logo
قوافل إغاثة غزة تواجه قبضة الأمن المصري

قوافل إغاثة غزة تواجه قبضة الأمن المصري

العربي الجديدمنذ 19 ساعات

في مشهد تتشابك فيه الإنسانية مع القيود السياسية، تصاعدت وتيرة الأحداث في
مصر
خلال الأيام الماضية، مع محاولة مئات النشطاء الدوليين كسر الحصار المفروض على قطاع غزة تزامناً مع تدهور الأوضاع الإنسانية هناك. وشهدت هذه الجهود الشعبية اصطداماً مباشراً مع السلطات المصرية التي منعت القوافل الإغاثية من الوصول إلى سيناء، وقامت بترحيل عدد كبير من المشاركين بعد احتجازهم.
بنداء مؤلم على أبواب الإسماعيلية؛ برز مشهد مؤثر لناشط بريطاني من "قافلة الصمود" خاطب الجنود المصريين عند بوابة الإسماعيلية بكلمات مؤثرة، تخللها البكاء والتوسل، قائلاً: "إن الإسرائيليين يُجِيعون الأطفال حتى الموت. أتوسل إليكم باسم الإنسانية وباسم الإسلام أن تقفوا مع إخوتكم وأخواتكم في الإسلام... رجاء... اسمحوا لنا بالزحف إلى
فلسطين
؟". هذه الكلمات الصادقة، التي جاءت قبيل إلقاء القبض على المشاركين وترحيلهم تلخص حجم اليأس والألم الذي يدفع هؤلاء النشطاء إلى قطع آلاف الأميال في محاولة لتقديم يد العون لأطفال غزة المحاصرين.
ناشط بريطاني يخطُب في الجنود المصريين باكيًا متوسلاً، مطالبا بالسماح بالطعام لأطفال
#غزة
:
"إن الإسرائيليين يُجِيعون الأطفال حتى الموت. أتوسل إليكم باسم الإنسانية وباسم الإسلام أن تقفوا مع إخوتكم وأخواتكم في الإسلام... رجاء.. اسمحوا لنا بالزحف إلى فلسطين؟"
#غزة_تُباد
#غزة_الفاضحة
pic.twitter.com/GoRAA3hEmZ
— محمد المختار الشنقيطي (@mshinqiti)
June 14, 2025
رافقت هذا النداء الإنساني حملة أمنية واسعة وترحيل قسري لعدد من النشطاء الأجانب؛ فوفقاً لشهادات جمعتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، استوقفت قوات الأمن المصرية المئات من النشطاء من جنسيات متعددة، بينها أميركية وبريطانية وفرنسية وإيطالية ومغربية وجزائرية وتونسية وإسبانية ويونانية، وذلك أثناء محاولتهم الوصول إلى شمال سيناء للمشاركة في "المسيرة العالمية للتنديد بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة" التي كان من المزمع انطلاقها بين 15 و19 يونيو/حزيران الحالي.
وشملت الإجراءات الأمنية إيقاف النشطاء في مناطق متفرقة على طريق الإسماعيلية، بعضهم على بعد كيلومترات من مدخل المحافظة. وتحدثت شهادات عن "استخدام القوة" لإجبار النشطاء على ركوب حافلات لنقلهم إلى مطار القاهرة الدولي تمهيداً لترحيلهم. كما أشارت بعض الشهادات إلى قيام "أشخاص بملابس مدنية" بالاعتداء على النشطاء بزجاجات المياه لدفعهم إلى الرحيل.
من بين المحتجزين، كان هناك 30 تونسيا وخمسة جزائريين وثلاثة فرنسيين بالإضافة إلى حفيد المناضل الجنوب أفريقي الراحل
نيلسون مانديلا
. هذا التضييق لم يقتصر على الطرق المؤدية إلى سيناء، بل امتد ليشمل مطار القاهرة الدولي وأماكن إقامة النشطاء في العاصمة، حيث جرى توقيف عشرات آخرين قبل أن يشرعوا في رحلتهم نحو غزة. بعد ساعات طويلة من الاحتجاز، رُحّل بعض النشطاء إلى بلدانهم، بينما تمكن آخرون من الدخول إلى مصر بفضل تدخل سفارات بلادهم.
