
بشرى الزبيدي: «العلاج النفسي» يزرع الأمل ويداوي الأرواح
#تنمية ذاتية
«بين العواصف التي تهب داخلنا، والسكون الذي نبحث عنه.. تكمن أهمية الصحة النفسية».. بهذه الكلمات، أعربت الإماراتية بشرى الزبيدي، أخصائية علم النفس، عن قيمة الصحة النفسية، التي تعد رحلة مستمرة، تبدأ من داخل الإنسان، وتمتد إلى جوانب حياته كافة. إن شغف الزبيدي بهذا المجال دفعها إلى المشاركة في برنامج علاجي بأبوظبي، حيث اكتشفت تقنيات علاجية مبتكرة، بالتعاون مع فريق عمل يضم أسماء بارزة بمجال العلاج النفسي في الإمارات والعالم. وإلى جانب عملها العلاجي، فهي ملتزمة بدعم وتطوير الكفاءات الإماراتية، فضلاً عن اهتمامها بتنظيم حملات توعوية تطوعية؛ لتوجيه المجتمع نحو فهم أعمق للصحة النفسية، وتشجيع الأفراد على طلب الدعم النفسي بثقة، ودون تردد.. التقتها «زهرة الخليج»؛ للتحدث عن مسيرتها، وما تعلمته خلالها، وأصعب وأسعد اللحظات التي مرت عليها:
بدايةً.. لماذا اخترت مجال علم النفس تخصصاً؟
منذ طفولتي، كان لديَّ فضول مستمر يدفعني إلى التساؤل في محاولة لفهم العالم من حولي بعمق. هذا الطابع الفضولي دفعني إلى اكتشاف تأثير الأفكار والمشاعر في حياتنا، وجعلني أرى في علم النفس فرصة أعمق لفهم طبيعتنا البشرية، واحتياجاتنا النفسية. فعلم النفس لا يقتصر على دراسة الاضطرابات النفسية، كما يعتقد البعض، بل هو علم شامل. فكل إنسان - بغض النظر عن وضعه أو ظروفه - يمكن أن يواجه ضغوطاً نفسية في مراحل حياته. والصحة النفسية كالجسدية تؤثر، بشكل مباشر، في حياتنا اليومية. جاء اختياري علم النفس من إيماني العميق بأن هذا المجال يتيح لي فهم الإنسان بعمق أكبر، لمساعدته في التغلب على تحدياته النفسية. كما أتمكن من تقديم الدعم إلى الأشخاص في مختلف مراحلهم، والعمل على تحسين نوعية حياتهم، وتحقيق توازن نفسي وجسدي لديهم. فالعلاج النفسي - بالنسبة لي - ليس مجرد مهنة، بل هو وسيلة لتحقيق تغيير إيجابي في حياة الآخرين.
خدمة أفضل
هل هناك تحديات واجهتك، خلال مسيرتك؟
نعم، واجهت تحديات عدة خلال مسيرتي المهنية، من أبرزها نشر الوعي بأهمية العلاج النفسي، وشرح مفاهيمه بصورة أفضل وأعمق؛ لتتناسب مع مختلف الفئات المجتمعية. وقد شكلت هذه التحديات دافعاً كبيراً؛ لتطوير نفسي ومهاراتي، فعملت على تعزيز معرفتي المهنية، والتواصل مع زملاء من خلفيات مختلفة لتبادل الخبرات. هذا التفاعل حسن أسلوبي في التعامل مع الحالات المختلفة، ومكنني من تقديم خدمة أفضل للمرضى. وبفضل هذه الجهود، توليت إدارة قسم العلاج النفسي في مرحلة مبكرة من مسيرتي، ما عزز ثقتي بقدرتي على مواجهة التحديات، وتحقيق تغيير إيجابي.
بشرى الزبيدي: «العلاج النفسي» يزرع الأمل ويداوي الأرواح
بشكل شخصي.. ما الذي أضافه إليك مجال عملك؟
أدركت قيمة المثابرة في رحلة التعلم، وأيقنت أن العلاج النفسي لا يقتصر على المرضى، بل يتجاوزهم ليشمل المعالج النفسي ذاته، الذي ينبغي أن يكون واعياً بجوانب قوته، ونقاط ضعفه. ومن هذا المنطلق، جعلت من نفسي ميداناً أطبق فيه عملياً كل ما أقدمه إلى المرضى، ما أفضى - على مدار السنوات - إلى تطورٍ جوهريٍّ في شخصيتي نحو الأفضل. هذا التطور لم يكن مجرد مكسب شخصي، بل انعكس بوضوح على جودة الخدمة العلاجية التي أقدمها، فأصبحت أكثر عمقاً وفاعلية في مساعدة المرضى على تحقيق التغيير المنشود.
