
الـ 'شات جي بي تي'!
'اللهم اجعل كلامنا خفيفًا عليهم'، هؤلاء الذين يستخدمون الـ 'شات جي بي تي' ويسمحون له بأن يستخدمهم، 'اللهم أنت الخالق الوهاب، الواحد الأحد، الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وأنت المطلع العليم، والغفور الرحيم'، أن تجيرنا عندما يضل الإنسان طريق الصواب، وتفقد المخلوقات بوصلتها وهي في منتصف الطريق. 'علّم الإنسان ما لم يعلم'، و 'علّم آدم الأسماء كلها'، و 'ما أوتيتم من العِلم إلا قليلاً'، هكذا يعلمنا الله جل وعلا ألا نضل، وأن نصل بسلطان، وأن نسبر أغوار الكون بدليل وبرهان.
القراءة علمتنا الكتابة ونحن علمناها لـ 'الشات جي بي تي'، الكارثة أن بعضنا يأخذ عنها، أي عن هذه التقنية المستنبطة من الذكاء الاصطناعي، وهي قضية فارقة محمودة، مُعِينَة لنا عندما يبحث بعضنا عن بعض، وحينما نفقد بوصلة التواصل مع بعضنا البعض، ولكن أن يأتي إلينا من ليس فينا ويدعي أن ذلك هو من كنا نبحث عنه – (يعني أن الطفلة التائهة في الغابة الموحشة يمكن أن يأتي إلينا بمثلها ويدعي أنها الطفلة المفقودة) – هو ما نخشاه من الذكاء الاصطناعي، بالأحرى من مستخدمي الذكاء الاصطناعي، من الذين قرروا أن يستريحوا على الأرائك ويطلبوا الـ 'شات جي بي تي' أن يكتب لهم مثلما يكتبون، أن يقوم بأعمالهم نيابة عنهم مثلما كانوا يفعلون، وأن ينتحل أقلامهم وأفعالهم وأساليبهم وكتاباتهم مثلما كانوا يكتبون.
الكارثة أن نترك الحرية لهذه التقنية 'الرائعة' بأن تكون بديلاً عنا في التعبير عن فكرة، أو عند إلقاء كلمة في مؤتمر أو ندوة أو فعالية. الكارثة أن الشخص الذي قرر عدم الاعتماد على نفسه تمامًا، لو كان يسعى للإعلان عن حدث جديد، عن قرار لم يسبق له التواجد على الشبكة الجهنمية، عندها سيضطر إلى الاعتماد على نفسه، إلى العودة لسابق عهده في زمن الكتابة، وعندها فإن زمن الكتابة قد لا يعود إليه على قاعدة من تركني سأتركه، ومن لم يقم لي وزنًا لن أقيم له مقامًا، ومن تركني عندما كنت ملْكًا له، طبعًا في يده، قلمًا في محبرته، خادمًا في بلاطه، مطيعًا في محرابه.
'أنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبي، أنت الذي بدأ الملامة والصدود وخان حبي'، على قاعدة شاعر قصة الأمس الكلثومية الراحل الكبير أحمد فتحي. هنا لابد أن نعيد حساباتنا، أن نستعين بالذكاء الاصطناعي أو بالتقنية المذهلة المسماة 'شات جي بي تي'، لا يهم، المهم ألا نستبدل أنفسنا بها، وألا نجعلها تضيعنا وتحل مكاننا، وتسرق منا طموحنا.
إن أسلوب هذه التقنية معروف وبسيط وسهل اكتشافه، أي أن الذين يحاولون الضحك على ذقون القراء، ويضعون أسماءهم على مقالات أو بحوث أدبية، أو استطلاعات للرأي، وهي في الأساس من 'عمايل' الـ 'شات جي بي تي'، أقول لهم: لعبتكم باتت مكشوفة، فأسلوب هذه التقنية سردي مباشر، محصن بالمعلومات ومدجج بالأرقام، وفي كل مرة نستعين به لكي يقلد أحدا منا، فإنه يقع في المطب نفسه.
