logo
(أطفالنا يموتون).. أمهات سودانيات يستنجدن تحت الحصار في الفاشر

(أطفالنا يموتون).. أمهات سودانيات يستنجدن تحت الحصار في الفاشر

خبرنيمنذ 2 أيام
خبرني - تجلس النساء في مطبخ جماعي بمدينة الفاشر السودانية المحاصرة في أجواء يخيم عليها اليأس.
وتقول إحداهن لبي بي سي: "أطفالنا يموتون أمام أعيننا".
وتضيف المرأة: "لا نعرف ماذا نفعل. إنهم أبرياء، ليست لهم أي علاقة بالجيش أو قوات الدعم السريع. معاناتنا أسوأ مما يمكن أن تتصوري".
أصبح الطعام في المدينة نادراً جداً، كما أن الأسعار ارتفعت بشكل هائل، لدرجة أن المبلغ الذي كان يكفي لشراء وجبات أسبوع كامل، أصبح لا يكفي الآن إلا لشراء وجبة واحدة، بينما تدين منظمات الإغاثة الدولية ما تصفه بـ"الاستخدام الممنهج للتجويع كسلاح حرب".
وحصلت بي بي سي على لقطات نادرة لأشخاص ما زالوا محاصرين في المدينة، أرسلها لنا ناشط محلي والتقطها مصوّر مستقل.
يخوض الجيش السوداني قتالاً ضد قوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين، بعد أن تصاعد الخلاف بين قادتهما، الذين نفذوا انقلاباً مشتركاً على الحكومة المدنية قبل ذلك.
وتُعد مدينة الفاشر، في إقليم دارفور غربي البلاد، إحدى أكثر جبهات القتال دموية.
إضافة إلى ذلك، تفاقمت أزمة الجوع مع تفشي الكوليرا في مخيمات النازحين بسبب القتال، الذي تصاعد هذا الأسبوع ليشهد إحدى أعنف هجمات قوات الدعم السريع على المدينة حتى الآن.
وشددت قوات الدعم حصار المدينة المستمر منذ 14 شهراً، بعد أن فقدت السيطرة على العاصمة الخرطوم في وقت سابق من هذا العام، وكثفت معركتها للسيطرة على الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور.
وفي شمال ووسط البلاد، حيث استعاد الجيش أراضٍ من قوات الدعم السريع، بدأت المساعدات الغذائية والطبية في تخفيف معاناة المدنيين، لكن الوضع يظل كارثياً في مناطق النزاع غربي وجنوبي السودان.
حول المتطوعون في "مطبخ الخير" الجماعي الإغاثي بالفاشر أواخر الشهر الماضي، بقايا الفول السوداني بعد استخراج زيته، المعروفة محلياً باسم "أمباز"، إلى وجبات يقتات عليها الناس.
والأمباز، هي مادة تُستخدم عادة كعلف للحيوانات.
في بعض الأحيان يمكن العثور على الذرة الرفيعة أو الدخن، وهو نوع من الحبوب شبيهة بالذرة، لكن في يوم التصوير قال مدير المطبخ: "لا يوجد دقيق ولا خبز".
وأضاف: "وصلنا الآن إلى مرحلة أكل الأمباز. نسأل الله أن يفرج عنا هذه الكارثة، لم يعد هناك شيء في السوق يمكن شراؤه".
وجددت الأمم المتحدة مناشدتها لوقف إنساني للقتال لإدخال قوافل الغذاء إلى المدينة، وكرر مبعوثها إلى السودان، شيلدون ييت، هذا الأسبوع دعوته للطرفين المتحاربين للالتزام بالقانون الدولي.
ومنح الجيش السوداني الإذن لشاحنات المساعدات بالتحرك، لكن الأمم المتحدة لا تزال تنتظر الرد الرسمي من قوات الدعم السريع.
وقال مستشارون في قوات الدعم السريع إنهم يعتقدون أن الهدنة ستُستغل لإدخال الطعام والذخيرة إلى "الميليشيات المحاصرة" التابعة للجيش داخل الفاشر.
كما زعموا أن قواتهم وحلفاءهم بصدد إنشاء "ممرات آمنة" لتمكين المدنيين من مغادرة المدينة.
ويستطيع بعض عمال الإغاثة في الفاشر الحصول على مبالغ نقدية طارئة عبر نظام مصرفي رقمي يعمل في البلاد، لكن قيمتها لا تكفي لسد حاجات الناس.
وقالت ماتيلد فو، مديرة حملات المُناصرة في المجلس النرويجي للاجئين إن "الأسعار في الأسواق ارتفعت بشكل هائل"، موضحة أن "اليوم، خمسة آلاف دولار [3680 جنيهاً إسترلينياً] تكفي لوجبة واحدة فقط لـ1500 شخص في يوم واحد. وقبل ثلاثة أشهر، كان المبلغ نفسه يكفيهم لأسبوع كامل".
ويقول الأطباء إن الناس يموتون جراء سوء التغذية، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات واضحة، إلا أن تقريراً صادراً عن مسؤول صحي إقليمي يقدّر أن العدد تجاوز 60 شخصاً الأسبوع الماضي.