في السياق نفسه، استنكرت "لجنة العدالة-كوميتي فور جستس" ما وصفته بـ"الانتهاك الصارخ لحرية التنقل" بعد احتجاز ثلاثة محامين جزائريين في مطار القاهرة الدولي بتاريخ 11 يونيو/حزيران. وسُحبت هواتفهم ووثائقهم الرسمية من دون مبرر قانوني، في خطوة وصفتها اللجنة بـ"القمع لحرية التعبير" ومحاولة لعرقلة "قافلة الصمود" الهادفة لفك الحصار عن غزة. وطالبت اللجنة السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن المحامين وتحديد المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
وفي ظل هذه التطورات، أصدرت جهات حقوقية تحذيرات وإرشادات للمشاركين المحتملين في القافلة داعية إياهم لاتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر. شملت هذه الإرشادات "التأكد منال شروط القانونية للدخول إلى مصر وإبلاغ الأهل والسفارات بخطط السفر، والامتناع عن نشر المحتوى السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي، ومسح البيانات الحساسة من الأجهزة الرقمية، وتجنب المناطق الحساسة أمنياً والابتعاد عن التجمعات، وعدم التوجه إلى سيناء أو العريش بشكل فردي أو في مجموعات صغيرة، وتجهيز رسالة طوارئ سريعة للإبلاغ عن أي توقيف أو خطر".
أخبار
التحديثات الحية
إيقاف ناشطين في الإسماعيلية أثناء توجههم إلى غزة ضمن "قافلة الصمود"
وتعكس هذه الأحداث التحديات الجمة التي تواجه الجهود الإنسانية لكسر حصار غزة، في ظل قيود أمنية مشددة تهدف إلى منع أي تحركات قد تُفسر بأنها تهديد للأمن القومي، بينما تظل معاناة الأطفال والمدنيين في القطاع على رأس الأولويات الإنسانية العالمية.
وشنت قولت الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة على قطاع غزة في أعقاب عملية عسكرية شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت عليها اسم "طوفان الأقصى"، في رد فعل على المخططات الإسرائيلية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنوات.
بعد هذه العملية، بدأت إسرائيل شن هجوم عسكري واسع النطاق على قطاع غزة، أطلقت عليه اسم "السيوف الحديدية"، متعهدة بالقضاء على حماس وتدمير بنيتها التحتية العسكرية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين. تضمن الهجوم قصفاً جوياً مكثفاً، ثم توغلاً برياً واسعاً في أجزاء مختلفة من القطاع، ما أدى إلى دمار هائل ونزوح جماعي للسكان.
ومنذ ذلك الحين، تتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل كبير بسبب القصف المستمر، وتدمير البنى التحتية، ومنع دخول المساعدات الإنسانية الكافية، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الصحية والغذائية ونزوح ما يقارب مليوني فلسطيني داخل القطاع. وبلغ عدد الشهداء والمصابين في غزة حتى أمس السبت نحو 55 ألفاً و297 شهيداً، و128 ألفاً و426 مصاباً، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قوافل إغاثة غزة تواجه قبضة الأمن المصري
قوافل إغاثة غزة تواجه قبضة الأمن المصري