صحيح أن علماء التقنية وجهابذة المستقبليات يؤكدون أنها مجرد مسألة وقت ويستطيع الـ 'شات جي بي تي' أن يكتب شعرًا ونثرًا ورواية ومقالا احترافيا، وصحيح أن هذه المقبلات التي يأتي بها هذا الذكاء إلينا قد تصيبنا بالإحباط، إلا أن الأكيد هو ما يمكن أن يدفعنا إلى التفكير العميق الذي يحظى به بعض المبدعين بتطوير إبداعاتهم الإنسانية، وإنتاجهم البشري، وأن تكون تقنية اكتشاف الـ 'شات جي بي تي' عاملاً مساعدًا في تسهيل الحصول على الإحصائيات والمعلومات الأرشيفية الضرورية الموجودة، والسؤال: إذا لم تكن هذه المعلومات موجودة أبدًا، فإن المصدر الوحيد القادر على امتلاك خاصية تخزين المعلومات هي ذاكرة الإنسان وحدها، هو الذي يجتر ذكرياته من صندوق ماضيه القريب والبعيد، وهو الذي يؤرخ لها، وهو الذي يستطيع توظيفها.
رغم هذا أو ذاك، الصراع بين الإنسان والآلة، بين الرقم الافتراضي والعدد الفعلي، بين الأصلي والشبيه، سيظل موجودًا حتى لو اخترع الإنسان الآلي إنسانًا طبيعيًا وجاء به ذات يوم إلينا قائلاً: لقد خلقتك مثلما خلقتني، فجميعنا من خلق الله.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 2 أيام
- البلاد البحرينية
الـ 'شات جي بي تي'!
'اللهم اجعل كلامنا خفيفًا عليهم'، هؤلاء الذين يستخدمون الـ 'شات جي بي تي' ويسمحون له بأن يستخدمهم، 'اللهم أنت الخالق الوهاب، الواحد الأحد، الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وأنت المطلع العليم، والغفور الرحيم'، أن تجيرنا عندما يضل الإنسان طريق الصواب، وتفقد المخلوقات بوصلتها وهي في منتصف الطريق. 'علّم الإنسان ما لم يعلم'، و 'علّم آدم الأسماء كلها'، و 'ما أوتيتم من العِلم إلا قليلاً'، هكذا يعلمنا الله جل وعلا ألا نضل، وأن نصل بسلطان، وأن نسبر أغوار الكون بدليل وبرهان. القراءة علمتنا الكتابة ونحن علمناها لـ 'الشات جي بي تي'، الكارثة أن بعضنا يأخذ عنها، أي عن هذه التقنية المستنبطة من الذكاء الاصطناعي، وهي قضية فارقة محمودة، مُعِينَة لنا عندما يبحث بعضنا عن بعض، وحينما نفقد بوصلة التواصل مع بعضنا البعض، ولكن أن يأتي إلينا من ليس فينا ويدعي أن ذلك هو من كنا نبحث عنه – (يعني أن الطفلة التائهة في الغابة الموحشة يمكن أن يأتي إلينا بمثلها ويدعي أنها الطفلة المفقودة) – هو ما نخشاه من الذكاء الاصطناعي، بالأحرى من مستخدمي الذكاء الاصطناعي، من الذين قرروا أن يستريحوا على الأرائك ويطلبوا الـ 'شات جي بي تي' أن يكتب لهم مثلما يكتبون، أن يقوم بأعمالهم نيابة عنهم مثلما كانوا يفعلون، وأن ينتحل أقلامهم وأفعالهم وأساليبهم وكتاباتهم مثلما كانوا يكتبون. الكارثة أن نترك الحرية لهذه التقنية 'الرائعة' بأن تكون بديلاً عنا في التعبير عن فكرة، أو عند إلقاء كلمة في مؤتمر أو ندوة أو فعالية. الكارثة أن الشخص الذي قرر عدم الاعتماد على نفسه تمامًا، لو كان يسعى للإعلان عن حدث جديد، عن قرار لم يسبق له التواجد على الشبكة الجهنمية، عندها سيضطر إلى الاعتماد على نفسه، إلى العودة لسابق عهده في زمن الكتابة، وعندها فإن زمن الكتابة قد لا يعود إليه على قاعدة من تركني سأتركه، ومن لم يقم لي وزنًا لن أقيم له مقامًا، ومن تركني عندما كنت ملْكًا له، طبعًا في يده، قلمًا في محبرته، خادمًا في بلاطه، مطيعًا في محرابه. 'أنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبي، أنت الذي بدأ الملامة والصدود وخان حبي'، على قاعدة شاعر قصة الأمس الكلثومية الراحل الكبير أحمد فتحي. هنا لابد أن نعيد حساباتنا، أن نستعين بالذكاء الاصطناعي أو بالتقنية المذهلة المسماة 'شات جي بي تي'، لا يهم، المهم ألا نستبدل أنفسنا بها، وألا نجعلها تضيعنا وتحل مكاننا، وتسرق منا طموحنا. إن أسلوب هذه التقنية معروف وبسيط وسهل اكتشافه، أي أن الذين يحاولون الضحك على ذقون القراء، ويضعون أسماءهم على مقالات أو بحوث أدبية، أو استطلاعات للرأي، وهي في الأساس من 'عمايل' الـ 'شات جي بي تي'، أقول لهم: لعبتكم باتت مكشوفة، فأسلوب هذه التقنية سردي مباشر، محصن بالمعلومات ومدجج بالأرقام، وفي كل مرة نستعين به لكي يقلد أحدا منا، فإنه يقع في المطب نفسه. صحيح أن علماء التقنية وجهابذة المستقبليات يؤكدون أنها مجرد مسألة وقت ويستطيع الـ 'شات جي بي تي' أن يكتب شعرًا ونثرًا ورواية ومقالا احترافيا، وصحيح أن هذه المقبلات التي يأتي بها هذا الذكاء إلينا قد تصيبنا بالإحباط، إلا أن الأكيد هو ما يمكن أن يدفعنا إلى التفكير العميق الذي يحظى به بعض المبدعين بتطوير إبداعاتهم الإنسانية، وإنتاجهم البشري، وأن تكون تقنية اكتشاف الـ 'شات جي بي تي' عاملاً مساعدًا في تسهيل الحصول على الإحصائيات والمعلومات الأرشيفية الضرورية الموجودة، والسؤال: إذا لم تكن هذه المعلومات موجودة أبدًا، فإن المصدر الوحيد القادر على امتلاك خاصية تخزين المعلومات هي ذاكرة الإنسان وحدها، هو الذي يجتر ذكرياته من صندوق ماضيه القريب والبعيد، وهو الذي يؤرخ لها، وهو الذي يستطيع توظيفها. رغم هذا أو ذاك، الصراع بين الإنسان والآلة، بين الرقم الافتراضي والعدد الفعلي، بين الأصلي والشبيه، سيظل موجودًا حتى لو اخترع الإنسان الآلي إنسانًا طبيعيًا وجاء به ذات يوم إلينا قائلاً: لقد خلقتك مثلما خلقتني، فجميعنا من خلق الله.


الوطن
منذ 3 أيام
- الوطن
بالمثال يتضح المقال
لو قيل لك أنك ستقيم عشر سنوات في بلد ثم تنتقل لبلد مجاور لتعيش فيه مائة سنة.. فماذا ستفعل؟! بالتأكيد ستوجه كل خططك وأفكارك وسعيك نحو البلد الآخر، ستعيش في الأول على الكفاف، وستستثمر للثاني، لأنه الأهم والأطول.. هكذا يقول المنطق! والأمر ذاته ينطبق على الحياة المؤقتة والحياة المؤبدة، فأيُ الخيارات يستحق الجهد؟! بالطبع ستختار الثاني! ولكن في حقيقة الأمر نحن نعيش مفارقةً عجيبة .. حالة من التناقض بين العقيدة والسلوك، نؤمن بأن لحظة توديع الدنيا تقترب ونراها تأخذ أعداداً ممن ساكنوننا ثم نغفل ونتناسى، ولا ينعكس ذلك الإيمان على سلوكنا، يشير القرآن إلى هذه المقارنة والمفارقة بين قرب الأجل مقابل استمرار الغفلة، يقول الله عز وجل «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ». لماذا علينا إذاً أن نستحضر فكرة الموت؟ لماذا يجب أن تظل هذه الفكرة المرعبة مصاحبةً لنا في كل وقت؟ أليست فكرة محبطة؟! عندما ينتاب الإنسان ألم النفس يرى أنها نهاية الكون؛ تصبح مباهج الحياة في عينيه من الشنائع؛ حتى كأنه يستهجن راحة الآخرين! يجد أن عذاباته جديرة أن تخسف لها شمس أهل الأرض؛ كل شيء يبكيه ويعذبه، حتى نفوق حشرة داس عليها طفل دون إدراك كأنما داس على روحٍ بتفاهة روحه هو! وهكذا يبدو الأمر: كل شخص يرى نفسه بمنأى أن يموت، على الرغم من إيمانه التام بحتمية الموت! لا أحد يدري من أين تأتي الثقة لهذا الإنسان بأن الموت سيتخطاه لنواياه الطيبة بحياة طويلة من أجل تحقيق أحلامه المؤجلة!