logo
سعيد المذحجي.. الفقيه الثائر الذي أرعب الأئمة وصلبته الإمامة في "الدنوة"

سعيد المذحجي.. الفقيه الثائر الذي أرعب الأئمة وصلبته الإمامة في "الدنوة"

اليمن الآنمنذ يوم واحد

عبر قرون من الهيمنة، استباحت الإمامة الزيدية في اليمن دماء وأموال السواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني، متذرعةً بأن ذلك "جهاد في سبيل الله". لم يكن ذلك فقط حكمًا سياسيًا، بل عقيدةً صريحة نسجت عبر فتاوى التكفير والتشنيع على كل من رفع رأسه مطالبًا بالكرامة أو العدالة.
في قلب هذا الظلم، بزغ نجم رجلٍ صوفي، فقيه، قائد، ومُلهم، عرف باسم سعيد بن صالح بن ياسين العنسي المذحجي، وسُمي لاحقًا بـ"صاحب الدنوة". هذا الرجل الذي ملأ القلوب أملًا، وملأ صدور الأئمة خوفًا، قررت السلطة الإمامية أن تلصق به لقب "سعيد اليهودي"، متهمةً إياه بالشعوذة وادعاء المهدوية. ولم تكتفِ بذلك، بل شيطنته على ألسنة فقهائها، وحرّضت القبائل على دمه، فسفكوه.
قال عنه أحد مؤرخي البلاط: "أكبر أهل الطغيان، شق عصا المسلمين، وتبع هواه وعصى، وصارت البلاد جميعها جندًا للباغي الطاغي سعيد"، واصفًا ثورته بـ"الفتنة"، ومريدوه بـ"المارقين".
لكن سعيد لم يكن طاغية، بل ثائرًا قادته التقوى إلى الاصطدام بالظلم.
قرية الدنوة.. من محراب الزهد إلى مركز الثورة
اعتكف سعيد أربعين عامًا في قرية "الدنوة" التابعة لمحافظة إب، متبتلًا في زاويته، يُحيي موالد الذكر ويجمع الناس على الدين والحق. قصدته الجموع من أنحاء اليمن، فكان ملاذًا للضعفاء، ومصلحًا بين الناس، حتى صار له مريدون وأتباع ومكانة روحية كبيرة.
في ظل الإمامة القاسمية، التي استباحت البلاد ووزعت أراضي اليمن الأسفل للقبائل الشمالية الغازية، تفشى القهر والنهب، وغرقت البلاد في ظلمة الجباية والإقطاع، حتى عم الخوف وسُدت السُبل. عندها، أعلن سعيد بن صالح الثورة، وأعلن نفسه "إمامًا للشرع المطهر"، وبدأ بتحرير الحصون، واستعادة الأراضي المغتصبة من قبائل النهب.
سعيد الثائر.. يعلن الدولة في "اليمن الأسفل"
في العام 1256هـ (1840م)، وقف سعيد في جامع الجند خطيبًا، ودعا اليمنيين لنصرته. لم تكن دعوته مجرد وعظ، بل ثورة حقيقية انتزعت أكثر من 360 حصنًا من أيدي القبائل الموالية للإمامة، ونصّب الولاة، وضرب العملة الفضية باسمه، وخُطب له على منابر تعز، وإب، وزبيد، وعدن.
امتدت سلطته من زبيد غربًا إلى يافع شرقًا، وأصبح حصن "الدنوة" مركز دولته الوليدة، بينما كانت الإمامة القاسمية تتهاوى، وقد توفي إمامها الأقوى، المهدي عبدالله بن المتوكل، وانفرط عقدها.
صراع مع الإمامة.. وملحمة في نقيل سمارة
توجه سعيد إلى يريم، وسانده رؤساء محليين كحسين يحيى عباد وعبدالله بن مثنى فاضل. حين علم الإمام الهادي محمد بن المتوكل بتحركاته، خرج من صنعاء إلى ذمار فصام رمضان هناك، ثم توجه إلى يريم، وراسل الفقيه الثائر.
سعيد، الذي كان قد أسر بعض زعماء قبائل ذي محمد في بداية ثورته، عفا عنهم وضمهم إلى جيشه، فحاصروا الإمام الهادي في يريم، وكاد أن يُسقطه، لولا خيانة قادة القبائل الذين أطلق سراحهم سابقًا. قاد الخيانة النقيب حسين بن سعيد أبوحليقة وعلي بن علي الهيال، فأسرا مقادمة جيش الفقيه، وانقلبت الكفة.
تقهقر جيش الفقيه، ودارت معركة دموية عند نقيل سمارة، انتهت بانهيار الثورة.
النهاية الدامية.. والصلب في إب
لاحق الإمام الهادي الفقيه سعيد حتى قريته في "الدنوة"، حيث أسره، ثم أمر بجلبه إلى مدينة إب، وهناك أُعدم الفقيه الثائر، وصُلب جسده في مشهد دموي أراد منه الأئمة أن يكون عبرةً، لكنه تحوّل إلى رمز.
فقيه تقياً أم "ساحر يهودي"؟
اتهمته الإمامة بالسحر والزندقة و"عبادة الحسان من النساء والمردان"، كما جاء في فتاوى الإمام القاسم التي حرّضت على قتله وقتل أتباعه، بل واعتبرت من أحسن إليهم كافرًا.
لكن التاريخ حفظ للفقيه سعيد صورته كعالم متصوف زاهد، اختار أن يقاتل من أجل كرامة الفلاحين وأبناء الأرض، ضد ظلم القبائل الغازية وتسلط أئمة الجباية.
من التاريخ إلى الأسطورة
اليوم، بعد قرنين من استشهاده، لا يزال اسم الفقيه سعيد المذحجي حيًا في ذاكرة اليمنيين. رجلٌ من عامة الشعب، لم تدفعه شهوة الحكم بل واجب الدفاع عن المستضعفين. ثار، حَكَم، ثم قُتل، لكن ظلاله لا تزال تخيم على أسئلة التاريخ اليمني: كيف حُكم الناس باسم الدين، وكيف ثاروا على من ظلمهم باسمه؟
إنها قصة ثورة لم تكتمل.. لكنها لن تُنسى.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

