
هل تكفي الحرب لتبرير واقع الصحة في اليمن؟
لا يقاس المرض في اليمن بعدد الإصابات، بل بعدد الأسر التي لا تجد باباً تطرقه بحثاً عن العلاج في بلد أنهكته الحرب على مدى عقد تحولت الرعاية الصحية خلاله من حق أساس إلى ترف مشروط بالقدرة على الوصول، حتى غدت أبسط الخدمات الطبية حلماً بعيد المنال لملايين اليمنيين الذين يعانون بين النزوح والفقر وشح الدواء وانقطاع التيار الكهربائي، وفي مشهد يومي لا يخلو من التحديات تغدو المستشفيات نقاط تماس إنساني، يتوافد إليها اليمنيون بأجساد أنهكها المرض وأرواح أثقلها الانتظار.
في إحصاء حصري حصلت عليه "اندبندنت عربية" من البرنامج الوطني للإنذار المبكر والاستجابة، ظهرت مؤشرات مقلقة لتفشي عدد من الأوبئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025. تصدر وباء الكوليرا القائمة، بإجمال 4748 حالة مؤكدة ومشتبهاً فيها، منها ما نسبته 27.5 في المئة بين الأطفال دون سن الخامسة، بينما شكلت محافظات لحج والحديدة وتعز وعدن بؤراً رئيسة لتفشي المرض، مع معدل وفيات تجاوز 1.42 في المئة في بعض المناطق.
أما الحصبة فعادت لتفرض حضورها على رغم قابليتها للوقاية، إذ سجلت 7125 حالة، غالبيتها بين الأطفال من 18 شهراً إلى ما دون العاشرة، اللافت أن 67 في المئة من المصابين لم يتلقوا أية جرعة لقاح، مما يعكس فجوة خطرة في منظومة التحصين الوطني.كما سجلت 122 حالة شلل رخو حاد معظمها في مأرب، وبينها حالات لأطفال غير محصنين أو مجهولي الحالة التلقيحية. وتستمر أمراض مثل الحمى النزفية والكزاز الوليدي والدفتيريا بالظهور، مستفيدة من هشاشة البنية الصحية وغياب البنية التحتية الأساسية في كثير من المناطق.
انهيار متعدد الطبقات
في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" وصفت وكيل وزارة الصحة العامة والسكان اليمنية إشراق ربيع أحمد السباعي ما يمر به القطاع الصحي بأنه "انهيار متعدد الطبقات" تتداخل فيه آثار الحرب مع الانهيار الاقتصادي ونقص التمويل وهجرة الكوادر وتراجع الإمكانات. وقالت السباعي إن "ما نشهده اليوم ليس فقط ضعفاً في تقديم الخدمات، بل تفكك تدريجي لمنظومة بأكملها، الكوادر تغادر المستشفيات العامة إلى الخاص أو خارج اليمن، بسبب توقف الرواتب أو تدنيها إلى ما دون حد الكفاف".
وأشارت إلى أن عدن تضم عدداً من المستشفيات الحيوية من بينها "الجمهورية" الذي يعاني نقصاً في الأدوية وتقادماً في الأجهزة، و"الصداقة" الذي لا يلبي الاحتياج المتزايد في شرق المدينة و"المركز الوطني للأورام" الذي يواجه ضغطاً متصاعداً بإمكانات محدودة.أما مراكز غسل الكلى فتعيش كما وصفت حال "صراع للبقاء"، بسبب نقص قطع الغيار والمحاليل، واعتمادها شبه الكامل على دعم خارجي متقطع من مركز الملك سلمان وجهات دولية.
مستشفى بلا مقابل
خلال جولة ميدانية أجرتها "اندبندنت عربية" بالتعاون مع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، داخل مستشفى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مدينة عدن يبرز كمرفق طبي مجاني يشكل نموذجاً نادراً وانفراجة للمعدمين نحو واحات الحياة والاستشفاء وسط بيئة تتقاطع فيها الحاجة مع الإصرار على البقاء، إذ بدأ تشغيله في السادس من ديسمبر (كانون الأول) 2022 بطاقة استيعابية تقدر بنحو 270 سريراً، ومن المتوقع أن يستفيد منه سنوياً أكثر من 438 ألف مراجع من مختلف مديريات عدن والمحافظات المجاورة بما في ذلك مركز القلب التابع له، أُسس عام 2021 بتمويل سعودي ضمن مشاريع إعادة الإعمار ويقدم خدماته لآلاف المرضى شهرياً، عبر أقسام عدة تشمل الجراحة والولادة والعناية المركزة والطوارئ والمختبرات، لكن ما بدأ كمبادرة إنسانية تنموية تحول اليوم إلى رئة يتنفس منها القطاع الصحي في محافظة تعاني انهياراً شبه تام في الخدمات الطبية.
