
من ياسر عرفات لأمين معلوف.. عرب نالوا جوائز "أمير أستورياس" الإسبانية
يتذكر كثيرون أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1994 مناصفة مع إسحاق رابين وشيمون بيريز، لكن قليلين ربما يتذكرون أنه فاز في السنة ذاتها مع إسحاق رابين بجائزة دولية أخرى، لها مكانتها الخاصة، ويتعلق الأمر بجائزة أمير أستورياس.
وكان عرفات بذلك أول شخصية عربية تتوج بتلك الجائزة الإسبانية المرموقة التي تمنح منذ عام 1981 وتكرم شخصيات ومؤسسات بارزة في مجالات التواصل والإنسانيات والبحث العلمي والفنون والعلوم الاجتماعية والآداب والتعاون الدولي والوفاق والرياضة.
وجاء تكريم عرفات تلك السنة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في فئة التعاون الدولي اعترافا بـ"جهودهما الحاسمة الرامية إلى تهيئة الظروف للسلام، وفقاً للعملية التي بدأت في مؤتمر مدريد في أكتوبر/تشرين الأول 1991، والتي من شأنها أن تؤدي إلى السلام النهائي في الشرق الأوسط".
كما جاء التتويج بعد عام على توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، الذي ينص على "إنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة"، وضم عدّة بنود تتعلق بهيكلية السلطة الفلسطينية وتكوينها، وإقامة سلطة حكم ذاتي انتقالية فلسطينية.
وفي العام الموالي (1995)، كان العرب حاضرين في قائمة المتوجين بتلك الجائزة في فئة "الوفاق" التي آلت للعاهل الأردني الملك الحسين تقديرا "لمساهمته في خدمة السلام في منطقة الشرق الأوسط"، وفي مجال الرياضة للعداءة الجزائرية حسيبة بولمرقة تكريما لإنجازاتها في سباق المسافات المتوسطة ببطولة العالم لألعاب القوى بطوكيو (1991) والألعاب الأولمبية ببرشلونة (1992).
وجاء تكريم الملك حسين في العام نفسه الذي وقع فيه الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل تُعرف بـ"معاهدة وادي عربة" بهدف "تحقيق سلام عادل وشامل بين البلدين استنادا إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ضمن حدود آمنة ومعترف بها".
وفي أثناء تسلم الجائزة، قال الملك حسين "اليوم، هنا في أستورياس، مهد حروب الاسترداد (سقوط الأندلس)، يتم تكريم زعيم عربي مسلم باسم السلام، لأنه في إسبانيا اندمجت الديانات الإبراهيمية الثلاث الكبرى: اليهودية والمسيحية والإسلام معًا لإنتاج تراث فريد من نوعه".
وفي عام 2002، عادت الجائزة "فئة الوفاق" إلى المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935-2003) مناصفة مع الموسيقار العالمي دانيال بارنبويم اللذين "عملا بإيثار وجدارة لتعزيز التعايش والسلام"، من خلال مشاريع فنية شارك فيها موسيقيون شباب من فلسطين وإسرائيل.
وكان إدوارد سعيد من أبرز رموز الثقافة العربية والفلسطينية واشتهر بنقده للاستشراق الغربي، وظل إلى حين وفاته عام 2003 من أقوى الأصوات المدافعة عن القضية الفلسطينية في المحافل الإعلامية والأكاديمية في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة حيث حصل هناك على دكتوراه من جامعة هارفارد، وعمل محاضرًا في جامعة كولومبيا.
وتغطي أعمال إدوارد سعيد مجالات معرفية واسعة، وتشمل تخصصات مثل التحليل السياسي وتحديدا ما يهم الشأن الفلسطيني داخليا ودوليا، والنقد الأدبي الإنجليزي، وعلم الموسيقى. كما تناول في كتاباته خلفيات العلاقات الشائكة بين الشرق والغرب.
