logo
أمل جديد لمرضى اضطرابات وراثية نادرة

أمل جديد لمرضى اضطرابات وراثية نادرة

الشرق الأوسط٠٤-٠٣-٢٠٢٥

في تطور علمي مذهل اكتشف باحثون في جامعة روتجرز في نيوجيرسي بالولايات المتحدة، أن حقنة أسبوعية من دواء السكري «تيرزيباتيد» قد توفر بديلاً يغيِّر حياة المرضى الذين يعانون من الضمور الشحمي العام الخلقي، وهو اضطراب وراثي نادر يتم علاجه حالياً بحقن هرمونية يومية مؤلمة. وقد يحسن هذا الاكتشاف الواعد بشكل كبير نوعية الحياة لآلاف الأفراد حول العالم الذين يعيشون مع هذه الحالة الموهنة.
هذا المرض هو اضطراب وراثي نادر للغاية يتميز بغياب شبه كامل لأنسجة الدهون. ويؤدي هذا النقص في تخزين الدهون إلى مضاعفات أيضية شديدة بما في ذلك مقاومة الإنسولين الحادة ومرض السكري وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وفي غياب أنسجة الدهون لتخزينها فإنها تتراكم في أعضاء مثل الكبد مما يفاقم المشكلات الصحية. وغالباً ما يواجه المرضى الذين يعانون من الضمور الشحمي العام الخلقي (CGL) congenital generalized lipodystrophy انخفاضاً في متوسط العمر المتوقع وصعوبات يومية في إدارة حالتهم.
يتضمن العلاج القياسي للضمور الشحمي العام الخلقي حقناً يومية من ميتريليبتين metreleptin وهو نسخة اصطناعية من هرمون اللبتين leptin الذي تُنتجه أنسجة الدهون بشكل طبيعي. وبينما يساعد الميتريليبتين في إدارة بعض المشكلات الأيضية، فإن العلاج بعيد عن المثالية، حيث إن الحقن اليومية ليست مؤلمة فحسب للمرضى الذين يفتقرون إلى الدهون تحت الجلد، بل إنها تأتي أيضاً مع عبء مالي هائل، إذ تصل تكلفتها إلى مئات الآلاف من الدولارات سنوياً. وهذا المزيج من الألم الجسدي والضغوط المالية يجعل نظام العلاج الحالي غير مستدام لكثير من العائلات.
وهنا يأتي دور تيرزيباتيد Tirzepatide، وهو دواء جرى تطويره في الأصل لعلاج مرض السكري من النوع الثاني والسمنة. فعلى عكس الميتريليبتين يتم إعطاء تيرزيباتيد مرة واحدة فقط في الأسبوع، مما يوفر خياراً علاجياً أكثر سهولة وأقل ألماً، حيث يعمل الدواء من خلال استهداف مستقبلات GLP-1 وGIP التي تلعب أدواراً رئيسية في تنظيم حساسية الإنسولين والتمثيل الغذائي. كما أن هذا العمل المزدوج لا يساعد فقط في التحكم في مستويات الغلوكوز في الدم بل يعزز أيضاً فقدان الوزن، مما يعالج بعض التحديات الأيضية الأساسية التي يواجهها المرضى.
