازلهم التي دمرتها الحرب، وسط انعدام تام للخدمات. وإلى جانب "الانفتاح" في منطقتَي الصالحة جنوبي أمدرمان وجبل أولياء جنوبي الخرطوم، والتي سيطر عليها الجيش السوداني، تُعتبر عودة النازحين إلى ديارهم أحد أهم أسباب تفشّي المرض، بجانب عدم توفُّر طعام جيد ومياه شرب نظيفة، بحسب وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم. ووصفت منظمة أطباء بلا حدود المرض بالوباء، ويبدو أن السيطرة عليه أمر صعب؛ إذ تتطلب عودة الكهرباء المقطوعة للأسبوع الثالث على التوالي عن مدينة أمدرمان بفعل الهجمات المتكررة على محطات الكهرباء بالمُسيّرات من قبل قوات الدعم السريع -كما تقول الحكومة السودانية. وأدى ذلك إلى انقطاع مياه الشرب ولجوء المواطنين لشُرب المياه من مصادر غير آمنة، ما زاد وتيرة تفشّي المرض، خاصة في مدينة أمدرمان - حيث لجأ المواطنون لشراء مياه الشرب من الباعة المتجولين الذي يستخدمون عربات نقل بدائية تجرُّها الدواب. ويبلغ سعر برميل المياه ثلاثين ألف جنيه سوداني، أي ما يُقارب خمسة دولارات، حيث يجلبون المياه من نهر النيل، أو من آبار مفتوحة غير خاضعة للمعالجة ولا الرقابة. وتنتشر مقاطع فيديو لصفوف من المواطنيين وعربات "الكارو" الشعبية لشراء مياه شرب غير نظيفة من نهر النيل، فيما يقول وزير الصحة السوداني لبي بي سي إن المعالجة النهائية فيما يتعلق بتوفير مياه شرب نظيفة أمر صعب في المرحلة الأولى. وتعتمد حكومة ولاية الخرطوم على كلوَرة المياه (إضافة الكلور إلى الماء بنسب معينة)، كمعالجة أوّلية بالعمل مع المنظمات الأممية وأطباء بلا حدود. وتشرف منظمة أطباء بلا حدود على ثمانية مراكز للعزل، موزعة على العاصمة تقول إنها ممتلئة بالمصابين. وتبلغ سعة مراكز العزل التابعة لأطباء بلا حدود في مدينة أمدرمان فقط حوالي 300 سرير، بحسب محمد نديم أحد المسؤولين بالمنظمة بينهم (مركز عزل مستشفى النو، والذي تم إخلاؤه قبل يومين، ومركز عزل الجزيرة اسلانج، ومستشفى أمدرمان). ويقول صحفيون زاروا مراكز عزل إنها تشهد تكدّسا وتوافدا لمصابين يفوق سعة المراكز على مدار الساعة. ومن جهتها، أعربت وزارة الصحة السودانية عن قلقها إزاء تدهور الأوضاع الصحية جرّاء انتشار الوباء بالبلاد؛ إذ تمّ تسجيل 2,729 إصابة بالكوليرا خلال أسبوع واحد و 172 حالة وفاة، مع تركُّز نحو 90 في المئة من الإصابات الجديدة في ولاية الخرطوم، خاصة في محليات كرري، وأم درمان وأمبدة، بحسب آخر إحصائيات رسمية. وانتشر المرض في ولاية سنار، ووفقاً لإبراهيم العوض أحمد وزير الصحة بالولاية الذي تحدث لبي بي سي، فإن الولاية سجّلت 51 إصابة بالكوليرا وخمس وفيات مع تعافي 14 حالة، وقال العوض إن عدد الحالات الموجودة في مركزَي عزل مستشفى سنار وسنجة بلغ 32 حالة. وتُعدّ حركة المواطنين بين ولايتَي الجزيرة وسِنار أحد أسباب انتشار المرض بالولاية، بجانب استخدام المواطنين مياه الشرب من النيل مباشرة دون معالجتها. وتتخوّف لجان مقاومة وَد مدني من انتشار الكوليرا، بعد تسجيل عدة حالات بالمدينة الواقعة وسط السودان وثاني أكبر المدن كثافة سكانية بعد الخرطوم. يشار إلى أن لجان مقاومة وَد مدني، هي لجان أهلية نشطت في احتجاجات ديسمبر 2018 التي أدت إلى إسقاط نظام عمر البشير، وتقوم الآن بأدوار خدمية. وتقول هذه اللجان إن المدينة ورثت نظاماً صحيا منهاراً نتيجة الحرب التي ضربت البنى التحتية للولاية فيما تشهد