صحة على حافة الانهيار
وعلى رغم المساعدات الإنسانية فإن التمويل الدولي لا يغطي سوى نحو 30 في المئة من خطة الاستجابة وفق السباعي، في حين تعتمد برامج التحصين والتغذية بصورة شبه كاملة على شركاء دوليين مثل اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية و"أطباء بلا حدود" وحلف اللقاحات.وأكدت السباعي "أن وزارة الصحة اليمنية تسعى إلى توسيع نطاق المراكز الصحية في المناطق النائية ومراكز النزوح، لكنها تصطدم بعقبات مستمرة تتعلق بانعدام الأمن وصعوبة النقل وتراجع التمويل"، مشددة على أن "القطاع الصحي لن ينهض إلا عبر رؤية وطنية شاملة تعيد ترتيب الأولويات وتعيد الاعتبار لحق الناس في العلاج".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن نحو 70 في المئة من اليمنيين في حاجة إلى مساعدات صحية عاجلة وسط انتشار واسع للأمراض المعدية، وسوء تغذية حاد يطاول أكثر من 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة، وأكثر من مليون و300 ألف امرأة حامل أو مرضعة.ومنذ عام 2016 سجلت أكثر من 2.5 مليون إصابة بالكوليرا فيما دمرت أكثر من نصف المنشآت الصحية، وغابت خدمات الكهرباء والمياه النظيفة، مما فاقم من انتشار الأوبئة وأعاق تقديم الرعاية الطبية. ويواجه أكثر من 4 ملايين نازح ظروفاً إنسانية قاسية في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات النظافة والرعاية، وسط انعدام الأمن الغذائي الذي يهدد حياة 20 مليون شخص.
دعم دولي محدود ومناطق بلا وصول
وعلى رغم التدخلات من منظمات مثل الصحة العالمية واليونيسيف وأطباء بلا حدود والبنك الدولي والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، فإن التمويل المتوافر لا يغطي سوى جزء ضئيل من الحاجات، بينما يظل الوصول إلى كثير من المناطق النائية صعباً بفعل التدهور الأمني، مما يترك قطاع الصحة مكشوفاً في وجه حرب مفتوحة وأزمات مركبة وواقع إنساني تتسع فجواته وفق ما نقله عاملو الصحة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 6 ساعات
- الشرق السعودية
اليونسيف: "الكوليرا" يهدد حياة أكثر من مليون طفل في ولاية الخرطوم بالسودان
قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، الأربعاء، إنه "تم الإبلاغ عن أكثر من 7 آلاف حالة إصابة بالكوليرا، بما في ذلك أكثر من ألف حالة في أطفال دون سن الخامسة، و185 حالة وفاة مرتبطة بالمرض في ولاية الخرطوم منذ يناير الماضي. وذكرت اليونيسف أنها "تعمل وشركاؤها بالتعاون مع وزارة الصحة السودانية للحد من انتشار هذا المرض القاتل وإنقاذ الأرواح". ومنذ بداية الحرب اضطر أكثر من 3 ملايين شخص إلى الفرار من منازلهم في ولاية الخرطوم، وتضررت حياة الملايين. ومع تحسن إمكانية الوصول إلى أجزاء واسعة من الولاية، عاد أكثر من 34 ألف شخص إلى ولاية الخرطوم منذ بداية عام 2025. ويعود معظمهم إلى منازل مدمّرة في مناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه والصرف الصحي، والتي تُعدّ ضرورية للوقاية من الأمراض. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون طفل يعيشون في المناطق المتضررة في جميع أنحاء ولاية الخرطوم، وفق "اليونيسف". وتسببت الهجمات المتكررة على محطات الطاقة في ولاية الخرطوم خلال الشهر الماضي في انقطاع التيار الكهربائي وزيادة حدة نقص المياه، ما أثّر بشكل كبير على إمكانية الوصول إلى المياه الآمنة والنظيفة. واضطرت العديد من الأسر إلى جمع المياه من مصادر غير آمنة وملوّثة، ما زاد من خطر الإصابة بالكوليرا وغيرها من الأمراض المنقولة بالمياه، لا سيما في الأحياء المكتظة ومواقع النزوح. وارتفعت حالات الإصابة بالكوليرا بشكل كبير من 90 حالة يومياً إلى 815 حالة يومياً في الفترة بين 15 و25 مايو، أي بزيادة تسعة أضعاف خلال 10 أيام فقط. خطر المجاعة بالإضافة إلى ذلك، تواجه اثنتان من محليات الولاية، جبل أولياء والخرطوم، خطر المجاعة، وتمثلان 33٪ من إجمالي 307 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في الولاية. ويُقدّر أن أكثر من 26 ألف من هؤلاء الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو أخطر أشكال سوء التغذية. وبالنسبة للأطفال الذين أضعفهم نقص الغذاء، يمكن أن تكون