ولا يمكن للمستشفيات استيعاب الأعداد المتزايدة من الحالات، إذ لم يبق منها سوى القليل قيد التشغيل، بعد أن تضررت جراء القصف وأصبحت تعاني نقصاً في الإمدادات الطبية اللازمة لعلاج الجوعى والمصابين بالقصف المستمر.
ويقول الدكتور إبراهيم عبد الله خاطر، طبيب الأطفال في مستشفى السعودي، إن هناك "العديد من الأطفال المصابين بسوء التغذية في المستشفى، لكن للأسف لا توجد أي عبوات من الغذاء العلاجي"، مشيراً إلى أن خمسة أطفال يعانون سوء تغذية حاد في القسم، ولديهم أيضاً مضاعفات طبية.
وأضاف: "إنهم ينتظرون موتهم".
وفي أزمات الجوع، يكون من يموتون أولاً هم الأكثر ضعفاً، والأقل صحة، أو من يعانون أمراضاً مزمنة.
وقال الطبيب في رسالة صوتية إن "الوضع بائس للغاية، كارثي للغاية. أطفال الفاشر يموتون يومياً بسبب نقص الطعام والدواء. للأسف، المجتمع الدولي يكتفي بالمشاهدة".
وأصدرت منظمات إغاثة دولية عاملة في السودان بياناً عاجلاً هذا الأسبوع، أكدت فيه أن "الهجمات المستمرة، وعرقلة وصول المساعدات، واستهداف البنية التحتية الحيوية، تمثل استراتيجية متعمدة لكسر السكان المدنيين عبر الجوع والخوف والإرهاق".
وأضاف البيان أن "التقارير المتداولة عن تخزين الغذاء لاستخدامه عسكرياً تزيد من معاناة المدنيين".
وتابع أنه "لا يوجد ممر آمن للخروج من المدينة، فالطرق مغلقة، ومن يحاولون الفرار يتعرضون لهجمات، وفرض ضرائب في نقاط التفتيش، وتمييزاً مجتمعياً، والموت".
وفر مئات الآلاف في الأشهر الأخيرة، كثير منهم من مخيم زمزم للنازحين على أطراف الفاشر، الذي استولت عليه قوات الدعم السريع في أبريل/نيسان.
ويصل الفارون إلى مدينة طويلة، الواقعة على بعد 60 كيلومتراً غرب الفاشر، منهكين ومصابين بالجفاف، ويروون قصصاً عن العنف والابتزاز الذي تعرضوا له على الطريق من مجموعات موالية لقوات الدعم السريع.
وقد تكون الحياة بالنسبة للفارين أكثر أماناً في المخيمات المزدحمة، لكنها مهددة بالأمراض – أخطرها الكوليرا.
وينتج المرض عن المياه الملوثة، وأودى بحياة المئات في السودان، نتيجة تدمير البنية التحتية للمياه، ونقص الغذاء والرعاية الطبية، وتفاقم بسبب الفيضانات في موسم الأمطار.
وعلى عكس الفاشر، يتمكن عمال الإغاثة في طويلة من الوصول لمن يحتاجهم، لكن إمداداتهم محدودة، بحسب جون جوزيف أوشيبي، منسق المشاريع الميدانية في منظمة "التحالف للعمل الطبي الدولي".
ويوضح أوشيبي لبي بي سي: "لدينا نقص في مرافق النظافة الشخصية، ونقص في الإمدادات الطبية للتعامل مع الوضع. نحن نحشد الموارد لمعرفة أفضل طريقة للاستجابة".
ويقدّر سيلفان بانيكو من منظمة أطباء بلا حدود أن هناك ثلاثة لترات فقط من المياه للفرد يومياً في المخيمات، وهو "أقل بكثير من الحد الأدنى للاحتياجات الأساسية، ما يضطر الناس للحصول على المياه من مصادر ملوثة".
تستلقي زبيدة إسماعيل إسحاق في خيمة العيادة، وهي في شهرها السابع من الحمل، وتبدو نحيلة ومنهكة.
قصتها تشبه قصصاً كثيرة، إذ هربت من الفاشر، واعتُقل زوجها على يد مسلحين تعرضوا لهم وهم في الطريق إلى طويلة، بينما أُصيبت ابنتها في رأسها.
وأصيبت زبيدة بالكوليرا بعد وصولها إلى المخيم، وتقول: "نشرب الماء دون غليه. لا يوجد من يجلب لنا الماء. منذ أن جئت إلى هنا لم يبق لدي أي شيء".
وفي الفاشر، نسمع مناشدات لطلب المساعدة من النساء المتجمعات في مطبخ الإغاثة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جدعون ليفي يسخر من مزاعم جيش الاحتلال بخصوص انس الشريف: لا يمكن الوثوق برواية من يقتل الصحفيين #عاجل
جدعون ليفي يسخر من مزاعم جيش الاحتلال بخصوص انس الشريف: لا يمكن الوثوق برواية من يقتل الصحفيين #عاجل