مستشفى ود مدني نقصا حاداً في الكوادر الطبية وسط نقص للدواء وتدهور في بيئة المستشفى. وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد حالات الإصابة بالكوليرا المسجّلة في السودان بلغ نحو 60 ألف حالة، منذ بداية تفشي المرض في البلاد، وسط تحذيرات من تدهور الأوضاع الصحية؛ بسبب النزاع المستمر وانهيار البنية التحتية. وقالت "اليونسيف" إن أكثر من مليون طفل معرّضين للخطر في السودان؛ بسبب انتشار الكوليرا حيث أُبْلِغ عن أكثر من 7,700 حالة إصابة بالكوليرا منذ بداية العام الجاري في الخرطوم من بينها ألف حالة إصابة لأطفال دون سِن الخامسة. وقالت ميرا ناصر مديرة الإعلام والاتصال باليونسيف أن محليتَي جبل أولياء والخرطوم هما الأكثر تضرراً كما تواجهان خطر المجاعة، مع وجود عشرات الآلاف من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد. وتقول المنظمة التي تعاني ضعف التمويل إن حالات الإصابة اليومية بالكوليرا قد تضاعفت تسع مرات خلال عشرة أيام فقط، ما يُنذِر بالخطر. وتحتاج المنظمة الأممية المعنيّة بالطفولة إلى دعم كبير من المجتمع الدولي والممولين للحدّ من تفشّي الكوليرا بشكل أكبر لإنقاذ الأرواح. ومع تمدُّد رقعة الحرب، واستمرار الهجمات على البنى التحتية، والنقص الحادّ في الغذاء وخروج أكثر من 80 في المئة من المستشفيات والمؤسسات المعنيّة بتقديم العلاج من العمل - يُحذّر محمد سيد أحمد المتحدث باسم نقابة الأطباء السودانيين من خروج الوباء عن السيطرة، في حال عدم تدخُّل المنظمات الدولية والأممية. فيما تتوقع وزارة الصحة السودانية انحسار الإصابات خلال الأسابيع القادمة.


العربي الجديد
منذ 3 أيام
- العربي الجديد
مستشفيات السودان... نفاد الأوكسجين يهدّد حياة آلاف المرضى
تعاني المستشفيات الحكومية في جميع ولايات السودان من أزمة في توفير الأوكسجين الطبي، ما يجعل حياة آلاف المرضى معرضةً للخطر، ويحرم الأطباء من تقديم الرعاية الصحيّة اللائقة. بعد ساعات قليلة من مغادرتها مخيّم أبو شوك للنازحين شمالي مدينة الفاشر ، فارقت السودانية بخيتة (67 سنة) الحياة متأثرة بنوبة ربو حادة، واضطر ابنها الذي كان يرافقها إلى مواراتها الثرى مع عدد قليل من النازحين الذين كانوا رفقتهم خلال رحلة نزوحهم نحو محليّة رُوكيرو، الواقعة بالقرب من جبل مرة في ولاية شمال دارفو ر. كانت بخيتة قبل وفاتها، تسرع نحو المركز الصحي في مخيّم أبو شوك، عندما تتعرض لحالة مشابهة من ضيق التنفس، لتحصل على جرعات من الأوكسجين ، ثم تعود إلى منزلها. وغادرت المخيّم بعد توغل قوات الدعم السريع داخله في إبريل/نيسان الماضي، ضمن آلاف النازحين، لكنها لم تقوَ على إكمال رحلة النزوح، وفارقت الحياة لتلحق بالمئات ممّن قتلتهم الأمراض التنفسية والجلطات بسبب نقص الأوكسجين وتردي الرعاية الصحية. في "مستشفى أم درمان الكبير"، وهو أحد أقدم مستشفيات السودان، فارق عدد من المرضى الحياة في ديسمبر/كانون الأول 2024، بسبب نقص الأوكسجين. يقول طبيب كان يعمل بالمستشفى الذي خرج عن الخدمة لفترة طويلة عقب اندلاع الحرب: "عدد المرضى الذين ماتوا لعدم توفر الأوكسجين يتجاوز العشرة في غضون شهر واحد"، وأفاد الطبيب الذي رفض الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، لـ"العربي الجديد"، بأن المستشفى الذي يعتبر مرجعياً في ولاية الخرطوم ، ظل يستقبل الحالات المحوّلة من "مستشفى النو" من أجل