logo
التخلف التنموي في إقليم شيشاوة مقارنة بأزيلال: قراءة في ضوء خطاب الملك حول مغرب بسرعتين واختلالات تنزيل السياسات العمومية

التخلف التنموي في إقليم شيشاوة مقارنة بأزيلال: قراءة في ضوء خطاب الملك حول مغرب بسرعتين واختلالات تنزيل السياسات العمومية

في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على العرش، قدّم جلالة الملك محمد السادس تشخيصًا صريحًا ومباشرًا لوضع البلاد، مؤكدًا أن « لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين »، في إشارة واضحة إلى التفاوتات المجالية الصارخة التي ما تزال تقسم المغرب إلى مناطق متقدمة تستفيد من النمو والاستثمار، وأخرى تئن تحت وطأة الفقر والهشاشة والإقصاء. وقد أبرز الملك، في نفس السياق، أن التنمية الاقتصادية ومظاهر التقدم الصناعي والبنية التحتية الحديثة، على أهميتها، تفقد قيمتها إذا لم تُترجم إلى أثر ملموس في حياة المواطنين في جميع المناطق، دون تمييز أو تهميش. ولعل من أبرز النماذج التي تجسد هذا التفاوت العميق بين « مغربين »، ما تعرفه أقاليم الهامش، مثل إقليمي شيشاوة وأزيلال، من خصاص بنيوي، وإخفاقات متكررة في تحقيق العدالة المجالية.
يعتبر إقليم شيشاوة من المناطق التي تعاني من مظاهر مركبة للهشاشة، ليس فقط بسبب الفقر متعدد الأبعاد الذي تتجاوز نسبته 23%، ولا بسبب الأمية المتفشية التي تتعدى 67%، بل أيضًا بفعل تدهور الخدمات الاجتماعية، وضعف البنية التحتية، وغياب التوازن في توزيع الاستثمار العمومي. فرغم ما تحقق من مشاريع هنا وهناك، تبقى آثارها هامشية وغير مستدامة، بسبب غياب التخطيط التشاركي، وافتقار البرامج للتنسيق والنجاعة. وتنطبق على الإقليم مضامين ما أشار إليه الملك في خطابه من ضرورة تجاوز « المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية » نحو « مقاربة تنمية مجالية مندمجة »، إذ أن الواقع المحلي يُظهر بشكل جلي أن المشاريع التنموية المنجزة في شيشاوة غالبًا ما جاءت كاستجابات ظرفية، أو تحركات انتخابية موسمية، بدل أن تكون جزءًا من رؤية شمولية تنطلق من الواقع المجالي والاجتماعي وتراعي مبدأ الإنصاف.
ورغم أن الملك أكد بفخر تجاوز المغرب عتبة مؤشر التنمية البشرية، وانتقاله إلى مصاف الدول ذات « التنمية البشرية العالية »، إلا أنه عاد ليؤكد، بوعي عميق، أن هذا التقدم لا يعكس الحقيقة الميدانية في بعض المناطق، خصوصًا القروية، التي لا تزال تعاني من النقص الحاد في الخدمات الأساسية والبنيات التحتية، كما هو الحال في شيشاوة. ويبرز ذلك، على سبيل المثال، في تأخر فتح مستشفى القرب بإمنتانوت، وضعف التغطية الصحية، وسوء تدبير مراكز المستعجلات، في وقت تتزايد فيه معدلات الأمراض، وتنخفض مؤشرات الأمن الصحي، مما يناقض مبدأ الكرامة والعدالة المجالية التي دعا إليها الخطاب الملكي.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن ما تعرفه المنطقة من هشاشة في القطاع الفلاحي نتيجة تدهور الموارد المائية، واستمرار الاعتماد على تقنيات تقليدية، يضعف من قدرتها على خلق الثروة أو توفير الأمن الغذائي. ويُسجل هنا فشل مخطط المغرب الأخضر في تحقيق أثر ملموس بالإقليم، بسبب غياب العدالة في توزيع الدعم، وتوجيه الاستثمارات نحو جهات محددة دون مراعاة حاجيات الفلاحين الصغار، وهو ما يلتقي مع انتقادات الخطاب الملكي للإخفاق في تفعيل السياسات التنموية على قاعدة الشمول والتوازن.