وفي فئة الآداب، كانت الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي (1940-2015) أول شخصية عربية تفوز بالجائزة وذلك عام 2003 مناصفة مع الكاتبة الأميركية سوزان سونتاغ (1933-2004) وقالت اللجنة المعنية إن الكاتبتين تشتركان في "إنتاج أعمال أدبية متنوعة، تتميز بجودة فنية عالية، وتتناول قضايا عصرنا الجوهرية برؤية ثاقبة ومعمقة، وتقدمان رؤى متكاملة في الحوار بين الثقافات".
وانصبت أعمال فاطمة المرنيسي، وكلها باللغتين الفرنسية والإنجليزية، على تحليل جذور الأنماط الاجتماعية التقليدية التي تحدد أوضاع المرأة في العالم العربي والإسلامي، وركزت على مقاربة التأطير الديني لمكانة المرأة ووظيفتها في الحياة الاجتماعية والسياسية.
وحضر العرب في السنة الموالية (2004) في سجل تلك الجائزة التي عادت في فئة الرياضة إلى العداء المغربي هشام الكروج الذي وصفته اللجنة المختصة بـ"الرياضي الاستثنائي" الذي بلغ قمة النجاح في بطولة العالم وفي الألعاب الأولمبية الأخيرة في تلك السنة، حين فاز بالميدالية الذهبية في سباقات 1500 و5 آلاف متر، وهو إنجاز لم يحدث إلا مرة واحدة من قبل.
وفي عام 2010 سُجل آخر تتويج عربي بالجائزة وكان في فئة الآداب، وفاز بها الكاتب اللبناني أمين معلوف (ولد عام 1949) لأن "أعماله، التي تُرجمت إلى أكثر من 20 لغة، تثبت أنه أحد الكتاب المعاصرين الذين استكشفوا بشكل أعمق الثقافة المتوسطية التي تُمثل مساحة رمزية للتعايش والتسامح".
وسبق لمعلوف أن حاز عام 1993 جائزة غونكور، وهي أرقى جائزة أدبية في فرنسا، عن روايته "صخرة تانيوس" ونال بعدها عدة جوائز أخرى تقديرا لإنتاجه الغزير والعميق الذي يجمع بين السرد والمقالات الطويلة حول قضايا العصر من قبيل الهوية، وصراع الحضارات. ويشغل معلوف منذ عام 2023 منصب الأمين العام الدائم للأكاديمية الفرنسية.
ويشار إلى أن جائزة "أمير أستورياس" في فئة الآداب تختلف عن جائزة سيرفانتس للآداب باللغة الإسبانية التي أطلقت عام 1976 والتي تعتبر "الجائزة المرموقة والأكثر مكافأة التي تُمنح لأدب اللغة الإسبانية" وفاز بها كتاب كبار من بلدان أميركا اللاتينية.
وحصل على جائزة أمير أستورياس منذ إطلاقها وجوه أدبية عالمية، بينها الألماني غونتر غراس، والإيطالي أومبرطو إيكو، والبيروفي ماريو بارغاس يوسا، والألباني إسماعيل كاداري، كما نالها في مجال التعاون الدولي والوفاق سياسيون بارزون، بينهم نيلسون مانديلا وميخائيل غورباتشوف.
وفي أحدث دورة من هذه الجائزة الرفيعة، تُوج في فئة الآداب هذا العام الكاتب الإسباني إدواردو ميندوزا الذي ترجمت أعماله إلى عدة لغات، و"تدور أحداثها عادةً في مدينة برشلونة، وتتميز بأسلوب يجمع بين عناصر الرواية القوطية والخيال العلمي وروايات الجريمة، بالإضافة إلى حس فكاهة شخصي للغاية وهجاء ومحاكاة ساخرة".
