
الخروج من "تاسي" وإعادة الإدراج في "نمو"
د. محمد آل عباس
في تقرير لافت نشرته "الاقتصادية" على موقعها الإلكتروني يناقش وجود 7 شركات مدرجة في سوق الأسهم السعودية الرئيسية "تاسي"، أفقدت من استثمر فيها خلال 20 عاما أكثر من نصف رأسماله، فوفق وحدة التحليل المالي في "الاقتصادية"، فإن المستثمر قد خسر في 3 شركات منها أكثر من 70% من رأسماله، فيما خسر من استثمر في 4 شركات منها ما بين 50 و70%، وبعيدا عن أسماء هذه الشركات التي ذكرها التقرير بوضوح، فإن المقال يسعى لرصد الآلية المناسبة التي على أساسها يمكن للمستثمر الصغير طول الأجل تجنب هذا النوع من الشركات خاصة عند الاكتتابات الأولية، فالمضارب في سوق الأسهم (خاصة المضارب اليومي) لا يهمه الأداء المالي للشركات ولن يهمه التحليل الأساسي، فهو يهتم فقط بحالة العرض والطلب الآنية على السهم في كل لحظة من لحظات السوق، فقد يشتري سهما لشركات غارقة في الخسائر وهو يتوقع بيعه في نهاية اليوم أملا في كسب بعض الهلل.
ولذلك فإن المضاربات على السهم قد تصنع هالة من الطلب الوهمي على سهم الشركات الخاسرة، ما قد يتسبب (مع بعض التوصيات غير المهنية، والوعود غير الصادقة من جانب إدارة الشركات) في دخول مستثمر بسيط لهذه الشركات ليقع في فخ السهم، معلقا لسنوات طويلة ينتظر عودة رأسماله فقط، كما هي الحال في الشركات التي يقدم تقرير "الاقتصادية" تحليلا عنها، فما الحل إذن؟
المشكلة مركبة، جزء منها عند الشركات وهو الأداء المالي السيئ، لكن إدارة الشركات هذه تقدم تقريرها بكل شفافية، وهي تخبر البعيد قبل القريب بوضعها المالي، ومع ذلك فهي ليست بلا ذنب، إذ إن عليها أن تستخدم أموال المستثمرين بأفضل الطرق، ولو أن يتم تغيير نشاط الشركة، فليس من المعقول أن تبقى الشركة في قطاعات خاسرة إذا كان القطاع ككل غير مجد، أو أن تقوم بتغيير إدارتها إذا كانت هذه الإدارة غير محترفة، هذه القرارات تتخذها الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات، لذا فإن على عاتق هذه الشركات أن ترفع من مستويات الحوكمة فيها وأن تصبح شركات ذات ديمقراطية عالية تمسح لأفضل العقول بأن يشارك في صنع القرار، ولا تتركز الملكية فيها على صنع قرارات سيئة هدفها استغلال قواعد الحوكمة للفوز بمكافآت اللجان والإدارة التنفيذية، وذلك على حساب الاقتصاد.
الجزء الثاني من المشكلة هو -كما أشرت له أعلاه- يقع على عاتق المضاربين الذين ينظرون للسهم كسلعة منفصلة عن الشركة، فالسهم عندهم مجرد مخزن للثروة المؤقتة (كمثل العملة)، فهو غنيمة حرب المضاربات اليومية، ولهذا قد يتراجع سهم شركة عملاقة وهي تعلن أرباحا بمليارات، وقد يصعد سهم شركة خاسرة وهي تعلن عن خطة تخفيض رأس المال، ذلك أن السهم أصبح سلعة بذاته، لها كيان منفصل عن كيان الشركة، ومهما قيل عن خطورة هذه النظرة على الاستثمار طويل الأجل، وعن الأضرار الاقتصادية لها، فلن يؤثر ذلك في سلوك المضاربين، فالربح الرأسمالي الصغير جدا مهم للغاية، وهذا يحيل سوق الأسهم إلى سوق حراج، ولا علاج محدد لهذا، لأن المضاربات هي روح السوق ووجود الحراج اليومي بمنزلة النافذة التي تسمح لمن يريد التخارج من الأسهم والفوز بالسيولة أن يجد من يشتري منه فورا.
