
«كسر القالب»: النصّ يمسك بيد المتفرّج ليقوده حيث يشاء
تعاملت المسرحية مع جمهورها على أنه متلقٍّ لرسالة اجتماعية قبل أن يكون شريكاً في تجربة فنّية. الفنّ هنا لا يُطرح على شكل سؤال، فيُستَخدم وسيلةً أو قالباً صُوَرياً لتقديم مضمون جاهز. وكأنّ ما يُعرض على الخشبة ليس سوى غلاف لنداء واضح: العائلة، ثم العائلة.
الكتابة لجيزال هاشم زرد، المعروفة بمسرح الأطفال، والعرض يُقدَّم على خشبة «الأوديون» التي اختزلت في ذاكرة كثيرين صورة مسرح الطفولة. وربما كان لهذا الأثر أن يتسلَّل إلى عرضٍ وُجّه للراشدين، من دون أن يتخلَّص من تلك اللمسة «الطفولية» في المقاربة. فمع أنّ النصّ يتناول الخيانة والعلاقات الزوجية، فإنه يتعامل مع الكبار كما لو كانوا صغاراً، يحتاجون إلى التلقين، لا إلى التأمُّل.
الحلّ جاهز قبل أن يبدأ السؤال (بوستر المسرحية)
يبدأ العرض برِهان واحد: أن يصل إلى ما يريد، لا أكثر ولا أقل. أن يُمرِّر رسالة واحدة، وأن يفعل ذلك بأوضح الطرق وأقلّها التباساً. فلا فسحة للتأويل ولا دهشة تُربك المعنى. البطولة لطوني عيسى، وجوزيان الزير، وريتا سليمان، والقصة تدور حول خيانة تُهدّد كيان العائلة وتُفكّك الروابط. الفكرة مشروعة درامياً، غير أنّ المشكلة لا تكمن في الموضوع، وإنما في الطريقة التي عُولج بها.
المسرحية تتبنّى الخيانة على أنها «خطيئة» اجتماعية كبرى، لكنها لا تبحث في أسبابها. تُدينها بوصفها موقفاً أخلاقياً صرفاً، ثم تقف عند هذا الحدّ. الرجل يندم فجأة، من دون أن نعرف كيف ولماذا. كأنّ الندم ذاته هو الخلاص والغاية. تُطلق الأحكام من دون مُساءلة، وتُعمّم النتائج من دون المرور في دهاليز التناقُض الإنساني. كأنّ البشر كائن واحد، لا دوافع له ولا خلفيات، فقط خلاصات أخلاقية تُقال في نهاية المشهد.
وإذا كان هدف زرد هو الانتقال من عالم الأطفال إلى مسرح الكبار، فقد فعلت ذلك على مستوى الشكل فقط. كتبت نصاً بشخصيات ناضجة، لكنها عالجت تلك الشخصيات بالمنطق نفسه الذي يُخاطَب به الطفل. الجمهور يُعامَل بوصفه متلقّياً «يتشرَّب» ما يُقال، وليس بوصفه شريكاً في التفكير. زرد ضمن العباءة نفسها. لم تخلعها. اكتفت فقط بتغيير نوع القماش.
الممثلون يرقصون ويبدّلون أزياءهم... لكن الإيقاع لا يتغيّر (الشرق الأوسط)
النصّ، في هذا السياق، أقرب إلى عظة منه إلى عرض مسرحي. يُشبه إلى حدّ كبير خطاباً يُلقى على جمهور يعرف مسبقاً ما سيُقال. لا مفاجآت، لا عبور بين طبقات المعنى، ولا محاولة لحَفْر أعمق. ظلَّ العرض على سطحه حتى إغلاق الستارة؛ بإيقاع واحد، لا يتصاعد. على العكس، أخذ يتراجع تدريجياً. فالخلافات الزوجية، التي يُفتَرض بها أن تكون لحظات اشتداد درامي، تحوّلت إلى وسيلة لتكريس النمطية. الحبّ يتبخَّر فجأة، ثم يعود فجأة، من دون مُبرّرات، ومن دون ما يمنح هذا التحوّل صدقيّته الإنسانية. كل شيء في «كسر القالب» يبدو مُسيّجاً بخلاصات جاهزة وأحكام مُكتفية بنفسها.
