
مقال ببلومبيرغ: إسرائيل تتجه نحو عزلة دولية لا تستطيع تحمّلها
وتساءل المقال: كيف وصلت إسرائيل إلى هذه المرحلة؟ وكيف يمكنها الخروج منها؟ مضيفا أن هذين السؤالين يبدوان حتميّين بعد أن قدّم نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – رده على أشهر من الانتقادات والغضب بشأن إدارته للحرب في غزة، وهو المزيد من الحرب.
واستعرض كاتب عمود الرأي في مقاله كيف انتقلت إسرائيل من "لحظة تعاطف دولي غير مسبوق" عقب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 -التي أسفرت عن مقتل 1,200 شخص وأسر 250- إلى وضع من عزلة سياسية وأخلاقية حادة، بعد تدمير واسع النطاق لغزة ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتوظيف الغذاء والدواء كسلاح، وفتح تحقيق دولي في اتهامات بالإبادة الجماعية.
وأشار تشامبيون إلى أن الحلفاء التقليديين لإسرائيل، ممن كانوا يرفضون الاعتراف بدولة فلسطين ، باتوا يتجهون نحو تأييد قيامها خشية أن يكون هدف نتنياهو النهائي هو تدمير القطاع وتهيئة الظروف لطرد سكانه الفلسطينيين وإحلال مستوطنين يهود محلهم.
ولفت إلى أن قرار نتنياهو الأخير بالسيطرة على مدينة غزة جاء رغم نصيحة رئيس أركان الجيش إيال زامير بعدم الإقدام على تنفيذه، وأن خطته تفتقر إلى إستراتيجية خروج واضحة وتتناقض مع شروط الدول العربية للمشاركة في مرحلة ما بعد حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
بيئة إقليمية معادية
تخشى عائلات الأسرى المتبقين المحتجزين لدى حركة حماس أن تكون الخطة بمنزلة حكم بالإعدام على أحبائهم، في حين أدانها حلفاء إسرائيل لما ستسفر عنه "حتما" من كلفة إنسانية. كل ذلك، أثار -برأي الكاتب- خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها، ودفع ألمانيا إلى تعليق صادرات أسلحة قد تُستخدم في قطاع غزة.
إعلان
ويمضي تشامبيون إلى القول إنه لهذا السبب وجّه 550 جنرالا ومسؤولا سابقا في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب يطالبونه بالتدخل لإجبار حكومة نتنياهو على إنهاء الحرب التي فقدت، برأيهم، أي جدوى عسكرية.
أولمرت: اعتماد إسرائيل المفرط على القوة يضعف علاقاتها بحلفاء أساسيين ويهدد بترك 10 ملايين إسرائيلي وحدهم في مواجهة بيئة إقليمية معادية.
وينقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت تحذيراته من أن اعتماد إسرائيل المفرط على القوة يضعف علاقاتها بحلفاء أساسيين ويهدد بترك 10 ملايين إسرائيلي وحدهم في مواجهة بيئة إقليمية معادية.
ويعتقد الكاتب أن اعتماد إسرائيل على القوة وحدها في التعامل مع الأطراف الأخرى في المنطقة -من الفلسطينيين إلى إيران ولبنان وسوريا- يُضعف سريعا الدعم الذي تحظى به من حلفاء أساسيين في الشرق الأوسط وأوروبا وحتى الولايات المتحدة.
ورغم اعترافه بانتصارات إسرائيل العسكرية على حزب الله اللبناني وإيران خلال العام الماضي، يحذر تشامبيون من أن ميزان القوى قابل للتبدل، مستشهدا بتجربة الأرمن في ناغورني قره باغ. كما ينقل عن خبراء، مثل لورانس فريدمان، أن الاحتلال الدائم لغزة يعني حربا دائمة وعزلة متفاقمة لإسرائيل.
الابن سرُّ أبيه
ويربط مقال بلومبيرغ بين مواقف نتنياهو الحالية وإرث والده بنزيون نتنياهو، المفكر الصهيوني المتشدد الذي رفض أي تسوية مع العرب ودعا إلى ضم جميع "أراضي إسرائيل التوراتية".
وقبل وفاته عام 2012، أوضح بنزيون في كتاباته ومقابلاته أنه يرى العرب (وليس الفلسطينيين فقط الذين أنكر وجودهم كأمة متميزة) أعداء بطبيعتهم وغير قادرين على التوصل إلى تسوية، وأن "لا حل سوى القوة" للتعامل معهم.