وكانت تلك الجائزة تعرف بـ"جائزة أمير أستورياس" وتمنحها مؤسسة أمير أستورياس (غير الربحية) برئاسة فيليب أمير أستورياس الذي كان وليا للعهد في إسبانيا، وعندما تسلم السلطة تحت اسم فيليبي السادس عام 2014 أصبح اسمها "جائزة أميرة أستورياس"، وتمنحها مؤسسة أميرة أستورياس، تحت رئاسة الأميرة ليونور ابنة الملك فيليب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مسؤول للجزيرة نت: إسرائيل دمَّرت 85% من مصادر المياه في غزة
غزة- تعمّد جيش الاحتلال الإسرائيلي تدميرَ مصادر وشبكات المياه في قطاع غزة ، بعد أن استهدفها بغاراته الجوية وعملياته البرية في إطار حربه لتقويض مقومات الحياة وإجبار الفلسطينيين على هجر أماكن سكنهم. ويقول مدير عام مصادر المياه في سلطة المياه بقطاع غزة، منذر سالم، إن إسرائيل دمَّرت 85% من مصادر المياه، وأنهكت قطاع المياه المستنزف أساسا، ولم تعد المياه الصالحة للشرب والمخصصة للاستهلاك اليومي متاحة أمام أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون داخل غزة. وحذَّر في حديث خاص للجزيرة نت، من آثار تلوث المياه على صحة المواطنين الذين يضطرون إلى قطع مسافات طويلة للحصول على القليل منها، وفي كثير من الأحيان تفشل مهمتهم في توفيرها. المصدر الأهم ويعتمد قطاع غزة -حسب سالم- على ثلاثة مصادر للمياه؛ أولها الخزان الجوفي الذي كان مستنزفا قبل الحرب وأصبح منهكا، حيث أظهرت آخر التحاليل التي سبقت العدوان الإسرائيلي عام 2023، أن 97% من مياهه غير صالحة للشرب، بينما تُمثل المصدر الثاني محطات التحلية، سواء العامة أو الخاصة، التي زاد الاعتماد عليها كثيرا خلال الحرب. وتوفر المصدر الثالث شركة مياه "ميكروت" الإسرائيلية، بناء على اتفاق أوسلو ، حيث بدأت بتزويد قطاع غزة بـ5 ملايين متر مكعب من المياه سنويا عبر 3 محاور واقعة شرق مدينة غزة، وشرق المغازي وسط القطاع، وشرق عبسان جنوبه، وارتفعت الكمية في 2023 لتصل إلى 21 مليون متر مكعب سنويا. واستعرض سالم التفاصيل الصعبة لواقع الخزان الجوفي في قطاع غزة، الذي يعتمد على مياه الأمطار لتعويضه، لكن كثرة الاستهلاك وعشوائيته أنهكته وأصبح ملوثا. وأضاف "يمثل الاعتماد الأكبر على الخزان الجوفي بما يعادل 85% من إجمالي مصادر المياه، وزادت هذه النسبة خلال الحرب بعدما قطعت إسرائيل إمدادات المياه التي تزود بها القطاع، فور عودة العدوان عليه في مارس/آذار الماضي". سياسة التعطيش ودمَّر الاحتلال أكثر من 80% من آبار المياه العامة، التي كانت توفر الماء لمعظم المناطق السكنية، ما يؤكد وجود مخطط إسرائيلي لتعطيش سكان قطاع غزة، حسب المسؤول سالم. ولفت إلى أن معظم الآبار التي يتم إعادة تشغيلها بعد تنفيذ أعمال صيانة طارئة عليها، لا تعمل بالكفاءة المطلوبة نظرا للأضرار الجسيمة التي لحقت بمنظومة المياه، ما أدى إلى انخفاض إنتاج هذه المصادر ما بين 30-35% مما كان عليه قبل العدوان. وكانت محافظات قطاع غزة تعتمد في استخراج المياه الجوفية على 300 بئر تنتج 262 ألف متر مكعب في اليوم، إلا أن أضرارا لحقت بها قلصتها إلى أدنى مستوى. وأدت عمليات النزوح المستمرة التي يفرضها الجيش الإسرائيلي على سكان جميع محافظات قطاع غزة إلى تجمعهم في أماكن محدودة، والعمل على حفر آبار منزلية جديدة أو إصلاح بعض المصادر الجوفية التي أصابها الدمار كي يتمكنوا من توفير