خلال مسيرتك المهنية.. ما أصعب الحالات التي قابلتها؟
يمكنني القول بأن أصعب موقف، لنا كمعالجين، يكون عندما نمر بحالة نرى مستقبلها بوضوح. ونُخفي هذه الرؤية عن صاحبها؛ لأنه لا يمتلك رغبة في التغيير. إن أهم جزء في جلسات العلاج النفسي، هو رغبة المريض في العلاج، فمنها ينطلق المعالج في عمله بالتحفيز والتوجيه. تؤلمني رؤية هذه الحالات جداً، لكنني أحترم حدودي كمعالجة في إعطائها المساحة والحرية؛ لاتخاذ القرار، مع التأكيد على وجودي الدائم عند طلب المساعدة.
حدثينا عن أسعد اللحظات، التي مرت بك، خلال تلك المسيرة!
بلا شك، هي اللحظة التي نرى فيها التغيير ينعكس على حياة الناس. يوماً ما، كنت أمر بظروف شخصية صعبة، وكان عليَّ حضور جلسة أسرية مع عائلة أحد المرضى. عندما دخلت الغرفة، فاجأتني والدة المريض بنظرة مليئة بالامتنان، والدموع تملأ عينيها. وقبل أن أنطق بكلمة، اقتربت مني، واحتضنتني بحرارة، وقالت لي، والعَبْرة تخنقها: «شكراً.. أنك أعدتِ ولدنا.. والله ما كنت أتخيل يوم أشوفه بهذه الحال!!». ثم رفعت يديها، وبدأت تدعو لي بصدق. تلك اللحظة كانت أعمق من الكلمات، وعندما عدت إلى مكتبي، ظلت كلماتها ودعواتها ترافقني، وتذكرني بمعنى العمل الذي نقوم به كمعالجين. فقد شعرت، حينها، بأن رسالتنا تتجاوز العلاج، فهي تزرع الأمل، وتداوي الأرواح، وتعيد إلى الحياة نبضها. هذا الإحساس يملأ قلوبنا سعادة ورضا، ويدفعنا إلى مواصلة الطريق بشغف وإيمان لا يتزعزعان.
تجاوز المحنة
ماذا تفعلين؛ حينما تمرين بلحظات مهنية صعبة؟
إن «انتكاسة» مريض الإدمان من أصعب اللحظات، خاصة بعد رحلة طويلة شاهدت خلالها المريض وهو يبذل قصارى جهده؛ لتخطي مرحلة مليئة بالتحديات. ورغم قناعتي القوية بأن العلاج لا يسير دوماً في خط مستقيم، وأن الانتكاسة جزء طبيعي من العملية العلاجية، إلا أنني أظل ملتزمة بتقديم الدعم الكامل إلى المريض، مع إعادة توجيهه وتشجيعه على المضي قدماً لتجاوز هذه المحنة. وأيضاً من اللحظات الصعبة حالات الفقدان، حينما يأتي إليَّ مريض يتحدث عن فقدانه شخصاً عزيزاً؛ فهذه الحالات تبرز التحديات النفسية التي يواجهها المرضى، وتسلط الضوء على دورنا في تقديم دعم نفسي فعال، يساعدهم في التكيف مع الألم، والتعامل مع مشاعر الفقد بشكل صحي، ما يسهم في تعزيز قدرتهم على تخطي هذه الصدمة، والمضي قدماً في عملية التعافي.
كيف ترين حضور المرأة الإماراتية بمجال علم النفس؟
يعد علم النفس مجالاً إنسانياً بامتياز، تتجلى فيه قوة تأثير المرأة الإماراتية، ودورها الحيوي في إحداث الفارق، خاصة في وطننا الغالي (الإمارات)، بمنحنا فرصاً كبيرة للإبداع والتألق في المجالات كافة. هذا التميز ما كان ليحدث لولا الدعم المستمر، والرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، التي وفرت لنا بيئة مثالية، تشجعنا على العطاء، والمساهمة الفاعلة. وتواصل الدولة تعزيز دور المرأة في سوق العمل، مع اهتمام خاص بتطوير مجال علم النفس من خلال برامج تدريبية متخصصة، وفرص تعليمية متقدمة، تساهم في رفع مكانتنا بهذا المجال الحيوي، وتؤكد التزامنا الثابت بتقديم مساهمات نوعية، تعمل على خدمة مجتمعنا، وتنميته المستدامة.