طارق صالح يوجه بتنفيذ مشاريع مياه جديدة في ريف المخا
طارق صالح يوجه بتنفيذ مشاريع مياه جديدة في ريف المخا

وكالة 2 ديسمبر

timeمنذ 17 دقائق

  • وكالة 2 ديسمبر

طارق صالح يوجه بتنفيذ مشاريع مياه جديدة في ريف المخا

طارق صالح يوجه بتنفيذ مشاريع مياه جديدة في ريف المخا كلف نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي- قائد المقاومة الوطنية ورئيس مكتبها السياسي طارق صالح، فريقًا مشتركًا من السلطة المحلية في المخا بمحافظة تعز، والمكتب السياسي وخلية الأعمال الإنسانية بالنزول الميداني لتقييم احتياجات السكان في عزلتي الزهاري والجمعة بريف المخا، والبدء بتنفيذ مشاريع مياه جديدة بدعم من المقاومة الوطنية. واستمع الفريق، يتقدمه العميد نجيب ورق- عضو المكتب السياسي، ومعتز شيلان- عضو محلي محافظة تعز عن المخا، وعبدالقوي سعد- مدير مكتب مياه الريف في المديرية، وعبدالله الحبيشي- مدير خلية الأعمال الإنسانية في المقاومة الوطنية، من الأهالي إلى احتياجات العزلتين، والتي تركزت على الحاجة الملحة لمشاريع في مجال المياه. وتشمل المشاريع الجديدة، التي تنفذها خلية الأعمال الإنسانية، حفر بئرين ارتوازيتين مزودتين بمضخات وأنظمة طاقة شمسية في قرية جحزر ومركز عزلة الجمعة، لتلبية احتياجات أكثر من 10.500 نسمة. كما تشمل المبادرة تأهيل خمسة مشاريع مياه قديمة في العزلتين بتركيب مضخات وأنظمة شمسية، إلى جانب دعم وحدة جحزر الصحية بالأدوية والكوادر الطبية لمواجهة تفشي الأوبئة والحُميات. وقال العميد نجيب ورق؛ إن هذه المشاريع تترجم توجيهات طارق صالح بتوفير مياه الشرب النظيفة لسكان ريف المخا، والتي وجه بها خلال لقائه مؤخرًا مشايخ وأعيان ووجهاء عزلتي الجمعة والزهاري. من جانبه، أكد عبدالله الحبيشي أن خلية الأعمال الإنسانية ملتزمة بتنفيذ وتأهيل مشاريع مياه مستدامة بالتعاون مع السلطة المحلية ومكتب مياه الريف، لضمان استمرارية الخدمات. وأعربت السلطة المحلية ووجهاء العزلتين عن شكرهم لنائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي على دعمه المستمر من خلال مشاريع تنموية، خاصة مشاريع المياه التي توفر مياهًا صالحة للشرب بعد سنوات من الحرمان نتيجة تدمير الحوثيين لِبُنية المياه التحتية.