العربي الجديد

timeمنذ 19 ساعات

  • العربي الجديد

قوافل إغاثة غزة تواجه قبضة الأمن المصري

في مشهد تتشابك فيه الإنسانية مع القيود السياسية، تصاعدت وتيرة الأحداث في مصر خلال الأيام الماضية، مع محاولة مئات النشطاء الدوليين كسر الحصار المفروض على قطاع غزة تزامناً مع تدهور الأوضاع الإنسانية هناك. وشهدت هذه الجهود الشعبية اصطداماً مباشراً مع السلطات المصرية التي منعت القوافل الإغاثية من الوصول إلى سيناء، وقامت بترحيل عدد كبير من المشاركين بعد احتجازهم. بنداء مؤلم على أبواب الإسماعيلية؛ برز مشهد مؤثر لناشط بريطاني من "قافلة الصمود" خاطب الجنود المصريين عند بوابة الإسماعيلية بكلمات مؤثرة، تخللها البكاء والتوسل، قائلاً: "إن الإسرائيليين يُجِيعون الأطفال حتى الموت. أتوسل إليكم باسم الإنسانية وباسم الإسلام أن تقفوا مع إخوتكم وأخواتكم في الإسلام... رجاء... اسمحوا لنا بالزحف إلى فلسطين ؟". هذه الكلمات الصادقة، التي جاءت قبيل إلقاء القبض على المشاركين وترحيلهم تلخص حجم اليأس والألم الذي يدفع هؤلاء النشطاء إلى قطع آلاف الأميال في محاولة لتقديم يد العون لأطفال غزة المحاصرين. ناشط بريطاني يخطُب في الجنود المصريين باكيًا متوسلاً، مطالبا بالسماح بالطعام لأطفال #غزة : "إن الإسرائيليين يُجِيعون الأطفال حتى الموت. أتوسل إليكم باسم الإنسانية وباسم الإسلام أن تقفوا مع إخوتكم وأخواتكم في الإسلام... رجاء.. اسمحوا لنا بالزحف إلى فلسطين؟" #غزة_تُباد #غزة_الفاضحة — محمد المختار الشنقيطي (@mshinqiti) June 14, 2025 رافقت هذا النداء الإنساني حملة أمنية واسعة وترحيل قسري لعدد من النشطاء الأجانب؛ فوفقاً لشهادات جمعتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، استوقفت قوات الأمن المصرية المئات من النشطاء من جنسيات متعددة، بينها أميركية وبريطانية وفرنسية وإيطالية ومغربية وجزائرية وتونسية وإسبانية ويونانية، وذلك أثناء محاولتهم الوصول إلى شمال سيناء للمشاركة في "المسيرة العالمية للتنديد بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة" التي كان من المزمع انطلاقها بين 15 و19 يونيو/حزيران الحالي. وشملت الإجراءات الأمنية إيقاف النشطاء في مناطق متفرقة على طريق الإسماعيلية، بعضهم على بعد كيلومترات من مدخل المحافظة. وتحدثت شهادات عن "استخدام القوة" لإجبار النشطاء على ركوب حافلات لنقلهم إلى مطار القاهرة الدولي تمهيداً لترحيلهم. كما أشارت بعض الشهادات إلى قيام "أشخاص بملابس مدنية" بالاعتداء على النشطاء بزجاجات المياه لدفعهم إلى الرحيل. من بين المحتجزين، كان هناك 30 تونسيا وخمسة جزائريين وثلاثة فرنسيين بالإضافة إلى حفيد المناضل الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا . هذا التضييق لم يقتصر على الطرق المؤدية إلى سيناء، بل امتد ليشمل مطار القاهرة الدولي وأماكن إقامة النشطاء في العاصمة، حيث جرى توقيف عشرات آخرين قبل أن يشرعوا في رحلتهم نحو غزة. بعد