logo
حرب إطلاق الحمير

حرب إطلاق الحمير

التغيير١٢-٠٥-٢٠٢٥

حيدر المكاشفي
تقول الحكاية إن حماراً كان مربوطاً بحبل بشجرة..جاء الشيطان وفك حبل الحمار وأطلقه..دخل الحمار مزرعة الجيران، وبدأ يأكل بنهم حتى قضى على أخضر ويابس المزرعة..لما رأت زوجة المزارع صاحب المزرعة الحمار يقضي على مزرعتهم، عادت الى البيت وحملت بندقية وقتلت الحمار.. سمع صاحب الحمار صوت إطلاق الرصاص فخرج من بيته يستجلي الامر، فلما رأى حماره مقتولاً وان من قتله هي زوجة جاره صاحب المزرعة استشاط غضباً، ودخل بيته وعاد ببندقيته وأطلق النار على زوجة صاحب المزرعة وأرداها قتيلة..وعندما عاد صاحب المزرعة من مشوار كان قد ذهب اليه ووجد زوجته مقتولة تسبح في دمائها وأن من قتلها هو جارهم صاحب الحمار، حمل بندقيته وهجم على جاره صاحب الحمار وقتله، وحين رجع إبن صاحب الحمار ووجد أباه مقتولاً وأن من قتله هو جارهم صاحب المزرعة، حمل بندقيته ولم يكتفي بقتل صاحب المزرعة وإنما قتل معه إبنه الأكبر..وعندما بلغ خبر هذه المقتلة أهل صاحب المزرعة، سارعوا لإمتشاق أسلحتهم وهجموا هجمة رجل واحد على دار صاحب الحمار وقتلوا من كانوا في الدار جميعا وأحرقوا كل ما طالته أيديهم..وفي هجمة مضادة على غرار لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، حمل أهل صاحب الحمار بنادقهم وكروا على دار صاحب المزرعة وقتلوا من كانوا في الدار جميعا واشعلوا فيها النار واحالوها الى رماد، وهكذا تطورت هذه المقتلة والمجزرة وظلت دائرتها تتوسع يوما بعد يوم فشملت كل القرية والقرى المجاورة، ولم يستطع الراوي الاحاطة بالمدى الجغرافي الذي بلغته المقتلة ولا الخسائر في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة من كثرتها.. ولما سُئِلَ الشيطان: ماذا فعلت حتى اشعلت هذه الحرب القذرة العبثية؟ قال الشيطان وهو يطلق قهقهة عالية: لا شيء… فقط أطلقت الحمار، وأضاف متهكماً إذا أردت أن تخرب بلداً فأطلق فيها الحمير وما أكثرهم في زماننا وبلدنا هذا..
أليس بربكم تشابه بل تماثل تماماً هذه الحرب الشيطانية في الحكاية اعلاه حربنا الماثلة الآن، إنها بالفعل كذلك من كل الوجوه، فحربنا اللعينة الشيطانية هذه، بدأت في منطقة جغرافية محدودة ومحصورة في وسط الخرطوم المدينة وليست الولاية، ولكن بسبب الحمير على قول الشيطان ظلت تتوسع وينداح مداها المكاني والجغرافي حتى لم تنجو منها منطقة على امتداد ارض الوطن الشاسعة، وتتعاظم خسائرها في الارواح والممتلكات الخاصة والعامة يوماً بعد يوم، وتتطور وتتنوع اساليبها حتى بلغنا الآن مرحلة حرب الاجواء والمسيرات، وللاسف مايزال حبل حمير الحرب على الجرار، فقد دخلت الحرب عامها الثالث ومازالت حميرها مطلوقة تنهق وتبرطع وتفنجط وترفس و(تبل بس)، والعجب العجاب ان هذا البل بس لم يبل ويجغم ويمتك ويفتك الا بالمواطنين العزل الابرياء وبالاعيان المدنية والبنى التحتية، فعم الانهيار والخراب والدماركل شئ وعصف بأي شئ، والقليل الذي نجا منها مازال تحت الاستهداف، يحدث كل ذلك في حرب اطلاق الحمير المستعرة في بلادنا للعام الثالث، في الوقت الذي سارعت فيه الهند وباكستان لاعلاء صوت العقل والحكمة واتفقتا على وقف اطلاق النار واحتواء الازمة التي نشبت بينهما مؤخراً، كما تم الاتفاق بين الادارة الامريكية والحوثيين على وقف إطلاق النار بالتزامن مع مفاوضات امريكا مع إيران حول الملف النووي، كما توصلت أيضاً الحكومة الكونغولية وحركة M23 لوقف فوري لإطلاق النار بعد محادثات في الدوحة برعاية قطرية، بالإضافة للجهود الأمريكية والقطرية التي قادت للتهدئة بين الكونغو ورواندا، إضافة لذلك فقد توصل الرئيس السوري أحمد الشرع لاتفاق السويداء مع الدروز وسبقه اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تنشط في مناطق الأكراد شمال شرقي سوريا. وتتسابق أيضاً الجهود الدولية للوصول لوقف إطلاق نار بين روسيا وأوكرانيا واتفاق في غزة لتوصيل العون الإنساني ولإنهاء الهجوم الإسرائيلي عليها وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وما يتبعها عقب ذلك من خطوات لازمة لإحلال السلام الدائم..هذا هو المشهد الدولي والاقليمي الماثل الان والمتجه بعزم وجدية لاحلال السلام واخماد بؤر الحروب والاقتتال والتدمير، بينما ماتزال حربنا مشتعلة براً وجواً وبحراً ولا يلوح في الافق ما يلجم حميرها ويعيدها الى مرابطها، ولله الامر من قبل ومن بعد..