المياه. وأشار سالم إلى العراقيل التي تصطدم بمحاولات تشغيل الآبار المتبقية في قطاع غزة، منها غياب مصادر الطاقة اللازمة لعملها بسبب منع الاحتلال إدخال الوقود، وارتفاع تكلفة تشغيلها عبر الطاقة الشمسية التي دمر العدوان معظمها. وأوضح أن القدرة التخزينية للنازحين تقتصر على غالونات مياه محدودة السعة بسبب النزوح والدمار الذي طال خزانات المياه الكبيرة، وبالتالي، فإنه عند انقطاع المياه عنهم ليوم واحد فقط، فسيتركوا دون ماء، وهو ما يزيد من الأزمات اليومية التي يعيشها معظم سكان القطاع. التلوث وأخطاره وزاد اعتماد سكان قطاع غزة على محطات تحلية المياه التي كانت تغطي 10% فقط من مجمل احتياجهم، حيث اضطرت لزيادة كميات إنتاجها رغم ارتفاع تكلفتها بشكل ملحوظ. وقال سالم: إن محطات التحلية تجتهد من خلال المؤسسات الخيرية والمبادرات المجتمعية لإيصال أكبر قدر ممكن من الماء إلى محافظات قطاع غزة، وهذا يساعد على توفير حصة يومية من المياه حتى لو كانت قليلة. وتطرَّق إلى مخاطر تلوث مياه الشرب، حيث يتكدس مئات المواطنين حول شاحنات توزيعها، مما يتسبب أحيانا بوصول الرمال والأتربة إلى الغالونات المخصصة لنقل المياه. وبيّن المسؤول سالم، أن كل 1 غرام من الرمل يحتوي على 5 ميكروبات، ما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعوية، وحذَّر من أن تراكم النفايات الصلبة في غزة يؤدي مباشرة إلى تسرب التلوث للمياه. وشدد سالم على أن مصادر المياه تحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة بما فيها محطات تحلية المياه، ومحطات الضخ، والآبار، وخزانات المياه، وخطوط النقل الرئيسية، وشبكات المياه، كي تتمكن الجهات المختصة من تلبية احتياجات المواطنين الطبيعية للمياه.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
أول لقاء بين الشرع والمبعوث الأميركي إلى سوريا
قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك إنه بحث مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني اليوم السبت في إسطنبول سبل تنفيذ رؤية الرئيس دونالد ترامب لازدهار سوريا. وفي تغريدة على منصة إكس، أضاف بارك -الذي يتولى حتى الآن منصب سفير بلاده في تركيا- أنه أكد دعم واشنطن للشعب السوري بعد سنوات العنف التي عاشها، والتزام واشنطن بالحوار وإنشاء صندوق استثمار لإعادة بناء اقتصاد البلاد. وتابع أن رفع العقوبات عن سوريا سيحافظ على هدف بلاده في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وأشار المبعوث الأميركي إلى أن الرئيس السوري أشاد برفع العقوبات الأميركية عن سوريا. وفي بيان منفصل، حث باراك الشرع على اتخاذ خطوات ملموسة في ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب والعلاقات مع إسرائيل. وعقد اللقاء بين الرئيس السوري والمبعوث الأميركي على هامش زيارة الشرع إلى إسطنبول، والتي التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان. وكان الرئيس الأميركي أعلن خلال جولته الخليجية مؤخرا رفع العقوبات عن سوريا، ولاحقا أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصا عاما لتخفيف بعض تلك العقوبات. وقالت وزارة الخزانة إن هذه الخطوة توفر إعفاء فوريا للعقوبات بما يتماشى مع إعلان الرئيس دونالد ترامب وقف جميع العقوبات على سوريا، وأضافت أن الترخيص يسمح بالمعاملات المحظورة، ويرفع