ساعات طويلة من الاحتجاز، رُحّل بعض النشطاء إلى بلدانهم، بينما تمكن آخرون من الدخول إلى مصر بفضل تدخل سفارات بلادهم. في السياق نفسه، استنكرت "لجنة العدالة-كوميتي فور جستس" ما وصفته بـ"الانتهاك الصارخ لحرية التنقل" بعد احتجاز ثلاثة محامين جزائريين في مطار القاهرة الدولي بتاريخ 11 يونيو/حزيران. وسُحبت هواتفهم ووثائقهم الرسمية من دون مبرر قانوني، في خطوة وصفتها اللجنة بـ"القمع لحرية التعبير" ومحاولة لعرقلة "قافلة الصمود" الهادفة لفك الحصار عن غزة. وطالبت اللجنة السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن المحامين وتحديد المسؤولين عن هذه الانتهاكات. وفي ظل هذه التطورات، أصدرت جهات حقوقية تحذيرات وإرشادات للمشاركين المحتملين في القافلة داعية إياهم لاتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر. شملت هذه الإرشادات "التأكد منال شروط القانونية للدخول إلى مصر وإبلاغ الأهل والسفارات بخطط السفر، والامتناع عن نشر المحتوى السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي، ومسح البيانات الحساسة من الأجهزة الرقمية، وتجنب المناطق الحساسة أمنياً والابتعاد عن التجمعات، وعدم التوجه إلى سيناء أو العريش بشكل فردي أو في مجموعات صغيرة، وتجهيز رسالة طوارئ سريعة للإبلاغ عن أي توقيف أو خطر". أخبار التحديثات الحية إيقاف ناشطين في الإسماعيلية أثناء توجههم إلى غزة ضمن "قافلة الصمود" وتعكس هذه الأحداث التحديات الجمة التي تواجه الجهود الإنسانية لكسر حصار غزة، في ظل قيود أمنية مشددة تهدف إلى منع أي تحركات قد تُفسر بأنها تهديد للأمن القومي، بينما تظل معاناة الأطفال والمدنيين في القطاع على رأس الأولويات الإنسانية العالمية. وشنت قولت الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة على قطاع غزة في أعقاب عملية عسكرية شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت عليها اسم "طوفان الأقصى"، في رد فعل على المخططات الإسرائيلية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنوات. بعد هذه العملية، بدأت إسرائيل شن هجوم عسكري واسع النطاق على قطاع غزة، أطلقت عليه اسم "السيوف الحديدية"، متعهدة بالقضاء على حماس وتدمير بنيتها التحتية العسكرية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين. تضمن الهجوم قصفاً جوياً مكثفاً، ثم توغلاً برياً واسعاً في أجزاء مختلفة من القطاع، ما أدى إلى دمار هائل ونزوح جماعي للسكان. ومنذ ذلك الحين، تتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل كبير بسبب القصف المستمر، وتدمير البنى التحتية، ومنع دخول المساعدات الإنسانية الكافية، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الصحية والغذائية ونزوح ما يقارب مليوني فلسطيني داخل القطاع. وبلغ عدد الشهداء والمصابين في غزة حتى أمس السبت نحو 55 ألفاً و297 شهيداً، و128 ألفاً و426 مصاباً، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع.