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حرب إطلاق الحمير
حرب إطلاق الحمير

التغيير

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • التغيير

حرب إطلاق الحمير

حيدر المكاشفي تقول الحكاية إن حماراً كان مربوطاً بحبل بشجرة..جاء الشيطان وفك حبل الحمار وأطلقه..دخل الحمار مزرعة الجيران، وبدأ يأكل بنهم حتى قضى على أخضر ويابس المزرعة..لما رأت زوجة المزارع صاحب المزرعة الحمار يقضي على مزرعتهم، عادت الى البيت وحملت بندقية وقتلت الحمار.. سمع صاحب الحمار صوت إطلاق الرصاص فخرج من بيته يستجلي الامر، فلما رأى حماره مقتولاً وان من قتله هي زوجة جاره صاحب المزرعة استشاط غضباً، ودخل بيته وعاد ببندقيته وأطلق النار على زوجة صاحب المزرعة وأرداها قتيلة..وعندما عاد صاحب المزرعة من مشوار كان قد ذهب اليه ووجد زوجته مقتولة تسبح في دمائها وأن من قتلها هو جارهم صاحب الحمار، حمل بندقيته وهجم على جاره صاحب الحمار وقتله، وحين رجع إبن صاحب الحمار ووجد أباه مقتولاً وأن من قتله هو جارهم صاحب المزرعة، حمل بندقيته ولم يكتفي بقتل صاحب المزرعة وإنما قتل معه إبنه الأكبر..وعندما بلغ خبر هذه المقتلة أهل صاحب المزرعة، سارعوا لإمتشاق أسلحتهم وهجموا هجمة رجل واحد على دار صاحب الحمار وقتلوا من كانوا في الدار جميعا وأحرقوا كل ما طالته أيديهم..وفي هجمة مضادة على غرار لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، حمل أهل صاحب الحمار بنادقهم وكروا على دار صاحب المزرعة وقتلوا من كانوا في الدار جميعا واشعلوا فيها النار واحالوها الى رماد، وهكذا تطورت هذه المقتلة والمجزرة وظلت دائرتها تتوسع يوما بعد يوم فشملت كل القرية والقرى المجاورة، ولم يستطع الراوي الاحاطة بالمدى الجغرافي الذي بلغته المقتلة ولا الخسائر في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة من كثرتها.. ولما سُئِلَ الشيطان: ماذا فعلت حتى اشعلت هذه الحرب القذرة العبثية؟ قال الشيطان وهو يطلق قهقهة عالية: لا شيء… فقط أطلقت الحمار، وأضاف متهكماً إذا أردت أن تخرب بلداً فأطلق فيها الحمير وما أكثرهم في زماننا وبلدنا هذا.. أليس بربكم تشابه بل تماثل تماماً هذه الحرب الشيطانية في الحكاية اعلاه حربنا الماثلة الآن، إنها بالفعل كذلك من كل الوجوه، فحربنا اللعينة الشيطانية هذه، بدأت في منطقة جغرافية محدودة ومحصورة في وسط الخرطوم المدينة وليست الولاية، ولكن بسبب الحمير على قول الشيطان ظلت تتوسع وينداح مداها المكاني والجغرافي حتى لم تنجو منها منطقة على امتداد ارض الوطن الشاسعة، وتتعاظم خسائرها في الارواح والممتلكات الخاصة والعامة يوماً بعد يوم، وتتطور وتتنوع اساليبها حتى بلغنا الآن مرحلة حرب الاجواء والمسيرات، وللاسف مايزال حبل حمير الحرب على الجرار، فقد دخلت الحرب عامها الثالث ومازالت حميرها مطلوقة تنهق وتبرطع وتفنجط وترفس و(تبل بس)، والعجب العجاب ان هذا البل بس لم يبل ويجغم ويمتك ويفتك الا بالمواطنين العزل الابرياء وبالاعيان المدنية والبنى التحتية، فعم الانهيار والخراب والدماركل شئ وعصف بأي شئ، والقليل الذي نجا منها مازال تحت الاستهداف، يحدث كل ذلك في حرب اطلاق الحمير المستعرة في بلادنا للعام الثالث، في الوقت الذي سارعت فيه الهند وباكستان لاعلاء صوت العقل والحكمة واتفقتا على وقف اطلاق النار واحتواء الازمة التي نشبت بينهما مؤخراً، كما تم الاتفاق بين الادارة الامريكية والحوثيين على وقف إطلاق النار بالتزامن مع مفاوضات امريكا مع إيران حول الملف النووي، كما توصلت أيضاً الحكومة الكونغولية وحركة M23 لوقف فوري لإطلاق النار بعد محادثات في الدوحة برعاية قطرية، بالإضافة للجهود الأمريكية والقطرية التي قادت للتهدئة بين الكونغو ورواندا، إضافة لذلك فقد توصل الرئيس السوري أحمد الشرع لاتفاق السويداء مع الدروز وسبقه اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تنشط في مناطق الأكراد شمال شرقي سوريا. وتتسابق أيضاً الجهود الدولية للوصول لوقف إطلاق نار بين روسيا وأوكرانيا واتفاق في غزة لتوصيل العون الإنساني ولإنهاء الهجوم الإسرائيلي عليها وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وما يتبعها عقب ذلك من خطوات لازمة لإحلال السلام الدائم..هذا هو المشهد الدولي والاقليمي الماثل الان والمتجه بعزم وجدية لاحلال السلام واخماد بؤر الحروب والاقتتال والتدمير، بينما ماتزال حربنا مشتعلة براً وجواً وبحراً ولا يلوح في الافق ما يلجم حميرها ويعيدها الى مرابطها، ولله الامر من قبل ومن بعد..

القتل على الهوية..أيام كالحة في تاريخ السودان
القتل على الهوية..أيام كالحة في تاريخ السودان