لا أجد حلا لهذه الشركات وغيرها مما هو على شاكلتها إلا خروجها من السوق الرئيسية كليا، وإعادة إدراجها في سوق نمو. قد يعتبر البعض أن في هذا ضررا على سوق نمو، لكن سوق نمو موجودة ابتداء للشركات التي لديها بعض الضعف في نقاط الحوكمة وقيود في حجم رأس المال، كما أن التداول هناك عليه قيود وشروط خاصة، وفي اعتقادي أن هذا الإجراء Delisting صحيح لمعالجة وضع بعض الشركات التي تم إدراجها في السوق الرئيسية قبل وجود سوق نمو، فهي من تصنيف شركات نمو لكنها في السوق الرئيسية بحكم الزمن لا بحكم الحالة، كما أن هذا الإجراء الذي سيمنح المستثمر الصغير الجديد طوق النجاة من فخ المضاربات اليومية وإغراءات صعود السهم الناتج عن ذلك، ليضع أمواله في شركات تعمل في قطاعات تدعم الاقتصاد السعودي، وتحافظ على رؤوس الأموال، وتعكس ثقافة الحوكمة الجيدة بشكل صحيح.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
تحديات رؤية السعودية ومؤشراتها في العام التاسع
قال عضو مجلس الشورى، الخبير الاقتصادي محمد آل عباس، إن السعودية دخلت المرحلة الأخيرة من تنفيذ "رؤية 2030" بعد نحو 10 أعوام من انطلاقتها، مؤكداً أن الرؤية التي بدأت بتخطيط وقيادة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، أحدثت تحولاً عميقاً في الثقافة الاقتصادية والإدارية السعودية. وأوضح آل عباس في تسجيل صوتي لـ"اندبندنت عربية" أن التخطيط الإستراتيجي البعيد المدى لم يكن متجذراً بعمق في التجربة السعودية قبل الرؤية، إذ كانت الخطط تركز غالباً على الأهداف المتوسطة أو القصيرة الأجل، على رغم بعض تجارب التخطيط التنموي منذ سبعينيات القرن الماضي، وأشار إلى أن الرؤية فرضت مستوى جديداً من التزام التخطيط الطويل الأمد، لم تعهده السعودية في السابق بهذا الاتساع والعمق. وأضاف أن برامج ومشاريع الرؤية، مثل "القدية" و"نيوم" و"البحر الأحمر" و"العلا" و"تروجينا" وغيرها، أعادت رسم الخريطة الاقتصادية عبر تحفيز قطاعات جديدة مثل السياحة والصناعة والطاقة المتجددة، كذلك فإن مبادرات أخرى مثل "الرياض آرت" و"بوابة الدرعية" و"ذا لاين" و"مدينة محمد بن سلمان غير الربحية"، شكلت محركات حيوية لتحسين جودة الحياة في المملكة. وفي استعراضه المؤشرات الحالية، أشار آل عباس إلى أن عدد زوار الحرمين الشريفين تجاوز 13 مليون زائر، وبلغت نسبة تملك الأسر السعودية السكن أكثر من 63 في المئة، وارتفع متوسط العمر المتوقع إلى 78 سنة، كذلك زادت نسبة ممارسي الرياضة إلى أكثر من 62 في المئة، واقترب الناتج المحلي غير النفطي من حاجز التريليوني ريال، بينما تجاوزت حصة المحتوى المحلي غير النفطي 55 في المئة. وبيّن أن إنهاء برنامج الاستدامة المالية كأحد برامج تحقيق الرؤية يأتي انعكاساً لتمكن السياسات المالية من تحقيق أهدافها، مما أسس لقاعدة صلبة لاستدامة التقدم الاقتصادي في المستقبل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) واعتبر أن الرؤية - بعد عون الله - كانت عاملاً حاسماً في حماية الاقتصاد السعودي من أزمات عالمية متتالية، مثل أزمة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتعطل سلاسل الإمداد بعد جائحة كورونا، مؤكداً أن استمرار الاستقرار في ظل بيئة جيوسياسية مضطربة يعد من أبرز إنجازات المرحلة. وتستعد "رؤية السعودية 2030" لدخول مرحلتها الثالثة والأخيرة مع نهاية العام الحالي، وسط تحديات دولية متصاعدة، أبرزها تصاعد الحرب التجارية وتأثيراتها في الاقتصاد العالمي، مما يضفي بُعداً إضافياً على تقرير الرؤية لعام 2024. ويأتي هذا التقرير بعد أن تمكنت السعودية من تجاوز تداعيات جائحة كورونا وتقلبات أسعار النفط بأقل الأضرار، مما يعكس مرونة الرؤية في التعامل مع المتغيرات العالمية. وتزامناً مع الذكرى السنوية الثامنة لإطلاق الرؤية في الـ25 من أبريل (نيسان) 2016 بقيادة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، شهد تقرير هذا العام تطوراً بارزاً بإدراج 14 إستراتيجية وطنية جديدة تهدف إلى ضخ مئات المليارات في الاقتصاد الوطني. وأظهر التقرير أن 93 في المئة من مؤشرات الأداء للرؤية والبرامج الوطنية قد تحققت أو قاربت على تحقيق أهدافها لعام 2024، فيما اكتملت 85 في المئة من مبادرات الرؤية البالغ عددها 1502. وفي مقدم التقرير، وصف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الرؤية بأنها جعلت من المملكة نموذجاً عالمياً في التحولات التنموية، مؤكداً استمرار مسيرة البناء نحو تحقيق تنمية مستدامة للأجيال القادمة. Listen to "تحديات رؤية السعودية ومؤشراتها في العام التاسع" on Spreaker.