رسالة أخيرة سنكتب عن حياتنا اليومية التي تاهت فيها أنفسنا حين اختلط الليل بالنهار؛ عن واجباتنا التي خادعنا فيها أرواحنا حين تكتظ الأسواق والمساجد فارغة .. عن تدمير العادات والحياة الاجتماعية والأمن النفسي نحو الآخرين؛ عن تجنبنا الدائم لفكرة الموت، رغم يقيننا التام بأنّه الحقيقة المطلقة التي سنواجهها ذات يوم، والمصيبة الأعظم في حياة البشرية.عن العجز الذي ضرب الأقوياء قبل الضعفاء في فهم ماهية الموت وطريقه نحو العالم الآخر. سنكتب؛ للتذكير والتبليغ، بأن الحياة الأبدية هي الحياة التي تستحق كل هذا الجهد.


البلاد البحرينية
منذ 4 أيام
- البلاد البحرينية
قرينة العاهل المعظم ترعى حفل تكريم الفائزات بجوائز مسابقة البحرين الكبرى لحفظ القرآن الكريم وتجويده
برعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله، نظمت وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بالتعاون مع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية حفل تكريم الفائزين بجوائز مسابقة البحرين الكبرى التاسعة والعشرين لحفظ القرآن الكريم وتجويده بقاعة المحاضرات والندوات بمركز عيسى الثقافي. وحضر الاحتفال الشيخة مرام بنت عيسى آل خليفة، مدير عام مكتب صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة ملك مملكة البحرين المعظم، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، حيث تفضلت بتوزيع الشهادات والجوائز على الفائزات بحفظ القرآن الكريم وعددهن 87 متسابقة، بالإضافة إلى تكريم الفائزة بجائزة أكبر متسابقة، والفائزة بجائزة أصغر متسابقة، والفائزة بجائزة مزمار داوود، كما تم تكريم المركز الفائز بجائزة أفضل مركز تحفيظ، إلى جانب تكريم 8 من المنظمات و15 من عضوات لجان التحكيم. وقد شارك في المسابقة 4,242 متسابقًا من الجنسين، من بينهم 1,598 من الذكور و2,644 من الإناث، حيث توزعوا على مختلف مسابقات الجائزة، وهي مسابقة الحفظ لطلبة المراكز والحلقات القرآنية، ومسابقة "بيان" لطلبة المدارس، ومسابقة "أجران" لذوي الهمم، ومسابقة "غفران" لنزلاء دور الإصلاح والتأهيل، ومسابقة "رضوان" لعموم الجمهور، ومسابقة "سلمان الفارسي" للناطقين بغير اللغة العربية، إلى جانب مسابقة التلاوة وحسن الأداء، فضلًا عن الجوائز الفردية وهي جائزة أكبر متسابقة، وجائزة أصغر متسابقة، وجائزة "مزمار داوود"، وجائزة أفضل مركز قرآني مشارك. يُشار إلى أن جائزة البحرين الكبرى للقرآن الكريم أحد أبرز المسابقات على مستوى مملكة البحرين والمنطقة والتي تشجع على حفظ وحسن تلاوة القرآن الكريم وتسهم في الارتقاء بالنواحي الفكرية والتعليمية للحافظات عبر الانفتاح على تعاليم الإسلام وإرشاداته المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ويُذكر أن جائزة البحرين الكبرى انطلقت في العام 1996 في عهد صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، وتحظى بشراكة مع وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ووزارة الداخلية، ووزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة التربية والتعليم، وتهدف الجائزة منذ انطلاقها إلى تبني حفظة القرآن الكريم المتميزين.