بشكل فعال العقوبات، ويتيح تمكين الاستثمار ونشاط القطاع الخاص، بما يتوافق مع إستراتيجية الرئيس "أميركا أولا". وقالت الوزارة إن قراراتها تمنح إعفاءات من " قانون قيصر"، وهو ما يمكّن شركاء الولايات المتحدة والحلفاء ودول المنطقة من إطلاق العنان لإمكانات سوريا بشكل أكبر. ورحبت الخارجية السورية بالقرار الأميركي القاضي برفع العقوبات ووصفته بالخطوة الإيجابية، وقالت إن دمشق تمد يدها لكل من يرغب بالتعاون على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وأضافت الخارجية السورية أن الحوار والدبلوماسية هما السبيل الأمثل لبناء علاقات متوازنة تحقق مصالح الشعوب وتعزز استقرار المنطقة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
عائلة في غزة لا يدرك أبناؤها المعاقون معنى الحرب والمجاعة
غزة- لا شيء في خيمة السيدة ممتازة صُبح يوحي بالحياة سوى صراخ أبنائها الثلاثة المتواصل طلبا للطعام، وهم الذين يعانون من الإعاقة الذهنية. بينما يلاصق خيمتها مكب نفايات يقع في قلب مدينة غزة، في ظروف لا تصلح لحياة البشر. لا يدرك أبناؤها أن قطاع غزة بأكمله يعيش مجاعة خانقة، منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر قبل قرابة 80 يوما، ولا يفهمون معنى الحصار ولا يتقبلون الأعذار، ويطلبون الطعام دون توقف من والدتهم التي تصارع وحدها لإسكات صرخاتهم. وبينما تعاني غزة من مجاعة جراء حصار مشدد تفرضه إسرائيل منذ بداية مارس/آذار الماضي، ويعيش معظم السكان في خيام بعد تدمير منازلهم، وسط إغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود وانعدام المساعدات وصعوبة الوصول إلى الطعام، تواجه الفئات الأضعف، كذوي الإعاقة الذهنية، أوضاعا إنسانية مأساوية. الجوع ينهش الصمت نزحت السيدة ممتازة من بيت لاهيا شمالا إلى مدينة غزة قبل نحو شهرين، وهدم جيش الاحتلال منزلها هناك، وتعيش في الخيمة التي منحتها لها إحدى الجهات الخيرية. ومنذ نزوحها، لا يوجد عند ممتازة أي مصدر دخل، وتعيش على الصدقات، وتحصل على الطعام من التكيات ومن يتبرع لها من "أهل الخير". ومع تفاقم المجاعة جراء نقص الغذاء وقلة التكيات، تفاقمت الأوضاع المأساوية لعائلة صُبح، خاصة أن أبناءها من ذوي الإعاقة الذهنية، غير قادرين على تحمّل الجوع، أو تفهم أسبابه. وتقول ممتازة للجزيرة نت، "كان عندي بيت في منطقة بيت لاهيا ، صحيح بسيط، لكنه كان ساترَنا وحافظ كرامتنا، لكن الآن نحن في الشارع". ولا تتوقف معاناة ممتازة عند فقدان المأوى، بل تمتد لتدخل عمق حياتها اليومية، فأبناؤها الثلاثة: صقر (25 عاما)، وصخر (23 عاما)، وأحمد (22 عاما) تمنعهم إعاقتهم من فهم معنى "حرب" أو "حصار" أو "مجاعة". إعلان وتضيف "ما بيعرفوا شو يعني ما في أكل، بيصحوا من النوم، بيطلبوا أكل، أقولهم الدنيا حرب، بيردوا: إحنا جوعانين، أقولهم استنوا (انتظروا) شوي، بصرخوا، بيكسروا، بيهددوا يحرقوا الخيمة". لم تأكل العائلة خبزا منذ شهر، فلا يوجد دقيق في المنزل، وحينما يحضر الطعام، فإنه لا يتعدى العدس الأحمر الذي يصلها كهِبات من بعض الأقارب أو المحسنين، وتوضح أن أولادها لا يحبون العدس، لكنهم يضطرون لأكله لعدم توفر البديل. وذات مرة، رمى ابنها صخر وعاء الطعام في الشارع، بعد أن أكل ما بداخله، ثم صاح "جوعان.. بدّي كمان"، وهدد بحرق الخيمة، وتكمل "يطلبون الأكل كل نصف