وعندما سُئل عن سبب ظهور ابنه أحيانا أقل تشددا منه، أجاب أن ذلك موقف تقتضيه الضرورة السياسية، لكن جوهر مواقفهما واحد.
ويرى تشامبيون أن نهج رئيس الوزراء الأطول بقاءً في الحكم، وسعيه لإضعاف المؤسسات المستقلة التي تحد من سلطته، ينسجم مع موجة الشعبوية في الغرب.
لكنه مع ذلك، يعتقد أن جغرافيا إسرائيل تضع الأمر في سياق مختلف، إذ إن دوافعها الداخلية باتت شبيهة أكثر بدوافع دول أخرى في المنطقة.
فالائتلاف الحاكم في إسرائيل -والحديث ما يزال للكاتب- هو مرآة للتحول الديمغرافي والسياسي العميق الذي يشهده المجتمع الإسرائيلي المتمثل في تزايد نفوذ اليهود المتشددين من طائفة الحريديم والمستوطنين والتيارات الدينية والقومية المتطرفة، وآخرين.
وقال إن كل هؤلاء يشاطرون عائلة نتنياهو أفكارها المطلقة عن العرب وحق إسرائيل الإلهي في التوسع الإقليمي، زاعما أن ذلك يقوِّض صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية ليبرالية.
تطهير عرقي مستتر
ويكشف تشامبيون أن استطلاعات الرأي، رغم إظهارها رغبة أغلبية الإسرائيليين في وقف إطلاق النار ، تعكس موقفا مشروطا، إذ يربط معظمهم ذلك بإطلاق سراح الأسرى مع استعداد لاستئناف الحرب لاحقا. كما أن نسبة كبيرة تؤيد إخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين، وهو موقف كان هامشيا قبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إن "الهجرة الطوعية"، كما يطرحها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسئليل سموتريتش، لا تعدو أن تكون -حسب وصفهما- "تطهيرا عرقيا مُقنَّعا".
تشامبيون: دعم واشنطن المفتوح لنهج نتنياهو سيغفل حقيقة أن إسرائيل ليست كيانا موحدا، وأن استمرار الحرب قد يدفعها إلى عزلة دولية غير قابلة للاحتواء.
وأوضح تشامبيون أن مصطلح الهجرة الطوعية صيغ أثناء حروب يوغوسلافيا في التسعينيات لوصف خطط الصرب لتفريغ مناطق من غير الصرب. وشبّه ما يحدث في غزة بما حدث في يوغوسلافيا وأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا، مؤكدا أن هذه الإستراتيجية، وإن نجحت أحيانا، فإنها لن تُفلح في أرض تتنازعها 3 ديانات.
إعلان
ولتغيير هذا المسار، يرى تشامبيون أن ذلك يتطلب تدخلا مباشرا من الولايات المتحدة، وضغطا على رئيس الوزراء الإسرائيلي للقبول بحل الدولتين وتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة غزة، مقابل تطبيع العلاقات مع دول الخليج وتوليها إعادة الإعمار.
