logo
جازاغرو 2025: 540 مؤسسة في مجال الصناعات الغذائية والتعليب والتغليف تعرض منتوجاتها – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

جازاغرو 2025: 540 مؤسسة في مجال الصناعات الغذائية والتعليب والتغليف تعرض منتوجاتها – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

استقطب صالون جازاغرو 2025، الذي افتتح أبوابه أمس الإثنين بقصر المعارض الصنوبر البحري (الجزائر العاصمة)، 540 مؤسسة في قطاع الصناعات الغذائية والتعليب والتغليف تمثل 38 بلدا، 44 بالمائة منها من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مؤسسات آسيوية وتركية.
في هذا الصدد، صرح نبيل باي بومزراق، المدير العام لبرومو صالون-الجزائر،منظم هذا الحدث، أنه من بين العارضين، نسجل حضور 150 مؤسسة جزائرية مما يعكس الحركية المتزايدة للقطاع الوطني للصناعات الغذائية، معتبرا أن هذه المشاركة القوية 'مؤشر على التطور المتسارع لهذا القطاع الأساسي في الاقتصاد الجزائري'.
وخلال ندوة صحفية، أكد بومزراق على أهمية المعرض الذي يجمع مصنعي التجهيزات ومنتجي النكهات والمكونات والمنتجات الغذائية والفاعلين في قطاع التعليب والتغليف.
كما أشار المتدخل إلى أن قطاع الصناعات الغذائية أصبح 'محركا رئيسيا للاقتصاد الوطني'، مضيفا أن وفرة الإنتاج الفلاحي منحت، خلال السنوات الأخيرة، فرصا جديدة للمصنعين سيما المتخصصين في تحويل الفواكه والخضر.
في نفس السياق، أبرز بومزراق أهمية الابتكار في مجال التعليب والتغليف والتوضيب، داعيا المواهب الشابة وحاملي المشاريع إلى زيارة المعرض من أجل استكشاف حلول صناعية مطابقة للمعايير الدولية.
من جهتها، أكدت شانتال دي لاموت، مسؤولة بـ'كوم اكسبوزوم'، الشريك في تنظيم هذا الحدث، على أهمية الندوات المنظمة على هامش الصالون.
كما أوضحت قائلة: 'سنتطرق إلى مواضيع مهمة على غرار استصلاح الأراضي الفلاحية في الجزائر التي من شأنها تحسين استغلال الموارد المحلية وتقليص التبعية للاستيراد'، مبرزة جودة المنتجات الفلاحية المحلية.
ومن بين العارضين الوطنيين، أثارت العديد من العلامات التجارية اهتمام الزوار وكذا المؤسسات المصدرة نحو الخارج خصوصا نحو البلدان الأوروبية والإفريقية.
ويعد صالون جازاغرو، الذي من المنتظر أن يجذب 23000 زائر، حسب المنظمين، حدثا رئيسيا لقطاع الصناعات الغذائية كونه يوفر إطارا مناسبا للتبادل التجاري والابتكار الصناعي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سياسات ترامب بين الراعي والذئب
سياسات ترامب بين الراعي والذئب