ضرب إيران والحرب الإسلامية الباردة؟
ضرب إيران والحرب الإسلامية الباردة؟

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • العربي الجديد

ضرب إيران والحرب الإسلامية الباردة؟

على الأرجح، فتحت الضربة الإسرائيلية (فجر أمس الجمعة) لإيران باب مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، وصولاً إلى صراع عالمي مفتوح على "تمثيل الإسلام"، صراع أشار إليه كاتب هذه السطور في مقال سابق بعنوان " دولة البكتاشية... حرب تلوح في الأفق " ("العربي الجديد"، 17/10/2024)، تناول المنشور في "نيويورك تايمز" و"بي بي سي" و"يورو نيوز" عن دولة للطائفة البكتاشية تعبّر عن إسلام ليبرالي "يعترف بإسرائيل". وبعدها قال بنيامين نتنياهو إن الضربة العسكرية لإيران "دفاع عن السّلام وعن حلفائنا الذين نريد توسيع اتفاقيات السّلام معهم". وما تشفّ عنه العبارة أن إسرائيل على قناعة بأنها أصبحت في حاجة ماسّة غير مسبوقة إلى "إسلام" يحمي وجودها، وهو متغيّر نضجت ثمرته اليوم، لكنّ بذرته غُرِسَت منذ سنوات وتتعهّدها بالرعاية (بسخاء شديد) دول أصبحت تربط وجود أنظمتها السياسية باقيةً في قيد الحياة بإحداث "تغيير جذري" في الإسلام، وثمّة قوس تمتدّ من باريس إلى نيودلهي (مروراً بعواصم عربية مؤثّرة) أصبحت مقتنعةً بأنّ اقتلاع جذور الإسلام السياسي (ضمنه حركة حماس) شرطٌ للبقاء، لا مجرّد شرط لحماية الأمن أو حماية المصالح. وبعض الأطراف الفاعلة في تحالف نيودلهي - باريس تدفع بسخاء في دول إسلامية كُبرى لشراء "الحقّ في احتواء مؤسّسات الخطاب الديني"، وهي الأكثر جموحاً في التوجّه نحو "تغيير الإسلام" ليتواءم مع "السردية الإسرائيلية" من ناحية، ومع عموم المسلمين، والقسم الأكبر من علماء المسلمين، من ناحية أخرى، وهو انقسام يتعمّق ويمهّد لـ"حرب باردة إسلامية - إسلامية"، ستكون لها عواقبها. والخريطة ليست جسداً ميّتاً يمكن انتهاك حرمته من دون ردّات فعل، فالمواقف المقابلة التي يمكن القول إنّها تتمحور حول تركيا، تبدي قدرةً على الصمود في مواجهة الموجة العاتية، وتقترب وتبتعد بعض الدول منها على نحوٍ متفاوت، وما سعت إليه لفترة دول مثل ماليزيا وباكستان وأفغانستان، يعني أن الاستقطاب مرشّح للاتساع، خاصّة أن عملية التغيير تترافق مع عملية إبادة جماعية في غزّة، يجري تبريرها بشعار "اقتلاع الإرهاب"، ويجري التواطؤ معها في العديد من العواصم العربية والإسلامية تحت شعار "الواقعية السياسية". بنية المعركة ستبقى من دون تغيير، ما لم تربح إسرائيل وحلفاؤها "الحرب الإسلامية - الإسلامية الباردة" وفي قلب المعركة ميدانان يبلغان الغاية: مناهج الدراسة والسيطرة الحكومية على الخطاب الديني وتأميمه وأمنَنَتُه و"صهينته". والمعركتان مستمرّتان في هذا السبيل بخطوات لا تنقصها القسوة. وفي مرحلة كانت فيها إسرائيل تطرح سيناريوهات عمّا بعد الحرب، كانت تؤكّد حتمية تغيير مناهج الدراسة في غزّة لتنتج جيلاً يقبل بوجود إسرائيل. وألاعيب "التفكيك" و"إعادة التعريف" و"إعادة التصنيف" لم تتوقّف منذ سنوات، تارّة بالاستخدام المُغرِض لـ"الرابطة الإبرهيمية"، وتارّة بالبحث عن نقاط التقاء بين الإسلام والسردية الصهيونية، وتارّة بتأكيد أن الواقعية السياسية تقتضي قبول الدور "المذلّ"، الذي تخطّط إسرائيل لجعله مصير شعوب المنطقة كلّها. وممّا ينبغي الوقوف أمامه بجدّية شديدة، ما لخصّ به المتحدّث العسكري الإسرائيلي موقف إسرائيل بعد ساعات من بدء الضربة (عبارة يراها كاتب هذه السطور صحيحةً ودقيقةً): "إسرائيل وصلت إلى نقطة اللاعودة"، ولا يعني أنه من الحتمي أن تنتصر، بل يعني أنها تحت تأثير غريزتَي الخوف والطمع. الخوف على الوجود، والطمع في تغيير المنطقة جذرياً، لكن ما يمكن أن يحقّق شروط الأمن الإسرائلية، ليس سوى تدمير القدرات العسكرية في جزءٍ واسع من خريطة المنطقة، وهو فخّ لن تدرك خطورته الآن. فقد كانت "القدرات العسكرية" لعدد من دول المنطقة الرئيسة ضماناً أساسياً لأمنها، بل لوجودها، فالشعوب عجزت خلال 70 عاماً عن دخول معترك الدفاع عن الشعب الفلسطيني، لأسباب في مقدّمتها الخوف من مواجهة جيوشها الوطنية، وما يحدث الآن قد يغيّر المعادلة، ويفتح الباب لاحتمال (مجرّد احتمال) أن تجد إسرائيل نفسها في مواجهة تحرّكات شعبية غير خاضعة لسيطرة أنظمة حليفة. والإحساس العميق بأن الدافع العقائدي (وبالتحديد الإسلامي) يشكّل المصدر الرئيس لتهديد وجودها، سيضفي مصداقيةً على موقف حركات الإسلام السياسي، وعلى الخطاب الديني الذي تُدفع الآن أموال مهولة لاقتلاعه من المجتمعات العربية والمسلمة، والحلول العسكرية قد تؤجّل المصير الإسرائيلي المحتوم، لكنّ بنية المعركة ستبقى من دون تغيير، ما لم تربح إسرائيل وحلفاؤها "الحرب الإسلامية - الإسلامية الباردة"، واحتمال أن يربح هذا التحالف هذه المعركة أقرب إلى المستحيل، وإسرائيل ليست وحدها التي وصلت نقطة اللاعودة.