إجراء العمليات الجراحية، ولعدم توفر الأوكسجين كان المرضى يموتون خلال العمليات الجراحية، أو نتيجة تأخيرها بسبب نفاد الأوكسجين. وفي مدينة الأبيض بإقليم كردفان، ظلت المستشفيات على مدار نحو عامين تجلب أسطوانات الأوكسجين من مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، عبر شاحنات البضائع التي تنقله على طُرق غير مرصوفة، ليباع إلى المستشفيات بأسعار السوق السوداء، ووصل سعر الأنبوبة في بعض الأوقات إلى أكثر من 340 ألف جنيه سوداني (نحو 150 دولاراً) وهو مبلغ يفوق مقدرة المستشفيات التي لا تحصل على أي دعم مالي، بينما تعالج المرضى، وغالبيتهم من النازحين الفارين من الحرب برسوم رمزية. فارق مرضى الحياة في مستشفى أم درمان بسبب نقص الأوكسجين يقول طبيب من مستشفى الأبيض لـ"العربي الجديد": "غالباً ما يمرّ الأسبوع ولا نتمكن من إجراء أيّ عملية جراحية، أو تقديم الرعاية الطبية لمرضى يحتضرون؛ كون المستشفى لا يملك الأوكسجين. المصابون بأزمة في التنفس، والأطفال الذين يحتاجون للأوكسجين يموتون أمام أعيُننا ولا نستطيع مساعدتهم، لعدم توفر أسطوانات الأوكسجين التي تُجلَب بين فترة وأخرى من خارج الولاية، وبأسعار باهظة، كما أنّ المستشفى يعاني من نقص حاد في الكهرباء. الأوضاع في غاية السوء، وعدم توفر الأوكسجين يعني أن العديد من المرضى محكوم عليهم بالموت". وتفيد طبيبة أخرى تعمل في قسم الولادة بمستشفى الأبيض، بأنّ عدم توفر الأوكسجين يمثل تهديداً حقيقياً لحياة النساء الحوامل، وتوضح لـ"العربي الجديد": "الأمور لا تسير على نحوٍ جيّد في المستشفى، وفي مرات كثيرة نضطر إلى إجراء عمليات ولادة من دون أن يكون لدينا أنبوبة أوكسجين، ولو أنّ طارئاً حدث أثناء الولادة لن تكون لدينا وسيلة تصرف، وعادة ما نعتمد على الحظ". أزمة أسطوانات أوكسجين في السودان، 11 يونيو 2020 (فرانس برس) وتظل الأوضاع في مستشفيات مدينة الفاشر المحاصرة من الدعم السريع منذ أكثر من عام، أخطر من مستشفيات الولايات الأخرى، فبعد إغلاق أبواب المستشفيات الرئيسة، ونقل الكوادر الطبية للعمل في مستشفيات ميدانية، لجأت وزارة الصحة في بادرة نادرة الحدوث إلى التعاقد مع تاجر محلي لتوفير الأوكسجين. يقول وزير الصحة بولاية شمال دارفور، إبراهيم خاطر، لـ"العربي الجديد": "يضمّ إقليم دارفور خمسَ ولايات، وبعد توقف مصانع الأوكسجين الحكومية بسبب سرقتها أو تدميرها بالقصف، كان خيارنا هو الاعتماد على تاجر محلي يوفر لنا الأوكسجين بسعر السوق السوداء حتى لا ينعدم في المستشفيات. اشترط علينا التاجر أن تكون تعبئة أسطوانات الأوكسجين 50% من سعتها الأصلية، وهذا شرط مجحف، لكن الوزارة كانت مضطرة للقبول حتّى لا تفقد الأوكسجين نهائياً في المستشفيات في ظلّ أوضاع الحرب والحصار". يضيف خاطر: "ليس هناك سعر ثابت لشراء الأوكسجين من التاجر المحلي، فالسعر يعتمد على كلفة تشغيل المولدات الكهربائية والأجهزة الخاصة التي يمتلكها التاجر، والذي يعتمد في توفير الوقود لتشغيلها على السوق السوداء، إلى جانب المخاطر الأمنية التي يتعرض لها، وجميعها تضاف أعباءً على كلفة أنبوبة الأوكسجين التي تُباع للوزارة". وتسبب انقطاع الكهرباء المستمر عن ولاية نهر النيل، في تقلص إنتاج مصنع الأوكسجين في عطبرة عاصمة الولاية، الذي كان يزوّد مستشفيات عدد من الولايات المجاورة أيضاً. وتراجع إنتاج المصنع من 170 أسطوانة في اليوم إلى 13 بعد