كما يدعو المعارضة الإسرائيلية إلى ضمان استمرار الحكومة في حال انسحاب المتطرفين منها، حتى يتم إنهاء الحرب والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
ويحذر من أن دعم واشنطن المفتوح لنهج نتنياهو سيغفل حقيقة أن إسرائيل ليست كيانا موحدا، وأن استمرار الحرب قد يدفعها إلى عزلة دولية غير قابلة للاحتواء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 42 دقائق
- الجزيرة
محلل سياسي: تصريحات نتنياهو تنذر دول الطوق
قال المحلل السياسي إبراهيم المدهون، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يُعد مجرد سياسي تقليدي، بل شخصية أيديولوجية توظف الدين لخدمة مشروع توسعي يتجاوز حدود فلسطين التاريخية، ليشمل لبنان وسوريا والأردن ومصر ، مع تركيز خاص على سيناء. وأوضح المدهون في تصريحات للجزيرة نت، أن نتنياهو يسعى إلى جعل إسرائيل قوة مهيمنة في الشرق الأوسط ، مدفوعا بهاجس إعادة رسم خريطة المنطقة ورغبته في ترك بصمة تاريخية تضعه بين "القادة الكبار" في الذاكرة الصهيونية. وحذر من أن تصريحاته تمثل إنذارا لدول الطوق، خاصة مصر، لافتا إلى أن قطاع غزة ومقاومته يشكلان خط الدفاع الأول عن أمنها القومي، وأن فشل الاحتلال في حسم المعركة قد يدفعه للتوسع نحو سيناء. كما اعتبر أن استخدامه مصطلحات "تاريخية" و"روحانية" يهدف إلى شحن الداخل الإسرائيلي لمعركة وجودية، وإرسال رسائل ردع مبطنة تؤكد السعي لرسم حدود جديدة على حساب الدول العربية. وأضاف أن هذه التصريحات تكشف أن إسرائيل غير معنية بالتهدئة أو المفاوضات، بل تستخدمها للتغطية على خطط أكبر تشمل اجتياح غزة وتسريع تهويد المسجد الأقصى وهدمه وبناء الهيكل ، مؤكدا أنها المرة الأولى التي يعلن فيها نتنياهو هذه الرؤية مباشرة. وجاءت هذه التصريحات بعد مقابلة قناة الإخبارية الإسرائيلية (آي 24 نيوز) نتنياهو، أمس الثلاثاء، وقال فيها إنه في "مهمة تاريخية وروحانية"، واصفا دوره بأنه "رسالة أجيال" تستكمل ما بدأه جيل والده بتأسيس الدولة، مؤكدا أن مهمة جيله هي ضمان بقائها، رغم "التضحيات الكبيرة" التي تقدمها عائلته.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
عاصف حميدي: استهداف صحفيي غزة اعتداء على حق العالم بالمعرفة
أكد عاصف حميدي مدير الأخبار في قناة الجزيرة أن ما تقوم به إسرائيل من استهداف ممنهج للصحفيين في قطاع غزة ليس اعتداء على صحفيين فلسطينيين أفراد فحسب، بل هو "هجوم مباشر على حق الجمهور العالمي بأسره في معرفة الحقيقة". لافتا إلى أن العالم شهد -قبل أيام- استشهاد الزملاء أنس الشريف ، ومحمد قريقع، وإبراهيم ظاهر، ومحمد نوفل، الذين استهدفتهم غارة إسرائيلية مباشرة بينما كانوا داخل خيمة إعلامية قرب مستشفى الشفاء ، رغم وضوح هويتهم الصحفية. جرائم قتل وأضاف في مقال له، "في الوقت الذي اعتقدت فيه الأوساط الصحفية في غزة أن الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر من ذلك، قامت قوات الاحتلال الوحشية بقيادة بنيامين نتنياهو بارتكاب جريمة قتل أخرى بدم بارد، وهذه المرة ضد الصحفيين في قناة الجزيرة". وقال: "لم تظهر آلة الحرب الإسرائيلية -التي تسارع في تحقيق هدفها المعلن المتمثل في احتلال غزة- أي ضبط للنفس في استهداف الصحفيين، في انتهاك للاتفاقيات الدولية، ليرتقي -حتى الآن- 238 صحفيا في هذه الحرب، لتصبح أكثر الصراعات دموية للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في الذاكرة الحية". وبيّن حميدي أن الحرب في غزة سجلت عام 2024 أعلى عدد من الصحفيين الشهداء على يد القوات الإسرائيلية، مشددا على أن الاستهداف المنهجي للقضاء على الصحفيين ليس مجرد مأساة محلية أو إقليمية، بل هو انتهاك كارثي للمعايير الدولية المتعلقة بحماية الصحفيين في مناطق النزاع. وأرجع ذلك إلى الانهيار العالمي للمسؤولية الأخلاقية في حماية أولئك الذين يخاطرون بكل شيء من أجل تسليط الضوء على حقائق الحرب. ويرى مدير الأخبار في قناة الجزيرة أن غزة ليست المكان الوحيد الذي يتعرض فيه الصحفيون للحصار، فالتهديدات والترهيب والعنف القاتل ضد الصحفيين آخذة في الازدياد، مضيفا