حين غاب الميسري غاب المعنى
حين غاب الميسري غاب المعنى

اليمن الآن

timeمنذ 21 دقائق

  • اليمن الآن

حين غاب الميسري غاب المعنى

كتب/د. هزم احمد لم يكن ما فعله الوزير أحمد بن أحمد الميسري في وزارة الداخلية مجرد إجراءات إدارية، ولا خطة إصلاحية باردة تقرأ في التقارير، بل كان ما فعله إعلانًا رمزيًا عن عودة الدولة ومحاولات مسؤوله وطنية من شخص الوزير لاعاده المعنى من غياهب التفكك،والتشردم والتجزؤ بين افكار متضاربة مزدوجة قسمت الناس وغرست بينهم الخلاف والانتقام والاحتقان وتذكيرًا للجميع أن المؤسسات ليست أبنية إسمنتية، بل إرادة سياسية وشجاعة أخلاقية وروح مقاومة للفوضى. لقد خاض الوزير معركته، لا ضد خصوم سياسيين فقط يحملون مشاريع ضيقةالذي مد يده اليهم ليدخلوا ضمن اطار المعنى والمفهوم الذي يؤمن به، بل ضد اليأس المتراكم في نفوس منتسبي الداخلية واهم من ذلك كله هو غياب المعنى من الدولة ومفهوم الدولة والانضباط في اهم مؤسسة سيادية للدولة في دولة مثل اليمن، وضد ذاكرة طويلة من الإهمال والتهميش والخراب المؤسسي. ما فعله كان أشبه بإعادة بعثٍ لمؤسسة الأمن من تحت ركام الانهيار. كان كمن ينفخ في جسد الدولة روحًا جديدة، مسكونة بالانضباط والهيبة والمعنى. القيادة هنا لم تكن مجرد إدارة، بل كانت قرارًا أخلاقيًا. أن تُجهّز المعسكرات، أن تبني المقرات، أن تعيد للجنود احترامهم لأنفسهم عبر الغذاء المنتظم والزي الموحّد والمهمات المكتملة ضمن سياق معنى الدولة التي تخدم المواطن وليست دوله تقمع المواطن مثل هو الذي حاصل اليوم هذا ليس رفاهًا إداريًا، بل هو الترجمة اليومية لمعنى الكرامة للمواطن بوجود معنى للدولة وليس مجرد شكل من اشكال الميليشيا والمكونات الازدواجية المتضاربة في سلطاتها الذي لا يمكن لمؤسسة أمنية أن تؤديه إذا كانت من الداخل جائعة ومهانة ولذلك كان حريصا على الاستقلاليه والارادة المستقلة والقرار الحر السيادي الوطني لانه يعلم جيدا معنى ذلك كي لا تكون رهينة او مرتهنا تابعا خاضعا لمن يدفع لك الفلوس. فعل الوزير أكثر من ترميم مبانٍ… لقد رمم المعنى. حين أعاد تجهيز كلية الشرطة، ومستشفى الشرطة، ومقر العمليات، ومصلحة الجوازات، وإدارة مكافحة الإرهاب، لم يكن يعيد فقط البنية التحتية، بل كان يعيد ترسيخ المفهوم الغائب: أن هناك دولة، وأن الدولة تعني خدمة المواطن، وتعني ضبط الأمن، وتعني أن يثق المواطن أن هناك من يحرس ليلة لا من يهدده فيه. . الوزير الميسري لم يكن مجرد وزير داخلية… كان مشروع دولة. لهذا، حين غادر، لم ينهار المبنى فقط، بل انهار المعنى. تراجعت المؤسسات، وتراجعت الكفاءة، وعاد التسيب، لصالح مفهوم الازدواجية السياسية والامنية وتضارب السلطات فيما بين العناصر الامنية على حساب الوطن والمواطن لأن من أتى بعده لم يكن يملك مشروعًا، بل مقعدًا، ولم يكن يرى في المؤسسة روحًا، بل آلة. لخدمه إجندته المناطقيه ولأن الدول لا تبنى بالقوة فقط، بل بالقيم، فإن تجربة الميسري يجب أن تُقرأ في ضمير الناس خصوصا مع ما نشادها اليوم من اداء الاجهزة امنية قوية لديها السلاح والعسكرات ولكنها لا تعمل بمعنى الدولة والوطن والمواطن والمواطنة، . لقد أثبت أن المسؤولية شرف، وأن الوزارة ليست امتيازًا بل عبء مقدس، وأن بناء الجدران سهل، لكن بناء الثقة أصعب وأثمن. ومن هنا، يصبح السؤال اليوم ليس فقط: لماذا انهار المعنى بعده؟ بل: هل لدينا من يستطيع أن يكرر التجربة، لا كنسخة، بل كمبدأ ومعنى؟ وهل ما زلنا نملك ما يكفي من الإرادة الأخلاقية والسياسية لكي نستعيد الدولة من جديد