أرقام
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- أرقام
كيف تم اكتشاف مشكلة شركة الصادرات؟
د. محمد آل عباس أعلنت هيئة السوق المالية عن إدانة عدد من منسوبي الشركة السعودية للصادرات الصناعية "الشركة"، من بينهم (رئيس مجلس إدارة)، و(عدد من أعضاء مجلس إدارة)، و(رئيس تنفيذي)، و(رئيس لجنة مراجعة)، و(أعضاء لجنة مراجعة)، و(مدير مالي)، و(مدير مراجعة لدى مراجع خارجي) و(مراجع خارجي)، وقد ذكرهم إعلان الهيئة بالاسم والصفة، وذلك لثبوت تسجيل بيانات مضللة في القوائم المالية، لتضخيم إيرادات "الشركة"، من خلال الاعتراف بالإيراد دون استيفاء شروطه، وفقاً لمعايير المحاسبة والمراجعة المعتمدة من الهيئة السعودية للمراجعين والمحاسبين، وعلى الرغم من أن مشكلة الاعتراف بالإيراد تعد إحدى أكثر المشكلات المحاسبية شيوعا، وأكثر الأساليب التي يتم فيها الاحتيال، وندرب الطلاب في أقسام المحاسبة وخاصة في مادة المراجعة على التأكد من سلامة تسجيل الإيرادات، وهي مع شيوعها فهي سهلة الاكتشاف، نظرا لتشدد المعايير في ذلك، فوفقًا لمعايير التقارير المالية الدولية (IFRS)، يجب التأكد من الأمور التالية قبل إثبات الإيرادات وهي: (أولا) أن مخاطر الملكية والعوائد منها قد انتقلت من البائع إلى المشتري. (ثانيا) أن البائع فقد السيطرة على البضائع المبيعة فلم تعد تحت تحكمه قانونا، (ثالثا) أن البائع قد ضمن تحصيل قيمة البضائع أو الخدمات، (رابعا) أنه يمكن قياس قيمة مبلغ الإيرادات بشكل معقول، (خامسا) أنه يمكن قياس تكاليف الإيرادات بشكل معقول. من الواضح أن التأكد من استيفاء كل صفقة لهذه الشروط أمر يصعب اكتشافه من قبل أطراف خارجية، فهي معلومات داخلية بحتة، والعقود سرية تماما. ولأن مثل هذه القرارات خطيرة وتؤثر في المركز المالي للشركة فتسجيل إيرادات لم تسوف الشروط يعني أن صفقة البيع لم تستكمل وقد يتراجع المشتري في أي وقت أو لا يقوم بالسداد، لهذا أقرت كل الأنظمة في العالم تعيين المراجع الخارجي المستقل للتأكد من التزام الشركات بالشروط، خاصة السرية منها، لكن ماذا لو أن المراجع الخارجي نفسه قد تواطأ مع الشركة وقبل منها تسجيل صفقة غير مستوفية الشروط، السؤال الكبير الآن من يكتشف ذلك؟ فالحقيقة أنه لا يمكن اكتشاف المشكلة أبدا ما لم تحدث خسائر فادحة في فترة لاحقة بسبب تراجع العملاء فعلا عن الدفع، أو أن يتم تغيير المراجع الخارجي. ما حدث في شركة الصادرات أنه تم تغيير المراجع الخارجي في الربع الثاني من 2020، وقد تلاحظ أن الربع الأول من نفس العام كان التقرير باسم المراجع الخارجي الذي شارك في الإثبات غير الصحيح للإيرادات، ولم يقدم المراجع الخارجي أي لفت انتباه فيه، بينما في الربع الثالث وهو الربع الذي جاء في إعلان هيئة السوق المالية (حيث لم تتم معالجتها إلا في القوائم المالية الأولية المنتهية في 30/09/2020م) قدم المراجع الجديد 4 قضايا تم لفت الانتباه إليها، من بينها الانتباه إلى الإيضاح رقم 15 حول القوائم المالية. وعند العودة إلى الإيضاح المذكور ورد ما يلي: "قامت الشركة بواسطة الرئيس التنفيذي السابق بالاتفاق على صفقة لبيع 35 ألف طن من الكبريت الخام حسب أمر الشراء أـ من العميل، وعليه تم التواصل مع المورد وإرسال فاتورة أولية للكمية المطلوبة وتم إصدار فاتورة مبيعات وإثبات الإيراد خلال ديسمبر لعام 2019، وقبل إصدار هذه القوائم المالية، تم استلام خطاب من العميل مؤرخ بتاريخ 1/9/2020 يفيد بعدم استلامه الكمية، ومعتبرا الصفقة ملغاة، وبناء عليه تم عكس المبيعات والتكلفة المتعلقة بها إضافة إلى إلغاء ذمة العميل ومخصص الانخفاض الذي يخصها، والمكون خلال الربع الثاني لعام 2020، وأوصت لجنة المراجعة إلى مجلس الإدارة بالموافقة على عكس المعاملة وتشكيل لجنة للتحقق من إجراءات الصفقة ومن وجود تلاعب أو عدمه واتخاذ اللازم. وقام مجلس الإدارة بتشكيل لجنة داخلية مستقلة عن الإدارة التنفيذية لمباشرة تنفيذ توصيات لجنة المراجعة. لقد كان واضحا جدا أن العملية إنما تمت فقط لإثبات إيرادات غير حقيقية في 2019، لكن تغيير المراجع الجديد تسبب في اكتشاف هذه العملية. وأود هنا الإشارة إلى تمسك المراجع الجديد برأيه، حيث صدر إعلان الشركة في شأن امتناع المراجع الخارجي من إبداء الرأي في القوائم المالية لعام 2020، الذي جاء فيه أنه "بسبب امتناع المراجع الخارجي من إبداء رأيه في النتائج المالية السنوية المنتهية، فقد قامت الشركة بتعيين مراجع عدلي (يعني المحاسب القضائي)، لرصد وحصر التجاوزات الإدارية والمالية للإدارة التنفيذية السابقة، وأحد مكاتب المراجعة الخارجية السابقة، وتم رفع تقارير بالتجاوزات إلى الجهات المختصة لاستكمال جميع الإجراءات النظامية"، هكذا تم اكتشاف العملية.