ساعة، مش مستوعبين أن الدنيا حرب وأن الأكل مرتين أو ثلاثة باليوم غير متوافر". تنهار ببطء تعيش ممتازة هذه الحياة كل يوم، دون انقطاع ودون استراحة، رغم أنها أم مريضة بالسكري وضغط الدم المرتفع، لا تقوى على مجاراة الجوع المتكرر لأبنائها، ولا على حمل المياه من المسافات البعيدة، ولا على الجري خلفهم عندما يصرخون أو يعتدون على بعضهم بعضا. تقول "أنا مش قادرة، بمشي وبنهار، وعندما أفقد السيطرة، أذهب للنوم وأتركهم يصرخون، يكسرون أي شي حواليهم، أذهب للنوم ليس لأجل النوم، ولكنني لأستسلم أمام كل هذا التعب". ولا تنتهي المأساة في هذه الخيمة عند الجوع، فوجودها إلى جوار مكب نفايات يجعلها ساحة للحشرات التي تغزوهم ليل نهار، تسبح على وجوههم، وتلدغهم، وتوقظهم من نومهم، وفي هذا تقول ممتازة "طول الليل أطارد الحشرات، كل ما أقتل وحدة بلاقي عشرة غيرها، أما الرائحة فهي خانقة". تفتقد الخيمة للمرحاض، كما يعانون من نقص الملابس والأحذية، ويمشون حفاة في الشوارع، ويرتدون ملابس بالية ممزقة. وتحرص ممتازة في حديثها على الدوام على أن تدعو الله أن يمنحها الصبر، خاصة أنها لم تعد شابة وقادرة على تحمّل هذه المعاناة، وتختم حديثها، "دائما بقول يا رب صبرني على أولادي، صبرني على جوعي، صبرني على الناس". ارتفاع نسبة الإعاقة يكشف الدكتور إياد الكرُنز، منسق قطاع الإعاقة في شبكة المنظمات الأهلية بقطاع غزة، أن العدوان على غزة تسبب في ارتفاع غير مسبوق في أعداد ذوي الإعاقة، حيث أُضيف نحو 32 ألف شخص إلى القائمة، بزيادة تقدَّر بـ 52% مقارنة بالأعداد المسجّلة قبل الحرب، والتي بلغت آنذاك 58 ألف حالة، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وأضاف الكرُنز للجزيرة نت، "هذه الأرقام لا تزال غير نهائية، إذ يُسجَّل يوميا من 10 إلى 12 حالة جديدة، غالبيتها من الأطفال مبتوري الأطراف". وأوضح الكرُنز أن الأشخاص ذوي الإعاقة – سواء الجدد أو القدامى- يواجهون ظروفا بالغة القسوة، إذ يعانون من نقص حاد في الغذاء والمكملات الغذائية والفيتامينات والبروتينات. ولفت إلى أن حالة المجاعة السائدة في قطاع غزة حاليا، تفاقم من حالة المعاقين الذين يحتاجون إلى تغذية سليمة، مشيرا إلى أن فئة المعاقين "ذهنيا" يطلبون الطعام باستمرار لأن أدمغتهم لا تضبط مسألة الإحساس بالشبع، مما يُشكل عبئا نفسيا وماديا متزايدا على أهاليهم. كما ذكر أن المعاقين يفتقدون "الأدوية والحفاظات والأجهزة المساعدة مثل الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية". وأشار الكرُنز إلى أن البُنى التحتية في مراكز الإيواء، تفتقر لأبسط متطلبات ذوي الإعاقة. وأشار إلى أن هذه الفئة تخوض "منافسة غير عادلة مع الأصحاء للحصول على الماء والغذاء والعلاج". وتفاقمت معاناة ذوي الإعاقة، بحسب الكرُنز، بفعل تدمير إسرئيل مراكز التأهيل التي كانوا يعتمدون عليها، إضافة إلى فقدانهم أدواتهم المساعدة نظرا للنزوح المستمر والمتكرر. وبيّن أن تدمير المستشفيات والنقص الحاد في الرعاية الصحية يسهم في تدهور أوضاع ذوي الإعاقة، ويقصّر من أعمار كثيرين منهم. كما سلط الضوء على معاناة فئة ذوي الإعاقات الذهنية، وخاصة المصابين بالشلل الدماغي، مشيرا إلى أن معاناتهم "مركّبة"، إذ يعانون من إعاقات حركية مصاحبة، ويحتاجون إلى تغذية وأدوات طبية خاصة وكراسي متحركة لا تتوفر حاليا.