المسرح يتنحّى لتعتلي الخطابة المنبر (الشرق الأوسط)
ولأنّ المباشَرة لم تكن كافية في الحوارات، فقد امتدّت إلى الأغنيات، وإلى الكلمة الأخيرة في العرض. تحوَّل حفل تكريم البطل، الذي يؤدّي شخصية كاتب، إلى لحظة ذروة في الوعظ. يتنحَّى الفنّ ويُفسح المجال للكلمة الخطابية، التي تعلن موقفاً عوض أن تترك أثراً فنّياً. وقد بدت الخطابة، في هذه اللحظة، بطلة العرض الخفيّة!
ومن بين ما لا يمكن تجاهله، إقحام اسم الكاتبة في العمل من خلال الكتاب الذي يُفتَرض أن يكون من تأليف البطل «طلال»، فإذا باسمه الكامل على الغلاف: «طلال هاشم زرد». لِمَ؟ ما حاجة الجمهور لهذا التداخُل بين الخاص والعام؟ هذا مقبول في مسرح الطفل، حيث يُحتَفى بالمؤلّفة بوصفها صديقة الصغار. أما في المسرح الناضج، فالخشبة مُلك النصّ لا كاتب النصّ، والرسالة فنّية قبل أن تكون شخصيّة.
أسلوب لا يفارق عتبة الطفولة (الشرق الأوسط)
مع ذلك، لا يمكن إنكار البهجة التي يُضفيها الديكور، أو الألوان، أو اللمسة الإخراجية لماريلين زرد مصابني. الأغنيات، والرقصات، وتبديل الأزياء، كلّها عناصر تمنح العرض نضارة بصرية تُسعف المتفرّج وتمنعه من الوقوع في التجهُّم الكامل. وربما لو اختارت المسرحية الكوميديا الخفيفة مدخلاً إلى فكرتها، لكان وَقْع الرسائل أكثر ذكاءً وأقل مباشَرة.
سيجد هذا العرض مَن يصفّق له، وسيلاقي صدى لدى مَن يرى في العائلة المؤسَّسة الأولى والأخيرة. وسيوقظ شعور الذنب لدى آخرين، تماماً كما تفعل المؤسّسات التبشيرية، حين تُشعِر الفرد بأنّ «الخطأ» شخصي، بينما هو، في حقيقته، بنية معقَّدة لا تُفكّ شيفرتها بخطابٍ أو خاتمة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 7 ساعات
- الرياض
اختتام عروض مسرحية "طوق" في مهرجان أدنبرة
اختتمت عروض المسرحية السعودية "طوق" للمخرج فهد الدوسري، التي عُرضت ضمن فعاليات مهرجان "فرينج" العالمي في العاصمة الأسكتلندية، محققةً حضوراً لافتاً وتفاعلاً كبيراً من الجمهور، في خطوة جديدة نحو العالمية، مقدمة رسالة فنية تحمل صوت الإنسان العربي إلى خشبات المسرح العالمي بكل فخر واحتراف. وأتت هذه العروض ضمن مشاركة هيئة المسرح والفنون الأدائية السعودية في المهرجان العريق الذي يُعد الأكبر من نوعه عالميًا، ويُقام هذا العام تحت شعار "Voices of the World Stage" احتفاءً بالتنوع الثقافي، حيث يجمع "3350" عرضاً فنياً يقدّمها "2000" فنان دولي من "256" دولة من مختلف أنحاء العالم. وشهدت هذه المشاركة الدولية الثانية للمسرحية بعد مهرجان أفينيون الفرنسي، احتفاءً إعلامياً واسعاً، سواء من الصحافة السعودية أو من وسائل الإعلام البريطانية التي تفاعلت مع مضمون العرض وكتبت تقارير نقدية إيجابية، أثنت فيها على جودة النص والإخراج، وعمق الرسائل الفكرية التي حملها العمل المسرحي، وقد وصف عدد من النقاد المسرحية بأنها 'نافذة معاصرة تطل منها الثقافة السعودية والعربية على الجمهور بلغة فنية عالمية'. وقدّمت "طوق" عروضها