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 3 أيام

  • إيطاليا تلغراف

سياسات ترامب بين الراعي والذئب

إيطاليا تلغراف جواد العناني سياسي واقتصادي أردني يوم الأربعاء، الموافق 28 من شهر مايو/ أيار الماضي، نشر الاقتصادي الأردني الدكتور عدلي قندح مقالاً في صحيفة الدستور الأردنية رفع فيه الغطاء عن قضية مهمّة، وتساءل فيه 'هل يَخلُفُ اليورو الدولار؟'، وبمعنى آخر، هل سيتمكن اليورو، ثاني أقوى عملة دولية في العالم، من أن يزحزح الدولار عن المركز الأول ويحلّ مكانه؟ وقد ينطوي السؤال على تفاؤل حيال اليورو، لكن دكتور قندح يقدم شرحاً مباشراً متوازناً يبين فيه نقاط الضعف والقوة. وسوف نأخذ السؤال الذي طُرح من دكتور قندح، ونستفيد من الحقائق الأساسية التي اعتمدها في تحليله ونضيف عليها بعض التوقعات من الخريطة ذات الخطوط المتشابكة (Charade)، التي يخلقها الرئيس دونالد ترامب بتصريحاته وتغييراته المفاجئة لتوجّهاته وقراراته. وهذه الفوضى الاتجاهية في الميول والتحوّلات قد تزيد عدد المحبطين والخاسرين في أسواق المضاربة والمراهنات إلى حدٍ يعوفون عنده الدولار، ويسعون للتحوّل إلى ثاني عملة دولية وهي اليورو، دعونا نستكشف. يقول الدكتور عدلي قندح إنّ الدولار يشكل حالياً نحو 58% من الاحتياطات الرسمية للدول بالعملات الأجنبية مقارنة بنسبة 20% لليورو الذي يقع في هذا المضمار في المركز الثاني، ويخبرنا كذلك أن الدولار ما يزال عملة تسديد المدفوعات العالمية بنسبة 42%، بينما يشكل اليورو نسبة 32% بصفته عملة تسديد وتسويات للمدفوعات في العالم. وتحسّن موقف اليورو كثيراً مقارنة مع 3 أو 4 سنوات سابقة، لكنّه لم يتمكن من أن يسبق الدولار. وساهم استقرار السياسات النقدية التي يقوم بها البنك المركزي الأوروبي في دعم الثقة باليورو على حساب الدولار، غير أنّ الاتحاد الأوروبي ما يزال غير قادر على تطبيق المعايير المالية (Fiscal Standards) على كل الدول الأعضاء فيه، خاصة بعض دول أوروبا الشرقية. وقد فتح هذا الأمر التساؤل الكبير لدى الأوروبيين عمّا إذا كان قرار التوسعة وضمّ أعضاء جدد للاتحاد قراراً صائباً؟ وهناك كثيرون يقولون إنه كان قراراً متسرعاً تحكّمت فيه العواطف والظروف السياسية والجيوسياسية أكثر مما أملته المعايير الهادئة العقلانية. والنقطة الثانية المهمة التي يمرّ عليها الكاتب المجتهد الدكتور عدلي قندح مرور الكرام هي القوة الاقتصادية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ويقول لنا إنّ الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بلغ 14 تريليون دولار، لكنّ هذا الرقم قديم، ففي عام 2023 بلغ الناتج المحلي الإجمالي له حوالى 18.6 تريليون دولار أو ما نسبته 17.6% من الناتج الإجمالي للعالم كله، لكنّ توقعات النمو في دول الاتحاد ما تزال متفائلة، ويتوقع جمهرة من الاقتصاديين والمراكز الهامة أن يصل الرقم إلى 18.8 تريليون دولار في نهاية عام 2025 الحالي. وبالمقارنة مع الصين، فإن الناتج المحلي الأوروبي يتفوق على الناتج المحلي الصيني، وقُدِّر أن يبلغ عام 2023 ما مقداره 17.8 تريليون دولار، وسوف يرتفع ليصل إلى 19.23 تريليون دولار عام 2025 ما يجعله متفوقاً على أوروبا. ولذلك فإن الصين التي تحتل المركز الثاني بمعايير الأرقام الجارية والمركز الأول متفوقة على الولايات المتحدة بمقياس القوة الشرائية المكافئة (PPP)، وستبقى هي الأقرب لمنافسة أوروبا، وسيكون اليوان الصيني (RPM) منافساً لليورو، ولربما يتفوّق عليه بصفته عملةَ احتياطيّ وعملة تسديد المدفوعات قبل العام 2030. وهذا التحليل يقودنا إلى التساؤل: إذا بقيت الأمور تخضع لمنطق الأرقام ومعاييرها ومعدلات النمو وتفوقها فإنّ العالم يجب أن يجنح بتفكيره تدريجياً نحو ما نادى به الاقتصادي كندي الجنسية والأستاذ في جامعة كولومبيا والمستشار السابق للحكومة الصينية روبرت مَنديل، الذي فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد العام 1999 لأبحاثه المتقدمة في مجال السياسة النقدية الديناميكية ونظرية مناطق العملات المثلى أو ما سماه (optimum currency areas)، وقد قال إنّ الاستقرار النقدي العالمي سوف يتحقق عندما يتخلى العالم عن نظام العملة الواحدة، ويتحول إلى نظام متعدّد العملات، وقد خصص لهذا الغرض ثلاث مناطق نقدية وهي منطقة الدولار ومنطقة اليورو ومنطقة اليوان الصيني. وكتب اقتصاديون بارزون لاحقون في هذا الموضوع، ومنهم ريتشارد كوبر السياسي وأستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، الذي أيّد فكرة ثلاث مناطق عملات، لكنه دافع عن الين الياباني ليكون العملة الثالثة بدلاً من العملة الصينية. وهناك اقتصاديون كثر كتبوا في هذا الموضوع، مثل كوهين وأوبنهايمر وبالاسا وغيرهم. ولكنّ أحداً منهم لم يكتب عن الوسيلة التي يمكن استخدامها للانتقال من نظام العملة الواحدة إلى نظام العملات الثلاث، ولا ننسى أنّ معظم هذه الأفكار كُتبت في نهاية الستينيّات وبداية السبعينيّات من القرن الماضي، حين كان وضع الدولار ضعيفاً ومتأرجحاً خاصّة عندما أقدمت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون على تخفيضه مرتين خلال الفترة 1971 إلى 1973، وقد سميت هذه السياسة بهزة نيكسون، التي أنهت عملياً اتفاقية بريتون وودز المعقودة عام 1944 باتباع نظام سعر الصرف الثابت المستقرّ للدولار حيال الذهب. ومن بعدها تبنى صندوق النقد الدولي نظام حقوق السحب الخاص، التي كانت وحدة مساوية لكمية من الذهب، ويدخل في تقييمها سلة من العملات، وبناءً عليها تقاس أسعار صرف العملات للدول الأعضاء في الصندوق. لكنّ هذا النظام لم يدم سوى لعدد من السنوات، حتى استعاد الدولار قوته في مطلع التسعينيّات بعد انفجار أزمة المديونية العالمية أو ما سمي (Debt hangover)، وجرى من خلاله استخدام الدولار عملةً لسداد ديون قابلة للتخفيض إنْ وافق حاملها على استبدالها بأرصدة مقبولة للدائنين (Debt equity swap)، وحصل بعدها استقرار طويل الأمد. كان للدولار من ناحية، وسعي الصين لدخول أسواق التصدير العالمية بأسعار منافسة، الأمرُ الأكبرُ في استقرار الوضع النقدي الدولي وهيمنة الدولار. أما سياسات الرئيس دونالد ترامب في الوقت الحالي فهي ضوضائية، وصعبة القراءة، ومن يسعى لفكّ طلاسمها فهو مهووس أو مشوّش لدرجة كبيرة، ويحتاج إلى قراءة الفنجان ليعلم ما وراء الغيوم. هل يريد الرئيس الأميركي للدولار أن يتراجع سعر صرفه مقابل العملات الرئيسية الأخرى في العالم؟ هذا أمر له مبرّراته الواضحة؛ فاتباع أسلوب رفع التعرفة الجمركية على مستوردات الولايات المتحدة، والسعي لإعادة العمليات الإنتاجية الصناعية إلى داخل الولايات المتحدة، والسعي لتخفيف ثقل المديونية الأميركية، تتطلب دولاراً أضعف، فالدولار الأضعف يجعل أسعار السلع والخدمات الأميركية أقل كلفة على المستوردين لها. وإعادة التصنيع داخل أميركا سترفع كلف الإنتاج الأميركي. ومن أجل الحفاظ على درجة من التنافسية فإن هبوط سعر الدولار يأتي مناسباً لمواجهة هذا الارتفاع. وأخيراً وليس آخراً فإنّ الدولار الرخيص يقلّل من كلفة سداد الديون على الخزينة الأميركية، لذلك كان الرئيس ترامب يضغط على رئيس البنك الاحتياطي الأميركي جيروم باول، بتخفيض أسعار الفوائد على الدولار، حتى يسعى حاملوه للتخلّص منه، ما يزيد من تراجع سعر صرفه. ولكنّ الأسلوب الذي يتبعه الرئيس ترامب هو الذي يخلق التوقعات المتقلبة، التي تنعكس على أسعار الأوراق المالية مثل السندات والأذونات والقبولات وغيرها، وعلى أسعار الأسهم في البورصات، وعلى قيمة موجودات صناديق التقاعد والادّخار والاستثمار، ولذلك فإنّ أي تصريح منه حول أسعار عملات الكريبتو برفعها أو بخفضها يدفع معارضيه إلى النقد والتلميح بالفساد، ولهذا فإن الفوضى ستقود كثيراً من الدول المتضرّرة من هذه التقلبات إلى ظاهرة 'الراعي والذئب'. سنصدّق الرئيس ترامب أول مرة وثاني مرة، خاصّة عندما يصيح بسياسات تبدو كأنه رأى الذئب يهاجم قطيع الغنم أو الراعي، ولكن عندما يكثر صياح الراعي اللّعوب 'احذروا الذئب'، فإنّ الآخرين سيضحكون غير مصدِّقين أو غير مبالين، حتى لا يقدموا للراعي الاكتفاء بأن صياحه قد أثار رعبهم بالاتجاه الذي يريده. إذا حصل هذا فإن الأمور الاقتصادية والنقدية الدولية ستعاني حتى يتمكّن العالم من خلق نُظم عالمية جديدة.