جو 24

timeمنذ 14 ساعات

  • جو 24

جدعون ليفي يسخر من مزاعم جيش الاحتلال بخصوص انس الشريف: لا يمكن الوثوق برواية من يقتل الصحفيين #عاجل

جو 24 : كشف الكاتب الإسرائيلي البارز جدعون ليفي أن معظم الصحافة الإسرائيلية تجاهلت خبر اغتيال الصحفي أنس الشريف، مبرزا أنه بشجاعته واستقلاليته كان بإمكانه تعليم كثير من المراسلين الإسرائيليين أبجديات العمل الصحفي. وأضاف ليفي في مقال له بالنسخة العبرية من صحيفة هآرتس أنه في غياب أي دليل، اغتالت إسرائيل الشريف في قصف مباشر لخيمة الصحافة الملاصقة لمستشفى الشفاء، حيث استشهد مع أربعة من فريق تغطية قناة الجزيرة. وتابع أن إسرائيل بررت عملية الاغتيال بالزعم أن الشريف "رئيس خلية" في حركة حماس دون أن تقدم دليلا واحدا، موضحا أنه وكما حدث في قضية مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وجدت الرواية الإسرائيلية من يصدقها. وتساءل ساخرا "حتى لو صدق البعض هذه المزاعم، ماذا عن بقية الصحفيين الذين قتلوا معه: هل كانوا نواب رئيس الخلية؟". وشدد ليفي على أن جيشا يقتل الصحفيين بالجملة وبدم بارد، ودولة تمنع تغطية حرة للحرب لا يمكن الوثوق برواياتهما. وأوضح أن إسرائيل قتلت في هذه الحرب أكبر عدد من الصحفيين في تاريخ الصراعات، 186 بحسب لجنة حماية الصحفيين، و263 وفق منظمة بتسليم الحقوقية الإسرائيلية، ولم يستبعد أن توجه سلاحها يوما ما نحو الصحفيين الإسرائيليين أنفسهم. يشار إلى أن المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة أفاد بارتفاع عدد الشهداء الصحفيين في غزة إلى 238، وذلك بعد استشهاد الصحفيين الخمسة: المراسلَيْن أنس الشريف ومحمد قريقع، والمصورَيْن إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة، ومساعدهم محمد نوفل. وزاد ليفي أن الصحافة الإسرائيلية انقسمت بين من تجاهلوا الخبر، وبين من رددوا رواية الجيش دون تدقيق، متخلين عن التضامن المهني وواجب البحث عن الحقيقة. وأكد جدعون ليفي أن الشريف الأكثر شجاعة واستقلالية من كثير من المراسلين الإسرائيليين، كان بإمكانه أن يلقن إعلاميين إسرائيليين دروسا في أبجديات الصحافة. وكان الزميل الشهيد أنس الشريف قد قال في وصيته التي نشرت بعد استشهاده: "إن وصلتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي"، وتابع: "يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهد وقوة لأكون سندا وصوتا لأبناء شعبي"، وأكد أنه لم يتوان يوما عن نقل الحقيقة "بلا تزوير أو تحريف" رغم معايشته الألم والفقد بشكل متكرر. وجاء اغتيال الشريف بعد حملة تحريض إسرائيلية واسعة عليه، إذ أقر جيش الاحتلال باستهدافه، وكان الشريف من الصحفيين القلائل الذين بقوا في شمالي القطاع لنقل فصول العدوان وحرب التجويع. وأوصى الشريف في وصيته بفلسطين، واصفا إياها بـ"درة تاج المسلمين" ونبض قلب كل حر، داعيا إلى الوفاء لأهلها وأطفالها الذين لم يمهلهم العمر للحلم أو العيش في أمان بعدما مزقت أجسادهم القنابل والصواريخ الإسرائيلية. وخص الشريف أهله بوصايا، فذكر ابنته شام التي حلم برؤيتها تكبر، وابنه صلاح الذي تمنى أن يكون له سندا، ووالدته التي كانت دعواتها حصنه ونور دربه، وزوجته التي واجهت الحرب بثبات الزيتون وصبره. المصدر: هآرتس تابعو الأردن 24 على