وقد سلطت الدراسة الضوء على حالتين مثيرتين: مريض يبلغ من العمر 23 عاماً كان يرفض حقن اللبتين والإنسولين اليومية لمدة عامين شهد انخفاضاً في متوسط مستويات الغلوكوز في الدم من 252 ملغم/ديسيلتر إلى 128 ملغم/ديسيلتر في غضون ثلاثة أسابيع فقط من بدء تيرزيباتيد. كما ظلت مستويات الغلوكوز في الدم ضمن المعدلات الصحية في 93 في المائة من القراءات، وهو تحسن كبير مقارنةً بـ8 في المائة فقط قبل العلاج. وبالمثل حققت مريضة تبلغ من العمر 64 عاماً كانت تتطلب حقن إنسولين إضافية، مستويات طبيعية من الغلوكوز باستخدام تيرزيباتيد فقط.
وقال الدكتور كريستوف بويتنر، المؤلف الرئيسي للدراسة ورئيس قسم الغدد الصماء في كلية الطب بجامعة روتجرز «روبرت وود جونسون» في نيوجيرسي بالولايات المتحدة، في الدراسة التي نُشرت في مجلة «The New England Journal of Medicine» في 29 يناير (كانون ثاني) 2025، إن «المفاجأة كانت أنه عندما توقفنا عن إعطاء اللبتين وبدأنا في إعطاء تيرزيباتيد كانت المريضة تحت السيطرة بشكل جيد للغاية وربما أفضل مما كانت عليه في أثناء تناولها اللبتين».
قد يكون لنجاح تيرزيباتيد في علاج الضمور الشحمي العام الخلقي آفاق بعيدة المدى، إذ تشير آلية عمله الفريدة التي تختلف عن علاج اللبتين التقليدي إلى أنه قد يوفر حلاً أكثر شمولاً لمقاومة الإنسولين والخلل الأيضي. وهو ما يفتح إمكانية أن يكون تيرزيباتيد فعالاً أيضاً في علاج اضطرابات أيضية أخرى تتميز بمقاومة الإنسولين مثل مرض السكري من النوع الثاني.
ورغم أن النتائج الأولية واعدة فإن هناك حاجة إلى تجارب سريرية أكبر لتأكيد سلامة وفاعلية تيرزيباتيد على المدى الطويل. ومع ذلك فإن تجنيد عدد كافٍ من المشاركين في هذه التجارب سيكون تحدياً بسبب ندرة المرضى، كما يقوم الباحثون باستكشاف استراتيجيات مبتكرة بما في ذلك التجارب اللامركزية والشراكات مع مجموعات دعم المرضى للتغلب على هذه العقبات.
وإذا ثبتت فاعلية تيرزيباتيد في التجارب الأكبر فقد يُحدث ثورة في علاج مرضى الضمور الشحمي العام الخلقي، إذ يوفر بديلاً أقل ألماً وأكثر ملاءمة وفاعلية من حيث التكلفة للعلاجات الحالية. وبعيداً عن الضمور الشحمي العام الخلقي يؤكد هذا البحث أهمية إعادة استخدام الأدوية الحالية لعلاج الأمراض النادرة، مما يقدم الأمل للمرضى الذين لطالما تجاهلهم النظام الصحي.
وبينما ننتظر مزيداً من التأكيدات لهذه النتائج فإن شيئاً واحداً واضح، وهو أن مستقبل علاج الاضطرابات الوراثية النادرة مثل الضمور الشحمي العام الخلقي أصبح أكثر إشراقاً بفضل الأبحاث المبتكرة وإمكانات تيرزيباتيد. وهذا الاختراق هو شهادة على قوة العلم والتعاون في تحويل حياة المرضى.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فهم أعمق لتطور النوع الأول من السكري
فهم أعمق لتطور النوع الأول من السكري