الجيش الإسرائيلي يؤكد أنه قتل قائد حماس في غزة محمد السنوار في 13 مايو
الجيش الإسرائيلي يؤكد أنه قتل قائد حماس في غزة محمد السنوار في 13 مايو

خبر للأنباء

time٣١-٠٥-٢٠٢٥

  • خبر للأنباء

الجيش الإسرائيلي يؤكد أنه قتل قائد حماس في غزة محمد السنوار في 13 مايو

الجيش الإسرائيلي يؤكد أنه قتل قائد حماس في غزة محمد السنوار في 13 مايو المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس: ترامب يطالب بإطلاق سراح كل الرهائن لدى حماس ودخول المزيد من المساعدات إلى قطاع غزة الخارجية الصينية: نحتج على تصريحات وزير الدفاع الأميركي بشأن تايوان مسؤول إسرائيلي لهآرتس: حماس صاغت مقترحا جديدا ورفضت خطة ويتكوف الاتحاد الأوروبي يهدد بفرض رسوم جمركية مضادة بعد رفع ترامب الرسوم على الصلب حماس: سنطلق سراح 10 رهائن ونسلم 18 جثة مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين مصادر مصرفية في #صنعاء: الريال اليمني يسجل في آخر تداولات الصرف 537 ريالاً لشراء الدولار و 140.5 ريالات لشراء الريال السعودي #وكالة_خبر مصادر مصرفية في #عدن: الريال اليمني يسجل في آخر تداولات الصرف 2530 ريالاً لشراء الدولار و 665 ريالاً لشراء الريال السعودي #وكالة_خبر رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية: التخصيب السريع لليورانيوم في إيران مصدر قلق بالغ برنامج الأغذية: لدينا غذاء يكفي لإطعام 2.2 مليون شخص لمدة شهرين ووقف النار هو السبيل الوحيد لإيصاله لغزة ترامب يقول إنه سيفرض زيادة بنسبة 25% على الرسوم الجمركية المتعلقة بالصلب ما يرفعها إلى 50 % ترامب: بوتين وزيلينسكي عنيدان ويجب وضع حد للحرب في أوكرانيا بأسرع وقت

معجزة هولندا الفلاحية.. كيف تحوّلت دولة صغيرة إلى ثاني أكبر مصدر غذائي في العالم؟
معجزة هولندا الفلاحية.. كيف تحوّلت دولة صغيرة إلى ثاني أكبر مصدر غذائي في العالم؟

الشروق

time٣١-٠٥-٢٠٢٥

  • الشروق

معجزة هولندا الفلاحية.. كيف تحوّلت دولة صغيرة إلى ثاني أكبر مصدر غذائي في العالم؟