ماذا عن جهودك في نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية؟
مجتمعنا الإماراتي يتميز بثقافته العميقة، وأصالته، وهذا يعزز قدرتي على تحفيز أفراد المجتمع من خلال حملات التوعية التطوعية، التي أشارك فيها، بهدف نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية. كما أعمل على توجيه المجتمع نحو فهم أعمق لهذه القضية، وتشجيع الأفراد على طلب الدعم النفسي عند الحاجة، ما يقلل «الوصمة» المرتبطة بالصحة النفسية. كذلك، أحرص على مد يد العون إلى المتدربات في هذا المجال، وتقديم الإرشاد الأمثل إليهن في بداية مسيرتهن المهنية؛ لتقدم كل واحدة منهن أفضل ما لديها في هذا المجال الحيوي.
ما أحلامك، وطموحاتك؟
أحلامي وطموحاتي ترتكز - بشكل رئيسي - على خدمة وطني، والمساهمة الفعالة في تطوير مجالات العلاج النفسي. وأتمنى أن أكون جزءاً من الجهود الوطنية، التي تسعى لتقديم أعلى مستويات الدعم النفسي للمجتمع، خاصة في ظل الدعم المستمر الذي تقدمه القيادة الرشيدة؛ فاهتمام الدولة المتزايد بمجال الصحة النفسية يعكس رؤية واضحة نحو تحسين رفاهية المواطنين والمقيمين. كما أدرك أن دور المرأة الإماراتية في هذا المجال له تأثير كبير، فهي تتمتع بفرص واسعة للإبداع والتألق في بيئة مشجعة، تتيح لها تقديم أفضل ما لديها لخدمة الوطن، وهو ما أطمح إلى الإسهام فيه، بشغف واحترافية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 3 أيام
- البيان
«تحقيق أمنية» تسعد 5 أطفال بمستشفى الصداقة في عدن
لقد أنجزنا 605 أمنيات في اليمن على مدار الأعوام الماضية، وعودتنا الآن لتحقيق المزيد، ما هو إلا تجسيد حيّ لقناعتنا الراسخة بأن الأمل ليس مُجرد شعور، بل هو طاقة شافية تُنعش الأرواح وتُضيء دروب التعافي في أحلك اللحظات، وفي عام المجتمع 2025، نُجدّد التزامنا بتعزيز هذه القيم الإنسانية النبيلة، وتحويل الدعم المجتمعي إلى واقع يلامس الحياة». واختتم الزبيدي: «فخورون بأن نكون سبباً في ابتسامة هؤلاء الأطفال الخمسة وفي إشراقة أمل لعائلاتهم، وسنواصل سعينا في كل مكان نستطيع الوصول إليه، لأن لكل طفل يُصارع المرض... أمنية تستحق أن تُصان. إن دولة الإمارات، بقيادتها الرشيدة، تؤكّد ريادتها الإنسانية عالمياً».


زهرة الخليج
١١-٠٣-٢٠٢٥
- زهرة الخليج
الصيام رحلة روحية لإعادة اكتشاف الذات
#منوعات في رحلة البحث عن التوازن النفسي، يَبرز الصيام كإحدى أهم التجارب، التي تمنح الإنسان فرصة إعادة ترتيب أولوياته النفسية والجسدية. فليس الصيام مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو رحلة إلى أعماق النفس، حيث يعيد الإنسان ترتيب أولوياته، ويكتشف قوته الحقيقية في مواجهة الرغبات والتحديات.. وللحديث عن هذا الموضوع، حاورنا بشرى الزبيدي، الأخصائية النفسية الإكلينيكية في مركز ستانفورد الطبي، التي سلطت الضوء على الأثر العميق للصيام في بناء الشخصية، وتقوية الانضباط الذاتي، وكيف يكون وسيلة فعّالة لتحسين الحالة المزاجية، وتقليل مستويات القلق، وتعزيز الإحساس بالراحة النفسية. الصيام رحلة روحية لإعادة اكتشاف الذات رحلة إلى أعماق النفس تبدأ الأخصائية النفسية الإكلينيكية، حديثها، بالتأكيد على أن الصيام أكثر من مجرد ممارسة دينية، أو عادة غذائية، فهو نظام نفسي