أرقام
٠٢-٠٣-٢٠٢٥
- أرقام
صكوك "معادن" .. هل سعر الفائدة السائد صحيح؟
د. محمد آل عباس قبل أيام أعلنت شركة التعدين العربية السعودية "معادن"، عن أول طرح دولي لها من الصكوك ذات الأولوية غير المضمونة، بقيمة إجمالية تبلغ 1.25 مليار دولار أمريكي، ويشمل الطرح شريحتين من الصكوك، حيث تبلغ القيمة الاسمية وفترة الاستحقاق ومعدل العائد لكل شريحة كما يلي (الشريحة الأولى تبلغ قيمتها الاسمية750 مليون دولار أمريكي في صكوك مدتها 5 سنوات، بسعر عائد ثابت يبلغ 5.25%، تستحق في 13 فبراير 2030)، (الشريحة الثانية تبلغ قيمتها375 مليون دولار أمريكي في صكوك مدتها 10 سنوات، بسعر عائد ثابت يبلغ 5.50%، تستحق في 13 فبراير 2035)، ومع ذلك فقط سجّل الطرح إقبالًا غير مسبوق وفقا للموقع الإلكتروني لشركة معادن، تجاوز حجم الطلبات قيمة الطرح بأكثر من 9.2 ضعف، ليصل إجمالي الطلبات إلى 11.5 مليار دولار أمريكي. لا شك أن هذا يعكس ثقة المستثمرين الكبيرة بشركة معادن والاقتصاد السعودي، لكن من المهم لفت الانتباه هنا إلى أن "معادن" تحظى بتصنيف ائتماني من نوع (Baa1) من وكالة موديز، وتصنيف (BBB+) من وكالة فيتش، ومن المتوقع أن يتم تصنيف الصكوك بنفس مستوى التصنيف الائتماني للشركة، في نفس السياق وقبل مدة أيضا أعلن البنك السعودي الفرنسيBSF عن نجاحه في إصدار صكوك بقيمة 750 مليون دولار أمريكي، تستحق في غضون 5 سنوات وتقدم عائدًا سنويًا بنسبة5.375%، وأيضا سجلت الطلبات أكثر من 3.7 مليار دولار أمريكي، ما يعادل تغطية تجاوزت 4.9 ضعف. كل هذا جيد جدا للشركات السعودية بل مدهش، ويعكس تعطش الأسواق لهذا النوع من الإصدارات، لكن ما لفت نظري بشدة هو ما تضمنه إعلان البنك الفرنسي ضمن عرضه للموضوع في موقعه الإلكتروني من أنه قد تم تسعير الصكوك بمعدل مقارب لمنحنى السندات السيادية، وحققت الصكوك أدنى هامش ائتماني يتم تحقيقه على الإطلاق لبنك سعودي. كما يمثل هذا الطرح ثاني أدني هامش ائتماني لإصدارات سوق رأس المال من أي مؤسسة مالية خليجية. علاوةً على ذلك، تم تسعير الصكوك بدون أي تنازلات إضافية للطرح، حيث جاءت عند مستوى القيمة العادلة، هذه العبارات التي كتبها البنك في موقعه بكل اعتزاز قد تشير إلى مشكلة في مكان ما آخر، فكيف استطاعت شركة معادن أن تحصل على كل هذا الإقبال الضخم والنجاح في الأسواق العالمية عند عائد ثابت يبلغ 5.50%، وهي مصنفة بتصنيف ائتماني من نوع (Baa1)، وتصنيف(BBB+). بلا شك من حق إدارة الشركة وكذلك إدارة البنك الفرنسي التفاخر بهذا الإنجاز، فإذا كنت قادرا على الفوز بصكوك عند مستوى العائد للسندات السيادية ولمدد فوق المتوسط فإنك حققت رافعة مالية قوية، لكن كيف تحقق ذلك، أقصد كيف قبلت الأسواق هذا الطرح؟! من المستقر في عالم الاستثمار أن الصكوك هي أدوات دين غير خالية من المخاطر، وهناك فرق بين الصكوك المدعومة بالأصول والصكوك القائمة على الأصول، والصكوك المضمونة وغير المضمونة، والصكوك الحكومية (السيادية) وغيرها، ولكل نوع من هذه الأنواع سعر فائدة يتناسب مع حجم المخاطر الذي ينتجه، لكن بالتأكيد فإن السندات (وليست الصكوك) السيادية تكون أو "المفترض" أنها الأقل سعر فائدة وبفارق معنوي كبير عن الصكوك عموما وعن الصكوك التي يصدرها القطاع الخاص، وإذا أضفت إلى ذلك أن التصنيف الحكومي مرتفع بينما التصنيف الائتماني للشركة أقل فإن النتيجة أيضا أن السندات الحكومية يجب أن تكون أقل سعر فائدة، ولأن المخاطر أقل والضمانات أكبر، ولهذا فإنه من الصعب على القطاع الخاص مجاراة الحكومات في أدوات الدين وليس محل منافسة من باب أولى. على هذا فإن إعلان البنك الفرنسي وكذلك إعلان "معادن" أنه قد تم تسعير الصكوك بمعدل مقارب لمنحنى السندات السيادية، يعني ببساطة أن القطاع الخاص ينافس الحكومة في مستويات مخاطر الدين التي تنخفض بشكل مدهش في القطاع الخاص، أو أن حجم الأموال في العالم ضخم لدرجة أنها أصبحت تبحث عن أي عائد لو كانت المخاطر لا تبرره، أو أن مستويات الفائدة الحالية السيادية في العالم لا تعكس حقائق الاقتصاد العالمي.