تُعدّ هولندا من أبرز الدول الفلاحية في العالم؛ فهذا البلد الواقع في الأراضي المنخفضة أصبح يُساهم بشكل كبير في إطعام العالم، وقد حافظ رغم صغر مساحته على المرتبة الثانية عالميا (2024) بعد الولايات المتحدة من حيث حجم الصادرات الفلاحية، متقدما بذلك على فرنسا التي كانت تتفوق عليه في السابق، وبلغت عائدات هولندا من تصدير المنتجات الفلاحية خلال عام 2024 نحو 128.9 مليار يورو (حوالي 140 مليار دولار أمريكي)، مسجّلة بذلك زيادة بنسبة 4.8 في المائة مقارنة بعام 2023، وذلك وفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء ووزارة الفلاحة الهولندية، بعدما كانت صادراتها قد بلغت 94.5 مليار يورو (حوالي 116 مليار دولار أمريكي) في عام 2019. تكمن المفارقة الأكبر في تجربة الفلاحة الهولندية أنها بلد صغير الحجم، ذا تعداد سكاني قليل يبلغ حوالي 18.05 مليون نسمة (2024) إذا ما قارناه بأوّل مصدّر عالمي للمنتجات الفلاحية، الولايات المتحدة الأمريكية التي يزيد حجمها عن هولندا بــ 237 مرة من مساحة الأرض، والتي تبلغ مساحتها 9.83 مليون كلم مربع، بتعداد سكاني يصل لـ 340 مليون مواطن أمريكي (2024)، بينما تبلغ مساحة هولندا 41543 كلم مربع، تستخدم منها حوالي 17 ألف كلم في الفلاحة بنسبة تتراوح ما بين 30.3 بالمائة و1.1 بالمائة كأراضي فلاحية بشكل دائم، فيما توجد من بينها 11 بالمائة كمساحة غابية بحوالي 3695 كلم مربع. وعلى ضيق الرقعة، تفجّرت المعجزة من بين أيدي الفلاحين والعلماء الهولنديين، ليصبح كل شبر أرض محراثا وكل بيت زجاجي حقلا للأمن الغذائي، فكيف تمكّن بلد صغير في المساحة من أن يصبح ثاني أكبر مصدّر للغذاء في العالم؟ وما هي التّقنيات والإستراتيجيات التي اعتمد عليها ليحوز هذا التفوق الكبير، ويصبح بذلك بلدا صغيرا يُطعم العالم؟ وما الذي ينبغي أن نتعلّمه من الدّرس الهولندي لتطوير الفلاحة الوطنية وتحقيق الأمن الغذائي؟ أزمة الجوع تصنع معجزة الغذاء صنعت أزمة 'شتاء الجوع الهولندي' التي ضربت الأراضي المنخفضة في الحرب العالمية الثانية إبّان الاحتلال النّازي، الهمة الكبرى التي دفعت الهولنديّين لمضاعفة إنتاجهم من الغذاء الفلاحي، ومختلف المنتجات الزراعية المصنّعة من خلال استعمال موارد أقل وقُدرات أكبر، بعد وفاة 20 ألف هولندي جوعا، حيث دفعت مأساة 'ضحايا الجوع' الشعب الهولندي إلى تعزيز إنتاجيته من الغذاء، ونبذ التبذير الذي أضحى ظاهرة محتقرة في أخلاقياته، وساهم ذلك في تنامي عادة التبرع بالسلع والأشياء التي لا يحتاجها الأفراد الهولنديّون بشكل مجاني. وقاد مرحلة الإصلاح الزراعي وزير الفلاحة آنذاك سيكو ليندرت مانشولت ، الذي شغل منصب مفوّض الاتحاد الأوروبي فيما بعد، حيث كان فلاحا وأصبح فيما بعد مهندس السياسة الفلاحية الأوروبية المشتركة ، حيث عمل على وضع إستراتيجية تحويل القطاع الفلاحي الهولندي إلى نشاط اقتصادي كبير . فقد مثّلت محنة المجاعة منحة للشّعب الهولندي، حيث أمدّته بالدافعية لتطوير الابتكار، والسّعي لاستخدام المعرفة الفلاحية والتكنولوجيا في القطاع الفلاحي، كما كانت أراضي هولندا القليلة حافزا دفع الهولنديّين للبحث عن الكيف والفاعلية من أجل تنمية الإنتاج الفلاحي. وبالرغم من أنّ مناخ هولندا ومكانها البارد على مستوى الأراضي المنخفضة يُعد مناخا صعبا للقطاع الزراعي، إلاّ أنّ الهولنديّين نجحوا في قهر صعوبات ضيق مساحة الأرض، وتغيّر المناخ بواسطة الابتكار وتنمية العلوم الفلاحية، والاستفادة من تكنولوجيا الآلة، إضافة لاستغلال الدّراسات الأكاديمية والتجارب الميدانية، ممّا جعل القطاع يُبدع ويُنوّع في توفير طُرق زراعية استثنائية. من جهة أخرى، لا يزال كثير من الهولنديين يرون أن القطاع الفلاحي ليس من أكبر مصادر الربح للاقتصاد الهولندي، رغم أن إيراداته وصلت إلى نحو 140 مليار دولار، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي لهولندا حوالي 1050 مليار دولار في 2024، مما يجعل الاقتصاد الهولندي يحتل المرتبة الـ 17 عالميا وفق تصنيف صندوق النقد الدولي، وتشير هذه الأرقام إلى أن مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج المحلي الإجمالي تمثل حوالي 13.3 بالمائة من حجم الاقتصاد الكلي. بعد عقود من جهود التطوير، نجحت هولندا في أن تصبح دولة رائدة في تصدير المنتجات الزراعية مثل نباتات الزينة، الورود، الألبان، اللحوم، ومختلف المنتجات الحيوانية، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي، ولدول أكبر منها حجما وأهمية اقتصادية وأكثر كثافة سكانية مثل ألمانيا التي زوّدتها بمنتجات فلاحية خلال عام 2024 تُقدّر بنحو 25.3 مليار دولار أمريكي، وبلجيكا بحوالي 11.2 مليار دولار، وبريطانيا بما يقارب 9.1 مليار دولار، وفرنسا بحوالي 8.3 مليار دولار. وتقوم هولندا بتصدير نحو 36 مليار دولار من المواد الغذائية، تشمل أغذية حيوانية، شعير، وشوكولاتة، وتصدر حوالي 26 مليار دولار من المنتجات الحيوانية مثل اللحم البقري، الجبن، لحوم الدواجن، والسمك، بالإضافة إلى تصديرها نحو 24 مليار دولار من الخضروات والفواكه، إلى جانب العديد من المواد الفلاحية المختلفة. وتشكّل صادرات هولندا من الطماطم أكثر من 7.5 مليون طن، أي نحو ربع صادرات العالم من هذا المنتج، كما تُعد أول مصدر عالمي للبطاطا والبصل، وتمثل صادرات التفاح الهولندي حوالي خُمس صادرات العالم. من جانب آخر، توفر هولندا ثُلث صادرات