متكامل، يُعيد ضبط العادات الذهنية والعاطفية.. تقول: «عندما نصوم، فإننا لا نُخضع أجسادنا فقط لاختبار الإرادة، بل نمر أيضًا بتجربة نفسية عميقة؛ تجعلنا أكثر وعيًا بذواتنا، وأكثر قدرة على التحكم في مشاعرنا، وسلوكياتنا. فالصيام يمنح الدماغ راحة من الانشغال الدائم بالوجبات اليومية، والروتين المعتاد، ما يسمح للفرد بالتركيز على الجوانب الأهم في حياته، مثل: التأمل الذاتي، وإعادة تقييم العادات، والتخلص من التصرفات غير الصحية». فكيف يساعد الصيام في ضبط النفس؟.. توضح بشرى الزبيدي أن التحكم في الرغبات أحد العناصر الأساسية، التي يطورها الإنسان أثناء الصيام. فحينما يصوم الإنسان، فإنه يمارس فن التحكم في النفس، ويتعلم كيف يؤجل متعة اللحظة؛ ليحصد قوة الإرادة التي تقوده نحو نجاحات أعمق وأطول مدى. وهذه المهارة تُعرف في علم النفس بـ«Delayed Gratification»، وهي مهارة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالنجاح في الحياة، شخصياً ومهنياً. وتضيف الزبيدي: «الصيام فرصة ذهبية؛ لتدريب العقل على التحكم في الرغبات، فكلما زادت قدرة الشخص على الصبر والتحكم في نفسه أثناء الصيام، زادت قدرته على تطبيق ذلك في مواقف أخرى، مثل: مقاومة الانفعالات السريعة، وتنظيم الوقت، واتخاذ قرارات أكثر عقلانية». إرادة.. وصمود الصيام لا يعزز فقط التحكم في الرغبات، بل يعمل أيضًا على تقوية الإرادة، وفقًا للزبيدي، لأن قوة الإرادة ليست مجرد خاصية فطرية يولد بها الإنسان، بل هي مهارة يمكن تطويرها وتنميتها، وتتابع: «عندما يلتزم الإنسان بالصيام يومًا بعد يوم، رغم شعوره بالجوع أو العطش، فإنه يُعيد برمجة عقله على الصمود والتحمل. وهذه القدرة لا تقتصر على الامتناع عن الطعام، بل تمتد إلى جوانب الحياة كافة، حيث يصبح الشخص أكثر قدرة على تحمل التحديات.. نفسية، واجتماعية، وحتى مهنية». عطاء.. وتضامن كيف يمكن للصيام الجماعي أن يعزز الروابط الاجتماعية، ويقلل الشعور بالوحدة؟.. تقول الأخصائية النفسية الإكلينيكية: «في ليالي رمضان المباركة، تظهر صور التآلف والتكافل الاجتماعي السامية، حيث تُنظم (موائد الرحمن) في المساجد والشوارع، وتُوزع وجبات الإفطار على الصائمين والمحتاجين. وهذه الجهود تغذي في نفوسنا روح العطاء والتضامن، وتعيد إلى أذهاننا أجمل الذكريات، التي تشدنا إلى قيمتَي: الإخاء والمودة. في ليالي رمضان، لا نشعر بالوحدة أبدًا، فحتى اللحظات التي نقضيها بمفردنا تحمل في طياتها إحساسًا بالمشاركة والانتماء، وتظهر بها أسمى صور العطاء والتضامن، فتارة ندعو شخصاً إلى الإفطار، أو نُدعى إلى بيت آخر، ما يبدد مشاعر العزلة بلمسة من الحب والدعم».. وتضيف: «اللقاءات المجتمعية، والأنشطة الجماعية، التي تشكل جزءًا من التقاليد الرمضانية أيضاً، فرص حقيقية للتواصل لكل من يشعر بالوحدة. ففي رمضان، يجمعنا الصيام خلال لحظات تُوقظ في قلوبنا شعورًا عميقًا بالانتماء، حيث يملأ دفء الشهر الفضيل الأرواح بنور المحبة والعطاء. وفيه، أيضاً، تشرق الابتسامات على الوجوه مع لمسة من الجمال والرحمة، ما يجعل كل لحظة احتفاءً حقيقياً بالتواصل، والتآلف». تأثير بيولوجي لا تنتهي فوائد الصيام عند المستوى النفسي فقط، بل تمتد إلى التغيرات الكيميائية في الدماغ. وتشرح بشرى الزبيدي، قائلة: «أثناء الصيام، يقل إفراز هرمون التوتر (الكورتيزول)؛ ما يساعد على تهدئة الجهاز العصبي، وتقليل مشاعر القلق. في المقابل، يزداد إفراز هرمونات السعادة، مثل: (السيروتونين، والإندورفين)؛ ما يُشعر الصائم بالرضا، والراحة النفسية. كما أن الصيام يُحفز عملية (الالتهام الذاتي) Autophagy، وهي عملية بيولوجية تعمل على تنظيف الخلايا العصبية، وتعزيز صحة الدماغ، ما يساعد في تحسين التفكير والتركيز، ويمنح الإنسان شعورًا بالصفاء الذهني». الصيام رحلة روحية لإعادة اكتشاف الذات تحقيق التوازن وللاستفادة من الصيام دون الشعور بالإرهاق أو الضغط النفسي، من المهم مراعاة احتياجاتنا العاطفية والجسدية، وتؤكد الزبيدي أنه يمكن تحقيق ذلك، من خلال: • إدارة طاقتنا بحكمة: عبر أخذ فترات راحة كافية، وتجنب تحميل أنفسنا فوق طاقتها؛ للحفاظ على مستوى متوازن من النشاط طوال اليوم. • تبني نهج مرن في العمل والالتزامات اليومية: من خلال تقليل المهام غير الضرورية، أو التي قد تسبب ضغطًا إضافيًا. • ممارسة اللطف مع أنفسنا: الشعور بالتعب أمر طبيعي، لكن الأهم هو كيفية التعامل معه بلطف، عبر منح أنفسنا المساحة والوقت اللازمين للاستراحة، وإعادة الشحن. اضطرابات نفسية رغم الفوائد المتعددة للصيام، توضح الأخصائية النفسية الإكلينيكية أن بعض الحالات النفسية الحادة، قد تتطلب استشارة طبية قبل بدء الصيام؛ لأن التغيرات البيولوجية الناتجة عن الصيام قد تؤثر في كيمياء الدماغ لدى بعض المرضى، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض في بعض الحالات.. فمَن الذين تجب عليهم مراجعة متخصص قبل الصيام؟.. هؤلاء الأشخاص هم: - الذين يعانون «اضطراب الاكتئاب الحاد»: فقد يؤدي الصيام إلى تغيرات في المزاج، تحتاج إلى متابعة دقيقة. - الذين يعانون «اضطراب القلق العام»: لأن الامتناع عن الطعام قد يزيد مستويات القلق لدى بعض الأشخاص. - مرضى اضطرابات الأكل، مثل: فقدان الشهية العصبي أو الشره المَرَضي، فقد يؤثر الصيام سلبًا في علاقتهم بالطعام. استثمار الصيام كيف يمتد تأثير الصيام إلى ما بعد رمضان؟.. تؤكد بشرى الزبيدي أن الصيام ليس تجربة مؤقتة، بل خبرة يمكننا أن نحملها معنا طوال العام وفرصة لتبني نمط حياة أكثر انتظامًا، حيث يصبح الانضباط عادة، والصبر قوة، والتأمل وسيلة لإعادة التوازن إلى حياتنا. وتوضح: «القدرة على ضبط النفس، خلال رمضان، يمكن أن تكون نقطة انطلاق؛ لتطوير نمط حياة أكثر انتظامًا. ويمكن تطبيق مبادئ الانضباط الذاتي - المكتسبة من الصيام - في تحسين إدارة الوقت، وتقليل العادات غير الصحية، والتحكم في الانفعالات بشكل أكثر حكمة». وتنصح بكتابة الأهداف الشخصية، التي اكتسبها الفرد خلال الصيام، والعمل على تطبيقها بشكل تدريجي، بعد انتهاء الشهر الفضيل. على سبيل المثال، إذا كان الصيام قد ساعد في تقليل استخدام الهاتف، أو تحسين العادات الغذائية، فمن الأفضل الاستمرار في هذه التعديلات؛ لتصبح نمط حياة دائمًا. الصيام رحلة روحية لإعادة اكتشاف الذات سلام داخلي في الختام، تؤكد الأخصائية النفسية الإكلينيكية، بشرى الزبيدي، أن الصيام ليس مجرد طقس ديني أو ممارسات غذائية، بل هو رحلة متكاملة نحو تحقيق التوازن النفسي، وتعزيز القدرة على التحكم في المشاعر، وتحقيق السلام الداخلي. فعندما