الكوليرا أو أي سبب آخر للإسهال الحاد مميتاً إذا لم يُعالج على الفور. وقال شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان: "نحن نُسابق الزمن مع شركائنا لتوفير الرعاية الصحية الأساسية، والمياه النظيفة، والتغذية الجيدة، وغيرها من الخدمات المنقذة للحياة للأطفال الذين يُعتبرون من بين الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض القاتلة وسوء التغذية الحاد الوخيم." وأضاف: "فكل يوم يمر، يتعرّض المزيد من الأطفال لهذا الخطر المزدوج، لكن كلاهما، الكوليرا وسوء التغذية، يمكن الوقاية منهما وعلاجهما إذا تمكنا من الوصول إلى الأطفال في الوقت المناسب". وقالت اليونيسف إنها تنفذ استجابة متعددة الأوجه للكوليرا في ولاية الخرطوم، تستهدف المجتمعات المعرضة للخطر وتدعم البنية التحتية الحيوية للمياه، بما في ذلك توفير المواد الكيميائية لمعالجة المياه (البوليمر والكلور) ومولّد كهربائي بقوة 1000 كيلوفولت أمبير لضمان استمرار تشغيل محطة معالجة مياه المنارة التي تخدم أكثر من مليون شخص في كرري وأم درمان القديمة. كما تقوم اليونيسف وشركاؤها بتوزيع مواد معالجة المياه المنزلية للحد من انتقال العدوى في المجتمع، ونشر أجهزة تعقيم المياه في نقاط توزيع المياه لتوفير مياه شرب آمنة، بالإضافة إلى تعبئة فرق الاستجابة السريعة لدعم كلورة المياه وتنفيذ أنشطة التعقيم. وتعمل اليونيسف أيضاً على إشراك المجتمعات المحلية، من خلال الحوارات ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر رسائل توعوية حول أسباب وأعراض وطرق الوقاية من الكوليرا.


حضرموت نت
منذ 8 ساعات
- حضرموت نت
الرئيس الزُبيدي يوجه بتوفير المحاليل الوريدية لمكافحة الأمراض الوبائية
أمر الرئيس عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة، اليوم الأربعاء، بتوفير كميات كافية من المحاليل الوريدية للمستشفيات ومراكز علاج الحميّات ومكافحة الأوبئة. ووجه بضرورة ضمان تعزيز قدرة الكوادر الطبية على الاستجابة السريعة للحالات الطارئة، والحد من انتشار الأوبئة، وإنقاذ أرواح المرضى، استجابة لنداء استغاثة وجهه مدير دائرة الخدمات الطبية للقوات المسلحة والأمن الجنوبي، العميد الدكتور عارف الداعري. وكان الداعري كشف عن نقص حاد في المحاليل الوريدية في المستشفيات ومراكز علاج الحميات ومكافحة الأوبئة، بظل تفشي عدد من الأوبئة الخطيرة مثل الكوليرا، وحمى الضنك، والملاريا، والإسهالات الحادة. ويتطلب الوضع الصحي الطارئ تدخلاً عاجلاً لتوفير أهم المستلزمات الطبية المنقذة للحياة، وفي مقدمتها محاليل الرينجر، والمحاليل الملحية، والمخلوطة، بالإضافة إلى محاليل الجلوكوز الوريدي.


الوئام
منذ 9 ساعات
- الوئام
يونيسف: 815 إصابة بالكوليرا في الخرطوم يوميا
كشفت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة 'يونيسف'، اليوم الأربعاء، عن تزايد مضطرد في حالات الإصابة بالكوليرا بالخرطوم. وتتضارب إحصائيات الكوليرا في الخرطوم، حيث تقول وزارة الصحة إن الإصابات خلال أسبوع بلغت 2729 حالة تشمل 172 وفاة، فيما تفيد اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء بأن الحالات في أم درمان وصلت إلى 1335 إصابة و500 وفاة، بينما تتحدث منظمة الصحة العالمية عن 6223 حالة. وقالت يونيسف، في بيان تلقته صحيفة (سودان تربيون)، إن 'حالات الكوليرا في الخرطوم ارتفعت من 90 حالة يوميًا إلى 815 حالة يوميا بين 15 و25 مايو الحالي، أي بزيادة تسعة أضعاف خلال عشرة أيام فقط'. وأشارت إلى أن الحالات التي أُبلغ عنها في ولاية الخرطوم منذ يناير السابق تصل إلى 7700 إصابة و185 وفاة مرتبطة بالمرض. وأفادت بأنها تحتاج إلى 2ر3 مليون دولار إضافية لتمويل الاستجابة الطارئة للكوليرا في الخرطوم، في مجالات الصحة والمياه والنظافة والصرف الصحي والتغيير الاجتماعي والسلوك للحد من انتشار المرض ومنع فقدان الأرواح. وأوضحت أنها تُقدّم خدمات التغذية المنقذة للحياة عبر 105 برامج لإدارة المرضى الخارجيين في المرافق الصحية وأربعة مراكز استقرار في ولاية الخرطوم. وأطلقت وزارة الصحة أمس الثلاثاء حملة تطعيم فموي ضد الكوليرا في جنوب الخرطوم تشمل 115 ألف جرعة، يُنتظر توسعها إلى ثلاثة ملايين جرعة هذا الأسبوع.