العالم من الفلفل، والطماطم، والخيار، وتأتي في المرتبة الثانية عالميا كمصدر للخضروات، وتُنتج حوالي ثُلث بذور العالم في مجال الخضروات، وفقا لمكتب الإحصاء الهولندي CBS وبيانات التجارة الزراعية للاتحاد الأوروبي لعام 2024. البحث العلمي والابتكار.. سر هولندا الأعظم لا يمكن الحديث عن الفلاحة الرقمية والدفيئات، أو عن المكننة والأتمتة وتطوير الإنتاج، دون الإشارة إلى الركيزة الأساسية التي تمثلها منظومة البحث العلمي، والتي تُعد أساس النمو الفلاحي الباهر في هولندا، فقد كانت جامعة 'فاجينينجن' (Wageningen University & Research – WUR) الرائدة عالميا في مجال البحوث الفلاحية، القوة الدافعة وراء تصدر هولندا في مجال الزراعة الرقمية عالميا. وقد صنفت جامعة 'فاجينينجن' كأفضل مركز علمي متخصص في العلوم الزراعية في العالم من عدة مؤشرات دولية، مثل QS World University Rankings وARWU، حيث تُعد هذه الجامعة متخصصة بالكامل في تدريس العلوم الفلاحية، وتتضمن عدة أقسام متخصصة في مجالات متعددة مثل: قسم العلوم الحيوانية، قسم التكنولوجيا الزراعية وعلوم الأغذية، قسم العلوم البيئية، قسم العلوم النباتية، وقسم العلوم الاجتماعية الفلاحية الذي يركز على التخطيط الريفي ودراسات التنمية والإدارة البيئية، كما تحوي الجامعة عددا من المعاهد البحثية، منها معهد التكنولوجيا الفلاحية والابتكار الغذائي، معهد سلامة الأغذية، معهد بحوث النباتات، والمعهد الفلاحي الدولي، إضافة إلى شُعب بحوث الاقتصاد الفلاحي والعالم الأخضر، ومدرسة الأعمال الفلاحية المتخصصة في إدارة الأعمال الفلاحية. فضلا عن ذلك، تسهم جامعات أخرى مثل خرونينغن، أمستردام، أوترخت، وماسترخت بشكل فاعل في نجاح السياسة الفلاحية الهولندية عبر التعليم والبحوث والدراسات الدورية، بالإضافة إلى دعم البنى التحتية لعلوم الفلاحة والغذاء من خلال مؤسسات عالمية مرموقة وأقسام بحوث وتطوير تابعة لشركات طبية وكيميائية ولوجستية. كما تضم هولندا أيضًا مركزا وطنيا لبحوث وتطوير الأغذية الفلاحية، ويعكس ذلك القاعدة المعرفية الممتازة التي تمتلكها الجامعات ومعاهد البحوث، حيث تدعم الحكومة الهولندية المبادرات المشتركة بين القطاعين العام والخاص وبرامج الابتكار الفلاحي بهدف تأمين الأمن الغذائي وتوفير طعام صحي ومستدام. ومن أبرز مراكز البحث والتطوير في هولندا مركز 'فاجينينجن' للبحوث، المعهد الأعلى للغذاء والتغذية، برنامج الابتكار المشترك للغذاء والتغذية، والمؤسسة الهولندية لتطبيق البحوث العلمية الفلاحية، حيث تُمثل هذه الجامعات والمعاهد البحثية سر نجاح هولندا في صياغة استراتيجية بحثية متقدمة لتعزيز الابتكار في المجال الفلاحي، حيث تُعد هولندا من أبرز الدول التي تنمي روح ريادة الأعمال لدعم الإنتاجية والتوسع الزراعي. وحسب تقارير إعلامية متعددة، تُعد روح المبادرة التي يتمتع بها الشعب الهولندي أحد أهم عوامل ازدهار البلاد، فالتعليم الهولندي يتميز بجودته العالية، ما يثمر عن خريجين ذوي مهارات متميزة، قادرين على التفكير الإبداعي وخارج الصندوق، وهذا ما يفسر وجود العديد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الفلاحية التي تقدم حلولا مبتكرة وذكية، والتي تصدرت المشهد العالمي. وبفضل جهود جامعة 'فاجينينجن-Wageningen '، نشأت مجموعة واسعة من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الفلاحية، إضافة إلى مزارع تجريبية متطورة، وتأسس ما يُعرف بـ'وادي الغذاء' Food Valley، الذي يحاكي فكرة 'وادي السيليكون' في كاليفورنيا كمركز ابتكار تكنولوجي. ومن النجاحات البحثية لمركز 'فاجينينجن-Wageningen' ابتكار طريقة فلاحية بديلة للتربة تسهل وصول المغذيات بكفاءة أعلى، باستخدام نموذج للتربة يعتمد على قشرة جوز الهند والصوف الصخري الذي يمنع الفطريات من الإضرار بالمحاصيل، كما طورت الجامعة تقنيات جديدة لزراعة الموز في البيوت الزجاجية، وأجرت أبحاثا على أنماط رعي جديدة، بالإضافة إلى تطوير معايير فلاحية متقدمة لمنتجي الألبان داخل هولندا وخارجها. الكثافة الفلاحية من خلال الهندسة المعمارية يقول موقع Arch Daily في مقالة له بعنوان 'How the Dutch use architecture to feed the world?'، 'كيف يستخدم الهولنديّون الهندسة المعمارية لإطعام العالم؟'، بأنّ سرّ نجاح هولندا يكمن في استخدام الابتكار العلمي والمعماري لإعادة تصوّر الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه المشهد الفلاحي. ويذكر ذات الموقع أنّ الطريقة التي تستخدم بها هولندا الهندسة المعمارية لإطعام العالم تُرى بشكل أفضل من الأعلى، في صور مثل سلسلة البيوت الزجاجية لحقول ' توم هيجينز- Hegen's Tom '، حيث تبرز الفلاحة الهولندية من خلال مناظر طبيعية شاسعة من البيوت الزجاجية، بعضها يغطي 70 هكتارا، وتُهيمن على المشهد المعماري لجنوب هولندا، أين تُغطي البيوت الزجاجية في هولندا مساحة تُقدَّر بحوالي 10,305 هكتار في عام 2023، أي ما يعادل أكثر من 103 كيلومترات مربعة، وهي مساحة تفوق جزيرة مانهاتن، وذلك وفقا لبيانات مكتب الإحصاء المركزي الهولندي ((CBS. وتقوم هولندا باستخدام الهندسة المعمارية لتحقيق الكثافة الفلاحية من خلال الفلاحة العمودية، التي تقترب من إحداث ثورة في المجال الفلاحي، وقد حفّزت المساحة الضئيلة التي تملكها هولندا من الأراضي الصالحة للاستغلال التوجه نحو استخدام حلول ابتكارية عبر توظيف الهندسة