على خشبة مسرح 'بيدلام' التاريخي، أحد أبرز المسارح الأيقونية في أدنبرة، حيث شكّلت هذه العروض فرصة للجمهور الغربي للتفاعل لأول مرة مع رؤية درامية عربية تلامس القلق الإنساني والوجودي بلغة رمزية معاصرة، مستعرضةً إشكاليات الروتين والتكرار والبحث عن جدوى الحياة. وتدور أحداث المسرحية، التي تُعرض ضمن برنامج "ستار" التابع لهيئة المسرح والفنون الأدائية، حول مجموعة موظفين يعيشون داخل إطار روتيني قاتل، إلى أن يكسر رئيس القسم هذا الصمت بثورة داخلية لا تغير شيئاً، لتعود الحلقة إلى بدايتها، في سردية دائرية تعكس عمق الأزمة الإنسانية في عالم اليوم. وتألّق في بطولة العمل كل من: أحمد الذكر الله، فاطمة الجشي، مريم حسين، عبدالعزيز الزياني، خالد الهويدي، وشهاب الشهاب. وحرص المخرج فهد الدوسري على تقديم نسخة مخصصة للجمهور الأوروبي بترجمة إنجليزية، مما أتاح تواصلاً سلساً مع جمهور متنوع الجنسيات والثقافات. هذا وتأتي مشاركة "طوق" بدعم من هيئة المسرح والفنون الأدائية في السعودية، ضمن توجهات الرؤية الثقافية للمملكة، التي تسعى إلى تعزيز الحضور الفني السعودي على المنصات الدولية، والتعريف بالإبداع المحلي بوصفه جزءاً من الحوار الثقافي العالمي. يذكر أن "طوق" كانت قد حازت جائزة أفضل عرض معاصر في مهرجان الرياض للمسرح 2024، وشاركت في الدورة 79 من مهرجان أفينيون الفرنسي. وقد أثبتت عروضها في إدنبرة أن المسرح السعودي بات يمتلك أدوات تنافسية ومضامين قادرة على الوصول إلى الجمهور العالمي بأسلوب احترافي مؤثّر.


الشرق الأوسط
منذ 13 ساعات
- الشرق الأوسط
الموسيقي غي مانوكيان يفتتح «مهرجانات بيبلوس الدولية»
بعد غياب في العام الماضي بسبب الحرب، عادت «مهرجانات بيبلوس الدولية» لتفتتح سهراتها لهذا الموسم مساء الثلاثاء، بحفلٍ حاشدٍ بيعت جميع تذاكره، أحياه عازف البيانو والملحن غي مانوكيان. وهي المرة الثالثة التي يعود فيها مانوكيان إلى جبيل، ليملأ المدرجات وينعش القلوب بمعزوفات يعرف كيف يختارها، ويبث فيها حيويّته الخاصة. وإن كان الحفل قد بدأ بجمهور يميل إلى الاستماع أكثر من التفاعل، فقد هبَّ الحاضرون سريعاً من أماكنهم، وأكملوا السهرة التي دامت ساعتين وربع الساعة وقوفاً، ورقصاً، وتصفيقاً، بتشجيع من محبوبهم مانوكيان، الذي قال بعضهم إنهم يحضرون أكثر من حفل له في الموسم الواحد، رغبة في الغناء والمرح. الرقص لم يهدأ على المدرجات (الشرق الأوسط) وكان لجمهور مانوكيان ما أراد، فقد غنّى الكورس، برفقة الفرقة الموسيقية، وردّد الحاضرون معه مقطوعات من الأرشيفين اللبناني والمصري، بتوزيعات موسيقية ساحرة لأشهر الأغنيات العربية المحبوبة. وتنقّل العازف مانوكيان بين البيانو، الذي يُنطِقه بمعزوفات عربية، والجمهور الذي طالبه بأغنيات معيّنة، والفرقة المنسجمة تماماً معه، خصوصاً حين انضمّت الطبلة والدفّ إلى العزف، فاشتعل الحماس في المدرجات، وهاج الجمهور، راقصاً حيثما اتّسع المكان. وكان لدخول فرقة الدبكة إلى