نصوم بطريقة متوازنة، يصبح الصيام أداة فعالة لدعم الصحة النفسية، وتعزيز القوة الداخلية، والتعامل مع تحديات الحياة بأسلوب أكثر هدوءًا وإيجابية.. تقول: «الصيام يُعيد الإنسان إلى فطرته، ويجعله أكثر وعيًا بما يحتاج إليه فعلًا، وأقل انشغالًا بما هو غير ضروري. ومن خلال التحكم في الرغبات، وتعزيز الإرادة، وتطوير القدرة على الصبر، يصبح الصيام تجربة شاملة، تساعد الفرد على عيش حالة من الاتزان النفسي، والروحي». وتضيف: «في النهاية، الصيام ليس فترة زمنية محددة، بل نظام نفسي عميق، يتيح للإنسان اكتشاف قدراته الحقيقية على التحكم في النفس، والصمود أمام التحديات، وإعادة تشكيل عاداته اليومية. وإذا تم استثماره بشكل صحيح، فإنه لا يعزز فقط الصحة النفسية، بل يمتد تأثيره ليجعل الإنسان أكثر قوة ووعيًا بمختلف جوانب حياته». نصائح.. وتوصيات 1. ممارسة الهدوء الداخلي: الصيام فرصة ثمينة للتهدئة الداخلية، حيث يمنحنا مساحة للتأمل والاسترخاء، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية. ومن المهم استغلال هذا الوقت للتفكير في أهدافنا، وتقييم مشاعرنا بوعي؛ ما يساعدنا في تعزيز توازننا النفسي، والعاطفي. 2. التركيز على الامتنان والتقبل: خلال الصيام، قد نمر بلحظات من التحدي، لكنها - في جوهرها - فرصة لتقدير النعم التي قد نغفلها في زحمة الحياة. وممارسة الامتنان، بانتظام، تعزز لدينا مشاعر الرضا والسلام الداخلي، ما ينعكس إيجابيًا على صحتنا النفسية، وعلاقاتنا بالآخرين. 3. الاستفادة من الطاقة الذهنية المتجددة: فترات الصيام، غالبًا، تكون مصحوبة بوضوح ذهني، وصفاء فكري؛ ما يجعلها وقتًا مثاليًا لممارسة الأنشطة، التي تتطلب تركيزًا وإبداعًا، مثل: القراءة، والكتابة، والتخطيط للمستقبل؛ فعندما يكون الذهن أكثر نقاءً وتركيزًا؛ يصبح الإبداع أكثر انسيابية، وتكون القرارات أكثر حكمة.


زهرة الخليج
٢٦-٠١-٢٠٢٥
- زهرة الخليج
بشرى الزبيدي: «العلاج النفسي» يزرع الأمل ويداوي الأرواح
#تنمية ذاتية «بين العواصف التي تهب داخلنا، والسكون الذي نبحث عنه.. تكمن أهمية الصحة النفسية».. بهذه الكلمات، أعربت الإماراتية بشرى الزبيدي، أخصائية علم النفس، عن قيمة الصحة النفسية، التي تعد رحلة مستمرة، تبدأ من داخل الإنسان، وتمتد إلى جوانب حياته كافة. إن شغف الزبيدي بهذا المجال دفعها إلى المشاركة في برنامج علاجي بأبوظبي، حيث اكتشفت تقنيات علاجية مبتكرة، بالتعاون مع فريق عمل يضم أسماء بارزة بمجال العلاج النفسي في الإمارات والعالم. وإلى جانب عملها العلاجي، فهي ملتزمة بدعم وتطوير الكفاءات الإماراتية، فضلاً عن اهتمامها بتنظيم حملات توعوية تطوعية؛ لتوجيه المجتمع نحو فهم أعمق للصحة النفسية، وتشجيع الأفراد على طلب الدعم النفسي بثقة، ودون تردد.. التقتها «زهرة الخليج»؛ للتحدث عن مسيرتها، وما تعلمته خلالها، وأصعب وأسعد اللحظات التي مرت عليها: بدايةً.. لماذا اخترت مجال علم النفس تخصصاً؟ منذ طفولتي، كان لديَّ فضول مستمر يدفعني إلى التساؤل في محاولة لفهم العالم من حولي بعمق. هذا الطابع الفضولي دفعني إلى اكتشاف تأثير الأفكار والمشاعر في حياتنا، وجعلني أرى في علم النفس فرصة أعمق لفهم طبيعتنا البشرية، واحتياجاتنا النفسية. فعلم النفس لا يقتصر على دراسة الاضطرابات النفسية، كما يعتقد البعض، بل هو علم شامل. فكل إنسان - بغض النظر عن وضعه أو ظروفه - يمكن أن يواجه ضغوطاً نفسية في مراحل حياته. والصحة النفسية كالجسدية تؤثر، بشكل مباشر، في حياتنا اليومية. جاء اختياري علم النفس من إيماني العميق بأن هذا المجال يتيح لي فهم الإنسان بعمق أكبر، لمساعدته في التغلب على تحدياته النفسية. كما أتمكن من تقديم الدعم إلى الأشخاص في مختلف مراحلهم، والعمل على تحسين نوعية حياتهم، وتحقيق توازن نفسي وجسدي لديهم. فالعلاج النفسي - بالنسبة لي - ليس مجرد مهنة، بل هو وسيلة لتحقيق تغيير إيجابي في حياة الآخرين. خدمة أفضل هل هناك تحديات واجهتك، خلال مسيرتك؟ نعم، واجهت تحديات عدة خلال مسيرتي المهنية، من أبرزها نشر الوعي بأهمية العلاج النفسي، وشرح مفاهيمه بصورة أفضل وأعمق؛ لتتناسب مع مختلف الفئات المجتمعية. وقد شكلت هذه التحديات دافعاً كبيراً؛ لتطوير نفسي ومهاراتي، فعملت على تعزيز معرفتي المهنية، والتواصل مع زملاء من خلفيات مختلفة لتبادل الخبرات. هذا التفاعل حسن أسلوبي في التعامل مع الحالات المختلفة، ومكنني من تقديم خدمة أفضل للمرضى. وبفضل هذه الجهود، توليت إدارة قسم العلاج النفسي في مرحلة مبكرة من مسيرتي، ما عزز ثقتي بقدرتي على مواجهة التحديات، وتحقيق تغيير إيجابي. بشرى الزبيدي: «العلاج النفسي» يزرع الأمل ويداوي الأرواح بشكل شخصي.. ما الذي أضافه إليك مجال عملك؟ أدركت قيمة المثابرة في رحلة التعلم، وأيقنت أن العلاج النفسي لا يقتصر على المرضى، بل يتجاوزهم ليشمل المعالج النفسي ذاته، الذي ينبغي أن يكون واعياً بجوانب قوته، ونقاط ضعفه. ومن هذا المنطلق، جعلت من نفسي ميداناً أطبق فيه عملياً كل ما أقدمه إلى المرضى، ما أفضى - على مدار السنوات - إلى تطورٍ جوهريٍّ في شخصيتي نحو الأفضل. هذا التطور لم يكن مجرد مكسب شخصي، بل انعكس بوضوح على جودة الخدمة العلاجية التي أقدمها، فأصبحت أكثر عمقاً وفاعلية في مساعدة المرضى على تحقيق التغيير المنشود. خلال مسيرتك المهنية.. ما أصعب الحالات التي قابلتها؟ يمكنني القول بأن أصعب موقف، لنا كمعالجين، يكون عندما نمر بحالة نرى مستقبلها بوضوح. ونُخفي هذه الرؤية عن صاحبها؛ لأنه لا يمتلك رغبة في التغيير. إن أهم جزء في جلسات العلاج النفسي، هو رغبة المريض في العلاج، فمنها ينطلق المعالج في عمله بالتحفيز والتوجيه. تؤلمني رؤية هذه الحالات جداً، لكنني أحترم حدودي كمعالجة في إعطائها المساحة والحرية؛ لاتخاذ القرار، مع التأكيد على وجودي الدائم عند طلب المساعدة. حدثينا عن أسعد اللحظات، التي مرت بك، خلال تلك المسيرة! بلا شك، هي اللحظة التي نرى فيها التغيير ينعكس على حياة الناس. يوماً ما، كنت أمر بظروف شخصية صعبة، وكان عليَّ حضور جلسة أسرية مع عائلة أحد المرضى. عندما دخلت الغرفة، فاجأتني والدة المريض بنظرة مليئة بالامتنان، والدموع تملأ عينيها. وقبل أن أنطق بكلمة، اقتربت مني، واحتضنتني بحرارة، وقالت لي، والعَبْرة تخنقها: «شكراً.. أنك أعدتِ ولدنا.. والله ما كنت أتخيل يوم أشوفه بهذه الحال!!». ثم رفعت يديها، وبدأت تدعو لي بصدق. تلك اللحظة كانت أعمق من الكلمات، وعندما عدت إلى مكتبي، ظلت كلماتها ودعواتها ترافقني، وتذكرني بمعنى العمل الذي نقوم به كمعالجين. فقد شعرت، حينها، بأن رسالتنا تتجاوز العلاج، فهي تزرع الأمل، وتداوي الأرواح، وتعيد إلى الحياة نبضها. هذا الإحساس يملأ قلوبنا سعادة ورضا، ويدفعنا إلى مواصلة الطريق بشغف وإيمان لا يتزعزعان. تجاوز المحنة ماذا تفعلين؛ حينما تمرين بلحظات مهنية صعبة؟ إن «انتكاسة» مريض الإدمان من أصعب اللحظات، خاصة بعد رحلة طويلة شاهدت خلالها المريض وهو يبذل قصارى جهده؛ لتخطي مرحلة مليئة بالتحديات. ورغم قناعتي القوية بأن العلاج لا يسير دوماً في خط مستقيم، وأن الانتكاسة جزء طبيعي من العملية العلاجية، إلا أنني أظل ملتزمة بتقديم الدعم الكامل إلى المريض، مع إعادة توجيهه وتشجيعه على المضي قدماً لتجاوز هذه المحنة. وأيضاً من اللحظات الصعبة حالات الفقدان، حينما يأتي إليَّ مريض يتحدث عن فقدانه شخصاً عزيزاً؛ فهذه الحالات تبرز التحديات النفسية التي يواجهها المرضى، وتسلط الضوء على دورنا في تقديم دعم نفسي فعال، يساعدهم في التكيف مع الألم، والتعامل مع مشاعر الفقد بشكل صحي، ما يسهم في تعزيز قدرتهم على تخطي هذه الصدمة، والمضي قدماً في عملية التعافي. كيف ترين حضور المرأة الإماراتية بمجال علم النفس؟ يعد علم النفس مجالاً إنسانياً بامتياز، تتجلى فيه قوة تأثير المرأة الإماراتية، ودورها الحيوي في إحداث الفارق، خاصة في وطننا الغالي (الإمارات)، بمنحنا فرصاً كبيرة للإبداع والتألق في المجالات كافة. هذا التميز ما كان ليحدث لولا الدعم المستمر، والرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، التي وفرت لنا بيئة مثالية، تشجعنا على العطاء، والمساهمة الفاعلة. وتواصل الدولة تعزيز دور المرأة في سوق العمل، مع اهتمام خاص بتطوير مجال علم النفس من خلال برامج تدريبية متخصصة، وفرص تعليمية متقدمة، تساهم في رفع مكانتنا بهذا المجال الحيوي، وتؤكد التزامنا الثابت بتقديم مساهمات نوعية، تعمل على خدمة مجتمعنا، وتنميته المستدامة. ماذا عن جهودك في نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية؟ مجتمعنا الإماراتي يتميز بثقافته العميقة، وأصالته، وهذا يعزز قدرتي على تحفيز أفراد المجتمع من خلال حملات التوعية التطوعية، التي أشارك فيها، بهدف نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية. كما أعمل على توجيه المجتمع نحو فهم أعمق لهذه القضية، وتشجيع الأفراد على طلب الدعم النفسي عند الحاجة، ما يقلل «الوصمة» المرتبطة بالصحة النفسية. كذلك، أحرص على مد يد العون إلى المتدربات في هذا المجال، وتقديم الإرشاد الأمثل إليهن في بداية مسيرتهن المهنية؛ لتقدم كل واحدة منهن أفضل ما لديها في هذا المجال الحيوي. ما أحلامك، وطموحاتك؟ أحلامي وطموحاتي ترتكز - بشكل رئيسي - على خدمة وطني، والمساهمة الفعالة في تطوير مجالات العلاج النفسي. وأتمنى أن أكون جزءاً من الجهود الوطنية، التي تسعى لتقديم أعلى مستويات الدعم النفسي للمجتمع، خاصة في ظل الدعم المستمر الذي تقدمه القيادة الرشيدة؛ فاهتمام الدولة المتزايد بمجال الصحة النفسية يعكس رؤية واضحة نحو تحسين رفاهية المواطنين والمقيمين. كما أدرك أن دور المرأة الإماراتية في هذا المجال له تأثير كبير، فهي تتمتع بفرص واسعة للإبداع والتألق في بيئة مشجعة، تتيح لها تقديم أفضل ما لديها لخدمة الوطن، وهو ما أطمح إلى الإسهام فيه، بشغف واحترافية.