"إدراك العالم" لزهير توفيق.. صورة الآخر في الوعي العربي والغربي
"إدراك العالم" لزهير توفيق.. صورة الآخر في الوعي العربي والغربي

العربي الجديد

timeمنذ 3 أيام

  • العربي الجديد

"إدراك العالم" لزهير توفيق.. صورة الآخر في الوعي العربي والغربي

لا تقف حدود التجاذبات السياسية والإعلامية في الغرب حول الإسلاموفوبيا عند سعي تيارات يمينية إلى إقصاء المسلمين واعتبارهم عبئاً على مجتمعاتهم، أو عند الاختلاف حول تعريف محدّد لها قد يفضي إلى انتهاكات لحرية الرأي والتعبير. جدلٌ يتصاعد في أكثر من بلد أوروبي خلال الأشهر الماضية، ولا يغيب عنه أيضاً التاريخ الذي لا يزال يُنتج مقولات مسبقة تختزل العلاقة بين الإسلام والغرب على مدار مئات السنين. وربما تبدو العودة إلى الماضي مُلحّة في ظل مراجعات لا تنتهي لهذه الصلات المتوترة والمضطربة، ومنها كتاب "إدراك العالم.. الصور النمطية المُتبادَلة بين الأنا والآخر" (الآن ناشرون وموزعون، عمّان، 2025) للباحث الأردني زهير توفيق، الذي يقرأ لحظة دخول العرب إلى بلاد الشام في النصف الأول من القرن السابع الميلادي، متتبعاً نماذج مؤسسة عديدة في المدونة التاريخية والفقهية والأدبية عند المسلمين والبيزنطيين والأوروبيين، وكذلك الفرس واليهود. مطابقة العهد القديم نظرت الدولة البيزنطية وكنيستها إلى كارثة انتزاع الجزء الأكبر من أراضيها على يد المسلمين، بحسب الكتاب، بما يطابق المخيال الديني المستمدّ من العهد القديم عن شعوب الشرق والبدو (السراسين) وأحفاد سام، الذين غزوا أملاك المسيحية. وبذلك أدّى الإسلام والمسلمون، في هذه السردية، دوراً وظيفياً كونهم أداة في يد الرب أُرسلوا لعقاب المسيحيين الصالحين بجريرة الأشرار منهم على آثامهم والانحرافات العقائدية، والخلافات حول طبيعة المسيح. وُصم المسلم بالشر لدى الأوروبي الذي لم يستوعب نفسه المسيحية ارتبط تنميط المسلمين منذ البداية بهذه الخلافات اللاهوتية، كما يُبيّنه موقف يوحنا الدمشقي، الذي عاش في البلاط الأموي حيث عمل والده وجده وزيرين فيه، والذي اعتبر الإسلام "ليس إلا ضرباً من ضروب الانشقاق عن العقيدة المسيحية الحقة". وتراكمت نصوص وشروحات لإثبات هذا التصوّر الذي توارثه رجال الدين، حتى ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، فظهرت تفسيرات عقلانية جديدة تعزو انتصار المسلمين إلى كونهم أكثر تطوراً وتجهيزاً، وأصحاب فضائل وحضارة، كما يُبين المؤلف. وعلى امتداد نحو خمسمئة عام، شهدت الدولتان الإسلامية والبيزنطية سلسلة من الحروب تخلّلتها مهادنات وتسويات، تبادلتا خلالها السفارات والزيارات. غير أن المتغيّر الأبرز في علاقة الجارين تمثّل في الحملات الصليبية على المشرق، التي احتفى بها البيزنطيون ورأوا في حملاتها الثلاث الأولى فرصة لتحالف مع الممالك المسيحية الغربية بعد طول نزاع، حتى دخلت الحملة الصليبية الرابعة مدينة القسطنطينية، فنهبتها ودمّرتها، وقتل جنودها إخوتهم في