المعمارية، وإقامة فلاحة متعدّدة الطوابق يُطلق عليها الفلاحة الزجاجية أو ناطحات السحاب الفلاحية، حيث تُزرع شتلات في طوابق دون تُراب، وتُضاء بإضاءة اصطناعية باستخدام جهاز زراعة ضوئي، وتُسقى بترشيح المياه وتُرعى بواسطة الروبوتات. وحول مستقبل الفلاحة العمودية التي طبّقها الهولنديّون، فإنها أعطت نتائج مذهلة في عديد الدول بأمريكا وآسيا، وقالت في هذا الصدد صحيفة دير شبيغل الألمانية عن الفلاح الكوري الجنوبي 'تشوي كيو هونغ'، الذي بدأ في تجسيد الفلاحة العمودية، إنه قد يجد نفسه ذات يوم في حديقة خضار في الطابق الخامس والستين بإحدى ناطحات السحاب، لكن حُلمه بقطف الخضار على ارتفاع 200 متر لم يُبصر النور حتى اليوم إلا من خلال مئات التصاميم الهندسية. وحسب تقديرات الباحث ثيودور كوبلوف، رئيس شركة 'سن ووركز'، فإنّ الفلاحة الزجاجية المرتفعة لأعالي السحاب ستختصر الكثير من المساحات المطلوبة لزراعة المحاصيل، وتوفّر ما يكفي من الشمس والهواء للنباتات، ولا تستهلك سوى 10 بالمائة من كميات المياه التي تستهلكها الفلاحة التقليدية. ويمكن لمبنى زجاجي عال أن يُقلّص المساحة اللازمة لإنتاج نفس كمية المحاصيل إلى حدود 5 بالمائة فقط، وتحدّث كوبلوف عن حقيقة علمية مفادها أنّ المحاصيل تنمو وتنضج في الأحواض الزجاجية أسرع ممّا تنمو على الأرض، ومن المتوقع أن تُقلّل الفلاحة العمودية من تكاليف النقل من الريف إلى المدن، وأن تؤدي بالتالي إلى خفض أسعار المحاصيل. وفي تجسيد عملي نموذجي لهاته الفكرة بهولندا، ذكر تقرير دير شبيغل أنّ باكورة إنتاج مزرعة عمودية قد نزلت إلى الأسواق بالفعل، مُتمثلة في منتجات شركة 'PlantLab'، التي يصل عمرها إلى عشر سنوات، وتقع في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة 'دن بوش' الجنوبية، حيث وفّرت محاصيل متنوّعة، من نباتات الزينة والورود إلى عديد الأنواع من الخضر والفواكه المطلوبة في السوق، مثل الفراولة، الفاصولياء 'اللوبيا'، الخيار، والذرة. ويذكر غيرتيان مويوس، وهو مشرف على المزرعة العمودية التي تعمل على تطوير أحدث نموذج لدفيئة زجاجية بشركة ''PlantLab، أنهم لا يستخدمون أشعة الشمس مُطلقا، وبالرغم من ذلك، نجحوا في إنتاج محصول يفوق ما تنتجه دفيئة تقليدية بثلاثة أضعاف، فضلا عن ذلك، قال مويوس إنّ ''PlantLabتحتاج إلى كمية مياه أقل بنحو 90 بالمائة، مقارنة بغيرها من المزارع. وتتطوّر هذه الأفكار والابتكارات تدريجيّا نظرا إلى أنّ هولندا دولة تفتقر إلى الأراضي، إلا أنها تملك كل التقنيات الضرورية في المجال الفلاحي، وتبدو المكان الأمثل لتجسيد أكبر قدر ممكن من الفلاحة العمودية، التي تقوم فكرتها الأساسية على الفلاحة في المدن، وعلى سطوح المنازل وناطحات السحاب الزجاجية، وهو ما يحدث في المدن الهولندية بشكل مستمر ودوري. وتتوسّع مساحة الفلاحة خارج هولندا نظرا لقلة أراضيها، حيث تتمدّد بعض الشركات الهولندية من خلال كراء مساحات فلاحية في بلدان أخرى في إطار الاستثمار، وتبرز شركة ' Green Park ' كأحد أبرز الناشطين في هذا التوجه، حيث تقوم دوريا بشحن منتجاتها الفلاحية من مزارعها الكثيرة في عدة بلدان لترسو بميناء روتردام، أين يتم تعبئتها، ثم نقلها إلى مختلف الأسواق العالمية. الفلاحة بلغة العلوم والتكنولوجيا تُجسّد الفلاحة في هولندا نموذجا مستقبليا في كيفية تسيير القطاع الفلاحي في الأراضي المنخفضة، من خلال توظيف المعرفة العلمية، والتقنيات التكنولوجية، والذكاء الاصطناعي، لتنفيذ مشاريع أكثر فاعلية وإنتاجية، وتعتمد هولندا على تحديث دوري لأساليب العمل الفلاحي، من خلال استثمار كبير في البحث والتطوير. فقد أنفقت الشركات الهولندية ما بين 728 و864 مليون دولار على البحث والتطوير، وفق ما أورده موقع DutchReview في مقال بالإنجليزية بعنوان الفلاحة من أجل المستقبل: لماذا تُعد هولندا ثاني أكبر مصدر للغذاء في العالم؟ Farming for the Future : Why the Netherlands is the Second Largest Food Exporter in the World ? وأشار كاتب المقال، 'جوسي رينتول'، المقيم في أمستردام، إلى أن ما وصلت إليه هولندا هو نتيجة عقود من البحث والابتكار المتواصل، حتى أن الفلاحة فيها في عام 2020 بدت كما لو أنها تنتمي إلى عام 3019، بفضل مستوى التقدم المحقق. ورغم كون ربع أراضي هولندا يقع تحت سطح البحر، وأكثر من خمس مساحتها مغطاة بمياه البحر أو البحيرات، مما يجعلها عرضة للغرق، فإن البلاد نجحت في تجاوز أزمة المناخ والتهديدات الطبيعية التي تواجه الأراضي المنخفضة، وقد مكّنها الابتكار من تطوير فلاحة لا تخضع لدورات المواسم التقليدية، بل تُمارس على مدار السنة، اعتمادا على بيئة محكمة باستخدام التكنولوجيا الذكية. كما نجحت هولندا في تطوير أساليب فعالة لتغذية النباتات بالمواد العضوية، واستخدام أفضل التقنيات الذكية لترشيد استهلاك المياه، ما منحها إنتاجية عالية باستخدام موارد أقل. وفي تقرير آخر لموقع ThoughtCo بعنوان كيف استعادت هولندا الأرض من البحر؟