المسرح أثر حماسي كبير في الحاضرين، الذين أصابهم مسّ الطرب والمشاركة، حتى في الصفوف الأولى. من «عندك بحرية يا ريّس»، إلى «يبا يبا له»، مروراً بـ«لما راح الصبر منّه»، و«آه يا سيف البوادي»، و«عالعيْن موليتين واثنين مولايا»، كانت جميع المعزوفات مع غي مانوكيان وكورسه تفيض فرحاً، وتدفع الجمهور إلى التفاعل والمشاركة. وهذا ما يمنح عازفهم المفضّل، الذي يحمل في رصيده 33 عاماً من الخبرة، مزيداً من الحماسة والانتعاش. فهذه هي حفلتُه الثالثة خلال أسبوعين فقط، بعد مهرجاني «إهدنيات» و«أعياد بيروت»، وجميعها بيعت تذاكرها بالكامل، وامتلأت مدرّجاتها بالحضور، في نجاحٍ لافت في بلد صغير مثل لبنان. وخلال الحفل، قدّم مانوكيان تحية إلى الراحل زياد الرحباني، مُعزّياً عائلته ووالدته السيدة فيروز، وقال إنه يتشرّف بأن تغنّي على المسرح الفنانة المتميّزة فرح نخول، التي عمل معها هو شخصياً، كما عملت مع زياد الرحباني على مدى 9 سنوات. وقدّمت نخول واحدة من أشهر أغنيات فيروز، «كيفك إنت». تفاعل بين مانوكيان وجمهوره (الشرق الأوسط) وقبل أن يعزف لحن الوداع، شكر مانوكيان القائمين على «مهرجانات بيبلوس الدولية»، «الذين لم يستسلموا أبداً»، كما شكر السيدة شويري لدعمها الكبير للمهرجان، وكل العاملين على تنظيم البرنامج. وقال قبل المغادرة: «سأعزف أغنية تعني لكم كثيراً»، وبدأ بعزف مقدّمة أغنية «بحبك يا لبنان»، لتهتف الحناجر بصوتٍ واحد: «بحبك يا لبنان يا وطني». وفي هذه اللحظة، لم يبقَ أحد جالساً. الجميع وقفوا يصدحون معاً: «سألوني شو صاير ببلد العيد، مزروعة عالداير نار وبوارد، قلتلن بلدنا عم يخلق جديد، لبنان الكرامة والشعب العنيد»، في حين كانت صور بيروت والعلم اللبناني تمرّ في الخلفية، مصحوبة بمؤثرات بصرية تُحاكي اشتعال النيران، ما زاد المشهد تأجّجاً وإحساساً». هذه هي حفلتُه الثالثة خلال أسبوعين فقط (الشرق الأوسط) أما الحفلة الثانية من «مهرجانات بيبلوس»، فموعدها مساء الجمعة، مع الـ«دي جي» البلجيكي لوست فريكونسيز، وهو ملحّن ومنتج ومؤلف للموسيقى الإلكترونية. شابٌ صغير نال شهرةً واسعة، بعد أن بدأ من معدات بسيطة في منزله، ونشر أعماله على الإنترنت، حتى لاقى مزجه الإبداعي صدى كبيراً بين الشباب. والحفلة الثالثة، مساء 9 أغسطس (آب)، شبابية أيضاً، مع النجم الفرنسي الجزائري الأصل «سليمان»، المولود في فرنسا، الذي صعد نجمه بعد مشاركته في برنامج «ذا فويس» عام 2016، وازداد تألّقاً بعد تمثيله فرنسا في مسابقة «يوروفيجن»، حيث حقّق مركزاً متقدّماً، ويُعد اليوم من أبرز نجوم الأغنية الفرنكوفونية. مانوكيان يلتقط «سيلفي» مع جمهوره (الشرق الأوسط) أما الحفل الرابع والختامي، فسيُقام في 10 أغسطس، وتُحييه الفنانة الفرنسية - الكاريبية «نايكا»، التي تمزج بين موسيقى البوب والتأثيرات الأفرو - كاريبية. وتُعرف بانفتاحها على أنواع موسيقية مختلفة، مما جعلها تنتشر بسرعة، حتى اختارتها شركة «أبل» نجمة لإحدى حملاتها الترويجية.