التغيير

time١٦-٠١-٢٠٢٥

  • التغيير

القتل على الهوية..أيام كالحة في تاريخ السودان

حيدر المكاشفي ان الذي حدث بعدة مناطق بولاية الجزيرة بعد استعادة عاصمتها مدني بواسطة الجيش والقوى المتحالفة معه، لهو قتل على الهوية وخارج اطار القانون بكل المقاييس وفي كل الشرعات والشرائع، ولست هنا بمعرض اعادة صور القتل والتنكيل وبقر البطون والالقاء في النيل، تلك الصور والفيديوهات الدموية البشعة التي طالت مجموعة من سكان الكنابي وغيرهم من مواطنين عزل، التي تدل على وحشية ولا انسانية من ولغوا فيها، اذ يكفي الناس ما اصابهم من أذى ونكد وألم عند مشاهدتهم لها في المرة الأولى، ولن نزيد أوجاعهم واذاهم مرة أخرى، فالقتل وبشاعة التنكيل الذي وقع على هؤلاء المواطنين العزل، يعكس النظرة العصبية المستعلية والتي كانت متغلغة في دماء وعروق العرب في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أحق الحق وأبطل الباطل، وقرر أنه لا نصرة لظالم بمشاركته في الظلم لأن الأصل في الشريعة الاسلامية أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وعليه فلا يجوز لآحد من الناس أو جماعة منهم اضطهاد الآخرين بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو العرق أو أي سبب كان على النحو الذي حدث في بعض مناطق الجزيرة، لخروج ذلك عن أصول الإسلام، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين، رجلا من الأنصار ــ أي ضربه على مؤخرته ــ ، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى الجاهلية» قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: «دعوها فإنها منتنة» فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم العقاب على الهوية بأنها خصلة منتنة وهي عبارة تدعو للتنفير من هذا الأمر، ومن جهة أخرى فان هؤلاء المواطنين العزل وبافتراض ان هناك شكوك حول دعمهم للمليشيا يعتبروا أسرى بعد القبض عليهم أحياء، فقائد المليشيا نفسه اذا قبض عليه حيا يعتبر اسير فما بالك بهؤلاء المواطنين العزل، والطامة الكبرى ان قتلة هؤلاء المواطنين لم يكتفوا بازهاق أرواحهم، بل مضوا شوطا أبعد في الخسة والدناءة بتصوير جثامينهم وعرضها على الجمهور متفاخرين ومكبرين الله على جرمهم الشنيع الذي حرمه الله، رغم أنهم كانوا أسرى لديهم ورغم ما تكفله كل الشرائع والمواثيق من حقوق للأسرى، إذ توجب كل الشرائع الدينية وعلى رأسها الاسلام والمواثيق الدولية كاتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، معاملة إنسانية، تحفظ كرامتهم، وترعى حقوقهم، وتصون إنسانيتهم، حيث يعتبر الأسير من الفئات الضعيفة التي تستحق الشفقة والإحسان والرعاية، كما تقع مسؤوليته على الدولة، لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات العسكرية التي أسرتهم، وبخلاف المسؤوليات الفردية التي قد توجد، تكون الدولة مسؤولة عن المعاملة التي يلقاها الأسير، ويحظر على هذه الدولة أن تقترف أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكا جسيما لهذه الاتفاقية، كما لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني أو لا يكون في مصلحته، وبالمثل يجب حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات، وعلي الأخص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير..وعطفا على ما تقدم تكون حكومة الامر الواقع في بورتسودان وقيادة الجيش هي المسؤولة عن ارتكاب جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية باعدام هؤلاء الاسرى والتمثيل بهم خارج اطار القانون، وعليه يبقى المطلوب من حكومة الامر الواقع وقيادة الجيش، أن يكبحوا منسوبيهم ومليشياتهم الغادرة ويلجموها من التعدي على حدود الله والقانون، وقبل ذلك عليهم ان يتحملوا مسؤوليتهم الكاملة عن تلك الجرائم، ولن يعفيهم عن ذلك التبرير بأنها جرائم فردية كما جاء في بيان الجيش، وقد تكرر مثل هذا التبرير الفج كثيرا من قبل، حيث درجت كل الأجهزة النظامية من جيش وشرطة ومخابرات ومسلحي حركات، على تبرير ما يرتكبه منسوبوها من تجاوزات وتعديات وانتهاكات ضد مواطنيين عزل، بأنه تصرف فردي معزول ولا علاقة للمؤسسة به، ثم بعد هذا التبرير الفطير يعلنون على طريقة (عدي من وشك) توقيف المعتدين واخضاعهم للتحقيق توطئة لمحاكمتهم، وتنتهي القضية عند هذا الحد دون معاقبة المجرمين، ونقول مجرمين لأن ما يرتكبه هؤلاء هو جريمة مكتملة الأركان، بل ومركبة يقاضي عليها القانون العسكري والقانون الجنائي المدني أيضا، وكانت قد تكاثرت بشكل لافت ومقلق اعتداءات بعض الأفراد النظاميين على المواطنين المدنيين العزل، بل أن الاعتداءات على الأطباء لم تتوقف حتى بعد صدور القانون الذي يوفر الحماية للأطباء، ورغم ذلك كلما وقع اعتداء من نظامي على مدني أعزل، تخرج علينا المؤسسة التي يتبع لها هذا النظامي لتبرر الاعتداء بأنه (تصرف فردي لا علاقة للمؤسسة به)، ومن كثرة ما كررت الأجهزة النظامية هذا المبرر حتى صار بائخا وغير مبرر وغير مبرئ لذمة الاجهزة النظامية، وهذا ما يفرض على هذه الأجهزة أن تضبط تصرفات أفرادها وفقا للقانون، وأن تخصص لهم من بين دوراتها التدريبية دورات مكثفة عن حقوق الانسان، يتعلم فيها النظامي عدم الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة الانسانية، ويعرف كيف يصون حياة الناس وسلامتهم البدنية، وأن لا يأخذ القانون بيده حتى في حالة ضبط المجرمين.. الشاهد أن بلادنا عانت في تاريخها القريب عددا من ارتكاب جرائم على الهوية، نعرض هنا بعضها على سبيل المثال، منها ما عرف اصطلاحا ب(احداث الاثنين الاسود)، وكانت هذه الاحداث المأساوية البشعة وقعت في أعقاب مقتل جون قرنق في حادث الطائرة المشهور منتصف عام 2005، بعد وقت قصير من توقيع اتفاقية نيفاشا وتنصيب قرنق نائبا للرئيس، وقد أفجع موت قرنق قطاع واسع من الشعب السوداني وليس فقط الاخوة الجنوبيين، ولكن الاخوة الجنوبيين وبسسب صدمتهم من الحادث خرجوا زرافات ووحدانا الى الشوارع يضربون ويخربون ويحرقون كل ما يلاقيهم ويعتبرونه من الشمال ومن اهل الشمال، وكأن أهل الشمال هم من قتلوه، علما بأن الطائرة يوغندية وتحركت من مطار يوغندي ويقودها طاقم يوغندي، وكانت تلك الحشود الضخمة من الجنوبيين المؤيدين لقرنق الذين كانوا قد استقبلوه استقبال الأبطال عندما أصبح نائبا أول للرئيس، انتشروا في شوارع الخرطوم ملوحين بالسكاكين والقضبان الحديدية ونهبوا المتاجر وأشعلوا الحرائق واشتبكوا مع الشرطة، وكانوا يضربون كل من يرون أنه شمالي أو يشبه العرب، وقتل من جراء هذا