إعدام مواطن بعد إدانته بتهريب المخدرات بالسعودية
إعدام مواطن بعد إدانته بتهريب المخدرات بالسعودية

صراحة نيوز

timeمنذ 14 ساعات

  • صراحة نيوز

إعدام مواطن بعد إدانته بتهريب المخدرات بالسعودية

صراحة نيوز- أعلنت وزارة الداخلية السعودية، يوم الأربعاء، تنفيذ حكم القتل تعزيراً بحق مواطن أدين بتهريب المخدرات. وأوضحت الوزارة في بيانها أن خزام بن سلطان بن خزام العتيبي – سعودي الجنسية – قام بجلب وتلقي كمية من مادة الحشيش المخدر بقصد الترويج. وبفضل الله، تمكنت الجهات الأمنية من القبض عليه، وأثبت التحقيق ارتكابه الجريمة. وبعد إحالة القضية إلى المحكمة المختصة، صدر حكم بثبوت التهمة عليه وفرض عقوبة القتل تعزيراً، وأصبح الحكم نهائياً بعد استئنافه وتأييده من المحكمة العليا. كما صدر أمر ملكي بتنفيذ الحكم شرعاً. وأشارت الوزارة إلى أن تنفيذ حكم القتل تعزيراً تم في يوم الأربعاء 19 صفر 1447هـ، الموافق 13 أغسطس 2025، بمنطقة الرياض. وأكدت وزارة الداخلية حرص حكومة المملكة العربية السعودية على حماية أمن المواطنين والمقيمين من آفة المخدرات، وتطبيق أشد العقوبات بحق المهربين والمروجين، لما تسببه هذه الجريمة من أضرار جسيمة للنشء والفرد والمجتمع، وانتهاك لحقوقهم. كما حذرت الوزارة الجميع من مغبة ارتكاب مثل هذه الجرائم، مؤكدة أن العقاب الشرعي هو المصير الحتمي لكل من يخالف القانون. والله الهادي إلى سواء السبيل.

لحم لحم بينما أطفال غـزة يصرخون خبز خبز!!!
لحم لحم بينما أطفال غـزة يصرخون خبز خبز!!!

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 16 ساعات

  • سواليف احمد الزعبي

لحم لحم بينما أطفال غـزة يصرخون خبز خبز!!!