الصليب. ويشير الكتاب إلى أن تلك الأحداث مهّدت لتفاهمات أوسع بين المسلمين والبيزنطيين وصولاً إلى القرن الثالث عشر الميلادي، ساهم في إرسائها انقسام الخلافة إلى دويلات متعددة، واختلاط السكّان من مختلف الأديان في الكيانات السلجوقية الناشئة، كما هو الحال في القسطنطينية التي بُني فيها مسجد، وأُقيم حوله حيّ سكنه العرب والأتراك. لكن سقوط بيزنطة بعد نحو قرن بانتصار العثمانيين أعاد نسج تفسير غيبي حول عقاب إلهي على خطايا المسيحيين، وانتظار المخلّص الذي سيقضي على الغزاة يوماً ما، وهو ما تسرّب إلى أذهان اليونانيين. صورة كلية مفارقة للواقع مقابل تلك التصورات السابقة، تشكّلت لدى العرب المسلمين معرفة ناقصة حول عدوهم البيزنطي، استندت إلى إعجابهم بنظام إدارته وصموده الذي حال دون هزيمة مطلقة تماثل انهيار فارس، وعلومه التي ورثها عن أجداده اليونان. كما لم يشتبك العقل العربي ولا مخياله، عند المواجهة الأولى، بدين بيزنطة، على اعتبار أن الكتاب المقدس ظلّ مصدراً معترفاً به إسلامياً، رغم الاعتقاد بتحريفه أو سوء تفسيره. وبذلك طغى "السياسي على الديني، والعسكري على الثقافي المعرفي"، وفقاً للكتاب الذي يلفت إلى أن الرحالة المسلمين مثل المسعودي وابن خرداذبه والقزويني قدّموا في مؤلفاتهم أوصافاً غير دقيقة حول رحلاتهم إلى أرض الروم آنذاك، بالتركيز على الطبيعة والمعمار وتناسي الإنسان وحركته اليومية. ويلاحظ القارئ أن الانتصارات التي حققها المسلمون على خصم قوي، عزّزت الإحساس بمركزية الأنا والذات في فهم الآخر، وهو ما دعّمه النص القرآني بقوله: "كنتم خير أمة أُخرجت للناس". وفي مرحلة لاحقة، طوّر المسلمون معارفهم بالاطلاع على الفلسفة اليونانية، ما مكّنهم من استخدام الحجج والاستدلالات نفسها في الرد على اللاهوت المسيحي. وبذلك، لم ينجُ الجاران، المسلم والبيزنطي، من عقدة الجهل بالآخر، التي منعت تقريب وجهات النظر والتوافق على مصالح وقيم مشتركة. شرق وغرب خلافاً للإمبراطورية الرومانية الشرقية، تأخر الغرب الأوروبي في التعرف على الإسلام، نتيجة عوامل مختلفة، أبرزها قلّة عدد الحجاج الغربيين إلى القدس لطول المسافة وتكلفتها العالية، واحتياج قوافلهم للحراسة. كما شكّل حاجز اللغة عائقاً كبيراً حتى القرون الوسطى، بالإضافة إلى أن المسيحية نفسها كانت ديناً مستحدثاً لمعظم مناطق أوروبا، ما منحها مزيداً من التعصب في ظل الفقر المعرفي وانتشار السحر والشعوذة. تفنيد الصورة النمطية حول اليهود استناداً إلى شروط الواقع ويوضّح الكتاب أن الغرب شكّل صوراً نمطية بالغة التبسيط والتعقيد لمفردات الإسلام، في ثقافة شعبية شفهية لجأت إلى الفانتازيا وخلط الخيال بالواقع. وقد وظّفتها الكنيسة بخطاب ورسومات ومنحوتات كرّست الغيرية، بوصم المسلم بالشر المطلق وتصوير بطولات وانتصارات حاسمة عليه. وتراكمت على هذه الصور ثقافة لاهوتية عادت إلى مرافعة يوحنا الدمشقي وطروحات عبد المسيح بن إسحق الكندي، لكنها