قصف المُسيّرات لمحطات الكهرباء بالولاية، في 25 إبريل/ نيسان الماضي، وخروج مولدات سدّ مروي عن الخدمة في 17مايو/أيار. يراجعان قسم النساء بمستشفى ود مدني، 11 فبراير 2025 (فرانس برس) ورغم أن الأوكسجين يُعدّ مكوناً أساساً في تقديم الرعاية الصحية، لكن السلطات الحكومية لا تبذل جهداً كبيراً لتوفيره، وتترك الأمر لإدارات المستشفيات التي لا تملك المال لشرائه من السوق السوداء. يقول مصدر بوزارة الصحة السودانية لـ"العربي الجديد": "خلال فترة الحرب، لم تمنح السلطات الحكومية أي أهمية لمقدّرات وزارة الصحة، وتركتها تجاهد وحدها، وبمساعدة المنظمات الإنسانية الأهلية لتوفير الرعاية للمواطنين، الذين مات الآلاف منهم نتيجة تفشّي الكوليرا والملاريا وحمى الضنك، ونفاد الأوكسجين في المستشفيات". في ريف ولاية القضارف التي تقع على الحدود الإثيوبية، يلجأ الأطباء لاستخدام جهاز Compressor Nebulizer بدلاً عن أسطوانات الأوكسجين، ويقول الطبيب بأحد المراكز الصحية في المنطقة، حمد محمد، لـ"العربي الجديد"، إن "أنابيب الأوكسجين غير متوفرة، ولذلك يغذى الكمبروسور النيوبلايزر عبر الطاقة التي تنتجها المولدات الكهربائية التي تعمل بالجازولين، وهو يستخدم في المستشفيات والمراكز الصحية لمعالجة أصحاب الأمراض التنفسية والجلطات وغيرها. الجهاز المستخدم لا يفي بالغرض في الحالات الحرجة أو في أثناء العمليات، لكنّنا لا نملك بديلاً". وفي الوقت الراهن، تعتمد ولاية الجزيرة (وسط)، على المولدات الكهربائية التي تعمل بالجازولين لتعبئة أسطوانات الأوكسجين بعد توقف مصنعَي الأوكسجين نتيجة تعرضهما للتخريب والسرقة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الولاية في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. وينفي وزير الصحة بولاية الجزيرة، أسامة عبد الرحمن، وجود أزمة أوكسجين في مستشفيات الولاية، ويقول لـ"العربي الجديد": "نوفّر من خلال المولّدات كل احتياجات مستشفيات الولاية من الأوكسجين". صحة التحديثات الحية الكوليرا في السودان... إصابات مقلقة وسط نظام صحي منهار في المقابل، يؤكّد عدد من مرضى ولاية الجزيرة لـ"العربي الجديد" أن الأوكسجين يكاد يكون معدوماً في المستشفيات، وفي كثير من الأوقات يستخدم المرضى الواسطات والمعارف للتصديق على حصولهم على جرعات أوكسجين. ويسأل المرضى عن المصدر الذي يحصل منه وزير الصحة على الوقود لتشغيل المولدات في ظل وجود أزمة وقود في كل أنحاء السودان. وإلى جانب أزمة الأوكسجين في مستشفيات السودان التي تعرضت لعمليات نهب وسرقة واسعة، وطاولها القصف أثناء المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الحرب التي دخلت عامها الثالث، تفجرت خلال الأيام الأخيرة، وللمرة الثالثة خلال الحرب، أزمة تفشّي وباء الكوليرا، الذي ضرب ولايات عدّة خلال الأسابيع الماضية، وخلّف مئات الإصابات، أكثرها بولاية الخرطوم، التي تعاني من أزمة عطش وانقطاع للكهرباء منذ الخامس عشر من إبريل الماضي، بعد استهداف محطات توليد الكهرباء بالمُسيّرات التابعة للدعم السريع. وتقول مصادر طبية في مستشفى النو بأم درمان لـ"العربي الجديد"، إن "عدد المصابين بالكوليرا الذين يترددون على المستشفى يومياً يتجاوز مئتي إصابة، ما دفع السلطات إلى فرض قيود مشدّدة على العاملين بالمستشفى، ومنعهم من استخدام الهواتف حتى لا ينقلوا ما يجري داخله إلى العالم الخارجي.