#سواليف لحم لحم بينما #أطفال_غزة يصرخون #خبز خبز!!! #الشيخ_كمال_الخطيب لسنوات ليست بعيدة، كان أهلنا وأبناء شعبنا إذا توفي أحد أبناء قريتهم وإن كان من غير أقاربهم، فإن الشعور بالتضامن والمواساة ومراعاة مشاعر أهل المتوفى تصل إلى حد أن من كان يستعد لحفل زفاف ابنه، فإنه كان يلغي كل مظاهر الفرح مواساة ومراعاة للفقدان وللمصيبة التي نزلت بجيرانه وأبناء قريته. لا بل كانت حالة مراعاة الظرف تصل إلى حد أن الأب كان يوصي أبناءه بعدم رفع صوت المذياع في بيتهم خشية أن يصل صوته إلى أهل البيت الذين فقدوا عزيزًا لهم فيجرح شعورهم. لقد انقضى ذلك الزمن الجميل ليعيش أبناء نفس الشعب ردّة أخلاقية وصلت إلى الحد الذي نرى ونشاهد بأم أعيننا جزءًا عزيزًا من أبناء شعبنا يُذبح ويُباد ويُهجر ويُجوّع، وقد قُتل من أبنائه أكثر من ستين ألف شهيد خلال أقل من عامين، وفي اليوم الواحد أصبح عدّاد الشهداء بمعدل مائة شهيد في اليوم الواحد. يحدث ويقع كل ذلك وجزء آخر من أبناء نفس الشعب وإخوة الدين كأنهم من كوكب آخر يعيشون نشوة أفراحهم وأعراسهم دون أن يرفّ لأحدهم جفن. لا بل إن جنون المباهاة وصل إلى حد ابتداع مظاهر وسلوكيات في إحياء الأعراس ما أنزل الله بها من سلطان. إنها مواقف نستحضرها من أيام ذلك الزمن الجميل لعلّها توقظ فينا ضمائر نامت وتحيي مشاعر ماتت ورجولة تشوهت. اشترى الماء ببصيرته بينما عالم جليل يجلس بين تلاميذه في حلقة علم في أحد مساجد بغداد، إذ دخل عليهم رجل غريب لم يكن واحدًا من طلاب العلم عند الشيخ ولم يعرفه من الجالسين أحد. جلس الرجل حيث انتهى به المجلس وأخذ يستمع للشيخ بأدب وإنصات. وقد لفت انتباه الشيخ أن الرجل كان يحمل في يده قارورة فيها سائل يبدو أنه ماء، فقطع الشيخ حديثه والتفت للرجل الغريب متفرسًا في وجهه ثم سأله: ألك حاجة نقضيها أم لك سؤال فنجيبك عليه؟ قال الرجل: لا هذا ولا ذاك وإنما أنا تاجر 'بياع' سمعت عن علمك وخلقك فجئت أبيعك هذه القارورة التي أقسمت ألا أبيعها إلا لمن يقدّر قيمتها وأنت حقيق بها. قال الشيخ: ناولنيها، فناوله إياها. أخذ الشيخ يتأملها ويقلّبها ويحرّك رأسه إعجابًا بها ثم التفت إلى الرجل فقال له: بكم تبيعها؟ قال: بمئة دينار، فقال الشيخ: هذا قليل عليها سأعطيك مئة وخمسين، فقال الرجل: فقط مئة لا تزيد ولا تنقص فهذا ثمنها. فقال الشيخ: لابنه: اذهب إلى البيت 'وكان قريبًا من المسجد' وأحضر مئة دينار. أخذ الرجل المال ومضى في حال سبيله ثم انفضّ المجلس وخرج الحاضرون وكلهم يتساءلون عن سرّ هذا الماء الذي اشترى الشيخ قارورة منه بمئة دينار. دخل الشيخ إلى مخدعه ليرتاح، لكن الفضول ظلّ يحرّك في ابنه الرغبة لمعرفة ما في هذه القارورة فتأكد أنه ماء وليس شيئًا آخر، فدخل على والده منفعلًا يقول له: لقد خدعك الرجل الغريب يا أبي فوالله ما زاد على أن باعك ماء بمئة دينار، وكيف تشتري ماء بمئة دينار وقريب منّا دجلة والفرات، فلا أدري يا أبي بأيهما أعجب بخبثه ودهائه أم من طيبتك وتصديقك له؟ ابتسم الشيخ وقال لولده: يا بني لقد نظرت أنت ببصرك فرأيت أن ما في القارورة ماءً، ونظرت أنا ببصيرتي فرأيت فيها ماء وجهه الذي أبت عليه عزّة نفسه أن يريقه بالسؤال ومّد يده إِلى الحاضرين. يا بني كانت للرجل حاجة في مئة دينار يقضي بها حاجته لا يريد أكثر، فتظاهر بأنه تاجر يبيع، فالحمد لله الذي وفقني لإجابته وحفظ ماء وجهه. ما أكثرهم الذين نراهم على أبواب المساجد من أبناء شعبنا من غزة ممن انقطعت بهم السبل منذ سنتين، وغالبيتهم كانوا عمالًا يترزّقون من كدّ أيديهم، لكن الظروف حالت دون عودتهم إلى أهلهم وصعوبة أن يجدوا فرصة عمل بسبب التشديدات الأمنية على أصحاب العمل، فأصبح الواحد منهم يحمل في يديه أو على ظهره كيسًا فيه بعض بضاعه، أي بضاعه يبيعها. إنه لا يريد أن يريق ماء وجهه بالسؤال ومدّ اليد للتسول، ولكنه يفعل ما فعل الرجل إياه مع الشيخ وكأنه تاجر يبيع ويشتري ليجمع ما تيسّر مما ينفقه على نفسه وقد انقطعت به السبل أو يرسل ما توفر لأهله الذين أصبحوا بين شريد أو شهيد. فليتك تنظر إليهم يا ابن شعبنا بعين البصيرة لا بعين البصر، ولا تتعامل معهم وفق منطق البائع والمشتري فتساومهم على ثمن بضاعتهم الزهيدة تريدها منهم بأرخص سعر ممكن، وتقنع نفسك بل شيطانك أنك لست مغفلًا في بيعك وشرائك. فإن لم تفهم مراده فتتصدق عليه، فاشترِ منه أي حاجة يعرضها ولكن لا تجعلها مادة للمساومة حول السعر والثمن، فإذا لم تكن هذه ولا تلك فلا تنس أن تدعو له ولأهله دعوة بأن يفرّج الله كربهم وينتقم ممن ظلمهم. الماء واللبن يُحكى أن ملامح مجاعة وقحط بدأت تظهر في إمارة من الإمارات، وأراد حاكم تلك الإمارة أن يمتحن الحالة الاجتماعية ونسيج وترابط الناس في إمارته عند الشدائد خاصة وكيف سيكون سلوكهم إذا ضرب الجوع بين ظهرانيهم. فأخبر الأمير الناس في إمارته أنه سيضع في الساحة الرئيسية في مدينته قدرًا كبيرًا وأن على كل رجل وامرأة أن يسكب في القدر كوبًا من الحليب شريطة أن يأتي هو بنفسه أو هي بنفسها وتسكب الحليب دون أن يراه أو يراها أحد. هرع الناس إلى مكان القدر، منهم من جاء ليلًا ومنهم من تنكّر حتى لا يعرفه أحد وسكب في القدر ما كان في الكوب الذي جاء به. في الصباح رفع الوالي غطاء القدر وكانت المفاجأة أن القدر مليء بالماء وليس فيه أثر للحليب 'اللبن'. تعجّب الوالي وصرخ فيمن كانوا حوله: أين الحليب؟ جزم الوالي الأمير أن كلّ أهل مدينته قد وضعوا الماء بدل اللبن، فراح يسألهم واحدًا واحدًا فكانت الإجابة من كل واحد منهم: 'قلت في نفسي أن وضعي لكوب ماء في القدر لن يؤثّر ما دام كل الناس يضعون اللبن حيث كمية اللبن الكثيرة لن يؤثر فيها كوب ماء واحد وأبقي الحليب لأولادي'. لقد فكّر كل أهل المدينة بنفس المنطق لتكون النتيجة أنهم كلهم سكبوا الماء بدل الحليب. إنه منطق الأنانية والغش والمصلحة الشخصية على حساب الإيثار والمصلحة العامة. فإذا كان اليوم الذي فيه تحتاجنا أمتنا فهل سنكون ممن يسكبون الماء بدل اللبن؟ إنها الطامة الكبرى إذن، وإنها الأنانية القاتلة التي بها نجني على أنفسنا وعلى أمتنا. وأمام الكرب الذي يعيشه شعبنا، وأمام المحن التي نعيشها فإن مثل هذا السلوك سيكون مدمرًا إذا فكّر كل شخص بمصلحته الشخصية، وإذا لم يكن الإيثار والفداء والتضحية فإن الضرر سيقع علينا جميعًا. إنه المنطق الأعوج الذي يمارسه من يخطط لزفاف ابنه ويعدّ لذلك عدّته من مظاهر الفرح والغناء رغم ما يعيشه أبناء شعبنا في غزة من مجازر دموية مستمرة منذ عامين ولسان كل واحد منهم يقول: 'هو على دوري'، 'مهو أول عرس'، ' إذا التزم كلّ الناس بإلغاء مظاهر الفرح فأنا سألتزم' وتكون الفاجعة أن الجميع بنفس المنطق يتعاملون، لتكون النتيجة أن غزة تُذبح وتُقتّل وتُدمر وأهلها يُجوّعون ويُعطّشون ويستغيثون، بينما أنا وأنت وهو غارقون في أنانيتنا ومصرّون أن نسكب الماء في القدر بدل الحليب. وكلّنا طبّالون ورقّاصون، وردّاحون نرقص ونغني وإخوتنا يموتون جوعًا وعطشًا. لحم لحم..خبز خبز أحدهم يقول: كنت مدعوًا إلى وليمة عند صديق، وكان المدعوون كثرًا، فجلسنا نتبادل أطراف الحديث حتى حان وقت العشاء فتناولنا طعام الوليمة، وكلكم يعلم ما يكون عليه الحال في الولائم من الإسراف والتبذير والمباهاة بأنواع الأطعمة وكميّاتها. يقول الرجل: بعد الوليمة تبقّى طعام ولحم كثير لم تمسّه يد أحد، فاحتار أصحاب الوليمة ماذا يفعلون به وفي غالب الأحيان يلقى به في مكبّات النفايات، فقلت أنا آخذه. ودّعت صاحب الوليمة وذهبت إلى حيّ من الأحياء الفقيرة في مدينتي وفي وسط الحيّ. استوقفت أحد المارّة وسألته: أين أجد أهل بيت مستور ومحتاجين؟ فقال لي: كل من حولك هم بأمسّ الحاجة. طرقت باب بيت من هذه البيوت، ففتحت الباب امرأة محتشمة ومعها ابنتها الصغيرة فناولتها طبقًا كبيرًا من اللحم فشكرتني ودعت لي. وقبل أن أنصرف سمعت صوت البنت الصغيرة من خلف الباب تصيح بأعلى صوتها وكأنها رأت شيئًا عجيبًا تقول: لحم لحم. هزّت مشاعري هذه الكلمات فسقطت دمعة من عيني ورحت أجرّ أذيالي وأنا أتقطع من الألم أدعو الله أن يرحمنا وأن لا يؤاخذنا بتقصيرنا بحقهم. وإذا كانت تلك الطفلة قد صرخت من الفرح تقول لحم لحم وهي التي كانت تشتهيه ولم تأكله لفترة طويلة، فها نحن نعيش في الزمان الذي أصبحنا نرى ونسمع عن الطفل الفلسطيني في غزة وهو يبكي ويقول: أريد خبزًا. إنه لا يطلب لحمًا ولا فاكهة ولا شوكولاته، إنه يريد خبزًا وخبزًا فقط. إنه يريد خبزًا بينما نحن نباهي بعدد الذبائح وبأطنان اللحم التي أعددناها لعرس ابن أو حفيد. إنه يريد خبزًا وبعضهم يباهي بعدد الليالي التي تسبق العرس أهي ستٌ أو سبعٌ التي كان يقدم فيها طعام بحيث لا يكون ما قدمه في كل الليلة يشبه ما سبق وقدمه في الليالي السابقة. إنه الطفل الغزيّ يبكي من شدة الجوع ونحن نلقي بكميات الله يعلمها، من طعام فاض عن الحاجة في براميل القمامة والنفايات، ويظنّ أحدنا أنه غير مسؤول أمام الله تعالى بينما هو يدفع الأموال للمصوّرين كي يصوّروا قدوره المملوءة وموائده الممدودة وعروض الفاكهة والحلويات والمكسرات والمشروبات ثم ينشرها ليرى من لم ير وليسمع من لم يسمع أن كل هذا كان في عرس أبو فلان. يا هؤلاء لو لم يستطع أحدكم إيصال الطعام والخبز لأطفال غزة لأسباب فوق إرادته، فعلى الأقل لنستحي من الله ومن وجوه هؤلاء الأطفال الذين يبكون في الليل لا يقولون ولا يصرخون لحم لحم، بل خبز خبز. يا هؤلاء: إذا لم يستطع أحدكم أن يكون مسلمًا فليكن إنسانًا. نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا. رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store