اكتسبت قدراً من الموضوعية في نهاية العصور الوسطى. وكانت محطة أساسية في هذا التحول هي تفشّي الطاعون في أوروبا منتصف القرن الرابع عشر، حيث انفتح الغرب على علوم المسلمين، وخاصة الطب. وبدا أن النخب السياسية في عصر النهضة أكثر واقعية من البابوات وقادة الحروب الصليبية الذين هُزموا في خاتمتها. ومع الكشوفات الجغرافية، تراجعت أهمية الشرق في المخيال الأوروبي، الذي بات يرى الآخر في الهنود والأفارقة وسكان الأميركتين، وسط إحساس متزايد بتفوّق الذات مع التقدم العلمي. ينبّه الكتاب إلى أن ظهور الاستشراق، الذي تأسس على تطور مناهج العلوم الإنسانية، عمّق معرفة الغرب بالشرق، وسعيه لاستعماره تحت شعار إنقاذه وتحديثه. بينما أدّى تدهور الحضارة الإسلامية إلى تعميق الآخرية على مستوى الداخل والخارج، وهو ما تدل عليه نصوص الرحّالة المسلمين، العثمانيين والمغاربة، التي كُتبت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وتعكس ضحالة معرفتهم بأوروبا. وصولاً إلى عصر النهضة العربية، وانقسام نخبة الشرق بين ليبراليين وتوفيقيين وسلفيين، حيث كانت الخلاصة الأبرز أن العالم العربي لم يتعرّف على ذاته إلا من خلال الغرب، وليس بأدواته المنهجية المستقلة. عرب وعجم من جهة أخرى، تشكّلت الصور النمطية بين العرب والفرس على نحو مختلف تماماً عن السياق الذي حكم العلاقة مع المسيحية والغرب، وذلك بسبب سقوط الدولة الساسانية واعتناق فارس الإسلام، مع اعتبارهم أدنى مرتبة اجتماعية في العهد الأموي. وحتى بعد تحسّن أوضاعهم زمن العباسيين، حيث تولى الفرس مناصب عليا في الدولة، تبقى العلاقة مثقلة بالمفارقات، كما في قصة زواج جعفر البرمكي الشكلي بأخت هارون الرشيد، العبّاسة، مع اشتراط عدم الخلوة الشرعية. النظرة المتبادلة بين الطرفين حملت مقاربتها الخاصة، إذ يُشير الكتاب إلى أن العرب المنتصرين فُرض عليهم تقليد الفرس المغلوبين في الإدارة والحكم، ما ولّد معادلة عنصرية، ظهرت تمثلاتها في النصوص الفارسية من أشعار وأدب رحلات وكتب السياسة، التي ركزت على المواقف السلبية تجاه العرب، وازدرائهم فردة فعل على ما تعرضوا له من اضطهاد. معرفة اليهودي ينطلق توفيق من فكرة أن العرب المسلمين لم يستشعروا خطورة وجود اليهود، ولم يلتفتوا كثيراً إلى لاهوتهم، نظراً لانقطاعهم عن الجهات الخارجية. لذا، كانت العلاقة أقرب إلى الاستقرار، رغم الصورة السلبية التي انطبعت في بدايات الدعوة الإسلامية وفي عهد الخلفاء الراشدين. إلا أن حضورهم ازداد لاحقاً في ميادين التجارة والترجمة والطب، في الدولة العباسية والأندلس والعهدين الفاطمي والعثماني، مع وجود فترات تراجعت فيها أوضاعهم. وهكذا، يفنّد الكتاب الصورة النمطية السائدة حول اليهود، مبيناً أن التفاعل معهم أو إقصاءهم كان غالباً يخضع لشروط موضوعية يفرضها الواقع. آداب التحديثات الحية وليد سيف.. حين استعاد تاريخ الأندلس

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store