أمريكا تفجر مفاجأة: الحوثيون حصلوا على مكونات صينية مزدوجة الاستخدام ولدينا الأدلة
أمريكا تفجر مفاجأة: الحوثيون حصلوا على مكونات صينية مزدوجة الاستخدام ولدينا الأدلة

اليمن الآن

timeمنذ 21 دقائق

  • اليمن الآن

أمريكا تفجر مفاجأة: الحوثيون حصلوا على مكونات صينية مزدوجة الاستخدام ولدينا الأدلة

كشفت الولايات المتحدة الأمريكية خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، مساء اليوم الخميس، أنها تملك أدلة على حصول مليشيات الحوثي على مكونات مزدوجة الاستخدام من مصادر صينية، وسط تحذيرات متزايدة من التهديدات التي تشكلها الجماعة المدعومة من إيران على السلام الإقليمي. وأكدت القائمة بأعمال المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة أن الحوثيين يواصلون تهديد الاستقرار في المنطقة، مشددة على ضرورة أن لا يتسامح مجلس الأمن مع الانتهاكات المتكررة التي ترتكبها إيران لقراراته الدولية. من جهته، قال نائب المندوب الصيني إن التوترات في البحر الأحمر ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع في غزة، في إشارة إلى اتساع نطاق تأثيرات الحرب في المنطقة. كما طالب مندوب المملكة المتحدة بالإفراج الفوري عن الموظفين الأمميين المحتجزين لدى الحوثيين، مشيرًا إلى أن بلاده انضمت مؤخرًا إلى برنامج مشترك مع مركز الملك سلمان للإغاثة لمكافحة وباء الكوليرا في اليمن. أبرز ما ورد في إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن بشأن اليمن وعقب الجلسة المفتوحة، عقد مجلس الأمن مشاورات مغلقة لبحث سبل الدفع بالعملية السياسية المتعثرة في اليمن، وسط دعوات متكررة من المجتمع الدولي لإيجاد حل شامل ومستدام للنزاع المستمر منذ انقلاب الحوثيين قبل أكثر من عشر سنوات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store