الشرق الأوسط
منذ 16 ساعات
- الشرق الأوسط
«من خلال عيون الشباب» يروي قصص كاميرا فتية ومبدعة
ما إن تدخل غاليري «آرت ديستريكت» في شارع الجميزة ببيروت حتى تشعر بلفحة هواء شبابية منعشة. فالمعرض الفوتوغرافي الذي تستضيفه الصالة بعنوان «من خلال عيون الشباب» يعبق بالديناميكية، ويفوح منه عطر إبداع عدسة فتية تؤكد أن هذا الفن لا يزال يحصد اهتمام الجيل الجديد، فيقدمه في قالب يولد متعة النظر. وعلى وقع موسيقى صاخبة تملأ المكان تبدأ جولتك في المعرض، وتتعرّف عبره إلى أسماء 10 فنانين يشاركون فيه. كما تلفتك صور كل من أندريه جاهل، وباسل رمضان، وبرين كلاود، كذلك تستوقفك أعمال أخرى، منها لكريس نصار، وشارلي زغيب، ولوانا طبارة، وسيريل حرب. ومع لوحات نديم نصّار، ومنال سلامة، وسيرج الحليّل تغوص في الفن الفوتوغرافي القديم والحديث. معرض «من خلال عيون الشباب» في غاليري «آرت ديستريكت» (الشرق الأوسط) يحرص صاحب المعرض ماهر عطار، في كل مرة ينظم فيها حدثاً من هذا النوع، على التأكيد على قناعة تسكنه، مفادها أن الفن الفوتوغرافي هو كناية عن رسوم تشكيلية ريشتها الضوء. أما هدفه فهو إعادة إحياء هذا الفن الذي التهمت قواعده وأسراره كاميرا «الموبايل». فلا «السيلفي»، ولا «الريل»، ولا أي منشور إلكتروني يتضمن صورة ما يمكن أن يحل مكان الصورة الفوتوغرافية الحقيقية. واحدة من محطات المعرض تشير إلى ذلك بوضوح، فباسل رمضان، وتحت عنوان «أصداء الأزرق» التي دمغ بها لوحاته الفوتوغرافية الثلاث، يقولها بصراحة: «أردت من خلال استرجاع هذه التقنية إعادة وهج الصورة الحقيقية، وبذلك نضع حدّاً لاجتياح الذكاء الاصطناعي للفنون على اختلافها». باسل رمضان يصوّر بتقنية قديمة تناقض الذكاء الاصطناعي (الشرق الأوسط) تقنية رمضان تعتمد على عملية كيميائية وليست الطباعة. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «أصنع المادة يدوياً بعد أن ألتقط صورة ضمن فيلم (النيغاتيف) القديم. وبعد أن أمزج المواد الكيميائية مع بعضها بعضاً تصبح حساسة أمام الضوء، فأضعها على الصورة، ومن ثم أعرّضها للشمس كي تجفّ. هذه التقنية قديمة وتعود لعام 1942، إلى أول أيام اختراع الفن الفوتوغرافي». تتألّف مجموعة باسل رمضان من 3 صور مختلفة، تحكي عن مدينة الملاهي في منطقة المنارة، وعن المنارة نفسها، وهي أحد الرموز المعروفة في المنطقة أباً عن جدّ. نديم نصّار من ناحيته يقدّم في المعرض مجموعته بعنوان «أين كنت؟»، ويشعر ناظرها بأنها كناية عن لوحات مصنوعة بفعل طبقات تقنية «الميكسد ميديا». ويشرح الفنان الكندي اللبناني الأصل أن أعماله تمثّل لحظة عابرة، ويوثّقها برؤية وأسلوب خاصين به: «أحاول في أعمالي تصوير لحظات عابرة لا نعيرها عادة أي اهتمام، فأتوقّف عندها وأحضّ مشاهدها على التدقيق بها لوقت طويل. فإن كلاً من إطار الصورة ومحتواها الدافئ بالأحمر يزودها بالعمق بعيداً عن السطحية، ويدفع ناظرها إلى تفكيك ألغازها ليحلّل المشهد». وبالفعل يكتشف مشاهد صور نديم نصّار أنها لقطات تصوّر بحيرات مياه صغيرة في فصل الشتاء. وقد عمد إلى إبراز انعكاس أغصان الأشجار عليها، فتحوّلت إلى مرايا تذكرنا بوقفاتنا أمامها عندما كنا أطفالاً، وهي اللحظات نفسها التي رغب نصّار في توثيقها في أعماله. تكمل جولتك في معرض «من خلال عيون الشباب» لتصل إلى لوحات برين كلاود التي يهدف فيها إلى إبراز جمالية الضوء في 4 صور يعرضها. وفي ركن آخر تروي منال سلامة بعدستها قصصاً تعود بنا إلى حقبات ماضية، صوّرتها بالأبيض والأسود كي تشكل شاهداً حياً من ذلك الزمن. وتطلق على مجموعتها المؤلفة من 4 صور فوتوغرافية أسماء تترك أثرها فينا: «من الشرفة»، و«ماذا بقي لنا؟»، و«للإيجار»، و«هل مشينا على نفس الأحجار؟»، فتأخذنا في رحلة حنين إلى ماضٍ قريب، فنلاحظ ستارة الشرفة الممزقة التي تغطي معظم شرفات بيوت بيروت للوقاية من الشمس، وشقة معروضة للإيجار، ومساراً من البحص، وبيتاً فارغاً من سكانه. لوحات المصورة منال سلامة (الشرق الأوسط) وفي لوحات سيرج الحليّل نلحظ ميله إلى الشرائط السينمائية، فصوره هي كناية عن أفلام قصيرة يركن فيها إلى تقنية تصويرية معقّدة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل بواسطة أفلام التصوير القديمة وبكاميرا غير حديثة. وتكمن تقنيتي بلقطات مزدوجة للصورة نفسها، فأقلبها رأساً على عقب حسب رؤيتي، وهو ما يزوّدها بأبعاد عدة ونظرة مختلفة لا تشبه غيرها». والتقط سيرج في مجموعته صوراً هندسية لمشروعات عمرانية في مدينة نيويورك. أما كريس نصّار فبدأ هوايته مع التصوير من خلال الجهاز الخلوي، ومن ثم طوّرها لينتقل إلى التصوير بعدسة كاميرا عادية. واستخدم في لوحاته التي التقط صورها في اليونان وباريس تقنية التباين بين الأبيض والأسود، وركّز فيها على الظلال والضوء، وضخّ فيها حركة يتمازج فيها التوتر مع المشاعر العاطفية في آنٍ واحد. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «تختلف الصور التي أقدمها اليوم عن تلك التي تضمنتها بداياتي، ونلاحظ أنها صارت أكثر عمقاً وتختلط فيها خطوط كثيرة».