الشغب العشرات من المواطنين العزل الابرياء وحرقت عشرات السيارات والمحال، فاضطرت السلطات لفرض حظر التجوال، ولم تكد الخرطوم تلملم جراحها وتواري قتلاها اذا بغارة أخرى مضادة تندلع في اليوم التالي مباشرة ضد الجنوبيين وكل ما هو جنوبي فيما عرف اصطلاحا ب(احداث يوم الثلاثاء الاسود)، وحدث فيه للجنوبيين ذات الذي حدث منهم للشماليين، وكلا الحادثين الاسودين يندرجان تحت توصيف جرائم مرتكبة على الهوية، كما نذكر أيضا ما عرف اصطلاحا ب(غزوة أمدرمان) التي شنتها حركة العدل والمساوة بقيادة خليل ابراهيم الذي اغتيل لاحقا بضربة صاروخية نالت منه في احدى مناطق كردفان، فبعد دحر الغزوة عمدت السلطات لالقاء القبض على كل من يبدو من سحنته أو لهجته أنه من دارفور، واعتباره مجرما ونصيرا ومتعاونا وطابور خامس وخلية نائمة للعدل والمساواة، كما نذكر على ايام التظاهرات الثورية الحملة الشرسة التي شنتها السلطات الامنية ضد طلاب دارفور باعتبارهم عملاء وخونة وطابور خامس، ولكن الثوار بوعيهم انتبهوا لهذا الفعل الخسيس وانتجوا الهتاف الشهير (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور)، وغير هذه الامثلة التي ذكرناها هناك العديد من الامثلة الاخرى التي تكشف مدى الاستهانة بارواح الناس وقتلهم بدم بارد خارج اطار القانون، وتقف على رأس هذه الامثلة ما يمكن تعريفه بالقتل على الهوية السياسية، ونعني حادثة فض الاعتصام البشعة التي ستظل الأكثر سوادا، وستبقى محفورة فى ذاكرة الأجيال تجترها في أسى جيلا بعد جيل، وستبقى تلك الجريمة النكراء وصمة لا تمحى وعارا لن يزول على القيادات العسكرية الذين احتمى بسوح قيادتهم العامة وأقاموا اعتصامهم حولها اولئك الشباب والشابات البواسل، لقد كانت عملية فض الاعتصام القذرة، جريمة مكتملة الاركان، خطط لها المجرمون السفاحون بعناية وكانوا فى كامل الاستعداد والجاهزية بالسلاح والعتاد، بينما كان الضحايا سلميين ومسالمين عزل، بل كانوا يستشعرون الأمان لكونهم فى استجارة من ظنوا انها قواتهم المسلحة حامية الارض والعرض، فتخير المجرمون القتلة ساعة السحر حين كان المعتصمون نيام وهم صيام لتنفيذ جريمتهم البشعة الانتقامية الدموية الشيطانية بلا رحمة ولا وازع من دين ولا أخلاق، وهذا ما يكشف أن هذه الجريمة لم تتم على عجل وانما بتخطيط وتنسيق وخطة محكمة وتأهيل وتهيئة للمنفذين حتى لا يرأفوا أو تأخذهم شفقة بالمعتصمين. فطاحوا فيهم تقتيلا وسحلا ودهسا واغتصابا لبعض الحرائر والقاء بعض الجثث فى مياه النيل وبعض آخر ما يزال فى عداد المفقودين لا يعرف حتى الان ان كانوا أمواتا فينعون أو أحياء يرجون، كما ان تاريخ النظام البائد القمعي مليء بجرائم القتل والسحل وازهاق الأرواح، اذ كان القتل هو أسهل الطرق التي كان يستخدمها النظام للبقاء في الحكم والتخلص من الخصوم ودفنهم بليل جماعات وفرادى، ومن هذه الجرائم الجريمة التي اصطلح على تسميتها (مجزرة العيلفون)، هذا غير العديد من جرائم القتل التي ولغ فيها النظام، نذكر منها على سبيل المثال مجزرة بورتسودان التي قتل فيها النظام اكثر من عشرين نفسا، وحادثة كجبار والاعوج بالنيل الابيض وغيرها من جرائم القتل واستسهال ازهاق الروح وليس بغريب عليهم ولا جديد الذي حدث في ولاية الجزيرة..