، (How the Netherlands Reclaimed Land from the Sea? ) استعرض كيف واجه الهولنديون، على مدار قرون، تقدم مياه البحر عبر بناء السدود وشبكات القنوات، إلا أن فيضانا مدمّرا ضرب البلاد سنة 1953، وأسفر عن مقتل الآلاف وتدمير المحاصيل والثروة الحيوانية، ما دفع الحكومة إلى إطلاق أكبر مشروع هندسي لحماية البلاد من البحر. تمثّل هذا المشروع في إنشاء 'درع حماية بحر الشمال' (Delta Works)، الذي ضمّ سدودا ضخمة وحواجز لمجابهة العواصف البحرية، إلى جانب شبكة معقدة من الممرات المائية والبوابات للتحكم في تدفّق المياه، وقد اعتُبر هذا المشروع من عجائب الدنيا السبع في العالم الحديث، بحسب الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، وبفضله، تمكّنت هولندا سنة 1986 من استرجاع مساحة كبيرة من البحر أُطلق عليها اسم فليفولاند. وفي السياق ذاته، قام الهولنديون بتجفيف المستنقعات باستخدام المضخات والقنوات، لتهيئتها للسكن والفلاحة، وهو ما تم بفضل الاستغلال الأمثل للبحوث العلمية والأكاديمية والتقنيات الهندسية الحديثة. الفلاحة الدفيئة.. عندما تحوّل هولندا القيود المناخية إلى فرص إنتاجية لم تكن هولندا، هذا البلد الصغير من حيث المساحة، والفلاحي من حيث التوجّه، مرشحا لأن يُصبح من أهم مصدّري المنتجات الفلاحية في أوروبا والعالم، فقد كان من غير المتوقّع أن تُصدّر يوما منتجات كالطماطم والخيار وغيرها من الخضروات التي تتطلب مناخا معتدلا، نظرا لرياح المياه الباردة القادمة من القطب الشمالي، والذي يبعد عنها بنحو 1600 كيلومتر فقط. وتفتقر هولندا إلى سلاسل جبلية تحصر الهواء البارد وتحمي الأراضي من التيارات القادمة من المحيط الأطلسي، مما يجعل درجات الحرارة تنخفض شتاء إلى حدود 3 درجات مئوية، ولا تتجاوز صيفا في المتوسط 17 درجة، فضلا عن التساقطات المطرية الغزيرة، وهي ظروف لا تسمح بوفرة الإنتاج الفلاحي في بيئة طبيعية. لكن كيف حوّلت هولندا هذه المعوقات المناخية إلى ميزة استراتيجية جعلتها من أبرز موردي المحاصيل الفلاحية في العالم؟ وفق تقارير صحفية متخصصة، أصبحت مشاهد البيوت الزجاجية (الدفيئات) مألوفة في الأرياف الهولندية، حيث تمتد على مساحات شاسعة تشبه محيطات من المرايا تحت أشعة الشمس، وتتوهّج ليلا بإضاءات صناعية، مشكلة منظومة متكاملة للفلاحة الدفيئة، كما تغطي بعض هذه الدفيئات ما يزيد عن 70 هكتارا، ضمن مشروع فلاحي متقدّم يرتكز على أنظمة مبتكرة. وقد قادت هولندا خلال العقود الماضية عملية إصلاح فلاحي شامل، أبرز تجلياته ما يُعرف بالفلاحة المغلقة أو الدفيئة، حيث تقع أكبر منشآت الفلاحة الدفيئة الأوروبية قرب مدينة فنلو (Venlo) ، وقد أُقيم هناك مجمع بحثي متطور يُعنى بتطوير البستنة المستقبلية دون الاعتماد على ضوء الشمس الطبيعي، وذلك داخل بيئة اصطناعية تُزرع فيها الخضروات مثل الخس والفلفل الأحمر، إضافة إلى أعشاب تنمو في محلول غني بالمواد المغذية. من جهة أخرى، يعتمد الفلاحون الهولنديون على تقنيات الزراعة المائية والطاقة الحرارية الأرضية، لتوفير إنتاجية عالية مع استهلاك منخفض للموارد، حتى في المناطق المنخفضة عن سطح البحر، وذلك باستخدام أسطح زجاجية مضيئة. وكنموذج فعّال على نجاعة هذه المنظومة، تستهلك البيوت الزجاجية الهولندية حوالي 16 لترا فقط من الماء لإنتاج 1 كلغ من الطماطم، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ حوالي 100 لتر لنفس الكمية، وقد تحسّنت المردودية بشكل لافت بفضل التحكم الدقيق في البيئة الداخلية، التي توفر مستويات محسوبة من الحرارة والرطوبة، وتقلّل من خطر التلوث، دون حاجة إلى المبيدات الحشرية. الأتمتة والمكننة في خدمة الإنتاجية نجحت هولندا في دمج الأتمتة – (تشغيل آلي) 'Automation' والمكننة (استعمال الآلات)Mechanization في القطاع الزراعي بعد عقود من الابتكار والعمل الجاد، حيث باتت تقنيات الزراعة هناك تُحاكي المستقبل، بعدما تمكّنت من تحقيق معجزة زراعية فارقة بامتياز، خصوصا إذا ما قورنت بدول تملك مساحات شاسعة لكنها لم تفلح بعد في استغلالها بشكل ذكي وفعّال لتحقيق أمنها الغذائي. وتنقل مجلة ناشيونال جيوغرافيك في تقرير ميداني حالةً رمزية من هذه الديناميكية، رصدتها في حقل بطاطس قرب الحدود الهولندية–البلجيكية، حيث كان المزارع الهولندي 'جاكوب فان دين بورن' جالسا داخل مقصورة حصادة عملاقة، أمام لوحة تحكّم تُشبه تلك التي نراها في سفينة الفضاء الخيالية 'إنتربرايز – Enterprise'. ويسترسل التقرير في وصف المشهد: مقعد جاكوب يرتفع ثلاثة أمتار عن الأرض، ومنه كان يتحكّم في آلتين متزامنتين – جرار ذاتي القيادة يجوب الحقول، ومروحية رباعية الشفرات من دون طيار تحلّق في السماء – حيث يزودانه بمعلومات دقيقة حول تركيبة التربة الكيميائية، ونسبة الرطوبة، ومحتوى العناصر الغذائية، إضافة إلى مراقبة وتيرة النمو وتقدير تطوّر كل نبتة بطاطس على حدة. ويعكس حجم إنتاج فان دين بورن فعالية ما يُعرف بـ'الزراعة الدقيقة'، إذ يبلغ مردود الهكتار الواحد في حقوله أكثر من 47 طنا، مقارنة بمتوسط عالمي لا يتجاوز 20 طنا للهكتار. ويضيف التقرير أن ما يُضاعف من وقع هذا الإنجاز هو كلفة الإنتاج، فمنذ عقدين، التزمت هولندا على المستوى الوطني بتحقيق زراعة مستدامة تحت شعار: 'ضعف الغذاء بنصف الموارد'، ومنذ سنة 2000، تمكّن فان دين بورن وكثير من الفلاحين من تقليص استهلاك المياه في ريّ المحاصيل الأساسية بنسبة 90 بالمائة، وهم اليوم على مقربة من الاستغناء الكامل عن المبيدات الكيميائية داخل البيوت الزجاجية، كما نجح منتجو اللحوم والدواجن في تقليص استخدام المضادات الحيوية بنسبة 60 بالمائة منذ عام 2009. وبفضل اعتماد الأتمتة والمكننة، مهّدت هولندا الطريق أمام تكامل واسع بين التكنولوجيا الحديثة والقطاع الزراعي، حيث باتت تضم أكثر من 5300 شركة تنشط في هذا المجال، من بينها 12 