أن ما يميز الجرائم الإسرائيلية هو الإفلات من العقاب الذي تتمتع به قوات الاحتلال في قتل الصحفيين واللامبالاة التي يبديها قادة ما يسمى بالعالم الحر. وأعرب عن استغرابه من تكرار بعض المؤسسات الإعلامية لادعاءات النظام الإسرائيلي الكاذبة ضد الصحفيين المستهدفين "دون التحقق منها". استهداف ممنهج ولفت حميدي إلى أننا "نعيش أخطر فترة في التاريخ الحديث بالنسبة للصحفيين، الذين يتعرضون للتهديد والمضايقة والقتل لمجرد أداء واجبهم في نقل الحقيقة في جميع أنحاء العالم"، وأشار إلى أن المخاطر التي يواجهها الصحفيون في مناطق النزاع قد اشتدت عليهم. وأضاف أن عام 2023، شهد مقتل صحفي أو عامل إعلامي كل 4 أيام في المتوسط، بينما ساءت هذه الإحصائية في العام 2024، لتصل إلى مرة كل 3 أيام، معظمها على يد القوات الإسرائيلية. وشدد حميدي على أن الصحفيين في غزة ليسوا مراسلين دوليين تم إنزالهم بالمظلات، بل هم صحفيون محليون يعرفون الأرض والشعب أفضل من غيرهم، وقال: "هؤلاء الصحفيون لا يكتفون بتغطية مأساة غزة، بل يعيشونها بأنفسهم". واعتبر أن تصاعد العنف ضد الصحفيين في قطاع غزة "ليس عرضيا ولا معزولا"، بل هو جزء من اتجاه أوسع نطاقا، وأكثر إثارة للقلق، لافتا إلى أن إسكات وسائل الإعلام بشكل منهجي غالبا ما يتم تنسيقه من قبل المستبدين والأنظمة التي تسعى إلى إخفاء جرائمها في الظلام. وأكد حميدي على أن إسرائيل تستخدم سلاح التجويع كأداة، حيث يتم دفع الصحفيين إلى حافة الهاوية، بحيث ينهارون من الجوع أثناء عملهم، متحدثا عن صحفيي الجزيرة بالقول إن "الجزيرة فقدت العديد من الزملاء في قطاع غزة، حيث رفع استشهاد أنس الشريف وزملائه عدد الصحفيين الشهداء من شبكة الجزيرة إلى تسعة"، وأضاف "لقد عمل زملاؤنا على تغطية الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين". ليضيف حميدي مستدركا على الرغم من ذلك، نصرّ في شبكة الجزيرة على "مواصلة واجبنا المهني"، وسنبقى ملتزمين بتغطية الإبادة الجماعية الجارية، على الرغم من جهود إسرائيل لتعمية أعيننا وأعين العالم، وسنعمل بلا كلل لتعزيز فرقنا الصحفية والبقاء أوفياء لجمهورنا العالمي، الذي له الحق في الحصول على المعلومات. في المقابل، دعا حميدي دول العالم للتضامن مع الصحفيين في قطاع غزة، وممارسة الضغوط الكاملة على إسرائيل لوقف استهداف الصحفيين وقتلهم والسماح لوسائل الإعلام الدولية بالوصول إلى قطاع غزة وحرية العمل فيه. وطالب المجتمع الدولي بالتحرك بسرعة وحزم لحماية الصحفيين وحماية أولئك الذين يخاطرون بكل شيء لاطلاع العالم على الكارثة الإنسانية المستمرة والإبادة الجماعية في غزة، مطالبا بضرورة السماح للصحفيين بأداء واجباتهم دون خوف من العنف، وأي شيء أقل من ذلك هو "خيانة لأبسط مبادئ حرية التعبير". وأشار إلى أننا "مدينون للصحفيين الشجعان في غزة على ما بذلوه من جهود، فعملهم ليس مجرد توثيق، بل هو المسودة الأولى للتاريخ، التي سيقوم من خلالها مؤرخو المستقبل بدراسة فظائع الإبادة الجماعية الأكثر تغطية تلفزيونية في القرن الـ21". حماية الصحفيين وبيّن أن الوصول إلى معلومات موثوقة عن الحروب والصراعات ليس ترفا، بل هو ضروري لرفاهية سكان العالم، وحماية حقوق الإنسان، والجهود العالمية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، وقال "عندما يتم إسكات الصحفيين، نصبح جميعا أكثر عرضة للتضليل والدعاية وإساءة استخدام السلطة دون رادع". وأضاف حميدي أن العالم إذا ما استمر في التسامح مع قتل الصحفيين وتجويعهم واضطهادهم، فلن تكون الصحافة وحدها التي تعاني، بل ستعاني أيضا المساءلة والديمقراطية، داعيا لتعزيز الإطار القانوني الدولي لحماية الصحفيين في حالات الحرب وإنفاذه على وجه السرعة. وطالب مدير الأخبار في قناة الجزيرة الأوساط الصحفية الدولية بتحمل مسؤولياتها إزاء ما يجري بحق الصحفيين في قطاع غزة، وقال إن "شجاعة الصحفيين في غزة والتزامهم وتضحياتهم لا تقل عن دعمنا الكامل ودفاعنا المستميت عنهم، كما أن تقاعسنا سيُذكر في التاريخ باعتباره فشلا ذريعا في حماية أولئك الذين وقفوا في طليعة الدفاع عن الحقيقة".