صحيفة مكة

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة مكة

فهم أعمق لتطور النوع الأول من السكري

يُعد السكري من النوع الأول أحد أكثر الاضطرابات المناعية الذاتية تعقيدًا، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا "بيتا" المنتجة للإنسولين في البنكرياس، مما يؤدي إلى نقص أو انعدام هذا الهرمون الحيوي. وتختلف وتيرة تدمير هذه الخلايا بين المرضى اختلافًا كبيرًا، وفق ما يوضحه ، د. رائد الدهش، استشاري ورئيس قسم الغدد والسكري بالحرس الوطني، الذي يسلّط الضوء على أبرز العوامل المؤثرة في تطور المرض، والدور الحاسم للتشخيص المبكر في تحسين النتائج الصحية. وفي الحديث الذي أجرته صحيفة مكة مع د. الدهش، فإن معدل تدمير خلايا بيتا لا يتبع نمطًا موحدًا لدى جميع المرضى، بل يتأثر بعدة عوامل منها العمر، والجينات، والمحيط البيئي. فعند الأطفال، يكون التدهور أسرع بكثير مقارنة بالبالغين، الذين عادة ما تتطور لديهم الحالة بشكل أبطأ. وتلعب الطفرات الجينية ومستوى المناعة الشخصية دورًا رئيسيًا في تحديد مدى سرعة هذا التدهور، مما يفسّر التنوع الكبير في مسارات تطور المرض بين الأفراد. ومن أبرز المخاطر التي قد تصاحب بدايات الإصابة بالمرض، ظهور الحماض الكيتوني السكري (DKA)، وهي حالة خطرة تنشأ عندما يعاني الجسم من نقص حاد في الإنسولين، ما يدفعه إلى استخدام الدهون كمصدر بديل للطاقة. هذا التحوّل يؤدي إلى إنتاج كيتونات حمضية تتراكم في الدم وتؤدي إلى الحموضة، وهي حالة تتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا. وغالبًا ما يكون السبب وراء هذه الحالة هو التأخر في تشخيص الأعراض الأولية للسكري من النوع الأول، والتي قد تكون خفية في مراحلها المبكرة. وفيما يتعلق بالأسباب المحتملة لتطوّر المرض، يوضح د. الدهش أن العدوى الفيروسية تُعدّ من أكثر المحفزات التي تناولتها الدراسات الحديثة. بعض الفيروسات، بسبب تشابه بروتيناتها مع تلك الموجودة في خلايا بيتا، قد تؤدي إلى تفعيل غير دقيق للجهاز المناعي، فيهاجم هذه الخلايا على أنها أجسام غريبة. كما أن بعض هذه الفيروسات قد تسبب تلفًا مباشرًا في البنكرياس، ما يزيد من احتمالية الإصابة لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للمرض. أما عن أهمية التدخل قبل ظهور الأعراض، فيؤكد د. الدهش أن تحديد المرض في مراحله المبكرة يفتح المجال لتطبيق أساليب وقائية وعلاجية قد تُؤخّر تطوّره أو تُقلل من حدّته. ويُعدُّ العلاج المناعي أو الانضمام إلى التجارب السريرية الواعدة، من بين هذه الأساليب المهمة في التعاطي مع المرض، إلى جانب التثقيف الصحي للأسرة والمريض، ما يساعدهم في التعامل مع المرض بثقةٍ ووعي. كما أن الكشف المبكر يمكن أن يحول دون تطوّر المضاعفات الحادة مثل الحماض الكيتوني، ويُحسّن من جودة الحياة ونتائج العلاج على المدى البعيد. وفي سياق تطور المرض بعد التشخيص، أوضح د. الدهش، ما يُعرف بـ "شهر العسل" لدى بعض المرضى، وهي فترة مؤقتة تبدأ بعد بدء العلاج، حيث تتحسن وظائف خلايا بيتا جزئيًا، مما يؤدي إلى انخفاض احتياج المريض للإنسولين، وتتطلب هذه المرحلة مراقبة دقيقة للحالة. وتُعد هذه الفترة فرصةً مهمةً للتوعية المكثفة للمريض وأسرته بكيفية إدارة المرض، وقد تُتيح مجالًا لتطبيق علاجات تهدف إلى إطالة بقاء ما تبقى من خلايا بيتا ووظيفتها.

السكري من النوع الأول: تداعياته وسبل إدارته
السكري من النوع الأول: تداعياته وسبل إدارته