سياسات تكريس تقسيم البلاد
سياسات تكريس تقسيم البلاد

التغيير

time٣٠-١٢-٢٠٢٤

  • التغيير

سياسات تكريس تقسيم البلاد

حيدر المكاشفي كان أحد أقربائي عند بداية الحرب (بلبوسيا) على السكين، وعبثا كنت أحاول إقناعه بأن لا خير يرجى من الحرب بل هو الدمار والخراب والخير كل الخير في إيقافها، وظل قريبي هذا على (بلبسته) على مدى نحو ستة أشهر، كانت خلالها داره الفخيمة بضاحية شرق النيل قائمة لم يطالها أي أذى لم يمسسها سوء، ولم يخسر شيئا من أملاكه، ورغم أني كنت أنبهه بأن داره وأملاكه لن تسلم من الخراب، وسيطالها الدمار و(الشفشفة) يوما ما طالما استمرت هذه الحرب، ولكن رغم تحذيري له ظل على ضلال (بلبسته)، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي هجمت فيه المليشيا والشفشافة على داره، ولم تبق فيها (نفاخ النار)، وتم الناقصة طيران الجيش الذي أخطأ تمركزات المليشيا، ودمر جزءا كبيرا من الدار، وأحالها إلى رماد، ومن يومها (عرف صاحبنا أن الله حق وأن الحرب لعنة)، وتخلى صاحبنا عن البلبسة وأصبح من أكبر لاعني الحرب والمطالبين بإيقافها. وتلك هي حكاية جحا التي تنطبق على كل البلابسة المغيبين المخمومين من قطيع (السواقة بالخلاء)، فعندما قيل لجحا حسب الرواية وهو بعيد عن بيته، لقد شبت النار في قريتك يا جحا، وعليك أن تعود لتساعد الناس على إطفائها. قال جحا بيني وبين ناسها خلاف قديم، لا شأن لي بهم. المهم أن الحي الذي أسكنه في أمان. ثم جاء من يقول له النار وصلت إلى حيّك يا جحا، فأجاب لست معنيًّا به، حي بائس ومُتخلِّف، المهم بيتي. وفي الطريق أخبره أحدهم أن النار امتدت الآن إلى بيتك. لم يتردّد جحا كثيرا، فقال لمخاطبة بيتاً متهالك، ليس خسارة. المهم رأسي وما عداه لا يعنيني. لكن ما سكتت عنه الحكاية، هو أنه عندما جاء من يقول لجحا أن النار شبت في رأسك، كان كل شيء قد انتهى.. منذ الأيام الأولى للحرب، كان واضحا لكل ذي بصر وبصيرة فيما عدا مشعلي الحرب من الكيزان وفلولهم والمستفيدين من نظامهم وقيادات الجيش المختطف، أن تطاول أمد هذه الحرب سيؤدي إلى نتائج كارثية مهلكة على البلاد والعباد، وأن كل يوم يمر على الحرب يعني المزيد من الخراب والدمار والضحايا وتوسع رقعة الحرب وجغرافيتها، وهذا ما حدث بالفعل إلى أن وصلت الكارثة الآن إلى ما يهدد وحدة البلاد، وينذر بتقسيمها وتفتيت كيانها الحالي.. فبعد مرور أكثر من عشرين شهراً أضحى خطر تفكيك البلاد وتقسيمها ماثلاً، تجسده مجموعة من سياسات حكومة بورتسودان، وتغذيه جملة من الممارسات يأتي على رأسها خطاب الكراهية الجهوي والعنصري الذي أحدث زلزلة في النسيج الاجتماعي بما يهدد الوجدان الوطني والتماسك المجتمعي والسلام الاجتماعي بالتدابر والتباغض والتباعد والانقسام، وعززت هذا الخطر الماحق، وجعلته واقعا معاشا، ما اتخذته سلطة بورتسودان من سياسات مقصودة، تمثلت في قرار تغيير العملة الذي فرض على الولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش التعامل بعملة مختلفة عن تلك التي يتم تداولها في مناطق سيطرة الدعم السريع. وكذلك كان قرار إجراء امتحانات الشهادة السودانية في الولايات التي يسيطر عليها الجيش وعدم قيامها في الولايات التي يسيطر عليها الدعم السريع، إضافة إلى عدم استطاعة قطاعات واسعة من الشعب السوداني استخراج الأوراق الثبوتية، بل وحرمان بعضها لأسباب سياسية وجهوية. وقد أدت هذه السياسات الممنهجة والمتعمدة إلى تكريس الانقسام القائم أصلا؛ بسبب الحرب التي تقاسم فيها طرفيها السيطرة على أجزاء البلاد، فقد قسمت الحرب السودان إلى جزأين، جزء في غرب السودان في دارفور وكردفان والجزيرة وسنار وهي تحت سيطرة ونفوذ قوات الدعم السريع التي تسعى الآن بخيلها ورجلها للسيطرة على الفاشر، لتبسط نفوذها بالكامل على إقليم دارفور