شركة تُعد من بين أكبر المؤسسات الزراعية والغذائية في العالم. الزراعة الرقمية نظرا لأن الأتمتة والميّكنة لا تحدث من تلقاء نفسها، فإن هولندا تعمل على تحديث أساليب الزراعة من خلال تبني تقنيات ذكية ومتقدمة تهدف إلى تعزيز الإنتاجية في القطاع الزراعي، تشمل هذه التقنيات الرقمنة والذكاء الاصطناعي وأنظمة إنترنت الأشياء، حيث تُستخدم لجمع وتحليل بيانات النظم البيئية لدعم اتخاذ القرار وتوفير المعلومات والخدمات للمزارعين في الوقت المناسب. كانت الزراعة في السابق تعتمد بشكل كبير على الظروف الطبيعية، فلم يكن من الممكن مثلا زراعة محاصيل تحتاج إلى حرارة عالية في مناطق باردة، والعكس صحيح، لكن مع التطور العلمي والتقني، ظهر مفهوم الزراعة المحمية أو الزراعة الدفيئية، التي تسمح بالتحكم الدقيق في الظروف البيئية مثل الحرارة والرطوبة والإضاءة، معززة بتقنيات الرقمنة، مما مكّن من تكييف البيئة الزراعية حسب متطلبات المحاصيل. وتستثمر شركات كبرى مبالغ ضخمة في تطوير تقنيات متقدمة تهدف إلى الزراعة التكنولوجية الرقمية، التي توفر إنتاج أصناف غذائية متنوعة على مدار السنة، بغض النظر عن التغيرات المناخية، ويتميز هذا التوجه بإيجابيته البيئية، إذ يساهم في تقليل الانبعاثات الغازية الضارة الناتجة عن الزراعة التقليدية، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين. فيما تُعد أجهزة الاستشعار الدقيقة وأنظمة الري الذكي المبرمجة من التقنيات الأساسية التي توفر للمزارعين بيانات دقيقة تساعد في ترشيد استخدام المياه والموارد، وذلك بالاعتماد على الحوسبة السحابية والتطبيقات الذكية التي تقدّم توصيات مخصصة للري واستخدام المبيدات والأسمدة، مما يحسن من جودة المحاصيل ويزيد من كميتها مع تقليل التكاليف. ووفقا لتقرير البنك الدولي، يُعتبر تحسين كفاءة نظم الغذاء أمرا حيويا لضمان تغذية أكثر من 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050 بطريقة مستدامة، مع زيادة دخل المزارعين وحمايتهم من آثار تغير المناخ. ويشير التقرير إلى أن التقنيات الرقمية المتقدمة مثل الزراعة الدقيقة، وتقنيات تعديل الجينات، والحماية البيولوجية للمحاصيل، بالإضافة إلى أنظمة سلسلة التوريد الذكية التي تتيح تتبع المنتجات من المزرعة إلى المستهلك، يمكن أن تحقق تأثيرات إيجابية كبيرة عبر سلاسل القيمة الغذائية. الزراعة الصحية قدّم الهولنديون التزاما وطنيا راسخا تجاه نموذج جديد للفلاحة المستدامة، حيث تمكنوا من القضاء على استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية داخل البيوت الزجاجية، وتقليل استخدام المضادات الحيوية بنسبة تزيد عن 60 بالمائة منذ عام 2009، ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى توفير غذاء صحي وآمن، وتصدر هولندا منتجات غذائية مثل الألبان والبيض واللحوم والخضروات، حيث يتميز حوالي 90 بالمائة من هذه المنتجات بأنها خالية أو ذات آثار ضئيلة جدا من المبيدات الكيميائية. وفق تقرير لوكالة رويترز عام 2014 نقلا عن منظمة أوكسفام الدولية للإغاثة والتنمية، تفوقت هولندا على دول أوروبية كبرى مثل فرنسا وسويسرا من حيث وفرة الأغذية الصحية، واحتلت المركز الأول عالميًا في هذا المجال، بينما تخلّفت الولايات المتحدة واليابان عن دخول قائمة أفضل عشرين دولة، وجاءت دول مثل تشاد في ذيل القائمة التي ضمت 125 دولة، بعد إثيوبيا وأنغولا. وقالت كبيرة الباحثين في أوكسفام، ديبورا هاردون، في مقابلة صحفية مع رويترز، إن هولندا وفرت سوقا غذائية متوازنة ومستقرة من حيث الأسعار، مع جودة غذائية عالية، الأمر الذي يضمن حصول الناس على طعام صحي بأسعار منخفضة نسبيا مقارنة بمعظم دول العالم، كما أشارت إلى أن توفير الأساسيات الغذائية تم بشكل أكثر فاعلية مقارنة بالدول الأخرى. هولندا أرض الربيع لطالما اشتهر بين الهولنديين مثل شعبي يقول 'بينما خلق الله الأرض، صنع الهولنديون هولندا'، هذه العبارة تجسد المعجزة الفلاحية في بلد محدود المساحة واليد العاملة، يتميز بإنتاجية فلاحية عالية رغم قلة الأراضي المتاحة، حيث لا تشبه هولندا أي دولة فلاحية تقليدية، فهي مزيج من قطع صغيرة من الحقول المتداخلة مع المدن والضواحي، ومع ذلك تحقق تفوقا كبيرا في جودة وكفاءة الإنتاج الزراعي. ويكمن سر التفوق الهولندي في الإنتاجية العالية للمحاصيل وجودة المنتجات، وهو إنجاز لم يكن ليتحقق لولا جهود استصلاح الأراضي المستمرة، وتطبيق البحث العلمي والتكنولوجي الحديث، فقد أدّت هذه العوامل مجتمعة إلى ما يُعرف بالمعجزة الفلاحية الهولندية، حيث تواكب الزراعة التطورات التكنولوجية بشكل مستمر لتبقى من الدول الرائدة عالميا في هذا المجال. ذكاء الزراعة لا مساحة الأرض.. المعجزة الهولندية كنموذج للجزائر تكشف المعجزة الهولندية أن الحلول الفلاحية لا تولد فقط من وفرة الأرض، بل من وفرة الذكاء والمعرفة والتصميم على تجاوز المحن، فالأمن الغذائي ليس قدَرا بل قرار، والابتكار في الزراعة هو خط الدفاع الأول ضد الجوع والتبعية الغذائية، وإذا كانت هولندا قد فعلتها على مساحة لا تتعدى 42 ألف كيلومتر مربع، فإن الجزائر بأراضيها الشاسعة ومواردها البشرية والعلمية تستطيع أن تحوّل الصحراء إلى واحات إنتاج، وأن تكتب قصتها الخاصة والمبهرة في كتاب الأمن الغذائي العالمي. ملاحظة: المقال كتب في 2021 وتم تحينه في 2025.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store