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
هل تلبي الموارد المتاحة خطط الحكومة السورية لتعافي الاقتصاد؟
وسط تحديات سياسية وأمنية ضاغطة، تحتاج الخطة التي رسمتها الحكومة السورية الجديدة للاقتصاد إلى موارد واستثمارات تقدر قيمتها الأولية، وفق حسابات المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبد الله الدردري، بنحو 36 مليار دولار. فقد خلّف الصراع الذي امتد نحو 14 عاما أضرارا بالغة شملت معظم قطاعات الإنتاج، كما أخرج موارد مهمة من سلطة الدولة، كان من المفترض أن يدعم مردودها قطار التعافي الراهن، ويقلص زمن وصوله إلى التنمية المستدامة كمحطة أخيرة. "تعرض كل شيء للدمار"، هكذا يختصر وزير الاقتصاد والصناعة السوري نضال الشعار المشهد عن قرب. وفي السياق أيضا، تسجل لائحة الخسائر انكماش إجمالي الناتج المحلي بشكل تراكمي إلى أكثر من 50%، وانخفاض نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في عام 2024 إلى 830 دولارا (وهو أقل بكثير من الحد الدولي للبلدان المنخفضة الدخل) وفق تصنيف البنك الدولي. لكن في المقابل، يرجح خبراء في الاقتصاد أن تؤدي الإجراءات الإصلاحية التي باشرت بها الحكومة منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، وشملت سياسات الاقتصاد الكلي والمالية العامة، والسياسات النقدية، مع تركيزها على الحوكمة الرشيدة للمال العام وسلامة الإدارة المالية والإدارة النقدية، إلى تعزيز خطوات التعافي، والتأسيس لاقتصاد منفتح يرسم خارطة جديدة للنمو والمساواة والرخاء. ويتوقع البنك الدولي بهذا الصدد أن يتخلص الاقتصاد السوري من انكماشه، ويستعيد تطوره الإيجابي هذا العام، حيث تعكس المؤشرات إمكانية نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1% بعد انكماشه بنسبة 1.5% في عام 2024. وكان وزير المالية السوري محمد يسر برنية قد أعرب عن تفاؤله "بأن اقتصاد البلاد سيحقق قريبا نموا أعلى وسيستأنف مسار التنمية المستدامة" رغم التحديات الهائلة التي تواجهها سوريا على مختلف الصعد. ولفت في تصريحات صحفية إلى أن الحكومة تعمل على إعادة تأهيل البنية التحتية، بدءا من شبكات الكهرباء والمياه، وصولا إلى الطرق والمؤسسات العامة، بالتوازي مع إصلاح النظام القضائي وتحديث الإطار التشريعي للاستثمار. الإرث الصادم إنسانيا خلال فترة الصراع التي استمرت 14 عاما، شهدت القطاعات الإنتاجية والخدمية تدهورا أدى إلى تحولات عميقة في حياة السوريين، كان أكثرها تأثيرا تراجع نمط الحياة، حيث هبط مؤشر التنمية البشرية -الذي يقيس التنمية بناء على الصحة والتعليم ومستوى الدخل- بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من 0.661 عام 2010 إلى 0.557 حاليا. وبينما يعيش ربع السكان في فقر مدقع، وفق بيانات مسح برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية للأسر عام 2022، يستهلك 24% أيضا (5.7 ملايين فرد) أقل من خط الفقر الدولي للبلدان المنخفضة الدخل البالغ 2.15 دولارا للفرد يوميا، كما يعيش 67% تحت خط الفقر للشريحة الدنيا للدخل المتوسط البالغ 3.65 دولارات للفرد يوميا. وكشف تحليل الإضاءة الليلية، لصور أقمار اصطناعية التقطها مشروع بلاك ماربل التابع للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية لأجزاء من سوريا، تراجع النشاط الاقتصادي إلى سلبي للغاية، وانكماشه في