الذي يساوي مساحة دولة فرنسا، وتنفرد به ملكية خالصة لها، وجزء آخر في شرق السودان في كسلا والقضارف والبحر الأحمر، وشمال السودان في نهر النيل والشمالية تحت سيطرة ونفوذ الجيش، في تجسيد عملي على الأرض لما يسمى دولة النهر والبحر أو قل النسخة المحدثة والمطورة لما يعرف بمثلث حمدي. وأصبحت المناطق تحت سيطرة الدعم السريع تتبع لها بالكامل عسكرياً وإدارياً، وشكلت فيها مجالس للحكم خاصة بها دون أي وجود للحكومة فيها، وقد مثلت هذه الخطوات البداية الفعلية لتقسيم البلاد، وللأسف تسعى بعض القوى السياسية والحركات المسلحة المحسوبة على تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) بزيادة الطين بلة لتكريس واقع التقسيم، بعزمها على إنشاء حكومة موازية، ولا تتقاسم قوات الدعم السريع والجيش السوداني المناطق في السودان وحدهما، فهناك فصائل مسلحة تشاركهما السيطرة والنفوذ، فهناك الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها عبد العزيز الحلو، وتسيطر على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان، بل إنها تمددت خلال فترة الحرب الحالية، وتمكنت من زيادة رقعة سيطرتها الجغرافية في ظل انشغال الجيش بالقتال مع قوات الدعم السريع، وأيضا تسيطر حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور على عدد من المناطق في إقليم دارفور. ولو استمر هذا الحال مع استمرار الحرب ربما يؤدي إلى انقسام السودان ليس فقط لدولتين، بل عدة دويلات، وربما لمشيخات وسلطنات، فبلادنا تعاني أساسا من هشاشة بائنة في وحدتها الوطنية ولحمتها القومية، ولا أجدني مبالغا إذا قلت أننا من نسمي أنفسنا سودانيين، ونعيش على هذه الأرض المسماة السودان، ما زلنا أمة تحت التكوين ووطن تحت التأسيس ودولة لم تتأسس بعد على أسس الدولة الحديثة، وينتظرنا الكثير على هذا المسار الشاق، ولكن للأسف بدلا من أن تتجه العزائم لإنجاز هذا الهدف الكبير، إذا بالبرهان وكيزانه وفلولهم يزيدونها ضعفا وتمزقا بإعادتها إلى تقسيمات المستعمر، الذي قسم البلاد على نهج (فرق تسد) إلى ديار للقبائل، حتى تسهل له السيطرة على كل قبيلة على حدة، فكانت هناك دار داجو، دارتنجر، دار ميدوب، دار زغاوة، دار كبابيش، دار حمر، دار مسيريه، دار برتي، داربرقد، دار مساليت، إلخ إلخ.. ومثل هذا التقسيم الاستعماري الذي سارت على نهجه (الإنقاذ) المدحورة، وتقتفي أثره الآن شلة بورتسودان يهزم تماما مفهوم الدولة الوطنية الحديثة التي عرفها العالم، وترسخت خلال القرون الأخيرة، وهو مفهوم يقوم على فكرة أن الدولة كيان ضروري لحياة البشر، وأنها تبنى على أساس فكرة جوهرية هي أن الدولة لكل مواطنيها دون تمييز بينهم على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو المستوى الاجتماعي أو المذهب أو أي تباين في أي من الصفات الاجتماعية والسياسية والثقافية وبلادنا وفقا لهذا المفهوم العصري الحديث، ملك لكل السودانيين، وكل جزء فيها متاح لإقامة وعمل، وتملك أي سوداني وسودانية دون تمييز؛ بسبب القبيلة أو العرق أو النوع أو الدين.. أن حاجة بلادنا الضرورية والملحة اليوم، هي لتكوين الأمة الواحدة وتأسيس الوطن الواحد وبناء الدولة الحديثة، وأن تتوحد كل الجهود، وينصرف الكل بالكلية لأداء هذا الواجب المقدس، الذي يحتاج إلى تضافر الجميع، وتناغمهم بلا أي نشاز، ودون أن يشذ أحد، وهل مثل هذه الغاية الكبرى ستكون موضع خلاف وتنازع، ومن هذا الذي سيجادل ويصارع في أمر بناء وطن متماسك وتأسيس دولة قوية ناهضة وفتية.. المؤكد أن لا أحد يغالط في هذا الواجب المقدس، ولا يتخلف عنه إلا متخلف والبرهان والكيزان، وشلتهم في بورتسودان الذين يعملون الآن عامدين على إعادة البلاد إلى عهود المشيخات والسلطنات..

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store