سعورس

timeمنذ 5 ساعات

  • سعورس

السكري من النوع الأول: تداعياته وسبل إدارته

ويوضح في حديثه أن مرض السكري من النوع الأوّل هو أحد أمراض المناعة الذاتية التي تحدث على مراحل نتيجة مهاجمة الجهاز المناعي لخلايا "بيتا" المسؤولة عن تصنيع الأنسولين في البنكرياس، ما يؤدي الى توقف إنتاجه. وفي ظلّ غياب علاج نهائي له، يتعيّن على المرضى إدارته من خلال العلاج بالإنسولين منذ لحظة تشخيصه ولمدى الحياة، بالإضافة إلى المراقبة الدقيقة لمستوى السكر. وينصح د. الدهش كافة الأشخاص بإجراء الفحوصات اللازمة للكشف عن المرض، حيث إن الغالبية العظمى من الحالات التي تشخص سنوياً تظهر لدى أولئك الذين ليس لهم تاريخ مرضي مرتبط بالحالة. ويتطرق في حديثه الى الأفراد الذين يحتاجون الى إجراء فحص مبكر للكشف عن المرض، فيقسمهم الى ثلاث مجموعات؛ المجموعة الأولى تشمل الأشخاص الذين لهم تاريخ مرضي وترتفع فرص إصابتهم بالمرض خمسة عشر مرة أكثر من غيرهم. لذلك، ينصح فحصهم بشكل عاجل. والمجموعة الثانية تضمّ مرضى الأمراض المناعية الأخرى، حيث تشير الدراسات إلى وجود علاقة بين تلك الأمراض ومرض السكري من النوع الأول. أما المجموعة الثالثة فتشمل المصابين بارتفاع نسبي في مستوى السكر في الدم ويمكن لفحص الأجسام المضادة أن يميز بين مرض السكر من النوع الأول ومرض السكر من النوع الثاني في هذه المجموعة. ويتابع حديثه متطرقاً الى العمر الموصى به لبدء فحص الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي من مرض السكري من النوع الأول، حيث يؤكد على ضرورة فحص الأشخاص الذين لديهم تاريخ مرضي لأحد الأقارب المصابين بمرض السكري من النوع الاول بغض النظر عن أعمارهم، مع التركيز على الفئات العمرية التي تتراوح م بين السنتين وال 45 سنة. ويولي د. رائد أهمية كبيرة لطرق التشخيص التي تسمح بالكشف المبكر عن مرض السكري من النوع الأول قبل ظهور الأعراض، ما يتيح وقتاً كافياً للعائلة والطبيب لاتخاذ خطوات مدروسة تقلل من العبء المرضي وتحسن جودة الحياة على المدى البعيد وتثمر فوائد صحية ونفسية كبيرة، وتشمل بدء المراقبة الطبية والوقاية من حدوث الحماض الكيتوني الحاد عند التشخيص، والتهيئة النفسية وتقديم الدعم اللازم للأسرة والمريض على حدّ سواء، بالإضافة الى إمكانية تنفيذ التدخلات الوقائية والعلاجات المناعية التي يمكن أن تحدّ من الأعراض وتفاقم الحالة وتلعب دوراً أساسياً في تحسين الاستجابة للعلاج المبكر وتقليل المضاعفات المستقبلية. ويُعدّ مرض السكري من التحديات الصحية الرئيسية التي تواجه المجتمعات في عصرنا اليوم، لكن الكشف المبكر عنه يُشكل خطوة حاسمة في الوقاية والعلاج. فمن خلال تعزيز الوعي بأعراض المرض، وإجراء الفحوصات الدورية، واعتماد نمط حياة صحي، يمكن تقليل مخاطر المضاعفات وتحسين جودة الحياة. ويشكّل التزام الأفراد والمجتمع بالتثقيف الصحي والفحص المبكر سبيلاً للحد من انتشار هذا المرض وضمان حياة أكثر صحة واستدامة للجميع.

الدكتور النمر: ضبْط السكري يخفّض خطر جلطات الدماغ بنسبة 40 % والضغط سببها الأول عالمياً
الدكتور النمر: ضبْط السكري يخفّض خطر جلطات الدماغ بنسبة 40 % والضغط سببها الأول عالمياً

صحيفة سبق

timeمنذ يوم واحد

  • صحيفة سبق

الدكتور النمر: ضبْط السكري يخفّض خطر جلطات الدماغ بنسبة 40 % والضغط سببها الأول عالمياً

حذّر الدكتور خالد النمر؛ استشاري القلب وقسطرة الشرايين، من خطورة إهمال السيطرة على الأمراض المُزمنة، مؤكداً أن ضبط مستويات السكري يقلل من احتمال الإصابة بجلطة دماغية بنسبة تصل إلى 40 %، في حين يُعَد عدم التحكم في ضغط الدم السبب الأول عالمياً لحدوث تلك الجلطات. وأضاف "النمر"؛ أن الوقاية من هذه الأمراض لا تبدأ فقط من العيادة، بل تنتهي أيضاً في المطبخ، داعياً إلى تعزيز الوعي الغذائي، والاهتمام بنمط الحياة الصحي لتقليل المخاطر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store