جميع المحافظات، بعد أن ضعفت الحركة المتبادلة بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024 وهو الأمر الذي أدى إلى خلل في الروابط الاقتصادية بين المدن، وتسبب بصدمات مؤثرة. بدائل الاستدانة من الخارج ينظر الخبير الاقتصادي أحمد سيريس إلى التركة التي خلفها نظام الأسد على أنها تحدّ حقيقي تفوق مواجهته إمكانات الحكومة الراهنة. ويرى أن رغبة الحكومة في عدم الاقتراض من المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، للتغلب على ما يواجهها من مصاعب مالية دفعها إلى التركيز على الموارد الرئيسية، والاستثمارات الخارجية. غير أن وجود قسم مهم من هذه الموارد تحت سيطرة قوى مناهضة للحكم الجديد، وتهالك قطاع التعدين، بحسب حديث سيريس للجزيرة نت، أفقد البلاد إيرادات كان من الممكن لها لو استثمرت إلى جانب استثمارات وطنية وأجنبية أخرى، كالتي جرى الإعلان عنها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أن تضيف إلى خزينة الدولة موارد تساعد الحكومة على تغطية جانب من فاتورة التعافي. هل تسد الموارد المتاحة احتياجات التعافي؟ تشكل الموارد الطبيعية والزراعية، برأي الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، مصدرا مهما على صعيد الدخل الوطني. ويرى أن سوريا تمتلك موارد يمكن أن تشكل قاعدة للنهوض الاقتصادي إذا أُعيد استثمارها بشكل فعال. لكن استثمارها على النحو الأمثل -وفق رأيه- يواجه مصاعب عديدة، منها: معظم حقول النفط الحيوية، لا سيما في دير الزور والحسكة ، والتي تنتج نحو 50 ألف برميل يوميا، ما زالت تقع خارج سيطرة الحكومة، في حين تنتج الآبار بمناطق الحكومة نحو 15 ألف برميل. يغطي إنتاج الغاز المستثمر نحو 30% من الاحتياج المحلي، الذي يبلغ وفق تقديرات رسمية نحو 5 مليارات متر مكعب سنويا، في حين تبلغ الاحتياطات نحو 8.5 تريليونات قدم مكعب. تبلغ العائدات السنوية من تصدير الفوسفات الخام نحو 400 مليون دولار، في حين تشير التقديرات إلى أن تصنيع الفوسفات محليا يمكن أن يرفع العائدات إلى أكثر من ملياري دولار سنويا. أما بخصوص الموارد الزراعية، يضيف الباحث، فقد انخفض إسهام القطاع الزراعي الذي يشمل إنتاجه "القمح، والقطن، والذرة، والزيتون، والحمضيات" في الناتج المحلي الإجمالي من 28% عام 2010 إلى 10% في الوقت الراهن، نتيجة الجفاف ونقص التمويل ودمار البنية التحتية. ويؤكد قوشجي أن الكميات المتاحة من الموارد الاقتصادية، رغم تنوعها ووفرتها النسبية، لا تكفي لتلبية الاحتياجات الوطنية الأساسية. فعلى سبيل المثال، يبلغ إجمالي إنتاج النفط السوري يوميا قرابة 65-70 ألف برميل، في حين يُقدّر الاحتياج الوطني بنحو 90 ألف برميل يوميا، وذلك يعني وجود فجوة تراوح بين 20-30 ألف برميل يوميا. أما قطاع الغاز، فلا يغطي الإنتاج فيه سوى أقل من ثلث الاحتياج المحلي السنوي المقدر بنحو 5 مليارات متر مكعب، مما يشكل ضغطا مستمرا على قطاع الطاقة يمس استقرار أغلب الخدمات الحيوية. ولفت قوشجي إلى وجود محدودية واضحة في العوائد الحالية من الفوسفات والموارد الزراعية تعود ليس فقط إلى ضعف الإنتاج، بل أيضا إلى محدودية الاستثمار، وخروج مساحات واسعة من الموارد عن السيطرة الحكومية، إضافة إلى تدهور البنية التحتية الصناعية والزراعية. تقف قطر و السعودية وتركيا في مقدمة الدول التي دعمت الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأسد، إذ قدمت مساعدات واستثمارات ضخمة في قطاعات حيوية، كقطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والاتصالات، والخدمات الرقمية، والمواصلات. وتقدر مصادر صحفية محلية حجم الاستثمارات والمساعدات العربية والدولية بنحو 30 مليار دولار، أبرزها: تمويل قطر لمشروع توريد الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى سوريا عبر الأراضي التركية، بمعدل نحو 3.4 ملايين متر مكعب يوميا في المرحلة الأولى. مشروع بناء 4 محطات طاقة تعمل بالغاز إلى جانب محطة للطاقة الشمسية، بكلفة 7 مليارات دولار، يعود لشركة UCC Holding القطرية. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإعادة بناء البنية التحتية، وإطلاق شبكة حماية اجتماعية، ودعم الشركات الناشئة الرقمية، بقيمة 1.3 مليار دولار. حصول شركة الشحن الفرنسية CMA CGM على امتياز إدارة ميناء اللاذقية بقيمة 260 مليون دولار، تتحصل الدولة على 60% من إيرادات التشغيل. تنفذ شركة موانئ دبي العالمية مشروع تطوير محطة متعددة الوظائف في ميناء طرطوس وإدارتها وتشغيلها بقيمة 800 مليون دولار. 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار ريال سعودي (6.4 مليارات دولار) تعود لشركات سعودية. توقيع مذكرات تفاهم استثمارية مع عدد من الشركات الدولية، تتضمن 12 مشروعا إستراتيجيا بقيمة إجمالية تصل إلى 14 مليار دولار. تخصيص 6.5 مليارات دولار لإعادة الإعمار، تعهد بها المانحون في مؤتمر بروكسل بنسخة 2025. ويذهب الخبير الاقتصادي سيريس إلى أن الزخم الذي يشهده قطاع الاستثمار الأجنبي، بحسب المعطيات الحالية، تجاوز الفجوة التي أحدثها الصراع على صعيد الاستثمار الأجنبي، بتراجع نسبته في الناتج المحلي الإجمالي من 2.8% في عام 2008 إلى نقطة الصفر خلال عامي 2022 و2023. وأكد ضرورة أن يشهد السوريون نتائج ملموسة على الأرض، تعزز خطط الحكومة للتعافي، وتنهض بواقع الحياة العامة. يعتمد الإنفاق الحكومي في مجمله على الوعاء الضريبي. وعلى الرغم من انخفاض الإيرادات غير الضريبية، التي كانت تشكل غالبية إيرادات المالية العامة، في مرحلة ما قبل الحرب، فإن موازنة عام 2025 سجلت تحسنا بطيئا في إجمالي الإيرادات (ضرائب، ورسوم، وصادرات) إذ بلغ حجمها نحو 52.6 تريليون ليرة سورية (4 مليارات دولار). أما سجل الإنفاق فسجل نحو 37 تريليون ليرة سورية (2.8 مليار دولار). وتغطي الإيرادات الضريبية (بما فيها الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم) نحو 79% من الإنفاق الحكومي، مما يعني أن إجمالي الإيرادات الضريبية يقدر بنحو 29,2 تريليون ليرة (2.2 مليار دولار تقريبا). وتعكف الحكومة على إعداد ميزانية تكميلية للعام المالي الجاري إلى جانب موازنة جديدة لعام 2026. تركز فيهما -بحسب تصريح وزير المالية محمد يسر برنية على هامش مشاركته في اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي للتنمية التي انعقدت في الجزائر في مايو/أيار الماضي- على تعزيز الخدمات الأساسية. ورغم عدم إفصاحه عن الأرقام المحددة للموازنة المرتقبة بسبب "عدم توافر البيانات بشكل نهائي" على حد قوله، فإن المؤشرات تظهر توجها جديدا نحو إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي بما يواكب متطلبات الإصلاح، واعتماد الإيرادات الضريبية، كمورد ثابت خلال المرحلة المقبلة.