وفي المقابل، سجل إقليم أزيلال، رغم تاريخه الطويل في التهميش، تحسنًا نسبيًا في بعض المؤشرات بفضل انخراطه في برامج دعم ترابي، ومبادرات محلية مدعومة من الشركاء الدوليين، كبرامج الطرق القروية والتجهيزات الأساسية، إلا أن ذلك لم يمنع اندلاع مسيرة آيت بوكماز في صيف 2025، حين قرر عشرات المواطنين قطع مسافات طويلة نحو بني ملال احتجاجًا على غياب شروط العيش الكريم. وقد جسدت هذه المسيرة رمزًا لما ورد في خطاب الملك حين قال: « ينبغي أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء ». وهو تصريح يلزم المؤسسات بتغيير جذري في منطق تدبير التنمية المجالية.
كما تطرق الخطاب الملكي إلى أهمية « تثمين الخصوصيات المحلية » و »اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية »، وهي إشارات توحي بإعادة توجيه البوصلة التنموية من المشاريع الكبرى التي تُنفذ من أعلى، نحو أخرى نابعة من حاجيات الساكنة وتُصاغ بشراكة مع الفاعلين المحليين، وهو ما يفتقده بشدة إقليم شيشاوة، حيث تغيب الرؤية الجهوية المندمجة، وتُسيس المشاريع الممولة من صندوق التنمية القروية، في غياب لمعايير واضحة للإنصاف والنجاعة.
لقد أبانت الفوارق بين شيشاوة وأزيلال، رغم تقاربهما من حيث الطبيعة السوسيو-مجالية، عن تأثير التخطيط المحلي، وفعالية الفاعل الترابي، ومدى انسجام المشاريع مع انتظارات الساكنة. فبينما تحقق أزيلال مكاسب متدرجة بفضل تراكمات مؤسساتية وتدخلات مهيكلة، يظل إقليم شيشاوة يعاني من وضع تنموي جامد، يتغذى من تشتت المسؤوليات، وضبابية الرؤية، وغياب التحفيز على الاستثمار، ويصدق عليه ما قاله الملك في خطابه: « تعرفون جيدًا أنني لن أكون راضيًا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم في تحسين ظروف عيش المواطنين في جميع المناطق ».
من هنا، فإن الإنصاف الترابي لم يعد مطلبًا نخبويًا أو شعارًا سياسياً، بل ضرورة وطنية لتأمين التماسك الاجتماعي، واستدامة النموذج التنموي الجديد. فمغرب اليوم بحاجة إلى إرادة حقيقية لتفعيل مبدأ العدالة المجالية، عبر مساءلة البرامج التي أخفقت في تقليص الفوارق، ومحاسبة المتدخلين الذين حوّلوا صناديق التنمية إلى أدوات انتخابية، ووضع الإنسان في قلب السياسات العمومية، فجوهر مضمون خطاب الملك أن لا تنمية بدون عدالة، ولا عدالة بدون إنصاف، ولا إنصاف بدون الاستماع الحقيقي إلى أصوات المواطنين، حيثما وُجدوا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عبد اللطيف حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني
عبد اللطيف حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني

صوت العدالة

timeمنذ 2 ساعات

  • صوت العدالة

عبد اللطيف حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني

صوت العدالة مكتب طنجة أشر المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف حموشي يوم الأربعاء 6 غشت الجاري، على قائمة جديدة تتضمن تعيين 24 مسؤولا جديدا في مناصب المسؤولية للتدبير الإداري والعملياتي للمصالح المركزية والجهوية للأمن الوطني. وقد شملت التعيينات الجديدة ترقية أطر أمنية متمرسة إلى المستوى الأول للقيادة الشرطية اللاممركزة، من بينهم تعيين نائب لوالي أمن بني ملال ونائب لرئيس الأمن الجهوي بمدينة تازة، فضلا عن تعيين رئيس بالنيابة للمنطقة الإقليمية للأمن بمدينة خريبكة. كما حرصت هذه التعيينات أيضا على وضع أطر أمنية نسوية على رأس مصالح مركزية ولا ممركزة للأمن الوطني، شملت تعيين رئيسة لمصلحة نظام التدبير المعلوماتي لدوائر الشرطة «GESTARR » التابع لمديرية الأمن العمومي، وتعيين رئيسة للمصلحة الإقليمية للعمل الاجتماعي بالأمن الإقليمي بالجديدة. وفي سياق مواكبة التظاهرات الرياضية الكبرى، وفي مقدمتها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، حملت لائحة التعيينات الأخيرة وضع أطر أمنية متخصصة على رأس فرق الأمن الرياضي التابع لولايتي أمن فاس وطنجة. وعلاوة على التعيينات السالفة الذكر، عرفت مصالح الأمن الوطني بمدن ورزازات ومراكش وكلميم وفاس وطنجة والرشيدية ومكناس وقرية با محمد وأكادير وسلا والدار البيضاء وضع الثقة في أطر أمنية لترأس مصالح أخرى للأمن العمومي والشرطة القضائية والاستعلامات العامة والعمل الاجتماعي. وتندرج هذه التعيينات الجديدة في سياق دينامية عمل متواصلة، تهدف إلى الرفع من كفاءة ومردودية الموارد البشرية الشرطية، عبر إتاحة التداول على مراكز المسؤولية، وإسناد التدبير الميداني لمرافق الشرطة لكفاءات أمنية عالية التكوين والتأهيل، وقادرة على تنزيل مخططات العمل الرامية لتعزيز أمن المواطن وضمان سلامة ممتلكاته.

تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني، عنوانها دعم الكفاءة المهنية وتعزيز الثقة في الشباب والعنصر النسوي
تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني، عنوانها دعم الكفاءة المهنية وتعزيز الثقة في الشباب والعنصر النسوي

كواليس اليوم

timeمنذ 3 ساعات

  • كواليس اليوم

تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني، عنوانها دعم الكفاءة المهنية وتعزيز الثقة في الشباب والعنصر النسوي

أشر المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف حموشي، زوال اليوم الأربعاء 6 غشت الجاري، على قائمة جديدة تتضمن تعيين 24 مسؤولا جديدا في مناصب المسؤولية للتدبير الإداري والعملياتي للمصالح المركزية والجهوية للأمن الوطني. وقد شملت التعيينات الجديدة ترقية أطر أمنية متمرسة إلى المستوى الأول للقيادة الشرطية اللاممركزة، من بينهم تعيين نائب لوالي أمن بني ملال ونائب لرئيس الأمن الجهوي بمدينة تازة، فضلا عن تعيين رئيس بالنيابة للمنطقة الإقليمية للأمن بمدينة خريبكة. كما حرصت هذه التعيينات أيضا على وضع أطر أمنية نسوية على رأس مصالح مركزية ولا ممركزة للأمن الوطني، شملت تعيين رئيسة لمصلحة نظام التدبير المعلوماتي لدوائر الشرطة «GESTARR » التابع لمديرية الأمن العمومي، وتعيين رئيسة للمصلحة الإقليمية للعمل الاجتماعي بالأمن الإقليمي بالجديدة. وفي سياق مواكبة التظاهرات الرياضية الكبرى، وفي مقدمتها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، حملت لائحة التعيينات الأخيرة وضع أطر أمنية متخصصة على رأس فرق الأمن الرياضي التابع لولايتي أمن فاس وطنجة. وعلاوة على التعيينات السالفة الذكر، عرفت مصالح الأمن الوطني بمدن ورزازات ومراكش وكلميم وفاس وطنجة والرشيدية ومكناس وقرية با محمد وأكادير وسلا والدار البيضاء وضع الثقة في أطر أمنية لترأس مصالح أخرى للأمن العمومي والشرطة القضائية والاستعلامات العامة والعمل الاجتماعي. وتندرج هذه التعيينات الجديدة في سياق دينامية عمل متواصلة، تهدف إلى الرفع من كفاءة ومردودية الموارد البشرية الشرطية، عبر إتاحة التداول على مراكز المسؤولية، وإسناد التدبير الميداني لمرافق الشرطة لكفاءات أمنية عالية التكوين والتأهيل، وقادرة على تنزيل مخططات العمل الرامية لتعزيز أمن المواطن وضمان سلامة ممتلكاته.

تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني، عنوانها دعم الكفاءة المهنية وتعزيز الثقة في الشباب والعنصر النسوي
تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني، عنوانها دعم الكفاءة المهنية وتعزيز الثقة في الشباب والعنصر النسوي

العيون الآن

timeمنذ 3 ساعات

  • العيون الآن

تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني، عنوانها دعم الكفاءة المهنية وتعزيز الثقة في الشباب والعنصر النسوي

العيون الآن تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني، عنوانها دعم الكفاءة المهنية وتعزيز الثقة في الشباب والعنصر النسوي أشر المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف حموشي، زوال اليوم الأربعاء 6 غشت الجاري، على قائمة جديدة تتضمن تعيين 24 مسؤولا جديدا في مناصب المسؤولية للتدبير الإداري والعملياتي للمصالح المركزية والجهوية للأمن الوطني. اقرأ أيضا... وقد شملت التعيينات الجديدة ترقية أطر أمنية متمرسة إلى المستوى الأول للقيادة الشرطية اللاممركزة، من بينهم تعيين نائب لوالي أمن بني ملال ونائب لرئيس الأمن الجهوي بمدينة تازة، فضلا عن تعيين رئيس بالنيابة للمنطقة الإقليمية للأمن بمدينة خريبكة. كما حرصت هذه التعيينات أيضا على وضع أطر أمنية نسوية على رأس مصالح مركزية ولا ممركزة للأمن الوطني، شملت تعيين رئيسة لمصلحة نظام التدبير المعلوماتي لدوائر الشرطة «GESTARR » التابع لمديرية الأمن العمومي، وتعيين رئيسة للمصلحة الإقليمية للعمل الاجتماعي بالأمن الإقليمي بالجديدة. وفي سياق مواكبة التظاهرات الرياضية الكبرى، وفي مقدمتها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، حملت لائحة التعيينات الأخيرة وضع أطر أمنية متخصصة على رأس فرق الأمن الرياضي التابع لولايتي أمن فاس وطنجة. وعلاوة على التعيينات السالفة الذكر، عرفت مصالح الأمن الوطني بمدن ورزازات ومراكش وكلميم وفاس وطنجة والرشيدية ومكناس وقرية با محمد وأكادير وسلا والدار البيضاء وضع الثقة في أطر أمنية لترأس مصالح أخرى للأمن العمومي والشرطة القضائية والاستعلامات العامة والعمل الاجتماعي. وتندرج هذه التعيينات الجديدة في سياق دينامية عمل متواصلة، تهدف إلى الرفع من كفاءة ومردودية الموارد البشرية الشرطية، عبر إتاحة التداول على مراكز المسؤولية، وإسناد التدبير الميداني لمرافق الشرطة لكفاءات أمنية عالية التكوين والتأهيل، وقادرة على تنزيل مخططات العمل الرامية لتعزيز أمن المواطن وضمان سلامة ممتلكاته.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store